المقالات

05 سبتمبر 2022

ضد المسيح من هو؟(1) وما هي أوصافه ج3؟

3 - آباء العصور الوسطى لا يختلف بقية آباء العصور التالية كثيرا عما سبق يقول سويرس (حوالي 363 –420)، أن معلمه القديس مارتن أسقف تورز أعتقد أن ضد المسيح كان قد ولد فعلا وأنه صبي يستعد لنوال القوة في السن المناسبة. وقال نارساى السرياني (399- 503 م)، أن ضد المسيح هو إنسان يلبسه الشيطان تماما، فيصنع عجائب باهرة، ويؤسس سلاما غاشا، ويطلب أن يعبد. وأن إيليا سيعود إلي العالم لكي يقاوم ضد المسيح باسم البشرية المؤمنة، وسيغلبه في معركة واحدة حاسمة، بالروح القدس، متسلحا بالكلمة وفي نهاية المعركة يظهر السيد المسيح نفسه ويتوج نصرة إيليا بسحق ضد المسيح في الجسد والنفس. وقال اكيومينس (في بداية القرن السادس) أن ضد المسيح سيأتي إنسانا يلبسه شيطان ويصير ملكا علي اليهود ويقبل إيليا وأخنوخ النبيين اللذين يظهران في أواخر الدهور. وقال رومانس (القرن السادس أيضا) أن ضد المسيح هو الشيطان متجسدا، فهو يقاوم مؤمني المسيح بقوة. كما أنه يصنع معجزات ويقيم موتي، ويبذل كل جهده لكي يقود الأبرار إلي حجال عرسه. وأنه سيلقي في النار الأبدية، هو وملائكته وكل الأشرار. وقال أندروس مطران قيصرية أن ضد المسيح يأتي من سبط دان، من باشان في منطقة الفرات. ويظهر كشخص إلهي ويقيم نفسه إمبراطورا رومانيا، ويعيد تأسيس الإمبراطورية الرومانية، لكنه لا يجعل عاصمتها روما بل يقيمها مملكة أرضية عامة، هي " جسد الذين يقاومون كلمة الله في كل الأزمنة والأماكن ". أما الأب يوحنا الدمشقي (حوالي 650- 750 م) فقال " أن ضد المسيح سيكون إنسانا عاديا قابلا للموت، مولودا من زنا، تلبسه قوة شيطانية، وسيقبله اليهود بحماس. سيضطهد الكنيسة ويخدع كثيرين بعلامات وعجائب كاذبة. عندما يأتي السيد المسيح علي السحاب كما صعد في مجد ويهلك الإنسان غير الشرعي (ضد المسيح) 000 ينبغي أن تعلم أن المسيح الدجال لا محالة آت وأنه لمسيح دجال كل من لا يعترف أن ابن الله قد أتي بالجسد وأنه إله كامل وأنه قد صار إنسانا كاملا بعد أن كان إلها. ومع ذلك فبالمعني الخاص والحصري فإنهم يدعون المسيح الدجال ذاك الذي سوف يأتي في منتهى الدهر. ومن ثم ينبغي أن يكرز أولا بالإنجيل في جميع الأمم (مت 24: 14)، كما قال الرب، ثم يأتي الدجال ليحاج اليهود مقاومي الله، فقد قال الرب لهؤلاء: " أنا أتيت باسم أبي فلم تقبلوني، ويأتيك آخر باسم نفسه فذاك تقبلون " (يو 5: 43). وقال الرسول أيضا: " لذلك يرسل الله إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، ويدان جميع الذين لم يؤمنوا بالحق بل ارتضوا بالإثم " (2 تس 2: 10- 12). " فاليهود إذا لم يقبلوا الرب يسوع المسيح، علي أنه ابن الله والله، ويقبلون الغاش المدعي بأنه الله. وقد سمي نفسه الله لان الملاك الملقن لدانيال يقول هكذا: " لا يعبأ بآلهة آبائه " (دا 11: 37). ويقول الرسول " لا يخدعنكم أحد بوجه من الوجوه، لأنه لابد أن يسبق الارتداد أولا، ويظهر إنسان الخطيئة ابن الهلاك المعاند المترفع فوق كل من يدعي إلها أو معبودا حتى إنه يجلس في هيكل الله ويري من نفسه أنه هو الله " (2 تس 2: 3 – 4). هو يقول " في هيكل الله " - لا هيكلنا - بل الهيكل القديم اليهودي، لأنه لا يأتي إلينا بل إلي اليهود. ليس لأجل المسيح، بل ضد الذين هم للمسيح. لذلك يدعي المسيح الدجال ". " وعليه ينبغي أن يكرز بالإنجيل في جميع الأمم، " وحينئذ يظهر الذي لا شريعة له ويكون مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبالعلامات والعجائب الكاذبة، وبكل خديعة وظلم في الهالكين، فيهلكه الرب يسوع بنفس فمه ويبطله بمجيئه " (2 تي 2: 8 – 10). وعليه فإنه ليس هو الشيطان الذي يصير إنسانا علي مثال تأنس الرب، حاشا! بل هو إنسان يولد من زني، ويتسلم كل عمل الشيطان. وقد سبق الله وعلم شناعة اختياره فترك للشيطان أن يسكن فيه ". " إذا قلنا إنه سيولد من زني ويتربي في الخفية ويثور فجأة ويستولي ويملك. وفي أوائل تملكه أو بالأحرى تجبره يتظاهر بالعدل. وعندما تكون قد اتسعت سلطته يضطهد كنيسة الله ويظهر كل شره. " ويكون مجيئه بالعلامات والعجائب الكاذبة " (2تس 2: 9) المضلة وغير الصادقة. ويخدع من كان أساس ذهنهم فاسدا وضعيفا ويبعدهم عن الله الحي " ويضل المختارين لو أمكن " (مت 24: 24)." وسيرسل الله أخنوخ وإيليا التشبي فيعيدان قلوب الأباء إلي الأبناء، أي شيوخ المجمع إلي ربنا يسوع المسيح وإلي كرازة الرسل. ولكنه سيقتلهما. ثم يأتي الرب من السماء كما كان شاهده الرسل القديسون صاعدا إلي السماء، إلها كاملا وإنسانا كاملا، بمجد وقوة، فيهلك بنفس فمه الإنسان الزائغ عن الشريعة وابن الهلاك. فلا يتوقعن أحد إذا مجيء الرب من الأرض بل من السماء، علي ما أكده لنا هو نفسه ". لقمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب المجيء الثاني متى يكون وما هي علاماته؟
المزيد
25 أبريل 2022

عودة الأمل - تأملات حول شخصيات في القيامة: تلميذي عمواس

سبب الظهور: لعل سببًا رئيسيًا من أسباب ظهور السيد المسيح لتلميذي عمواس خصيصًا هو مدى اليأس الذي سيطر عليهما، حتى أنهما تركا باقي التلاميذ وهربا. لذلك احتاجا أن يظهر الرب لهما ويعيد إليهما الأمل والرجاء، لكي ما يعودا إلى موضعهما مرة أخرى.. إنه درس هام نحتاجه في حياتنا: كيف نحيا في الأمل ولا نفقده؟ وكيف نساعد غيرنا على العودة إليه؟ قراءة متأنية: لعلنا نكتشف أن سر شقاء ويأس هذين التلميذين هو عدم القراءة المتأنية في كتب العهد القديم، التي لما ذكرها وفسّرها لهما الرب، عاد إليهما الأمل وعادا إلى التلاميذ. إننا لكي نفهم العهد الجديد، علينا أن نفهم جذوره في العهد القديم، فالقديم اُستُعلِن في الجديد، والجديد كان مستترا في القديم. التأنّي: إن هذين التلميذين قد تعجّلا في الهروب والرجوع إلى قريتهما. كان الأجدر بهما التأني وانتظار ما سيحدث، وهل ما سمعاه حقيقي أم لا؟ وهل تمت القيامة فعلًا أم لا؟ إنه التعجُّل الذي يضيّع صاحبه. لنترك الأيام تظهر الحقائق وتحل المشاكل، والرب قادر أن يتدخل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، فقط علينا بالصبر لأن «من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص» (مت24: 13). الكرامة: «ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد، فألزماه قائلين: "امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار"، فدخل ليمكث معهما» (لو24: 28، 29). إنه درس في الكرامة.. كيف لا نفرض أنفسنا على أحد أو على مكان إلّا بدعوة.. وكيف نحترم إرادة الآخرين وتكون لنا الحساسية في التعامل معهم. فالرب نفسه قال: «اسألوا تُعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم» (مت7:7). الانشغال بالرب: إن تلميذي عمواس على الرغم من أن الرب اقترب إليهما ومشى معهما، ولكن أُمسِكت أعينهما عن معرفته (لو24: 15-16).. ولكن ما هو السبب؟ لعله يكون الانشغال بالمادة عن الروح، والانشغال بالأحداث الزمنية والحوادث المكانية.. إنك لن تتمتع برؤية الرب إلّا في الصفاء، فطالما أنت مشغول لن تراه جيدًا. إن لم يصفُ ذهنك لن تستطيع التحدث مع الرب والتمتع به، ولن تفهم ما تقرأ وتستوعبه، ولن تثمر في عملك، سيكون معك ولكنك لن تكون معه. سيكون إلى جوارك ولكنك لن تشعر به. أود أن تحاول أن تفرغ عقلك ولو جزئيًا من المشغولية لتنشغل بالرب، وستجد عينيك قد انفتحتا، وقلبك التهب، وستعود إلى أملك وإلى وضعك الأول، أفضل مما كنت.. ليعطنا الرب أن نتمتع به كما تمتع تلميذا عمواس.. آمين. نيافة الحبر الجليل الانبا تكلا اسقف دشنا
المزيد
01 أغسطس 2021

العذراء وحياة التسليم

فَضَائِل وَبَرَكَات كَثِيرَة وَمَجْد عَظِيم مُخْفَى دَاخِل أُمِّنَا السَيِّدَة العَذْرَاء وَلكِنْ يُوْجَدٌ فَضِيلَة نُرِيدْ أنْ نَتَعَمَقٌ فِيهَا وَنَأخُذ بَرَكَاتْهَا مِنْ السَيِّدَة العَذْرَاء وَرَبِّنَا يُعْطِينَا قُلُوب مَفْتُوحَة وَآذَان صَاغِيَة قَالَتْ السَيِّدَة العَذْرَاء ﴿ هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ ﴾ ( لو 1 : 38 ) سَنَتَحَدَث عَنْ حَيَاة التَّسْلِيم عِنْدَ السَيِّدَة العَذْرَاء وَسَنَتَحَدَّث فِي ثَلاَث نِقَاطْ :- 1- التَّسْلِيم عِنْدَ العَذْرَاء :- التَّسْلِيم يَعْنِي إِنْسَان يِسَلِّمْ أي يَتْرُك إِرَادَتُه لإِرَادِة الَّذِي أمَامُه وَالسَيِّدَة العَذْرَاء عَاشَتْ حَيَاة التَّسْلِيم وَالخُضُوع لِكُلَّ أمر إِلهِي فَأبُوهَا تَنَيَّح وَعُمْرَهَا ثَلاَث سَنَوَات وَأُمَّهَا تَنَيَّحَتْ وَكَانَ عِنْدَهَا سِتْ سِنِينْ وَلكِنَّهَا سَلِّمِتْ وَعَاشِتْ فِي الهِيكَل حَيَاة التَّسْلِيم وَكَانَتْ خَادِمَة فِي الهَيْكَل اليَهُودِي وَيُوْجَد صُورَة فِي أذْهَان البَعْض أنَّ السَيِّدَة العَذْرَاء كَانَتْ تُسَبِّح وَتُرَنِمْ فِي الهِيكَل وَلكِنْ هذَا جُزْء مِنْ حَيَاتْهَا وَلكِنْ يُوْجَد جُزْء آخَر وَهُوَ أنَّ البِنْت فِي الهِيكَل اليَهُودِي تُصْبِح خَادِمَة وَالهِيكَل اليَهُودِي فِيهِ ذَبَائِح كَثِيرَة وَيَحْتَاج إِلَى تَنْظِيفْ وَالَّذِي يَقُوم بِعَمَلِيِة التَّنْظِيفْ الخَادِمَات أوْ النَّذِيرَات وَمِنْ ضِمْن البَنَات كَانَتْ السَيِّدَة العَذْرَاء وَتُوْجَد صُورَة لِلسَيِّدَة العَذْرَاء غَرِيبَة وَهيَ شَعْرَهَا مَنْكُوش وَرِجْلِيهَا حَافْيَة وَهذَا يَدُل عَلَى الضَّغْط الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الخِدْمَة وَبَدَأ سِنَّهَا يِكْبَر وَلَمْ تُفَكِّر السَيِّدَة العَذْرَاء إِلَى أيْنَ تَذْهَبْ أوْ مَاذَا يَفْعَلُوا بِهَا ثُمَّ قَالُوا لَهَا أنَّهَا سَوْفَ تُخْطَبْ وَلكِنَّهَا تُرِيدْ أنْ تَعِيش حَيَاة البَتُولِيَّة وَلَمْ تَعْتَرِض فَعَمَلُوا عَلَيْهَا قُرْعَة حَتَّى يَجِدُوا الشَّخْص وَكَانَ هذَا الشَّخْص هُوَ يُوسِف النَّجَار وَكَانَ فِي ذلِك الوَقْت عَنْدُه 70 سَنَة وَكَانَتْ إِمْكَانِيَات يُوسِف فَقِيرَة جِدّاً فَهُوَ يَعْمَل نَجَّار فِي المَنْزِل وَلَيْسَ لَهُ وَرْشَة أي يِصَلَّح الأشْيَاء وَلاَ يَقُوم بِعَمَل أشْيَاء جِدِيدَة وَبِالتَّالِي دَخْلُه بَسِيطْ جِدّاً وَفِي كُلَّ هذَا السَيِّدَة العَذْرَاء تَقُول حَاضِر .. وَلَمَّا أتَى المَلاَك لِيَقُول لَهَا أنَّهَا سَوْفَ تُصْبِح حَامِلٌ فَالأمر الَّذِي أعَدَّهُ الله لِلعَالَمْ مُنْذُ 5500 سَنَة إِسْتَوْعِبِتُه العَذْرَاء فِي لَحْظَة وَلِهذَا قَالَتْ لَهَا ألِيصَابَات ﴿ طُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ ﴾ ( لو 1 : 45 ) وَلكِنْ هذَا الأمر سَيُعَرِّض ذَات السَيِّدَة العَذْرَاء إِلَى إِهَانَات وَسَيَشُك فِيهَا أقْرَب النَّاس وَبِالفِعْل نَجِدْ أنَّ يُوسِف البَّار أرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً ( مت 1 : 19) وَلكِنَّهَا فِي كُلَّ هذَا خَاضِعَة وَيُوْجَدٌ شَرِيعَة فِي العَهْد القَدِيم فِي سِفْر العَدَد تُسَمَّى شَرِيعِة (( المَاء المُر )) هذِهِ الشَّرِيعَة تُطَبَّقٌ عَلَى السَيِّدَة أوْ البِنْت الَّتِي يُشَك إِنَّهَا عَمَلِتْ خَطِيَّة وَزَنِتْ وَوُجِدَت حَامِل فَيَتِمْ إِحْضَار مَاء وَيَقُوم الكَاهِن بِقِرَاءِة الوَيْلاَت عَلَيْهَا وَتَقُول البِنْت فِي كُلَّ مَرَّة " آمِين آمِين " وَيَقْطَعْ الوَرَقَة دَاخِل المَاء وَتَقُوم البِنْت بِشُرْب المَاء فَإِذَا كَانَتْ عَمَلِتْ خَطِيَّة يَتَوَرَّم جِسْمَهَا وَتَسْقُطْ رِجْلِيهَا لأِسْفَل وَإِذَا لَمْ تَفْعَل تُصْبِح سَلِيمَة وَتَحْبَل بِزَرْع ( عد 5 : 11 – 28 ) وَيُقَال أنَّ السَيِّدَة العَذْرَاء جَازَتْ هذَا الإِخْتِبَار فَالسَيِّدَة العَذْرَاء كَانَتْ تَقُول إِذَا كَانَ رَبِّنَا رَاضِي بِالإِهَانَة أوْ بِرَجُل فَقِير وَكِبِير فِي السِّنْ فَلْتَكُنْ إِرَادَتُه وَبَعْد ذلِك يَرَى يُوسِف البَّار رُؤيَة حَتَّى لاَ يَخَاف وَيَأتِي وَقْت الوِلاَدَة وَلَمْ تَجِدٌ السَيِّدَة العَذْرَاء أي مَكَان لِتَلِدٌ فِيهِ وَوَلَدَت فِي مِزْوَدٌ وَكَانَ مُمْكِنْ عِنْدَمَا تَرَى السَيِّدَة العَذْرَاء مَنْظَر المِزْوُدٌ تَعْتَرِض وَلكِنْ فِي كُلَّ الأُمور كَانَتْ تَقُول حَاضِر ثُمَّ تُوْجَدٌ مُشْكِلَة وَهيَ عَدَم وُجُودٌ دَخْل لِيُوسِف النَّجَار حَتَّى يِصْرِفُوا مِنُّه فَيُوسِف فِي بَلَدٌ غَرِيبَة وَلاَ أحَدٌ يَعْرِفْ أنَّهُ نَجَّار فَيَحْدُث تَدْبِير إِلهِي عَجِيبْ وَهُوَ أنْ يَأتِي المَجُوس لِيُقَدِّمُوا هَدَايَاهُمْ ذَهَبْ وَلُبَان وَمُرّ ( مت 2 : 11) وَيُقَال أنَّ هذَا الذَّهَبْ هُوَ الَّذِي تَرَبَّى بِهِ يَسُوع وَهُوَ الَّذِي أُنْفِقَ بِهِ عَلَى إِحْتِيَاجَاتُه ثُمَّ يَظْهَر المَلاَك لِيُوسِف وَيَقُول لَهُ خُذْ الصَّبِي وَأُمُّه وَاهْرَب إِلَى مِصْر وَكُلَّ بَلَدٌ تَدْخُل فِيهَا السَيِّدَة العَذْرَاء كَانَتْ الأوْثَان تَقَعْ وَيَقُوم النَّاس بِطَرْدَهَا وَفِي كُلَّ هذَا السَيِّدَة العَذْرَاء تَقُول حَاضِروَكَانَتْ تُرَبِّي رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح بِالجَسَد وَعِنْدَ الصَّلِيبْ كَانَتْ فِي تَسْلِيمْ عَجِيبْ فَلَمْ تَعْتَرِض فِي أي مَرْحَلَة أوْ تِدَّخَل أوْ تَتَمَرَدٌ وَلَمْ تُحَاوِل أنْ تَجْعَل الأُمور تَسِير حَسَبْ هَوَاهَا أوْ فِكْرَهَا أوْ رَغْبِتْهَا وَلكِنَّهَا عَاشِتْ حَيَاة تَسْلِيمْ كَامِلَة فَالأمر الَّذِي لَمْ يَسْتَوْعِبُه الأبْرَار وَالكَهَنَة وَالأتْقِيَاء أنْ يُوْجَدٌ عَذْرَاء تَحْبَل وَلكِنْ السَيِّدَة العَذْرَاء إِسْتَوْعِبِتْ الأمر وَحَفَظِتُه فَالأمر الَّذِي أُخْفِيَ عَنْ أعْيُنْ كَثِيرِينْ كَانَ وَاضِحٌ أمَام السَيِّدَة العَذْرَاء وَمُمْكِنْ أحَدٌ يِسْأل سُؤَال لاَهُوتِي وَهُوَ مَنْ الَّذِي كَانَ يَعْرِفْ أنَّ السَيِّد الْمَسِيح هُوَ إِبْن الله (( الله المُتَجَسِّد )) ؟ وَالإِجَابَة هِيَ أنَّ السَيِّدَة العَذْرَاء هِيَ الوَحِيدَة الَّتِي كَانَتْ تَعْرِفْ فَالسَيِّدَة العَذْرَاء رَأت السَيِّد الْمَسِيح فِي كُلَّ مَرَاحِل حَيَاتُه وَهُوَ يِكْبَر وَيَتَكَلَّمْ فَكَيْفَ كَانَ حَدِيثُه وَاهْتِمَامَاتُه ؟ وَكَانَتْ السَيِّدَة العَذْرَاء فِي حَالِة دَهْشَة وَهذِهِ الحَالَة أوْجَدِت صَمْت فِي حَيَاتْهَا وَكَانَتْ تُفَكِّر فِي جَمِيعْ هذِهِ الأُمور فِي قَلْبِهَا .. وَعِنْدَمَا إِعْتَرَفَ بُطْرُس أنَّ الْمَسِيح هُوَ إِبْن الله الحَيِّ ( مت 16 : 16) لَمْ يَكُنْ إِيمَانُه مِثْل إِيمَان السَيِّدَة العَذْرَاء بِدَلِيل أنَّهُ شَك وَاهْتَز إِيمَانُه أمَام جَارِيَة . 2- التَّسْلِيم فِي حَيَاتْنَا :- بِالرَّغْم مِنْ أنَّ كُلَّ ظُرُوفْ السَيِّدَة العَذْرَاء كَانَتْ ظُرُوفْ صَعْبَة وَمُعَاكْسَة إِلاَّ إِنَّهَا كَانَتْ تَقُول حَاضِرفَأحْيَاناً يَقُول الإِنْسَان حَاضِر فِي الظُّرُوفْ الَّتِي تَسِير عَلَى هَوَاه وَلكِنْ هَلْ مُمْكِنْ أنْ يَقُول حَاضِر فِي الأُمور الَّتِي لاَ تَسِير مَعَ إِرَادَتُه ؟ فَالإِنْسَان إِذَا نَجَح يَقُول حَاضِر وَلكِنْ إِذَا لَمْ يُوَفَّقٌ هَلْ يَقُول حَاضِر ؟ وَالإِنْسَان السَّلِيمْ يَقُول حَاضِر وَلكِنْ إِذَا حَدَثْ لَهُ مَرَض هَلْ يَقُول حَاضِر ؟فَالتَّسْلِيمْ هُوَ أنْ أقْبَل كُلَّ شِئ فِي كُلَّ وَقْت وَأنْ أشْعُر أنَّ حَيَاتِي فِي يَدْ الْمَسِيح فَالتَّسْلِيمْ هُوَ الخُضُوع الكَامِل لله بِمِلْء الإِيمَان وَلِهذَا نَجِدْ أنَّ حَرْب القَلَقٌ تَتَزَايَدْ عَلَى الإِنْسَان خَاصَّةً فِي هذَا الجِيل فَالإِنْسَان طُول الوَقْت يُفَكِّر وَلاَ يَعِيش مُطْمَئِنْ أوْ هَادِئ لأِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعْ أنْ يُسَلِّمْ وَدَائِماً قَلِقٌ عَلَى المُسْتَقْبَل فَأغْلَبْ الأمْرَاض أسْبَابْهَا عَصَبِيَّة وَنَفْسِيَّة وَهذَا فَخ مِنْ عَدُو الخِير حَتَّى لاَ يَعِيش الإِنْسَان فِي أمْن فَالإِنْسَان يَعِيش دَائِماً فِي دَائِرَة وَلكِنْ يَحْتَاجٌ فِي كُلَّ هذَا إِلَى التَّسْلِيمْ فِي كُلَّ أحْوَال حَيَاتُه وَلاَ يَلْجَأ إِلَى أعْمَال غِير سَلِيمَة﴿ مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ ﴾ ( زك 2 : 8 ) يُحْكَى أنَّ أبُونَا بِيشُوي كَامِل عِنْدَمَا تِعِبْ فِي أخِر أيَّامُه كَانِتْ تَاسُونِي أنْچِيل حَزِينَة جِدّاً وَكُلَّ مَا يَضَعْ أبُونَا يَدُه عَلَى شَعْر ذَقْنُه فَكَانَ الشَّعْر يَسْقُطْ وَكَانَتْ تَاسُونِي أنْچِيل تَبْكِي وَفِي مَرَّة نِزِل شَعْر كَثِير مِنْ ذَقْن أبُونَا فَتَاسُونِي أنْچِيل إِنْهَارِتْ فِي البُكَاء وَلكِنْ أبُونَا بِيشُوي قَالَ لَهَا إِنَّ هذَا الشَّعْر لاَ يَسْقُطْ إِلاَّ بِإِذْن الله فَالصُدْفَة لاَ تَلْعَبْ دُور فِي حَيَاتْنَا وَلاَ المَال وَلاَ الذَّكَاء وَلاَ الأقَارِبْ ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ ﴾ ( مرا 3 : 37 ) فَكُلَّ شِئ بِتَدْبِير وَأمر وَإِرَادِة الله وَعَلَى الشَّخْص أنْ يَثِقٌ فِي إِرَادِة وَتَدْبِير الله وَأنْ يَخْضَعْ لله فَرَبَّ المَجْد قَالَ ﴿ أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ ﴾ ( مت 6 : 25 ) فَالَّذِي يُعْطِيك الأهَمْ ألاَ يُعْطِيك الأقَلْ ؟!! الَّذِي أعْطَاكَ الجَسَد ألاَ يُعْطِيك الطَّعَام ؟!! وَلكِنْ نَجِدٌ النَّاس تَعِيش فِي قَلَقٌ عَلَى الأكْل وَالشُرْب وَنَجِدٌ أنَّ عَدُو الخِير يُشَكِّك الإِنْسَان فِي القَلِيل حَتَّى يَنْسَاق الإِنْسَان وَرَاءَهُ فَأُمور كَثِيرَة يُحَاوِل عَدُو الخِير أنْ يُقْلِقْنِي وَيِفْقِدْنِي سَلاَمِي وَأنْ أنْسَى خَيْرَات الله إِلهِي وَأنْ أسْأل الله لِمَاذَا يَارَبَّ تَفْعَل هذَا ؟ فَعَدُو الخِير يَسْتَثْمِر الظُّرُوف وَلكِنْ عَلَى الإِنْسَان أنْ يَقْبَل إِرَادِة الله وَيَقْبَل كُلَّ شِئ مِنْ يَدِيه فِي ثِقَة أنَّهُ يَصْنَعْ الكُلَّ حَسَن فَنَحْنُ لاَ نَعْلَمْ مَاذَا يَفْعَل الله وَلكِنْ نَحْوَك عُيُونَنَا ( 2أخ 20 : 12) فَلِمَاذَا هَرَبْ رَبِّنَا يَسُوع مِنْ وَجْه هِيرُودِس ؟ فَحَسَبْ تَقْدِير الإِنْسَان كَانَ مِنْ المُمْكِنْ أنَّ الله يِمَوِّتْ هِيرُودِس وَلاَ يَهْرَبْ وَلكِنْ الله لَهُ قَصْد هُوَ أنْ يَأتِي إِلَى مِصْر وَيُبَارِك شَعْبَهَا وَيُصْبِح هُنَاك مَذْبَحٌ وَعَمُودٌ فِي أرْض مِصْر ( أش 19 : 19) وَأنْ تُصْبِح مِصْر يُوْم مِنْ الأيَّام عَمُودٌ الْمَسِيحِيَّة وَكَارِزَة لِلعَالَمْ فَرَبِّنَا إِسْتَخْدِم هِيرُودِس فَهُوَ الَّذِي يُحَرِّك الأُمور وَمِنْ الجَمِيلٌ أنْ يَشْعُر الإِنْسَان أنَّ الأُمور الَّتِي لاَ تَسِير عَلَى إِرَادَتِهِ أنَّ الله هُوَ الَّذِي يُحَرِّكْهَا وَأنَّهُ يَفْعَل كُلَّ شِئ حَسَبْ إِرَادَتِهِ وَلكِنْ الإِنْسَان مُتَعَجِّل لِمَعْرِفَة خِطَّة الله فِي حَيَاتُه وَلكِنْ الله يُرِيدْ أنْ يَتَعَامَل الإِنْسَان مَعَ يَدِهِ القَدِيرَة وَأنْ يَفْهَمْ مَا يَحْدُث لَحْظَة بِلَحْظَة فَيَشْعُر الإِنْسَان بِفَرَح وَسَعَادَة لأِنَّ الله يُرَتِّب حَيَاتُه فَمُعَلِّمْنَا بُطْرُس عِنْدَمَا إِنْحَنَى السَيِّد الْمَسِيح لِيَغْسِل رِجْلِيه قَالَ بُطْرُس حَاشَاك يَارَبَّ وَلكِنْ رَبِّنَا قَالَ لَهُ إِذَا لَمْ أغْسِل رِجْلِيك لاَ يَكُون لَكَ نَصِيبٌ مَعِي فَقَالَ بُطْرُس إِغْسِل يَارَبَّ وَلكِنُّه كَانَ فِي خَجَل وَحِيرَة لِمَاذَا يَفْعَل الله هكَذَا ؟ وَكَانَ رَدٌ رَبِّنَا عَلِيه لَسْتَ تَفْهَمْ الآنْ مَا أنَا فَاعِلُه وَلكِنَّك سَتَفْهَمْ فِيمَا بَعْد ( يو 13 : 5 – 9 ) وَ" فِيمَا بَعْد " مُمْكِنْ تِكُون بَعْد سَاعَة أوْ شَهْر أوْ فِي الأبَدِيَّة فَمُمْكِنْ أنْ تَحْدُث أشْيَاء فِي حَيَاتِي وَلكِنِّي لاَ أفْهَمْهَا وَلكِنْ سَيَفْهَمْ الإِنْسَان كُلَّ شِئ فِي الأبَدِيَّة حَيْثُ يُرْفَعْ عَنَّا الجَهْل وَنَأخُذْ المَعْرِفَة الكَامِلَة .. فَكُلَّ مَا نَرْفُضُه عَلَى الأرْض نَقْبَلُه فِي الأبَدِيَّة يُحْكَى عَنْ أبُونَا مِيخَائِيل إِبْرَاهِيم أنَّ إِبْنُه الأكبَر كَانَ طَبِيب مُتَزَوِج وَأنْجَبْ طِفْلَة ثُمَّ أُصِيبَ بِمَرَض وَتَنَيَّح فَجَاءَ كَاهِن زِمِيل أبُونَا حَتَّى يُعَزِّيه فَعِنْدَمَا دَخَلِتْ الطِّفْلَة فَمِسِك أبُونَا الزَّائِر هذِهِ الطِّفْلَة وَحَضَنْهَا وَانْهَار فِي البُكَاء فَإِذَا بِأبُونَا مِيخَائِيل هُوَ الَّذِي طَيِّبْ خَاطِر الكَاهِن وَقَالَ لَهُ إِنّ مَا حَدَث هُوَ أمر مِنْ الله وَإِرَادَتُه وَهُوَ فِي مَكَان جَمِيلٌ وَقَالَ لَهُ إِذَا كَانْ إِبْنُه سَافِر فِي بِعْثَة إِلَى أمْرِيكَا أفَلاَ كَانَ هذَا الكَاهِن يَأتِي لِتَهْنِئِة أبُونَا ؟فَالسَّمَاء أحْسَنْ مِنْ البِعْثَة وَلكِنْ أحْيَاناً الكَلاَم سَهْل وَلكِنْ التَّنْفِيذ يِخْتِلِفْ وَالمَوْقِفْ هُوَ الَّذِي يَخْتَبِر الإِنْسَان . 3/ كَيْفَ أقْتَنِي التَّسْلِيم ؟ :- أ- حُبْ الله :- لإِنْسَان يُحِبْ الله وَلاَبُدْ أنْ يَثِقٌ أنَّ الله يُحِبُّه وَأنّ الله لاَ يُؤذِيه أوْ يَضُرُّه فَالله لَيْسَ ضِد الإِنْسَان وَهُوَ الَّذِي يُعْطِينَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنَىً لِلتَّمَتُّع ( 1تي 6 : 17) فَإِذَا كَانَ الأب يُعْطِي أوْلاَدُه عَطَايَا جَيِّدَة فَكَمْ بِالأوْلَى الله ( مت 7 : 11) فَنَحْنُ أوْلاَدُه وَهُوَ الَّذِي يَرْعَانَا فَنَحْنُ مِلْك لَهُ وَمِنْ الأشْيَاء الصَّعْبَة أنْ يَجْعَل الإِنْسَان أُمورُه تَسِير عَلَى طَرِيقْتُه . ب- الثِّقَة :- الثِّقَة تَجْعَل الإِنْسَان يَتْرُك نَفْسُه لِشِئ وَعَلَى قَدْر مَا نِسَلِّمْ لِرَبِّنَا أُمور حَيَاتْنَا عَلَى قَدْر مَا نِجْبِرُه عَلَى الإِعْتِنَاء بِنَا وَعَلَى قَدْر مَا نَتَوَلَّى أُمور حَيَاتْنَا نِجْبِرُه عَلَى أنْ يَتَخَلَّى عَنَّا فَمَنْ الَّذِي يَقُودٌ حَيَاتَك أنْتَ أم الله ؟ فَالله هُوَ الَّذِي يَقُودْنَا فِي مَوْكِبْ نُصْرَتِهِ ( 2كو 2 : 14) فَلاَبُدْ أنْ يَكُون الإِنْسَان عَنْدُه ثِقَة أنَّ الله قَدِير وَأنَّهُ صَانِعْ الخَيْرَات وَهُوَ الَّذِي دَبَّر الكُون وَصَنَعُه حَسَن فِي وَقْتِهِ أفَلاَ يَصْنَعْ كُلَّ شِئ فِي حَيَاتِي حَسَن فِي وَقْتِهِ حَتَّى إِذَا وُجِدَت شِدَّة أوْ أزْمَة فِي حَيَاة الإِنْسَان ؟ فَنَحْنُ نَقُول فِي القُدَّاس ﴿ أُقَدِّمُ لَك يَا سَيِّدِي مَشُورَات حُرِّيَتِي ﴾ ( مَا يَقُولُه الكَاهِن قَبْل رُشُومَات الخُبْز فِي القُدَّاس الغِرِيغُورِي ) . ج- الإِخْتِبَارٌ :- فَالإِنْسَان الَّذِي يَعِيش حَيَاتُه بِذِهْنُه يَشْعُر أنَّ حَيَاتُه لاَ تُوْجَدٌ فِيهَا سَلاَمٌ وَلكِنْ عِنْدَمَا يَتَذوَق التَّسْلِيمْ يَشْعُر الإِنْسَان أنَّهُ أصْبَحٌ هَادِئ وَمُطْمَئِنْ فَالتَّسْلِيمْ حَيَاة إِخْتِبَارٌ وَلاَبُدْ أنْ يَخْتَبِر الإِنْسَان حَيَاة التَّسْلِيمْ كُلَّ يُوْم حَتَّى تَنْقِلُه مِنْ مَجْد إِلَى مَجْد فَيَقُول سَلَّمْنَا فَصِرْنَا نُحْمَل ( أع 27 : 15) وَمِنْ أكْثَر الأشْيَاء الَّتِي تُسَبِّبْ القَلَقٌ فِي حَيَاة الإِنْسَان رَغَبَاتُه الكَثِيرَة المُتَصَارِعَة وَطَلَبَاتُه وَعَدَم شَبَعُه وَلكِنْ عِنْدَمَا يَخْتَبِر حَيَاة التَّسْلِيمْ يَشْعُر بِالفَرَح وَالبَهْجَة وَيَشْعُر أنَّ الله هُوَ كِفَايْتُه وَشَبَعُه وَيَقُول لِتَكُنْ إِرَادِة الله فَأنَا أُرِيد الله فَقَطْ وَعِنْدَمَا يَتَذَكَّر الإِنْسَان حَيَاتُه وَيَخْتَبِر عِنَايِة الله بِهِ فَمِنْ الصَّعْب أنْ لاَ يُسَلِّمْ بَاقِي حَيَاتُه لله فَالَّذِي أعَانَ الإِنْسَان مُنْذُ حَدَاثَتِهِ هَلْ يَعْجَز عَنْ تَدْبِير بَعْض الأيَّام أوْ الإِحْتِيَاجَات ؟ فَهذِهِ الأُمور بِالنِّسْبَة لله تَافْهَة فَقَبْل الشُّرُوع فِي أي عَمَل أوْ أي مَوْقِفْ فِي حَيَاة الإِنْسَان لاَبُدْ أنْ يَكُون مَمْزُوج بِصَلاَة وَخُضُوع وَتَسْلِيمْ وَيَقْتَنِعْ بِإِرَادِة الله قَبْل أي أمر مَصِيرِي فِي حَيَاة الإِنْسَان لاَبُدْ أنْ يُسَلِّمْ الإِنْسَان هذَا الأمر لله فَالإِنْسَان يَخَافْ مِنْ إِرَادَتُه وَلكِنْ عِنْدَمَا يَضَعْ الأمر أمَام الله يَقُول لله أنَا أُرِيدْ إِرَادَتَك وَأنْ تَهْدِينِي وَيَمِينَك تُمْسِكْنِي أنَا أُرِيدْ أنْ أتَأكِّدْ أنَّ الأمر مِنَّك وَلِتَكُنْ إِرَادَتِي كَإِرَادَتَك فَالعِصْيَان هُوَ الّذِي أحْدَر الإِنْسَان مِنْ السَّمَاء إِلَى الأرْض وَخَطِيِّة أبُونَا آدَم فِي الأسَاس هِيَ العِصْيَان وَلكِنْ الشِئ الَّذِي يِرَجَعْنَا إِلَى الحَيَاة الفِرْدُوسِيَّة هِيَ حَيَاة الطَّاعَة وَالتَّسْلِيمْ وَعِنْدَمَا جَاءَ الله عَلَى الأرْض قَدَّم طَاعَة عِوَض العِصْيَان فَالله أطَاعَ حَتَّى مَوْت الصَّلِيب ( في 2 : 8 )فَلاَبُدْ أنْ يَقُول الإِنْسَان لله حَاضِر وَيُكْثِر مِنْ الصَّلاَة وَيَحِيد إِرَادَتُه أي يَضَعْهَا جَانِباً فَلاَ تُزَل قَدَم الإِنْسَان لأِنَّ كُلَّ شِئ يُعْمَل بِإِرَادِة الله حَتَّى وَإِنْ كَانْ فِي مَظْهَر حَيَاتُه أتْعَاب فَحَيَاة السَيِّدَة العَذْرَاء فِيهَا أتْعَاب وَحَيَاة السَيِّد الْمَسِيح أيْضاً فِيهَا أتْعَاب وَلكِنْ مَا هِيَ فِكْرِة الإِنْسَان عَنْ الأتْعَاب ؟ فَالإِنْسَان الَّذِي يَعِيش حَيَاة التَّسْلِيمْ يَعِيش فِي سَلاَمٌ حَتَّى إِنْ وُجِدَت الآلاَم وَالأتْعَاب وَالضِيقَات فَكُلَّ أمر أقُول لله أنَا عَبْدَك وَإِبْن أمَتَك( مز 115 مِنْ مَزَامِير التَّاسِعَة ) وَأقُولْ لَهُ أيْضاً ﴿ أنَا أُخْضِعُ ذَاتِي دُونَ عِنَادٍ لأِصَابِعِكَ تُشَكِّلُ فِيَّ ﴾( مِنْ تَرْنِيمِة " أيُّهَا الفَّخَارِي الأعْظَمْ " ) رَبِّنَا يُعْطِينَا حَيَاة التَّسْلِيمْ وَيَرْفَعْنَا بِبَرَكِة السَيِّدَة العَذْرَاء وَيِكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِد كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه وَلإِلهْنَا المَجْد إِلَى الأبَد آمِين القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
06 يوليو 2021

آباؤنا الرسل شهود وشهداء

دُعِي آباؤنا الرسل الأطهار شهداءً من عدّة جهات، فقد شاهدوا السيد المسيح، نظروه وسمعوه ولمسوه، وأكلوا وشربوا معه «الّذي كانَ مِنَ البَدءِ، الّذي سمِعناهُ، الّذي رأيناهُ بعُيونِنا، الّذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا، مِنْ جِهَةِ كلِمَةِ الحياةِ» (يوحَنا الأولَى 1:1).. إذًا فقد عايشوه وتتلمذوا على يديه.ودُعُوا شهداء أيضًا لأنهم شهدوا له، حين كرزوا باسمه «لكنكُمْ ستَنالونَ قوَّةً مَتَى حَلَّ الرّوحُ القُدُسُ علَيكُمْ، وتَكونونَ لي شُهودًا في أورُشَليمَ وفي كُلِّ اليَهوديَّةِ والسّامِرَةِ وإلَى أقصَى الأرضِ» (أعمالُ الرُّسُلِ 1: 8).. وقد أطاع الرسل: «وبقوَّةٍ عظيمَةٍ كانَ الرُّسُلُ يؤَدّونَ الشَّهادَةَ بقيامَةِ الرَّبِّ يَسوعَ، ونِعمَةٌ عظيمَةٌ كانتْ علَى جميعِهِمْ» (أعمالُ الرُّسُلِ 4: 33).ثم دُعُوا شهداء لأنهم شاهدوه أثناء محاكماتهم وتعذيبهم: «فقالَ (استفانوس): ها أنا أنظُرُ السماواتِ مَفتوحَةً، وابنَ الإنسانِ قائمًا عن يَمينِ اللهِ» (أعمالُ الرُّسُلِ 7: 56).. وهكذا أكثر الرسل شاهدوه على هذا النحو، ممّا سهل عليهم الاستخفاف بالموت واحتمال الآلام.وأخيرًا شهدوا له بدمائهم، حين قبلوا أن يموتوا لأجل اسمه، وصارت دماؤهم من ثَمّ بذار الإيمان. وكان المؤمنون في احتياج شديد إلى برهنة الرسل على محبتهم للمسيح بموتهم عنه بفرح، ومن هنا فقد كان، وما يزال، الاستشهاد أقوى وسيلة للكرازة بالمسيح في كل عصر. نشعر بفخر شديد تجاه آبائنا الرسل القديسين والذين نشروا الإيمان المسيحي في العالم وسفكوا دماءهم شهادة للمسيح. نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
17 أغسطس 2022

أمنا وسيدتنا كلنا القديسة العذراء مريم

القديسة العذراء هي أول مؤمنة في المسيحية:- آمنت بأنها ستكون أم لابن الله، حتى أن أليصابات قالت لها "طوبى لمن آمنت بما قيل لها من قبل الرب"، ونص الآية هو: "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (إنجيل لوقا 1: 45)قيل لها أنها وهي عذراء ستلد فآمنت بهذا قيل لها القدوس المولود منك يدعى ابن الله، فآمنت بهذا قيل لها إن الروح القدس يحل عليك وقوة العلي يظللك، فآمنت بهذا. حلول الروح القدس على السيدة العذراء:- والروح القدس له علاقة كبيرة بالسيدة العذراء. حل عليها ولم يكن حلول الروح القدس عليها لمباركتها فقط ولكن الأكثر من ذلك أنها هي الوحيدة التي حل عليها الروح القدس حلولًا أقنوميًا. وما معنى حلولًا أقنوميًا؟ أي حلولًا كإله يعمل في داخلها عملًا إلهيًا. وما هو العمل الإلهي الذي عمله فيها؟ أولًا: أوجد في داخلها جنين بشري من غير زرع بشر. وهذه معجزة. ثانيًا: قدس مستودعها بحيث أن هذا الجنين لا يرث شيئًا من الخطية الجدية (الخطية الأصلية). لذلك قيل لها القدوس المولود منك (بلا خطية). ثالثًا: اتحد هذا الناسوت داخلها باللاهوت. كل هذه أعمال إلهية عملها الروح القدس في السيدة العذراء فكلمة "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ" (إنجيل لوقا 1: 35) لا تعني حلول عادي، كالذي يمكن أن يحل على أي شخص، أو كما حل الروح القدس على التلاميذ في يوم الخمسين، بل حلول الروح القدس عليها كان حلولًا أقنوميًا. وهناك ألقاب كثيرة للعذراء:- العظيمة بين النساء:- السيدة العذراء هي أعظم امرأة في الوجود فهي أعظم من جميع النساء بل أعظم أيضًا من الملائكة. ونحن نقول لها: "علوتِ يا مريم فوق الشاروبيم، وسموتِ يا مريم فوق السيرافيم" وعندما نقول الهيتينات في الكنيسة ونتشفع، نذكر العذراء أولًا قبل أن نذكر رؤساء الملائكة. فهي فوق رؤساء الملائكة يكفي أنها الوحيدة من نساء العالم كله على مر الأجيال التي اختارها الرب لكي تكون حاملة له هي التي انتظرها ملء الزمان والتي تكلم عنها بولس الرسول عندما قال"وفي ملء الزمان، نزل الله مولودًا من إمرأة"، ونص الآية هو: "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 4: 4) نساء كثيرات مرَّ عليهن التاريخ والرب لم يختر واحدة منهن، إلى أن جاءت العذراء. لذلك نرتل ونقول: "نساء كثيرات نلن كرامات ولم تنل مثلك واحدة منهن" وهذه العبارة مأخوذة من سفر الأمثال، ونص الآية هو: "بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلًا، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا" (سفر الأمثال 31: 29) إن عظمة السيدة العذراء أنها لم تكن فقط مملوءة من الروح القدس وإنما أيضًا كان وجودها يمنح الروح القدس. ففي زيارتها لأليصابات حين صار سلامها في أذن أليصابات امتلأت أليصابات من الروح القدس ليس فقط أليصابات التي امتلأت من الروح القدس وإنما الجنين الذي في بطن أليصابات يمتلئ أيضًا من الروح القدس ويتحرك بابتهاج في بطنها وفي إنجيل لوقا 1: 15 قيل في النبوءة بالمعمدان "وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (إنجيل لوقا 1: 15) وفعلًا امتلأ من الروح القدس بمجرد أن مريم العذراء أعطت السلام لأمه أليصابات لذلك أليصابات قالت لها: "مِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟!" (إنجيل لوقا 1: 43) أي أنا لا أستحق هذا الشرف العظيم أن تأتي أم ربي إلي وكيف عرفتِ يا أليصابات أنها أم ربك؟! عندما حل الروح القدس عليها بسلام مريم بدأ ينكشف أمامها أمور وتتنبأ بأمور فعرفت أن العذراء أم ربها وعرفت أنها آمنت بما قيل لها من قبل الرب بالروح القدس عبارة "أم ربي" أخذها مجمع أفسس المسكوني سنة 431 م. برئاسة القديس كيرلس الكبير ووضع لنا مقدمة قانون الإيمان "نعظمك يا أم النور الحقيقي القديسة العذراء مريم لأنك ولدتي لنا مخلص العالم" إذًا تعظيم وتمجيد السيدة العذراء قرار مجمع مسكوني. وليس مجرد إيمان عادي. الكنيسة كلها تمجد العذراء وتحبها:- لذلك نجد أن الكنيسة كلها لا تمجد العذراء فقط، بل تحبها. وتسمي باسمها كثير من بناتنا فنجد من هي إسمها مريم، ماري، ماريام، مارينا، آن ماري، ماريانا، فكثير من البنات اسمهم على اسم العذراء مريم وتجد أيقونة العذراء موجودة في كل مكان، ويندر أن يخلو بيت من أيقونة العذراء. والكنيسة دائمًا بها أيقونة العذراء. الحمامة الحسنة:- لكن أهم أيقونة للعذراء الأيقونة الموجودة في الجزء البحري من حامل الأيقونات (إيقونستات Iconostasis) على يمين الكاهن عندما يخرج من الهيكل ويبخر. حيث يبخر على اليمين ويقول: "السلام لك أيتها العذراء الحمامة الحسنة"وكلمة حمامة تذكرنا بالحمامة التي أتت بغصن الزيتون إعلان للسلام للفلك في الطوفان. بمجرد أن استلمها نوح، علم أن الخير قد جاء. فالعذراء هي الحمامة التي أتت بالسلام للعالم. التي عند البشارة بميلاد المسيح قيل "وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ" (إنجيل لوقا 2: 14) والحمامة في بساطتها وبراءتها حتى إن في النشيد يشبه بساطة ونقاوة الحبيبة بالحمامة "عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ" (سفر نشيد الأنشاد 1: 15؛ 4: 1) رمز للطهر والبساطة السيدة العذراء ليس من ألقابها العظمة أو الحمامة الحسنة فقط. ولكن من ألقابها أيضًا أنها دائمة البتولية. الدائمة البتولية:- دائمة البتولية تعني أنجبت وهي بتول وكانت قبل الإنجاب بتولًا وبعد الإنجاب بتولًا أيضًا فهي دائمة البتولية. الملكة:- ومن ألقابها أيضًا الملكة ونسميها ملكة ولذلك في أيقوناتها الطقسية هناك تاج فوق رأسها وتاج فوق رأس المسيح وتكون هي عن يمينه في الصورة الطقسية ليتم القول "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك"، ونص الآية هو "جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ" (سفر المزامير 45: 9) يقول عنها المزمور "كل مجد ابنة الملك من داخلها"، ونص الآية هو: "كُلُّهَا مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِي خِدْرِهَا" (سفر المزامير 45: 13). السماء الثانية:- ولأنها حملت المسيح وهو ساكن السماء لذلك أصبح من ألقابها السماء الثانية أي كما أن السماء فيها ربنا كذلك العذراء فيها ربنا. مدينة الله أو صهيون:- لذلك سميت أيضًا مدينة الله أو صهيون المزمور يقول "صهيون الأم تقول إن إنسانًا وإنسانًا ولد فيها" والنص كما ورد في الكتاب المقدس "وَلِصِهْيَوْنَ يُقَالُ: «هذَا الإِنْسَانُ، وَهذَا الإِنْسَانُ وُلِدَ فِيهَا، وَهِيَ الْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا» (سفر المزامير 87: 5). العذراء في الكتاب المقدس:- وكثير من نبوات العهد القديم تشير إلى السيدة العذراء وأهم ما ورد عن العذراء الآية التي في سفر أشعياء النبي "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا"، ونص الآية هو: "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا" (سفر إشعياء 7: 14؛ إنجيل متى 1: 23). رموز العذراء في العهد القديم:- رموز كثيرة جدًا من العهد القديم. (العليقة):- من الرموز المشهورة في العهد القديم (العليقة) "العليقة التي رآها موسى النبي في البرية والنار تشعل جواها ولم تصيبها بأذية". (المجمرة الذهبية):- ومن ضمن الرموز إليها المجمرة الذهبية (المجمرة أي الشورية) المجمرة بداخلها الفحم المتحد بالنار. الفحم يمثل الطبيعة البشرية والنار يمثل الطبيعة الإلهية. لأن الكتاب يقول "إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 12: 29)؛ "الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ" (سفر التثنية 4: 24). والنار والفحم متحدين داخل المجمرة. كما اتحد اللاهوت بالناسوت داخل بطن العذراء. (شورية هارون):- ولذلك أيضًا يسمونها شورية هارون. وشورية كلمة قبطية ]ourh تعني مجمرة. (عصا هارون):- وترمز إليها أيضًا عصا هارون التي أفرخت. عصا هارون خشبة ليس بها شيء ولكن خرج منها فروع حية، كذلك البتول. (تابوت العهد):- وشبهت أيضًا بتابوت العهد المغطي بالذهب وبداخله قسط المن. (قسط المن):- وشبهت بقسط المن. لأن قسط المن بداخله خبز المن الذي يرمز إلى المسيح. وهناك أسماء كثيرة أيضًا للعذراء: (الكرمة الحقانية):- وسميت بالكرمة الحقانية التي وجد بها عنقود الحياة. (أم النور، أم المخلص، أم القدوس، أم الفادي):- وسميت أيضًا بأم النور لأن المسيح هو نور العالم. وكل صفة للمسيح يضعون لها كلمة "أم" تكون العذراء. المسيح هو الفادي فتكون العذراء أم الفادي. والمسيح المخلص فتكون العذراء أم المخلص. المسيح النور فتكون العذراء أم النور. المسيح القدوس فتكون العذراء أم القدوس. كل هذه أسماء للعذراء. ولا توجد من سميت بهذه الأسماء الكثيرة مثل العذراء. العذراء في التسبحة:- العذارء توجد كثيرًا في التسبحة. على الأقل لحن "السلام لك يا مريم شيري ني ماريا" نكرر في كل مقطع اسم مريم وكله عن أسماء العذراء وكل تماجيد شهر كيهك عن العذراء. وإخوتنا الكاثوليك يسمون هذا الشهر (الشهر المريمي). أعياد العذراء:- السيدة العذراء تحتفل لها الكنيسة بأعياد كثيرة جدًا كل قديس من القديسين تحتفل له الكنيسة بعيد أو عيدين على الأكثر. في تاريخ استشهاده أو نياحته. وقد تحتفل الكنيسة بتاريخ تأسيس أول كنيسة على اسمه لكن الكنيسة تحتفل بأعياد كثيرة للعذراء مثل: (عيد البشارة بولادتها) فقد كان والديها لا ينجبان، والله بشرهم بولادتها. عيد ميلادها عيد دخولها الهيكل عيد دخولها أرض مصر. عيد نياحتها عيد صعود جسدها للسماء عيد العذراء حالة الحديد التي بشفاعتها انحلت قيود متياس الرسول. عيد ظهورها في كنيسة العذراء بالزيتون فالعذراء لها أعياد كثيرة جدًا، ولها معجزات لا حصر لها كما نحتفل بظهوراتها عمومًا على الأقل في مصر فبالإضافة لظهورها بالزيتون ظهرت في أرض بابا دبلو وفي أسيوط وفي الوراق. زيارة العذراء لمصر:- لذلك العذراء لها أهمية بالنسبة لمصر خصوصًا بالإضافة إلى أهميتها في العالم كله يكفي أنها قضت في مصر 3 سنين ونصف وجزء منهم في منطقة دير المحرق، لذلك الكثير من الأثيوبيين يذهبون للتبرك بدير المحرق كما يذهبون للقدس وفي مصر تنقلت العذراء في أماكن عديدة، فالعائلة المقدسة كانت كلما تذهب إلى مدينة تقع الأصنام على الأرض من جلال لاهوت السيد المسيح فيطردوهم من المدينة، فتذهب إلى مدينة أخرى فتقع الأصنام فيطردون أيضًا. فتنقلت العذراء والعائلة المقدَّسة من مدينة إلى مدينة. فضائل العذراء:- السيدة العذراء لها فضائل كثيرة جدًا، في مقدمتها: فضيلة التواضع:- المسيح المتواضع بحث عن إنسانة متواضعة لكي يولد منها. ولذلك (ماري اسحق) عندما سؤل عن التواضع قال: "أريد أن أتكلم عن التواضع ولكني خائف كمن يتكلم عن الله" لأن التواضع هو الحلة التي لبسها اللاهوت حينما ظهر بيننا المسيح المتواضع ولد من فتاة متواضعة ولذلك العذراء في تسبحتها تقول: "إن الله نظر إلى إتضاع أمته"، ونص الآية هو: "لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ" (إنجيل لوقا 1: 48)، وعجيبة أنها تقول عن نفسها أمة الرب، بالرغم من أن الملاك قال لها ستكونين أم الرب ولكنها تقول له أنا أمة الرب أي عبدته ولهذا العذراء لم يرتفع قلبها أبدًا بولادة السيد المسيح. ولم يرتفع قلبها بنشيد الملائكة ولا بالمعجزات التي صاحبت الميلاد ولا بمجيء المجوس وسجودهم له ولا بالنور الذي كان يحيط بالمسيح باستمرارومن تواضع العذراء أنها ذهبت لتخدم أليصابات في حبلها. الملاك قال لها اليصابات نسيبتك حبلى في الشهر السادس فإذا بهذه الفتاة الصغيرة التي كان عمرها 16 سنة تقريبًا تمشي وسط الجبال والأودية حتى تصل لأليصابات التي كانت حبلى في الشهر السادس وظلت تخدمها حتى الشهر التاسع فقد أمضت ثلاثة أشهر تخدم أليصابات العجوز في فترة حبلها. ما هذه العظمة! أم الإله تخدم أليصابات! للأسف نجد بعض الذين يصلون وظيفة كبيرة أو وضع كبير يفتخرون بذلك حتى يظنون أن الدنيا تعجز عن حملهم. وكما يقول المثل "يا أرض ما عليك مُن مثلي" (يا أرض اتهدي، ما عليكي أدّي)!. لكن العذراء أم الإله عبرت الجبال والأودية لتخدم أليصابات العجوزولم يطلب منها أحد أن تفعل ذلك، بل فعلت هذا من نفسها، ومن قلبها المحب للخدمة الذي يخدم دون أن يُطلب منه.وتواضع العذراء جعلها تقبل ما هو ضد رغبتها. فلم تفكر أبدًا أن تلد. كانت تريد أن تعيش بتول. لذلك عندما بشرها الملاك قالت له "كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟!" (إنجيل لوقا 1: 34) أي ليس من شأني الولادة. ولكنها قبلت ما هو ضد رغبتها. وكانت متضعة رغم الأمجاد الكثيرة التي تحيط بها. فضيلة الاحتمال:- من فضائل العذراء الاحتمال فقد احتملت كل شيء احتملت أولًا اليتم. فمن سن 8 سنين كانت يتيمة الأب والأم ولذلك دخلت الهيكل وعاشت حياة الوحدة في الهيكل. فكل بنت في هذه السن تريد أن تجول وتلعب هنا وهناك، وتتمتع بالدنيا ولكن العذراء ظلت في الهيكل منذ أن كان سنها 8 سنين إلى أن خطبت ليوسف النجار. ظلت هذه الفترة في بيت للعذارى بالهيكل وكانت تحفظ آيات الكتاب المقدس والمزامير. ولذلك تسبحتها مليئة بالآيات والمزاميراحتملت الفقر بلا تزمر. وفيما بعد احتملت المجد بلا افتخار. عاشت في فقر فلم تتزمر وعاشت في مجد فلم تفتخراحتملت المسئولية وهي في سنة صغيرة، حيث أنجبت وهي في سنة صغيرة واحتملت المسئولية. احتملت التعب في الذهاب إلى أرض مصر والتعب في الرجوع من أرض مصر. ومن أشهر المناطق التي مكثت بها السيدة العذراء في أرض مصر منطقة المطرية حيث توجد "شجرة مريم" احتملت أن تلد في مزود وفي الشتاء القارص. فنحن نحتفل بعيد الميلاد في الشتاء احتملت آلام صلب المسيح إن كنا نحب العذراء مريم فيجب أن نحاول أن نقتني فضائلها. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
16 أغسطس 2022

ولم يعرفــها

«ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر» (مت1: 25). هي آية أعيت عقول الكثيرين فاستغلوها سندًا للتشكيك في بتولية العذراء. أمّا القديس كيرلس الكبير، الذي تربطه بالسيدة العذراء علاقة وطيدة، فقد علّق ببراعة على هذه الآية في ميمر له على نياحة السيدة العذراء قائلًا: "حقًا قال عنكِ الإنجيلي الطاهر أيتها العذراء أن «يوسف لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعي اسمه يسوع» أي أنه لم يعرف مقدار مجدك وكرامتك والنعمة التي تحلّيتِ بها إلا بعد ميلادك السيد له المجد ورأى الملائكة صاعدة ونازلة تسبح المولود منكِ قائلة: «المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة»، والرب دعاكِ بوالدته الحبيبة". يعني ذلك أن القديس كيرلس الكبير فسّر كلمة "يعرفها" بمعناها البسيط، أي لم يعرف مقدار كرامتها.يوجد في الحقيقة نصٌّ رائع في ميمر آخر على "بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء" عثر عليه البابا كيرلس الخامس في دير المحرق وقام بطباعته سنة 1902م في كتاب "ميامر وعجائب السيدة العذراء مريم". هذا النص يصف ببراعة عجيبة حال يوسف النجار لما اكتشف حملها فيقول: "وعندما وقع نظره عليها وإذا هي حبلى تعجب يوسف واستغرب ذلك الأمر، ووقع في دهشة وتاه في بحور الأفكار وهو ما بين مُصدِّق ومُكذِّب. ثم لما فاق من دهشته والتفت وتأمل وجد أن أيام حملها تقدمت وقد ظهر حملها للعيان. فقال لها: يا مريم لم يسعني أن أمكث هنا وأحتمل العار من بني إسرائيل ومن الكهنة ومن شيوخ الشعب، وكاد يلطم على وجهه وبكي بكاء مرًا وينتحب ويحزن ويندب سوء حظه ويقول: ويلي أنا الشقي، كيف يكون حالي وماذا أقول؟ نعم إني سأصير عبرة في بني إسرائيل، وبماذا أجاوب وأي عذر لي وأنتِ معي في منزلي وتسليمي؟".والآن من السهل أن نضع النصين السابقين بجانب بعضهما البعض لندرك أن ظهور الملاك ليوسف في الحلم ليطمئنه من جهة العذراء لم يكن كافيًا ليستوعب مقدار كرامتها، بل أن ميلاد المسيح منها وما صحبه من عجائب كان هو وحده الحدث الجوهري الذي أضاء بصيرة يوسف الروحية فانفتحت على غنى كرامة ومجد العذراء. بالتالي، كل من يحاول تكريم العذراء لشخصها وفضائلها بمنأى عن ربط كرامتها بميلاد المسيح منها فإنه لابد وأن يقع فيما وقع فيه يوسف من شك وحيرة. لقد تشبّهت السيدة العذراء بابنها وتحولت إلى تلك الصورة عينها. فكما صار ذاك، الذي لم يعرف خطية، خطية من أجلنا، هكذا صار حبل تلك التي لم تعرف رجلًا بالسيد المسيح صليبها الذي عُلِّقت عليه بلا خطية منها. وكما تمجد السيد المسيح في أعين تلاميذه بقيامته فانفتحت أعينهم وعرفوه، هكذا صارت حادثة ميلاد المسيح من العذراء قيامةً لها حيث تمجدت في عيني يوسف الذي انفتحت عندئذ عيناه "فعرفها". بالتالي يكون لقب "والدة الإله" هو مجد قيامة العذراء!! نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
المزيد
14 أبريل 2021

الحرية أهميتها، أنواعها، ضوابطها

لقد خلق الله الإنسان حرًا. وبالحرية ميزه عن مخلوقات أخري كثيرة. وقد تغني الناس بالحرية. فقال أحد أدباء الغرب: 'لو انك فقدت كل شيء، ما عدا الحرية، فأنت لا تزال غنيًا'. وتجاه الحرية، يقف ذلك السؤال الشهير:'هل الإنسان مسير أم مخير؟' وواضح أن الإنسان مخير في كل ما يفعله. ولكي لا ينحرف بحريته فيخطئ، زوده الله بالعقل الذي ينير أمامه الطريق، وأيضًا بالضمير لكي يميز بين الخير والشر. كما زوده كذلك بالوصية الإلهية لكي يلتزم بها في كل تصرفات حياته.والدليل علي حرية الإنسان، إن الحرية ترتبط دائما بالمسئولية، فإن لم يكن الشخص حر الإرادة، فلا مسئولية عليه، وان لم يكن حرا، فكيف يلتزم بوصايا الله؟! وما لزوم أمور عديدة ينهاه الله عنها، إن لم تكن له حرية إرادة؟ وإلا انطبق عليه قول الشاعر: ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء كذلك فإن ارتكاب الخطيئة دليل علي أن الإنسان مخير.. لأن الله لا يسير أحدا في طريق خاطئ.. إنما المخطئ يرتكب الخطأ عن طريق اختياره له وأيضًا أن لم تكن هناك حرية، فلا حساب إذن ولا دينونة في الآخرة ولا ثواب ولا عقاب. الإنسان إذن مخير لا مسير.. فهل هو مخير في كل شيء؟ طبعا لم يكن أي شخص مخيرًا من جهة البلد الذي ولد فيه، ولا من جهة الجنس الذي ينتمي إليه. ولم يكن مخيرًا في نوع شكله وملامحه، وفي فصيلة دمه، وفي كثير من المواهب التي أعطيت له، أو التي حرم منها.. لم يكن مخيرا في نشأته، ولا في اختيار أسرته، ولا فيما ورثه عن تلك الأسرة من دم ومن عقل، وأمور اجتماعية ولكنه علي الرغم من كل هذا هو مخير في تصرفاته، ومخير في أن يصلح بقدر الإمكان من مستوي نشأته، كما في تغيير مستواه في أمور عديدة. هنا ونسأل: هل الإنسان حر في أحلامه؟ وللإجابة علي هذا السؤال، نقول أن هناك أنواعًا من الأحلام فقد توجد أحلام عبارة عن إعلان من الله، مثل الأحلام التي فسرها يوسف الصديق لفرعون. وهناك أحلام أخرى عبارة عن حروب من الشياطين. وهذان النوعان لا إرادة للإنسان فيهما ولا حرية، وبالتالي لا مسئولية. غير أن هناك أحلامًا ناتجة عما يخزنه كل شخص في عقله الباطن من شهوات أو رغبات أو أفكار أو مخاوف.. وما تجمعه الحواس من نظر وسمع.. وهذه قد تظهر له بصورة أحلام. ويبدو أنه لا حرية للإنسان فيها. ولكنها ناتجة عن حرية سابقة، فيما خزنه لنفسه.. وهي لا تدخل في نطاق الأمور الإرادية، إنما في شبه الإرادية أو نصف الإرادية. وعليه مسئولية تجاهها، علي الأقل من جهة الأسباب التي أوصلتها إليه.ولهذا، فإن كان الإنسان أمينا علي نفسه وروحياته أثناء الصحو، ستكون أحلامه أمينة له أثناء نومه. ضوابط الحرية وحدودها: إن الإنسان فيما هو مخير فيما يفعل، لكنه ليس مخيرا بطريقة مطلقة، إنما تحد من حريته أمور مهمة تنطبق علي الكل.فله أن يستخدم حريته، بحيث لا يعتدي علي حريات الآخرين وحقوقهم، فلا تستخدم الحرية في إهانة الغير، ولا في السب والقذف، ولا أن تبني راحته علي تعب الآخرين. وليس هو حرًا في استخدام العنف ضد غيره.وهو أيضا حر في حدود الالتزام بالنظام العام، والالتزام بالآداب العامة، وبقوانين البلد الذي يعيش. مثال ذلك فإنه في أكثر البلاد تمسكًا بالحرية، لا يستطيع أحد أن يكسر قواعد المرور وإشاراته، ويقول: أنا حر أفعل ما أشاء! هو أيضا حر في حدود وصايا الله، فلا يعصاها ويسلك حسب هواه. وهكذا فإن المؤمنين بالحرية، ينادون بالحرية المنضبطة، وليس بالحرية المطلقة.ولهذا، فإن الذي يتجاوز حدود حريته، ولا يلتزم بالوضع السليم، فإن القانون يلزمه بذلك، والعقوبة تردعه.. بل أن حرية الإنسان ينبغي ضبطها منذ الصغر. وهنا يبرز لزوم التربية والتعليم. ويقوم واجب الأسرة في ضبط حرية الطفل، بحكمة، حتى لا ينحرف. ثم واجب المدرسة أيضا في تعليم الطلبة قواعد الحرية وحدودها وضوابطها. كذلك ليس الإنسان حرًا في إيذاء نفسه: فلا يقع الإنسان في إدمان الخمر أو المخدرات أو التدخين، ويتلف صحته وإرادته، ويضيع ماله فيما يضره. ويقول أنا حر!.. كلا، ليس هو حرا فيما يجلب له الأذى. فصحته وديعة في يديه، لا يملكها وحده، بل يملكها أيضا المجتمع الذي رباه ورعاه، والذي هو مكلف بخدمته وأداء واجبه نحوه.. كذلك ليس الإنسان حرًا في أن يقتل نفسه، أي ينتحر بطريقة ما. فحياته ليست ملكا له وحده. كما انه ليس حرا في كسر وصية الله القائلة 'لا تقتل'. والتي تنطبق أيضا عليه من جهة نفسه كما من جهة غيره. أنواع الحرية: في نطاق الحرية المنضبطة، توجد أنواع من الحرية، منها الحرية الشخصية، حرية الإرادة، وحرية الفكر، وحرية إبداء الرأي، وحرية الاجتماع، وحرية العقيدة، والحرية السياسية. فالإنسان من حقه أن يفكر بحرية كما يشاء. ولكن بضوابط: فليس من حريته أن يسرح في أفكار ظالمة، أو في أفكار نجسة، وان كانت قوانين الدولة لا تردعه من جهة هذا الفكر، فإن الضمير يوبخه، ويأمره أن يضبط فكره حتى لا يدنس نفسه.. ثم هل في حريته أن يعتنق فكرا هداما؟! وان اختار بحريته هذا الفكر، فليس من حقه أن ينشره. وإلا فإنه يؤذي المجتمع الذي يعيش فيه. وهنا من حق الدولة أن تضبط الأفكار الهدامة التي تبلبل أذهان الناس وتقود تصرفاتهم في اتجاه ضار.الإنسان له حرية العقيدة، من جهة الدين والتدين، وما يتبع ذلك من حرية العبادة.وقد تمادي البعض في هذه الحرية، حتى وصلوا في بعض البلاد إلي الإلحاد. كما وصلوا إلى كثير من الانحرافات العقيدية وإلي تشويش أذهان الآخرين، ونشر الشكوك في الثوابت من الأمور الإيمانية. وتجرأ بعضهم في بلاد الغرب إلي مطالبتهم بعدم تدريس الدين، لأنه لا يوافق معتقداتهم. كذلك وصل بهم الأمر إلي الشذوذ الجنسي والمطالبة باعتماد قانون من الدولة. وبعض الدول سمحت لهم بهذا كما في كندا. كما ضغطوا علي بعض الهيئات الدينية لاعتماد الشذوذ. وطالبوا لأنفسهم بحقوق كشواذ أما عن الحرية السياسية فللإنسان الحق في اختيار النهج السياسي الذي يوافقه، والحزب السياسي الذي يستريح لمبادئه.كما أن له حق الانتخاب وحق الترشيح في حدود القانون. ولكن الحرية السياسية ينبغي أن تكون منضبطة أيضًا. فلا ينضم أحد إلي نهج سياسي مدمر، ولا ينضم إلي حزب متمرد علي النظام، يثير الشقاق ويدعو إلي التخريب وإلي محاولة قلب نظام الحكم.وفي نطاق الحرية السياسية، تدخل حرية الصحافة وحرية النشر والمفروض في هذه الحرية أن تكون منضبطة أيضًا، بحيث لا تكون أداة تشهير بالناس، وسب البعض وقذفهم بحجة حرية الرأي. ولا يجوز للصحافة أن تخرج من الناحية الموضوعية إلي النواحي الشخصية، التي تمس أعراض الناس وسمعتهم وأمورهم الشخصية إن الحرية سلاح ذو حدين، فهي نافعة ولازمة أن سارت في طريق سليم. وإلا إذا انحرفت فإنها تضر الإنسان ومن حوله. الحرية الحقيقية: ختاما ما هي الحرية الحقيقية؟ ذلك لأن هناك بعض الناس يسمون أنفسهم أي متحررين، وهم يسيرون حسب هواهم في طريق خاطئ، يتحررون فيه من القيم والثوابت..! أما الحرية الحقيقية، فهي أن يتحرر الإنسان من كل فكر خاطئ، ومن كل طبع رديء، ومن كل شهوة منحرفة، ومن كل خطيئة مثل هذا الإنسان إذا منح الحرية فإنه سيسلك فيها بأسلوب سليم نافع له ولغيره لذلك علي طالب الحرية، أن يتحرر أولا من الداخل.. وبهذا يمكنه أن يستخدم الحرية للخير. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
10 نوفمبر 2021

الآخر.. مَنْ هو الآخر؟ ما علاقتك بالاخر؟

الآخر هو كل إنسان غيرك. فما هي علاقتك إذن بالآخر؟ حينما خلق الله أبانا آدم، خلق له كائنا آخر هو أمنا حواء وكانت علاقة كل منهما بالآخر علاقة حب وتعاون, نضعها كمثال طيب أمامنا. فلم يحدث في يوم من الأيام أن اختلف أحدهما مع الآخر إنما عاشا متزاملين ومتلازمين، يقطعان غربة العمر معا.يقطفان الورد معا، وقد يجرحان من الشوك معا ثم كانت أول مأساة مع الآخر، فيما قاساه ابنهما هابيل من أخيه الذي قام عليه وقتله. فكان المثال الذي علينا أن نتحاشاه.وبمرور الوقت اتسعت دائرة الآخر في الحياة: من العلاقة بين فرد وفرد، إلى العلاقة في محيط الأسرة، ثم القبيلة. وتطورت إلى العلاقات في البلد الواحد، إلى الوطن الواحد. وأخيرا إلى العالم كله، الذي نشأ من أسرة واحدة. فكيف يكون إذن التعامل مع هؤلاء؟ ولنبدأ بالتعامل مع الفرد، فنقول: هل أنت تحترم الآخر أيا كان، كإنسان؟ هل نتعاون معه؟ هل تساعد الآخر؟ هل تجده؟ هل أنت على استعداد أن تبذل نفسك لأجل الآخر، وتضحي من أجله بكل شيء؟ اعلم أنه حسب نوعية التعامل مع الآخر، يكون مقياس حضارة الإنسان، فالإنسان المتحضر يكون سهل التفاهم مع الآخر، يأخذ ويعطى معه في مودة ويسر، ولا يسرع إلى الخلاف ما أجمل ما قاله احد الحكماء "ما عاش من عاش لنفسه فقط" إنها الأنانية أو الانغلاقية، حيث يتمركز الشخص حول نفسه، ولا يخرج منها ويندمج مع الآخر. وهذا الاندماج هو البذرة التي يتكون بها المجتمع. وعلى العكس هناك من يرون أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بدون الآخر.. بل كل نشاطهم هو من أجل الآخر، وكل مواهبهم هي من اجل الآخر. وفي هذا يقول الشاعر إيليا أبو ماضي: يا صديقي أنا لولا أنت ما غنيت لحن كنت في قلبي لما كنت وحدي أتغنى وإن كانت هذه هي كلمات شاعر، وخواطره ومشاعره وألحانه، فإنها أيضًا هي علاقة الكاتب مع الآخر، أعني مع القارئ وكأن الكاتب يقول للقارئ. بلغة إيليا أبو ماضي: أنا لولا أنت ما كنت أكتب! إذ أنني من أجلك اكتب ، حيث يختلط فكرى بفكرك، ويصير لنا فكر واحد، وليس آخر. فأنت هدفي، وأنا وسيلتك. وأنت أذني، وأنا فمك. وكلانا واحد. وحقًا ماذا تكون جدوى كلماتي من غيرك؟! إنها لا شيء! نفس الأمر مع كل من يعمل عملًا، هو لغيره، أو نتيجته لغيره فالبائع لا شيء، إن لم يوجد المشترى والمتكلم لا جدوى لكلامه، إن لم يكن هناك الذي يسمع والراعي لا صفة له، إن لم تكن هناك رعية والمعلم ما هدفه، إن لم يكن هناك من يتلقى عليه العلم وهكذا دواليك وفى كل هذه الأمثلة تظهر أهمية الآخر.. نقطة أخرى في علاقة الإنسان بالآخر، وهي إن الإنسان الواسع القلب، لا يزاحم الآخر في طريق الحياة.. بل هو في سيره، يفسح طريقًا لغيره. يفسح له الطريق ليعبر، أو لكي يسير معه في نفس الطريق. إنه لا يتعالى على الآخر، ولا يتفاخر، وهدفه أن يلتقيًا ولا يتباعدًا. وأتذكر أنني كتبت عن ذلك في إحدى قصائدي منذ زمن بعيد. قل لمن يجرى ويعلو شامخ يا صديقي قف قليلًا وانتظرني نحن صنوان يسيران مع إنا في حضنك مل أيضًا لحضني قل لمن يعتز بالألقاب إن صاح في فخره: من أعظم منى؟! أنت في الأصل تراب"تافه" هل سينسى أصله من قال "إني"..؟! يا أخي اعرف جيدًا في صراحة كاملة انه كلما ازدادت (الأنا) عندك، حينئذ يختفي الآخر في مقاييسك حيث تقول: من الذي يعيش ويظهر، وينمو وينتشر: أنا أم الآخر؟ وحيث يقول البعض: إذا مت عطشان، فلا نزل المطر!! أو تقول : فلأكن أنا المنتصر على الدوام، وغيري المهزوم..! الدنيا هي دنياي أنا، خلقها الله لي، لكي أعيش!! وتنسى أن الله تبارك اسمه، قد خلق الدنيا للكل، والكل رعاياه وموضع اهتمامه لماذا تطلب أن يختفي الآخر لكي تظهر أنت؟ ألا يمكن لكما أن تعيشا معا؟ حقًا إن عمق الاهتمام بالآخر يكمن في إنكار الذات ،وإيثار الغير على النفس. بينما إهمالك للآخر لون من الأنانية يا أخي، لماذا يكون قلبك ضيقًا، فلا يتسع للآخر؟! ولماذا. إذا ما اتسع قلبك. فإنما ينفتح لنوعية خاصة من الناس ، بينما ينغلق أمام الآخرين؟! لماذا تخسر الآخر؟! ليتك تستمع إلى سليمان الحكيم حينما قال "رابح النفوس حكيم" على أن أسمعك وأنت تهمس قائلًا: "ولكن فلانًا لست اتفق معه، طبعي لا يتفق مع طبعه، وفكري لا يتمشى مع فكرة". هنا وأراني مضطرًا أن أردد عبارة جميلة قالها القديس يوحنا ذهبي الفم، وهي: "من لم توافقك صداقته، لا تتخذه لك عدوًا".لذلك نصيحتي لك، لا توسع دائرة أعدائك. فليس هذا من الصالح لك ولا لغيرك.. وهنا أسأل : إذا اختلف معك الآخر في الرأي، هل تحول ذلك إلى خلاف في القلب أيضًا؟! وهل حينئذ تهاجم الآخر، وتعاديه، وتحقره، وتشهر به؟!ً أم تحاول أن تلتقي به وتتفاهم؟ وإن التقيت معه في حوار، أيكون حوارًا هادئًا، أم ساخنًا، أم ملتهبًا؟ أم حوارًا يسوده الاحترام والمودة؟ وهل يكون هدفك من الحوار أن تنتصر على الآخر، وترغمه على قبول رأيك؟ وهل حوارك ليس للتفاهم، إنما لإثبات شخصيتك، وتثبيت فكرك؟ وهل يؤول حواركما حينئذ إلى مزيد من التباعد في الرأي والقلب؟! يا صديقي، هل تؤمن بحرية الرأي؟ وبالتنوع والتعدد في الأفكار؟ وهل يظهر ذلك في تعاملاتك؟ أم انك تعمل على إلغاء شخصية الآخر!! فإما أن يوافقك، أو تطرحه بعيدا عنك. ويتحول التنوع إلى خلاف، ويتحول الخلاف إلى قتال ويؤول القتال إلى عداوة، تحتد وتشتد!! في الزواج مثلا: لماذا يحدث الطلاق أحيانًا؟ أليس السبب هو نفس الإشكال؟ أنا أم الآخر؟! بينما الحكمة في الزواج، أن يصير الزوجان واحدًا، لا أن يكونا واحدًا وآخر..! وهكذا عن باقي أفراد الأسرة والأقارب، حيث يقول الواحد منهم عن قريبه: إنه لحم من لحمى، وعظم من عظامي. إنه دمى، وليس آخر وبالحب، يتسع نطاق أسرتك، حتى يشمل المجتمع كله. ولا تقول عن فرد منه إنه آخر. بل هذا المجتمع هو ذاتك الكبرى، وليس آخر..! عندئذ يتحول العالم كله إلى أسرة كبيرة متحابة، يتحدثون فيها عن التعاون الدولي، والمؤسسات الدولية، وما إلى ذلك لهذا كله، ينبغي على كل منا أن يتدرب على محبة الآخر. فالعلاقة مع الآخر كلما ازدادت قربًا تتحول إلى وحدة. وأتذكر أنني سئلت مرة عن الوحدة الوطنية فقلت: يا أخي المواطن: حينما أنظر إلى نفسي فأراك، وأنظر إليك فأراني، وكأنني أنظر في مرآة، وكأننا زوج واحد في جسدين، عندئذ تكون هذه هي الوحدة الوطنية... قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 مايو 2021

تأملات فى أهمية القيامة

الحياة والخلود:- مبارك هو الله الذى منحنا الوجود إذ لم تكن ، وميزنا عن باقى الكائنات بالعقل والنطق وأعطانا الله الحياة 0 وهى سر يغوص الناس فى أعماقه ، ولا يصلون إلى مكنوناته وأعطى الله الحياة لكائنات حية عديدة جداً تعيش معنا على هذا الكوكب ، من طيور وحيوانات وحشرات وهوام وأسماك ، كل منها له طبيعته ولكن الحياة فى الإنسان تميزت بميزة أسمى من كل تلك الكائنات تميزت بالروح التى تختلف عن أنفس الحيوانات فتلك الكائنات الحية معنا حياة أما نحن فلنا حياة ، وحياة أخرى إذ أعطامنا الله حين خلقنا أرواحاً خالدة الخلود عطية عجيبة وعميقة جداً ، منحها الله للبشرية فكان إذن من أهم عطاياه لنا الوجود ، والحياة ، والخلود 0 مع سمو فى كل من هذه الأمور الثلاثة ، نتفوق فيها على كل المخلوقات الأرضية 0 يضيف لها الله مجموعة من المواهب والقدرات ، تتنوع من إنسان لآخر ، حسبما قسم الله لكل واحد كما شاءت مواهبه الإلهية ( 1 كو 12 : 11 ) خروج الحياة من الإنسان سر لا ندريه 0 ورجوع الحياة إليه سر أعظم كل ما ندريه عن خروج الحياة من الإنسان هو بعض مظاهر خارجية ، مثل توقف المخ ، وتوقف القلب ، وتوقف النفس ، وتوقف النبض ، وتوقف الحرارة ، وتوقف الحس ، وبالتالى توقف كل أجهزة الجسد أما خروج الروح من الجسد ، فهو سر كيف يحدث ، ومتى ؟ وما تحيط به من مشاعر وأحاسيس ، أو من مناظر 0 وما يتبع ذلك ، ومسيرة الروح كل هذه أسرار حتى الذين عادوا إلى الحياة ، وأقامهم الأنبياء فى العهد القديم ، أو أقامهم السيد المسيح له المجد ، لم يخبرونا بما حدث لهم ، وكيف خرجت منهم الحياة ، وكيف عادت إليهم ، وكيف كانوا بين الحالين ؟! كل ذلك بقى سراً مختوماً عليه بسبعة ختوم كل ما نستطيعه ، هو أن نشكر الله ، لأنه وعد أن يعطينا حياة أخرى إنها حياة بعد الموت ، ننالها فى القيامة العامة ، التى تقوم فيها جميع البشر 0 ترجع الأرواح إلى اجسادها فتقوم ، لتقف فى يوم الدينونة العظيم ، الذى فيه يجازى الله كل نفس بما عملت 0 وينال كل واحد منا حسبما صنع بالجسد كان أم شراً ( ( 2 كو 5 : 10 ) ولكن كيف تعود الأرواح إلى الأجساد ؟ هنا نقف بالإيمان أمام قدرة الله القادر على كل شئ الله الذى خلق الكون كله من العدم ، أتكون القيامة صعبة عليه ؟ حاشا القيامة تعطينا إذن فكرة عن قدرة الله الله القوى المتناهى فى قوته ، الذى يستطيع أن يعيد هذه الأجسام مرة أخرى بعد أن تتحلل وبعد أن نتحول إلى تراب 000 ويعيدها فى نوع من التجلى ، أجساداً روحانية ،سماوية ، نورانية ( 1 كو 15 : 49 ) 0 لا يدركها الموت فيما بعد ، ولا يدركها تعب ، ولا مرض فالله وعد الإنسان بالخلود ، وليس بالخلود لجزء منه فقط هو الوح ، بل الخلود للإنسان كله ، روحا وجسداً فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم الأبدى ، إذن لا يمكن أن نقول إن الإنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة ، وإنما جزء منه فقط ، وهو الروح 0 فبالضرورة إذن لابد أن يقوم الجسد من الموت ، وتتحد به الروح ، لتكون إنساناً كاملاً تصير له الحياة الدائمة 0 الجسد والروح معا:- القيامة عقيدة أساسية فى جميع الأديان ولولاها ما يثبت دين إطلاقاً فنحن نؤمن بقيامة الجسد من الموت وبالحياة الأخرى والنعيم الأبدى وعقوبة الأشرار إن قيامة الأجساد ضرورة تستلزمها عدالة الله فالإنسان مخلوق عاقل ذو إرادة 0 وبالتالى هو مخلوق مسئول عن أعماله وسيقف أمام الله ، لينال ثواباً أو عقاياً عما فعل خلال حياته بالجسد على هذه الأرض فهل يعقل أن يقع هذا الجزاء على الروح فقط ، أم يقع على الإنسان كله بروحه وجسده ؟ إن الروح والجسد اللذين اشتراكاً معاً فى العمل ، تقتضى العدالة الإلهية أن يتحملا الجزاء معاً ، أو أن يتنعماً بالمكافأة معاً الجسد هو الجهاز التنفيذى للروح أو للنفس أو للعقل الروح تميل إلى عمل الخير ، والجسد هو الذى يقوم بعمل الخير ، يجرى ويتعب ويشقى ويسهر ويحتمل أفلا تكون له مكافأة عن كل ما اشترك فيه من خير مع الروح ؟ أم تتنعم الروح وحدها فى الأبدية ، وكل تعب الجسد يضيع هباء ؟! وهل يتفق هذا مع عدل الله الكلى العدالة ؟! ونفس الوضع نذكره أيضاً عن عمل الشر الذى يشترك فيه الجسد مع الروح بل قد يكون له فى الشر النصيب الأوفر فالجسد الذى ينهمك فى الملاذ العالمية ، من أكل وشرب وسكر ومخدرات وزنى ورقص وعبث ومجون ، ويلذذ حواسه باللهو هل بعد هذا كله ، تدفع الروح الثمن وحدها فى الأبدية ، ولا يلحق بالجسد شئ من العذاب أو من المجازاة ؟! كلا ، فهذا لا يتفق مطلقاً مع العدل الإلهى ، الذى لابد أن يجازى الإنسان كله روحاً وجسداً إذن لابد أن يقوم الجسد ليشترك فى المجازاة ، ويكون الحساب لكليهما معاً لأنهما أشتركا فى العمل معاً ، سواء بدأت الروح ، وأكمل الجسد أو أشتهى الجسد واستسلمت الروح له ، واشتركت معه فى شهواته إن الجسد ينفذ ما تريده الروح ، ويبر أيضاً عن مشاعرها ولنأخذ الجندى فى الميدان مثالاً لنا الجندى تدفعه روحه إلى أعمال البسالة والبذل والفداء ، وتشتعل روحه بمحبة وطنه ومواطنيه ولكن الجسد هو الذى يتحمل العبء كله ، ويدفع الثمن كله الجسد هو الذى يتعب ويسهر ويحارب ، وهو الذى يجرح ويتمزق وتسيل دماؤه فهل بعد كل هذا تتمتع الروح وحدها ، والجسد لا يشترك معها فى المكافأة ؟! وكأنه لم ينل أرضاً ولا سماء ؟! إن العدل الإلهى لا يوافق إطلاقاً على هذا إذن لابد أن يقوم الجسد من الموت ، ليشترك مع الروح فى أفراحها ولنضرب مثلاً واحداً للشركة بين الروح والجسد ، وهو العين الروح تحب أن تشفق ، ويظهر الحب والإشفاق فى نظرة العين 0 والروح تغضب أو تميل إلى الانتقام 0 وترى العين نظرة الغضب أو نظرة الانتقام 0 الروح تتجه إلى الله بالصلاة ، وترى فى العين نظرة الابتهال ، أو تغرورق العين بالدموع من تأثر الروح الروح الوديعة المتضعة يشترك معها الجسد بنظرات وديعة متضعة 0 والروح المتكبرة المتغطرسة المتعالية ، يشترك معها الجسد أيضاً بنظرات التكبر والغطرسة والتعالى 0 وكما تشترك العين ، تشترك أيضاً كل ملامح الوجه ، كما تشترك دقات القلب ومراكز المخ ، وأعضاء أخرى من الجسد 0 هذه أمثلة من الشركة بين الروح والجسد 0 وفى مجال الجد والإجتهاد ، نرى هذا أيضاً ويوضح هذا قول الشاعر : وإذا كانت النفوس كباراً تعبت فى مرادها الأجساد إذن تكون المكافأة فى الأبدية للروح الكبيرة التى أرادت الخير وصممت على عمله ، وأيضاً للجسد الذى حمل عبء وجاهد واحتمل وصبر ، حتى حقق حقق للروح رغبتها وهكذا كما اشترك معها فى العمل ، ينبغى أن يقوم ليشترك معها فى الجزاء وفى حمل المسئولية فالمجازاة هى للإنسان كله ونحن على الأرض نكافئ الجسد ، ونعتبر هذا أيضاً مكافأة فى نفس الوقت للروح التى لا نراها ألسنا نمجد أجساد الشهداء والأبرار ، ونجعل مقابرهم مزاراً ، ونضع عليها الورود والأزهار والأطياب ، ونصلى هناك من أجلهم ؟ ولا نعتبر هذا كله مجرد إكرام للجسد أو للعظام أو للرفات أو للتراب ، وإنما للإنسان كله 0 لأننا فيما نفعل هذا ، إنما نكرم روحه أيضاً وإن كان الإنسان لا يستحق الإكرام ، ينسحب الأهمال على جسده وعلى روحه معاً 0 فالمجرمون الذين يحكم عليهم بالأعدام أو بالسجن ، تنال أجسادهم جزاءها وفى نفس الوقت يلحق بأرواحهم سوء السمعة ، وتتأثر أرواحهم بما يحدث لأجسادهم فإن كانت عدالتنا الأرضية تفعل هكذا ، فكم بالحرى عدالة الله عدالة الله تشمل الإنسان كله ، روحاً وجسداً ، لذلك لابد أن يقوم الجسد الذى عاش على الأرض مشتركاً مع الروح فى أعمالها 0 وليس فى مجرد الأعمال فقط ، بل حتى فى الأفكار والمشاعر فإن الجسد ينفعل بحالة الروح ، بفكرها ومشاعرها ونياتها الروح تقدم المهابة أو الخشوع فينحنى الجسد تلقائيا الروح تحزن فتبكى العين ، ويظهر الحزن على ملامح الوجه وفى حركات الجسد الروح تفرح ، فتظهر الابتسامة على الوجه الروح تخاف فيرتعش الجسد ، ويظهر الخوف فى ملامحه الروح تخجل ، فيعرق الإنسان ، أو يبدو الخجل فى ملامحه إنها شركة فى كل شئ ، ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها أو الجسد وحده إنما يتحملها الإثنان معاً ، وهذا هو الذى يحدث فى القيامة كذلك من العدالة أن تقوم الأجساد لتنال تعويضاً عما كان ينقصها فالعميان مثلاً والمعوقون أصحاب العاهات ، والمشوهون ، وكل الذين لم تنل أجسادهم حظاً من الجمال أو الصحة أو القوة من العادلة أن تقوم أجسادهم فى اليوم الخير ، وتقوم بلا عيب ، حتى يعوضها الله عما قاسته على الأرض من نقص وألم كذلك الذين عاشوا على الأرض فى فقر وعوز ، وفى جوع ومرض ، كان له تأثيره على أجسادهم ، يحتاجون أن تقوم أجسادهم فى حياة أخرى لا تشعر فيها أجسادهم بما كان لها على الأرض من ألم كرامة الإنسان :- إننا نفرح بالقيامة ، ونراها لازمة وضرورية وممكنة ونراها تعبيراً عن محبة الله للبشر ، وتعبيراً أيضاً عن عدله القيامة أيضاً تعطينا فكرة عن محبة الله للبشرية ،الله الذى أحبنا حتى أنعم علينا بالخلود ، كما أحبنا من قبل وأنعم علينا بالوجود الله المحب منح البشرية هذا الخلود العجيب ، فيحيون إلى الأبد فى نعيم دائم القيامة أعطت الإنسان قيمة معينة ، أعطت لحياته قيمة فلو كانت حياة الإنسان تنتهى عند القبر ، لأصبح مخلوفاً فانياً زائلاً ، مثله مثل الحيوان تماماً ، ومثل باقى الكائنات التى لها مجرد حياة أرضية فقط ما هى إذن الميزة التى لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق ، الذى وهبه الله من العلم موهبة التفكير والاختراع ، والذى سلطه على كل الكائنات الأرضية الأخرى ! هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب ، يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام ؟! إن العقل لا يمكنه أن يصدق هذا إذن قيامة الجسد تتمشى عقلياً مع كرامة الإنسان الإنسان الذى يتميز على جميع المخلوقات ذوات الأجساد ، والذى يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً ، وأن يقوم لها بواجب الرعاية والاهتمام إذ أراد 0 فكرامة الجسد هذا المخلوق العاقل ، لابد أن تتميز عن مصير باقى أجساد الكائنات غير العاقلة غير الناطقة وهذه الميزة تظهر فى قيامة الجسد وتجليه لذلك نشكر الله لأنه بالقيامة أعطى لحياتنا امتداداً كبيراً إلى غير نهاية ، حيث يعيش الإنسان فى حياة أخرى لا تنتهى إلى الأبد عندما خلق الله الإنسان خلقه حياً ، ذا نفس حية ، ولم يكن تحت سلطان الموت إذن الموت دخيل على العالم ، والحياة هى الطبيعة الأصلية للإنسان وبالقيامة يرد الله الإنسان إلى رتبته الأولى ، إلى الحياة التى خلق بها ولأجلها 0 فوائد أخرى للقيامة:- بالقيامة تتثبت المبادئ الروحية ، ويصبح الإنسان صاحب رسالة وصاحب قيم لأنه مع القيامة توجد المسئولية وتوجد الدينونة ، والإنسان يقوم من الموت لكى يقف أمام منبر الله العادل ليعطى حساباً عن كل ما فعله بالجسد إن خيراً وإن شراً يعطى حساباً ليس فقط عن أعماله ، وإنما أيضاً عن أعماله ونياته وحواسه ومشاعره الباطنية ومادام الإنسان سيقوم وسيعطى حساباً عن كل شئ ، ينبغى إذن له أن يحيا حياة التدقيق والحرص ، حياة البر والقداسة التى يقف فيها بلا خجل ولا خزى ولا خوف أمام الله ، وأمام الناس فى اليوم الأخير لو لم تكن قيامة لساد الفساد العالم ، ولأنتشر الظلم ، ولأكل الناس بعضهم بعضاً لو لم تكن هناك قيامة للأجساد ، وحياة أخرى ، لانتشر الفساد والأربيقورية التى تقول " لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت " ، ولتهالك الإنسان على ملاذ الدنيا وعلى المادة 0 لكن بالقيامة أصبحت هناك قيم ، وهناك مبادئ ، وهناك أهداف روحية يحيا الإنسان لها ، وهناك الحياة الآخرة التى يسعى الإنسان إليها بهدف واسع كبير غير الأهداف القصيرة المؤقتة التى يعيش لها الناس وبالقيامة دخلت إلى الإنسان مشاعر الشجاعة والجرأة وعدم الخوف وأصبح الإنسان لا يخاف الموت ، وهكذا على رجاء القيامة تقدم الشهداء إلى الموت غير هيابين إنهم يعرفون أن الموت ليس نهاية حياتهم ، ويرون أن بعد الموت باباً واسعاً لحياة لا تنتهى على رجاء القيامة عاش الناس على هذا الرجاء فى فكرهم السماء ، وفى فكرهم النعيم الأبدى ، وفى فكرهم سعادة تفوق سعادة الدنيا ، وهى ما عبر عنها الكتاب بقوله " ما لم تره عين ، وما لم تسمع به أذن ، وما لم يخطر على قلب بشر ما أعده الله لمحبى اسمه القدوس " إن الناس كلما يودعون راحلاً عن الدنيا يودعونه على رجاء القيامة ، باعتبار أنهم سيرونه هناك بل إن القيامة أعطت رجاء أوسع من هذا ، ليس فقط فى تلاقى الأحباء والأقرباء ، وإنما فى تلاقى الأجيال كلها حيث يلتقى الناس هناك فى السماء مع أبينا آدم وأبينا نوح والأنبياء ، ومع جميع الأبرار فى جميع العصور ستلقى الأجيال كلها هناك فى القيامة ولولا القيامة ما كان مثل هذا اللقاء ممكناً ، ولعاش الناس فى جيل محدود ، وفى زمن محدود لا يتعدونه ومن هنا رأينا أناساً يعيشون حياة الزهد والنسك والتجرد من الماديات فى العالم ، لأنهم يعرفون تماماً أن وراء هذا النسك والزهد توجد مكافأة أبدية تعوض كل شئ 0 الاستعداد:- ولكن ولكن هذه القيامة يا أخوتى هى فرح للأبرار ، وهى خوف ورهبة للمخطئين والأشرار الذين يخافون من القيامة لأنها تفتح باباً أبدياً فىعقاب الله لذلك إذ نتذكر القيامة ، وإذ نتذكر هذا العمر الطويل غير المتناهى الذى ينتظرنا فى الأبدية ، نستعد لهذه الحياة بحياة البر وحياة الإيمان ، لكى نستحق هذا الخلود السعيد لأنه لن يدخل فى نعيم الله الأبدى إلا المؤمنون الذين عاشوا بالحب ، وعاشوا بالسلام ، وعاشوا فى خير ، ينشرون الخير أينما وجدوا ، وأينما حلوا ويبحثون عن سعادة غيرهم أكثر من سعادتهم الشخصية هؤلاء الأنقياء الأبرياء ، الأبرار هم الذين يعيشون فى النعيم الأبدى علينا أن نحيا فى هذا البر ما دامت لنا أنفاس تتردد فينا ، ولنبذل كل طاقاتنا لكى نسعد الأجيال التى نعيش فيها ، ولكى نتمثل بالسيد المسيح الذى قيل عنه " كان يجول يصنع خيراً " قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل