المقالات

31 أكتوبر 2021

الخادم وكلمة الله (1)

الخادم هو تلميذ أمين للكتاب المقدس، ويتلذّذ بالكلمة، ويعكف على قراءتها ودراساتها، وله جلسات طويله في نورها ومحبتها، وهذا ما يدفعه إلى كثرة الحديث بها وعنها...وإن كان الكتاب المقدس ضروري لأي إنسان، فبالأولى كثيرًا لكل خادم وخادمة، فهو يحيا بها قبل أن يقدمها للآخرين، ويلهج بها نهارًا وليلًا، فهي سراج للأرجل وزاد للطريق ونور للسبيل.وجد معلمنا داود الكلام كالشهد فأكله وتلذّذ به، وصار يبتهج به أكثر من الغنائم الكثيرة، وصارت الكلمة مصدرًا للتوبة والمشورة والتعزية والتقديس.هكذا الكلمة بالنسبة للخادم، يجب أن تكون هي الدافع الأكبر للتوبة والتغيير والتقديس الداخلي، وحين تثمر في داخله تخرج لتنادي وتكرز بالتوبة والتقديس للآخرين.من أخطر دوافع الخطية والابتعاد عن الله هو الابتعاد عن كلمته، كما قال القديس جيروم: "الجهل بالإنجيل هو علّة جميع الشرور".رأينا ذلك بوضوح في تاريخ شعب الله حيث كانت فترات الضعف هي فترات الابتعاد عن الشريعة وتركها..صنع الله بيوشيا الملك حركة إصلاح في الشعب حين وجدوا سفر الشريعة في بيت الرب بعد أن كانت مهملة وغير معروفة منذ أيام صموئيل النبي.وأحضرها يوشيا وأخذ يسمع.. وقيل عنه «ولما سمع الكلام مزّق ثيابه» (وهذا يعلن لنا مقدار تأثير الكلمة وسلطانها)، ولما رأى الله أنه تواضع أمامه ورقّ قلبه ومزق ثيابه وبكى، قال: قد سمعت أنا أيضًا (2أخ27: 34)، وبدأت حركة الإصلاح بالشريعة.وكذلك أيضًا أيام يهوشافاط الذي اجتهد أن يصلح الشعب بالشريعة، فأرسل الكهنة ومعهم سفر شريعة الرب وجالوا في جميع مدن يهوذا وعلموا الشعب. ليت كل خادم يُقال عنه ما قاله يهوشافاط الملك عن أليشع النبي «عنده كلام الرب» (2مل12: 3)، فالخادم يُعَد مستودعًا وخزانة لكلمة الله، يخرجها من قلبه وعقله، فتبهج نفس السامع وتذيب القلب وتغير الحياة.وما أروع ما قام به عزرا الكاتب الذي هيّأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها، وليعلّم إسرائيل فريضة وقضاءً، ولأن الشعب كان قد نسي الشريعة وسلكوا بحسب أهوائهم، واختلطوا بالشعوب الغريبة وسلكوا بحسب عوائدهم، ولكن حين قرأ عليهم الشريعة أجابوا: آمين آمين، رافعين أيديهم، وخرّوا وسجدوا للرب على وجوههم إلى الأرض، وبكوا وصاموا ولبسوا مسوح وجلسوا في التراب، وكانت النتيجة المفرحة أن انفصل نسل إسرائيل من جميع بني الغرباء، واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم، وقطعوا عهدًا مقدسًا، وقالوا: كما كلمتنا هكذا نفعل، وطردوا النساء الغريبة. وهذا يعلن لنا مقدار تأثير كلمة الله، وقد فعلت ما يعجز عنه أي نبي أو كاهن أو كارز، فهي القادرة على قطع قيود الشر ونقل الحياة من سلطان الظلمة وقيود الخطية إلى حرية مجد أولاد الله، فسلطانها وصل إلى حد طرد الزوجات الغريبات.فلنتعلق بها ونثق في تأثيرها، فهي وحدها القادرة على فعل ما عجزنا ونعجز عنه...وللحديث بقية. القمص أنطونيوس فهمى - كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
08 يوليو 2022

القيم التي تنبع من غسل الأرجل ج٢

القيمة الثانية : الاتضاع :- مجرد أن الإنسان يأخذ وضع الخادم ، وقد يكون في مركز أعلى من الذي يغسل له رجليه ، فكونه يأخذ هذا الوضع وينحنى ، هذه فضيلة لأن فيها معنى التواضع . وقلنا أنه في الثلاثينيات كنا نذهب إلى الأديرة ونجد الآباء الرهبان رغم أنهم شيوخ ونحن شباب صغير ، كانوا يصروا أن يغسلوا أرجلنا ، ويطلبوا أن لا نحرمهم من هذه البركة : يريد أن ينفذ وصايا الكتاب المقدس الذي يقول " لاتنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون وهذه القصة واضحة في سفر التكوين ، أن إبراهيم أبو الآباء أضاف ثلاثة رجال ، اتضح له فيما بعد أنهم ليسوا رجالا عاديين ووصفوا بأنهم ملائكة ، لكن هم في الواقع كانوا السيد المسيح في الوسط والملاك ميخائيل على يمينه والملاك جبرائيل على يساره . لذلك يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين أصحاح ۱۸ : ۲۲ " فانصرف الرجال من هناك ، وذهبوا نحو سدوم وأما إبراهيم فكان لم يزل قائما أمام الرب " يكلمه ويقول له : " أديان كل الأرض لايصنع عدلا ، هب أن هناك في سدوم خمسين بارا في المدينة أفلا تصفح عن المكان كله من أجل الخمسين ؟ . قال إن وجدت هناك خمسين باراً أصفح " ، إذن من الذي يتكلم ؟ هو صاحب السلطان على الصفح والغفران ديان كل الأرض ، ثم يرجع ويقول له ها أنا أشرع أكلم المولى وأنا تراب ورماد ، لا يغضب المولى فأتكلم هذه المرة فقط ، هذا يدل على أن إبراهيم أدرك أنه هو المسيح نفسه ، وهذا مانسميه أحد ظهورات المسيح قبل التجسد من مريم ، وأول صورة للظهور ذكرها الكتاب المقدس عندما أخطأ أبونا آدم وحواء ، يقول سمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. يقول الكتاب لاتنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لايدرون ، فالذي عمله إبراهيم أول شيء أنه غسل أرجلهم ، إضافة الغرباء قبل تقديم المائدة ، قبل أن يقدم المائدة غسل أرجلهم ، غسل الأرجل كان يعد فضيلة لأنه خدمة تريح الإنسان ، فغسل الأرجل له هذه القيمة ، قيمة إراحة الآخر ، أي شفاء من التعب ، شفاء المرض الجسداني ، لأن تعب الإنسان نوع من أنواع المرض ، فهذا يعتبر خدمة تؤدى للإنسان المتعب ، كما أن غسل الأرجل دليل على التواضع ، خصوصا إذا كان الكبير هو الذي يقوم بهذه العملية . وهذا ما قاله المسيح أن الأعظم بينكم هو الذي يخدم وأنا كنت كالذي يخدم " سيد القوم خادمهم " فهنا السيد المسيح قدم مثال عملی کیف ؟ الكبير يخدم الصغير ، هو الكبير وقام بعمل غسل الأرجل ، فهنا تعليم أن غسل الأرجل في ذاته فضيلة وليس فقط أنه يريح الإنسان ، ولكن يحمل وراءه معنى التواضع ، ما معنى التواضع ؟ كثيرا جدا نستخدم كلمة التواضع في الكنيسة ، في الوعظ وفي التعليم وفي القراءات وفي الكتابات ، في اللغة العربية التواضع من وضع يضع ، فالحقيقة التواضع كفضيلة معناه أن الإنسان يعرف قدره ، فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمه وهو الغرور ، الإنسان يكون منفوخ في نفسه ، ويضخم نفسه نتيجة شعوره بأن عنده مواهب أو إمكانيات أو غنى أو أكثر علما أو حصل على شهادات أعلى ، فيأتى له إحساس بالإرتفاع ، يرتفع قلبه إحساساً منه أنه أفضل من غيره ، هذا الشعور بالتفوق يجعل الإنسان يحس أنه هو أعلى من غيره ، وقد يصاحبه أيضا إحتقاره لغيره ، يحس أن هناك فرق بينه وبين غيره ، وأن هذا الغير أقل منه ، إنما الإنسان المتواضع هو الذي يفهم نفسه على حقيقتها فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمها ، وأيضا لاينزل نفسه إلى أقل مما يجب ، تقول كيف ذلك ؟ لأن هناك تصرفات معينة لا تليق بك أن تتصرفها ، ولو أنت صنعتها لا تقول عنها أنها تواضع لأنها تنزل من كرامتك كإنسان ، فلو أن هناك أخطاء معينة عملها الإنسان تنزل من مكانته الإنسانية لابد أن يتولد عنها أنه هو نفسه يحتقر نفسه ، في بعض الأحيان توجد خطايا معينة تعملها ، وبعد أن تعملها تحتقر نفسك ، لأنك رأيت نفسك أنك لا تقدر أن تنتصر على نفسك ، أحسست أنك نزلت ، هذا الإحساس بالنزول ليس تواضع ، هذا إذلال لنفسك و إذلال لكرامتك الإنسانية ، التصرف الذي لايليق بك ، لا يكون تواضع ، إنت كإنسان .وخصوصا کمسیحی خلقك الله على صورته ومثاله ، لك كرامة ، كرامة الإله الذي تنتسب إليه . فلا تقبل أن تتنزل وتهين روحك وتهين خليقة الله بهذه التصرفات التي لا تليق بك .التواضع هو أن يعرف الإنسان قدره ، فلا يعطى لنفسه حجماً أكبر من حجمه ، ولا يتنزل إلى تصرفات لاتليق به ولا تليق بإنسانيته ، أو أن يستعبد لعادة رديئة ويبقى عبد كما قال المسيح " إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً " ، لأنك كإنسان إذا استعبدت لعادة من العادات الرديئة ، وتقول أنا لا أقدر أن أتركها ، أليست هذه إهانة لطبيعتك ، وأنك أصبحت مستعبد لعادة رديئة ، حتى لو كنت سيد ، وحتى لو كنت كريم ، وحتى لو كنت حاصل على شهادات ، عندما تنظر إلى كأس من الخمر تسبيك أو سيجارة تنزلك عن مستواك الإنساني ، في مرة واحد من الناس كان مستعبد بشيء ذهب للصيدلى ، وانحنى يقبل حذاءه لكي يعطيه طلبه والصيدلى يمتنع ، أزل نفسه وهو رجل محترم ومركزه كبير وحاصل على شهادة عالية ، وهو رجل كبير ويقبل الحذاء ، هل أسمى هذا تواضع ؟ . فهنا وراء غسل الأرجل فضيلة التواضع ، ولذلك نحن في لقان خميس العهد يقال في صلوات الكنيسة " رسم التواضع " رسم التواضع الذي هو غسل الأرجل . نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات وللحديث بقية
المزيد
10 ديسمبر 2021

القديس يوسف البار ج2

لمّا صدر أمر الامبراطور بالاكتتاب، وأنّ كلّ واحد يُكتَتَب في مدينته، كان لابد للقديس يوسف والعذراء المباركة أن يذهبا إلى مسقط رأسيهما، إلى بيت لحم مدينة الملك داود. وسلوك الأبرار من جهة خضوعهم للملوك والرؤساء والقوانين والتنظيمات وكلّ ترتيب بشري.. معروف منذ القِدَم، هو روح الله الذي يقود خطواتهم لكي يقضوا أيام غربتهم في السلام الكامل. ورغم أنّها كانت الأيام الأخيرة لحَمْل العذراء.. لم يكن هذا عذر يمنعهم عن تكميل الأمر. كان على القديس يوسف أن يصطحب العذراء، وبحسب الامكانيات القليلة كفقراء، أن يهيّئ لها -على قدر الإمكان- أسباب الراحة في السَّفَر.. وإن بدا الأمر يسيرًا ظاهريًّا بحسب الظروف المُحيطة، ولكنّ الحقيقة أنّ التدبير الإلهي من جهة دخول ابن الله الظاهر في الجسد إلى العالم، كان معروفًا سابقًا بكلّ تفاصيله قبل كون العالم. فلم يكن شيء خاضعًا للصدفة أو للظروف.. بل كان الكلّ مُهيًّأ زمانًا ومكانًا وكيفيّةً بكلّ إتقانِ التدبير الإلهي. كما ذَكَرَ الوحي أنّهما حال وصولهما إلى بيت لحم، كانت الساعة التي كان الرب مُزمِعًا أن يدخل عالم الإنسان مُتجسّدًا قد حلّتْ. وكانت القرية بسبب الاكتتاب قد ازدحمت بالوافدين إليها من كلّ مكان. ولم يكن للرب مكان في المنزل فاستضافه عالَم الحيوان، ليولد بحسب التدبير في المذود.. كحَمَل الله الذي يحمل خطيّة العالم. وليس جُزافًا أن يقول الوحي إنّ العذراء ولدته وقمّطته بيديها الطاهرتين وأضجعته فى المذود. وهذا معناه أنّه لم يكن معها في تلك الساعة أحدٌ قَطّ. لأنّ المعروف أنّ في ساعة الولادة يجتمع الأهل الأقربون حول الوالدة يساعدون ويساندون ويعتنون بالمولود. ولكنّ العذراء وَلدَتْ وبقيَتْ عذراء، وليس مَن يطَّلِع على هذا السرّ الأعظم لا البشر ولا الملائكة. وفي لحظة ولادة ابن الله المتجسّد انفتحت السماوات.. وُلد ملك الملوك ورب الأرباب.. ألاّ تتهلّل الملائكة.. نقول الخليقة كلّها تهلّلت بمجيئك. كان العالم لاهيًا في ليلٍ، أمّا الملائكة فقد كان مَنوطًا بهم أن يُبشِّروا مَن يجدونه ساهرًا. سبَّحوه ويسبحونه على الدوام بلا فتور أو سكوت، ولكن صار الآن وجودهم منظورًا، وتسبيحهم مسموعًا، لأنّ ابن الله طأطأ السموات ونزل. ولمّا جاء الرعاة، تقودهم قوّات عُليا وإلهام سماوي، لينظروا طفل المذود العجيب، رأوا الذي كان منذ البدء، الذي دخل العالم، وكُوِّن به العالم، والعالم لم يعرفه. كانت أمّه والقديس يوسف يسمعان ما وصفه الرعاة البسطاء عن منظر الملائكة وتسبيحهم، ولم يكن هذا بحال من الأحوال جديدًا على مَسمَع العذراء القديسة، لأنّ الشاروبيم والسيرافيم كانوا منذ اللحظة الأولى للتجسّد يظللون عليها يسبّحون خالقهم في بطنها. فقد ألِفَتْ أذنها الطاهرة سماع ما لا يمكن أن يدركه بشر من أصوات السمائيين ومجد السموات العليّ. محطّات ذَكَرَها الإنجيل.. اليوم الثامن يوم الختان، يوم دخول الهيكل بعد أربعين يومًا. كان للقديس يوسف بحسب وضعه الظاهر كأب للطفل أن يكون حاضرًا، فهو الذي يسمِّي الطفل، وهو الذي يذهب به إلى الهيكل، ويقدم ذبيحة التطهير، يشتريها أو تُعطَى له مجّانًا إذا لم تكُن تمتلك يداه. كلّ هذا والقديس بوعي كامل وإدراك كلّي يعلم أنّه يُمثِّل دور الأب دون أن يكون، والزوج دون أن يعرفها. والمسئول وهو يَعلَم تمامًا المظلّة الإلهيّة التي تَحُوط السرّ بالقوّات غير المرئية. ثُمّ الهروب إلى مصر.. صار يوسف البارّ في صُلب الخِطّة كجزء رئيسي لتكميل القصد الإلهي، وصار يتحرّك بإلهام بحسب ما يُعلَن له بالرؤيا الإلهية.. «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ» (مت2: 13). فقام وجهّز كلّ ما يلزم لسفرٍ طويل مملوء بالأخطار، لأنّهم لأيامٍ وشهور بلا زاد وبلا مأوى. ولكن كما قلنا إنّه بالإيمان بما رأى وسمع وشاهد واختبر لم يعد يُقِيم لتلك الأمور وَزنًا. شَدّ الرِّحال وسار قاصدًا مصر. وقِصص التقليد كثيرة والأماكن متعدّدة.. تَنَقّل في مصر هو وعائلته بحسب الإلهام، وأقام الربّ مَذبحًا في وسط أرض مصر، وأسّس كنيسته وبارك مصر أرضًا وشعبًا. ثم أُوحِيَ ليوسف أن يرجع إلى اليهودية.. وسَكَنَ هناك في ناصرة الجليل لكي يتمّ ما كُتب عن يسوع: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا» (لو2: 23). وهو لقب لا للتكريم والتبجيل بل للاحتقار، لأنّ الجليل هو أحقر ما في بلاد اليهود في تلك الأيام. ولم يَقُم ولا نبيّ واحد في تاريخ إسرائيل من الجليل. وكان من المتعارَف عليه أن لا يَخرج من الجليل (الناصرة) شيء فيه صلاح. ولكن كان الرب مُزمعًا أن يُخرج من الجافي حلاوة الملكوت، ومن مكان الحقارة صارت كرامة رسل المسيح، وأغلبهم من الجليل.هكذا استقرت العائلة المقدسة في الناصرة. وكان يوسف بحسب صناعته نجّارًا. ويقول التقليد إنّ الرب عاش في الناصرة بعد رجوعه من أرض مصر إلى سنّ الثلاثين عامًا، لمّا بدأ خِدمة الخلاص علانيةً بعماده من يوحنا المعمدان. ويقول التقليد أيضًا إنّ يوسف البارّ انضمّ إلى آبائه، ورقد وكان الرب في عُمْر 16 أو 17 سنة على الأكثر. والذي يَذكُرُه الإنجيل عن هذه الفترة شيء قليل، فغاية الإنجيل هو الصليب والقيامة. لقد أخبرنا الوحي عن أعمال الخلاص التي عملها الرب كارزًا وشافيًا للأمراض، ومُخرِجًا للشياطين ومُقيمًا للموتى ومُفَتِّحًا أعين العميان، ومُعافيًا كلّ الذين تسلّط عليهم إبليس. ولما اقترب إلى الصليب صار التركيز على كلّ ساعة وكلّ حدث ذي معنى لخلاص البشرية.فإن كان الوحي قد عَبَرَ على السنوات الأولى الثلاثين عبورًا سريعًا، لأنّ الربّ فيها شاء أن يعيش الإخلاء بكامل معناه. (يُتّبَع) المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
18 يوليو 2021

الخادم والازدواجية

الخادم يمثّل المسيح أمام المخدومين، يحمل فكره، يتكلم بكلامه، وينشر رسالته وتعاليمه. هكذا يرى المخدومون الخادم أنه في درجه من الكمال، وقد لا يستوعبون أنه شخص تحت الآلام مثلهم. وكثيرًا ما نجد الخادم قد يُسَرّ بهذه الصورة ويرسّخها في أذهان المخدومين، بينما الحقيقة مختلفه تمامًا! فتجد الخارج غير الداخل، والكلام غير الأفعال، والمظهر غير الجوهر، ممّا جعل الخادم يحيا في ازدواجية تجعله غريبًا عن نفسه. وأخطر ما في الأمر هو تباعُد المسافة بين ما يقول وما يفعل إلى أن يصل إلى درجة الازدواجية المريضة.وهناك موقف في الكتاب المقدس يوضّح لنا كيف يحيا الإنسان مزدوجًا؛ حين تقدّم أبونا يعقوب إلى أبيه إسحق لنوال البركة عوض عيسو البكر«فتقَدَّمَ يعقوبُ إلَى إسحاقَ أبيهِ، فجَسَّهُ وقالَ: «الصَّوْتُ صوتُ يعقوبَ، ولكن اليَدَينِ يَدا عيسو». ولَمْ يَعرِفهُ لأنَّ يَدَيهِ كانتا مُشعِرَتَينِ كيَدَيْ عيسو أخيهِ، فبارَكَهُ. وقالَ: «هل أنتَ هو ابني عيسو؟». فقالَ: «أنا هو».» (تكوين 27: 21-24) كثيرًا ما يوجد داخلنا هذا التناقض الصوت صوت يعقوب، واليدان (اللتان تشيران إلى الأعمال) يدا عيسو! وتجتهد النفس في تزييف حقيقتها لتأخذ ما ليس لها، وتدقّق وتجتهد لتلبس الثياب وتأخذ الشكل بل والرائحة، وتمتد إلى ما أهو أكثر وأعقد من ذلك وهو تغطية الجلد حتى يحصل على ضمان اقتناء الشخصية المرغوبة، ويتحمّل المخاطر ويستمرّ في الخداع حتى وإن ظهر الشك في أمره، ولكنه يؤكد: «أنا هو»! ما أخطر خداع النفس وما أسوأ النتائج حين يتوقّع المخدوم من الخادم كمالات لا يجدها، بل والأكثر حين تظهر أمور عكس ما يظهر أو يعلم.لقد مدح السيد المسيح من عَمِل وعَلَّم أنه يُدعَى عظيمًا في ملكوت السماوات (متى 19:5)، بل وقد وجدنا في شخصه القدوس تحقيقًا وتطبيقًا واضحًا لكل ما عَلَّم به، فلم يتكلم عن المتّكأ الأخير بينما يتنافس على المتكآت الأولى، ولم يحدّثنا أن «بيعوا أمتعتكم وأعطوا صدقة» بينما يسكن هو في القصور، ولم يتكلم عن ضرورة حمل الصليب بينما يهرب هو من حمله، بل على العكس نجده فعل أكثر مما تكلّم به لدرجة عجز الكلمات عن التعبير.أعظم عمل للخادم هو التأثير، والعين أكثر تفاعلاً من الأذن، فنحن لا نحتاج إلى كلمات بقدر ما نحتاج إلى أفعال، ولا نحتاج إلى خدام بل إلى نماذج، ومن المعروف أن أي تعليم يستمدّ قوته من قائله، فالذي جعل القديس تيموثاؤس يتبع بولس الرسول ليس فقط تعليمه بل سيرته وقصده وإيمانه وأناته ومحبته وصبره (تيموثاوس الثانية 10:3) التي رآها وتلامس معها بشكل عملي.ليت نفوسنا تتوحّد في خوف الله، ونقدم صورة للمسيح الذي يحيا في داخلنا، ولا ننجذب لغيره ولا نتبع غيره، فنقدم صورته وكلامه وحياته لأولاده فيجذبهم فيجروا وراءه. القمص أنطونيوس فهمى - كنيسة القديس جوارجيوس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
05 سبتمبر 2022

ضد المسيح من هو؟(1) وما هي أوصافه ج3؟

3 - آباء العصور الوسطى لا يختلف بقية آباء العصور التالية كثيرا عما سبق يقول سويرس (حوالي 363 –420)، أن معلمه القديس مارتن أسقف تورز أعتقد أن ضد المسيح كان قد ولد فعلا وأنه صبي يستعد لنوال القوة في السن المناسبة. وقال نارساى السرياني (399- 503 م)، أن ضد المسيح هو إنسان يلبسه الشيطان تماما، فيصنع عجائب باهرة، ويؤسس سلاما غاشا، ويطلب أن يعبد. وأن إيليا سيعود إلي العالم لكي يقاوم ضد المسيح باسم البشرية المؤمنة، وسيغلبه في معركة واحدة حاسمة، بالروح القدس، متسلحا بالكلمة وفي نهاية المعركة يظهر السيد المسيح نفسه ويتوج نصرة إيليا بسحق ضد المسيح في الجسد والنفس. وقال اكيومينس (في بداية القرن السادس) أن ضد المسيح سيأتي إنسانا يلبسه شيطان ويصير ملكا علي اليهود ويقبل إيليا وأخنوخ النبيين اللذين يظهران في أواخر الدهور. وقال رومانس (القرن السادس أيضا) أن ضد المسيح هو الشيطان متجسدا، فهو يقاوم مؤمني المسيح بقوة. كما أنه يصنع معجزات ويقيم موتي، ويبذل كل جهده لكي يقود الأبرار إلي حجال عرسه. وأنه سيلقي في النار الأبدية، هو وملائكته وكل الأشرار. وقال أندروس مطران قيصرية أن ضد المسيح يأتي من سبط دان، من باشان في منطقة الفرات. ويظهر كشخص إلهي ويقيم نفسه إمبراطورا رومانيا، ويعيد تأسيس الإمبراطورية الرومانية، لكنه لا يجعل عاصمتها روما بل يقيمها مملكة أرضية عامة، هي " جسد الذين يقاومون كلمة الله في كل الأزمنة والأماكن ". أما الأب يوحنا الدمشقي (حوالي 650- 750 م) فقال " أن ضد المسيح سيكون إنسانا عاديا قابلا للموت، مولودا من زنا، تلبسه قوة شيطانية، وسيقبله اليهود بحماس. سيضطهد الكنيسة ويخدع كثيرين بعلامات وعجائب كاذبة. عندما يأتي السيد المسيح علي السحاب كما صعد في مجد ويهلك الإنسان غير الشرعي (ضد المسيح) 000 ينبغي أن تعلم أن المسيح الدجال لا محالة آت وأنه لمسيح دجال كل من لا يعترف أن ابن الله قد أتي بالجسد وأنه إله كامل وأنه قد صار إنسانا كاملا بعد أن كان إلها. ومع ذلك فبالمعني الخاص والحصري فإنهم يدعون المسيح الدجال ذاك الذي سوف يأتي في منتهى الدهر. ومن ثم ينبغي أن يكرز أولا بالإنجيل في جميع الأمم (مت 24: 14)، كما قال الرب، ثم يأتي الدجال ليحاج اليهود مقاومي الله، فقد قال الرب لهؤلاء: " أنا أتيت باسم أبي فلم تقبلوني، ويأتيك آخر باسم نفسه فذاك تقبلون " (يو 5: 43). وقال الرسول أيضا: " لذلك يرسل الله إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، ويدان جميع الذين لم يؤمنوا بالحق بل ارتضوا بالإثم " (2 تس 2: 10- 12). " فاليهود إذا لم يقبلوا الرب يسوع المسيح، علي أنه ابن الله والله، ويقبلون الغاش المدعي بأنه الله. وقد سمي نفسه الله لان الملاك الملقن لدانيال يقول هكذا: " لا يعبأ بآلهة آبائه " (دا 11: 37). ويقول الرسول " لا يخدعنكم أحد بوجه من الوجوه، لأنه لابد أن يسبق الارتداد أولا، ويظهر إنسان الخطيئة ابن الهلاك المعاند المترفع فوق كل من يدعي إلها أو معبودا حتى إنه يجلس في هيكل الله ويري من نفسه أنه هو الله " (2 تس 2: 3 – 4). هو يقول " في هيكل الله " - لا هيكلنا - بل الهيكل القديم اليهودي، لأنه لا يأتي إلينا بل إلي اليهود. ليس لأجل المسيح، بل ضد الذين هم للمسيح. لذلك يدعي المسيح الدجال ". " وعليه ينبغي أن يكرز بالإنجيل في جميع الأمم، " وحينئذ يظهر الذي لا شريعة له ويكون مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبالعلامات والعجائب الكاذبة، وبكل خديعة وظلم في الهالكين، فيهلكه الرب يسوع بنفس فمه ويبطله بمجيئه " (2 تي 2: 8 – 10). وعليه فإنه ليس هو الشيطان الذي يصير إنسانا علي مثال تأنس الرب، حاشا! بل هو إنسان يولد من زني، ويتسلم كل عمل الشيطان. وقد سبق الله وعلم شناعة اختياره فترك للشيطان أن يسكن فيه ". " إذا قلنا إنه سيولد من زني ويتربي في الخفية ويثور فجأة ويستولي ويملك. وفي أوائل تملكه أو بالأحرى تجبره يتظاهر بالعدل. وعندما تكون قد اتسعت سلطته يضطهد كنيسة الله ويظهر كل شره. " ويكون مجيئه بالعلامات والعجائب الكاذبة " (2تس 2: 9) المضلة وغير الصادقة. ويخدع من كان أساس ذهنهم فاسدا وضعيفا ويبعدهم عن الله الحي " ويضل المختارين لو أمكن " (مت 24: 24)." وسيرسل الله أخنوخ وإيليا التشبي فيعيدان قلوب الأباء إلي الأبناء، أي شيوخ المجمع إلي ربنا يسوع المسيح وإلي كرازة الرسل. ولكنه سيقتلهما. ثم يأتي الرب من السماء كما كان شاهده الرسل القديسون صاعدا إلي السماء، إلها كاملا وإنسانا كاملا، بمجد وقوة، فيهلك بنفس فمه الإنسان الزائغ عن الشريعة وابن الهلاك. فلا يتوقعن أحد إذا مجيء الرب من الأرض بل من السماء، علي ما أكده لنا هو نفسه ". لقمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب المجيء الثاني متى يكون وما هي علاماته؟
المزيد
19 مايو 2021

القيامة تتبعها الدينونة وساعة الحساب والثواب والعقاب

أهنئكم يا أخوتى وأبنائى جميعاً بعيد اقيامة ، راجيا من الله أن يعيده عليكم بالخير والبربكة ، وأن يعيده على بلادنا المحبوبة وهى فى سلام ورخاء وأتابع معكم فى هذه المناسبة السعيدة أحاديثنا عن القيامة العامة فأقول إن القيامة تتبعها الدينونة العامة 0 فلإنسان لا ينال جزاءه بعد الموت مباشرة ، لن الجسد يكون وقتذاك فى القبر ، ويتحول بالوقت إلى تراب ولكن فى القيامة ، حينما يقوم الجسد وتتحد به الروح ، يمكن حينئذ أن يبدأ الحساب للإنسان بكامل تكوينه جسداً وروحاً وذلك لأن ما فعله الإنسان من خير وشر ، اشترك فيه الجسد والروح معاً فيلزم إذن محاسبة الإثنين معاً : ينالان المكافأة معاً ، أو يتحملان العقوبة معاً وهكذا شاء الله أن يكون الحساب أو الدينونة بعد القيامة العامة ، حينما تتحد الأرواح بالأجساد ويكون الحساب أيضاً لكل البشر معاً كل شئ مسجل امام الله ، وسوف يعلن فى يوم الحساب ، وسف يعرف من الكل كل أفعال الناس ، وكل أفكارهم وأقوالهم ونياتهم وأحاسيسهم ، الخفيات والظاهرات 0 ولذلك صدق ذلك الأديب الروحى الذى قال " فكر كما لو كانت أفكارك مكتوبة على سحاب السماء بحروف من نور ، وإنها لكذلك " الناس حينما يموتون ، يتركون أموالهم وأملاكهم ، وأقاربهم ومعارفهم 0 ويفارقون الكل ولكن الشئ الذى لا يفارقهم هو أعملهم 0 لأن أعمالهم تتبعهم 0تلصق بهم كل أخطائهم ، بكل صورها ، وكل تفاصيلها ، وكل بشاعتها ، فتقلق قلوبهم ، وتتعب أفكارهم وفى يوم الدينونة العامة يجدون كل ذلك أمامهم 0 فيكونون مدانين أمام أنفسهم ، لا ينفعهم عذر ولا تبرير لا يمحو هذه الخطايا والآثام سوى التوبة الصادقة الحقيقية فالخطأ الذى تاب عنه الإنسان توبة قلبية بغير رجعة ، هذا تدركه مراحم الله الواسعة ومغفرته للتائبين والتوبة الحقيقية ليست مجرد ترك الخطية فقط يتركها الإنسان من حيث الفعل والممارسة ، ولكن يستمر يشتهيها فى قلبه ، ويقبلها فى فكره 0 أما التوبة الحقيقية فهى كراهية الخطية قلباً وفعلاً بكراهية الخطية وعدم اقترافها ، يستحق الإنسان المغفرة ، ولا تحسب عليه خطاياه فى يوم الدين ويبقى للتوبة شرط آخر ، وهو معالجة نتائج الخطايا فمثلاً لا يقل الظالم " لقد تبت ، وما عدت أظلم أحداً ، بل صرت أكره الظلم " هذا لا يكفى ، لأنه خاص فقط بالحاضر والمستقبل 0 ولكن ماذا عن الماضى ، وعن حال المظلومين الذين لا يزالون يقاسون من نتائج ظلمه ؟! عليه أن يعالج هذه النتائج بكل ما يستطيع من قدرة وإن كان قد سرق من أحد شيئاً ، عليه أن يرده إلى صاحبه 0 وإن كان قد أساء إلى سمعة إنسان ، عليه أن يصلح ذلك ويرد إليه إعتباره هنا يقف أمامنا سؤال قد يكون محيراً ، وهو : ماذا عن القاتل ، وهو لا يستطيع أن يصلح ما فعله ؟ والجواب هو أنه إذا أخذ عقوبة على الأرض ، وقبلها برضى وبشعور أنه مستحق للعقوبة فإنه يستريح من عقوبة فى يوم الدينونة الرهيب الإنسان فى يوم الدينونة ينال عقوبة على الخطايا التى لم يتب عنها ، والخطايا التى لم ينل عنها عقوبة على الأرض إما لأنها كانت خطايا فى الخفاء لم يعرفها أحد عنه ، أو لم تثبت أدلة عليه ، أو أمسك فيها أحد غيره ظلماً 0 وفى هذه الحالة يعاقبه الله على خطيئتين : الخطيئة التى ارتكبها ، يضاف إليها تركه لغيره يعاقب ظلم على ما اقترفه هو من إثم ، دون أن ينقذه باعترافه ومن الخطايا الخفية أيضاً : النيات والأفكار والمشاعر وهذه كلها ينبغى أن تدركها التوبة لتمحوها ، مع الجهاد الروحى لتنقية القلب والفكر ومن الخطايا التى تتعب الإنسان أيضاً فى يوم الحساب ، وهنا أيضاً على الأرض ، أن يوقع غيره فى خطية ، ويتسبب فى إفساده 0 ثم يتوب هو ، ويبقى هذا الغير فى الخطيئة والفساد ، دون أن يقدر على إرجاعه !! وفى يوم الحساب ،لا يعاقب الإنسان فقط على ما فعله من شر ، وإنما أيضاً على ما كان بإمكانه أن يفعله من الخير ولم يفعله والكتاب المقدس يقول فى ذلك " من عرف أن يعمل حسناً ولا يفعل ، فتلك خطية له " ( يع 4 : 17 ) بل من الخطايا أيضاً : تأخير عمل الخير ، أو تأخير أعطاء الحقوق لأصحابها ومن وصايا الكتاب فى هذا الشأن :" لا تمنع الخير عن أهله ، حين يكون فى طاقة يدك أن تفعله لا تقل لصاحبك اذهب وعد فأعطيك غداً ، وموجود عندك " ( ام 3 : 27 ، 28 ) لذلك كله ولغيره ، على الإنسان أن يحاسب نفسه بكل دقة ، قبل أن يدركه يوم الحاب وهو غافل عن نفسه وصدق ذلك القديس الذى قال لأحد الخطاة : " احكم يا أخى على نفسك ، قبل أن يحكم عليك " ينبغى إن أن يتدرب كل إنسان على محاسبة النفس ، وأن يدين نفسه ، على أخطائها ، ويحاول أن يصلح ذاته 0 فالفرصة لا تزال قائمة ، والتوبة بإمكانه ، قبل أن يغلق باب التوبة بالموت ، ويقف فى ذلك اليوم الرهيب مداناً أمام الله 0 وصدق ذلك الشاعر الذى قال : قبورنا تبنى ونحن ما تبنا وفى محاسبة الإنسان لنفسه ، عليه أن يلتفت إلى الخطايا المركبة والخطايا الأصلية وأعنى بالخطايا المركبة ، تلك التى تحوى مجموعة كبيرة من الخطايا ، بينما نلقى عليها إسماً واحداً كما توجد أيضاً خطايا أمهات ، تلد كل منها عدداً كبيراً من الخطايا فلا نستهن بالمر ، ونظن أننا قد ارتكبنا شيئاً بسيطاً ‍‍!! كذلك لا ننسى الخطايا الأصلية 0 فغالبية خطايا اللسان وخطايا الحواس ، يكون سببها خطية أصلية موجودة فى القلب فالذى ينظر نظرة حسد ، أو نظرة شهوة ، أو نظرة حقد ، وما أشبه ، ليست كل هذه مجرد خطية نظر ، وإنما الحسد والشهوة والحقد وغير ذلك ، موجود كله فى القلب قبل أن يظهر فى العين فخطية القلب هى الخطيئة الأصلية وخطيئة النظر هى الخطية اللاحقة ، أو الثانية فى الترتيب وهكذا عليه أن يطهر قلبه أولاً ، فتتطهر حواسه تلقائياً كذلك الذى يوجه إلى غيره كلمة قاسية ، القسوة موجودة فى قلبه أصلاً ، قبل أن تكون خطية لسان ، عليه أن يتوب عن كلتيهما الإنسان الدقيق فى محاسبة نفسه ، يمكنه التخلص من نقائصه وخطاياه وهكذا يقف أمام الله طاهراً فى يوم القيامة ، لا يبكته ضميره على شئ والإنسان الروحى لا يتساهل مع نفسه ، ولا يغطى خطاياه بالتبريرات والأعذار لأن الذى يبرر نفسه على الأرض ، سيكون مكشوفاً تماماً أمام الله فى يوم الحساب ، حيث يستند كل فم ، ولا تنفع الأعذار تقول عن الله رحيم ، فأقول لك وهو أيضاً عادل رحمة الله سوف تدرك التائبين فيغفر لهم 0 وعدل الله لابد أن يلاحق المستهترين ، الذى يستغلون رحمة الله ومغفرته ، للتمادى فى خطاياهم وشرورهم ، وعصيانهم لله أولئك الذين لم يجعلوا الله أمامهم ! يوم الحساب إذن هو يوم العدل الإلهى ، الذى فيه سيجازى كل واحد بحسب اعماله مكافأتهم على برهم وحرصهم وطاعتهم هؤلاء الأبرار سيكافئهم الله على كل شئ ، ليس فقط عن الأعمال العظيمة التى عملوها ، بل حتى لى خير مهما بدا أمامهم ضئيلاً يكافئهم ليس فقط على أعمال الرحمة الكبيرة ، وأنقاذ غيرهم من المشاكل والورطات ، إنما ينالون ثواباً حتى على كلمة التشجيع ليائس ، وبسمة الحنان الصغار النفوس ، وزيارة لمريض ، ونظرة حب لطفل وسوف يعوضهم الله عن كل خير عملوه ، ولم ينالوا عنه جزاء على الأرض إما بسبب ظلم أو جاهل أو إهمال ، أو بسبب أنهم أخفوا فضائلهم عن الناس ، حتى لا يستوفوا خيراتهم على الأرض ، بل نالوا جزاءهم كاملاً من يد الله يعرف الخفيات بل إنهم ينالون مكافأة عن الخير الذين أرادوا أن يفعلوه ، ولم يستطيعوا لأسباب خارجة عن إرادتهم وكل تعب احتملوه على الأرض ، من أجل محبتهم لله ومحبتهم للناس ، سيكون سبب راحة أبدية لهم ستتبعهم فى يوم الحساب أعمال برهم ، وتكون شاهدة لهم أمام الله فطوبى لمن يتعب الآن فى عمل الخير ، وفى خدمة الغير ، لكى يستريح فى ذلك اليوم ، وينال أجره بحسب تعبه ( 1كو 3 : 8 ) فى النعيم الأبدى ليتنا نضع يوم القيامة والحساب أمام أعيننا باستمرار ، حتى نسلك بحرص أمام الله ، وحتى نقف أمامه فى يوم الدين ، دون أن تبكتنا ضمائرنا وليتنا نبذل كل جهد وتعب من أجل راحة الآخرين ، سواء فى محيط الأسرة أو المجتمع أو الوطن أو البشرية جمعاء ، حباً للكل ، وليس لمجرد الجزاء 0 وهذا الحب سيقف إلى جوارنا فى اليوم الأخير ولن يدخل ملكوت الله فى ذلك اليوم ، إلا القلوب العامرة بالحب ، لن يدخله إلا الذين أحبوا الله ، وأحبوا الخير ، وأحبوا الغير بهذا الحب نصلى جميعاً من أجل بلادنا ، ومن أجل أمنها وسلامتها ، ومن أجل البلاد التى تسودها الحروب أو النزاعات الداخلية ، لكى يمنح الرب سلاماً للعالم ولكى يعطى الرب الغذاء للبلاد التى تسودها المجاعات ، ويمنح النقاوة والتوبة للمجتمعات التى يسودها الفساد 0 ونطلب أن يبارك الرب كل من يعمل خيراً فيعم الخير كل مكان 0 وكل عام وجميعكم بخير قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
27 نوفمبر 2021

النساء والزينة

«لاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ. فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ سَيِّدَهَا. الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ» (1بط3: 3–6). في صميم الخِلقة، تميل النساء، إلى التزيُّن وإلى الظهور بمظهر الجَمال.. هذه طبيعة وهي رأس زاوية تقف عند مفارق الطرق في تدبير الحياة.. فلا يمكن بصورة من الصور أن تُغيَّر الطبيعة!! ولكن إن انحازت النفس إلى العالم فجرفها في تيّاراته، فإنّ المظهَر يصير كلّ رأس مالها.. وتبتدئ الزينة الخارجيّة تملك على الكيان.. وعندئذ تتبارَى مَلَكات الإنسان وامكانياته تخدم الخارج والجسدانيّات.. فتُكرِّس كلّ الطاقات الماديّة والفِكرية والعِلميّة لفنون الجسد وزينة الخارج، الذي يَبلَى يومًا ولا بديل. ومُجرَّد نظرة بسيطة إلى ما هو موجود في عالَم الموضات، مِن اللبس والحُليّ والماكياچ والعطور وتصفيف الشعر.. شيء رهيب حقًّا لا يقع تحت حَصر.. تيّار جارف وأمواج مُزبِدة تجرِف الملايين بل ومئات الملايين. ولا يستطيع أحد أن يقف في وجه تلك التيّارات المخيفة، فأقلّ ما يَصفه به العالم هو الجنون وعدم الواقعيّة وأنّه يحيا في الوهم والخيال. بينما أولاد الله إذ قد اكتشفوا زوال أباطيل هذا العالم الخدَّاع، واستنارت بصيرتهم فأدركوا السماويات، صرفوا العمر كلّه يعتنون بالداخل ومجد الداخل، كمثل العذراء القديسة التي قيل عنها «كُلُّ مَجْد ابْنَةِ الملِكِ مِنْ داخِل. مشْتمِلةٌ بأطرافٍ مُوَشّاةٍ بالذَّهَبِ، مُزَيَّنَةٍ بأشْكالٍ كَثيرةٍ» (مز44 الأجبية).. مجد لا يوصَف.. ولا يعرفه العالم. قُلْ أنّ الاهتمام الزائد بالزينة الخارجية هو تغطية لعوار الداخل الذي تشمئزّ منه النفس. ألَمْ يكن هذا حال الفرّيسيين الذين قال لهم الرب: «تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ (نتانة)» (مت23: 27). فالنزوع إلى التزيّن الخارجي والانحصار فيه، يعني عدم الالتفات للداخل، بل وإهماله، بل وفي أحيان كثيرة هو محاولة للتغطيّة لِما قد يُخجَل منه إذا انكشف. لذلك جاءت الوصيّة صريحة للنساء القدّيسات «لاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ هى الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ... بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ». الزينة المختفية بالروح.. في القلب الخفي عن عيون الناس، ولكن مستعلَنَة لدى الله، في الإنسان العديم الفساد، لأنّ كلّ ما هو خارجي يفسد، لأنّ إنساننا الخارج يفنى ولا محالة!! زينة الروح الوديع.. وإن فطنت إلى هذه الفضيلة النادرة والغالية جدًّا، ليس قدّام الناس بل هي قدّام الله كثيرة الثمن.. فكم بالحري لدى الناس؟ قَلَّ أنْ تجد امرأة تتحلّى بالوداعة والهدوء الروحي.. فإن وجدتَها فثمنها يفوق اللآلئ، لأنّها مُشتَرَاه بدم زكي كريم ومُقدَّسة فيه!! أمّا الصفة الثانية وهي الاتكال على الله، فهي رصيد الزوجة المسيحيّة.. عليها يؤسَّس استقرار البيت، فهي لا تتّكل على أشياء ومقتنيات، ولا على ذراع البشر، بل على الله الحيّ.. تتّكل عليه مِن كلّ قلبها، وتسوس بيتها، وتشيع في أولادها عدم الخوف وعدم القلق وعدم الاضطراب، بإيمانها واتكالها على الله.. تُطَيِّب قلب زوجها وتُطَمئنه.. فهي لا تُرهِقه بكثرة المطالب في العالميات، ولا تدفعه إلى الأطماع لتلبية رغباتها، بل اتكالها على الله هو كفايتها وكنزها. «يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ بزِينَةَ الرُّوحِ ولباس الحشمة خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ» أمّا مِن جهة لباس الحشمة، فهذا يأتي من الإدراك الروحي، فالإنسان الروحي «يَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لاَيُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ» (1كو2: 15). فلا يوجد زِيّ يُقَال له الزِيّ المسيحي.. ولكن تُدرِك المرأة المسيحيّة بروحها، وتُمَيِّز بين ما يليق وما لا يليق، وما يوافق ومالا يوافق، بحسب ما هو مكتوب «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ» (1كو10: 23). + والإدراك الروحي والحياة في المسيح، يجعَل الإنسان يحرِص على نقاوة قلبه وطهارة جسده، عالِمًا أنّ الجسد هو هيكل الروح القدس الساكن فينا «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كو3: 16). وأيضًا يقول: «مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كو6: 20). فنحن أعضاء جسد المسيح وأعضاؤنا أعضاء جسده. لذلك لباس الحشمة يليق بمن أدركوا أنّ أجسادهم مِلكٌ للذي اشتراهم. فالخلاعة من أي نوع أو التشبُّه بأهل العالم، هي مجاراة للمجتمع لا تليق بأولاد الله. في تاريخ المسيحيّين الأوائل، لما ألقوا إحدى الشابات في ساحة، لثور وحشي، بسبب إيمانها بالمسيح، ومزّقها الثور بقرونه، كانت تلملم ثيابها لتستر نفسها غير عابئة بالموت، لأنّ عفّتها ومحبّها للقداسة كانت أغلى من الحياة (الشهيدة بِربِتوا). والقصص كثيرة جدًّا التي تؤكِّد أنّ المسيحيّات منذ الأيام الأولى كُنّ مِثالاً لقداسة السيرة والمظهر الذي يليق بأولاد الله. والشهيدات العفيفات: دميانة وبربارة ويوليانا صِرنَ نموذجًا لملايين، تَبعْنَ سيرتهن الطاهرة وتمثّلنَ بهنّ. في ستينيّات القرن الماضي ورَدَتْ إلى مصر موضة من أوربّا، هي لِبس الملابس القصيرة، وتأثّر بها معظم سيّدات وفتيات مصر.. وفي يوم أحد أثناء القداس، في كنيستنا في سبورتنج بالاسكندرية، دخلت إحدى السيّدات الشابّات بفستان قصير جدًّا بشكل لا يليق، وصار اشمئزازٌ من كثيرين.. وكان من عادتنا، أنّنا في نهاية القداس بعد انصراف الشعب، نقف على باب الكنيسة، لنسلّم على كلّ الشعب. (كانت أيّام جميلة محفورة في ذاكرتي..) كان يومها أبونا بيشوي هو الذي يُصلّي القدّاس، وفيما هو يُسَلِّم على الشعب لفَتَ نظره هذه الأخت، ولم يكُن يعرِفها.. سلّم عليها بمَوَدّة وسألها أين تسكن؟ وفي ذات اليوم زار أبونا منزلها هي وزوجها، وكان لها بنتان صغيرتان.. صلّى معهم وكلّمهم بكلمات النعمة، فدخلت إلى أعماق قلوبهم. بعد ذلك بوقت قصير، كانت الحياة قد تغيّرت، وأصرّت هذه الأخت أن تحرق هذه الملابس غير اللائقة. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
07 أبريل 2021

العمل الإيجابي البناء

ما أجمل وأعمق ذلك المثل الصيني الذي يقول:'بدلًا من أن تلعنوا الظلام، أضيئوا شمعة'.حقًا، إن مجرد لعن الظلام لا ينقذ أحدًا من ظلمته. ولكن الظلام ينقشع من تلقاء ذاته، بعمل ايجابي هو نشر النور، ولو علي الأقل بإضاءة شمعة وهكذا في أي مجتمع قد توجد أخطاء أو نقائص أو مشاكل. وإذا بمحبي الإصلاح يتجهون إلي اتجاهين: احدهما يضج ويصيح لكي يفضح هذه الأخطاء، أو انه يبكي بسببها وينوح وينعي الخير الذي ضاع أما الاتجاه الآخر، فهو العمل الايجابي الذي يكتب صفحة جديدة ناصعة في تاريخ المجتمع، في هدوء وفي قوة.. وهذا هو الأكثر ثباتًا وتفهمًا.اثنان ينظران نارا تشتعل في مبني.. فيقيم احدهما ضجة بسبب هذا الحريق.. أما الآخر ففي ايجابية يبذل كل الجهد في إطفاء النار اثنان يمران بشاطئ البحر.. وإذا بشخص في خطر يكاد يشرف علي الغرق.. فيظل احدهما يوبخه: كيف ينزل إلي البحر وهو لا يجيد السباحة؟! أما الآخر فينزل بسرعة لكي ينقذ ذلك الإنسان من الغرق.. وفي كل ذلك يبدو الفرق بين المنشغل بالسلبيات وبين العمل الايجابي البناء غالبية الناس يركزون جهدهم الإصلاحي في أن يلعنوا الفساد.. و هذا أمر سهل يقدر عليه كل احد. ولكن من بين كل هؤلاء من يهتم بشرح الأسلوب العملي الايجابي للقضاء علي الفساد. سهل جدًا أن توبخ فكرة خاطئة. ولكن الأصلح ايجابيًا أن تقدم الفكرة الصائبة، وتشرح أسلوب تنفيذها أتذكر وأنا شاب صغير أنه كان لي زميل في الدراسة يسرف في التدخين.. فأخذت أنصحه كثيرًا، وأحدثه عن مضار التدخين الذي فيه يفقد صحته وإرادته وماله.. وإذا بهذا الزميل يقول لي 'لا تتعب نفسك كثيرًا في الشرح.. فأنا بالخبرة أعرف أضرار التدخين أكثر منك ولكن المشكلة هي كيف يمكنني أن أتخلص عمليا من هذه العادة؟!نعم، إن الحديث عن الأخطاء سهل. أما العمل علي علاج تلك الأخطاء، فهو العمل الايجابي البناء.. والكلام الموجع ليس هو الذي يصلح الأخطاء.. إنما تصلحها الخطة الايجابية العملية الممكنة التنفيذ.كذلك هناك فرق بين شرح الخطأ للوقاية منه، وبين الحديث عن الأخطاء للتشهير بالمخطئين بأسلوب لا يصلحهم بل يثيرهم.هناك فرق جوهري بين الفأس التي تقلب الأرض لزراعتها، و الفأس التي تضرب في البناء لتهدمه..! ما أسهل الإدانة والشجب بإمكان كل شخص أن يدين وأن يشجب.. أما المساهمة الإيجابية في الإصلاح، فهي العمل النافع.. النقد سهل.. وقد يكون النقض أيضًا سهلًا إن كاتبا بسيطا يمكنه أن ينقد قصيدة لشاعر مشهور.. ولكن هذا الناقد ربما لا يستطيع أن يكتب بيتًا واحدًا من الشعر! وكثيرون من الذين يستهزئون بعمل غيرهم، هم أنفسهم لا يعملون! قد يدعي القدرة علي العوم أولئك الذين يقفون علي الشاطئ..فإن نزلوا إلي البحر وسط أمواجه حينئذ يختبر ادعاؤهم. إن السلبيات قد تهدم.. أما الايجابيات فهي التي تبني.. والهدم عمل سهل.. أما البناء فيحتاج إلي مهارة ووقت.. يستطيع شخص بقنبلة أن يهدم في لحظات عمارة شاهقة.. ولكن بناء أية عمارة يحتاج إلي هندسة وفن ومدي زمني.. وهذا البناء عمل انفع وابقي.وكما أن نقد الأخطاء لا يصححها، ولا التشهير بها يصلحها.. كذلك الحزن علي المشاكل لا يحلها.. بل يحلها العمل الايجابي.إن الحزن علي المريض لا يشفيه من مرضه.. إنما يكون الشفاء عن طريق وصف العلاج وتقديم الدواء.والحزن بسبب انتشار الجهل أو الأمية لا يفيد شيئًا، بل النافع هو نشر التعليم ومحو الأمية.ويوسف الصديق لم يحزن من فرعون علي سنوات الجوع القادمة. إنما قدم الحل الايجابي وهو تخزين القمح ليكون تموينا لسد احتياجات تلك السنوات. وكان هذا هو النافع عمليا.والمعروف أن كثيرين قد بكوا وحزنوا بسبب تجريف بعض الأراضي الزراعية واستخدامها في إقامة المباني. ولكن الحزن لم يحل تلك المشكلة.. إنما كان حلها بالعمل الايجابي الفعال، الذي تمثل في مشروع تعمير الصحاري واستصلاح الأراضي وحفر الآبار، وما نتج عنه من إضافة مئات الآلاف من الأفدنة إلي الرقعة الزراعية في بلادنا، مع ما صاحب ذلك من أعمال التنمية.كذلك إن كنا ذاهبين إلي مكان ما، ووجدنا قناة أو مجري من الماء يعوقنا عن الوصول: هل الحزن في هذه الحالة ينفعنا؟! أم أن الذي ينفعنا هو إقامة جسر نصل به إلي المكان الذي نريده؟هذا هو العمل الايجابي الذي يلزمنا في كل أمور حياتنا، أكثر من الضجيج والنقد والشجب والسخرية.والذين سجلت أسماؤهم في التاريخ، هم الذين انشغلوا بالعمل الايجابي البناء ، قد نجحوا فيه.ولعل أولهم في تاريخ مصر هو الملك مينا الذي وحد القطرين وانشأ أول مملكة مصرية في عهد الفراعنة.ونحن نذكر بالخير كل الذين ساهموا في العمل البناء في تاريخ مصر الحديث. ومن بينهم طلعت حرب الذي ساهم في بناء اقتصاد مصر، وأسس البنوك والشركات. وسعد زغلول الذي جاهد حتى صدر دستور سنة 1923 وقاسم أمين الذي جاهد لتحرير المرأة.. وأحمد لطفي السيد الذي عمل لإنشاء الجامعة، وغيرهم من البنائين المهرة.إن العمل الايجابي هو دائما العمل المفيد، وهو المقبول من الجميع، ولا يعترض عليه احد.هناك مؤرخون كتبوا التاريخ.. ولكن أعظم منهم من صنع التاريخ.. صناع التاريخ لا يمكن نسيانهم، سواء في مجال السياسة أو العلم.. قد يكتب المؤرخون عن استقلال الهند بعد خضوعها فترة للاحتلال البريطاني.. أما صانع هذا التاريخ فهو المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند، الذي لم يقم إطلاقًا بإيذاء احد. إنما بالعمل الايجابي البناء، أوصل الهند إلي الاستقلال، وصارت لها حكومة وطنية وبرلمان.كذلك لا يستطيع التاريخ أن ينسي برايل، الذي استطاع أن يخترع طريقة الكتابة علي البارز، للمكفوفين يستطيعون بها القراءة والكتابة.. وأيضًا كل الذين قاموا بعمل ايجابي بناء في مجال الطب والدواء لا يمكن أن ينساهم التاريخ.ونحن نري في مجتمعنا بعض مشاكل لا يمكن أن يحلها الصياح ولا الضجيج ولا التشهير.. إنما تحتاج إلي عمل ايجابي بناء هناك مشاكل اقتصادية. مشاكل تختص بالبطالة وبارتفاع الأسعار. كذلك مشكلة التضخم السكاني، ومشكلة الدروس الخصوصية ومشكلة الإثارة ومشكلة الجمع بين الانضباط والحريات ومشاكل أخرى اجتماعية وسياسية وفكرية كيف يمكن حلها جميعًا بطريقة عملية وحضارية في نفس الوقت؟بحيث نتعاون جميعا في الحل، بغير صراع واصطدام إن مشكلة البطالة مثلًا: لا يمكن أن تحلها مهاجمة المسئولين في الحكومات المتتابعة. فكيف تحل؟لو كنت أنت أيها القارئ رئيسًا للدولة أو رئيسًا للحكومة، فماذا كنت ستفعل عمليا؟ ماذا تقترح للحل؟علي أن يكون الحل يمكن تنفيذه، ومضمونة نتائجه عمليًا وعلميًا.. هل نطرح السؤال، ونتلقى الإجابات ونصنفها ونحللها؟هل نقيم ندوات لبحث موضوع البطالة من ندوات أخرى لبحث باقي المشكلات؟ نعم، ما الحل الايجابي العملي البناء؟ قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
16 أغسطس 2022

ولم يعرفــها

«ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر» (مت1: 25). هي آية أعيت عقول الكثيرين فاستغلوها سندًا للتشكيك في بتولية العذراء. أمّا القديس كيرلس الكبير، الذي تربطه بالسيدة العذراء علاقة وطيدة، فقد علّق ببراعة على هذه الآية في ميمر له على نياحة السيدة العذراء قائلًا: "حقًا قال عنكِ الإنجيلي الطاهر أيتها العذراء أن «يوسف لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعي اسمه يسوع» أي أنه لم يعرف مقدار مجدك وكرامتك والنعمة التي تحلّيتِ بها إلا بعد ميلادك السيد له المجد ورأى الملائكة صاعدة ونازلة تسبح المولود منكِ قائلة: «المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة»، والرب دعاكِ بوالدته الحبيبة". يعني ذلك أن القديس كيرلس الكبير فسّر كلمة "يعرفها" بمعناها البسيط، أي لم يعرف مقدار كرامتها.يوجد في الحقيقة نصٌّ رائع في ميمر آخر على "بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء" عثر عليه البابا كيرلس الخامس في دير المحرق وقام بطباعته سنة 1902م في كتاب "ميامر وعجائب السيدة العذراء مريم". هذا النص يصف ببراعة عجيبة حال يوسف النجار لما اكتشف حملها فيقول: "وعندما وقع نظره عليها وإذا هي حبلى تعجب يوسف واستغرب ذلك الأمر، ووقع في دهشة وتاه في بحور الأفكار وهو ما بين مُصدِّق ومُكذِّب. ثم لما فاق من دهشته والتفت وتأمل وجد أن أيام حملها تقدمت وقد ظهر حملها للعيان. فقال لها: يا مريم لم يسعني أن أمكث هنا وأحتمل العار من بني إسرائيل ومن الكهنة ومن شيوخ الشعب، وكاد يلطم على وجهه وبكي بكاء مرًا وينتحب ويحزن ويندب سوء حظه ويقول: ويلي أنا الشقي، كيف يكون حالي وماذا أقول؟ نعم إني سأصير عبرة في بني إسرائيل، وبماذا أجاوب وأي عذر لي وأنتِ معي في منزلي وتسليمي؟".والآن من السهل أن نضع النصين السابقين بجانب بعضهما البعض لندرك أن ظهور الملاك ليوسف في الحلم ليطمئنه من جهة العذراء لم يكن كافيًا ليستوعب مقدار كرامتها، بل أن ميلاد المسيح منها وما صحبه من عجائب كان هو وحده الحدث الجوهري الذي أضاء بصيرة يوسف الروحية فانفتحت على غنى كرامة ومجد العذراء. بالتالي، كل من يحاول تكريم العذراء لشخصها وفضائلها بمنأى عن ربط كرامتها بميلاد المسيح منها فإنه لابد وأن يقع فيما وقع فيه يوسف من شك وحيرة. لقد تشبّهت السيدة العذراء بابنها وتحولت إلى تلك الصورة عينها. فكما صار ذاك، الذي لم يعرف خطية، خطية من أجلنا، هكذا صار حبل تلك التي لم تعرف رجلًا بالسيد المسيح صليبها الذي عُلِّقت عليه بلا خطية منها. وكما تمجد السيد المسيح في أعين تلاميذه بقيامته فانفتحت أعينهم وعرفوه، هكذا صارت حادثة ميلاد المسيح من العذراء قيامةً لها حيث تمجدت في عيني يوسف الذي انفتحت عندئذ عيناه "فعرفها". بالتالي يكون لقب "والدة الإله" هو مجد قيامة العذراء!! نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل