المقالات

24 مايو 2019

لماذا قام؟

قال معلمنا بولس الرسول إن السيد المسيح قد "أُسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا" (رو4: 25). لقد صولحنا مع الله الآب بموت ابنه الوحيد الجنس على الصليب، إذ أنه قد أوفى الدين الذي علينا مقدمًا جسده فداءً وعوضًا عن الجميع ولكن هذه المصالحة التي تمت بذبيحة الصليب لم تكن واضحة ومعلنة بالنسبة للكنيسة. بل على العكس كان تلاميذ المسيح في حزن وبكاء وحسرة على موت المخلّص وشعروا بالضياع، وربما شعروا أيضًا بتخلي الله عنهم، وغضبه لسبب جريمة صلب ابنه الحبيب، والتي ارتكبتها البشرية في جسارة وقسوة عجيبة!!لذلك كان من الضروري أن يتم إعلان المصالحة بطريقة منظورة ومحسوسة لتلاميذ السيد المسيح ولأحبائه، وذلك بقيامته من الأموات إن قيامة السيد المسيح قد أعلنت أن الآب قد تجاوز عن خطايانا لأن العدل الإلهي قد استوفى حقه على الصليب، بمعنى أن قداسة الله قد أعلنت كرافض للشر وللخطية وأدينت الخطية بالصليب. أما القيامة فهي تعني عودة الحياة مرة أخرى لبني البشر إن أجرة الخطية هي موت، ولكن أجرة البر هي حياة أبدية. فالموت الذي ماته السيد المسيح هو لأجل خطايانا، وأما الحياة التي يحياها فيحياها لله، ولسبب بره الشخصي، ولسبب اتحاد لاهوته بناسوته. وكما يقول قداسة البابا شنودة الثالث نيح الله نفسه إن السيد المسيح بموته قد حل مشكلة الخطية وبقيامته قد حل مشكلة الموت ولأن الموت هو نتيجة الخطية فبزواله نفهم أن الخطية قد أزيلت، وقد محيت بالقيامة فالسيد المسيح بقيامته قد "أبطل الموت وأنار الحياة والخلود" (2تى1: 10) إن أقصى ما يتمناه القاتل إذا ندم على خطيته هو أن يقوم القتيل فيفرح المذنب بقيامة القتيل. ولا يشعر فقط أن جريمته قد عوُلجت، ولكنه يشعر أيضًا أنه قد نال البراءة من تهمة القتل. ولعل هذا ما قصده القديس بولس الرسولبقوله عن السيد المسيح إنه "أقيم لأجل تبريرنا" (رو4: 25). أي أنه قد أقيم من الأموات لكي يزيل عنا جريمة موته التي تسببنا نحن فيها وما تستوجبه من دينونة ما أجمل ذلك الموقف الذي يدخل فيه القتيل إلى المحكمة لكي يثبت للقضاة أنه حي ولكي يرفع حُكم الإعدام عن القاتل الذي كان نادمًا على خطيته متمنيًا عودة القتيل لإعلان المصالحة. أعظم المعجزات لقد أكّد السيد المسيح أن اكتشاف لاهوته بالنسبة للبشر مرتبط إلى أقصى حد بانتصاره على الموت بالقيامة لذلك قال لليهود: "متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو" (يو8: 28). وقد قصد بعبارة "متى رفعتمابن الإنسان" أي متى صلبتم ابن الإنسان وعلقتموه على خشبة الصليب. فلولا موت الصليب ما كانت القيامة من الأموات والانتصار على الموت لذلك قصد السيد المسيح أن تخرج بُشرى القيامة من داخل القبر أولًا. أي أعلنت الملائكة عن قيامته من داخل القبر الفارغ قبل أن يظهر هو بنفسه للمريمات وللتلاميذ بعد قيامته لقد قصد أن نفهم أن القيامة قد نبعت من خلال موت الصليب،وأن الحياة قد تدفقت من خلال الموت. ولفت أنظار تلاميذه إلى هذه الحقيقة حينما قال: "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير" (يو12: 24) ما أعجب حكمة السيد المسيح؛ من الموت تولد الحياة، من الألم يولد المجد، من الاتضاع تأتى الكرامة، من البذل والتضحية بالنفس يأتي امتلاك قلوب الآخرين وعن هذا قال: "أنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت" (يو12: 32، 33) أي متى ارتفعت على خشبة الصليب فسوف يتعلق الجميع بمحبتي إن القيامة قد أعلنت لاهوت السيد المسيح ومجده الإلهي. لذلك قال معلمنا بولس الرسول: "وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات" (رو1: 4) وقال الرب لتلاميذه بعد القيامة: "كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26) لا شك أن القيامة هي مجد. فبعد أمجاد البذل والتضحية والطاعة الكاملة للآب السماوي، جاءت أمجاد القيامة والانتصار على الموت بصورة ساحقة حيث لن يؤثر فيه الموت بعد قيامته وهذه هي الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا (انظر 1يو1: 2). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
23 مايو 2019

ربي وإلهي

عبارة قالها توما الرسول حينما دعاه السيد المسيح القائم من الأموات ليضع التلميذ إصبعه في محل المسامير ويضع يده في موضع طعنة الحربة. إن تعبير "ربى" وحده له مدلولات عديدة، وتعبير "إلهي"وحده له أيضًا مدلولات عديدة أما إذا اجتمع التعبيران معاً، فهذا لا يدل إلا على الرب الإله الخالق القادر على كل شيء ونسوق بعض الأمثلة على ذلك: في سفر التكوين عند خلق العالم "يوم عمل الرب الإله الأرض والسماوات" (تك2: 4). "وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة" (تك2: 7). "وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقًا" (تك 2: 8). "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن" (تك 2: 15). "وأوصى الرب الإله آدم" (تك 2: 16). "وقال الرب الإله ليس حسنًا أن يكون آدم وحده" (تك 2: 18). "وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية" (تك2: 19). "فأوقع الرب الإله سباتًا على آدم فنام" (تك2: 21). "وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة" (تك2: 22). "وسمعا (آدم وحواء) صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار" (تك3: 8). "فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة" (تك 3: 8). "فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت؟" (تك3: 9). "فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلتِ؟" (تك3: 13). "فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا، ملعونة أنت" (تك3: 14). "وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما" (تك3: 21). "وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا" (تك3: 22). "فأخرجه الرب الإله من جنة عدن" (تك3: 23). في الإصحاحات الأولى من سفر التكوين تكررت عبارة "الرب الإله"18 مرة (من تك2: 4 - تك 3: 23). بعد ذلك كثر استخدام كلمة "الرب"للدلالة على الله ولكننا نجد عبارة "الرب الإله"تظهر مرة أخرى في أسفار موسى الخمسة مثل ما يلي على سبيل المثال لا الحصر: "الرب إلهنا قطع معنا عهدًا في حوريب" (تث5: 2). "أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من بيت العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي" (تث5: 6، 7). "لأني أنا الرب إلهك إله غيور" (تث5: 9). "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلًا" (تث 5: 11). "احفظ يوم السبت لتقدّسه كما أوصاك الرب إلهك" (تث5: 12). "أما اليوم السابع فسبت للرب إلهك" (تث5: 14). "فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد شديدة وذراع ممدودة" (تث5: 15). "أكرم أباك وأمك كما أوصاك الرب إلهك، لكي تطول أيامك ولكي يكون لك خير على الأرض التي يعطيك الرب إلهك" (تث5: 16) وهكذا أيضًا استمر تكرار عبارة "الرب إلهنا"في هذا الإصحاح من سفر التثنية وفي الإصحاح التالي يقول "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" (تث6: 4، 5). وهذا النص بالذات له أهمية خاصة إذ يبرز حقيقة أن الرب الإله لا معبود سواه وهو الإله الحقيقي. وفي قول توما الرسول للسيد المسيح: "ربى وإلهي"دليل قاطع على ألوهية السيد المسيح الكاملة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
22 مايو 2019

سلام لكم

في ظهور السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة كان يردد قوله المبارك: "سلام لكم" (يو20: 19، 21، لو24: 36، مت28: 9). وهي نفس العبارة التي يرددها الأب الأسقف أو الأب الكاهن في الصلوات الليتورجية وخاصة صلاة القداس الإلهي هذا السلام الذي وعد السيد المسيح به تلاميذه حينما قال: "سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا" (يو14: 27) إنه سلام المصالحة مع الله بالفداء الذي صنعه السيد المسيح على الصليب، وعبر عنه بعد القيامة المجيدة السلام الناشئ عن غفران الخطايا التي تزعج القلب وتقلق الضمير هو سلام الاطمئنان على مصير الإنسان بعد أن ملك الموت أجيالًا كثيرة، وجاء السيد المسيح لكي يحرر الإنسان من سلطانه ويعلن انتصاره عليه بالقيامة هو سلام الله الذي يفوق كل عقل.. الذي يتخطى كل الحواجز والمخاوف والأوهام ومضايقات الشيطان وأعوانه.. يتخطى كل المؤامرات والأحقاد، وقوات الشر المنظورة وغير المنظورة، ويمنح القلب طمأنينة في أحضان الله القادر على كل شيء إن فقدان السلام يُفقد الإنسان قدراته الإبداعية.. الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله في البر وقداسة الحق.. حينما يفقد سلامه: يفقد رونقه، يفقد قدرته، يختل أداؤه، ولا يستطيع أن يمجد الله كما كان مقدَّرًا له أن يفعل القديسون الذين تمتعوا بسلام الله في قلوبهم، وصاروا نورًا للعالم، ومسكنًا للروح القدس، وأداة لإظهار عمل الله وتمجيد اسمه،اجتذبوا الآخرين إلى محبة الحق بسبب عطية السلام التي فيهم.. ومن دعاه الله لخدمة المصالحة، كان يسعى كسفير للمسيح يدعو الناس ليتصالحوا مع الله (انظر 2كو5: 20) خدمة الكهنوت هي خدمة المصالحة.. هي خدمة مغفرة الخطايا.. فلهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تُغفر له" (يو20: 21-23) لقد أعطاهم موهبة الكهنوت وغفران الخطايا قبل أن يرسلهم ليخدموا خدمة المصالحة. ولكنه في البداية قال لهم: "سلام لكم" وصار الرسل يرددون هذا القول الجميل في كل صلاة سرائرية للمصالحة "سلام لكم"باللغة القبطية (Irhnh paci إيرينى باسى). صارت الكنيسة تردد هذه العبارة التي تعني منح عطية السلام من الرب القائم من الأموات، الذي افتدانا واشترانا لله بدمه.. الذي دفع ثمن خطايانا على الصليب وعبر بنا من الدينونة إلى المصالحة، ومن الموت إلى الحياة بموته المحيى وقيامته المجيدة من الأموات. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
21 مايو 2019

في الطريق إلى عمواس

يقول إنجيل معلمنا مرقس: "وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين إلى البرية" (مر16: 12) والمقصود بالهيئة الأخرى أي بخلاف الهيئة التي ظهر بها لمريم المجدلية في البستان وظنته البستاني وقد ذكر معلمنا لوقا في إنجيله أن السيد المسيح حينما ظهر لهذين التلميذين "أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو24: 16) بمعنى أن عدم معرفتهما له في البداية كان شيئًا مقصودًا بتدبير إلهي. والقصة بدأت كما يلي: كان اثنان من التلاميذ منطلقين في يوم أحد القيامة إلى قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة اسمها عمواس. وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع الحوادث التي واكبت صلب السيد المسيح وما يليها، بما في ذلك ظهور السيد المسيح للمريمات بعد قيامته"وفيما هما يتكلمان ويتحاوران اقترب إليهما يسوع نفسه، وكان يمشى معهما، ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو24: 15، 16) لم يشأ الرب أن يظهر بمجده العظيم ويبهر هذين التلميذين، ولكنه ظهر في هيئة بسيطة ورتب أن لا يعرفاه في البداية "فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتطارحان به، وأنتما ماشيان عابسين؟" (لو24: 17) وهنا نرى السيد المسيح يسأل في اتضاع عجيب -وهو العالِم بكل خبايا الأمور- ولكنه أراد أن يتبسط في الحديث وينزل إلى مستوى هذين التلميذين، حتى يرفعهما في النهاية إلى مستوى الإيمان اللائق بتلاميذه القديسين "فأجاب أحدهما الذي اسمه كليوباس وقال له: هل أنت متغرب وحدك في أورشليم، ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الأيام؟ فقال لهما وما هي؟" (لو24: 18، 19) ما أعجب اتضاعك يا رب وأنت تحتمل أن ينسب تلاميذك إليك عدم المعرفة كغريب. ثم تسألهما في بساطة ومودة، لكي يخبروك كمن لا يعرف، حتى تنتشلهم من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة الحقيقية.. ولكن حقًا يا رب لقد كنت السماوي المتغرب وحدك على الأرض في أورشليم الأرضية، لكي ترفع مختاريك وأصفياءك للتمتع بمجدك في أورشليم السمائية. وقد أجاب التلميذان على سؤال السيد المسيح فقالا: "المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنسانًا نبيًا مقتدرًا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب. كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه. ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدى إسرائيل. ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك. بل بعض النساء منا حيرننا إذ كن باكرًا عند القبر، ولما لم يجدن جسده أتين قائلات إنهن رأين منظر ملائكة قالوا إنه حي. ومضى قوم من الذين معنا إلى القبر، فوجدوا هكذا كما قالت أيضًا النساء وأما هو فلم يروه" (لو24: 19-24) احتمل السيد المسيح أن يتكلم عنه التلميذان كمن لا يعرف أموره الخاصة التي حدثت له ثم احتمل أن يقولا عنه إنه كان إنسانًا نبيًا مقتدرًا في الفعل والقول، دون أن يقولا باقي الحقيقة أنه هو هو نفسه ابن الله الحي الكلمة الأزلي المتجسد ألم يقل قائد المئة الواقف عند الصليب بعد أن سلّم السيد المسيح روحه في يدي الآب "حقًا كان هذا الإنسان ابن الله" (مر15: 39) كانت القيامة هي أقوى دليل على ألوهية السيد المسيح ولهذا احتمل ضعف تلاميذه الذي ظهر بعد الصلب. بل سبق فقال لهم: "كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة" (مت26: 31) كانت تجربة الصلب أقوى من احتمالهم.. وظهر ضعفهم البشرى، وأطال الرب أناته عليهم لم يشك تلميذا عمواس في ألوهية السيد المسيح فقط، بل أيضًا تطرق الشك بهم إلى عمله باعتباره الفادي والمخلّص بحسب قولهما: "ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدى إسرائيل" (لو24: 21) وإلى جوار ذلك فقد شكَّا في قيامة السيد المسيح، ولم يصدقا ما سبق فأنبأهم هو نفسه به قبل أن يُصلب عن قيامته، كما أنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام في كل ذلك أظهر السيد المسيح اتضاعًا وحبًا واحتمالًا عجيبًا،وهو الذي كان يسير معهما في الطريق بعد قيامته.. ولكن لأجل خيرهم، وخير الكنيسة كلها، لم يكشف لهما عن شخصه، بل استمر في الحوار العجيب..!! الإقناع أم المعجزات أراد السيد المسيح أن يؤسس كنيسته ليس فقط على صنع المعجزات التي أثبتت ألوهيته، بما في ذلك معجزة القيامة نفسها.. بل أراد أيضًا أن يؤسسها على الإيمان الكتابى، وعلى الحقائق الإلهية المدونة في الأسفار المقدسة "كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر" (لو70:1) فكثير من المعجزات من الممكن أن يقلدها الشيطان بمعجزات زائفة، كما هو مكتوب عن ضد المسيح: "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس2: 9، 10) ولكن الخلاص الذي صنعه الرب، قد سبق فتنبأ عنه كثير من الأنبياء قبل مجيء السيد المسيح بآلاف السنين، وتحققت هذه النبوات جميعها بصورة لا يمكن تقليدها على الإطلاق. لأن الله وحده هو الذي يعلم المستقبل بهذه الدقة قبل حدوثه بآلاف السنين وقد كتب القديس بطرس الرسول عن ذلك الخلاص وما قيل عنه من نبوات فقال: "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم. باحثين أي وقت،أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم. إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها" (1بط 1: 10، 11) لو كشف السيد المسيح عن شخصيته للتلميذين لجاء إيمانهما مبنيًا على رؤية معجزة القيامة.. ولكنه أراد أن يكشف لهما القيامة من خلال الكنوز المخبأة في كلمات الروح القدس المكتوبة في الكتب المقدسة "فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء، أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو24: 25-27) كانت هذه الشروحات بمثابة محاضرة قيمة جدًا في اللاهوت العقائدي وفي شرح العهد القديم.. وهنا نرى السيد المسيح المعلم الأعظم وهو يفسر الأمور المختصة بالتجسد والفداء في جميع الكتب.. كل ذلك دون أن يكشف للتلميذين عن شخصيته وهو يكلمهما. كان هدف السيد المسيح ليس هو الافتخار بما عمله، بل هو اقتياد التلاميذ إلى معرفة الخلاص والتمتع بأمجاد الحياة الجديدة في المسيح وهكذا سجّل السيد المسيح في ذاكرة الكنيسة تفسيرًا لاهوتيًا عميقًا لعمله الخلاصي المبنى على ألوهيته ومجيئه في الجسد فاديًا ومحررًا للإنسان "ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد. فألزماه قائلين امكث معنا لأنه نحو المساء، وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما. فلما اتكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما، فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما" (لو24: 28-31) في اتضاع عجيب امتثل السيد المسيح لرغبة تلميذيه حينما ألزماه أن يمكث معهما. وبالفعل دخل ليمكث معهما. وعرفاه عند كسر الخبز. وحينما عرفاه اختفى عنهما.. لأنه لم يظهر ليتباهي بقيامته، بل ليقتادهما إلى معرفة حقيقة الخلاص الذي صنعه لأجلهما ولأجل البشرية جمعاء وقالا بعضهما لبعض: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا، إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟!" (لو24: 32) أشفق السيد المسيح على تلميذيّ عمواس، لأنهما كانا في حزن وألم بعد الصلب. وبحكمة عجيبة استطاع من خلال شرح الكتب المقدسة -أنفاس الله- أن يتدرج بهما من الحزن واليأس إلى الفرح والرجاء.. حتى ارتفعت روحاهما إلى المستوى الذي عاينا به الرب القائم من الأموات بأعين منفتحة تستطيع أن تراه وتعرفه وتشهد لقيامته المجيدة ليتنا يا رب نصغى لكلامك بقلوب ملؤها الاشتياق إلى معرفة الحق، حتى نستطيع أن نراك بأعين قلوبنا. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
20 مايو 2019

إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم

"إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو20: 17)ارتضى السيد المسيح في اتضاعه أن يحسب نفسه ضمن إخوته من البشر. لأنه كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء ما خلا الخطية وحدها لهذا قال لمريم المجدلية: "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو20: 17). في قوله هذا كان يقصد أن يقول لتلاميذه أن إلهكم (أي الآب) قد صار إلهًا لي حينما أخليت نفسي متجسدًا وصائرًا في صورة عبد، وسوف يصير أبي السماوي (الذي هو أبي بالطبيعة)، أبًا لكم (بالتبني) حينما أصعد إلى السماء، وأرسل الروح القدس الذي يلِدكم من الله في المعمودية فبنزولي أخذت الذي لكم، وبصعودي تأخذون الذي لي فمن المعلوم أن أبوة الآب للسيد المسيح شيء وأبوته للبشر شيء آخر. فالسيد المسيح هو ابن الله بالطبيعة (بحسب لاهوته)، أما نحن فأبناء الله بالتبني كذلك هناك فرق بين وضعنا كعبيد لله، ووضع السيد المسيح الذي أخذ صورة عبد فنحن عبيد بحكم وضعنا كمخلوقين.. أما السيد المسيح فهو الخالق الذي أخلى ذاته وتجسد آخذًا صورة عبد، ووُجِد في الهيئة كإنسان، وصار ابنًا للإنسان الفرق بين كرامة السيد المسيح وكرامة إنسان مثل موسى النبي، شرحه معلمنا بولس الرسول وقال: "فإن هذا قد حُسِبَ أهلًا لمجد أكثر من موسى بمقدار ما لباني البيت من كرامة أكثر من البيت. لأن كل بيت يبنيه إنسان ما، ولكن باني الكل هو الله" (عب3:3، 4) أي أن الفرق في الكرامة بين السيد المسيح وموسى النبي، هو الفرق بين كرامة الخالق وكرامة المخلوق. بنوة السيد المسيح للآب السيد المسيح هو ابن الله الوحيد.. هو الوحيد الذي له نفس طبيعة الآب وجوهره بالولادة الأزلية من الآب وكل ولادة أخرى من الله هي بالتبني، وليس بحسب الطبيعة والجوهر ولادة الابن الوحيد من الآب، قبل كل الدهور، هي مثل ولادة الشعاع من النور بنفس طبيعته وجوهره وكما يقول صاحب القداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث إن المسيح هو الكلمة (اللوغوس)بمعنى أنه هو "العقل المنطوق به" فأقنوم الابن الكلمة له ولادتان: الولادة الأولى: أزلية من الآب بحسب ألوهيته. الولادة الثانية: في ملء الزمان من العذراء مريم بحسب إنسانيته. ويقول معلمنا بولس الرسول: "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8)،أي أنه هو هو نفسه في الماضي والحاضر والمستقبل - قبل التجسد وفي التجسد وإلى أبد الدهورأي أن الذي ولد من الآب قبل الدهور، هو هو نفسه الذي تجسد من العذراء في ملء الزمان، وولد منها بحسب الجسد ونفس كلمات القديس بولس الرسول يرددها الأب الكاهن في الأرباع الخشوعية وهو يبخر ما بين الخورس الأول والخورس الثاني في الكنيسة في دورة بخور عشية وباكر وفي دورة البولس في القداس الإلهي، إذ يقول: (يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد، بأقنوم واحد نسجد له ونمجده) ابن الله الأزلي هو هو نفسه ابن الإنسان هو كلمة الله الذي أخذ جسدًا من العذراء مريم - بفعل الروح القدس- جاعلًا إياه جسده الخاص وكل ما يُنسب إلى جسد الكلمة الخاص يُنسب إلى الكلمة، مثل الولادة والألم والموت.. مع أن الكلمة بحسب طبيعته الإلهية لا يحتاج إلى ولادة جديدة، ولا يتألم، ولا يموت، ولكن إذ صار له جسد، فقد تألم ومات بحسب هذا الجسد، ناسبًا إلى نفسه كل ما يخص جسده الخاص لهذا دُعيت العذراء مريم "والدة الإله" (ثيئوتوكوس qeotokoc)، إذ أن الذي وُلد منها هو الإله الحقيقي كلمة الله المتجسد. وقد (ولدت لنا الله الكلمة بالحقيقة( كما نقول فيصلاة المجمع في القداس الإلهي. أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له لقد أخذ السيد المسيح صورة عبد، لكي نصير نحن على صورة الله ومثاله وقَبِلَ السيد المسيح أن يصير ابنًا للإنسان، لكي نصير نحن أولادًا لله لهذا كان يحلو له أن يدعو الرسل إخوته "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم.." (يو20: 17). وقد كُتب عنه في المزمور "أُخبر باسمك إخوتي، في وسط الجماعة أُسبحك" (مز22: 22) ويقول معلمنا بولس الرسول: "لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل، وبه الكل، وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمّل رئيس خلاصهم بالآلام. لأن المُقدِّس والمُقدَّسين جميعهم من واحد. فلهذا السبب لا يستحى أن يدعوهم إخوة قائلًا أخبر باسمك إخوتي، وفي وسط الكنيسة أسبحك" (عب2: 10-12)أخذ السيد المسيح البنوة للإنسان (التي تخصنا نحن)، وأعطانا البنوة لله (التي تخصه هو). لهذا قال لمريم المجدلية بعد قيامته من الأموات: "إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم" (يو20: 17). بنزوله من السماء شاركنا في البنوة للإنسان. وبصعوده إلى السماء أشركنا معه في البنوة لله، إذ أرسل الروح القدس الذي يلدنا في المعمودية من الله، ويصيّرنا أولادًا لله بالتبني على صورة الله ومثاله. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
19 مايو 2019

ربوني

بعد قيامة السيد المسيح ظهر لمريم المجدلية في البستان الذي كان به قبره المقدس وسألها عن سبب بكائها "قال لها يسوع: يا مريم. فالتفتت تلك وقالت له ربُّوني الذي تفسيره يا معلم. قال لها يسوع: لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو20: 16، 17) إن هذا اللقاء في البستان يذكّرنا بلقاء آخر في بستان (أي في الجنة) حينما أخفى الشيطان نفسه داخل الحية وخدع حواء. وها هي مريم المجدلية وهي تمثل البشرية مثل حواء. تلتقي بالرب القائم من الأموات وهو يتمشى داخل البستان وقد جاء كمعلم للصلاح وليقوم بإصلاح ما أفسدته الحية في القديم. في هذا اللقاء اختارت مريم المجدلية هذا اللقب "ربُّوني"الذى تفسيره يا معلّم لم تعد الحية هي مصدر التعليم، بل كلمة الله المتجسد هو المعلم، لهذا قالت له: "يا معلّم"لم تعد البشرية تنصت إلى الحية، بل أصبحت تهفو نحو السيد المسيح كمصدر للمعرفة لم تعد البشرية تأكل من شجرة معرفة الخير والشر، بل تأكل فقط من جسد الرب المصلوب القائم من الأموات لتعرف الخير وتثبت فيه، أي أنها تأكل من شجرة الحياة التي لا يموت آكلوها. كما أنها تتغذى بكلام الله وتتلذذ بوصاياه لم تعد البشرية تبحث عن المعرفة بعيدًا عن السيد المسيح، لهذا قال بطرس الرسول: "يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك" (يو6: 68) لم تعد البشرية تستمع إلى صوت الغريب، بل صارت تهرب منه لتستمع إلى صوت الراعي الصالح الذي يدعو خرافه الخاصة بأسمائها والخراف تتبعه لأنها تعرف صوته لم تعد البشرية تشتاق إلى أحاديث العالم أو الخطية، بل تشتاق إلى حديث المعلم الصالح. وتجلس عند قدميه لتتعلم وتختار النصيب الصالح الذي لا ينزع منها صارت كلمات مرثا لأختها مريم ترن في أذني كل نفس محبة للمسيح: "المعلّم قد حضر وهو يدعوك" (يو11: 28). وتكون أحلى الساعات هي بين يديه وفي حضرته. النداء واللقاء "نادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت" (تك3: 9، 10) لقد نادى الرب الإله قائلًا: يا آدم أين أنت؟ وها هو الآن في بستان القيامة ينادى مريم المجدلية قائلًا: يا مريم. وهنا تمثل مريم البشرية المفتداة. لم تهرب مريم ولم تختبئ بل كانت تبحث في كل موضع عن السيد المسيح عن جسده المصلوب إن جسد يسوع هو شجرة الحياة المفقودة وهي تبحث عنها لم تدرك مريم أن الذي كان يتمشى في فردوس القيامة هو السيد المسيح لأن إعلان القيامة لم يكن واضحًا بعد في ذهنها،ولكنه حينما ناداها باسمها عرفته وهرعت نحوه إن المسيح الذبيح في سر الافخارستيا يدعونا أن ندرك قوة قيامته وينادينا لكي نتمتع ببركات وأمجاد القيامة من خلال السر. ولكن يلزمنا أن نسمع صوته لكي ندرك حقيقة القيامة كان في الفردوس القديم آدم مع حواء وقد سمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار فهربا منه. ولكن في فردوس القيامة كان آدم الجديد هو نفسه الرب الذي يتمشى في الفردوس فلا آدم الجديد يختبئ من الرب لأنه هو نفسه الرب؛ ولا البشرية تختبئ لأن الرب قد صالحها ولم تعد ترتعب منه. لا تلمسيني كانت مريم المجدلية تريد أن تمسك بالسيد المسيح لئلا يختفي مرة أخرى. تريده أن يبقى على الأرض وتتمسك به. ولكنه منعها هذه المرة ليؤكد لها أنها لا تستطيع أن تحقق بقاء الفردوس على الأرض؛ وأن الفردوس عمومًا هو مكان مؤقّت، ولكن الملكوت السماوي هو المكان الدائم للوجود مع الرب فكأنه يقول لها: إذا أردت أن تمسكي بي فليكن ذلك في السماء. إني هنا لم أصعد بعد إلى أبي. ومن أراد أن يمسكني فليهرع إلى السماء إني لم أرتفع إلى مستوى الآب في نظرك فلا تلمسيني، ولا يمكن أن أبقى هنا على الأرض بل ينبغي أن أعود إلى الآب فلا تمسكيني. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
18 مايو 2019

ظنت أنه البستاني

بعد الصلب أخذ يوسف الرامي جسد يسوع، وجاء نيقوديموس، ووضعا الجسد المقدس في القبر الذي كان قريبًا جدًا من الجلجثة. وذلك حسبما ذكر معلمنا يوحنا في إنجيله "وكان في الموضع الذي صُلب فيه بستان، وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط، فهناك وضعا يسوع لسبب استعداد اليهود لأن القبر كان قريبًا" (يو19: 41، 42) وفي اتضاع عجيب ظهر السيد المسيح بعد قيامته في هيئة بستاني لمريم المجدلية التي كانت عند القبر ثم "التفتت إلى الوراء، فنظرت يسوع واقفًا. ولم تعلم أنه يسوع. قال لها يسوع يا امرأة لماذا تبكين من تطلبين؟ فظنت تلك أنهالبستاني فقالت له يا سيد إن كنت أنت قد حملته، فقل لي أين وضعته وأنا آخذه" (يو20: 14، 15) وهكذا لم يظهر السيد المسيح على الأرض بعد قيامته في صورة ملك متوج بالذهب والماس والثياب الملوكية، بل في صورة بستاني بسيط!بدأت القصة الأولى للبشرية في بستان، حيث وضع الرب الإله آدم في الجنة ليعملها (انظر تك2: 15). فكان آدم هو البستاني في الفردوس الأول ولكن آدم الأول لم يتمكن من البقاء في الفردوس أي في الجنة ليعملها، بل طُرد خارجًا. وصارت الأرض تنبت له شوكًا وحسكًا وجاء آدم الأخير، أو آدم الثاني، وحمل الأشواك على جبينه، ثم فتح الفردوس السماوي، وأدخل آدم وبنيه إلى هناك. ثم قام من الأموات، وجاء إلى الفردوس المجاور للقبر، وظهر في هيئة بستاني لمريم المجدلية. لكي يعيد إلى الأذهان قصة الخروج من الفردوس. ويؤكد أن الإنسان قد عاد مرة أخرى في شخصه المبارك ليعمل الجنة الجديدة، وهي كنيسته المقدسة، التي قال عنها: "أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم. أغراسك فردوس رمان مع أثمار نفيسة فاغية وناردين" (نش4: 12، 13) وقال سفر نشيد الأناشيد بروح النبوة عن قيامة السيد المسيح ودخوله إلى البستان بعد أن تألم، وقُبر، ووضعوا المر والعود حول جسده في القبر، ثم أكل شهد عسل مع تلاميذه بعد القيامة "قد دخلت جنتي يا أختي العروس. قطفت مري مع طيبي، أكلت شهدي مع عسلي" (نش5: 1) وكتب في نفس السفر أيضًا عن السيد المسيح "حبيبي نزل إلى جنته إلى خمائل الطيب ليرعى في الجنات ويجمع السوسن. أنا لحبيبي وحبيبي لي. الراعي بين السوسن" (نش6: 2، 3) وقالت عروس النشيد "استيقظي يا ريح الشمال وتعالى يا ريح الجنوب. هبي على جنتي فتقطر أطيابها. ليأت حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش4: 16) ما أجمل هذا المشهد العجيب: آدم الجديد في البستان مع إشراقة فجر جديد في حياة البشرية، إنه مشهد القيامة والحياة الجديدة تراه الكنيسة، فتنادى طالبة هبوب ريح الروح القدس من الشمال حاملة مياه النعمة الغزيرة، ومن الجنوب حاملة حرارة الحب الذي تنضج معه ثمار الروح في حياتها. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
17 مايو 2019

ظهورات لمريم المجدلية بعد القيامة

كما شرح لنا قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث فإن مريم المجدلية قد زارت القبر خمس مرات في فجر أحد القيامة وقد استغرقت أحداث هذه الزيارات وبأكثر تحديد الزيارات الأربعة الأولى الفترة ما بين ظهور أول ضوء في الفجر "إذ طلعت الشمس" (مر16: 2)، وتلاشى آخر بقايا ظلمة الليل "والظلام باق" (يو20: 1). وهي مدة لا تقل عن نصف ساعة في المعتاد يوميًا وكانت مريم المجدلية تذهب لزيارة القبر، ثم تعود إلى مدينة أورشليم بمنتهي السرعة، ثم تأتى إلى القبر مسرعة في زيارة تالية وهي تجرى ولأن موضع القبر كان قريبًا من أورشليم (انظر يو19: 20، 41)، لهذا لم تكن المسافة تستغرق وقتًا طويلًا. وبالرغم من أن مريم المجدلية قد قطعت هذه المسافة عشر مرات في زياراتها الخمسة، إلا أنها في الزيارات الأربعة الأولى، ومنذ وجودها عند القبر لأول مرة في فجر الأحد فإنها قطعت هذه المسافة ست مرات فقط. أي أنها استغرقت حوالى خمس دقائق في كل مرة ما بين القبر وأورشليم وبالعكس. ونظرًا لأهمية ترتيب أحداث القيامة، نورد فيما يلي بيانًا بالزيارات الخمسة لمريم المجدلية عند القبر حسبما أوردها الإنجيليون الأربع بترتيب حدوثها: الزيارة الأولى أوردها القديس مرقس في إنجيله كما يلي:"وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنه. وباكرًا جدًا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس. وكن يقلن فيما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر. فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج. لأنه كان عظيمًا جدًا. ولما دخلن القبر رأين شابًا جالسًا عن اليمين لابسًا حلة بيضاء فاندهشن. فقال لهن: لا تندهشن. أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه. لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم. فخرجن سريعًا وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن ولم يقلن لأحد شيئًا لأنهن كن خائفات" (مر16: 1-8) والدليل على أن هذه الزيارة كانت الأولى أن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب كن يقلن فيما بينهن: "من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر" (مر16: 3) إذ لم تكن مريم قد رأت الحجر مدحرجًا بعد. الزيارة الثانية بعد عودة مريم المجدلية من الزيارة الأولى إذ لم تخبر أحدًا بما قاله الملاك في الزيارة الأولى لأنها كانت خائفة، ذهبت مرة أخرى في صُحبة القديسة مريم العذراء لتنظرا القبر. وقد أورد القديس متى في إنجيله هذه الواقعة دون أن يذكر القديسة العذراء مريم بالتحديد مسميًا إياها "مريم الأخرى""وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. فأجاب الملاك وقال للمرأتين: لا تخافا أنتما. فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعًا فيه. واذهبا سريعًا قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه. ها أنا قد قلت لكما. فخرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه. وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع لا تخافا، اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني" (مت28: 1-10) في قول القديس متى: "إذا زلزلة عظيمة قد حدثت" لا يعني أن الزلزلة قد حدثت وقت تلك الزيارة، بل سبقتها وسبقت الزيارة الأولى أيضًا وقد أورد القديس مرقس هذه الزيارة باختصار في إنجيله، وهي التي رأت فيها مريم المجدلية السيد المسيح وهي في صحبة القديسة مريم العذراء. وذكر هذه الواقعة بعد أن ذكر الزيارة الأولى: "وبعدما قام باكرًا في أول الأسبوع، ظهر أولًا لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين. فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون. فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا" (مر16: 9-11) وبهذا نرى كيف أكرم السيد المسيح أمه العذراء والدة الإله: إذ لم يظهر لمريم المجدلية في زيارتها الأولى مع مريم أم يعقوب وسالومة. بل ظهر لها حينما حضرت مع أمه. وفي تلك الزيارة تم تنفيذ رغبة السيد المسيح بسرعة في إبلاغتلاميذه كما ذكر القديس متى إذ خرجتا من القبر "راكضتين لتخبرا تلاميذه" (مت28: 8) ليتنا نطلب صُحبة القديسة مريم العذراء في حياتنا الروحية، لنرى السيد المسيح بأعين قلوبنا ونبشر بقيامته بغير تردد. لأن العذراء هي مثال الطاعة والتسليم بين جميع القديسين. الزيارة الثالثة بعد أن أخبرت مريم المجدلية التلاميذ بقيامة السيد المسيح، أرادت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب أن تذهبا مرة أخرى إلى القبر مع مجموعة من نساء عديدات. وقد أورد القديس لوقا في إنجيله هذه الزيارة بعد أن سرد أحداث الدفن يوم الجمعة. وراحة يوم السبت "وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وُضع جسده. فرجعن وأعددن حنوطًا وأطيابًا. وفي السبت استرحن حسب الوصية. ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس فوجدن الحجر مدحرجًا عن القبر. فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع. وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة. وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض. قالا لهنَّ: لماذا تطلبن الحي بين الأموات. ليس هو ههنا لكنه قام. اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلًا: إنه ينبغي أن يُسلّم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم. فتذكّرن كلامه. ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله. وكانتمريم المجدلية، ويونا، ومريم أم يعقوب، والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل. فتراءى كلامهن لهم كالهذيان. ولم يصدقوهن" (لو23: 55 -24: 11) بعد هذه الزيارة إذ لم يصدِّق الآباء الرسل كلام النسوة بدأ الشك يساور مريم المجدلية فقررت أن تذهب إلى القبر بمفردها. هذه هي الزيارة التالية. الزيارة الرابعة ذهبت إلى القبر بمفردها قبل نهاية بقايا ظلمة الليل. وقد أورد القديس يوحنا الإنجيلي هذه الزيارة كما يلي: "وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا والظلام باق. فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر. فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه.فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر. وكان الاثنان يركضان معًا. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولًا إلى القبر. وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان، بل ملفوفًا في موضع وحده. فحينئذ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أولًا إلى القبر ورأى فآمن. لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات. فمضى التلميذان أيضًا إلى موضعهما" (يو20: 1-10) والعجيب أن مريم المجدلية بعد هذه الزيارة، بدأت تردد كلامًا مغايرًا تمامًا لما سبق أن قالته بعد الزيارتين الثانية والثالثة حينما أخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وبكلامه ثم بكلام الملاكين عن قيامته بعد الزيارة الرابعة بدأت تردد عبارة تحمل معنى الشك في قيامة السيد المسيح بالرغم من ظهوره السابق لها وظهورات الملائكة المتعددة قالت للقديسين بطرس ويوحنا الرسولين: "أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه؟!" (يو20: 2) بعد هذا الكلام وبعد أن علم الرسل أن الحراس قد انصرفوا من أمام القبرذهب بطرس ويوحنا الرسولان إلى القبر وتبعتهما مريم المجدلية. وكانت هذه هي زيارتها الخامسة والأخيرة للقبر في أحد القيامة. وحفلت هذه الزيارة بأحداث هامة غيرّت مجرى حياتها وتفكيرها تمامًا. الزيارة الخامسة أورد القديس يوحنا في إنجيله أحداث هذه الزيارة بعد كلامه السابق مباشرة كما يلي"أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكى. وفيما هي تبكى انحنت إلى القبر، فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين، حيث كان جسد يسوع موضوعًا. فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين. قالت لهما إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه. ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفًا ولم تعلم أنه يسوع. قال لها يسوع: يا امرأة لماذا تبكين. من تطلبين؟ فظنت تلك أنه البستاني فقالت له: يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه. قال لها يسوع: يا مريم. فالتفتت تلك وقالت له: ربوني؛ الذي تفسيره يا معلم. قال لها يسوع: لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم، فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا" (يو20: 11- 18) في هذه الزيارة الخامسة والأخيرة للقبر، نرى مريم المجدلية وهي في اضطراب وشك وبكاء، تردد قولها السابق الذي قالته للرسولين بطرس ويوحنا. فقالت نفس العبارة للملاكين الجالسين داخل القبر "أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه" (يو20: 13). ثم وصل بها الحال أن قالتها للسيد المسيح نفسه عند ظهوره لها للمرة الثانية: "يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه" (يو20: 15). وكانت قد ظنت أنه البستاني ولم تعلم أنه يسوع (انظر يو20: 14، 15) وحينما ناداها السيد المسيح باسمها قائلًا: "يا مريم" (يو20: 16)، كان يريد أن يعاتبها على كل هذه البلبلة والشكوك التي أثارتها حول قيامته، وعلى ما هي فيه من شك في هذه القيامة المجيدة، ثم رغبتها في الإمساك به لئلا يفلت منها مرة أخرى بعد أن أمسكت سابقًا بقدميه وسجدت له في ظهوره الأول لها مع العذراء مريم (انظر مت 28: 9) في هذه المرة قال لها مؤنبًا: "لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي" (يو20: 17). كان هذا تأنيبًا شديدًا لها لأنها شكّت في قيامته، وتريد أن تمسكه لئلا يختفي مرة أخرى إنها بشكها في قيامته؛ تكون قد شكت في قدرته الإلهية في أن يقوم من الأموات. وكأنه ليس هو رب الحياة المساوي لأبيه السماوي في القدرة والعظمة والسلطان. وبهذا يكون لم يرتفع في نظرها إلى مستوى الآب.. كما إنها تريد أن تمنع اختفاءه من أمام عينيها لكي لا تشك في القيامة.. وبهذا تكون كمن يريد أن يمنع صعوده إلى السماء.. وماذا يكون حالها بعد صعوده فعلًا ليجلس عن يمين الآب لهذا أمرها بصريح العبارة: "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو20: 17) في هذه المرة فهمت مريم المجدلية أنها ينبغي أن تقبل فكرة صعود السيد المسيح الذي لم يكن قد صعد بعد بالرغم من اختفائه عن عينيها بعد قيامته، كما أنه بقى على الأرض أربعين يومًا كاملين بعد القيامة لحين صعوده إلى السماءأمام أعين تلاميذه وقديسيه لهذا "جاءت مريم المجدلية، وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب، وأنه قال لها هذا" (يو20: 18) وكما عالج السيد المسيح شك توما في يوم الأحد التالي لأحد القيامة، هكذا عالج شكوك المجدلية بظهوره لها مرة أخرى في أحد القيامة، في البستان كانت السيدة العذراء مريم عجيبة ومتفوقة في إيمانها- فقد آمنت قبل أن ترى السيد المسيح قائمًا من الأموات، وآمنت حينما أبصرته، وآمنت حينما أمسكت بقدميه وسجدت له.. وقبلت صعوده في تسليم كامل، لأنها كانت تعرف أنه ينبغي أن يجلس عن يمين أبيه السماوي، ولا يكون لملكه نهاية، حسبما بشرها الملاك قبل حلول الكلمة في أحشائها متجسدًا.. لهذا حقًا قالت لها أليصابات بالروح القدس: "طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (لو1: 45). والظلام باقٍ "وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا، والظلام باقٍ" (يو20: 1) كان النهار قد بدأ منذ حوالي نصف الساعة، ولكن بقايا الظلام كانت ما تزال موجودة ناحية الغرب لأن النور يأتي من الشرق ويتدرج حتى ينسحب الظلام تمامًا في ناحية الغرب ولكن هناك معنى آخر وراء كلمة "الظلام باقٍ".. لأن مريم المجدلية بالرغم من رؤيتها للسيد المسيح القائم هي ومريم الأخرى إذ "أمسكتا بقدميه وسجدتا له" (مت 28: 9) وكان ذلك بعد زيارتها الأولى للقبر بعد قيامته مباشرة، إلا أنها في هذه المرة قبل وأثناء زيارتها الأخيرة بدأت تردد قولها للتلاميذ، وبعد ذلك للملائكة وللسيد المسيح نفسه:"أخذوا السيد من القبر، ولسنا نعلم أين وضعوه" (يو20: 2) فمعنى هذه العبارة هو أنها لم تفهم بعد بوضوح حقيقة القيامة، أو لم يكتمل إيمانها بقيامة السيد المسيح -لذلك قيل أنها جاءت إلى القبر باكرًا، والظلام باقٍ. أي أن ظلمة عدمالمعرفة كانت ما تزال باقية تحتاج إلى من يجليها عن عقلها وإيمانها. ولنفس السبب لم تعرف السيد المسيح عندما ظهر لها ثانية وظنته أنه هو البستاني الذي يهتم بالبستان، حيث كان القبر الذي وضع فيه جسد السيد المسيح (انظر يو20: 15). كان الظلام باقٍ ولذلك لم تعرفه في تلك المرة. فناداها باسمها حتى تفيق من غفلتها الروحية وتستنير بالإيمان. انحنى "فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر. وكان الاثنان يركضان معًا. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولًا إلى القبر. وانحنى فنظر الأكفان موضوعة، ولكنه لم يدخل" (يو 20: 3-5) لماذا انحنى التلميذ لكي ينظر داخل القبر. معنى ذلك أن باب القبر كان منخفضًا بصورة تحتم الانحناء وتكرر نفس الكلام بالنسبة لمريم المجدلية "أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكى. وفيما هي تبكى انحنت إلى القبر" (يو20: 11) من أراد أن يؤمن بالرب القائم من الأموات.. يؤمن بالفداء وبموت الرب وقيامته، ينبغي أن ينحني أمام هذه الحقيقة الفائقة للوصف. لا يستطيع أن يقبل الإيمان إلا القلب المنكسر والمتواضع، لأن "يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع4: 6) إن من يزور الأديرة القديمة يلاحظ أن باب الدير الخارجي وباب الكنيسة دائمًا يكون منخفضًا، ويُلزِم الداخل بالانحناء.. أليس هذا هو بداية الطريق الروحي: المسكنة بالروح؟! واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين "فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين، واحدًا عند الرأس، والآخر عند الرجلين، حيث كان جسد يسوع موضوعًا" (يو 20: 12) جسد الرب يسوع هو السلم الموصل من الأرض إلى السماء. هكذا رآه الأب يعقوب بروح النبوة والملائكة صاعدة ونازلة عليه وقيل أيضًا إن "السماء هي كرسي الله والأرض هي موطئ قدميه" (انظر مت 5: 34، 35) فالملاك عند موضع الرأس يشير إلى السماء حيث كرسي الله. والملاك عند موضع القدمين يشير إلى الأرض حيث تجسد السيد المسيح وصنع الفداء كان من الممكن أن تملأ الملائكة قبر السيد المسيح ولكن وجود الملاكين بهذه الصورة يرفع عقولنا نحو هذه الحقيقة: إن جسد يسوع هو الطريق المؤدى من الأرض إلىالسماء.. هكذا أظهرت لنا ملائكة القيامة وقد اعتادت الكنيسة أن تضع شمعدانين منيرين فوق المذبح أثناء الخدمة الطاهرة، وهذان الشمعدانان يرمزان إلى ملائكة القيامة نفس الأمر تمارسه الكنيسة عند قراءة الإنجيل المقدس حقًا لقد جمع السيد المسيح ما في السماوات وما على الأرض بخلاصه العجيب. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
16 مايو 2019

القيامة هي موضوع شهادة

قبل التجلي بستة أيام أنبأ السيد المسيح تلاميذه عن آلامه وموته وقيامته، وقد سجل القديس متى الإنجيلي ذلك بقوله: "من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم" (مت16: 21) أراد السيد المسيح بذلك أن يجعلهم يفهمون أنه سوف يبذل للموت نفسه بإرادته، وأنه سوف يقوم بسلطانه الإلهي كان ينبغي لكي يخبرهم بقيامته أن يخبرهم بموته، لأنه لا توجد قيامة إلا من الموت. ولولا الموت لما كانت القيامة كانت القيامة هي أقوى برهان على لاهوته، وعلى خلوه من الخطية الأصلية التي لآدم. وكذلك برهان على بره الكامل، ونقاوته المطلقة في حياته الإنسانية، وعلى قبول ذبيحته أمام الله الآب لغفران خطايا العالم إن قيامة السيد المسيح من الأموات، هي عماد الديانة المسيحية، وموضوع شهادة الآباء الرسل للعالم، بحسب وصية الرب لهم "تكونون لي شهودًا" (أع1: 8). وحينما أرادوا أن يختاروا من يحل محل يهوذا الإسخريوطى ويأخذ وظيفته الرسولية قالوا: "فينبغى أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج، منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنّا يصير واحد منهم شاهدًا معنا بقيامته" (أع1: 21، 22) وقد أزعجت شهادة الرسل لقيامة السيد المسيح رؤساء كهنة اليهود والفريسيين والصدوقيين، وحاولوا أن يمنعوها بكل الوسائل. سواء بالتهديد والوعيد أو بالتنكيل والتعذيب. ولكن كانت إجابة الآباء الرسل الثابتة هي "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع4: 20) وحينما شفى بطرس ويوحنا الرسولان الرجل الأعرج عند باب الهيكل الذي يقال له الجميل "بينما هما يخاطبان الشعب أقبل عليهما الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون، متضجرين من تعليمهما الشعب وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات. فألقوا عليهما الأيادي ووضعوهما في حبس إلى الغد وحدث في الغد أن رؤساءهم وشيوخهم وكتبتهم اجتمعوا إلى أورشليم مع حنان رئيس الكهنة وقيافا ويوحنا والإسكندر وجميع الذين كانوا من عشيرةرؤساء الكهنة" (أع4: 1-3، 5، 6). فقال لهم الآباء الرسل: "فليكن معلومًا عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأموات. بذاك وقف هذا أمامكم صحيحًا" (أع4: 10). في كل عظة للرسل كانوا ينادون بقيامة الرب يسوع المسيح من الأموات: ففي عظة يوم الخمسين قالوا: "الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه" (أع2: 24) وقالوا أيضًا: "يسوغ أن يُقال لكم جهارًا عن رئيس الآباء داود أنه مات ودُفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبيًا وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه، سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه لم تُترَك نفسه في الهاوية، ولا رأى جسده فسادًا. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك" (أع2: 29-32) وفي عظة باب الهيكل الجميل قالوا: "إله آبائنا مجَّد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطسوهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (أع3: 13-15) وإلى جوار ما سبق أن ذكرناه في حوار بطرس ويوحنا مع رؤساء اليهود بعد شفاء الأعرج عن قيامة السيد المسيح فإن حوارًا آخر قد دار بعد القبض على كل الآباء الرسل ووضعهم في حبس العامة، وإخراج ملاك الرب لهم في الليل من السجن، وإحضارهم في اليوم التالي "فلما أحضروهم أوقفوهم في المجمع. فسألهم رئيس الكهنة قائلًا: أما أوصيناكم وصية أن لا تعلِّموا بهذا الاسم، وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان فأجاب بطرس والرسل وقالوا: ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس. إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلّقين إياه على خشبة" (أع5: 27-30) وفي خطاب استفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء أمام مجمع اليهود قال: "ها أنا أنظر السماوات مفتوحةوابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع7: 56) وعندما أرسل الرب بطرس ليكرز بالكلمة في بيت كرنيليوس الذي كان من الكتيبة التي تُدعى الإيطالية قال عن السيد المسيح: "ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم. الذي أيضًا قتلوه معلقين إياه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث. وأعطى أن يصير ظاهرًا، ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فانتخبهم لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات" (أع10: 39-41) وفي أنطاكية بيسيدية قال بولس الرسول في مجمع اليهود عن السيد المسيح: "ولما تمموا كل ما كُتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر. ولكن الله أقامه من الأموات. وظهر أيامًا كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب. ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا؛ إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضًا في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك. إنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضًا إلى فساد" (أع13: 29-34) في هذا الخطاب ربط القديس بولس بين بنوة المسيح لله في قول المزمور: "أنت ابني" (مز2: 7) وبين القيامة، لأن القيامة كانت نتيجة حتمية لاتحاد اللاهوت بالناسوت.. إذ أن الذي مات بحسب الجسد هو هو نفسه القدوس الحي الذي لا يموت بحسب لاهوته. وقام بسلطانه الإلهي منتصرًا على الموت، لأنه قَبِل الموت بإرادته وليس انهزامًا أمامه وقد ربط القديس بولس مرة أخرى الأمرين معًا في رسالته إلى أهل رومية بقوله عن إنجيل الله: "الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة، عن ابنه. الذي صار من نسلداود من جهة الجسد. وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات. يسوع المسيح ربنا" (رو1: 2-4). أي أن القيامة كانت برهانًا قويًا على بنوة السيد المسيح للآب وحينما تكلم القديس بولس الرسول في أثينا في أريوس باغوس شهد لقيامة المسيح فقال: "فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيًا عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يومًا هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيّنه مقدمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات" (أع17: 30، 31) وفي خطابه أمام أغريباس الملك قال: "إن يُؤلَّم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعًا أن ينادى بنور للشعب وللأمم" (أع26: 23)وهكذا نرى كيف اهتم الآباء الرسل القديسون بالشهادة لقيامة السيد المسيح في كرازتهم بالإنجيل، وتعليمهم للشعب، ومجاهرتهم بالإيمان. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل