المقالات

01 فبراير 2021

أنْبَا أنْدْرَاوُسُ أُسقُفُ دِمْيَاط (رُوَّاد مدارس أحد إسكندرية)

لمدينة الإسكندرية تاريخٌ ناريّ في الغيرة الإلهية على مدى الأجيال المتعاقبة،وقد استمرت كمركز إشعاع كرازي لخدمة مستنيرة ومنيرة في إيقاظ الحِسّ والإدراك لدوائر واسعة من حولها بالامتداد.أيضًا للإسكندرية تاريخٌ عطريٌ ونورانيٌ في بشارة الكلمة والتعليم، طَبَعَ ملامحه على مدارس الأحد فيها، لتصير مدرسةً للروحانية الأرثوذكسية واللاهوت؛منذ بدايات مدرستها القُدسية الأولى.. ومنهجاً للأخلاق والسلوك الإنجيلي، فكراًومنهجاً وتلمذة آبائية واحدة، وممارسة لحياة الأسرار والذبيحة الواحدة نفسها.لذلك نفخر أننا رأينا وعاصرنا تقوى الخدام وقداسة سيرتهم وعمق معرفتهم الاختبارية، وحفظهم لجدة الإيمان العامل؛ الذي عَبَّروا عن مساره من (أورشليم المخدع - إلى أورشليم النفس - ومنها إلى أورشليم المحيط الخاص).فأنتجت مدارس الأحد السكندرية أيضاً للكنيسة ثمارًا من أفخر الثمار؛ والذين من بينهم القمص موسى البسيط «المتنيح أنبا أندراوس أسقف دمياط »، صاحب الهِمّة والغيرة التي دفعته أن يذهب إلى ضواحي الإسكندرية لخدمتها؛ بأُفُق متسع وبالتحلي بمواهب الروح القدس؛ التي انطبعت على وجهه الملائكي، الذي كان كل من يتطلع إليه وهو في الجسد؛ يرى فيه إطلالة وجه المسيح في الوجود التاريخي؛ويستمع إلى صوته الروحاني العذب؛ منشداً نشيد الأبدية بالأفراح التي ارتسمت على وجهه؛ وطعام الحق خارج من فيه؛ وشرابه الروح الذي يعطيه؛ ونَسِيمه رائحة التقديس التي أغنته عن كل عوز خارج عنه... تاركاً لكُرَّاسات خَطِّيَّة مكتوبة؛كتب فيها التسبحة بقيثارة قلبه العفيف؛ وحنجرته ذات الأوتار؛ عارفاً ما يقوله؛ومزيَّنا بالبهجة المثلثة الطوبىَ؛ أحلى من العسل في حضرة مليكنا؛ الذي دعاه لملكوته وقَصَّر عنه لكي يستريح. لذلك سبق وشهد له قدامىَ الخدام بعد رُقاده؛إنه تدرب على روح السفر والترك؛ روح العبور والغُربة؛ روح الانتقال والارتحال؛للاستعداد المبكِّر للرحيل.كان خادمًا نابغة؛ عاش التقليد الكنسي، وذهب إلى القرى البعيدة؛ مكرِّساً حياته على مذبح البتولية الطاهر في نذر الرهبنة؛ من دون أي تغيير أو استحداث زمني متغير؛ حتى صار ناسكاً وراهباً أسقفاً في الكنيسة الفاخرة، وثمرةً ناضجةً أينعت في حقل مدارس الأحد؛ لتُعِدَّ أجيالاً واعدةً؛ أساقفة وكهنة ورهباناً وخداماًوأراخنة ومؤمنين؛ جميعهم متعلمين من الله. هؤلاء الرواد صاروا علاماتٍ على الطريق؛ جعلوا القديم جديداً؛ والماضي أصبح حاضراً بقوة التجديد والإحياء والنمو؛لأنهم ربيع دائم لا ينطفئ سراجُهُ.وُلد نبيه عزيز موسى في ۱٠ أبريل ۱٩۳٠ م وخدم في مدارس الأحد منذ عام ١٩٤٥ م - تخرج من كلية هندسة (جامعة الإسكندرية) سنة ١٩٥٢ ؛ ثم ترهبن عام ١٩٥٥ م بإسم الراهب موسى السرياني البسيط - عُيِّن سكرتيراً للبابا كيرلس السادس عام ١٩٦٠ م - رُسِم أسقفاً عام ١٩٦٩ م، خدم في اجتماع الشباب الخاص بالإسكندرية عام ١٩٤٧ م بكنيسة العذراء محرم بك. والدُهُ المهندس عزيز وإخوته القمص رويس عزيز والقمص انطونيوس عزيز (بمطرانية البحيرة).اهتم بفروع مدارس الأحد في منطقة غيط العنب وكرموز وكوم الدكة؛ وزامله في خدمتها د. بهجت عطالله والخادم جلال فوزي؛ حتى صار أميناً لخدمتها. تخرَّج من كلية هندسة الإسكندرية عام 1952 م، صَمَّم نافورة مياه باب شرقي بالإسكندرية ونفَّذها؛ ونال عنها مكافأة قدرها ٣٠جنيهاً.عاش راهباً وظل راهباً ومتوحدًا يعيش في سيرة ملائكية مُفعَمة بالمحبة والتسامح والمصالحة؛ متمسكًا بما عنده؛ حتى صار الشبه الإلهي يلمع ويضيء في أفعاله؛وبَقِيَتْ سيرة خدمته تشعّ بنورها؛ يسير على نَسْجِهَا الغروس الجُدُد؛ ويكون المزكَّوْن ظاهرين.كتب رسالة لخادم صديق له يقول فيها:- «لا أحب أن أتدخل في مشاكل أَنْأىَ بنفسي عنها؛ لأن خدمة المسيح فرح وسلام.. أسكبُ نفسي أمام الله كي يحل فيَّ الهدوء، ويُبعد عن خدمة أولاده كل شر، ولا يسمح أن نضيِّع وقتنا؛ فيصبح الجو غيرالجو. هذه الخدمة تكونت بالعرق والتعب؛ وعَصَرَتْ الخدامَ فيها التجاربُ؛ وأكلوا خُبْز الوجع. لذلك لازم نتعلم أن تغيب الشمس ويغيب معها شر اليوم؛ لنستيقظ على توبة وفرح ورجاء لا يُخزىَ .«انتقل أنبا أندراوس الأسقف البسيط تلميذ وخادم مدارس الأحد إلى المجد في غروب يوم ٤ أغسطس ١٩٧٢ م عن عمر ٤٢ سنة، وأحدثت نياحته – (اختطافه بغتة) - أَثَراً عميقاً في قلوب الشعب الذين يذكرونه؛ بالذِكر الحسن كخادم أمين وبسيط؛ مغمور بمحبة الله؛ وقد رأوا فيه وداعة المسيح وهدوءه.. يذكرون سيرته كناسك من طراز نادر في وادي الريان؛ وكراهب وسكرتير للقديس البابا كيرلس السادس؛ وكراعٍ يجتاز في المدن والقرى؛ متجولاً في براري بلقاس ودمياط وكفر الشيخ؛ ليخدم حتى وقت إصابته بالحُمَّى الشديدة التي سبقت خروج نفسه من جسده؛ ولأنه ليس عند الله ما هو من قبيل الصدفة؛ فقد انطبق عليه ما جاء في سفرالحكمة لسليمان الحكيم «أما الصِّدِّيق فإنه وإن تَعَجَّلَه الموتُ؛ يستتر في الراحة .»هذا وقد وُضع جسده في مدفن الأساقفة بدير الشهيدة العفيفة دميانة بالبراري؛ نيَّح الله نفسه الطاهرة؛ ونفَّعنا بصلواته وبركة سيرته. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
05 ديسمبر 2020

المقالة العشرون في أيهما أفضل البكاء أم الضحك

بدء انقلاب نفس العابد الضحك والدالة، فإذا رأيت ذاتك فيهما، فأعرف أنكَ قد انتهيت إلى قعر الشرور، فلا تفتر متضرعاً إلى اللـه أن ينجيك من هذا الموت. الضحك والدالة يهلكان أثمار العابد، الضحك والدالة يجعلانه يتكردس إلى الآلام القبيحة، الضحك والدالة يحدرانه إلى أسفل، وقد قال أحد القديسين عن الدالة: أن الدالة ريح الشوب تفسد أثمار العابد. وعن الضحك أسمع الآن، الضحك يطرح النوح خارجاً، وينقض الفضائل المبنية، الضحك يُحزن الروح القدس، ولا ينفع النفس، ويفسد الجسد، يطرد الفضائل، وليس فيه ذكر الموت، ولا دراسة العذاب. أنزع مني يارب الضحك، وأعطيني النوح والبكاء الذين تطلبهما مني. بدء النوح أن يعرف الإنسان ذاته، وليكن نوحاً لا من أجل إنسان ولا لنشاهد الناس، لكن من أجل اللـه العارف مكتومات القلب، لكي ما نُطوَّب منه ونغبط. ولنكن من الآن حسان الوجه، مبتهجون بالروح القدس بمواهب الرب باكين نائحين بمعقولنا، مستعطفين اللـه كي يحفظنا من كل نوع خبيث لئلا نعدم ملك السماوات بالخيرات التي عدها اللـه للذين يرضونه. النوح يبني ويحفظ، النوح يروض النفس ويرضها نقية طاهرةً، النوح يولد العفة، ويقطع اللذات، ويقوم الفضائل. وماذا أقول أيضاً: النوح يطوب من اللـه ومن الملائكة، فلذلك واحد من تلاميذ الرب قال: ينبغي أن يعود ضحككم نوحاً وفرحكم اكتئاباً. تواضعوا إذاً تحت يد اللـه العزيزة فيعليكم. ماذا أصنع أنا الخاطئ، إذ لم أنح ولم أبكي على نفسي بتخشع، لأنني أتكلم ولا أعمل، ويلي كيف أتَهاون وكيف أتوانى في خلاصي ؟ ويلي لأنني بمعرفة أخطئ، أعرف فعل الشر ولا أعطف ذاتي عنه، ويلي فإنني بلا معذرة لأنه بأقوالي يحسبني قوماً أنني من ذوي اليمين، وبأفعالي أقف عن اليسار. لك يارب، أيها الصالح والفاقد الحقد وحدك، أعترف بخطيئتي، وإن صمت أنا تعرف كل الأشياء وليس شيء مكتوماً من اتجاه عينيك، لكن قد قلت يارب بنبيك: قل خطاياك لكي ما تخلص. قد أخطأت يارب قد أخطأت، ولست أهلاً أن أتفرس وأبصر علو السماء من قبل وفور آثامي، لأنني من أجل لذة يسيرة تَهاونت بالنار. ماذا أصنع أنا الأشقى من كل الناس ؟ أبكي على ذاتي ما دام يوجد وقت تقبل فيه الدموع، هب لي أيها الصالح الرحوم وحدك دموع خشوع، لكي ما أتوسل بِها إليك أن تطهر وسخ قلبي. ويلي ماذا أصنع في جهنم وفي الظلمة القصوى حيث البكاء وصرير الأسنان، ماذا أعمل نحو الزمهرير والعذاب الذي لا ينقضي، والدود النافث السم الذي لا يرقد، وماذا أصنع عند تَهويل الملائكة الموكلين بالعقوبات، لأنَهم مرهبون وغير راحمين. من يعطي لرأسي ماء وعيني ينبوع دموع فأجلس أبكي ليلاً ونَهاراً لأستعطف الإله الذي أسخطه. يا نفس قد أخطأْت فتوبي، فإن أيامنا تعبر عبور الظل بعد قليل أيضاً وننصرف من هنا، يا نفس أنت عازمة أن تعبري في أماكن مخيفة، فلا تسوفي يوماً فيوماً أن تعودي إلى الرب. يا نفسي طردتِ بالأفعال الدنسة الملائكة القديسين الذين يحفظونك، فلا تمنحي ذاتك راحة ولا تفتري حدقة عينيك من السجود للإله الصالح المتعطف على البشر ليعطيك معونة من العلي. يا إخوتي نحن مزمعون ليس بعد حين طويل أن نعبر أماكن مخيفة، وغير ممكن أن لا نعبر تلك الطريق، وليس أحد من هنا يرافقنا للمعونة، لا والدان ولا إخوة ولا أصدقاء ولا جنس ولا غنى ولا شيء من نظائر هذه. فلا نتوانى في الأعمال الصالحة التي سنجدها في زمان الحاجة، ولنستفق في هذا الدهر لئلا يقبض علينا بعد الفراق رؤساء الظلمة، ومن المُعِين والفادي في تلك الساعة من أيديهم إن صودفنا مجردين من ستر اللـه. إن رؤساء الظلمة متمردون وغير رحومين، لا يرهبون ملكاً ولا يكرمون أميراً، ولا يبجلون صغيراً ولا كبيراً، سوى العائش بالديانة البهية فقط، صاحب الأعمال الصالحة، من وجه هذا يرهبون ويعتزلون ويخافون ويولولون منهزمين بتسارع كثير. كما كتب: أن النعمة والرحمة سابغتان على مختاريه وتعهده لأبراره. ويقول أيضاً: إن نفوس الصديقين بيد الرب، ولا يمسهم العذاب، لأن عدلهم يتقدم فيصير قدام وجوههم، ومجد اللـه يجللهم. حينئذٍ يصرخون، فيستجيب لهم الرب، وفي حين تكلمهم، يقول هاأنذا قد حضرت لأن صادقاً الواعد. مغبوط من يوجد حراً في ساعة الفراق، لا نتوانى يا إخوتي الأحباء، ولا نجذب إلى ذاتنا الأشياء الأجنبية الضارة البالية، لأن تلك الطريق تحل كل شيء. إذا حانت ساعة الفراق تذبل اللذات، وتَهلك التنعم والشرف الباطل، فيبيد الغنى وحب الرئاسة إذا حضرة ساعة الفراق، وهذه كلها ونظائرها تنحل وتزول. أيها الرب إذا تذكرت تلك الساعة فأَخر ساجداً لصلاحك ألا تسلمني إلى الذين يظلمونني، لئلا يفتخر أعدائي على عبدك، مصريّ أسنانَهم، ومفزعي نفسي الخاطئة. يقولون: قد حصلت في أيدينا ؛ ودفعت إلينا، فهذا اليوم الذي كنا ننتظره. يارب لا تنسى رأفاتك، لا تكافئني نظير أثمي، ولا تعرض بوجهك عني، لا تقل لي حقاً أقول لك أنني ليستُ أعرفك، أنت يارب أدبني لكي أبرأ برأفاتك، ولا تشمت بي العدو بل أخمد تَهويله، وبطل كافة حيله، وامنحني الطريق إليك غير مذمومة. أيها الرب الصالح عزني لا باستقامتى لكن برأفاتك، ومن أجل صلاحك الجزيل خلص من الموت نفساً مغمومة. اذكر أيها الصالح أنني لما أخطأت وجرحت بكلوم تقارب الموت، ما لجأت إلى طبيب أخر، ولا بسطت يدي إلى إله غريب، بل إلى خيريتك، لأنك أنت إله الكل الماسك كل نسمة. أنت يارب قلت اسألوا تعطوا، نقني أيها الرب قبل الوفاة من كل خطيئة، ولا ترفض طلبتي أيها الرب الصالح، ها فمي غير مستحق يهتف إليك، وقلبي غير نقي، ونفسي مدنسة بالخطايا. أستجب لي يارب من أجل صلاحك لأنك لا تطرح وسيلة التائبين بالحقيقة. أما توبتي أنا فغير نقية بل مفسودة، لأني أتوب ساعة وأخطئ وأسخطك ساعتين، وطد قلبي بمخافتك، أقم رجلي على صخرة التوبة، ليغلب صلاحك الرذيلة التي فيَّ. يا من فتحت عيون العميان، أفتح عيني ذهني المظلمتين، يا من طهرت البرص بكلمة، طهر أدناس نفسي، لتصر يارب نعمتك فيَّ كالنار تحرق الأفكار النجسة التي فيَّ لأنك أنت هو النور الذي يفوق كل سرور، الراحة التي تسموا على كل راحة، الحياة الحقيقية، الخلاص الباقي إلى الأبد. لك وحدك أجثو ساجداً متضرعاً، أنا المستوجب كل عذاب، أنا المستحق كل عقاب. إليك أيها الفادي أبتهل متوسلاً ألا يدركني المضاد في الانقضاء، لكن أنت بما أنك صالح وغير حقود ورحوم، انْهض أعضائي التي هشمتها الخطيئة، أضئ قلبي الذي أظلمته الشهوة الخبيثة. ونجني من كل عمل خبيث، وألمع فيَّ يارب يسوع المسيح مخلص العالم محبتك الكاملة، وأكتب اسم عبدك في سفر الحياة، وأهب لي نِهاية صالحة، لكي ما أرفع راية الظفر، وأسجد بلا خجل أمام عرش ملكك مع كافة القديسين. إنه بك يليق المجد إلى الدهور. آمين. فأطلب إليكم يا إخوتي الأحباء، المختارين من اللـه، أن تطلبوا من أجلي أنا الخاطئ إلى اللـه، كما طلب الرسل من أجل الكنعانية، لأنكم أنتم المستحقون أن تشفعوا فيَّ أنا الغير مستحق، أيها المكرمون اسألوا فيَّ أنا الحقير لكي ما تدخل طلبتي في جملة طلباتكم المقبولة قدام اللـه. لأنه يليق بك العز والعظمة والمجد الآن ودائماً وإلى كافة الدهور. آمين. مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
13 مارس 2021

إنجيل عشية الأحد الأول من الصوم الكبير

مت 34:6- 12:7 فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره." لا تدينوا لكي لا تدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك؟ يا مرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيد أن تخرج القذى من عين أخيك! لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير،لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم. " اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم. لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له. أم أي إنسان منكم إذا سألته ابنه خبزا، يعطيه حجرا؟ وإن سأله سمكة، يعطيه حية؟ فإن كنتم وأنت أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السماوات، يهب خيرات للذين يسألونه! فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم، لأن هذا هوالناموس والأنبياء . الصوم المقبول عشية الأحد الأول من الصوم الكبير بعد أسبوع الاستعداد تصنع في الواقع برنامج الصوم وهدفه الأسمى، كاشتراك مع المسيح الذي صام عنا أربعين نهارا وأربعين ليلة.وإن سألت ما هو المنهج والبرنامج الذي يجب أن أتبعه وما هو مطلوب مني لكي أقدم للرب صومامقبولاً يختاره الرب ويرضى عنه لأن الصوم ليس هو صوم الطعام والانقطاع عنه، فلو كان كذلك لأصبح عملاً جسديا فحسب، وليس الصوم هو عادة ورثناها من الآباء وتقاليد نمارسها ومواسم نعيشها.بل في الواقع إذا خلا الصوم من الهدف الذي جعل من أجله فإنه يفقد معناه تماما ويصير عبئًا على الجسد يود الإنسان لو لم يصم أو على الأكثر يشتهي أن ينتهي الصوم أو يتحايل الإنسان عليه بطرق التحايل الكثيرة.لذلك فإن نما فينا الوعي الروحي واستوعبنا ما عاشته الكنيسة المقدسة وما وضعه الآباء بالروح لأجلنا لجنينا ثمار الصوم المقدس ولأزهرت أرواحنا في موسم ربيع الحياة الروحية. وفصل الإنجيل هو جزء من الموعظة على الجبل الذي هو دستور المسيحيين يبدأ بعدم الهم والاضطراب من أجل الغد، وهذا هو الجانب السلبي أما الإيجابي فهو الاتكال على االله الذي هو رب الغد ومدبر الغد. لأن مستقبلنا هو في المسيح.وشتان بين الهم والاهتمام والتدبيرفالهم هو الاضطراب والخوف والقلق واليأس وهذا يلغي كل النواحي الطيبة من الإيمان باالله والثقة والاتكال عليه وإلقاء الهم كله على االله. هو الذي خلقنا، وهو الذي عالنا ويعولنا وفي يده مقاليد الأمور،ومواعيد صادقة وأمينة وكلمته أثبت من السماء والأرض.أما الاهتمام والتدبير فأمر ممدوح حين يدبر الإنسان أموره بدون قلق ملقيا كل همه على االله واثقًاأنه "إن لم يبن الرب البيت فباطلاً تعب البناؤون، فالإنسان المدبر، يستلهم روح حكمة في التدبير بالصلاة الكثيرة وطلب مشورة االله ويعمل أموره بلا ارتباك ولا اضطراب بل قلبه ثابت متكل على االله. هذه هي نقطة بداية للإنسان الصائم الذي كف ولو إلى حين عن أن يستمد حياته من طعام الجسد بل هو يحاول أن يحيا حياة لا تتكل على طعام الجسد بل يستمد فوته من الروح الذي فيه. فهي ارتفاع عن مطالب الجسد ليس احتقارا للجسد، ولكن انحيازا للروح لاختبار ما هو روحي وما يخص مستقبلنا في المسيح يسوع حين نخلع جسد هذا الموت.ثم تأتي بعد ذلك وصايا السلوك المسيحي التي تقود للكمال إن كان الإنسان في صومه يجاهد لحفظها. عدم دينونة الآخرين – لا تدينوا وليس الأمر سهلاً، ولكن كما قال الرب باب ضيق وطريق كربة أن يغض الإنسان نظره عن الآخرين ويكف عن دينونتهم. وهذا يتطلب قلبا نقيا لا يرى العيوب في الآخرين ويحتاج إلى حب صادق لأن الذي يحب لا يدين مطلقًا. فالنظر إلى القذى في عين الأخ ومحاولة إخراجه كمن يعمل خيرا بالقريب يحتاج نزع الخشبة التي في عيننا أولاً... وهذا هو الاهتمام الأول في الصوم، أعني التوبة والرجوع إلى االله وطلب المراحم من أجل خطايانا الكثيرة .كل ألحان الصوم الكبير وقراءاته مركزة حول التوبة والندم والرجوع إلى االله من كل القلب.أما من جهة علاج الدينونة فالمسيح في نهاية حديثه يقول: "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلواأنتم بهم هكذا لأن هذا هو الناموس والأنبياء". فإن أردت أن تتخلص من مرض الدينونة للآخرين ضع نفسك مكان من تدينه وسل نفسك كيف تريد أن ينظر إليك الناس وكيف يعاملونك لو كنت أنت مكان الخاطيء الذي تدين أعماله وتصرفاته!! فإن كنت أنا أكرز ألا يسرق، وإن سقط أحد في هذه الرذيلة فإني أحكم عليه، فماذا لو سقطت أنا في ذات الخطية وضبطت متلبسا بها؟ ألا أريد أن تعاملني الناس برحمة ويلتمسوا لي عذرا أو يسامحوني، ويقبلون ما أقول لتبرير نفسي، كل ذلك أريده إذا كنت أنا الخاطيء، فإن كنت أريد ذلك فلأفعله مع أخي بالتمام والكمال وإن صنعت ذلك فلن أدين أحدا، وأنجو من دينونة الديان الذي قال: "لا تدينوا لكي لا تدانوا". الرياء في منهج الصوم كما رسمه المسيح أن يكف الإنسان عن الرياء وطلب مجد الناس فحين يصوم يغسل وجهه ويدهن رأسه ولا يظهر للناس صائما، بل يخفي صومه عن الناس ولا يسلك بوجهين ولا يكون ذا لسانين، فالذي يدين أخاه وهو في نفس الوقت خاطيء يحتاج إلى إصلاح نفسه يدعوه الرب مرائيا "يا مرائي اخرج أولاً الخشبة من عينك". هذا هو سلوك الرياء. فالرب وضع في المنهج أن لا يسلك الإنسان مرائيا...بل يكون متضعا وصريحا مع نفسه في إصلاح سيرته. اسألوا تعطوا يكثر السؤال والصلاة في الصوم، والرب مستعد دائما أن يعطي بل هو مصدر العطاء والخير، ولا يمنع الإنسان من الأخذ إلا نفسه. ولا يحرم الإنسان من التمتع بعطايا المسيح إلا ذاته، لأن وعد المسيح أن "كل من يسأل يأخذ وكل من يطلب يجد وكل من يقرع يفتح له".والقديس يعقوب الرسول يعلق على هذا القول بقوله: "لكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة لأن الذي ليس عنده إيمان لا يظن أنه ينال شيئًا من قبل الرب". يطلب بحسب مشيئة االله ومسرته لأن الإنسان كثيرا ما يطلب رديا لكي يخدم حاجات الجسد وينفق في شهواته. ويطلب ملكوت االله قائلاً ليأت ملكوتك لأن طالب ملكوت االله لابد أن يناله ويحيا به وفيه. ويثق أن االله يسمعنا حال طلبنا ويميل أذنه نحو سؤالنا وهو يعطيناأكثر مما نسأل أو نفهم .أما وقت للاستجابة فليس لنا، لأنه يعرف ما نحتاج إليه قبل أن نسأل ويعرف ما هو نافع ومتى يصير لنا... لذلك تأخرت كثيرا استجابة الصلوات هذا في نظر الناس أما االله فيعرف كيف يكون الشيء حسن في أوانه الخاص مثل ولادة إسحق وولادة يوحنا المعمدان. أما ما يثبت صدق مواعيد االله في استجابة طلبتنا ويرسخ في ذهننا أن لابد أن يعطينا فهو ما أوضحه المسيح أن االله أبونا وهذه النعمة التي صارت لنا في شخص يسوع أن صرنا أولاد االله لأن كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد االله. ولكي يثبت المسيح هذا التعليم بل هذا الواقع الذي صرنا إليه بإيماننا بالمسيح توسط بأمثال كيف أن آباء الجسد يعطون أولادهم عطايا جيدة رغم كونهم خطاة فكم بالحري أبونا السماوي غير الخاطيء وكلي الصلاح يعطي الخيرات للذين يسألونه. فنحن نسأل أبانا ومن هذا المنطق نعرف أنه يعطينا من فيض أبوته كل ما هو نافع لنا للحياة والتقوى لخلاص نفوسنا ولكن قمة عطايا الآب لنا هي أنه أعطانا روحه ساكنًا فينا وأنعم علينا بنعمة البنوة، انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد االله". المتنيح القمص لوقا سيداروس (عن كتاب "تأملات فى أناجيل عشيات الآحاد")
المزيد
04 مايو 2021

الخمسين المقدسة

الخمسين المقدسة هي فترة الاحتفال بعيد القيامة المجيد، الذي فيه نفرح بالنصرة على الموت الذي ينتصر على الجميع. ويمتد الفرح ليشمل الإمكانيات التي وهبها لنا الرب القائم لنعيش هذه العطية بطريقة عملية حقيقية تفيدنا روحيًا لنكمل الفترة كلها في مراجعة أحداث القيامة ومشاركة الذين رأوا هذه الأحداث، ولكن بإيمان قلبي يفوق الرؤية، وبنفس الفرح الفائق بالحياة الأبدية التي أعلنها الرب القائم.(1) موكب أيقونة القيامة: ونحن نردّد لحن "خريستوس آنستي" وندور في الكنيسة بدورة عكس عقارب الساعة، لأن القيامة تعلن الحياة الأبدية التي فوق الزمن، ونقدم البخور لأيقونة القيامة بإحساس ومعنى تقصده الكنيسة وهو فرح التلاميذ والمريمات بوجود المسيح معهم طيلة 40 يومًا، يظهر لهم وينقل لهم معاني روحية فائقة، ويعبدون بنغمات الفرح الغالب للألم والضيق، ويقدم الوجه الآخر للصليب الذي نحمله لأجل الإيمان.(2) لحن يا كل الصفوف: الذي يعلن اشتراك السمائيين مع الكنيسة بهذه القيامة، إذ الملائكة قدموا ما يؤكد القيامة بدحرجة الحجر الذي لا يستطيع التلاميذ دحرجته إطلاقًا، ونقول في قسمة القداس: "ميخائيل رئيس الملائكة نزل من السماء، ودحرج الحجر عن فم القبر، وبشر النسوة حاملات الطيب قائلًا: المسيح قام من بين الأموات"... كذلك يصف اللحن الرب القائم مؤكدًا أن الموت لم ينل منه، فشبّهه بالنائم الذي انتفض من مرقده بدون أيّ تأثير للموت عليه فكان كالثمل من الخمر، وهذا لا يتعارض مع حقيقة موته ودفنه، وإنما دلالته في أن القيامة مَحَتْ كل أثر للموت، فلم يعد هناك آثار للجلد ولا للصلب إلّا أثر المسامير في اليدين والرجلين وأثر الحربة في الجنب، ليؤكد أن الذي قام هو الذي صُلب، وبهذا يُنهي العبودية اَلْمُرهَّ التي حلت بالبشرية نتيجة تسلط الخطية وعقوبة الموت على الإنسان.(3) تقديم البخور لأيقونة القيامة: بمعنى تأكيد ألوهية الرب القائم من الأموات، وأنه قام بقوة لاهوته لكي يمنح طبيعتنا البشرية النصرة على الموت ونوال الحياة الحقيقية في السماء إلى الأبد، لذلك نقدم له العبادة والشكر والتسبيح. فمع البخور نقول 3 قطع نرددها مع 3 أيادي بخور: فمع اليد الأولى نقول: "نسجد لك أيها المسيح إلهنا القائم من بين الأموات"... وفي اليد الثانية نقول: "يا من قُمتَ من بين الأموات امنحنا قوة قيامتك".. وفي اليد الثالثة نقول: "السلام للقيامة التي بها نلنا الحياة الأبدية". والبخور نقدمه بانحناء الرأس 3 مرات، في كل يد بخور ننحني ممجدِّين إلهنا واهب الحياة.(4) لحن القيامة قبل لحن آجيوس: وهو تعبير عن الوفاء لمن منحنا سلطان الحياة الغالبة للموت وليس بعدها موت، وهذا ما ينعكس على إحساس التلاميذ في كرازتهم وشهادتهم وقبولهم الموت والاستشهاد بدون خوف... فنجد بطرس الرسول وافق ليس على الصلب فقط بل على الصلب مُنكَّس الرأس، وهذا أصعب بكثير لأن آلامه صعبه جدًا، وباختياره بشجاعة وبدون خوف ولا تَحَسُّبَ للموت أو للألم الصعب.. إن كل هذا هو تصوير حقيقي لأثر القيامة في حياة الكنيسة والمؤمنين على مر الأيام. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
02 يونيو 2021

نؤمن بقيامة الأموات وحياة الدهر الآتى ( قانون الإيمان )

إننا نقول فى ( قانون الإيمان ) : " ننتظر قيامة الأموات ، وحياة الدهر الآتى " 000 فبالقيامة ننتقل إلى السماء ، إلى الدهر الآتى 0 إلى عالم آخر غير عالمنا الحالى فما هو ؟ وما طبيعة الحياة فيه ؟ لو كانت الحياة فى الآخرة مثل حياتنا ههنا على الأرض ، إذن ما هو الفرق ؟! وما معنى النعيم الأبدى ؟ وما معنى ملكوت السموات ؟ وما هى المكافآت التى تعطى للمؤمنين الغالبين ؟ طبيعى أن الحياة على الأرض ، غير الحياة فى السماء والحياة فى هذا الدهر ، غير الحياة فى الدهر الآتى بل إننا نقول فى صلاتنا بالمزامير " أنت يارب تنجينا ، وتحفظنا من هذا الجيل وإلى الدهر " ( مز 12 : 7 ) 0لقد لخص السيد المسيح الحياة فى الدهر الآتى بعبارة جميلة دققة موجزة قال فيها " 00 يكونون كملائكة الله فى السماء " ( مت 22 : 30 ) هنا عجيب شديد ، وهنا الفارق الأساسى بين الدهر الحاضر ، والدهر الآتى 0 بين هذا العالم المادى ، والعالم السماوى الروحانى بعد القيامة الأشرار فى الدهر الآتى ، سوف يلقون فى جهنم ، فى الظلمة الخارجية ( مت 25 : 30 ) ، أى خارج مجمع الأبرار وحديثنا حالياً هو عن حالة الأبرار فى الدهر الآتى : كيف يجدونه ؟ فى الدهر الآتى سكون كل الأبرار معاً ، فى وحدة شاملة تجتمع كل الشعوب والأمم والبائل والأجناس ، بلا تمايز بينها 0 لا تمايز من جهة الجنس أو اللون ، لا خلاف عرقى ولا قبلى ولا قومى 0 الكل معاً فى سلام ، وفى وحدة القلب والفكر تبطل العدوات والحقد والحروب 0 ولا يكون صراع ولا منافسة 000 الكل بلغة واحدة 0 أهى لغة الروح ، أم لغة الملائكة ؟ لست أدرى المهم أنهم سيفهمون بعضهم بعضاً ، ولا يحتاجون إلى مترجم 0 بل لهم فهم واحد ، ومفاهيم واحدة وفكر واحد تبطل الألسنة واللغات التى تميز مجموعة عن أخرى إن وجد تمايز ، فإنه يكون فى الدرجة الروحية وفى درجة المكافأة 0 لأن كل إنسان سينال جزاءه بحسب أعماله ( مت 16 : 27 ) وطبيعى أن أعمال الناس على الأرض كانت متفاوتة فى النوع والعمق والدرجة 0 فعلى هذا القدر تكون مكافأتهم فى السماء أيضاً متفاوتة ولكن الكل يكونون سعداء ويتكون المجتمع السمائى فى الدهر الآتى ، من الملائكة والبشر الكل يكونون معاً 0 وهنا نوع آخر من النعيم الأبدى ، وهو عشرة البشر مع الملائكة بكافة درجاتهم وطغماتهم السمائية ، ومعهم جموع الأنبياء والرسل ، والشهداء والأبرار ، فى حفلة تعارف كبرى تضم الجميع حياة الدهر الآتى تتميز بالفرح الدائم لذلك يطلق عليها لقب ( التعب الأبدى ) 0 وكلمة ( الأبدى ) تعنى لا نهاية لها 0 فالدهر الحالى له نهاية 0 وحتى عندما تطول سنى حياة إنسان على الأرض ، تدركه الشيخوخة بكل ما فيها من تعب وضعف أما الأبدية فهى الفرح الدائم الذى لا ينقص ولا يهتز 0 إنه الموضع الذى لا حزن فيه ولا كآبة ، ولا خوف ولا دموع ، ولا عوز ولا فقر إنه يقدم أروع مثال لما حاول الفلاسفة يتخيلوه 0 كما كتبوا عن ( المدينة الفاضلة ) أو( مدينة الله ) فى الدهر الآتى سوف يبطل عمل الشيطان وتبطل حريته ، وينتهى الشر لا تكون خطية فيما بعد 0 لا تكون هناك أية شهوة بطالة ، ولا آى فكر شرير 0 الدهر الآتى سوف يتميز بالهارة الكاملة ، وبحياة القداسة التى تشبه ملائكة الله فى السماء وطبعاً سوف لا توجد حروب روحية من عدو الخير يجاهد البشر فى الانتصار عليها بل سوف يتمتع الجميع بنقاء تلقائى وصفاء فى الروح والعقل 0 لخصه الكتاب فى عبارة " إكليل البر " ( 2 تى 4 : 8 ) يتكلل البشر بالبر ، أى تصبح طبيعتهم فى حالة من القداسة غير قابلة للخطأ ، ومنزهة عن كل شر فى هذا الدهر نعيش فى عالم مادى 0 فهل فى الآخرة فى الدهر الآتى ، سنعيش فى عالم مادى أيضاً ؟‍! هل سنعيش فى ثقل هذا الجسد المادى وفى شهواته ؟! وهل شهوات الجسد تتفق مع طهر السماء وقدسية السماء ؟! لا شك أن الجسد فى السماء ، سوف لا يكون كما هو حالياً على الأرض 0 إنه ستخلص طبعاً من الجاذبية الأرضية محال أن تجذبه الأرض وهو فى السماء !! وإلا فإنه يسقط من السماء إلى الأرض 0 لذلك نؤمن أن الأجساد – فى القيامة – ستقوم بطبيعة سماوية ، لكى يكون هناك تجانس بينها وبين البيئة السماوية التى ستعيش فيها بعد القيامة 0 وهكذا يعلمنا الإنجيل أننا سنقوم بأجساد سماوية ( 1 كو 15 : 49 ) ستكون الأجساد فى الدهر الآتى غير قابلة للتعب ، ولا للمرض ، ولا للموت ولا للتحلل ، ولا للفساد 0 أجساد لها الطابع الروحانى ( 1 كو 15 : 44 ، 53 ) المتعة فى السماء ، ستكون غير المتعة على الأرض لأنه لو كانت المتعة فى الدهر الآتى من نوع المتعة الأرضية ، فما الفرق إذن بين مباهج الأرض ومباهج السماء ؟! وماذا عن الذين جربوا كل أنواع المتعة الأرضية ، وملوها وسئموها ؟! وارتفع الأنقياء عن مستواها ! هنا يقدم لنا الكتاب نوعاً أسمى من هذا كله ، فى قوله " ما لم تره عين ، ولم تسمع به أذن ، ولم يخطر على بال إنسان ، ما أعده الله للذين يحبونه " ( 1 كو 2 : 9 ) هنا إذن ارتفاع عن كل الأرضيات وكل الماديات ، وكل الجسدانيات 0 فكلها قد رأتها العيون ، وسمعت بها الآذان 0 ولا يستطيع أحد أن يقترح أو يستنتج نوعاً آخر من المتعة ، وإلا يكون قد خطر على بال إنسان ! وفى حياة الدهر الآتى ، لا يوجد تزواج ولا توالد فمن غير المعقول أن يولد إنسان جديد ، ويجد نفسه فى النعيم الأبدى دون أن تختبر إرادته ويثبت استحقاقه لهذا النعيم 0 حينما خلق الله آدم وحواء ، كانا عريانين فى الجنة وهما لا يخجلان ( تك 2 : 25 ) 0 ما كانت الهوة الجنسية قد دخلت إلى طبيعتهما ، ولا حتى مجرد معرفة الجنس والتمايز الجنسى 00 لكنهما عرفا ذلك بعد الخطية والسقوط 0 فهل سيعود البشر إلى السمو الذى كان له قبل السقوط ؟ أم سيبقى فى عبودية ( الجنس ) وشهواته وضغطاته ؟! فى الدهر الآتى سيرجع الإنسان إلى البساطة الأولى والنقاوة الأولى ولكن بوضع ثابت لا يتحول عنه ولا ينحرف حياة الدهر الآتى هى الشهوة الروحية التى اشتهاها القديسون واعتبروها انطلاقاً للروح من ضباب الجسد ورباطاته ، ومن الحياة على المستوى المادى 0 حتى قال سمعان الشيخ " الآن يارب تطلق عبدك بسلام حسب قولك " ( لو 2 : 29 ) كما قال القديس بولس الرسول " لى اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح 0 ذاك أفضل جداً " ( فى 1 : 23 ) إذن حياة الدهر الآتي هى حياة الانطلاق من قيود الجسد والمادة ومن رباطات هذا العالم الحاض إنها حياة الحرية الحقيقية ، حرية مجد أولا الله ( رو 8 : 21 ) قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 سبتمبر 2021

دور الكنيسة في الاستعداد للاستشهاد

كان دور الكنيسة الأساسي الذي قامت به أثناء الاضطهادات المُريعة التي صادفتها خلال الثلاثة قرون الأُولى، هو إعداد أبنائها لاجتياز تلك الاضطهادات التي كانت في عهد الأباطرة المُضطهدين:- (1) نيرون سنة 64 م. (2) دوميتيان سنة 81 م. (3) تراجان سنة 106 م. (4) أوريليوس سنة 161 م. (5) ساويرُس سنة 193 م. (6) مكسيميانوس سنة 235 م. (7) ديسيوس سنة 250 م. (8) ڤالريان سنة 257 م. (9) أورليان سنة 274 م. (10) دقلديانوس سنة 303 م. لكنه سالم الكنيسة منذ تَوَلِّيه سنة 284 م. حتى سنة 303 م.ومن إحصائية قام بها بعض المؤرخين للسنوات التي عاشتها الكنيسة تحت الحرمان والاضطهاد، تبيَّن ما يأتي:- القرن الأول سِت سنوات اضطهاد ، مُقابِل 28 سنة تسامُح. القرن الثاني 86 سنة اضطهاد، مُقابِل 14 سنة تسامُح. القرن الثالِث 24 سنة اضطهاد، مُقابِل 76 سنة تسامُح. القرن الرابِع 10 سنوات اضطهاد ، حتى صدور مرسوم ميلان. فالكنيسة عاشت تحت الحرمان والاضطهاد والمُطاردة ابتداءً من عصر نيرون سنة 64 م إلى سنة 313 م، حتى مرسوم ميلان السلامي الذي أصدره قسطنطين الكبير... ومع أنَّ الاضطهادات لم تكن بدرجة واحدة في العُنف، إلاَّ أنَّ الكنيسة من سنة 249 م حتى تملَّك قسطنطين الكبير ذاقت اضطهادات ومُطاردات ومذابِح عظيمة.وكانت الأجيال المُتلاحِقة تُدرِك تمامًا أنها تعيش تحت خطر الاستشهاد الذي ينبغي الاستعداد له... فكان هذا واجب الأساقفة وقادة الكنيسة من إكليروس وعلمانيين.فكانت تُلقِن أولادها إنهم مُجاهدون لأنَّ حياة المُجاهِد تستوجِب التدريب على النُسك والجهاد ويذكُر التاريخ والتقليد الكنسي أنَّ هناك شُهداء لم يكونوا مُستعدين ولا مُدربين لذلك عجزوا عن الشهادة، وكذلك نجد أنَّ القديس كبريانوس الأسقف والشهيد سنة 249 م يُؤكد على حمل سلاح الله.. فصار تدريب الكنيسة الروحي المُستمر هو الاستعداد للموت وتصفية النَّفْس.وتكلَّم أيضًا العلاَّمة ترتليان عن مبدأ الاستعداد بقوله: يجب أن تجعل النفس تألف السجن وتُمارِس الجوع والعطش وتقبل الحرمان من الطعام حتى يمكن للمسيحي أن يدخل السجن، بنفس الكيفية كما لو كان خارجًا منهُ حالًا، فيصير تعذيب العالم لنا ممارسة عادية... فلنمضي للجهاد بكل ثقة دون جزع كاذِب، وليصير الجسد مُدرع بسلاح فيوجد يابسًا. لذلك نقرأ في سيرِة الشهيد يوحنا الهرقلي أنه عاش كيوحنا المعمدان بتولًا، والشهيد أنبا إيسي من صعيد مصر الذي فضَّل البتولية وحذا حذو أُخته تكلة. القمص أثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج عن كتاب الاستشهاد في فكر الآباء
المزيد
21 أغسطس 2022

أشياء تميزت بها العذراء مريم ( ٢ )

نستكمل باقي صفات السيدة العذراء مريم التي بها جذبت قلب الله ليأتي منها مولود من امرأة 4- فضيلة التسليم :- كانت السيدة العذراء تعيش حياة التسليم كاملة لإرادة الله منذ صغرها ووجودها في الهيكل ونجد ذلك واضحاً بشكل كبير أيضاً أثناء بشارة الملاك لها حيث أنها ردت قائلة ” لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ ” ( لو 1 : 38 ) ، دون أن تنظر إلى المتاعبِ والمشقات التي من الممكن أن تتعرض لها من شك يوسف أو نظرة الناس لها . ولكنها سلمت إلى مشيئة الله وخضعت لاختياره لها كان التسليم عجيباً إلى المنتهي حتى وقت الصلب واتمام قصة الخلاص “أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك ، الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا أبني وإلهي “.. إنه تسليم في كل مراحل الحياة.. لتكن مشيئتك يا رب.. 5- فضيلة إنكار الذات :- لم تعيش السيدة العذراء يوماً طالبه كرامة أو نعمة في عيون الأخرين ولكنها كانت ناكرة ذاتها منذ أن كانت طفلة وهي تخدم في الهيكل . وفي البشارة حين قالت : ” هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ ” ( لو 1 : 38 ) أي عبدة ( خادمة ) لم تعطي ذاتها كرامة بل قللت من شأنها وهكذا عاشت حياتها . فانكار الذات و الانكسار أمام الله هو طريق الانتصار ومن يتواضع يرفعه الله “أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِين ” ( لو 1 : 52 ) . 6- فضيلة الأحتمال :- وهنا أقصد الأحتمال من ناحيتين ( احتمال الآلام و احتمال الكرامة ) قد يظن البعض إن احتمال الآلام صعب ولكن يجب أن نعرف إن احتمال الكرامة يحتاج إلى مجهود اكثر من احتمال الآلام والإهانات وقد قال أحد القديسين : “هناك الكثيرون يحتملون الإهانات ولكن القليلين يحتملون الكرامات ” ونجد أن السيدة العذراء منذ صغرها وهي كانت محتملة لكل الأمور حتي في حياتها داخل الهيكل ولم يكن من السهل أن تعيش طفلة عمرها 3 سنوات بداخله وأحتملت أيضاً البشارة وفرحتها بأن تكون أم المخلص وأحتملت الأهانات والمطاردة من هيردوس وأحتملت مشاق الولادة في مزود وأحتملت الآلام التي جازت في نفسها وقت الصلب وفراق وحيدها . 7- حياة الإيمان :- يقول القديس بولس الرسول ” جربوا أنفسكم ، هل أنتم في الإيمان . امتحنوا أنفسكم ” ( 2كو 13 : 5) أنه ليس مجرد الإيمان العقلي ، بل هو إيمان حقيقي ، هو حياة يحياها الانسان فالله يسلمه حياته تسليماً كاملا في يده ونجد أن السيدة العذراء مريم تعجبت أثناء بشارة الملاك لها قائلة : ” كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً ؟ ” ( لو 1 : 34 ) . ولكنها وثقت بالايمان من بشارة الملاك لها بالرغم من أنها عذراء ( ليكن لك حسب ايمانك ) ” عب 11 ” لايمكن ارضاء الرب بدون الايمان . هذا الايمان الذي عاشته السيدة العذراء مستلمه اياه من أبويها وإزداد نموًا بوجودها في الهيكل وصلواتها وتضرعاتها المستمرة وحفظها لكلام الرب الذي كانت تخبئه في قلبها محتفظه به وقد شهدت لها أليصابات قائلة : ” فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ “( لو 1 : 45 ) . 8- حياة الخدمة :- عاشت السيدة العذراء مريم منذ طفولتها حياة الخدمة . عاشت تخدم الآخرين حياة مبنية على المحبة والتواضع . منذ أن كانت في الهيكل وعمرها 3 سنوات تخدم الجميع . وبعد أن تركت الهيكل عاشت تخدم يوسف النجار خطيبها والعجيب أن السيدة لعذراء مريم ذهبت إلى أليصابات لتخدمها عندما علمت أنها حبلى مع إنها أم المسيح , إلا إنها لم تمنعها كرامتها من تذهب إليها في رحلة مضنية شاقة عبر الجبال وتمكث عندها 3 شهور تخدمها حتى ولدت يوحنا ( لو 1: 39-56 ) وقالت لها : ” فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ ؟ ” ( لو 1 : 43 ) فعلت ذلك وهي حبلى برب المجد لذلك تعجبت اليصابات من اين لي أن تأتي الي وتخدمني . وهكذا أستمرت طوال حياتها تخدم الجميع دون كلل أو تعب . بل كانت مثمرة وأمينة في وزنتها ومن هذه النقطة ننتقل الي الفضيلة التاسعة . 9- أمينة في وزنتها :- عاشت السيدة العذراء مريم طوال أيام حياتها وأثناء خدمتها بأمانة شديدة جداً في وزنتها عاملة بالوصايا العشر التي حفظتها منذ طفولتها ولم تكسرها أبداً ” وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا ” ( لو 2 : 19 ) كانت أمينة في كل شئ وتعطي بحب ، كانت تقدم كل ماتملك وليس العشر فقط . كل ماتملك تقدمه . وذلك لأنه كما سبق وذكرنا قلبها حنون أمها اسمها حَنَة و قلبها يقيم فيه الله لأن أبوها يواقيم . فعاشت في مخافة الرب أمينة في كل وزنتها ( كل ما تملك ) . 10- عاشت حياة التقوي حياة روحية كالقديسين :- عاشت السيدة العذراء مريم مزروعة علي مجاري المياه تشرب من ينبوع الله . حياة العذراء مريم عاشتها من الكتب المقدسة التي كان تقرأها من العهد القديم . ” فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ . وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ ” ( مز 1 : 3 ) اثناء خدمتها في الهيكل كانت تري بعض الأخطاء ولكنها لم تتحدث عنها مع أحد أو تنتقدها ولم تدين أحد . و الانسان الذي يسير مع الله لا يخشي وان صار في وسط ضلال الموت لان الله معه ” أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا ، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي . عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي ” ( مز 23 : 4 ) و كانت لاتخشي أخطاء الأخرين ” لأَنِّي أَنَا مَعَكَ ، وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ ” ( أع 18 : 10 ) كانت توزع طعامها وتصوم هي كانت لا تغلق قلبها علي الأخرين امينة جدا جدا الي المنتهي كانت أناء مقدس جعلت نفسها مكان وهيكل لسكنى الروح القدس ” أمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ ؟ ” ( 1كو 3 : 16 ) إذن النعمة التي عاشت فيها السيدة العذراء مريم هي عمل الروح القدس . فهي منذ أن كانت طفلة كانت في الهيكل . فتحت قلبها لعمل الروح القدس ، لذا كان طبيعيًا أن يحل فيها الروح القدس .ويأتي ليتجسد منها أبن الله عاشت حياتها متبعة للبر والقداسة ” اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ ” ( عب 12 : 14 ) الانسان الروحي يحكم في كل شئ ” وَأَمَّا الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لاَيُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ ” ( 1كو 2 : 15 ) عاشت تغذي الروح و تنميها ، تشم البخور تسمع العظة داخل الهيكل فتتقدس . عاشت تقوي يالحياة الروحية علي الحياة الجسدية وأخيراً يا أحبائي مهما أن تحدثنا وذكرنا من نقاط وفضائل عاشتها السيدة العذراء لم نوفيها حقها لأن حقاً كانت أنجيل معاش ، استطاعت أن يختارها الآب أماً له. تطلع الآب من السماء فلم يجد مَن يُشبهكِ أرسل وحيده أتى وتجسد منكِ أتمني يا أحبائي أن ننظر إلى سيرتها العطرة فنتمثل بإيمانها السيدة العذراء كانت ممتلئة نعمة . تحاور الله في دالة متواضعة ، تسلم حياتها لله كل الأيام . عاشت تعاليم الأنجيل ” فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ ” ( في 1 : 27 ) ولإلهنا كل المجد والكرامة من الآن وإلى الأبد . آمـــــيــن . نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات الأنبا أثناسيوس أسقف بني مزار والبهنسا
المزيد
29 نوفمبر 2022

الوزنات

عندما وزع السيد الوزنات على عبيده، راعى أن يعطي لكل واحد على قدر طاقته (متى 25)، فليس المطلوب من الإنسان أن يحقق نجاحاً بعينه، بل أن يتعب ويجاهد قدر استطاعته، كما أنه ليست هناك مقارنة بين شخص وآخر ولكن المقارنة الحقيقية هي بين ما يستطيعه الإنسان من جهة، وما يقدمه الفعل من جهة ُاخرى. ويلاحظ في مثل الزارع (متى 13) أن الأرض الجيدة قد أعطت في بعض مساحات منها ثلاثين ومساحات ُاخرى ستين وُاخرى مئة، ومع ذلك لا يجوز لنا أن نقارن بين مساحة وُاخرى، وانّما كل مساحة قد أعطت بما يتناسب مع البذور التي ُالقيت فيها وما نالته من حصة في الماء مع بعض عوامل ُاخرى. كذلك الجندي في المعركة، فهو ليس ُمطالباً بتحقيق النصر، بقدر ما هو مطالب بالجهاد إلى آخر لحظة من حياته، بغضّ النظر عما إذا كان جيشه منتصراً أم لا. وليست هناك مقارنة بين شخص وآخر، كما أن الله يضع في الاعتبار الظروف المحيطة، وهل كانت هناك عوامل مساعدة أم عوامل معاكسة وهكذا.. حقاً يقول الكتاب " الفرس معد ليوم الحرب أما النصرة فمن الرب (أمثال21: 31). نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
12 مارس 2021

الجمعة الأولي من الصوم الكبير: الاتكال على الله

ارتباط قراءات الفصول: الاتكال على الله تدور فصول هذا اليوم جميعها حول موضوع واحد هو "الاتكال على الله"، أي ضرورة اتكال المؤمنين عليه، فالنبوة الأولى تتكلم عن بركات الله للمتكلين عليه كما توعد إشعياء أورشليم ويهوذا بذلك جزاء شرورهما العظيمة. ويتكلم إنجيل باكر عن شفائه للملتجئين إليه من مرض الخطية كما شفى يسوع الأبرص، وإنجيل القداس عن إحساناته إليهم كلما سألوه كما وعدهم بذلك قائلًا "اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم".ويوصيهم الرسول في رسالة البولس بخدمة الآخرين من مواهبهم، ويحضهم في الكاثوليكون على قبول الغرباء منهم كما امتدح يوحنا الرسول غايس على ذلك، ويحثهم في الإبركسيس على خدمتهم بما يملكون، كما شفى بطرس أرجل الأعرج من بطن أمه بما له من موهبة الشفاء. النبوات.. من إشعياء 3 مجاعة مهلكة خلق الله العالم بكل إمكانياته المدركة وغير المدركة من أجل سلام الإنسان وسعادته، حتى يفرح كل بشر بالله. متكلًا عليه، مشتاقًا أن ينعم بشركة حب أعمق. أما وقد انشغل الإنسان بالعطية لا العاطي استند على " كل سند خبز وكل سند ماء " (إش 3: 1). صار الإنسان يفتخر بغناه وقدراته وكثرة خبراته وجماله عوض افتخاره بالرب واتكاله عليه. لهذا ينتزع الله العطايا ويحرم الإنسان من البركات الزمنية، لا للانتقام منه ولا لإذلاله أو حرمانه وإنما لكي يرجع بقلبه إلى الله مصدر حياته وشبعه وسلامه وفرحه ومجده فينال في هذا العالم أضعافا وفي العالم الآتي حياة أبدية ؛ ينال الله نفسه نصيبًا له وميراثًا! وهنا نجد النبي يهدد بحدوث مجاعة وحرمان وتحطيم للإثنى عشر عمودًا التي تتكئ عليها الجماعة [للخبز والماء، الجبابرة (القادرين) ورجال الحرب، القضاة، الأنبياء، العرافين، الشيوخ، رؤساء الخمسين، المعتبرين، المشيرين، الماهرين بين الصناع، الحاذقين بالرقى]. لقد انتزع الرب الموارد الطبيعية خلال المجاعة والطاقات البشرية خلال السبي حتى يرجعوا إليه. البولس.. من رومية 12: 6 – 21 يتكلم عن: المؤمن والحياة اليومية إن كانت الأصحاحات السابقة تكشف عن إمكانيات النعمة في حياة المؤمن، ففي هذا الأصحاح وما يليه يحدّثنا الرسول عن ترجمة النعمة في حياتنا العمليّة، حتى لا نحرم من الثبات في السيد المسيح والتمتّع بنعم إلهية بلا توقف، كقول الإنجيل: "ومن ملئه نحن جميعا أخذنا نعمة فوق نعمة" (يو 1: 16). هذا الأصحاح يحدّثنا عن: 4. تنوّع المواهب 4-8. 5. المحبّة الأخوية 9-10. 6. حرارة الروح 11. 7. الفرح في الرجاء 12. 8. الشركة في احتياجات القدّيسين 13. 9. مباركة المضطهدين 14. 10. الشركة العمليّة 15. 11. التواضع 16. 12. مسالمة الجميع 17 -21. 4. تنوع المواهب الآن إذ سألنا أن نحمل تجديدًا حقيقيًا في الداخل [2]، فيكون لنا الفكر المتعقّل، مدركين بروح التواضع أن ما نحمله حتى من إيمان هو عطيّة إلهية، ليس لنا أن نفتخر بها كما لو كانت من عندنا أو باستحقاقنا، فعلى هذا الأساس المتين يطالبنا بالعمل والجهاد، مُعلنًا أن يضرم كل واحد موهبته حسبما وهبه الله. بمعنى آخر إن تجديدنا الداخلي وتواضع فكرنا يلهب قلبنا للعمل ليس حسب ما هوانا بل حسب عطيّة الله لنا التي تتكامل مع عطاياه لإخوتنا، وتتناغم معها بروح واحدة كلٌّ يعمل في مجاله بفرحٍ وبهجة قلب، فلا يحسد من يظنه أفضل منه في الموهبة ولا ينتفخ على من يظنه أقل منه فيها.. فإن المواهب متنوّعة ولكن الروح واحد (1كو12: 4)؛ هي عطيّة النعمة الإلهية، إذ يقول الرسول: "فإنه كما في جسدٍ واحدٍ لنا أعضاء كثيرة، ولكن ليس جميع الأعضاء لها عمل واحد، هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضًا لبعض، كل واحد للآخر، ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا" [4-6]. 5. المحبّة الأخوية إذ حثنا الرسول على العمل، كل حسب موهبته، بروح متواضع، يسألنا أن نسلك بالحب الأخوي مترجمًا عمليًا بحب الخير للآخرين وكره الشرّ، وتقديم الآخرين في الكرامة، إذ يقول: "المحبّة فلتكن بلا رياء.كونوا كارهين الشرّ، ملتصقين بالخير.وادّين بعضكم بعضا بالمحبّة.مقدّمين بعضكم بعضًا في الكرامة" [9-10]. إن كان التواضع هو الخط الواضح في إضرام المواهب، فإن الحب هو الفكر السائد الذي يربط الكنيسة معًا في الرب كأعضاء حيّة متكاملة، تعيش معًا بروح الكمال، منسجمة معًا، تشارك بعضها البعض. يوصينا القديس باسيليوس الكبير بذلك القول: [يليق بالمسيحي أن يكون هادئًا في صوته، لا يجيب أحدًا أو يتصرف مع أحد بخشونة أو باستخفاف بل في كل شيء يسلك بحلم (في 4: 5) مكرمًا كل أحد.] + لقد حدّثنا الرسول بولس بفيض عن المحبّة (1 كو 13)، مبرزًا قوّتها وفاعليّتها بل وأبديّتها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويوصينا الرسول بطرس: "لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة" (1 بط 4: 8)، ويرى القدّيس يوحنا أن ممارسة الحب أشبه بتمتّع بالقيامة، إذ يقول: "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة" (1 يو 3: 14). + فالمحبّة ليست عاطفة مجردة إنما هي تمتّع والتصاق بالخير خلال إتحادنا بربنا يسوع "المحبّة" ونفورنا من الشرّ.. بهذا تنبع المحبّة من أعماق داخليّة وشركة مع الله، إذ يقول الرسول: "كل من يحب فقد وُلد من الله، ويعرف الله.. لأن الله محبّة" (1 يو 4: 7-8). هذا ما يعنيه الرسول بقوله: "المحبّة فلتكن بلا رياء" [9]. 6. حرارة الروح "غير متكاسلين في الاجتهاد،حارين في الروح،عابدين الرب" [11]. إن كان الرسول بولس قد ركز أنظارنا على عطايا الله الفائقة ونعمته العاملة فينا، لنضرم مواهبه فينا بروح التواضع، ونسلك معًا بروح الحب، فإن الحياة المسيحية جهاد لا ينقطع. هي انتهاز لكل فرصة للعمل بروح الله باجتهاد لنحيا ملتهبين بالروح، عابدين الرب بقوة.يحثنا على الجهاد، قائلًا: "غير متكاسلين في الاجتهاد" [11]. وكما يقول الحكيم سليمان: "كل ما تجده يدك لتفعله فافعله بقوتك" (جا 9: 10)، "اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمل طرقها وكن حكيمًا" (أم 6: 6). ويوصينا القديس بطرس الرسول: "وأنتم باذلون كل اجتهاد قدموا في إيمانكم فضيلة … لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين، لأنكم إذ فعلتم ذلك لن تزلوا أبدًا" (2 بط 1: 5- 10). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم[كيف نصير "غير متكاسلين في الاجتهاد (في الغيرة)، حارين في الروح"؟.. أي نكون حارين ومتيقظين.. إن سكن الروح فيك يجعلك صالحًا لتحقيق تلك الأهداف، ويصير كل شيء سهلًا بالروح والحب، وتتلألأ أنت من كل جانب.إن كان روح الله نارًا متقدة، فإننا إذ نتجاوب معه يلهب أعماقنا، ويحولنا إلى لهيبٍ متقدٍ، لا تستطيع مياه كثيرة أن تُطفئه. هذا اللهيب الروحي يعلمنا كيف نعبد الرب بالروح والحق، لذا يكمل الرسول حديثه قائلًا: "عابدين الرب" [11].] 7. الفرح في الرجاء إذ يلهبنا الروح القدس فنعبد الرب فوق حدود الزمن نمتلئ رجاءً بالأمور غير المنظورة فتفرح قلوبنا ويتسع قلبنا لاحتمال الضيق، ملتجئين إلى الله بالصلاة الدائمة، إذ يقول الرسول: "فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة" [12]. يقول القديس أغسطينوس: [لنصغ ولنبتهج في الرجاء حتى وإن كان الحاضر حياة لا تُحب وإنما تُحتمل، إذ تكون لك القوة على احتمال كل تجاربها.]ويقدم لنا أيضًا عونًا آخر: "مواظبين على الصلاة" الحب يجعل الأمور سهلة، والروح يعين، والرجاء ينير، والتجارب تصقلك فتجعلك مجربًا قادرًا على احتمال كل شيء بشهامة، يرافق هذا كله سلاح عظيم جدًا هو الصلاة. 8. الشركة في احتياجات القديسين: إن كان "الحب" هو الخط الواضح في كل هذه الوصايا الرسولية، فأحد ملامح هذا الخط العملي هو: "مشتركين في احتياجات القديسين، عاكفين على إضافة الغرباء" [13]. هذا هو ثمر طبيعي للعضوية في الجسد الواحد، إذ يشارك العضو أخاه في احتياجاته. نرى ذلك واضحًا في مساهمة أهل فيلبى في احتياجات القديس بولس الذي فرح لا بالعطية في ذاتها وإنما بثمر الحب المتكاثر، إذ كتب إليهم هكذا. "أرسلتم إلى مرة ومرتين لحاجتي، ليس أني أطلب العطية، بل أطلب الثمر المتكاثر لحسابكم… فيملأ إلهي كل احتياجاتهم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع" (في 4: 16-19). 9. مباركة المضطهدين "باركوا على الذين يضطهدونكم،باركوا ولا تلعنوا" [14].جاءت الوصية الإلهية تأمرنا أن نبارك الذين يضطهدوننا (مت 5: 44؛ لو 6: 28). فإننا إذ كنا نستحق اللعنة حملها السيد المسيح عنا على الصليب ليهبنا بركته عاملة فينا، فيليق بنا أن نرد له هذا العمل في خليقته التي يحبها فنحب الذين يضطهدوننا، مباركين إياهم… لقد صارت حياتنا بالمسيح تحمل بركته، فكيف نستطيع أن نلعن أحدًا ؟ لذلك يقول معلمنا يعقوب الرسول: "من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة؛ ألعل ينبوعًا ينبع من نفس عين واحدة العذب والمرّ؟" (يع 3: 10- 11). 10. الشركة العملية "فرحًا مع الفرحين وبكاءً مع الباكين" [15].لا تقوم هذه الشركة على فكر اجتماعي بحت أو مجاملات ظاهرية، وإنما عن شركة الأعضاء التي تشعر ببعضها البعض.ربما يسهل على الإنسان أن يحزن مع الحزين ويئن مع أناته، لكن يصعب جدًا أن يفرح مع فرح أخيه، هذا يتطلب نفسًا سامية، فلا يحسد أخاه على نجاحه، بل يفرح معه، حاسبًا كل نجاح لأخيه هو نجاح لنفسه. يقول الرسول: "فإن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه، وإن كان عضو يكرم فجميع الأعضاء تفرح معه، وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا" (1 كو 12: 26-27). 11. التواضع "مهتمين بعضكم لبعض اهتمامًا واحدًا،غير مهتمين بالأمور العالية،بل منقادين إلى المتضعين؛لا تكونوا حكماء عند أنفسكم" [16]. يحثنا على المحبة التي "لا تطلب ما لنفسها" (1 كو 13: 5)، بل ما هو للغير (في 2: 4) كأنه لنفسها. هذا هو الحب الذي به يحب الإنسان قريبه كنفسه، مهتمًا اهتمامًا واحدًا، غير مميز بين ما هو لنفسه وما هو لغيره.بهذا الروح لا يهتم المؤمن بالأمور العالية، أي بغنى هذا العالم وأمجاده وكرامته، ولا بمعاشرة الأغنياء والعظماء لأجل غناهم وكرامتهم، بل ينقاد إلى النفوس المتواضعة وإلى الفقراء، حاملًا فكر المسيح، كقول الرسول: "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله، لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد" (في 2: 5 - 7). وقد عاش السيد المسيح منقادًا إلى المتواضعين، إذ قيل: "أما اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان ورثة الملكوت؟" (يع 2: 5).لنقبل فكر المسيح هذا ولا نسلك بالحكمة البشرية المتعجرفة: "لا تكونوا حكماء عند أنفسكم" [16]، وكما جاء في سفر الأمثال: "أرأيت رجلًا حكيمًا في عيني نفسه؟ الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به" (أم 26: 12)، لأن الجاهل قد يدرك جهله فيقبل المشورة، أما الحكيم في عيني نفسه فيعيش متصلفًا لا يقبل مشورة الله ولا نصح الكنيسة. 12. مسالمة الجميع "لا تجازوا أحدًا عن شرّ بشرّ، معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس.إن كان ممكنًا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس.لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكانًا للغضب.لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب.فإن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقه،لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه.لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير" [17-21] أولًا: يعتني الإنسان المسيحي بأمور حسنة قدام جميع الناس، يهتم بالشهادة لله محب البشر، فلا يجد مجالًا لرد شر الآخرين بالشر.. لا يتلاءم هذا مع غايته ولا مع طبيعته الجديدة التي تمتع بها. ثانيًا: يقول "إن كان ممكنًا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس"، إذ يليق بنا بذل كل الجهد لنكسب كل نفس بالحب والسلام، لكن هناك أوضاع يستحيل فيها ذلك مثل مقاومة الهراطقة للإيمان، إذ يستحيل أحيانًا مسالمتهم لأنهم يخدعون البسطاء إلى الجحود أو الإيمان المنحرف إن تسللوا إلى الكنيسة، أو إنكار أحد الزوجين الإيمان (1 كو 7: 15).ليتنا نبذل كل الجهد أن نسالم إن أمكن كل البشرية فننعم بسلام أورشليم السماوية فينا، وكما يقول القديس جيروم: [من كان ليس في سلام مع أخيه فهو خارج تخوم أورشليم.] ثالثا: ماذا يعني بقوله: "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب" [19]؟ إن كان يقصد به غضب الإنسان، فيعني أن نحتمل غضبه بالصبر، ونقابل ثورته بالحب كقول السيد المسيح: "لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضًا" (مت 5: 39). رابعا: ماذا يعني "تجمع جمر نار على رأسه"؟ هل نقدم الطعام للعدو الجائع والماء للظمآن بقصد إغاظته؟ عن ذلك يقول القديس جيروم: إن الوصية بعيدة كل البعد عن هذا المفهوم، إنما تعني جمر نار روح الله الذي ينقي العدو بالتوبة حتى يدرك حبك مقابل عداوته. + إنها تعني أنك تنقي عدوك من الخطية، لأن صبرك يغلب مشورته. + بمعنى آخر، إنك تشفيه من رذائله بحرق حقده لترده بالتوبة. + حتى الناموس يعلمنا أن نحب العدو، فإن سقط حيوان العدو يلزمنا أن نرفعه، ويخبرنا الرسول:" فإن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقه، لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه"، لا بطريق اللعنة والإدانة كما يظن غالبية الناس وإنما بتهذيبه وجذبه إلى التوبة، فيغلبه الحنو، ويذوب بدفء الحب، فلا يصير بعد عدوًا. خامسًا: يوصينا الرسول: "لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير" [21]، فإن كان الشر يجعل الإنسان ضعيفًا فلا تقابل الضعيف بالضعف، إنما قابله باتساع القلب في نضوج الحب. مزمور إنجيل القداس: أما أنا فعلى رحمتك توكلت. يبتهج قلبى بخلاصك. أسبح الرب المحسن إلى. وأرتل لأسم الرب العالى: هلليلويا. إنجيل القداس: لو 11: 1 – 10 واذ كان يصلي في موضع لما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا ان نصلي كما علم يوحنا ايضا تلاميذه فقال لهم متى صليتم فقولوا ابانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليات ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض خبزنا كفافنا اعطنا كل يوم واغفر لنا خطايانا لاننا نحن ايضا نغفر لكل من يذنب الينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشريرثم قال لهم من منكم يكون له صديق ويمضي اليه نصف الليل ويقول له يا صديق اقرضني ثلاثة ارغفةلان صديقا لي جاءني من سفر وليس لي ما اقدم له فيجيب ذلك من داخل ويقول لا تزعجني الباب مغلق الان واولادي معي في الفراش لا اقدر ان اقوم واعطيكاقول لكم وان كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه فانه من اجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج وانا اقول لكم اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم لان كل من يسال ياخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له 1- الصلاة الربانيَّة حدَّثنا الإنجيلي عن دخول السيد المسيح بيت مريم ومرثا، فعبَّرت كل منهما عن محبَّتها له بطريق أو بآخر، انطلقت مرثا تخدمه بينما بقيت مريم جالسة عند قدميه تسمع كلامه (10: 39)، يلتهب قلبنا شوقًا للجلوس مع مريم عند قدميه باللقاء معه والصلاة. لهذا جاء الحديث التالي مركزًا على "الصلاة" يقول الإنجيلي: "وإذ كان يصلِّي في موضع، لما فرغ قال واحد من تلاميذه: يا رب علِّمنا إن نصلِّي كما علَّم يوحنا أيضًا تلاميذه" [1].بلا شك حَفظ التلاميذ الكثير من الصلوات من العهد القديم أو خلال التقليد اليهودي، لكن سؤال التلاميذ: "يا رب علِّمنا إن نصلِّي" يكشف عما رآه التلاميذ في السيد المسيح وهو يصلِّي. أدركوا صورة جديدة لم يذوقوها من قبل في عبادتهم، فاشتهوا أن يحملوا ذات الفكر والروح الواحد.مرَّة أخرى نقول إن أردنا إن يدخل الرب بيتنا ونخدمه كمرثا أو نتأمَّله كمريم فلا طريق للتمتَّع باللقاء معه في الخدمة أو التأمُّل سوى الصلاة التي بها ننعم بحياة الكنيسة وكمالها على مستوى العمل والتأمُّل."فقال لهم: متى صليَّتم فقولوا:أبانا الذي في السماوات" [2].وهنا يقول القدِّيس كيرلس الأورشليمي: لا نستطيع أن نصلِّي كما ينبغي ما لم ندرك أولًا مركزنا بالنسبة له، فقد اختارنا أبناء الله، نحدِّثه من واقع بنوَّتنا التي نلناها كهبة مجانيَّة في مياه المعموديَّة بالرغم من شعورنا أننا لا نستحق أن نكون عبيدًا له. 2. الصلاة بلجاجة إن كان السيِّد قد قدَّم لنا نموذجًا حيًا للصلاة، فإنه إذ يطلب منَّا العبادة الملتهبة بالروح، سألنا إن نصلِّي بلجاجة، ليس لأنه يستجيب لكثرة الكلام، وإنما ليُلهب أعماقنا نحو الصلاة بلا انقطاع. يشتاق الله إن يعطي، وهو يعرف احتياجاتنا واشتياقاتنا الداخليَّة، لكنه يطالبنا باللجاجة لنتعلَّم كيف نقف أمامه وندخل معه في صلة حقيقيَّة.قدَّم لنا الرب هذا المثل (صديق نصف الليل): ونلاحظ في هذا المثال الآتي: أولًا: إن كان غاية هذا المثَل الأولى هي حثِّنا على اللجاجة في الصلاة حتى ننعم بطلبتنا، فإننا نلاحظ هنا إن السيِّد المسيح يقدِّم الآب صديقًا للبشريَّة، إذ يقول: "من له صديق ويمضي إليه نصف الليل".وعن هذا المثل يقول القديس أمبروسيوس: [من هو صديق لنا أعظم من ذاك الذي بذل جسده لأجلنا؟ فمنه طلب داود في نصف الليل خبزات ونالها، إذ يقول: "في نصف الليل سبَّحتك على أحكام عدلك" (مز 119: 62)، نال هذه الأرغفة التي صارت غذاء له. لقد طلب منه في الليل: "أُعوِّم كل ليلة سريري" (مز 6: 6)، ولا يخش لئلاَّ يوقظه من نومه إذ أنه عارف إن (صديقه الإلهي) دائم السهر والعمل. ونحن أيضًا فلنتذكَّر ما ورد في الكتب ونهتم بالصلاة ليلًا ونهارًا مع التضرُّع لغفران الخطايا، لأنه إن كان مِثل هذا القدِّيس الذي يقع على عاتقه مسئوليَّة مملكة كان يسبِّح الرب سبع مرَّات كل يوم (مز 119: 164)، ودائم الاهتمام بتقدِّمات في الصباح والمساء، فكم بالحري ينبغي علينا أن نفعل نحن الذين يجب علينا أن نطلب كثيرًا من أجل كثرة سقطاتنا بسبب ضعف أجسادنا وأرواحنا حتى لا ينقصنا لبنياننا كسرة خبز تسند قلب الإنسان (مز 103: 15)، وقد أرهقنا الطريق وتعبنا كثيرًا من سبل هذا العالم ومفارق هذه الحياة.] ثانيًا: إن كان الله يقدِّم نفسه صديقًا لنا نسأله في منتصف الليل ليهبنا خبزًا سماويًا من أجل الآخرين القادمين إلينا أيضًا في منتصف ليل هذا العالم جائعين، فإن السيِّد حسب هؤلاء أيضًا أصدقاء لنا؛ فنحن نطلب من الصديق الإلهي لأجل أصدقائنا في البشريَّة. ثالثًا: إن كان الشخص قد جاء إلى صديقه في منتصف الليل يطلب من أجل صديقه الذي قدُم إليه من سَفر، أمَا كان يكفي أن يسأل رغيفًا واحدًا أو يطلب رغيفين، فلماذا طلب ثلاثة أرغفة؟إننا إذ نلتقي بعريسنا المخلِّص وسط هذا العالم بتجاربه الشرِّيرة، كما لو كنا في نصف الليل، نطلب لأنفسنا كما للآخرين ثلاثة أرغفة لكي تشبع أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا؛ فالله وحده هو المُشبع للإنسان لكل كيانه.هنا ندرك الفهم الإنجيلي للحياة المقدَّسة أو للعفَّة، فالإنسان العفيف أو المقدَّس في الرب لا يعيش في حرمان، إنما يتقبَّل من يديّ الله ما يُشبع حياته كلها ويرويها، فتفرح نفسه وتتهلَّل روحه، ويستريح أيضًا جسده حتى وإن عانى أتعاب كثيرة من أجل الرب. لهذا كان المعمَّدون حديثًا في الكنيسة الأولى ينشدون بعد عمادهم مباشرة هذا المزمور: "الرب راعيّ فلا يعْوِزني شيء، في مراعٍ خضر يربضُني، وإلى مياه الراحة يورِدني، يرُد نفسي، يهديني إلى سبل البرّ.." رابعًا: يقول السيِّد: "فيجيب ذلك من داخل، ويقول: لا تزعجني، الباب مغلق الآن، وأولادي معي في الفراش، لا أقدر أن أقوم وأعطيك" [7].يصوِّر لنا السيِّد المسيح هذا الصديق أنه يجيب من داخل، لا يخرج إليه مع أن الوقت حرج، وكان يليق بالصديق أن يفتح ليطمئن من القارع؛ وفي إجابته يعلن أن تصرُّف هذا السائل أو القارع مزعج، وأن الباب مغلق، وأولاده في الفراش، وأنه عاجز عن القيام والعطاء. ومع هذا استطاع صديقه بلجاجته أن يغتصب منه طلبه! فكم بالأكثر الله يهب سائليه إن طلبوا بإلحاح، علامة صدق طلبهم، خاصة وأن الله ليس كهذا الصديق يجيب من داخل، بل خرج إلينا خلال التجسَّد، وجاءنا كلمة الله حالًا في وسطنا، يحدِّثنا فمًا لفمٍ، نازعًا الحجاب الحاجز بين السماء والأرض. وهكذا لم يعد بعد الباب مغلقًا بل هو مفتوح للجميع، يريد إن الجميع يخلُصون وإلى معرفة الحق يُقبلون. أولاده ليس معه في الفراش، إذ هو لا ينام وملائكته وقدِّيسوه أيضًا يسهرون، عاملين بصلواتهم وتضرُّعاتهم من أجل النفوس التائهة والمحتاجة. لا يقول الرب: "لا أقدر أن أقوم وأعطيك"، إذ قام الرب من الأموات وأعطانا حياته المُقامة عاملة فينا! هكذا قدَّم لنا الرب صورة مؤلمة للصديق البشري، الذي ننال منه طلباتنا خلال اللجاجة، بالرغم من الظروف المقاومة، فكم بالأكثر ننال من الرب نفسه؟ خامسًا: يحثُّنا ربَّنا يسوع على الصلاة بلجاجة، إذ يختم المثَل بقوله: "أقول لكم وإن كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه، فإنه من أجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج. وأنا أقول لكم: اِسألوا تعطوا، اُطلبوا تجدوا، اِقرعوا يفتح لكم" [8-9].ويعلق القديس أغسطينوس علي هذه الكلمات بقوله: [ماذا يعني بقوله: لأجل لجاجته؟ لأنه لم يكف عن القرع، ولا رجع عندما رُفض طلبه.. قد يبطئ الله أحيانًا في إعطائنا بعض الأمور، لكي يُعرِّفنا قيمة هذه الأشياء الصالحة، وليس لأنه يرفض إعطاءها لنا. الأمور التي نشتاق إليها كثيرًا ما ننالها بفرحٍ عظيم، أما التي توهب لنا سريعًا فإنها تُحسب زهيدة. إذن لتسأل وتطلب وتلح، فبالسؤال نفسه والطلب أنت نفسك تنمو فتنال أكثر.] كما يقول: [بالصلاة التي نمارسها خلال الطلبات التي نشتهيها ننال ما هو مستعد أن يمنحه. عطاياه عظيمة جدًا لكننا نحن صغار وضيِّقون في إمكانيَّاتنا عن أن ننالها.] وهنا نتساءل لماذا يقول: [اِسألوا.. اُطلبوا.. اِقرعوا]؟ فربَّما تكون للتأكيد، فإنه يلحْ علينا أن نسأل ونطلب ونقرع، لأنه يريد أن يعطينا، ولعلَّ التكرار ثلاث مرات: اِسألوا، اُطلبوا، اِقرعوا، يعني أننا لا نسأله فقط بأفكارنا أو نيَّاتنا الداخليَّة، وإنما أيضًا بشفاهنا كما بأعمالنا. وكأنه يليق أن تنطلق صلواتنا خلال تناغم الفكر مع الشفتين والسلوك، فتخرج رائحة بخور مقدَّسة من أعماق مقدَّسة وكلمات مباركة وأعمال مرضيَّة لدى الله. وبمعنى أخر إن السؤال والطلب والقرع إنما يعني وِحدة الصلاة مع الحياة العمليَّة في الرب، نسأل أن يبدأ معنا، ونطلب إليه أن يكمِّل الطريق، ونقرع لكي ينهي جهادنا بالمجد الأبدي، فهو البداية والنهاية كما أنه هو المرافق لنا وسط الطريق، أو بمعنى أدَق هو طريقنا: به نبدأ وبه نستمر وبه نكمِّل.ولكي يشجِّعنا السيد المسيح على السؤال والطلب والقرع، كشف حقِّنا البنوي في الطلب، فمن حقِّنا كأبناء أن نطلب من أبينا ونأخذ، إذ يقول: "فمن منكم وهو أب يسأله ابنه خبزًا، أفيعطيه حجرًا؟ أو سمكة، أفيعطيه حيَّة بدل السمكة؟ أو إذ سأله بيضة، أفيعطيه عقربًا؟ فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيِّدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه؟" أخيرًا يؤكِّد الرب شهوة قلبه نحونا بقوله: "فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه؟" إن كان آباؤنا الأرضيُّون يهتمُّون أن يقدِّموا خبزًا وسمكة وبيضة لكي نقدر أن نعيش على الأرض، فإن الآب الذي من السماء يعطيٍ الروح القدس الذي وحده روح الشركة، يثبِّتنا في الابن الوحيد الجنس منطلقًا بنا بالروح القدس إلى حضن الآب السماوي.. عمله أن يهبنا "الحياة الجديدة" الحاملة للسِمة السماويَّة. لكي نعود إلى الحضن الأبوي من جديد.فليعطنا الرب نعمة لكي نشعر ونتمتع بأبوته لنا الذي له كل المجد والإكرام من الآن وإلي الأبد أمين. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل