المقالات

17 نوفمبر 2019

مَلاَبِس رَئِيس الكَهَنَة ج7

سَادِساً الْقَمِيص المِخَرَّمٌ ﴿ وَتُخَرِّمُ الْقَمِيصَ مِنْ بُوصٍ ﴾ ( خر 28 : 39 ) . وَصْف القَمِيص :- الْقَمِيص هُوَ القِطْعَة الدَّاخِلِيَّة مِنْ ثِيَاب رَئِيسُ الْكَهَنَة الَّتِي كَانَ يَرْتَدِيهَا فَوْقَ جَسَدِهِ مُبَاشَرَةً وَكَانَ القَمِيص مِنْ كِتَّان نَقِي مِخَرَّماً كَصَنْعِة الشَّبَكَة وَمُزَخْرَفَةً بِأشْغَال الإِبْرَة وَكَانَتْ الجُبَّة الأسْمَانْجُونِيَّة وَالرِّدَاء الفَاخِر ذُو الأحْجَار الكَرِيمَة يُخْفِيَان هذَا القَمِيص مَاعَدَا الأذْرُع فَهُوَ ثَوْب بَسِيطْ رَغْم أنَّهُ ضِمْن ثِيَاب المَجْد وَالبَهَاء وَلأِنَّ الثِّيَاب الخَارِجِيَّة كَانَتْ لَهَا مَدْلُولاَت لِتَمْثِيل الشَّعْب أمَام الله إِذْ أنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلٌ أسْمَاءَهُمْ إِلاَّ أنَّ هذَا القَمِيص الدَّاخِلِي يُشِير إِلَى حَيَاة البِّر الدَّاخِلِيَّة الَّتِي يَجِبْ أنْ يَحْيَاهَا رَئِيسُ الْكَهَنَة . يَظْهَر عَلَى الذِّرَاعَيْنِ وَالقَدَمَيْنِ :- وَإِنْ كَانَتْ الجُبَّة الزَّرْقَاء تُشِير إِلَى القَلْب السَّمَاوِي الدَّاخِلِي فَإِنَّ الْقَمِيص الكِتَّانِي المَنْسُوج يُشِير إِلَى الحَيَاة الطَّاهِرَة النَّقِيَّة المَلاَئِكِيَّة الَّتِي تَعْمَل فِي الدَّاخِل لكِنَّهَا تَظْهَرعَلَى الذِّرَاعَيْن أي تَنْعَكِس عَلَى التَّصَرُّفَات الخَارِجِيَّة كَمَا تَظْهَرمِنْ تَحْت الحَقَوَيْن حَتَّى القَدَمَيْن وَكَأنَّ الطَّهَارَةأيْضاً تُغَطِّي كُلَّ مَسْلَك الإِنْسَان ( القَدَمَيْن ) أيْنَمَا سَارَ يَسْلُك بِنَقَاوَة وَإِذْ كَانَ الْقَمِيص مِنْ الدَّاخِل وَفَوْقَهُ الجُبَّة وَالرِّدَاء ذَاتَ الألْوَان المُبْهِرَة وَالخَامَات الفَاخِرَة فَهُوَ يَرْمُز إِلَى أنَّ شَخْص رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح مَعَ جَلاَلُه الفَائِقٌ المَعْرِفَة الَّذِي لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أنْ يَكُونَ مُسَاوِياً لله ( في 2 : 6 ) إِلاَّ إِنَّهُ فِي البَاطِنْ مُتَضِعاً بَسِيطاً وَأحَبَّ أنْ يَأخُذْ شَكْلَ العَبْد وَمِنْ أسْفَل القَمِيص يَلْبِس سِرْوَال وَهُوَ ضَرُورِي لِسَتْر العَوْرَة مِنْ الحَقَوَيْنِ إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ . مَعْنَى قَمِيص مِخَرَّمٌ :- وَنَتَحَيَّر حِينَمَا يَأمُر الله أنْ يَكُون الْقَمِيص مِخَرَّماً !!! وَرُبَّمَا يَرْجَع هذَا الأمر إِلَى سَبَبَيْنِ :- أوَّلاً : أرَادَ الله بِذلِك أنْ يَحُول دُونَ نَضْحٌ جِسْم هَارُون بِالعَرَقٌ الأمر الَّذِي يُشِير إِلَى عَدَمٌ صُدُور أي شَيْء نَاتِج عَنْ الجَسَدٌ بَلْ يَقِفْ فِي وَقَار وَكَمَال وَلَهُ رَائِحَة ذَكِيَّة أمَام الله . وَثَانِياً : الخُرُومٌ تُظْهِر شَيْئاً بَسِيطاً مِمَّا وَرَاءَهَا وَالْمَسِيح أخْفَى مَجْدٌ لاَهُوتُه إِذْ كَانَ يَظْهَر مِنْ مَجْدٌ لاَهُوتُه الشِئ البَسِيط . الْقَمِيص وَالبِرَّ :- فَيَظْهَر أمَام الله مُتَسَرْبِلاً بِالبِرَّ فَهُوَ إِشَارَة لِلنَقَاوَة الدَّاخِلِيَّة الَّتِي تُؤَهِلْنَا لِلوُقُوفْ أمَام الله وَلاَ يُوْجَدٌ بَار وَاحِدٌ كَامِلٌ قُدُّوس سِوَى شَفِيعْنَا القُدُّوس البَارَّ عِنْدَ الآب هُوَ يَسُوع الْمَسِيح وَكَثِيراً مَا نَجِدٌ أنَّ لَقَبْ البَارَّ يُطْلَقٌ عَلَى شَخْص رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح فَقَدْ شَهَدَ عَنْهُ بِيلاَطُس ﴿ أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً ﴾ ( يو 18 : 38 ) ﴿ إِنِّي بَرِئ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ ﴾ ( مت 27 : 24 ) وَإِمْرأة بِيلاَطُس أرْسَلَتْ لَهُ تَقُول ﴿ إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ ﴾ ( مت 27 : 19) وَقَائِد المِئَة الأُمَمِي كَانَ أوَّل مَنْ مَجَّدٌ الله بَعْد أنْ أسْلَمْ الرَّبَّ يَسُوع الرُّوح ﴿ قَائِلاً بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارّاً ﴾ ( لو 23 : 47 ) وَمُعَلِّمْنَا بُطْرُس الرَّسُول فِي كِرَازَتِهِ لِليَهُود يَقُول ﴿ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ ﴾ ( أع 3 : 14) . وَإِسْتِفَانُوس فِي خِطَابِهِ الأخِير يَقُول ﴿ أَنْبَأُوا بِمَجِيء الْبَارِّ ﴾ ( أع 7 : 52 ) أمَام كُلَّ هذِهِ الشِّهَادَات عَنْ بِر رَئِيسُ كَهَنَتْنَا نَثِقٌ أنَّ لَنَا شَرِكَة فِي بِرِّهِ وَلاَ يُوْجَدٌ بِر حَقِيقِي إِلاَّ مَصْدَرَهُ البَارَّ الحَقِيقِي . قَمِيص :- كَلِمَة " قَمِيص " هِيَ الَّتِي نَجِدْهَا فِي ( تك 3 : 21 ) حَيْثُ نَقْرأ ﴿ وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآِدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا ﴾ وَكَلِمَة " جِلْدٌ " تَرِدُ بِصِيغِة المُفْرَدٌ أي أنَّ جِلْدٌ ذَبِيحَة وَاحِدَة قَدْ كَسَاهُمَا كِلَيْهِمَا أخَذَ الجِلْدٌ عَنْ الذَّبِيحَة وَوَضَعَهُ عَلَيْهِمَا بِيَدِهِ المُبَارَكَة إِنَّهُ رَمْز لِلَّذِي كَسَانَا بِبِرِّهِ الَّذِي قَدَّم نَفْسُه ذَبِيحَة لأِجْلِنَا الَّذِي إِحْتَمَلَ الخِزْي وَالعَار لاَ لِكَيْ يُبَرِّرْنَا فَقَطْ بَلْ لِنَصِير نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ( 2كو 5 : 21 ) كَمَا نُصَلِّي فِي صَلاَة القِسْمَة ﴿ صَعَدَ إِلَى الصَّلِيب عُرْيَاناً لِيَكْسُونَا بِثَوبِ بِرِّهِ ﴾ وَفِي هذَا يَقُول العَلاَّمَة أُورِيچانُوس ﴿ أوِدٌ مُقَارَنَة المَأسَاة الَّتِي لَبَسَهَا الإِنْسَان الأوَّل عِنْدَمَا أخْطَأ بِتِلْكَ الَّتِي لِلقَدَاسَة وَالإِيمَان فَقَدْ قِيلَ أنَّ الرَّبَّ الإِله صَنَعَ لآِدَم وَإِمْرَأتُه أقْمِصَة مِنْ جِلْد وَألْبَسْهُمَا هذِهِ الأقْمِصَة الجِلْدِيَّة المَأخُوذَةٌ مِنْ حَيَوَانَات تَتَفِقٌ مَعَ الخَاطِئ إِذْ كَانَتْ رَمْزاً لِلمَوْت النَّاجِمْ عَنْ الخَطِيَّة وَعَنْ سُقُوطِهِ وَفَنَاء جَسَدِهِ وَلكِنْ فِي مَلاَبِس رَئِيسُ الْكَهَنَة تَجِدٌ فِيهَا الجَمَال وَالسَتْر وَعَدَمٌ الفَنَاء { فَلاَ يَظْهَر خِزْيَك } وَهكَذَا إِذْ نَلْبِس الْمَسِيح يُبْتَلَعْ المَائِتْ مِنْ الحَيَاة ( 2كو 5 : 4 ) . القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية عن كتاب مَلاَبِس رَئِيس الكَهَنَة
المزيد
16 نوفمبر 2019

إبنة يفتاح

«فقالت له يا أبي هل فتحت فاك إلى الرب فافعل بي كما خرج من فيك» مقدمة يقول وليم جيمس الفيلسوف الأمريكي وعالم النفس الكبير إن العهود شيء هام ولازم للنفس البشرية لأن الإنسان بطبعه ملول كسول في حاجة إلى ما يحفزه وينهضه ويمنعه من التقهقر والتراجع والنكوص ونحن لا نعرف عظيمًا من عظماء التاريخ أو بطلا من أبطال الإنسانية إلا وارتبط بعهد ما أيا كان هذا العهد ونوعه... والعهود تهدف إلى غايات ثلاث: فأولها وأبسطها العهد الذي يقيمه الإنسان بينه وبين نفسه ليعلو بهذه النفس وينشط بها في أية صورة يتصور هذا العلو والنشاط كالعهد الذي فاه به بتهوفن في صباه أن يكون آية الموسيقى في الدنيا، والعهد الذي نظمه شللي ولما يزل صبيًا يافعاً ألا يخضع للظلم والقيود وأن يعيش حرًا في أوسع ما تشمل كلمة الحرية من معنى. على أن هناك ضربًا من العهود أعلى وأنبل يتقيد به الإنسان لا من أجل نفسه بل من أجل الآخرين كذلك العهد الذي قطعه هانيبال قديمًا من أجل قرطاجنة بأن يعيش لها ويكافح روما ويمقتها إلى الأبد وذلك العهد الذي أخذه أبراهام لنكولن على نفسه من أجل تحرير العبيد حين رأى مرة في سوق النخاسة فتاة صغيرة تعرض للبيع وتركل كما تركل الكلاب فرأى فيها الإنسانية كلها تباع وتشتري فتألم وثار وآلى على نفسه أنه إن واتته الفرصة لابد يحرر بلاده من هذه الوصمة البشعة المهينة وذلك العهد الذي تقيد به كليمنصو بطل فرنسا في الحرب العالمية الأولى حين قال لأبيه الذي عانى ظلمًا واضطهاداً شديدين «سأثار لك يا أبت» فأجابه الأب: «اذا أردت أن تثأر لي فاعمل لأجل فرنسا».. في نطاق هذه العهود تدخل كل العهود الأدبية والاجتماعية والخلقية وما أشبه. على أن أعلى العهود وأسماها وأقواها وأرهبها هو ذلك العهد الذي يتوجه به الإنسان إلى ربه فيربط نفسه بالرب بهذا العهد ولئن جاز للإنسان أن يتحرر من عهود إزاء نفسه أو إزاء الآخرين رغم ما في هذا من الضعة والنقص والفشل، فالعهد الذي لا يفصم والذي لا يستطيع أن يتحايل عليه أو يتخلص منه أو يكسره دون أن يتحايل على نفسه أو يتخلص منها أو يكسرها.. هو العهد الذي يقطعه الإنسان لمجد الله. في الكتاب عهود كثيرة من هذا القبيل حدثت بين الإنسان وربه في ظروف متفاوتة ولأسباب متعددة كمثل عهد يعقوب الذي قطعه في بيت إيل وهو يضرب في الأرض وحيداً طريدًا غريبًا أفاقاً في طريقه إلى حاران وعهد موسى في حوريب بعد أن تسلم بنو إسرائيل الناموس وقدم فتيانهم ذبائحهم للرب ورش كتاب العهد بالدم وعهد يشوع حين جاءه الجبعونيون يطلبون استئمانهم وتحالفهم مع شعب الله وعهد عزرا في أورشليم يوم قضى بفرز النساء الغريبات اللواتي اختلطن بالزرع المقدس.. هذه وأمثالها عهود قوية بينها جميعًا سيبقى مدى التاريخ صورة حية مرهبة مروعة لقوة العهد وسطوته وسلطانه كذلك العهد الذي قطعه يفتاح الجلعادي والذي كان ثمنه المفزع المخيف ابنته الوحيدة... ولقد آثرت أن أتحدث اليكم الآن عن هذه الابنة وأن أضعها أمامكم في وضعين يشملانهما في الحياة والموت لأريكم كيف كانت هذه الفتاة عظيمة في حياتها وعظيمة في موتها أو أن شئتم فقولوا معى في تعبير أدق أنها كانت عظيمة في موتها لأنها كانت عظيمة في حياتها.. في ساعة النهاية والموت قال أوغسطس قيصر للمحيطين به: «ايتوني بمرآة». فلما أتوه بها نظر إلى وجهه بنشوة وجذل وابتهاج وصفف شعره ثم صاح «أيها السادة لقد عملت حسنًا فصفقوا لي».. وصفق السادة للرجل العظيم والإمبراطور الأول للإمبراطورية الرومانية القديمة ولكن حياة أوغسطس قيصر امتلأت بالمخازي التي روعته هو وأثارت ضميره وجعلته مراراً كثيرة يجلس على قارعة الطريق في ثياب ممزقة يستعطي لعله يخفف شيئًا من عذابات نفسه وذكرياته الأليمة الصارخة، مثل هذه المخازي تجعلنا نتردد كثيرًا في مشاركة السادة تصفيقهم وتهليلهم للإمبراطور الوثني القديم ولكن من منا يتردد أن يحني رأسه ويصفق مع التاريخ أعجابًا بابنه يفتاح التي كانت في الحياة والموت على السواء آية في النبل والعظمة والجلال؟ إذن نتأمل هذه الفتاة في كلمتين: الفتاة وحياتها العظيمة: الفتاة وموتها العظيم. الفتاة وحياتها العظيمة ما اسم هذه الفتاة؟ لا نعلم وكل ما نعرفه أنها كانت تكني بابنه الرجل العظيم يفتاح، ما اسم أمها؟ لا ندري! وكم كنا نود أن نعرف شيئًا عن هذه الأم التي يؤكد الكسندر هوايت أنها ولابد أم عظيمة فمثل هذه الفتاة الرائعة لا يمكن إلا أن تكون وليدة أم ممتازة واذا كان مندل في قانونه عن الوراثة يؤكد لنا بتجاربه العديدة الخاصة أن الصفة التي يشترك فيها الأب والأم تترك أثرها العميق في النسل، أفيكون غريبًا أذن أن نرى هذه الفتاة تتشابه أباها في كثير من الصفات بل ربما تسمو عليه وترقى وخاصة في استمساكها بوعده الرهيب الذي فاه به أمام الرب. كانت هذه الفتاة وحيدة أبويها ويخيل إلى أن العناية أثرتها بأفضل ما في الأبوين وركزته فيها تركيزًا رتيبًا بديعًا قويًا... دقق النظر فيها خلال السطور القليلة التي وضعها الوحي عنها ألست ترى نفسك أزاء فتاة دفاقة الحيوية ملتهبة الاحساس؟ تخرج بالدفوف والرقص لتلقى بأبيها يوم النصرة وتبكي مع أترابها من الفتيات والعذاري يوم النهاية والموت ومثل هذا لا ينبعث إلا عن ربات العواطف المتوقدة والأحاسيس المشتعلة.. وهي تعد طرازًا ساميًا للشعور الوطني العميق، ألم تكن أولى الساعيات وقائدتهن في استقبال أبيها يوم رجوعه من كسرة الأعداء والانتقام للوطن؟ على أن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نغفل إلى أي حد كانت تجل هذه الفتاة أباها وتعتز به.. في الحقيقة أنها تصلح نموذجًا بديعًا يجدر بكل فتاة أن تحتذيه في الخضوع للأباء والولاء لهم. لقد رافقت أباها في كل ظروفه، وتمشت معه في كل ظروفه، وتمشت معه في كل عواطفه، وكان كلاهما مثلين حيين للوفاء الأبوي البنوي.. لقد ساءلت نفسي مرارًا: لم لم يتزوج يفتاح كأغلب القضاة بنساء عديدات فينجب بنين وبنات كثيرين، ويحيي لنفسه ذكرًا ممتدًا طويلاً، في وقت كان يعتقد فيه الرجل أن أقسى ما يصاب به ألا ينجب نسلاً من الأولاد يحفظون اسمه من التلاشي والانقراض؟ أغلب الظن أن يفتاح قصر حبه على زوجة واحدة، وابنه واحدة، وأن هذه الفتاة، كأمها بادلته حبًا بحب وإعجابًا بإعجاب، أيها الآباء، والأمهات!! إلى أي حد تمتد الصلة بينكم وبين أبنائكم وبناتكم فيرون فيكم ما يسترعي الإعجاب والولاء والتقدير!؟.. بعد أن نفى نابليون في جزيرة سانت هيلانة ذهب ولده الصغير إلى النمسا مع أمه، وكان اهتمام النمساويين الأكبر أن ينسوا الولد كل صلة بأبيه.. وحدث مرة أن اجتمع أكابر القواد النسماويين مع الولد حول مائدة، وابتدأوا يتسامرون ويتجادلون حول أفضل قائد في أوروبا، فذكر هذا ذاك وآخر غيره، وانتظر الولد أن يفوه أحدهم باسم أبيه فلم يسمع!! وأخيرًا ضرب بقبضته الصغيرة المائدة وقال: أيها السادة! أظن فاتكم جميعًا سيدهم!؟ فسألوه: من هو؟ فأجاب أنه أبي!!.. وقف الشاب العربي بين ضيوف أبيه حائرًا، وهو يوزع أنصبه الطعام، بأيهم يبدأ وكلهم شيخ جليل وقور مهيب؟ ولاحظت الجماعة حيرته فقالت له: وهبناك الحرية فاختر من تظنه الأفضل وابدأ به، فما كان منه إلا أن توجه بين تهليل القوم وإعجابهم نحو أبيه وبدأ به. عندما نذكر الوصية المقترنة بوعد «أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» وعندما تتأمل اسحق في استسلامه الوديع لأبيه فوق جبل المريا، وابنه يفتاح في ولائها الرائع لأبيها، والركابيين في حفظهم العجيب لوصية يوناداب بن ركاب أبيهم. بل عندما نتأمل أول الكل وقبل الكل ذلك الذي وهو السيد والحر والملك قيل عنه أنه عاش في الناصرة خاضعًا لأبويه، سنجد أسبابًا عديدة صالحة للولاء للأبوين والخضوع لهما، حتى ولو أدى الأمر بنا نحن البنين إلى الاحتراق. كانت ابنه يفتاح أيضًا فتاة شجاعة، فذة في شجاعتها، قابلت مصيرها بحزم وصبر وبسالة، كان يمكن للضعف النسوي أن يتسرب إليها فيسوقها إلى التردد والتهرب والنكوص، خاصة وهي في قوة الشباب ووفرة الحيوية وميعة الصبا، ولكنها لم تفعل، بل ما أسرع ماردت على أبيها الباكي بإجابتها المنتصرة القوية.. هل كانت الوراثة فقط سر الجمال في حياة ابنة يفتاح وعظمتها!؟ كلا بل هناك أمر آخر لعله كان أقوى أثرا وأبلغ نتيجة وأعنف توجيهًا. أتدري ما هو!؟ الحزن! الألم! الحياة المعذبة التي عاشتها هذه الفتاة طوال حياتها!! إن ابنة يفتاح تعد من أتعس من عرفت هذه الأرض، لقد كانت حياتها بؤسا وشقاء وعذاباً متصلاً، ولما جاءها اليوم الذي خيل إليها أنه يومها السعيد جاءها يحمل في طياته كلمة الفزع والموت والنهاية الرهيبة. كانت هذه الفتاة تحمل بين جنبيها ذلة الماضي البعيد، لم يكن أبوها ابنًا شرعيًا لأبيه، أخطأ جدها فجاء أبوها نسيجًا ذليلاً مهينًا للخطيئة القاسية الكبيرة، ونظر المجتمع نظراته المفزعة الرهيبة إلى الوليد، ولم يقل إنه لا ذنب له فيما جناه أبوه، بل عاقبه كمتهم ولم يبصره كضحية، وحين أرادت ابنته أن ترفع رأسها وتسير، رأت هذا الماضي التعس يترقبها، فسارت على الأرض خفيضة الرأس كسيرة الطرف معذبة الذكرى، وطرد يفتاح من بيته ووطنه وسار يضرب في المنفى على غير هدى، وولدت ابنته في أرض طوب بعيدة عن بلادها، وعن الحياة الهادئة المستقرة المريحة.. ويوم جاءها الهدوء والأمن والاستقرار، ويوم قدر لها أن تعود إلى أرض بلادها، وقدر لأبيها أن يرد إليه مجده واعتباره ويوم أمسكت بكأس فجأة، واستبدلت بأخرى قاسية شديدة مريرة، ما أشقاها من فتاة، وأتعسها من حياة! هكذا نقول وهكذا نردد! ولكن كلا! بل ما أجمله من حزن! وأبدعها من مأساة! تلك التي تسلمتها يد الله، فصاغت منها الفتاة العظيمة الخالدة.. عرف أبوها الحياة المعذبة فعرف البطولة والكفاح والجهاد والثقة بالله والانتصار به، وسارت هي وراء أبيها في أرض الدموع والآلام لتشتعل وتتوهج وتضيء ببريق سني عظيم، ترى لو عاشت ابنه يفتاح في بيت وادع هادي آمن مستريح!؟ ترى لو عاشت ومعلقة الذهب في فمها، ولم تعرف من الحياة سوى السعة والتدليل والترويح والترضية! ترى لو عاشت وفي متناول يدها كل ما تشتهي وترغب وتطلب!؟ أكان يمكن أن تكون على ما رأينا من السمووالنبل والعظمة والتكريس ومعرفة الله!؟ أغلب الظن أن هذا كان يكون بعيدًا بل محالاً وألف محال.... وكم من القديسين - كما يقول وليم لاو - لولا الحياة المعذبة لما عرفوا طريقهم إلى السماء، فما أكثر من هوت بهم الرفاهية إلى العذاب الأبدي، وما أكثر من صعد بهم الشقاء إلى معرفة الله والشركة معه، قد نحسد فتاة على جمالها، ولكن هذا الجمال قد يكون مفتاح بؤسها وشقائها، ونأسف لدمامة أخرى، ولكن هذه الدمامة قد تكون طريقها إلى المسيح» أيها الإنسان الذي لا يعرف في حياته سوى العذاب المتواصل اذكر كلمة فرانسس بيكون: إنه إذا كانت الرفاهية بركة العهد القديم فالألم بركة العهد الجديد، وقل مع بولس: «لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيومًا»... «أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضهطادات والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي». الفتاة وعظمة موتها كان نذر يفتاح «إن دفعت بني عمون ليدي فالخارج الذي يخرج من بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب وأصعده محرقة» ورجع القائد وقد انتصر انتصارًا عظيمًا، وكانت ابنته أول من استقبله من بيته، فمزق ثيابه وصرخ: «آه يا بنتي قد أحزنتني وصرت بين مكدري لأنني قد فتحت فمي إلى الرب ولا يمكنني الرجوع» فهل تفهم من هذا أنه تمم نذره حرفيًا فيها بأن قدمها محرقة!؟ يعتقد كثير من المفسرين أنه تمم نذره، ولكن بصورة غير حرفية، بأنه عزل ابنته، وقدسها للرب، فظلت عذراء طوال حياتها لم تتزوج، ولما كانت الحياة العذراوية عارًا وقتئذ، فان الفتاة سعت إلى الجبال لتبكي عذراويتها، وحجة الآخذين بهذا الفكر، أن الذبيحة البشرية أمر وثني حرمه الله على إسرائيل تحريمًا باتا، وأن يفتاح رجل حل عليه روح الرب، وعده الوحي من أبطال الإيمان الذين ذكروا في الرسالة إلى العبرانيين، فمن المحال أن يصنع هذا، كما أنهم قالوا أن العبارة: «فالخارج الذي يخرج» يحتمل في الأصل أن تكون ذبيحة غير بشرية، ولكن هذا رغم صحته ومعقوليته وجوازه مردود ومنقوض، وأنا من أشد الناس اعتقادًا بأن يفتاح أتم نذره حرفيًا، قد يكون هذا خطأ منه، وقد يكون في هذا شيء من الوثنية التي تسربت إليه لطول بعده عن شعب الله والتصاقه بالوثنيين وقد يكون فاته أيضًا أن الذبيحة البشرية يمكن أن تفتدي كما فعل إسرائيل فيما بعد حين أنقذ يوناثان من يد أبيه، ولكنه مع ذلك أقدم على عمله بكل إخلاص وحمية وروية وتدبر، لأنه من غير المعقول أن الرجل كان يقصد في نذره إلى مجرد ذبيحة حيوانية كشاة أو ثور أو ما أشبه، لأن هذه الذبيحة من الضآلة بكيفية لا تتفق مع من يريد أن يعبر عن شكره العميق لله، واعترافه بإحسان الله الذي رد سبيه ليقوده في طريق النصرة والمجد، كان يفتاح في المصفاة إنسانًا مأخوذ الشعور متوقد العاطفة سليب الإحساس، سكب نفسه أمام الرب سكيبًا، ولأجل هذا كان يمضي علي ورقة بيضاء ليملأها صاحبها كما يود أو يرغب أو يشتهي، إنه بدون تحفظ أو توقف أو تمهل يريد أن يقول للرب: لست أملك يارب شيئًا يمكن أن يكون ثمينًا عليك، فاختر من عندي أعز ما أملك «الذي يخرج من بيتي للقائي.. وهذه الروح هي التي تستولى عادة على أصحاب النذور والعهود، إنهم عادة يتعهدون بشعورهم، أكثر مما يتعهدون بأفكارهم، ويتقيدون بعواطفهم أكثر مما يتقيدون بتأملاتهم، وذلك لأنهم على الأغلب يكونون في تلك اللحظة في أوقات حرجة دقيقة بائسة تقتضيهم الارتماء عند قدمي الله واستدرار حبه وعطفه وحنانه ورحمته.. وليس المهم في نظر الله أأخطأ الإنسان أم أصاب، بقدر الروح التي أملت هذا الصواب أو الخطأ، فمن صواب الإنسان ما قد يكون خطأ، ومن خطأ- إذا جاز هذا التعبير - ما قد يكون صواباً.. ألم يقل الرسول بولس مثلاً في سياق حديثه عن الطعام: «إني عالم ومتيقن في الرب يسوع أن ليس شيء نجسًا بذاته إلا من يحسب شيئًا نجسًا فله هو نجس... كل الأشياء طاهرة لكنه شر للذي يأكل بعثرة». قد تفعل شيئًا وتحس - بحسب ما لديك من النور والمعرفة والضمير - أنه سليم مستقيم أمام الله وهو في الواقع - أمام نور أكمل ومعرفة أوفر وضمير أكثر قوة وتدربًا - غير ذلك، ولكن الله سيحاسبك على قدر ما لك وما أخذت، وسيطالبك قبل كل شيء بالنية العميقة المستترة وراء عملك، ولذا فالعهود المتعجلة ينظر الله فيها إلى النية أكثر مما ينظر إلى العهد في حد ذاته، وليس أدل على ذلك من أن الوحي أظهر ارتياحًا على عمل يفتاح أكثر منه إلى الاستياء بذكره العذاري اللاتي كنا يذهبن كل سنة في شيء من الوفاء والتقدير والذكرى للبكاء على الفتاة العظيمة، هناك عهد شبيه في الكتاب المقدس حدث في شيء من العجلة والخطأ، ولكن الرب اعتبره وأقامه وعاقب على كسره... جاء الجبعونيون وهم سلالة من بقايا الأموريين إلى يشوع وبني إسرائيل، وهم داخلون إلى أرض كنعان، وخدعوهم بتظاهرهم أنهم جاءوا من مكان بعيد، حالة كونهم من إحدى المدن التي أمر الرب بالقضاء عليها، وطلبوا منهم عهدًا بمسألمتهم واستحيائهم وأخطأ الشعب فلم يسألوا الرب عن هؤلاء وقطعوا معهم عهدًا، ولما اكتشفوا بعدها أنهم قريبون إليهم وفي وسطهم ثار الشعب وأراد أن يقضي عليهم، ولكن العهد وقف حائلاً ضدهم، وبعد أكثر من أربعمائه وخمسين عاماً كسر شاول هذا العهد في غيرة عمياء، فعاقب الله إسرائيل حتى كفر داود عن خطية الكسر بصلب سبعة من أبناء شاول، وفي شريعة النذور والعهود نرى الله لا يعفي صاحب النذر والعهد من وفاء نذره وعهده، وهب أن فتاة في بيت أبيها أو زوجة في بيت زوجها تعجلت وذكرت عهدا أمام الرب دون تقدير أو مسئولية، ففي اليوم الذي يسمع الآب أو الزوج هذا العهد يمكن أن يبطله أو يثبته، فان انتهرها ونهاها في الحال يبطل العهد، وإلا فقد ثبت والتزم به، وصار وصيًا على اقامته وتنفيذه. نفذ يفتاح نذره حرفياً، وإلا فما الداعي لأن تذهب ابنته على الجبال لتبكي عذراويتها شهرين؟ وإذا كان الأمر قد اقتصر على تكريس حياتها للرب فلم البكاء، وكان أولى بها أن تغني وتفرح؟ وإذا كان بكاؤها يرجع لأنها ستحرم من الحياة الزوجية التي كانت تعد نعمة كبيرة للفتاة وقتئذ، فلماذا تبكي شهرين ولا تبكي أكثر؟ وما معنى القول إنها عند نهاية الشهرين رجعت إلى أبيها ففعل بها نذره الذي نذر؟ وكيف يمكن تفسير العادة الرتيبة المنظمة التي ألفتها بنات إسرائيل أن يذهبن من سنة إلى سنة لينحن عليها أربعة أيام في السنة؟ ولو سلمنا جدلاً مع ذلك أن أباها أبقاها عذراء طوال حياتها مقدسة للرب! فهل يكون نذره بأكمله قد تم... كلا إنه يكون فقط قد تمم الشطر الأول فيه «فالخارج الذي يخرج من بيتي... يكون للرب..» أما الشطر الثاني «وأقدمه محرقة» فلا يستقيم مع بقائها على قيد الحياة... إن كل المفسرين اليهود والمسيحيين حتى القرن العاشر الميلادي بما فيهم أوريجانوس والذهبي الفم وثيودور وجيروم وأغسطينوس أجمعوا على أن يفتاح نفذ نذره في ابنته تنفيذًا حرفيًا، والقرون الطويلة لم تعرف شيئًا عن التفسير الثاني حتى جاء الربي كيمتشي في القرن الحادي عشر وابتدعه، وسار في أعقابه من المفسرين من هالتهم هذه التقدمة البشرية المرهبة، ولكننا فيما أعتقد نتفق مع لوثر حين قال: «يؤكد بعضهم أن هذه التقدمة لم تتم، ولكني أظن أن بالنص الكتابي من الوضوح مالا نحتاج معه إلى تساؤل أو جدال أو تفسير». أجل ماتت ابنه يفتاح!! ورأى الله لها مالم يره لاسحق يوم المريا، أو للثلاثة فتية في أتون النار، لكنه على أي حال، رأى لها شيئًا عظيمًا مجيدًا هائلاً، لقد أضحت الشهيدة الأولى التي احترقت من أجله وفي سبيل مجده، فإن ابنة يفتاح ستبقى مدى الأجيال جذوة هائلة مشتعلة هيهات أن تضعف أو تخمد أو تطفيء.. أن السؤال الذي ما تزال تلقيه علينا هذه الفتاة العظيمة من وراء القرون هو: لمن أنا! ولمن حياتي ونفسي وذاتي؟ وهل أنا لشخصي أم لأبي وأهلي وبلدي ووطني وعشيرتي أو ما أشبه؟ كلا.. أنا لم أعد لواحد من هؤلاء جميعًا! لقد أضحيت له وحده، ذاك الذي مات من أجلي وقام، وقد اشتراني بدمه، وعلمني أن أغني وأرنم: فأنا لست لذاتي ليس لي شيء هنا كل ما عندي لفادي ال خلق وهاب المنى إذ فداني ذاك بالدم الكريم إنني أقضي زماني خادم الفادي الأمين باذلا جسمي وروحي وقوي عقلي الثمين إذ فداني ذاك بالدم الكريم ماتت ابنه يفتاح!! ونظرت إلى جمالها الرائع الحزين يدلف نحو الغروب، وقد انعكست عليه شعاعات سرمدية خالدة من النور، فرفعت يدي محييا، وصحت في لغة الحب والحزن والوفاء والإعجاب: وداعا أيتها الفتاة العظيمة!! وداعا أيتها النفس الحرة المنطوية على ذاتها في مطلع الحياة وبكور الأيام!! وداعا إلى حيث نلتقي! لاهنا في هذا الوادي التعس الخفيض، حيث ألفنا افتراش الثرى وتوسد الرغام، بل هناك فوق قمم الجبال العاليا حيث ارتقيت تأهبا للموت من أجل الله. ليتنا مثلك لا يتحدث سفرنا الحديث العظيم الخالد الا عن عظمة في الحياة، وعظمة في الموت.. «لأن ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته، لأننا أن عشنا فللرب نعيش، وأن متنا فللرب نموت، فان عشنا وأن متنا فللرب نحن، لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات»
المزيد
15 نوفمبر 2019

علاقة الكاهن الشخصية بالله وأدوات البناء الروحي

من سفر أخبار الأيام الأول إصحاح 28 عدد 9 و10 داود النبى فكر إنه يبنى الهيكل لكن بسبب بعض خطاياه ، الله قاله تجهز إنت الحاجة لكن اللي هيبنى الهيكل ابنك سليمان ، وفي يوم جمع كل الشعب ورؤساء الشعب ، وسليمان الحكيم موجود قدامه ، وابتدا ينبهه ويعطيه هذه الوصية ، وأرجوكم تلتفتوا معايا لهذه الوصية لأنها موجهة لكل واحد فينا بعد ماكلم الشعب وحكى لهم على كل حاجة ابتدأ يوجه الكلمة مخصصة إلى إبنه سليمان: ” وَقَالَ لِي: إِنَّ سُلَيْمَانَ ابْنَكَ هُوَ يَبْنِي بَيْتِي وَدِيَارِي، لأَنِّي اخْتَرْتُهُ لِي ابْنًا، وَأَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ إِلَى الأَبَدِ إِذَا تَشَدَّدَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ وَصَايَايَ وَأَحْكَامِي كَهذَا الْيَوْمِ. وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ إِلَى الأَبَدِ إِذَا تَشَدَّدَ لِلْعَمَل ” الآية بقى اللى عايزك تاخد بالك منها عدد 9 و 10 “وَأَنْتَ يَا سُلَيْمَانُ ابْنِي، اعْرِفْ إِلهَ أَبِيكَ وَاعْبُدْهُ بِقَلْبٍ كَامِل وَنَفْسٍ رَاغِبَةٍ، لأَنَّ الرَّبَّ يَفْحَصُ جَمِيعَ الْقُلُوبِ، وَيَفْهَمُ كُلَّ تَصَوُّرَاتِ الأَفْكَارِ. فَإِذَا طَلَبْتَهُ يُوجَدُ مِنْكَ، وَإِذَا تَرَكته يَرْفُضُكَ إِلَى الأَبَدِ. اُنْظُرِ الآنَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَكَ لِتَبْنِيَ بَيْتًا لِلْمَقْدِسِ، فَتَشَدَّدْ وَاعْمَلْ” نعمة الله الآب فلتكن مع جميعا آمين. أنت فى يوم من الأيام ربنا اختارك علشان تصير كاهن لله العلى ، واختارك علشان تخدمه بأمانة وبحق ، والنهارده هو بعتلك الرسالة ديه اللى هتكون تأملنا النهارده هاحاول أتأمل وياكم فى فقرة فقرة من هذه الوصية الجميلة اللى ممكن تناسبنا باعتبارنا آباء كهنة وباعتبارنا فى فترة الصوم اللى هى فترة التوبة. .. وأنت يا سليمان ابنى .. المقصود أنت شخصك ، وشخصك معروف بالاسم أمام المسيح يعنى ممكن تشيل كلمة سليمان وتحط اسمك ..!!.. ويدعوك الله بابنى ، فأنت مقرب له ، وده حديث خاص فى الكتاب المقدس ، نلاقى بعض الفقرات عامة يعنى مثلا طوبى للمساكين .. للمساكين عامة ، طوبى للرحماء بصورة عامة ، لكن هنا الكلام موجه لشخصك ، وفترة الصوم الكبير هى الفترة اللى يفوق فيها الإنسان لأن ممكن يكون طول السنة تايه فى حاجات كتيرة حتى فى الخدمة ، لكن الفترة دية هى الفترة اللى الإنسان ينتبه فيها إلى ذاته وانت يا سليمان ابنى .. حديث خاص ليك أنت .. أنت يا فلان باسمك .. إعرف إله أبيك .. تقولي ربنا ده أنا عارفه كويس خالص ، لكن إعرف إله أبيك .. تعنى المعرفة الشخصية ، ولك علاقة شخصيه بربنا يسوع المسيح ، فيه ود ، ويمكن الجزئية ديه فى الآيه بتفكرنا باختبار القديس بولس الرسول لما قال “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته ” (في 3 : 10) .. .. لأعرفه .. شوف الثقة ..!.. إيه حدود معرفتك بشخص المسيح ؟! ، إيه حدود علاقتك بيه ؟! ، تقولى ده أنا باعمل قداسات وعشيات ، ده وقتى كله فى كده ، أقولك برافو عليك ..!! .. ممكن تكون بتؤديها طقسية لأن أنت أبونا بتاع المكان اللى أنت فيه ، ولكن المعرفة الشخصية ، والعلاقة الشخصية ، وإنجيلك الشخصى ، وصلواتك الشخصية ، وتوبتك الشخصية ، وعلاقتك الشخصية: فى التأمل ، فى الصمت ، فى العمل العام ، احنا كلنا لنا أعمال عامة ، لكن الحاجة الشخصيه بتاعتك أنت ده شيء مهم ، إنك تلتفت إليه ، أوعى تكون بتخدم كل الناس ألا نفسك ..!!.. طب أستفيد إيه إعرف إله أبيك ، وهنا فى تلميح للحياة المستقيمة ، إعرف إله أبيك الذى تسلمته ، فكنيستنا من جيل إلى جيل عايشة فى الفكر المستقيم تسليم الآباء للأبناء زى ما الآباء الكبار اللى سبقونا عرفوا ، احنا بنعرف ونعيش ونسلم ولادنا وهكذا من جيل إلى جيل ، .. وأعبده بقلب مستقيم .. القلب المستقيم يعنى القلب غير المنقسم عايز أفكرك بحاجة .. فى يوم من الأيام الكنيسة دعتك علشان تبقى كاهن ، ويمكن فيكم عدد كبير كانت دعوتهم للكهنوت فى فترة الصوم الكبير ، والله شاف من خلال الكنيسة أن تمنح كرامة الكهنوت وصرت كاهن بهذه الكرامة وبين يوم وليلة بدل ماكنت الأستاذ فلان بقيت أبونا وحملت لقب من أغلى الألقاب الموجودة على الأرض “الابوة” ، لكن ياترى روح الأبوة حاضرة فيك واضحة الناس ؟! تشتم فيك كرامة الكهنوت وكرامة الأبوة ؟! .. أى إنسان فينا يحتاج إلى أب بس الإحساس بالأبوة ، هل شعبك ورعيتك يشعر بهذه الأبوة ؟! ولا حضرتك مدير ؟! ولا حضرتك رئيس ؟! ولا حضرتك بس بتزعق ؟! ولا حضرتك بتؤدي صلوات فقط ؟! روح الأبوة البعض يحمل اللقب ولا يحمل فاعليته ..!! هنا بيقول له إعبدوا بقلب كامل .. أصل أحيانا القلب ينقسم ينحرف شوية.. كان هدفك يوم تكريسك إنك تكرس كل حياتك لخدمة شخص المسيح وكنيسته المقدسة .. يا ترى الهدف ده مازال موجود ؟! ولا انحرف شوية يمين ولا شمال ولا الهدف ده مبقاش مستقيم كل يوم بتصلى وبتقول قلبا نقيا إخلق في يا الله وروحا مستقيما جدده فى أحشائى ، ده كل يوم أحسن أكون النهاردة انحرفت بالفكر ولا بالتصرف ولا بالكلام ولا حتى بالتلميح بكل صوره ، بأقوله يارب روحا مستقيما جدد فى أحشائى وأقولها من قلبى أرجع لصواب الطريق أعبده بقلب كامل ويا إخوتى الآباء الأحباء إذا انقسم القلب بطلت الخدمة إذا كان قلبك بقى مقسوم أو بقى فيه حاجات تانية كتير ، طب خدمتك بقى بتعمل فيها إيه ؟! .. هيقبلها المسيح ازاى ؟! قلب كامل ، قلب غير منقسم ، قلب يوم تكريسك ، قلب يوم أن أخذت هذا القرار وباركته الكنيسة ونلت نعمة الكهنوت فى السر المقدس وصرت أمام شعبك كاهنا مباركا تحمل جسد المسيح وربنا يديك العمر بقالك سنة بقالك 10 بقالك 50 بقالك 100 ربنا يديك العمر ويدى الجميع والصحة وأعبده بقلب كامل ، ونفس راغبة ، يعنى النفس المشتاقة ، الكاهن إنسان يشتاق دائما إلى الممارسات الروحية إلى صلواته ، إلى القداس ، إلى التسبحة ، مشتاق يعنى الواحد بيعمل الحاجة برغبته بنفسه ، ياترى خدمتك ، وياترى حياتك الشخصية فيها النفس الراغبة ، فى واحد خدمته كده ملهاش طعم أو سامحوني اللى بنخدمهم مبيفهمش منها حاجة.
المزيد
14 نوفمبر 2019

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سفر التكوين ج7

19- وبين اصحاح 12 : 1 – 5 " و قال الرب لابرام اذهب من ارضك و من عشيرتك و من بيت ابيك الى الارض التي اريك فاجعلك امة عظيمة و اباركك و اعظم اسمك و تكون بركة و ابارك مباركيك و لاعنك العنه و تتبارك فيك جميع قبائل الارض فذهب ابرام كما قال له الرب و ذهب معه لوط و كان ابرام ابن خمس و سبعين سنة لما خرج من حاران فاخذ ابرام ساراي امراته و لوطا ابن اخيه و كل مقتنياتهما التي اقتنيا و النفوس التي امتلكا في حاران و خرجوا ليذهبوا الى ارض كنعان فاتوا الى ارض كنعان". واع 7 : 2 -4 " فقال ايها الرجال الاخوة و الاباء اسمعوا ظهر اله المجد لابينا ابراهيم و هو في ما بين النهرين قبلما سكن في حاران و قال له اخرج من ارضك و من عشيرتك و هلم الى الارض التي اريك فخرج حينئذ من ارض الكلدانيين و سكن في حاران و من هناك نقله بعدما مات ابوه الى هذه الارض التي انتم الان ساكنون فيها". ففى الاول دعا الله ابراهيم فى حاران وفى الثانى دعاه قبل مجيئه حاران فنجيب ان الرب دعا ابراهيم مرتين: الاول ى فى اور الكلدانيين والثانيه فى حاران، والمده بين الاثنين خمس سنوات. 20- وبين اصحاح 13: 18 " فنقل ابرام خيامه و اتى و اقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون بنى هناك مذبحا للرب" ويش 14: 15 " و اسم حبرون قبلا قرية اربع الرجل الاعظم في العناقيين و استراحت الارض من الحرب " ففى الاول ذكرت مدينه حبرون فى ايام ابراهيم وفى الثانى انها غيرتالىهذا الاسم فى عصر يشوع. فنجيب انها كانت اولا تدعى حبرون ثم دعيت قريه اربع لكنى اربعه من العمالقه فيها وبعد ذلك اعيد لها اسمها القديم كنص الايه (اسم حبرون قبلا قريه اربع). 21- وبين تك 14:14 " فلما سمع ابرام ان اخاه سبي جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاث مئة و ثمانية عشر و تبعهم الى دان" .وقض 18: 19 " فقالوا له اخرس ضع يدك على فمك و اذهب معنا و كن لنا ابا و كاهنا اهو خير لك ان تكون كاهنا لبيت رجل واحد ام ان تكون كاهنا لسبط و لعشيرة في اسرائيل" .ففى الاول ذكرت لفظه دان مع انها مدينه عمرت فى عهد القضاه كما فى الثانى. فنجيب ان الاولى غير الثانيه. 22- وبين اصحاح 15: 13 " فقال لابرام اعلم يقينا ان نسلك سيكون غريبا في ارض ليست لهم و يستعبدون لهم فيذلونهم اربع مئة سنة" . وخر 12: 40 " و اما اقامة بني اسرائيل التي اقاموها في مصر فكانت اربع مئة و ثلاثين سنة". ففى الاول ورد ان بنى اسرائيل يتغربون ويذلون 400 سنه وفى الثانه 430 سنه. فنجيب ان الاول قيل وقت ولاده اسحق او فى وقت فطامه حين جدد اله العهد لابراهيم (تك 21: 8 – 21) ولا شك فى انه مرت من وقت فطام اسحقالىخروج بنى اسرائيل 400 سنه اما الثانى فنظر فيه النبىالىما قيل قبل ذلك اىالىوقت دعوه ابراهيم ليخرج من وطنه تابعا الرب. ومن وقت دعوه الله لابراهيم الىخروج بنى اسرائيل من مصر 430 سنه فلا اختلاف بين القولين. واليك البيان الذى يوضح ما نقول. فمن دعوه ابراهيم (1 ع 7 : 2)الىانتقاله من حاران (تك 12: 5) 5 سنين. ومده اقامته فى كنعان قبل مولد اسحق (تك 21 : 5) 25 سنه. ولغايه مولد يعقوب (تك 25: 26) 60 سنه ولغايه المهاجرهالىمصر (تك 47: 9) 130 سنه ومده اقامه بنى اسرائيل فى مصر 210 سنوات فمجموع هذه السنين 430 سنه. فاذا طرحنا منها مده الخمس سنين التى اقامها ابراهيم فى حاران والخمس والعشرين سنه لغايه مولد اسحق كان الباقى 400 سنه كما فى تك 15 : 13) والرسول بولس قال فى (غل 2: 17) : انه من الوعد الذى وعد به الله ابراهيم كما فى سفر التكوين (12 : 1- 8) الى اعطاء الشريعه 430، اما قول الثانى (ان اقامه بنى اسرائيل التى اقاموها فى مصر فكانت اربعمائه وثلاثين سنه) فيقصد به كل مده غربتهم اى من وقت دعوه ابراهيم لترك وطنه لغايه خروج بنى اسرائيل من مصر لان ابراهيم وذريته اقاموا فى ارض الموعد كانها غريبه (عب 11: 9) اى انهم كانوا متغربين لما كانوا فى ارض كنعان وان قيل لماذا اقتصر على ذكر مصر فنقول ان ذلك من قبيل الاكتفاء بالاشهر ففى مصر ذ1قوا الالام الشديده وفيها جرت المعجزات الباهره، ففى الاكتفاء بذكرها بيان ان ما قاسوه فيها لا يعادله ما قاسوه فى مكان آخر. وسياق الكلام يقتضى ذلك لانه كان فى مقام التغنى بفضل الله ولم يظهر فضل الله بارزا كما ظهر فى اخراجه اياهم من ارض مصر المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
13 نوفمبر 2019

مفهوم الحب والصداقة

الحب أولا لله إن أردنا أن نفهم المحبة على أساسها الحقيقى ، الكتابى ، فينبغى أن نضع أمامنا هذه الحقيقة وهى المفروض أن المحبة موجهة أولا وقبل كل شئ إلى تبارك إسمه وهذا ما يقوله لنا الرب فى سفر التثنية ( تحب الرب إلهك من كل قلبك 0 ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ) ( تث 6 : 5 ) فمادامت هذه المحبة من كل القلب ، إذن كيف تكون باقى المحبات ؟ ما الذى نعطيه وكل القلب لله ؟ الحل الوحيد هو محبتنا لكل أحد ، ولكل شئ ، تكون من داخل محبتنا لله فالقلب كله قد أعطيناه لله 0 وفى داخل المحبة لله ، نحب كل أحد 0 لذلك قال الرب ( والثانية مثلها : تحب قريبك كنفسك ) ( مت 22 : 39 ) ولماذا قال ( مثلها ) ؟ ذلك لأنها من داخل محبة الله ، جزء منها ، ولا تفترق عنها إذن كل محبة خارج محبة الله ، هى محبة خاطئة ماذا إذن لو كانت هذه المحبة أكثر من محبتنا لله ؟! هنا يقول الرب ( من أحب أبا أو أما أكثر منى فلا يستحقنى 0 ومن أحب إبنا أو إبنة أكثر منى فلا يستحقنى ) ( مت 10 : 37 ) المحبة التى هى أكثر من محبة الله ، هى التى تفضل فيها إنسانا أو شيئا على الله نفسه ونستطيع أن نقول عنها إنها محبة خاطئة تتعارض مع محبة الله ، ولكنها تكون فى القلب أقوى من المحبة لله وهنا لا يكون القلب ملكا لله 0 وتكون هذه المحبة الخاطئة غريبة عليه ، ودخلية عليه ، أخرجت من النطاق الإلهى 00 !! أنواع من المحبة:- توجد محبة طبيعية مثل المحبة بين البنوة والأبوة ، لذلك شبه الله محبته لنا بمحبة الأب للأبناء وتوجد محبة مكتسبة كمحبة الأصدقاء والأقرباء والزملاء ، أو المحبة بين خطيب وخطيبته ، أو بين زوج وزوجته والمحبة قد تسلك فى درجات ربما تبدأ بزمالة ، تتدرج إلى تعاون أو صداقة والزمالة هى علاقة بين إثنين أو أكثر فى رابطة بعمل مشترك أو مصلحة مشتركة وقد تؤدى إلى فكر مشترك وربما تؤدى الزمالة إلى صداقة وربما يوجد فى العلاقات لون من الإعجاب والإعجاب غير الحب فربما تتعجب ببطل من أبطال الرياضة ولكن ليس معنى هذا أنك تحبه كذلك قد تعجب بكاتب من الكتاب يعجبك فكره ، دون أن تكون هناك صلة بينك وبين شخصه وقد تنشأ بينكما رابطة فكرية ، ولكن ليست هى الحب وإن تدرجت إلى المحبة ، فإنها تكون محبة لفكره أو لأسلوبه ، ولكن ليس لشخصه المحبة هى إلتقاء بين قلبين ، أو اتحاد قلبين ، بمشاعر واحدة ، أو عواطف واحدة ولكن تكون محبة مقدسة ، من المفروض أن تكون هذه المشاعر داخل محبة الله ،لا تتعارض معها ، ولا تزيد عليها ومن المشاكل أن توجد محبة من جانب واحد لابد أن يكون هناك شئ من الخطأ ، أو عدم التوافق فالمفروض أن المحبة تولد محبة ومن شروط المحبة أن تكون عاقلة وحكيمة وروحية ، لأن هناك أنواعا من المحبة قد تسبب ضررا والمحبة الحقيقية ينبغى أن تكون محبة طاهرة وهنا نفرق بين المحبة والشهوة وأتذكر أننى قلت مرة فى التمييز بينهما المحبة تريد دائما أن تعطى والشهوة تريد أن تأخذ والشهوة التى تريد دائما أن تأخذ ، وتتصف دائما بالأنانية وقد تضيع الطرف الآخر الذى تدعى أنها تحبه وقد تحبسه داخلها ، وتحد حريته فى الاتصال بالآخرين وقد تتحول أحيانا إلى غيرة مدمرة!! إنها فى الواقع ليست محبة حقيقية فالمحبة الحقيقية تتصف بالعطاء والبذل وقد تصل إلى التضحية بالذات فانظر إلى نفسك ، فى علاقتك مع الجنس الآخر ، أهى علاقة حب أم شهوة ؟ الشاب الذى ( يحب ) فتاة ، فيضيع سمعتها ، أو يفقدها عفتها هل تسمى هذا حبا أم شهوة ؟! لو كان يحبها حقا ، لكان يحرص عليها يحرص على سمعتها ، كما يحرص على سمعة أخته ويحرص على بتوليتها ويحرص على مشاعرها ، فلا يشغلها به ، ويعلقها بشخصه ، وقد يتركها بعد ذلك حيرى ، لا تجد طريقها فى الحياة ، أو تجده مظلما أمامها أنسطيع أن نسمى هذا حبا قد يسميه البعض مجرد تسلية فى حياة الشباب !! ولكن ما هو ثمن هذه التسلية من الناحية الروحية ، ومن الناحية الاجتماعية هذه التسلية التى تشغل الفكر ، ومن تضيع المستقبل ! وقد تفقد الشاب والشابة نجاحهما فى الدراسة أو تفوقهما وليس فى هذا أى حب لأحد منهما وما معنى هذه التسلية التى تفقد فيها العفة والسمعة ؟ وتفقد فيها روحيات الاثنين أيضا الحب الحقيقى لابد أن يرتبط بنقاوة القلب والحب بين الشابين لا يجوز أن يلغى محبتهما لله فقد قال الرب إن أحب أحدا أكثر منه ، فلا يستحقنى ( مت 10 : 37 ) فهل يجوز لشاب أن يحب فتاة أكثر من الله ؟!ّ وهل يجوز لشابه أن تحب فتى أكثر من الله ؟! وهل يجوز أن تدخل فى هذه المحبة مشاعر تتعارض مع نقاوة القلب التى بدونها لا يعاين أحد الرب ؟!الذى يحبك حقا ، لا يمكن أن يفقدك روحياتك الذى يحبك حقا ، لا يغتصب لنفسه حبك نحو الله ، ولا يقلل من مقداره ، ولا يهز داخل قلبك محبتك نحو الله ولا يتركك فى صراع بين محبتين محبة روحية ، ومحبة جسدية ، أو محبة نحو الله ، ومحبة نحو إنسان 00 المحبة ليست متعة على حساب الغير ! بل هى إنكار للذات ، وبذل للذات ، فى محبة الغير كما فعل يوناثان من أجل صديقة داود وتعرض لغضب أبيه فى دفاعه عنه وأعظم مثل للحب هو ذبيحة الصليب لأجلنا ، التى قيل فيها ( هكذا أحب الله العالم ، حتى بذل ابنه الوحيد ) ( يو 3 : 16 )إذن ماذا عن الحب الذى يقود إلى الزواج المهم فى ذلك ما هو الضمان أنه يقود إلى الزواج ؟وما هى حدود هذا الحب ، أو ماهى حدود العلاقة التى يسمونها حبا يقود إلى زواج ؟ هل هو حب يشترط أن يكون بين خطبين ؟ أم هو حب بدون أية رابطة شرعية ؟‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌! وما مصيره ؟ وما مدى الحرص الذى يكون حافظا له من الإنحراف والمحبة الحقيقية هى محبة دائمة أى أنها تستمر ، لا تسقط أبدا ( 1كو 13 : 8 ) وإذا كان إثنان يحبان بعضهما البعض محبة قوية ، فإنهما يريدان ليس فقط أن تدوم هذه المحبة بينهما طول عمرهما على الأرض ، بل هما يريدان أن تستمر هذه المحبة بينهما فى الأبدية ، فيوجدان معا فى العالم الآخر ولا يتوفر لهما ذلك ، إلا لو كانت محبتهما طاهرة ، بحيث يذهبان معا إلى الملكوت ، فى النعيم الأبدى لكن لو ضاع أحدهما فى الطريق ، فلن يوجدا معا فى الملكوت لابد إذن أن يسند بعضهما البعض فى الطريق الروحى لنفرض أنهما عاشا معا فى خطية !! وتاب أحدهما ، ولم يتب الآخر إذن سوف يفترقان بعد الموت أحدهما إلى الفردوس ، والآخر إلى الجحيم ولن يلتقيا فى الحياة الأبدية ولا تكون محبتهما دائمة فالمحبة الدائمة هى المحبة الروحية 0 إن الحب له أنواع عديدة تتنوع فى مجالاتها الحب فى أفراد الأسرة الواحدة ، بين الآباء والأبناء ، وبين الأخوة والأخوات ، وبين الأزواج ، وكله حب يوافق عليه الكتاب ، وتوافق عليه الطبيعة 0 الصداقة:- وهناك أيضا الحب بين الأصدقاء ، كالحب بين داود ويوناثان قال فيه داود عن يوناثان بعد وفاته ( قد تضايقت عليك يا أخى يوناثان كنت حلوا لى جدا محبتك لى أعجب من محبة النساء ) ( 2صم 1 : 26 ) ذلك لأنها محبة خالصة بين روح وروح لا دخل لمشاعر الجسد فيها أما المحبة التى يتدخل فيها الجسد ، كالمحبة التى بين زوجين ، لا يبيحها الكتاب لفتى وفتاة وخارج حدود الزواج وهنا ونتطرق لموضوع الصداقة 0 ما مفهومها وما حدودها ؟ الصداقة هى مشاعر مودة ، يمكن أن تكون بين رجل ورجل ، أو بين إمرأة وإمرأة ، أو بين عائلة بكل أفرادها رجالا ونساء ، مع عائلة أخرى بكل أفرادها رجالا ونساء ويمكن أن تكون بين الجنسين فى حدود المودة الروحية ، بشرط أن لا يكون للجسد تدخل فيها والصديق ينبغى أن يكون صادقا فى صداقته ويكون أيضا أى بارا يقود صديق إلى الخير فالصديق الذى يدافع عنك فى أخطائك ، ويثبتك فيها ، ليس هو صديقا بالحقيقة لأنه فيما يفعل ليس صادقا ، ولا صديقا ومحبته لك هى لون من المحبة الضارة لذلك عليك أن تنتقى أصدقاءك من النوع الذى لا يشترك معك إلا فى عمل البر ، ولا يجاملك على حساب الحق ، ولا يشجعك على خطأ 0 المحبة الخاطئة:- أما المحبة الخاطئة ، فتوجد أنواع منها إما أنها خاطئة فى ذاتها ، أو فى الوسيلة والأسلوب ، أو فى النتيجة فمن أمثلة الخطأ فى الوسيلة : محبة رفقة لإبنها يعقوب أرادت له أن ينال البركة ولكنها لجأت إلى وسيلة خاطئة ، وهى خداع أبيه ، وبهذا عرضته لعقوبة من الله ، فلم يفارقه الخداع 0 خدعه لابان بتزويجه ليئة بدلا من راحيل وخدعه أبناؤه بادعائهم أن ابنه يوسف افترسه وحش ردئ وعاش يعقوب فى حياة كلها تعب كذلك أخطأت رفقة فى أن محبتها لم تكن شاملة فلم تحب عيسو كما كانت تحب يعقوب وبالمثل يعقوب لما كبر ، لم تكن محبته لابنائه شاملة أيضا فاحب يوسف أكثر من الباقين مما سبب لهم غيرة قادتهم إلى إيذائه إن الرب أرادنا أن نحب الكل ، حتى الأعداء والمسيئين إلينا 0 وقال الكتاب ( إن جاع عدوك فاطعمه ، وإن عطش فاسقه ) ( رو 12 : 20 ) الذى يحب البعض ، على حساب البعض الآخر يكون فى قلبه عدم محبة لهذا الآخرومن أمثلة ذلك أن ايزابل كانت تحب وزوجها الملك آخاب وفى هذا الحب ساعدته أن يغتصب حقل نابوت اليزرعيلى 0 ودبرت فى ذلك تهمة باطلة لتابوت بشهود زور ، انتهت بها قتله وهكذا كانت محبتها لزوجها محبة خاطئة قادته إلى الظلم والقتل وإلى انتقام الرب منه ( 1مل 21 ) هناك محبة خاطئة من حيث نتائجها : مثل النسوة اللائى اعجبن بانتصار داود على جليات ، فهتفن له قائلات ( ضرب شاول ألوفه ، وداود ربواته ) ( 1صم 18 : 7 ) وبهذا غرسن الغيرة فى قلب شاول فاضطهد داود إضطهادا مرا ، وسعى إلى قتله وإيذائه 0 وبالمثل أولئك الرجال الذين هتفوا لهيرودس الملك قائلين عنه لما خاطبهم ( هذا صوت إله صوت إنسان ) ( أع 12 : 22 ) ففى الحال ضربه الرب فمات ، لأنه لم يعط مجدا لله 0 هناك محبة أخرى خاطئة ، بتشجيع الخاطئين 0 ومن أمثلة الذين تبعوا الهراطقة على مدى الأجيال ، وشجوعهم وكونوا لهم شعبية تؤيدهم فى أخطائهم اللاهوتية ، مما جعلهم يستمرون فى بدعهم وهرطقاتهم ، فحرمتهم الكنيسة ، وفقدوا أبديتهم أيضا 0 بينما لو لم يكن هؤلاء التابعون قد شجوعهم ، لكان ممكنا أن يرجعوا عن الهراطقة بسبب عدم التأييد بل أن كثيرا من هؤلاء التابعين استمروا ينادون بآراء أساتذتهم الهراطقة حتى بعد موتهم ليست محبة أن يشجع إنسان أحد الخطاه على خطيئته وليست محبة أن يدافع عنه ، أو حتى يساعده ماليا أو ماديا إنما المحبة الحقيقية هى أن يقوده إلى التوبة ، بأن يشرح له الخطأ ، ويبكته عليه ، ويدعوه إلى تركه حقا إن هذه ليست محبة ، بل هى ضرر والكتاب يقول ( مبرئ المذنب ومذنب البرئ ، كلاهما مكرهة للرب ) ( أم 17 : 15 ) فهذا الذى يبرئ المذنب ، إنما بسبب محبته له ، يفقد محبة الله ، ويصير مكرهة له 0 وحتى محبته الخاطئة للمذنب تتسبب فى هلاكه الأبدى ويعتبر مشجعه مشتركا معه فى الخطية ، وفى مسئولية الخطأ ونتائجه وعقوبته فحينما يهلك هذا المخطئ ، يكون من شجعه أحد الأسباب التى أوصلته إلى الهلاك 0 وفى نفس الوقت يكون ضد الحق الذى هو الله الأم التى تغطى على أخطاء ابنها ، حتى لا يعرفها أبوه ، فينجو من عقابه هذه لا تحب ابنها على وجه الحق ، بل تضره وتفسده وتضيع مستقبله وعلاقته بالله وكذلك الأم التى تدلل ابنها تدليلا يتلفه لهذا كله يقول أحد الأمثال ( الذى يبكيك يبكى عليك ، والذى يضحكك ، يضحك عليك ) إن أحببت إنسانا ، لا تدافع عنه فى خطئه ، إنما انقذه من خطئه وذلك بقيادته إلى التوبة وهكذا تخلص نفسه ، وأيضا تنقذ نفسك من الاشتراك معه فى الدينونة ، إن استمر فى الخطأ بسبب تشجعيك المحبة الحقيقية هى أن تنجيه من أغلاطه ، لا أن تبرر أخطاءه أمام الناس لذلك كان التوبيخ لونا من المحبة وكان التأديب ممن له سلطان التأديب ، دليلا على الحب 0 وفى ذلك قيل عن الله تبارك إسمه ( الذى يحبه الرب يؤدبه ) بعض الناس – للأسف – يظن أن العقوبة ضد المحبة ‍‍‍‌‍‍!! كلا ، فهذا خطأ 0 لأن العقوبة تكون رادعة عن الاستمرار فى الخطأ 0 وإن لم يستفد بها المخطئ ، يستفيد بها الآخرون 0 كما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس ( الذين يخطئون ، وبخهم أمام الجميع ، لكى يكون عند الباقين خوف )( 1تى 5 : 20 )أحيانا يظن البعض أن المحبة تدعوهم إلى مساعدة الآخرين ، ولو فى الخطأ ومن أمثلة ذلك تلميذ يساعد زميله على الغش فى الامتحان محبة له !! أو أب كاهن يساعد طالب زواج فى زيجة غير شرعية زعما بأنه يساعده على الزواج بمن يحب أو طبيب يساعد فتاة أخطأت بأن يجهضها لتنجو من الفضيحة ومن أمثلة المحبة الخاطئة ، زوج يحبس زوجته فى البيت لتكون له وحده الحبي ليس هو الأسلوب السليم ، بل تعميق بينه وبين زوجته هو الذى يجعلها تتمسك به وحده كذلك محبتها لله ، تجعلها لا تخون زوجها أبدا كما أن حبس الزوجة فى البيت هو نوع من الأنانية يحرمها فيه من التمتع بالحياة بلا خطأ 0 هناك محبة أخرى تخطئ فى الأسلوب والوسيلة 0 مثل محبة بطرس للمسيح التى جعلته يستل سيفه ويضرب عبد رئيس الكهنة فيقطع أذنه ، فوبخه السيد على ذلك ( يو 18 : 10 ، 11 ) ومن أمثلة هذه المحبة الخاطئة الأم التى من حرصها على صحة ابنها تمنعه عن الصوم بكافة الطرق بل تذهب إلى أب اعترافه وترجوه أن يمنعه هو أيضا عكس ذلك الأم القديسة التى فى أيام الاستشهاد ، ذبحوا أبناءها على حجرها ، وهى تشجعهم على الاستشهاد إننا حينما نتكلم عن المحبة ، إنما نتكلم عن المحبة الحقيقة ، التى تهدف إلى خلاص نفس الإنسان ، وإلى نجاحه بطريقة روحية 0 المحبة العملية:- والمحبة الحقيقية هى محبة عملية وفى ذلك قال القديس يوحنا الرسول ( لا نحب بالكلام ولا باللسان ، بل بالعمل والحق ) ( 1يو 3 : 18 ) محبة الأسرة لطفلها هى محبة عملية ، فيها الاهتمام بغذائه وصحته ونظافته وتعليمه وكذلك الاهتمام بروحياته ، وتلقينه الدين ، وتدريبه على الفضيلة وفى حديث سفر النشيد عن الحب ، يقول ( اجعلنى كخاتم على قلبك ، كخاتم على ساعدك ) ( نش 8 : 6 ) عبارة ( خاتم على قلبك ، تعنى عواطفك ومشاعرك القلبية أما عبارة (خاتم فى ساعدك ) فتعنى مد ساعدك للعمل إن بطرس الرسول حينما قال ( لو أنكرك الجميع لا أنكرك ) كان خاتما على القلب وحينما أنكر ، لم يكن خاتما على الساعد خاتما على القلب تعنى الإيمان ، وخاتما على الساعد تعنى الأعمال والمحبة نحو الله تتطلب الإثنين معا والمحبة نحو الناس تتطلب المشاعر والعمل أيضا هذه هى المحبة العملية ومن جهة الرعاية يقول الكتاب ( الراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف ) ( يو 10 : 11 ) وبذل النفس هو المحبة العملية والله – كراع صالح – يقول عنه الكتاب إنه ( بين محبته لنا لأننا ونحن بعد خطأة ، مات المسيح لأجلنا ) رو 5 : 8 ) إنها محبة عملية ، فيها التجسد والصلب والفداء المحبة عاطفة ، تترجم ذاتها إلى عمل يقول الرب ( يا ابنى اعطنى قلبك ) ( أم 23 : 26 ) فهل هذا يعنى مجرد العاطفة ؟ كلا ، لأنه يقول بعدها مباشرة ( ولتلاحظ عيناى طرقى ) هنا الحب والعمل معا 0 وهكذا نرى الرب يقول فى ذلك ( إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ) ( يو 14 : 23 ) إن حفظتم وصاياى ، تثبتون فى محبتى )( يو 15 : 10 ) فالمحبة لله ، ليست محبة نظرية ، ولا هى مجرد عواطف محبتك لله تتجلى فى طاعته وحفظ وصاياه كما تظهر فى نشر ملكوته على الأرض فى خدمته ، وخدمة كنيسته ، وخدمة أولاده أما أن تقول إنك تحب الله ، وأنت جالس فى خمول لا تعمل شيئا ، فهذا كلام نظرى لا يقبل منك وهنا أذكر بإعجاب ، أولئك الذين بشروا بكلمة الله فى بلاد تأكل لحوم البشر هذه هى المحبة العملية الباذلة محبة الشخص الذى يعطى الناس كلمة الله لكى يتغذوا ، حتى لو أن بعضهم تغذى به هو ‍‍‍! العلاقة مع الله:- حينما نتكلم عن المحبة ، لا نتكلم فقط عن المعاملات المتبادلة مع الناس ، بل بالأكثر العلاقة مع اله وحينما تكلم السيد المسيح مع الآب عن علاقته بتلاميذه ، فى الإصحاح المشهور ( يو 17 ) ، قال ( الكلام الذى أعطيتني قد أعطيتهم )( عرفتهم اسمك ، وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم ) ( يو 17 : 8 ، 26 ) علاقة معرفة وحب وكمثال للبذل فيها يقول بولس الرسول عن خدمته لله بأسفار مرارا كثيرة ، بأخطار فى البر ، بأخطار فى البحر ، بأخطار من جنسى ، بأخطار من الأمم ، بأخطار من أخوة كذبة فى برد وعرى ، فى جوع وعطش فى تعب وكمد ) ( 2كو 11 : 26 ، 27 ) وتسأله أهذه هى الخدمة ؟ وكأنه يجيب بل هذا هو الحب وأنت هل حبك لله كلام أم عمل ؟ هل فيه بذل وعطاء ، ونشر لكلمة الله ؟ هل فيه ضبط للسانك ، وضبط للسانك ، وضبط لفكرك ، وضبط لشهواتك ؟ هل الحب يظهر فى صلواتك ، وفى خدمتك ، وفى احتمالك ؟ هل فى صلاتك تقول مع المرتل فى المزمور ( باسمك ارفع يدى ، فتشبع نفسى كما من لحم ودسم ) ( مز 63 : 4 ) هل خدمتك حب ؟ كما كانت خدمة السيد المسيح الذى قيل عنه إنه أحب خاصته الذين فى العالم ، أحبهم حتى المنتهى ) ( يو 13 : 1 ) المحبة الحقيقية هى أيضا محبة بلا رياء ( رو 12 : 9 ) سواء كانت تجاه الله أو تجاه الناس لا تكون قلوبنا غير ألسنتنا ولا تكون ألسنتنا غير مشاعرنا 0 قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
12 نوفمبر 2019

المسيح في سفر التكوين - بركة يعقوب لأبنائه

كانت بركة أبينا يعقوب لأبنائه الأسباط الاثنى عشر مليئة بالمعاني المسيانية.. التي تشير إلى السيد المسيح بمنتهى الوضوح.. تعالوا معًا نشبع بكلمة الله، ونتأمل في هذه المعاني"ودعا يعقوب بنيه وقال: اجتمعوا لأُنبئكُم بما يُصيبكُم في آخر الأيام. اجتمعوا واسمعوا يا بني يعقوب، واصغوا إلى إسرائيل أبيكم" (تك49: 1-2)إن آخر الأيام التي يتكلم عنها الأب يعقوب هي أيام مجيء المسيا. (1) رأوبين "رأوبين، أنت بكري، قوتي وأول قدرتي، فضْل الرِّفعة وفضل العزِّ" (تك49: 3)إنه يرمز للبّر الذاتي والكفاية البشرية.. إنه "بكري وقوتي وأول قدرتي".. لذلك ليس له نصيب مقدس مع الرب بسبب هذا البر الزائف، وهذا رمز للفريسيين الذين وبخهم السيد المسيح بقوة لذلك قيل: "لأنه هو البكر، ولأجل تدنيسه فراش أبيه، أُعطيت بكوريته لبني يوسف بن إسرائيل، فلم يُنسب بكرًا" (1أخ5: 1). إن كل مَنْ يعتمد على مهاراته وقدراته البشرية يُحرم من نعمة الله. (2) ،(3) شمعون ولاوي يشيران إلى الكتبة والكهنة إنهما "أخوان، آلات ظُلم سيوفهما" (تك49: 5) لأن الكتبة والكهنة قد ظلموا المسيح، وجمعوا عليه مجمعًا ظالمًا لذلك قيل: "في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد كرامتي" (تك49: 5)"لأنهما في غضبهما قتلا إنسانًا (ربنا يسوع المسيح)، وفي رضاهما عَرقبا ثورًا (الذبيحة المقدسة)" (تك49: 6) لقد أسلموا المسيح حسدًا، وبغضب شديد أرادوا أن يصلبوه، وإذ هم قد فرحوا وسروا بأنهم تخلّصوا من المسيح كان هذا الرضا بمثابة تقديم الذبيحة المقدسة التي هي ربنا يسوع المسيح على الصليب المقدس فتحقق فيهم هذا القول النبوي "في غضبهما قتلا إنسانًا وفي رضاهما عَرقبا ثورًا". (4) يهوذا هو السبط الذي تجسد منه السيد المسيح، لذلك قيل في النبوات: "لأن يهوذا اعتز على إخوته ومنه الرئيس" (1أخ5: 2)والنبوة الخاصة بيهوذا تشير بكل وضوح إلى ربنا يسوع المسيح فتقول"يهوذا، إياك يحمد إخوتك" (تك49: 8) لأن منه يأتي "المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد. آمين" (رو9: 5)"يدك على قَفَا أعدائك" (تك49: 8)لأن السيد المسيح انتصر على الشيطان "يسجد لك بنو أبيك" (تك49: 8)لأنه هو الله الظاهر في الجسد فيحق له السجود والعبادة "يهوذا جَرو أسد" (تك49: 9)وقيل عن السيد المسيح"الأسد الذي من سبط يهوذا" (رؤ5: 5)"من فريسة صعدت يا ابني" (تك49: 9) هو أسد بسبب قيامته بقوة، وهو فريسة لأنه صُلب عن ضعف، ولكن بالصليب غلب الشيطان، وحطم مملكته، ثم صعد من هذه الفريسة بالقيامة من الأموات "جثا وربض كأسد وكلبوة" (تك49: 9) لأنه مات ودفن في القبر "مَنْ يُنهضه؟" (تك49: 9)مَنْ يستطيع أن يقيمه من الموت إنه سيقوم بقوته الذاتية الإلهية "لا يزول قضيب من يهوذا" (تك49: 10) قضيب الملك لأن السيد المسيح هو "ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ19: 16) "ومُشترع من بين رجليه" (تك49: 10) أي واضع شريعة من نسله والسيد المسيح نسل يهوذا، وهو واضع شريعة الكمال للعهد الجديد "حتى يأتي شيلون" (تك49: 10)شيلون هو اسم نبوي للمسيا ومعناه "الأمان" "وله يكون خضوع شعوب" (تك49: 10)لأن كل الأمم وليسو اليهود فقط قد خضعوا للمسيح، وصار له في كل مكان كنيسة وشعب مجتمع يحبه ويخدمه ويعبده بالحق "رابطًا بالكرمة جحشه، وبالجفنة ابن أتانه" (تك49: 11)الكرمة والجفنة هي سر الإفخارستيا، والجحش ابن الأتان هو الكنيسة التي ركبها المسيح، ودخل بها إلى أورشليم السمائية، وقد ربط هذه الكنيسة المجيدة بسر دمه الطاهر في التناول من الإفخارستيا، فصارت علامة الكنيسة المسيحية الحقيقية هي الارتباط بالقداس والإفخارستيا "مُسوَد العينين من الخمر" (تك49: 12)إشارة إلى وضوح رؤية العين بسبب التناول من جسد الرب ودمه "عرفاه عند كسر الخبز" (لو24: 35) "مُبيض الأسنان من اللبن" (تك49: 12) إشارة إلى قوة الأسنان بسبب الشبع من اللبن الروحي الذي هو كلام الله "سقيتُكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون" (1كو3: 2)والأسنان هنا ترمز إلى الكلام الخارج من فم الإنسان، يكون هذا الكلام قويًا مؤثرًا لأنه شبعان بكلمة الله "الغذاء العقلي". (5) زبولون "زبولون، عند ساحل البحر يسكن، وهو عند ساحل السفن، وجانبه عند صيدون" (تك49: 13) يرمز إلى الكرازة بإنجيل المسيح بين الأمم (ساحل البحر)، ومن خلال الأسفار في البحر عدة مرات (ساحل السفن). (6) يساكر "يساكر، حمار جسيم رابض بين الحظائر. فرأى المحل أنه حسن، والأرض أنها نزهة، فأحنى كتفه للحمل وصار للجزية عبدًا" (تك49: 14-15)إشارة إلى أتعاب الخدمة واحتمال أثقال الآخرين، والأرض النزهة هي الأرض المخصبة التي أنتجب قمحًا وعنبًا لجسد الرب ودمه الأقدسين، وهذان هما أكبر مُشجِّع لأن نحنى أكتافنا لحمل الآخرين. (7) دان "دان، يَدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل. يكون دان حيَّة على الطريق، أفعوانًا على السبيل، يلسع عَقبي الفرس فيسقط راكبه إلى الوراء" (تك49: 16-17)إنه السبط الذي سيأتي منه (ضد المسيح) في آخر الأيام، فهو "حيَّة على الطريق" إشارة إلى فعل الشيطان. ولذلك يختم النبوة عنه بكلمة "لخلاصِك انتظرت الرب" (تك49: 18). (8) جاد "جاد، يزحمه جيش، ولكنه يزحم مؤخره" (تك49: 19) يشير إلى الجهاد الروحي. (9) أشير "أشير، خبزه سمين وهو يعطي لذات ملوك" (تك49: 20)يشير إلى ثمار الجهاد الروحي، وفيض النعمة. (10) نفتالي "نفتالي، أيِّلة مُسيَّبة يُعطي أقوالاً حسنة" (تك49 :21)يشير إلى النفوس حديثة العهد بالعبادة الروحية الحقيقية، وهي نفوس رقيقة مرهفة "آيلة مُسيَّبة". (11) يوسف "يوسف، غصن شجرة مثمرة، غصن شجرة مثمرة على عين" (تك49: 22)يوسف كلمة معناها "يزيد"، وهو يشير إلى الثمر المتزايد، كمثل السيد المسيح الذي أثمر بتعبه وصليبه وأنتج شعبًا عظيمًا والعين هي ينبوع الروح القدس الذي يعطي النعمة في الكنيسة "أغصان قد ارتفعت فوق حائط" (تك49: 22): الحائط كان من المفترض أنه يعوق نمو الشجرة، ولكنه صار لها سورًا. فكل ما قابل يوسف من ضيقات كان من شأنه أن يعوق نموه الروحي، ولكنه صار دعامة لهذا النمو وكذلك بالنسبة للسيد المسيح كانت كل الضيقات والآلامات التي قابلته سببًا في خلاص الإنسان "فمررته ورمته واضطهدته أرباب السهام" (تك49: 23) إنهم الشياطين وأعوانهم من الكتبة والفريسيين ورؤساء الشعب الذين مرروا السيد المسيح، ورموه بأفظع الاتهامات، واضطهدوه حتى الصليب "ولكن ثبتت بمتانة قوسه، وتشددت سواعد يديه" (تك49: 24) لأنه قام من الأموات منتصرًا على شوكة الموت والجحيم والخطية والشيطان. (12) بنيامين "بنيامين، ذئب يفترس. في الصباح يأكل غنيمة، وعند المساء يُقسِّم نهبًا" (تك49: 27)إنها نبوة عن بولس الرسول الذي كان في بداية حياته يأكل غنيمة.. حيث كان يضطهد المسيحيين، وفي نهاية حياته كان يُقسِّم نهبًا. أي أنه نهب مملكة الشيطان لحساب مملكة المسيح. لقد كان ذئبًا يفترس، وصار حملاً وديعًا للمسيح إنها نبوة رائعة.. ليست عن أبناء يعقوب بالجسد بل عنا نحن المسيحيين، وإلهنا المحبوب ربنا يسوع المسيح الذي آمنا به لنخلُص ونصير شعبه بالحقيقة. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
11 نوفمبر 2019

مَلاَبِس رَئِيس الكَهَنَة ج6

خَامِساً الْعَمَامَة وَصَفِيحَة الذَّهَبْ ﴿ وَتَصْنَعُ صَفِيحَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ . وَتُنْقِّشُ عَلَيْهَا نَقْشَ خَاتِمٍ قُدْسُ لِلرَّبِّ وَتَضَعُهَا عَلَى خَيْطٍ أَسْمَانْجُونِيٍّ لِتَكُونَ عَلَى الْعَمَامَةِ . إِلَى قُدَّام الْعَمَامَةِ تَكُونُ فَتَكُونُ عَلَى جَبْهَةِ هَارُون . فَيَحْمِلُ هَارُون إِثْمَ الأَقْدَاسِ الَّتِي يُقَدِّسُهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ جَمِيعِ عَطَايَا أَقْدَاسِهِمْ . وَتَكُونُ عَلَى جَبْهَتِهِ دَائِماً لِلرِّضَا عَنْهُمْ أَمَامَ الرَّبِّ ﴾ ( خر 28 : 36 – 38 ) . الْعَمَامَة :- وَصْف العَمَامَة : كَانَ غِطَاء رَأس رَئِيسُ الْكَهَنَة يُسَمَّى الْعَمَامَة وَكَانَتْ تُصْنَعْ مِنْ بُوص ( خر 28 : 39 ) وَدَائِماً يَرْمُز البُوص وَالكِتَّان النَّقِي إِلَى البِّر وَالنَّقَاوَة فَالبِّر يُتَوِج رَأس رَئِيسُ الْكَهَنَة وَغَايِة الْعَمَامَة أنْ تُوضَعْ الصَّفِيحَة الذَّهَبِيَّة عَلَيْهَا حَيْثُ تُرْبَطْ عَلَيْهَا مِنْ الأمَام بِخِيطْ وَالكَلِمَة العِبْرِيَّة لِلْعَمَامَة " ميتزنفت Mitznepheth " تَعْنِي شَيْئاً مَبْرُوماً أوْ مَلْفُوفاً وَيَبْدُو أنَّ الْعَمَامَة كَانَتْ مِنْ عِدِّة أدْوَار وَيُعَرِّفْنَا التَّلْمُودٌ أنَّهُ كَانَ يَلْزَم لَهَا ثَمَانِيَة يَارْدَات مِنْ القُمَاش وَيَغْلِبْ أنَّهَا كَانَتْ تَتَكَوَنْ مِنْ جُزْء دَاخِلِي رُبَّمَا كَالطَاقِيَة مِنْ الكِتَّان الأبْيَض المُطَرَّز بِالأزْرَق يَلِفْ حَوْلَهُ عِصَابَة كَبِيرَة مِنْ الكِتَّان تَخْفِي الخُيُوط الزَّرْقَاء تَحْتَهَا وَهذِهِ كُلَّهَا إِشَارَات إِلَى نَقَاوِة الأفْكَار وَالإِنْطِلاَق السَّمَاوِي مِنْ جَمِيعْ النَوَاحِي وَمِمَّا هُوَ جَدِير بِالذِّكْر أنَّنَا نَجِدٌ أنَّ العَمَامَة إِسْتُبْدِلَتْ بِالنِّسْبَة لِكَاهِن العَهْد الجَدِيد فَهُوَ يَرْتَدِي الطَيْلَسَانَة الَّتِي تُوضَع عَلَى الرَّأس وَهيَ تُشْبِه قُبَّة دَائِرِيَّة الَّتِي تُشِير إِلَى النَّقَاوَة وَالإِسْتِعْدَادٌ لِلُوقُوف أمَام الله وَأنَّ فِكْر الْكَاهِن مَحْصُور فِي الأُمور السَّمَاوِيَّة المُرْتَفَعَة . العَرِيس يَتَزَيَّنْ بِعَمَامَة :- كَانَتْ الْعَمَامَة تُمَيِّزْ رَئِيسُ الْكَهَنَة مِنْ بَاقِي الْكَهَنَة الَّذِينَ يَلْبِسُون القَلاَنِس وَيَتَبَيَّنْ مِنْ سِفْر أشْعِيَاء النَّبِي أنَّ الْعَمَامَة بِالإِضَافَة إِلَى أنَّهَا جُزْء مِنْ مَلاَبِس رَئِيسُ الْكَهَنَة فَهِيَ أيْضاً يَتَزَيَّنْ بِهَا العَرِيس فِي يَوْم عُرْسِهِ إِذْ يَقُول ﴿ فَرَحاً أَفْرَحُ بِالرَّبِّ . تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي لأِنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا ﴾ ( أش 61 : 10 ) وَمَا أشَدٌ تَطَابُقٌ هذَا الوَصْف عَلَى رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح الَّذِي هُوَ رَئِيسُ كَهَنَتْنَا الأعْظَمْ وَعَرِيس نِفُوسْنَا الَّذِي ألْبَسْنَا ثِيَاب الخَلاَص وَكَسَانَا رِدَاء البِرِّ وَأنْبَتْ لَنَا بِرِّاً وَتَسْبِيحاً لِكُلَّ العَالَمْ بِتَجَسُّدِهِ وَمَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ . عَمَامَة طَاهِرَة :- وَيَذْكُر لَنَا سِفْر زَكَرِيَّا النَّبِي فِي إِحْدَى رُؤْيَاه أنَّهُ رَأى يَهُوشَع الكَاهِن العَظِيمْ لاَبِساً ثِيَاباً قَذِرَة وَوَاقِفاً قُدَّام مَلاَك الرَّبَّ إِشَارَة إِلَى حَالِة الفَسَادٌ الأدَبِي الَّتِي كَانَ الشَّعْب عَلَيْهَا ثُمَّ تَتَدَخَل نِعْمَة الله لِتُنْقِذْ وَتَنْزَع الثِيَاب القَذِرَة ﴿ قَدْ أَذْهَبْتُ عَنْكَ إِثْمَكَ وَأُلْبِسُكَ ثِيَاباً مُزَخْرَفَةً ﴾( زك 3 : 4 ) وَتَأكِيداً لِلوَعْد بِرَدٌ الشَّعْب إِلَى مَرْكَزِهِ الكَهَنُوتِي الطَّاهِر يَقُول الرَّبَّ﴿ لِيَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ عَمَامَةً طَاهِرَةً ﴾ ( زك 3 : 5 ) وَهكَذَا يُرَى الشَّعْب فِي شَخْص رَئِيسُ الْكَهَنَة قَائِماً أمَام الرَّبَّ مُسَرْبَلاً بَلْ وَمُتَوَجاً بِالبِرِّ . صَفِيحَة الذَّهَبْ :- قُدْسٌ لِلرَّبَّ :- مَنْقُوش عَلَيْهَا عَمِيقاً كَنَقْش الخَاتِم " قُدْسٌ لِلرَّبِّ " فَتَكُون عَلَى جَبْهَة هَارُون وَيُذْكَر فِي أحَدٌ التَّقَالِيد اليَهُودِيَّة أنَّ هذِهِ الصَّفِيحَة تَمْتَدٌ مِنْ الأُذُن لِلأُذُن الأُخْرَى وَعَرْضَهَا إِصْبَعَان الله يُرِيدْ قَدَاسَتْنَا فَهُوَ الَّذِي أمَرَنَا ﴿ كُونُوا قِدِّيسِينَ لأِنِّي أَنَا قُدُّوسٌ ﴾ ( 1بط 1 : 16) إِذْ كَانَ الله يُرِيدْ أنْ يَنْظُرإِلَى هذِهِ العِبَارَة قَبْل أي شَيْء " قُدْسٌ لِلرَّبَّ " . يَلْبِسْهَا دَائِماً :- وَكَانَ عَلَى رَئِيس الْكَهَنَة أنْ يَلْبِسْهَا دَائِماً كَمَا كَانَ الخَرُوف يُقَدَّم عَلَى المَذْبَح مُحْرِقَة دَائِمَة وَخُبْزُ الوُجُوه يُوْجَدٌ عَلَى المَائِدَة فِي حَضْرِة الله دَائِماً وَالمَنَارَة بِسُرُجِهَا السَّبْعَة تُرْسِلٌ ضَوْءَهَا فِي القُدْس دَائِماً وَالبَخُور العَطِر يَصْعَدٌ بِرَائِحَتِهِ الذَّكِيَّة مِنْ عَلَى مَذْبَح الذَّهَبْ دَائِماً هكَذَا كَانَ رَئِيسُ الْكَهَنَة يُقَدِّم نَفْسُه قُدْساً لِلرَّبَّ دَائِماً كَمُمَثِّل عَنْ الشَّعْب كُلَّ حِين وَمَا أجْمَل أنْ يَتَذَكَّر المُؤمِنُون أنَّهُمْ جَمِيعاً قُدْسٌ لِلرِّبَّ أي مُكَرَّسِينْ وَمَفْرُوزِين لِمَجْدِهِ وَخِدْمَتِهِ وَالَّذِي يَقْدِرُ وَحْدَهُ أنْ يَكُون بِالحَقَّ قُدْسٌ الرَّبَّ وَدَائِماً هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي لَهُ الحَقَّ فِي لِبْس هذِهِ الْعَمَامَة هُوَ رَئِيسُ كَهَنَتْنَا الأعْظَمْ يَسُوع الْمَسِيح . عِنْوَان المَجْدٌ وَالبَهَاء : وَكَلِمَة " صَفِيحَة " بِالعِبْرِيَّة تَعْنِي " تزيتز Tsits " وَهيَ مُرَادِفَة لِكَلِمَة عِبْرِيَّة أُخْرَى" أتَارَاه Atarah " وَمَعْنَاهَا " إِكْلِيل أوْ تَاج " وَهُوَ مَا يُوضَعْ عَلَى الرَّأس كَشِعَار لِلمُلُوكِيَّة أوْ الكَرَامَة فَكَانَتْ هذِهِ الصَّفِيحَة الذَّهَبِيَّة هِيَ عُنْوَان المَجْد وَالبَهَاء الَّذِي قَصَدَهُ الله مِنْ كُلَّ الثِّيَاب الَّتِي يَلْبِسْهَا رَئِيسُ الْكَهَنَة أمَّا مَصْدَر هذَا المَجْد وَالبَهَاء فَهُوَ أنَّ حَامِل هذَا التَّاج هُوَ بِكُلِيَتِهِ قُدْسٌ لِلرَّبَّ وَمُخَصَّص تَمَاماً لإِعْلاَن مَجْد الله القُدُّوس القَادِر عَلَى مَغْفِرِة الخَطَايَا وَحْدَهُ وَهكَذَا فَإِنَّ تَاج المَلِك وَصَفِيحَة القَدَاسَة تُذَكِّرْنَا بِالإِعْلاَن الَّذِي وُضِعَ فَوْقَ صَلِيب الْمَسِيح هذَا هُوَ مَلِكُ اليَهُود ( لو 23 : 38 ) وَإِكْلِيل الشَوْك الَّذِي عَبَّر عَنْ آلاَم جَمِيع البَشَر هكَذَا يَحْمِل رَئِيسُ الْكَهَنَة آثَام شَعْبِهِ وَيُقَدِّم ذّبَائِح لِلرِّضَا وَالسُّرُور . الصَّفِيحَة الذَّهَبِيَّة وَالْمَسِيح :- فَمَا هذِهِ الصَّفِيحَة الذَّهَبِيَّة إِلاَّ الإِعْلاَن عَنْ السَيِّدْ الْمَسِيح الَّذِي هُوَ البِكْر الَّذِي تَقَبَّلَهُ الآب نِيَابَةً عَنَّا لَقَدْ قَدَّس السَيِّدْ حَيَاتُه لِلآب بِإِسْمِنَا لِكَيْ نَصِير نَحْنُ أيْضاً مُقَدَّسِينْ فِيهِ إِذْ يَقُول ﴿ لأِجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي لِيَكُونُوا هُمْ أيْضاً مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ ﴾ ( يو 17 : 19) نَحْنُ مُمَثَّلُون فِيهِ وَمَقْبُولُون فِيهِ وَقَدَاسَتَهُ لَنَا وَكُلَّمَا إِزْدَادَ إِدْرَاكْنَا لِضَعْفِنَا وَآثَامْنَا إِزْدَدْنَا إِدْرَاكاً لِهذَا الحَقَّ أي أنَّهُ لاَ يَسْكُنْ فِينَا أي فِي جَسَدْنَا شَيْء صَالِحٌ وَإِزْدَادَ شُكْرِنَا وَسُجُودْنَا لِمَسِيحْنَا القُدُّوس الَّذِي أخَذَ الَّذِي لَنَا وَأعْطَانَا الَّذِي لَهُ فَلَمْ نَعُدْ نَنْظُر إِلَى ضَعْفِنَا وَلاَ نَنْشَغِل بِآثَامْنَا بَلْ نَاظِرِينْ بِثَبَات إِلَى رَئِيسُ إِيمَانَنَا وَمُكَمِّلَهُ الَّذِي يُمَثَّل نِيَابَةً عَنَّا أمَام عَرْش الله وَنَتَأمَّل صَفِيحَة الذَّهَبْ المَنْقُوش عَلَيْهَا مِقْيَاس قَبُولُه الأبَدِي . جَمَال الصَّفِيحَة الذَّهَبْ :- لَيْتَنَا نُدْرِك عُذُوبِة وَجَمَال هذِهِ المَعَانِي الإِلَهِيَّة كَانَتْ صَفِيحَة الذَّهَبْ تَجْذِب إِلَيْهَا العُيُون أكْثَر مِنْ أي جُزْء آخَر فِي مَلاَبِس رَئِيسُ الْكَهَنَة وَكَانَ الإِلْتِفَات إِلَى المَكْتُوب عَلَيْهَا هُوَ الحَقَّ الأعْظَمْ الدِّينِي" قُدْسٌ لِلرَّبَّ " الَّذِي لاَ قِيمَة لِلإِحْتِفَالاَت أوْ الأعْيَاد أوْ المُمَارَسَات الطَّقْسِيَّة بِغَيْرِهِ إِذْ يَجِبْ أنْ يَكُون الجَمِيعْ " قُدْس لِلرَّبَّ " فِي حَالِة تَكْرِيس لِلقَلْب وَالنَّفْس لله القُدُّوس . كَاهِن العَهْد الجَدِيد :- وَفِي نِعْمِة العَهْد الجَدِيد يَدْخُل الكَاهِن إِلَى الهَيْكَل حَيْثُ العَرْش الإِلَهِي لَيْسَ عَنْ بِر فِيهِ وَلاَ مِنْ أجْل جِهَادُه الذَّاتِي وَإِنَّمَا مُخْتَفِياً فِي ذَاكَ الَّذِي هُوَ مَوْضِعْ سُرُور الآب لِذلِك نَجِدٌ الْكَاهِن يَتَضَرَّع أمَام الله قَبْل بِدْء صَلاَة القُدَّاس الإِلهِي وَيُعْلِنْ عَدَم إِسْتِحْقَاقُه إِذْ يَقُول ﴿ أنْتَ يَا سَيِّدِي تَعْلَمْ إِنِّي غِير مُسْتَحِقٌ وَلاَ مُسْتَعِدٌ وَلاَ مُسْتَوْجِب لِهذِهِ الخِدْمَة المُقَدَّسَة الَّتِي لَكَ إِمْنَحْنِي أنْ أجِدٌ نِعْمَة وَرَحْمَة فِي هذِهِ السَّاعَة أنْتَ يَا سَيِّدْنَا إِجْعَلْنَا مُسْتَوْجِبِينْ بِقُوِّة رُوحَك القُدُّوس أنْ نُكَمِّل هذِهِ الخِدْمَة ﴾ وَكَذلِك تُوْجَدٌ طِلْبَة خَاصَّة مِنْ أجْل الْكَاهِن فِي قُدَّاس القِدِيس كِيرِلُس يَتَضَرَّع فِيهَا الكَاهِنْ قَائِلا﴿ إِمْنَحْنِي أنْ أفْهَمْ مَا هُوَ عِظَمْ قِيَامِي أمَام مَذْبَحَك المُقَدَّس وَلاَ تَغْضَب عَلَيَّ إِلَى الأبَد فَتَحْفَظْ لِي شِرُورِي بَلْ أرِنِي أنَا أيْضاً صَلاَحَك فِيَّ ﴾ وَهُنَا نَتَذَكَّر قَوْل القِدِيس يُوحَنَّا الذَّهَبِيّ الفَمْ ﴿ حِينَ تَنْظُر الكَاهِن مُقَدِّم الذَّبِيحَة تَأمَّل يَدْ السَيِّدْ الْمَسِيح مُمْتَدَّة بِطَرِيقَة غَيْر مَنْظُورَة ﴾ . عَلَى جَبْهَةِ هَارُون :- إِذْ يُسَجِّل إِسْم الرَّبَّ عَلَى رَأسِهِ إِنَّهُ رَأس كُلَّ الجَبْهَة بِنَوْعٍ خَاص تُمَثِّل الفِكْر وَالغَرَض وَالإِتِجَاه لِدَرَجِة أنَّ الكِتَاب المُقَدَّس كَثِيراً مَا إِسْتَخْدِم الجَبْهَة لِتَشْخِيص حَال الإِنْسَان فَنَجِدُه يَقُول﴿ جَبْهَةُ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ كَانَتْ لَكِ ﴾ ( أر 3 : 3 ) وَأيْضاً ﴿ لأِنَّ كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ صِلاَبُ الْجِبَاهِ وَقُسَاةُ الْقُلُوبِ هَأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ وَجْهَكَ صُلْباً مِثْلَ وُجُوهِهِمْ وَجَبْهَتَكَ صُلْبَةً مِثْلَ جِبَاهِهِمْ قَدْ جَعَلْتُ جَبْهَتَكَ كَالْمَاسِ أَصْلَبَ مِنَ الصَّوَّانِ ﴾ ( حز 3 : 7 – 9 ) وَأيْضاً ﴿ جَبْهَتُكَ نُحَاسٌ ﴾ ( أش 48 : 4 ) لِذلِك جَعَلَ عَلاَمِة القَدَاسَة عَلَى جَبْهَة هَارُون لِيَرْفَعْنَا إِلَى دَرَجِة القَدَاسَة الكَامِلَة وَيَنْزَع عَنَّا عَار الجَبْهَة الدَّالَّة عَلَى الشَّر وَفِي سِفْر الرُؤْيَا نَجِدٌ كَثِيراًمَا إِسْم الله يَخْتِمْ عَلَى جِبَاه الأُمَنَاء فَفِي ( رؤ 7 : 3 ) ﴿ نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ ﴾ وَأيْضاً ﴿ لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوباً عَلَى جِبَاهِهِمْ ﴾ ( رؤ 14 : 1 ) وَعَلَى النَقِيض تَمَاماً نَجِدٌ المُرْتَدِّينْ عَنْ مَحَبَّتِهِ الَّذِينَ لَهُمْ سِمَة الوَحْش عَلَى جِبَاهِهِمْ إِنَّهَا دَعْوَة لِكُلَّ وَاحِدٌ مِنَّا أنْ يُرَاجِعْ المَكْتُوب عَلَى جَبْهَتِهِ أي يُرَاجِعْ أفْكَارُه وَمُيُولُه وَإِتِجَاهَاتُه وَإِهْتِمَامَاتُه وَلِيَكُنْ إِسْم الرَّبَّ هُوَ أجْمَلٌ مَا يُكْتَبُ عَلَى جِبَاهِنَا وَلاَ يُوْجَدٌ فِيهَا أي فِكْر غَرِيب إِذْ نُرَدِّدٌ كُلَّ فِكْر لاَ يُرْضِي صَلاَحَك فَلْيَبْعُد عَنَّا وَلِنَتْبَعْ نَصِيحَة مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول ﴿ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ كُلُّ مَا هُوَ مُسَرٌّ كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا ﴾ ( في 4 : 8 ) . هذِهِ يَحْمِلُهَا هَارُون :- كَانَ هَارُون وَهُوَ لاَبِس ثِيَاب المَجْد وَالبَهَاء يَحْمِلٌ أُمور كَثِيرَة يَحْمِلٌ أسْمَاءَهُمْ أمَام الرَّبَّ عَلَى كَتِفَيْهِ لِلتِّذْكَار وَيَحْمِلْهَا عَلَى قَلْبِهِ فِي الصَدْرَة لِلتِّذْكَار أمَام الرَّبَّ دَائِماً وَيَحْمِلٌ قَضَاء بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى قَلْبِهِ أمَام الرَّبَّ دَائِماً وَيَحْمِلٌ إِثْم جَمِيعْ عَطَايَا أقْدَاسِهِمْ فَمَا أكْثَر مَا يَحْمِلٌ رَئِيسُ الْكَهَنَة إِنَّ كِتْفَيّ قُدْرَتِهِ وَصَدْرٌ مَحَبَّتِهِ وَجَبْهَة حِكْمَتِهِ وَمَشُورَتِهِ كُلَّهَا يَسْتَخْدِمْهَا لِصَالِحٌ شَعْبِهِ الَّذِي يُمَثِّلَهُ أمَام الله وَكَمْ نَشْكُر إِلَهْنَا الصَّالِحٌ الَّذِي كَانَ يَقْبَل شَفَاعِة هَارُون رَئِيسُ الْكَهَنَة فِي ضَعَفَات شَعْبِهِ فَكَمْ وَكَمْ بِالأوْلَى نَحْنُ الَّذِي يَشْفَعُ فِينَا رَئِيسُ الْكَهَنَة الأعْظَمْ يَسُوع الْمَسِيح الَّذِي دَخَلَ بِنَا إِلَى الأقْدَاس فَوَجَدَ لَنَا فِدَاءً أبَدِيّاً ( عب 9 : 12) . إِثْم أقْدَاسِهِمْ :- إِنَّهُ إِقْتِرَان عَجِيبْ بَيْنَ كَلِمَتَيّ " إِثْم " وَ" أقْدَاسٌ " إِنَّهَا تُعَبِّر عَنْ تَقْصِيرَات وَجَهَالاَت الشَّعْب فِي عَطَايَاهُمْ وَتَقْدِمَاتِهِمْ حَقّاً إِنَّ أفْضَلٌ عَطَايَانَا وَعِبَادَاتِنَا يَتَسَرَّبْ إِلَيْهَا الإِثْم وَأنْقَى سُجُودِنَا وَأصْوَامِنَا تَخْتَلِطٌ بِالضَّعْف وَالنَقْص الَّذِي فِينَا فَرُبَّمَا نَفْعَل بِذَاتِيَّة أوْ إِرْضَاء النَّاس أوْ مُجَرَّدٌ رُوتِينْ وَلكِنْ لَنَا وَعْدٌ فِي مَرَاحِمْ الله الصَّادِقَة الكَامِلَة أنَّ كَاهِنَنَا الأعْظَمْ يَظْهَر أمَام الله لأِجْلِنَا فَيَشْفَعْ فِي إِثْم أقْدَاسِنَا وَفِي دَالِّة مَحَبَّتِهِ نَسْتَطِيعْ أنْ نَتَقَدَّم بِثِقَة وَنُقَدِّم لِلآب عَطَايَا مَقْبُولَة وَذَبَائِحٌ مَرْضِيَّة إِذْ هِيَ قُدِّمَتْ فِي دَالِّة وَشَفَاعِة رَئِيس كَهَنَة أعْظَمْ وَهُنَا نَتَذَكَّر تَضَرُّع الكَاهِن فِي صَلاَة القِسْمَة لِلقُدَّاس الكِيرِلُسِي﴿ وَلِكَيْ لاَ يَكُون لَنَا كَثْرِة إِكْرَامَك يَا سَيِّدْنَا عِلِّة ثِقَل بِالأكْثَر لِلوُقُوع فِي الدَّيْنُونَة عِنْدَمَا نَصِير غَيْر شَاكِرِينْ لَك – أنْتَ المُحْسِنْ – بَلْ أنْعِمْ عَلَيْنَا بِرُوحَك القُدُّوس بِوَجْه غَيْر مَخْزِي نَجْسُر بِدَالَّة ﴾ . القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية عن كتاب مَلاَبِس رَئِيس الكَهَنَة
المزيد
09 نوفمبر 2019

ابشالوم ابن داود الملك

"يا ليتني مت عوضاً عنك يا أبشالوم ابني يا ابني" 2صم 18: 33 مقدمة لست أعلم ما هو هذا النصب الذي أقامه أبشالوم في وادي الملك تذكاراً لحياته وقصته بين الناس؟!! أهو مسلة من المسلات كما يتصور البعض... أو هو هرم صغير من الأهرام كما يفكر آخرون؟!! أ هو بناء بني على صورة ما يحمل اسمه؟!! لقد أنجب أبشالوم ثلاثة أولاد وبنتاً حلوة جميلة كأخته ثامار، ومن ثم أطلق عليها اسم أخته!! ومات الأولاد الثلاثة صغاراً على الأرجح، ولم يكن له ولد يحمل اسمه، فصنع النصب المذكور وهو حي وأطلق عليه "يد أبشالوم" لكن أبشالوم في عقيدتي لم يكن في حاجة إلى هذا النصب على الإطلاق،... لأنه استطاع أن يصنع نصباً أعظم وأرهب وأكبر، في كل أجيال التاريخ، نصبه لا في وادي الملك القريبة من أورشليم، بل في وادي التاريخ كله،.. ولا يستطيع أبرع المصورين أو المثالين أن يصنع مثله على الإطلاق،... ولقد كتب الروائيون الكثير من القصص الرهيبة، لكنني لا أعتقد أن واحدا منهم، وهو يتحدث عن الجريمة والثورة والعقاب، أبدع قصة أعظم من قصة أبشالوم. في واحدة من الصور العظيمة لإشعياء، جاءت عبارة قائلة: "فقسوا بيض أفعى"... ومن المؤسف أن بيت الرجل العظيم داود امتلأ بفقس الأفعى!!.. مسكين أيها الملك القديم! لأن الحية القديمة أفرخت في بيتك بهذا الفقس القاتل، وكان الموت والعار والخطية والشر ما عنيت وعانى بيتك التعس، "ويد أبشالوم" ستبقى مرفوعة دائماً في كل التاريخ لكي تؤكد أن أجرة الخطية هي موت،.. والخطية حقاً خاطئة جداً!!.. وها نحن نواجه هذه المأساة ونحن نقرأ قصة أبشالوم المحزنة!!.. أبشالوم والجريمة عندما نقرأ قصة أبشالوم، يبدو على التو أمامنا أمران هامان: أولهما صدق الرواية الكتابية، والتي تشهد بالوحي الإلهي، فنحن لو ترك إلينا أن نكتب عن داود، الرجل الذي يأخذ لبناً بمزاميره الخالدة، وبطولته العظيمة، وغيرته على مجد الله، وخدمته الأمينة للسيد، لترددنا كثيراً أن نكتب عن مخازي بيته الفاضحة، حتى لا نصدم أفكار الناس أو مشاعرهم أو خيالهم، وهم يقرأون سيرته العظيمة الخالدة،... أو على الأقل كان من الممكن أن نترفق فيما نكتب أو ندثر أو نغطي، ما لا ينبغي حسب تصورنا، أن يعري على الصورة القاسية، التي نقرؤها علىها في الوحي الإلهي!!... لكن كلمة الله على العكس تعطي الصورة الواضحة المجلوة دون أدنى تردد أو إبهام أو غموض، مهما يصدم الناس في عواطفهم، لأن الأمر الآخر أن الكلمة تهتم بإبراز الخطية في بشاعتها وشناعتها وقسوتها وخبثها وامتدادها، وشرها المستطير،.. بل إنها تتغور إلى الأعماق لنرى سر الجريمة العميق البعيد الخفي المختفي... ولعلنا لو حللنا الجريمة التي كان أبشالوم واحداً من أبطالها وممثليها العظام لرأيناها ترجع إلى: البيت المزواج قد لا يستطيع الإنسان أن يصف مدى المرارة التي امتلأت بها حياة داود من أنه حول بيته إلى "وكر" للأشرار بتلك الحياة الغريبة التي ساعدت عصره، والعصور الأخرى، بتعدد الزواج، وهي اللعنة التي اكتسحت العصور القديمة، حتى جاء المسيح ورد البشرية إلى الأصل في الزواج امرأة واحدة لرجل واحد مدى الحياة،.. ولم يجز موسى الطلاق ألا وهو يربطه بقساوة القلب البشري،... إن امرأة شريرة واحدة في بيت رجل صالح كفيلة أن تحوله إلى الجحيم، فكيف بك الأمر لو أن هناك مجموعة متنافرة من مختلف الأنماط والألوان، ويكفي أن ترى بيت داود على هذه الحال، ونساؤه إلى جانب ميكال التي لم تنجب له أولاداً، كان هناك كما جاء في سفر أخبار الأيام: "وهؤلاء بنو داود الذين ولدوا له في حبرون أمنون من أخينوعم اليزرعيلية الثاني دانيئيل من أبيجايل الكرملية الثالث أبشالوم ابن معكة بنت تلماي ملك جشور الرابع أدونيا ابن حجيث الخامس شنطيا من أبيطال. السادس يثرعام من عجلة امرأته.. وهؤلاء ولدوا له في أورشليم شمعي وشوباب وناثان وسليمان من أربعة من بثشوع بنت عميئيل ويبحاز وأليشامع وأليفاظ ونوجة، ونافج ويافيع وأليشمع والياداع واليغلط، تسعة الكل بنو داود، ما عدا بني السراري وثامار هي أختهم".. وإذا كانت الأختان -ليئة وراحيل- لم تستطيعا العيش معاً في بيت واحد بسلام: "ورأى الرب أن ليئة مكروهة ففتح رحمها".. "كلما رأت راحيل أنها لم تلد ليعقوب غارت راحيل من أختها".. "فقالت راحيل مصارعات الله قد صارعت أختي".. وإذا كانت حنة قد رأت الويل من ضرتها فننة: "وكانت ضرتها تغيظها أيضاً غيظاً لأجل المراغمة"... فهل يمكن أن نتصور بيت داود وقد جمع ميكال العاقر المتعجرفة بنت شاول، ومعكة الوثنية أم أبشالوم بنت تلماي ملك جشور، وبثشبع أم سليمان، وأبيجايل المؤمنة الطيبة، وسائر النساء المختلفات، وغيرهن من السراري- هل يمكن لمثل هذا البيت إلا أن يكون بيتاً ممتلئاً بالانقسام والغيرة والتحزب، والحسد والعداوة، والمعارك الظاهرة والخفية؟؟.. وهل يمكن أن نرى الأولاد إلا في الصورة المنعكسة التعسة المحزنة لكل هذه؟!!.. لقد فقست الأُفعى بيضها في بيت مزواج!!... التربية الدينية ولا حاجة إلى القول أن التربية الدينية، في مثل هذا البيت كانت ضعيفة أو معدومة الأثر، وأغلب الظن أن داود لم يكن عنده من الوقت ما يعطيه لأولاده، ولعل بعض هؤلاء، وهم ينظرون أباهم، وهو شديد الاهتمام ببيت الله، وبالعبادة كانوا يحتقرونه كما احتقرته ميكال وهو يرقص أمام التابوت، ولعل سليمان كان أكثر الأبناء حظاً، لأنه كان في يد ناثان النبي الذي علمه منذ نعومة أظفاره،... كانت مزامير داود ترن في قلوب الكثيرين، ولكن موسيقاها البعيدة العميقة لم تصل إلى قلوب أولاده،.. فإذا أضيف إلى ذلك أن أغلب زوجات داود، كن بدورهن مفتقرات إلى الحياة الدينية المتعمقة، ولم يكن بينهم من تحرص على تربية أولادها كما فعلت يواكبد أم موسى وهرون ومريم، وكما فعلت حنة أم صموئيل،.. ومن ثم افتقر البيت العظيم إلى العمق الديني المنشور، ... وإذا كان في التقاليد اليهودية، أن يبدأ الولد في قراءة التوراة وهو في الخامسة من عمره، وأن يتقيد بالناموس في الثانية عشرة، وأن يدرس التلمود في الخامسة عشرة، وكان على الآباء اليهود -كما يذكر فيدخلون اليهودي السكندري- أن يعلموا أولادهم ويربوهم ليروا الله الآب وخالق العالم، قبل أن يتعلموا الناموس والشرائع المقدس، والتقاليد أو التعاليم غير المكتوبة، منذ الخطوات الأولى في حياتهم على هذه الأرض!!.. عندما كان داود فقيراً وبسيطاً وراعياً للأغنام، وعندما كان يغني فوق بطاح بيت لحم بأحلى الترانيم، شرب من كأس الشركة العميقة المروية مع الله،.. لكن أولاده وقد تربوا في القصور، وعاشوا حياة التنعم والترفه والغنى، لم تكن لهم هذه الفرصة الجليلة العميقة المباركة، ولسنا نظن أن واحداً منهم صاحب أباه ليغني له في أعماق الليل أو في وضح النهار، المزمور الثامن، أو التاسع عشر، أو الثالث والعشرين من روائع مزامير داود الخالدة!!.. من أجمل ما كتب لايل توماس الذي صاحب اللورد اللنبي ولورانس في الحرب العالمية الأولى، وهو يصف حياته وتربيته المنزلية: "كان أبي يصحبني مرات كثيرة في منتصف الليل ليريني الجبال الحمراء الغارقة في ضوء القمر، وكان يعود بهذا المنظر الجميل الفاتن إلى يد الله التي صنعت كل هذا ولقد زرع في أعماق نفسي الشعور الروحي الذي صاحبني وأنا أتجول في الأرض في كل ما يتصل بالكون، وكم كان يقضي أوقاتاً طويلة في فترات متعددة، ليقرأ لي ما كان يؤمن به أنه أعظم كتاب في العالم، الكتاب المقدس، وكان يقرأ الكتاب لا كما يقرأ أثناء الصلاة العائلية، بل كما يقرأه العالم المتفقه، ولقد جعل القصص الكتابية تسري في دمي وشراييني، وتضحى خلف جميع الاختبارات التي عرفتها في حياتي.. أما الكنيسة فكانت جزءاً حيوياً في حياتي، مثلها تماماً مثل المدرسة في حياتي، ومثل الطعام اليومي، ومثل أسلوب المعيشة، وكما أنك لا تفكر أو تناقش هذه كلها أو تحللها تماماً، كما لا تفكر في تحليل زوجتك إذ هي جزء من كل شيء فكذلك الكنيسة عندي جزء من كل شيء وأنا لم أفكر أبداً في الكنيسة من ناحية تحليلها أو المناقشة في ضرورتها، إذ هي جزء طبيعي عادي من اختباري اليومي، وأنا شديد الحماس في تشجيع الناس للذهاب إلى الكنيسة".. التأديب لعل من أعجب الأمور في داود ضعفه البالغ تجاه أولاده، إذ يبدو أن التأديب كان غريباً عن حياتهم، فإذا وصل بأمنون الشر إلى الدرجة الرهيبة التي فيها أذل أخته: "ولما سمع الملك داود بجميع هذه الأمور اغتاظ جداً" ولم يفعل أكثر من هذا الغيظ الذي أكل فيه نفسه، دون أن يلتهب أو يأكل ابنه وبقى أمنون حراً طليقاً إلى الدرجة التي شجعت أبشالوم على أن يقتص لنفسه ولأخته على النحو المرهف الذي حدث فيما بعد بعد أن بيت له: "ولم يكلم أبشالوم أمنون بشر ولا بخير لأن أبشالوم أبغض أمنون من أجل أنه أذل ثامار أخته"... والأمر عينه واضح في معاملته لابنه أدونيا الذي قيل فيه: "ولم يغضبه أبوه قط قائلاً لماذا فعلت هكذا".. ترى هل كان هذا كله واضحاً في ذهن سليمان وهو يتحدث عن التأديب قائلاً: "من يمنع عصاه يمقت ابنه ومن أحبه يطلب له التأديب" "رب الولد في طريقه فمتى شاخ لا يحيد عنها" "الجهالة مرتبطة بقلب الولد عصا التأديب تبعدها عنه" "لا تمنع التأديب عن الولد لأنك إن ضربته بعصا لا يموت تضربه أنت بعصا فتنقذ نفسه من الهاوية" "العصا والتوبيخ يعطيان حكمة والصبي المطلق إلى هواه يخجل أمه"... ومن المؤسف أن داود أطلق أولاده جميعاً إلى هواهم، ولو أنه بكر بتأديبهم لما احتاج إلى البكاء والدموع التي جاءت متأخرة دون أن تتمكن من إصلاحهم أو إنقاذهم،... أو دون ترك العار يلطخ حياتهم وسيرتهم بين الناس، وأي سيرة هذه التي بلغوا فيها المستنقع حتى يتآمر أكبر أولاده مع صديقه على تلويث شرف أخته، دون أن يعف عن الوصول إلى ما تفعله أحط الحيوانات، وعندما يجتمعون إلى حفل أخيهم أبشالوم تدور الخمر بينهم إلى درجة السكر البين، وإذ جميعهم يجرعون الكؤوس ويسكرون، وإذ العلاقة بينهم جميعاً أبعد عن أن تكون علاقة المحبة والرقة والحنان والجود!!.. لو أن داود ربي أولاده أو أدبهم لما فقست الأفعى بيضها بينهم!!.. المثال على أن أسوأ ما في الأمر كله، كان المثال، وكيف يتكلم داود إليهم، وقد أعطاهم أسوأ مثال في فعلته الشنيعة التي جلبت الغضب الإلهي عليه، وسخرية الساخرين من الرجل الذي يقف على رأس أمته ليسبح ويغني لله، فإذا كان أمنون يفعل بأخته ما فعل هو ببثشبع. وإذا كان أبشالوم يفعل ذات الشيء بسراري أبيه، فهل يملك الرجل أن يرفع صوته مشتكياً أو محتجاً أو مؤدباً؟!.. دخل الرجل بيته، وإذا بالبيت كله يضج بالضحك لأن الولد الصغير لبس بدلة أبيه، يجرجر فيها، وكان منظره مثيراً مضحكاً، إلا الأب الذي فزع لأنه رأى المعنى البعيد الحقيقي، إن الولد يقلده، وويل له إذا أعطى الولد مثالاً تعساً من أي تصرف أو عمل، .. لقد فقست الأفعى بيضها في بيت داود لأنه البيت المزواج الذي ضاعت فيه التربية الدينية والتأديب والمثال الحسن. أبشالوم والثورة ولعله من اللازم، ونحن نتناول هذه الثورة بالتحليل، والتمحيص، والتعقب أن نلاحظ ما يأتي: ثورة الابن ضد أبيه وهل لك أن تغوص معي إلى الجرح العميق البعيد، الذي ينزف من الدم نزيفاً لا ينقطع في قلب داود، وهو يرى الثورة آتية ضده من ابنه، وابنه الحلو الجميل الممدوح في جماله من هامة الرأس إلى أخمص القدم،.. الابن الذي مع فعلته الشنعاء حن إليه قلب أبيه وهو في المنفى، ولم يعد يذكر يديه المخضبتين بدم أخيه الأكبر أمنون،.. ربما السهل أن يدخل داود في معركة مع عدو سافر كجليات، رغم فزع الجميع من المغامرة في مثل هذه المعركة، وربما من السهل أن يتحمل طعنة رجل مثل شمعي بني جيرا رغم ما فيه من افتراء وغدر وكذب، إذ هو بنياميني من سبط آخر، سب مركزه الملكي ليأخذه سبط يهوذا، ويستقر في بيت داود،... وربما من السهل أن يفقد صديقاً مثل أخيتوفل الذي كانت تحلو العشرة معه، لأن أخيتوفل جد بثشبع، وقد تركت فعلة داود جرحاً عميقاً في قلبه ليس من السهل أن يندمل،.. لكن أصعب من الجميع بما لا يقاس أن تأتي الثورة من الابن الحلو الجميل المحبوب من، أبشالوم أو كما قال هو لأبيشاي ولجميع عبيده: "هوذا ابني الذي خرج من أحشائي يطلب نفسي فكم بالحري بنياميني، دعوه يسب لأن الرب قال له..." وقد ازداد الجرح عمقاً وبعداً، لأن السيف الذي خرج علي داود لم يكن سيف جليات، أو شمعي أو أخيتوفل أو أبشالوم، لقد كان سيف الله نفسه: "والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد لأنك احتقرتني وأخذت امرأة أوريا الحثي لتكون لك امرأة هكذا قال الرب ها أنذا أقيم عليك الشر من بيتك وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهم لقريبك فيضطجع مع نساءك في عين هذه الشمس لأنك أنت فعلت بالسر وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس".. ومهما تكن الأسباب الظاهرة أو البشرية، فما هي إلا أسباب ثانوية أدرك داود اليد الحقيقية خلفها جميعاً يد الله!!.. عجز الموازنة بين العدل والرحمة كان داود أباً وملكاً في الوقت نفسه، وجاءت ثورة أبشالوم بسبب إفلاسه التام في الموازنة بين مركزه كأب ومركزه كملك فإذا نظر إلى الأمر من وجهة نظر كونه أباً، فقد ضاع منه مركز الملك الذي ينبغي أن يحكم بناموس العدالة، الذي لا يتوقف عند مجرد الناموس الموسوي، بل يرجع إلى ما هو أسبق، إلى أمر الله مع نوح عندما قال: "وأطلب أنا دمكم لأنفسكم فقط من يد كل حيوان أطلبه ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان من يد الإنسان أخيه سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه لأن الله على صورته عمل الإنسان"... وإذا عالج الأمر كملك، فإن صرخات قلبه الأبوي لا تطاوعه،.. ومن الملاحظ أن الإنسان قد أدرك هذه الحقيقة، واستقرت في أعماقه ووجدانه، وهو بصدد قضية أعظم وأكبر وأرهب، قضية الجنس البشري كله، وموقف الإنسان المدان أمام الله الذي هو الملك الحاكم العادل والديان، وفي الوقت نفسه هو الأب المحب المشفق العطوف،.. ومحاولات الإنسان المتعددة في شتى الديانات للتوفيق بين الأمرين أضحت عاجزة بالغة العجز، مهما بذل الإنسان من جهد أو معاناة أو تضحية، حتى ولو تقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة أو بألوف الكباش أو ربوات أنهار زيت حتى ولو أعطى بكره عن معصيته ثمرة جسده عن خطية نفسه، وإذا كان قلب الأب في الله يصرخ لإنقاذ الجنس البشري، فإن الله القاضي العادل، لا يمكن أن يتمم هذا الإنقاذ بمجرد التغاضي أو إغفاء البصر، أو الغفران الناقص، كما فعل داود الذي يترك ابنه في المنفى أو يسمح بالمجيء بشرط ألا يرى وجهه أو يمثل في حضرته،... إن الأمر أبعد من ذلك وأعمق إذ أن المصالحة الكاملة لا يمكن أن تتم من غير صليب تلتقي فيه الخطية بالعدالة والمحبة معاً، أو كما يقول الرسول بولس: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصلاحة أي أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه بيسوع المسيح غير حاسب لهم خطاياهم وواضعاً فينا كلمة المصالحة"... كان داود يعلم هذه الحقيقة بدون أدنى شك، وهو يعجز كملك، ويحار أبلغ الحيرة، ويخشى إذا تغاضى كلية عن خطية ابنه، أن يغضب الله، قبل أن يتهم بالتحيز من ناحية الناس، وإن كنا لا نعلم متى كتب المزمور المائة والواحد، إلا أنه يبدو أنه كتبه تحت إحساس المعركة بين العدالة والرحمة في حياته، أو ربما كتبه وهو يواجه الصراع النفسي القاسي تجاه ابنه أبشالوم "رحمة وحكماً أغنى. لك يا رب أرنم. أتعقل في طريق كامل. متى تأتي إليَّ. أسلك في كمال قلبي في وسط بيتي. لا أضع قدام عيني أمراً رديئاً عمل الزيغان أبغضت لا يلصق بي. قلب معوج يبعد عني الشرير لا أعرفه الذي يغتاب صاحبه سراً هذا أقطعه مستكبر العين ومنتفخ القلب لا أحتمله عيناي على أمناء الأرض لكي أجلسهم معي السالك طريقاً كاملاً هو يخدمني لا يسكن وسط بيتي عامل غش المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عيني باكراً أبيد جميع أشرار الأرض لأقطع من مدينة الرب كل فاعلي الإثم"... وقد قتل داود العماليقي الذي ادعى أنه قتل شاول بناء على طلبه لمجرد أن يده امتدت إلى مسيح الرب، وقتل ركاب وبعثة الأخوين إيشبوشث وهو نائم نومة الظهيرة،.. وكان السؤال القائم أمام ضميره: أليس من واجبه أن يطبق هذا على أبشالوم دون أدنى استثناء وهذا ظاهر من محاولة المرأة التقوعية التي جاءت بقصة، كقصة ناثان، مع الفارق أن ناثان كان يريد إيقاظ ضميره، أما هي فقد أرادت على العكس أن تعطيه راحة للضمير مبينة أن الموت كالماء المهراق، الذي إذا سكب لا يمكن أن يجمع مرة أخرى من الأرض، والله لا يرضى أن منفيه يطرد عن الحياة بعيداً عنه، وأنه يستحيل تصور موت أخوين معاً> قتل أحدهما الآخر، وذهب الآخر عقاباً على موت القتيل أخيه،.. ومهما يكن من هذا الدفاع الحكيم، فهو أن أثار الرحمة العميقة، فإنه أعجز عن مواجهة العدالة التي ذكرها داود في المزمور المائة والواحد!!... وقد بذر داود بذور الثورة اللاحقة لإفلاسه في التوفيق بين العدل والرحمة!!... الغفران الناقص والسلبية ليسا علاجاً ظن داود أنه يستطيع أن يعالج ابنه بالغفران الناقص، الذي يسمح له بالعودة من المنفى بشرط أن ينصرف إلى بيته ولا يرى وجهه، وعالج داود المشكلة السلبية المطلقة، أو في لغة أخرى، لقد أعاده من منفى المكان في جشور حيث كان هناك مع أقارب أمه، ليبقيه في منفى أسوأ أو أشد، منفى النفس، مع أن المشكلة الحقيقية أنه الآن أحوج ما يكون إلى حب أبيه أو نصحه، أو إرشاده، أو تهذيبه، أو تعليمه، أو توجيه نظره إلى الله،.. وإذا لم يستطع داود أن يملأه بكل هذه، فلابد أن يملأ الفراغ بصورة أخرى، إذ تصور الفتى قسوة أبيه وعنفه وشدته، وفقست الأفعى في أعماقه فقس الحقد والتمرد والغدر والخيانة،... لقد ارتكب أبشالوم جريمته، والمجرم متعد، لكنه أكثر من ذلك إنسان مريض وقد نظر المسيح إلى الخاطيء بهذا المعنى وهو يقول: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى".. والعالم اليوم ينظر إلى المجرم هذه النظرة، ويحاول لا مجرد استئصال المجرمين، بل التغور وراء نزعتهم الإجرامة، لمعرفة الدوافع الكامنة الخفية وراء ما ارتكبوا من آثام وجرائم،.. ولو أن الآباء نظروا إلى أولادهم بهذا المنظار، وهو يرتكبون الشرور والمفاسد والآثام، ولو أدركوا أن هذا الوقت بالذات، هو وقت المعالجة الجادة الصبورة الحكيمة، لتركوا كل شيء، ليهتموا بتقويم الإعوجاج وإصلاح المفاسد، والعودة بأبنائهم، لا من مجرد الكورة البعيدة التي ذهبوا إليها، بل إلى الحنان والحب والإحسان والجود في بيت الآب،. أو -لغة أخرى-ليس من مجرد منفى المكان بل قبل وبعد كل شيء من منفى النفس الموحشة المعذبة القلقة التعسة، وبغير هذا سيتحول من إجرام إلى إجرام أقسى، كما تحول أبشالوم من القضاء على أمنون، للمحاولة الأكبر للقضاء على أبيه وتقويض ملكه ومجده وعرشه وخدمته!!... الثورة والخداع البالغ لسنا نظن أن هناك قبلة تتفوق على قبلة أبشالوم، غير قبلة يهوذا الاسخريوطي، كان أبشالوم من حيث الشكل قطعة من الجمال، ومنظره يصلح منظر ملك عظيم، وقد خدع الشعب فيه، كما خدعوا في قامة شاول الذي كان فارع الطول جميل المنظر، مهيب الطلعة، والمظهر دائماً خداع لمن يقف عند حدوده، أو لا يتعدى شواطئه، وكم من فتى أو فتاة خدع بجمال المنظر وفتن به، وتعلق بصاحبه، ليذهب في طريق الموت،... على أن الأمر عند أبشالوم تجاوز ذلك، إذ صاحبه خداع الذهن، إذ أن أبشالوم، على ما صور للناس، ليس لهم من يقضي لظلمهم وينصفهم إذ ليس للملك أو في بيته متسع من الوقت أو الذهن أو الصبر لشكواهم وآلامهم وتعاستهم وقضاياهم،.. وأضاف أبشالوم إلى هذا كله: الديمقراطية المصطنعة، والقبلة المخادعة: "فاسترق أبشالوم قلوب رجال إسرائيل".. وأشعل الثورة بقبلته التاريخية المخادعة الغاشة،.. وحقاً لقد تحول أبشالوم إلى سارق وقاطع طريق، وليس السارق من ينهب أموالك، أو يعتدي على ممتلكاتك فحسب، بل هو ذاك الذي يسرق معنوياتك، ليتركك أمام أكبر شرك أو خداع تكتشفه نفسك، وربما يحدث هذا بعد فوات الأوان، حين تعجز أمام الثورة عن رأب الصدع، أو إصلاح الحال، أو العودة إلى النقطة السابقة للمأساة التي تمت وكملت!!.. أبشالوم والعقاب إن الجريمة لا يمكن أن تفيد بأي حال من الأحوال، وأجرة الخطية هي موت بدون أدنى ريب أو شك، والتاريخ في كل زمان ومكان يشهد على هذه الحقيقة، فإذا ذهبنا إلى محنايم، فلن نرى أبشالوم هناك كجده الكبير يعقوب، محاط بجيش الله في مواجهة عيسو أخيه، بل سنرى الشاب في خاتمة المطاف، وقد تهاوت ثورته، وانتهى تمرده، بعد أن استقرت في قلبه السهام الثلاثة التي أنشبها يوآب، وهو معلق بين السماء والأرض، ومن الغريب أن الشاب لم يمت في صحبة واحد من جنوده أو مريديه أو معاونيه. وانتهى حلم السيادة والمملكة والعظمة والسلطان، على هذا النحو البشع المريع، حيث سقط جثمانه الجميل تحت رجمة كبيرة من الأحجار التي انهالت عليه من كل جانب، وهكذا يأتي العقاب مؤكداً أن الأشرار كالعصافة التي تذرها الريح لأن الرب يعلم طريق الأبرار أما طريق الأشرار فتهلك. كان من الممكن أن لا يصل أبشالوم إلى هذا العقاب الرهيب القاسي البشع، لو أن أباه بكر بالتأديب، وبالعقاب الأبسط والأخف، وهو بعد صبي أو غض صغير،.. ولكن العقاب في العادة يتصاعد كلما أجله الآباء أو الأمهات، حتى تأتي اللحظة التي يقال معها أن العقاب قد خرج من أيديهم لتتولاه الأيام والليالي، أو بتعبير أدق أو أصح ليتولاه الله في عدالته الأكيدة في العالم الحاضر أو العتيد أيضاً!!.. والسؤال الذي يفرض نفسه ههنا: لماذا صرخ داود عندما سمع بمصرع ابنه إلى الحد الذي قال فيه: "يا ابني أبشالوم يا ابني يا ابني أبشالوم يا ليتني مت عوضاً عنك يا أبشالوم ابني يا ابني"..؟!! هل يرجع هذا إلى الفارق بين إحساس الجريمة عند الأب وعند الابن وأنه مهما كانت الجريمة التي يرتكبها الابن ضد أبيه فإن حنان الأب أعلى وأسمى؟!! لست أعلم، وإن كنت أعلم عن يقين بأن الأمر أمام خطيتنا الكبرى في هذه الأرض، قد تجاوز الحنان والرغبة والتمني، ليصبح أعلى حقيقة عرفها البشر عند هضبة الجلجثة: "لأن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا!!".. أم يرجع الأمر عند داود إلى شعور بالندم، لأنه قصر أبلغ التقصير في تربية أولاده، وها هو يرى أمنون يموت، وأبشالوم يلحق به، وثامار تعيش بعارها ووحشتها بين الناس؟!! قد يكون.. ولعله دموعه هذه كانت إحساساً عميقاً بالتقصير، الأمر الذي يحسه كثيرون من الآباء، ولكن للأسف بعد فوات الوقت، إذ أهملوا أبناءهم أحياء ليتسلموهم أمواتاً، وليس لهم ما يتبقى سوى النحيب أو البكاء على جثمانهم المسجي أمامهم، أو المغيب تحت رجمة قاسية أشبه برجمة أبشالوم في أرض محنايم!!.. أم هل الأمر أعمق من هذا كله إذ هو شعور الذنب القاسي، ولذعة الضمير، إذ لم تكن القصة من أولها إلى آخرها إلا امتداد للأصبع القائلة: "أنت هو الرجل"... وها هو يرى النبوة وقد اكتملت وتأكد صدق الله، فإذا كان هناك من سبب بعيد عميق لكل ما جرى فإنه هو وليس غيره هذا السبب؟!! ولعله لهذا كره نفسه في تلك اللحظة ومقتها، إلى الدرجة التي تمنى أن يكون هو، وليس ابنه أو أحد غيره من الناس، هو الضحية المعاقبة!!.. ألم يستول عليه ذات الإحساس عندما أمر بعد الشعب فجعل الرب وباء في إسرائيل، ومات في يوم واحد سبعون ألف رجل وبسط الملاك يده ليهلك أورشليم حتى قال له الرب عند بيدر أرونه اليبوسي رد يدك؟... "فكلم داود الرب عندما رأى الملاك الضارب الشعب وقال ها أنا أخطأت وأنا أذنبت وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا فلتكن يدك علي وعلى بيت أبي"... قد تكون دموع داود بسبب واحد من هذه الأسباب أو بسببها جميعاً، أو بغيرها، لكنها تعطينا على أي حال أن نقف لنرى ماذا تفعل الخطية عندما تسيطر على حياة الناس؟!!.. عندما أطلق داود على ابنه الحلو الجميل الاسم أبشالوم "أب السلام"، كان يتمنى أن يكون أبو السلام هذا متمتعاً بكل سلام، ومعطياً السلام لكل من يتصل به أو يرتبط بحياته، ولم يدر قط أنه سيتحول مجرماً ثائراً، يدفن جثمانه تحت رجمة كبيرة تحولت نصباً خالداً في التاريخ لرجل فقد السلام، وذهب في الحرب، وامتدت يده "يد أبشالوم" لتقول للجميع في كل عصور التاريخ: ويل للخاطيء: "لأن أجرة الخطية هي موت وأما هبة الله فهي حياة أبدية في المسيح يسوع ربنا!!
المزيد
08 نوفمبر 2019

لأنه سترنا

إن الطلبات التي قيل عنها في الكتاب المقدس أن تُطلَب "كل حين" هي: الصلاة (لوقا 18: 1)، والشكر (أفسس 5: 20)، والفرح كل حين (فيلبي 4:4) والشكر في كنيستنا نعبّر عنه في "صلاة الشكر"ومن مميزات هذه الصلاة أنها تُصلّى بصيغة جماعية، ويصليها كل الناس، ونشكر ربنا على كل ما يقدمة لنا هذه الصلاة تبدأ بشكر الله سبع نِعم يعطيها لنا، يعطيها لنا مهما كان حالنا "فلنشكر صانع الخيرات لأنك سترتنا، وأعنتنا، وحفظتنا، وقبلتنا إليك، وأشفقت علينا، وعضدتنا، وأتيت بينا اإلى هذه الساعة" هذه النِعم يجب أن يشعر بها كل إنسان ويشعر بقيمتها وأهميتها في حياة كل واحد فينا. نتأمل في النعمة الأولى نعمة الستر:- أحد الصفات التي نصف بها إلهنا أنه الله الساتر، الذي يستر. وستر الله لا يوجد في مفردات اللغة، فلا توجد كلمات تقدر أن تصفه. يستر علينا كلنا، ولا يستطيع إنسان أن يقف أمام الله ويقول إنه لا يحتاج إلى الستر، حتى الذين يعيشون في الخطية والبعيدين، وحتى الذين ينكرون وجود الله؛ الله يستر عليهم. حتى الناس الذين فرغت قلوبهم من كل شيء، والذي يستخدم لسانه في استخدامات شريرة؛ الله يستر عليه... بل حتى اللص عندما يسرق يقول: ربنا يستر. وفي التقليد الشعبي نجد أن كل ما يريده الإنسان هو الستر والصحة. ولا يمكن أن نحصر كم مرة ستر الله علينا، لكن داود النبي يقول في مزمور ١٧ «احفظني مثل حدقة العين، بظلّ جناحيك استرني»، ويقول في مزمور ٦٤ "«استرني من الأشرار، من مؤامرت الإشرار، من جمهور فاعلي الإثم». أولًا: لماذا يستر الله علينا؟ الله الذي خلقنا وأعطانا نعمة الحياة يستر علينا لثلاث صفات فيه: ١- هو واهب الغفران. ٢- لأنه كلي المحبة. ٣- لأنه نبع الأبوة. 1) الله يستر علينا لأنه واهب الغفران: هو الذي غفر لنا، من يغفر خطية الإنسان إلا الله الذي خلق الإنسان، فجاء الله «الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا»، تجسد الله ثم صُلِب وخلصنا وفدانا من أجل غفران خطية الإنسان، ولا يوجد شيء آخر أو إنسان آخر يستطيع أن يغفر خطيئة الإنسان، لذلك ربنا يستر علينا. «تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص وكساني رداء البر»، وكساني تعني ستر الله عليّ. وستر الله للإنسان من أيام آدم. خطية آدم وحواء بدأت باللسان والشهوة، ودخلت الحيّة من هذا الباب، وانزلق الإنسان وكسر الوصية، وستر الله عليهما وألبسهما أقمصة من جلد. وفي سفر حزقيال يشبّه النفس البشرية بالإنسان المُلقى في الشارع ويريد من يأتي ويستر عليه «فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي» (حز١٦: ٨)، وكأن النفس البشرية من أيام آدم صارت كالإنسان الملقى في الشارع وفقدت كل شيء وصار حالها صعب جدًا. في سفر القضاة عندما كانت تحدث مشكلة لبني إسرائيل، كانوا يختارون قاضيًا (مخلصًا)، فيحل المشكلة ثم يعودون للخطية مرة ثانية، وهكذا حياة الإنسان. وكذلك داود النبي وخطيته المشهورة مع امرأة أوريا الحثي، وتاب عنها فيقول «استر وجهك عن خطاياي، وامحُ كل آثامي»... هذا هو الله واهب الغفران للإنسان من الأمثلة المشهورة "المرأة الخاطئة في بيت سمعان الفريسي" (لوقا 7)، وكان سمعان مُعجَبًا بنفسه، ودخلت المرأة وانحنت وسكبت دموعها وقدمت توبة. سمعان قال: "لو كان هذا نبيًا لعرف أن هذه المرأة خاطئة "، والإنجيل يقول إن السيد المسيح غفر لها وستر عليها لأنها أحبت كثيرًا، وصارت مثالًا، ونصلي بهذه القطعة في نصف الليل. 2) يستر علينا لأنه كليّ المحبة: الله محبة إي أن تفصيل شرح الله أنه محبة دائمة وحركة دائمة، في محبته يستر، ويعلن هذه المحبة، وتجلّت مع يعقوب ومع إيليا، ومحبة الله فيّاضة ليس لها حدود. ٣) الله يستر علينا لأنه نبع الأبوة: نقف دائمًا ونقول: "يا أبانا الذي في السموات"، وعندما نرشم شماسًا ويصير كاهنًا يصبح "أبونا".. كلمة الأبوة مفتاح، والله هو نبع الأبوة، ونحن نستمد هذه الأبوة من الله. والأبوة في أصلها ومعناها هي الستر والحماية. أروع مثال في الكتاب يشرح لنا الأبوة مثل الابن الضال، وكيف أن هذا الابن الذي أخطأ كل هذه الخطايا، عندما عاد وجد أحضان أبيه مفتوحة «وإذا كان لم يزل بعيدًا، رآه أبوة، فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله»، الأب يستقبل الابن، ويقدم له الهدايا، ويذبح العجل المُسمّن، ولكن الأهم يقدم له الحضن ويقبله، ولا يتأفّف منه. ولكن نرى في نفس القصة موقف الأخ الكبير فاقد الأبوة، ويتكلم على أخيه بكلمات ردية «ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني»، وفضح أخاه، وكأنه يقول لأبيه: إنك لم تحسن تربيته. لكن الأب ستر وأرجع ابنه إلى رتبته الأولى. مثال آخر المرأة السامرية، هذه المرأة سُمِّيت باسم بلدها، لقد ستر الله عليها ولم يذكرها بالاسم حتي لا يفضحها، وكان الحوار معها كله مليء بالستر والحنان والعذوبة، وبدّل الله هذه الإنسانة التي كانت بعيدة جدًا وجعلها قديسة وكارزة ، ستر الرب عليها، وقادها إلى توبة، وصارت كارزة.. وهذا دور الله للإنسان، الله الذي يستر على الخليقة كلها صباحًا ومساءً ونأتي لدور الإنسان نحو أخيه الإنسان، يقول الرب يسوع: «لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟».. لا يمكن أن تستر على أخيك بينما أنت تدينه، ومجالات ستر الإنسان على الإنسان: أ- ستر خصوصيات الآخر: كل واحد فينا له عائلة وأصدقاء ومعارف، ليس لك الحق في نقل خصوصيات الآخر ونقل أخباره. ويجب على المتزوجين أن يحافظوا على خصوصياتهم لأنه «بكلامك تتبرّر وبكلامك تُدان». مثال لذلك المرأة التي أُمسِكت في ذات الفعل، وأراد الناس أن يرجموها ولا ينظروا لخطيتهم، أمّا السيد المسيح فعالج الأمر بمنتهي الستر إذ انحنى وكان يكتب على الأرض، وبعض الآباء يقولون إنه كتب خطيتهم، وعندما رأوا خطيتهم أنزلوا الحجارة ومضوا، «وقال: إما دانك أحد؟... اذهبي ولا تخطئي»، وانتهت القصة. ب- حفظ خصوصيات سر الاعتراف: سر الاعتراف أحد الأسرار الأساسية في حياة كنيستنا، وهو يضبط ميزان ومسار الحياة الروحية للإنسان، ويضبط الطريق الروحي. وأب الاعتراف هو الكاهن والمرشد، وكل ما يسمعه في سر الاعتراف يجب أن يُحفَظ تمامًا. والكاهن الذي يفشي أسرار الاعتراف يستوجب العقاب. ولكن بعض الناس يعتقدون أن الكاهن يفشي سر الاعتراف لأنه قال حكاية في عظة، وقالها بدون تفاصيل، ولكن الناس تكون حساسة. سرية سر الاعتراف هي أحد صور الستر، ولذلك ممارسة سر الاعتراف من أصعب الممارسات التي يمارسها الكاهن، لأنه تتجمع عنده أحوال وخصوصيات آخرين، ولا يستطيع أن ينطق بحرف. وأحيانًا يكون في مأزق خطير عندما يسأله أحد في موضوع الارتباط، فيكون هناك نزاع بداخله. وأنصح الكاهن أن يتحلّى بالحكمة دون أن يفشي أي سر. استر على غيرك ما دمت محتاجًا للستر. كيف نقتني فضيلة الستر؟ أ- تذكر ستر الله لك: الله يستر علينا جميعًا، ومن لا يشعر بستر الله ويشكره عليه كل يوم هو إنسان جاحد. ب- تعلم أن تحب الآخرين مهما كانوا: أحبب الجانب الحلو الذي في الإنسان، الله عندما تحدث مع زكا والسامرية واللص اليمين اهتم بالكلمة الحسنة التي قالوها اعتبرها توبة، وركز في هذه الكلام ولم يركز في باقي الأخطاء السابقة، «لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا»، و مار أفرام السرياني يقول: "التلذذ بعيوب الآخرين يدل أننا ممتلئين بغضة"، والقديس مكاريوس الكبير يقول: "يا أخي احكم على نفسك قبل أن يحكموا عليك"، والقديس موسي الأسود عندما سألوه ان يحضر محاكمة واحد من الرهبان، دخل معه جوال من الرمل وقال: "هذه خطاياي تجرى وارئي ولا أبصرها، وقد جئت اليوم لأحكم على غيرى". يجب أن نعيش بهذا الكلام، ونغيّر من سلوكنا، ونعرف أن الذي يسير في طريق السماء يتمتع بنعمة الستر من الله، وهو أيضا يستر على الآخرين. ج- تعلم أن لا تدين غيرك: وقد يتساءل البعض لماذا يوجد مجالس تأديب؟ ولكن هذا نظام في إدارة العمل. الأنبا أنطونيوس يقول: "لا تدن غيرك لئلا تقع في أيدي أعدائك". الذي يدين يقع في نفس الخطية التي أدان عليها، و"إذا أدنّا أنفسنا، لا يبقي لنا وقت لندين الآخرين"، "ليس أفضل أن يرجع الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء" العبارات كثيرة جدًا في موضوع الستر، لكن خلاصة الأمر أنك عندما تصلي صلاة الشكر وتقول "أشكرك يا رب لأنك سترتنا"، سترت حياتي في الماضي والحاضر، وسترت أسرتي الكبير والصغير فيها، وسترت على أصدقائي وعلى خدمتي وكنيستي ومجتمعي نعمة الستر نعمة غالية، حاول أن تشعر بها، واستر على كل من تعرفهم، وتعلم هذه الفضيلة. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل