المقالات
18 يناير 2025
يوحنا المعمدان ليلة عيد الغطاس
هذا اليوم يا أحبائىِ يوم عيد الظهور الإِلهىِ الذى تُعطيه الكنيسة مقام عالىِ جدا وتجعلهُ أحد الأعياد السيّديّة الكُبرى وتجعل لهُ إحتفال وصلوات خاصة بهِ بِطقس فرايحىِ فهى مُناسبة كُلّها فرح وكُلّها سرور لأنّ الله صار كواحد منّا وبِكر بين الخليقة ومن خلال صلوات عيد الغُطاس نشعُر أنّ الكنيسة بتُشير بقّوة جداً لِشخصية يوحنا المعمدان والكنيسة بتضع يوحنا المعمدان فىِ رُتبة عالية جداً0
عظمة يوحنا المعمدان :-
فنحنُ نجد أنّ كُل القديسين بنطُلب صلواتهُم أمّا الشفاعة فنطلُبها من الست العدرا ويوحنا المعمدان ، يكفىِ شِهادة الرب يسوع نفسهُ إنّهُ أعظم مواليد النساء وأعظم من نبىِ والكنيسة بِتضعهُ بعد أيقونة السيد المسيح والكنيسة تُلّقبهُ بالسابق فهو الذى مهدّ لربنا يسوع المسيح وكانوا يسألوهُ هل أنت إِيليّا مَن أنت فواضح من السؤال أنّهُ كان شاغلهُم " ماذا تقول عن نفسك " فكان شخصية مُحيّرة جداً لدرجة أنّهُ مَن بِداية ميلادهُ يقولوا أنّهُ " وقع خوف على كُل جيرانهُم " ومَن بطن أُمهِ إمتلأ بالروح القُدس " وكان ينمو ويتقّوى بالروح وكان فىِ البرارىِ إلى يوم ظُهورهِ لإسرائيل " ( لو 1 : 80 ) " ويتقدّم أمامهُ بروح إيليّا وقّوتهِ ليرُدّ قلوب الآباء إلى الأبناء والعُصاة إلى فِكر الأبرار لكى يُهيّىء للرّب شعباً مُستعداً "( لو 1 : 17 ) فهو أتى ليُهيّىء للرّب شعباً مُستعداً لِذلك نشعُر أنّ الكِتاب المُقدّس يُكرمهُ وحياتهُ تُكرمهُ لأنّهُ نبىِ وأعظم من نبىِ فكُلّما نقترب من يوحنا المعمدان نشعُر بِعظمتهُ ، عظمتهُ فىِ مولدهِ ، لدرجة أنّهُ يتكلّم مع هيرودس بجبروت ، لأنّ الحق الذى بِداخلهُ حق لابُد أن يُعلن لا يستطيع أن يكتمهُ ، فضلّ أن يكون بِلا رأس على أن يكون بِلا ضمير ، لم يُفضلّ السكينة والطُمأنينة ، وهو لم يكُن فقط وبخّ هيرودس لسبب هيروديّا إمرأة فيلُبّس أخيهِ ولكن " لسبب جميع الشرور التى كان هيرودس يفعلها " ( لو 3 : 9 ) فالكُل عارف وساكت لكن يوحنا لا يستطيع أن يكتم ، ولكن الحق تجدهُ بيعلنهُ وبِجبروت ، إنّهُ أعظم من كُل الأنبياء ، فإنّهُ يوجد أنبياء عُظماء جداً ولكن يوحنا جاء" ليُعدّ طريق الرب " فهو جاء ليفرش للملك ، جاء ليُهيّىء القلوب " أعدّوا طريق الرب إصنعوا سُبلهُ مُستقيمة " وأشعياء قال " صوت صارخ فىِ البريّة " ومَن هو الصوت ؟! هو يوحنا المعمدان ، وكان يعيش فىِ البرارى وإختفى فىِ البريّة إلى يوم ظهورهُ لإسرائيل وبالتأكيد إكتسب من البريّة أشياء كثيرة ، لِذلك فهى أعطتهُ عظمة ، أعطتةُ قوة " كُل وادٍ يمتلىء وكُل جبلٍ وأكمه ينخفض وتصير المُعّوجات مُستقيمة والُشعاب طُرقاً سهلة ويبُصر كُل بشرٍ خلاص الله " إبتدأ يُكلّمهُم بكُل قوة " والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجرة0 فكُلّ شجرةٍ لا تصنعُ ثمراً جيّداً تُقطع وتُلقى فىِ النار " ( لو 3 : 9 ) ، ما هذا الكلام القوى فهذا هو يوحنا المعمدان ، صوت مُوبّخ لكُلّ نفس تعيش فىِ كسل وفىِ عدم مخافة الله والكنيسة تُرّكز على حادثة يوحنا المعمدان ، لأنّ لو لم يكُن يوحنا صوت صارخ لغُفران الخطايا ما إستطعنا أن نستقبل ربنا يسوع المسيح ، فهو صوت صارخ فىِ كُل قلب ، صوت يوحنا لابُد أن يدوىِ فىِ بريّة نفسىِ الموحشة " تُب " 0
لابُد أنّ حياتىِ تكون مرضيّة لربنا وشجرتىِ يكون فيها ثمر ، فأشعياء قال " صوت صارخ فىِ البريّة " ، وهذا الكلام قالهُ رب المجد عن يوحنا المعمدان مُنذُ 850 سنة ، ففىِ سِفر ملاخىِ يقول " هأنذا أُرسل ملاكىِ فيُهيّىء الطريق أمامىِ "( ملا 3 : 1 ) ، فملاخىِ تنبّأ عن مجيئهُ مُنذُ مِئات السنين ، تنبّأ عن مجىء هذا العظيم الصوت الصارخ لِدرجة إن زكريّا الكاهن فىِ لوقا يقول عنهُ " وأنت أيُّها الصبىّ نبىِّ العلىّ تُدعى لأنّك تتقدّم أمام وجه الرّب لتُعدّ طُرُقهُ " ( لو 1 : 76 ) لهذهِ الدرجة ؟! " نبىِّ العلىّ تُدعى تتقدّم أمام وجه الرب لتُعدّ طُرُقهُ لتُعطىِ شعبهُ معرفة الخلاص بِمغفرة خطاياهُم " ، والقديسين كثيراً ما يربطوا بين يوحنا المعمدان وإيليّا النبىِ فىِ القوة فنجد إيليّا ظهر فجأة ووقف أمام أخآب الملك ( 1 مل 18 : 17 ، 18 ) ويوحنا نجدهُ كبر وظهر فجأة من البرّية إيليّا النبىِ كانت هُناك إمرأة إسمها إيزابل كانت بِتكمن لهُ شرور وهدّدتهُ بالقتل ( 1 مل 19 : 1 ، 2 ) ، كذلك يوحنا توجد إمرأة كانت تُكمن لهُ شرور وطلبت رأسهُ ( مت 14 : 6 – 11 ) يوحنا المعمدان يحمل روح قوية ، روح موبّخة ، روح مؤنّبة ، قال للعشارين " لا تستوفوا أكثر ممّا فُرض لكُم " ( لو 3 : 13 )، وكان يأتىِ إليهِ الجنود ويقولوا لهُ ماذا نفعل فكان يقول لهُم " لا تظلموا أحداً ولا تشوا بأحدٍ وأكتفوا بعلائفكُم " ،وكان يقول للناس " فأصنعوا أثماراً تليق بالتوبة " ( لو 3 : 8 ) إبتدأ يُعلّم كُل فئة كيف تقترب من الله من خلال حياتها العمليّة هيروديّا لم تستطع أن تحتمل صوت ربنا الذى يُوبّخها ، لِذلك النفس البعيدة عن ربنا تُريد أن تتجنّب صوت ربنا وتنساه وتكون ملهيّة عن ربنا الضمير بيفقد حساسيتهُ والنفس بتهرب من الفأس الموضوعة على أصل الشجرة لِذلك قُلّ لهُ يارب أعطينىِ زمان فأنت لست مُحتاج أن يحلّ الروح عليك ولا الحمامة تستقر عليك ،وأنت فىِ نهر الأردُن أنا كُنت فيك ، فالحمامة والروح إستقر علىّ فالقديس يوحنا المعمدان هو نبىِ بل أعظم من نبىِ ، عاش فىِ البريّة ، عاش فىِ حياة كُلّها بِر وكُلّها تقّوى 0
سر عظمة يوحنا المعمدان :-
وهى نُقطتين فقط :-
أول نُقطة مُهمة جداً عندما نأتىِ بِسيرة يوحنا المعمدان نتكلّم عن :-
1- بيت يوحنا المعمدان:-
الذى صنع يوحنا المعمدان تقّوى أبوه وأُمه " زكريّا وأليصابات " الإنجيل يقول عنهُما " وكانا كلاهُما بارّين أمام الله سالكين فىِ جميع وصايا الرّبّ وأحكامِهِ بلا لومٍ "( لو 1 : 6 ) الأب والأُم فىِ البيت بارّين أمام ( الله ) وليس أمام ( الناس ) فالإنسان مُمكن يكون برّهُ أمام الناس بِر شكلىِ وبِر نسبىِ ، ولكن هُم بارّين أمام الله الذى يفحص القلوب لابُد أن نبحث عن بِرّنا الحقيقىِ ، فنحنُ مُمكن أن نكون فىِ الكنيسة شىء وفىِ البيت شىء آخر ، لماذا نحنُ نكون فىِ البيت شخصيّة غير الشخصيّة التى فىِ الكنيسة؟ لماذا يملُك علينا فىِ البيت الصوت العالىِ والعصبيّة والغضب وعدم الطاعة ؟
فالقديس يوحنا فم الذهب يقول " فالأولاد مهما أخذوا من دروس بالمدرسة يعودون ويستذكرونها باقىِ النهارفلنحرص على ما نسمعهُ حرصنا على نقودنا ومُقتنياتنا لأننّا أُعطينا كلِمات أثمن من الذهب والأحجار الكريمة وقبلنا الروح القُدس " فالأولاد لابُد أن يرجعوا البيت ويذاكروا الدروس ، فلماذا حياتنا بعيدة عن الوصيّة ولم نجد فىِ أولادنا الثمر الذى المفروض أن نجدهُ فأنسب شىء فىِ الحياة المسيحيّة أن لا نتكلّم عن الصلاة بدون أن نُصلّىِ ، علّمنىِ بِحياتك قبل كلامك لىّ ، فهل نحنُ نُصلّىِ بأنتظام ؟! هل نحنُ حريصين على الحضور فىِ بيت ربنا ؟ هل حريصين على زرع المحبة فىِ داخلهُم ؟ فعادةً نقول لهُم إيّاك أنّ فُلان يحصُل على درجات أعلى منّك ، فإن كان البيت بيزرع مخافة ربنا فلو نجد زكريّا وأليصابات سنجد يوحنا فلا تعتقدوا أنّ الحياة أيامهُم كانت مِثاليّة لا زكريّا كان بار فىِ جو ليس فيهِ بِر ، فإنّهُ صعب أنّ زكريّا أرضى الله فىِ جو رُبما كُل المُحيطين بهِ كان فاسد ولا تقولوا أنّهُ لم يكُن عِندهُم مُشكلة ، فعُقم اليصابات كان مُشكلة كبيرة عِندهُم ، لدرجة أنّهُ الملاك عندما ظهر لزكريّا قال لهُ " طِلبتك قد سُمعت " وهذا دليل على أنّها كانت طِلبتهُم بإستمرار ، وأيضاً زكريّا فضلّ أن لا يتزوج بإمرأة أُخرى بالرغم من أنّ الناموس يُشرّع لهُ الزواج ، فزكريّا بِتقواه إرتقى فوق الناموس ففىِ البيت نهتم جداً بأكل الأولاد وشُربهُم ، وكما يقول أحد الآباء " نحنُ لم نُقدّم مشروع تسمين فىِ البيت " فأكل طالع وأكل داخل ، والأكل الروحىِ هو الأهّم ، هو الأبقى ، فأحد الآباء يقول" إنّ البطن لا تستطيع أن تحتفظ بالأطعمة " ، تخيلّوا أننّا مُهتمين بالأكل وبالمظهر مَن مُهتم أن يحتفل بالقديسين فىِ بيتهُ ، مَن يحتفل بالست العدرا فىِ بيتهُ الإحتفال الأجمل هو الذى فىِ البيت مَن الذى يأخُذ أولادهُ مَن بِداية النهار للقُدّاس ؟ وأسألهُم ماذا كان يقول الأبركسيس ؟ فأنا لىّ رِسالة من جهتهُم ، ربنا بيُعطينا عجينة جميلة الزمن بيخرّبها ولكن ماذا نعمل نحنُ لهُم ؟
" الكنيسة التى فىِ بيتك الإيمان العديم الغِش " القديس بولس الرسول يقول لتلميذهُ تيموثاوس أنا مُطمئن عليك لأنّ عِندك الإيمان العديم الغش فيجب أن تهتم بروحياتهُم ، فهل عِندنا نفس الغيرة ونفس الإهتمام ؟ هل أحرص أن يكون فىِ البيت مكتبة تُناسب سِن الإبن ؟ هل أشُعر إن أنا لىّ دور أن أُدخل هذهِ النفس للملكوت ؟ فمُمكن أن يصير إبنىِ دكتور ويكون غير مُوفّق فىِ حياتهُ فأبونا بيشوى كامل ذهب لواحد ليفتقدهُ فأبوه قال لهُ إن إبنىِ فىِ هذهِ السنة لم يكُن عِندهُ وقت فهو فىِ ثانويّة عامّة وبيأخُذ دروس ، وكان بيطلُب منهُ الخادم أن يجلس معهُ ولو لوقت بسيط ، فكان يقول لهُ لا يوجد عِندهُ وقت لِذلك تمُرّ السنين ويُصبح الخادم كاهن ويأتىِ إِليهِ الأب ويقول لهُ أنا إبنىِ أصبح دكتور فىِ المُستشفى وإرتبط بِممُرّضة فىِ المُستشفى وأنا غير قادر أن أُقف مشاعرةُ فالسماء لا يوجد فيها شِهادات ، فلا نُهمل حياتهُم الداخليّة ، فهل ربنا سيسألنىِ هل هو مُدرّس أم دكتور ولكن ربنا سيسألنىِ عن الأمانة التى أعطتها لك ماذا فعلت بِها ؟! ، فالجو الذى نُرّبىِ فيهِ أولادنا صعب ، ولِذلك نجد أنّ القديس أوغسطينوس مديون لدموع مونيكا ، فدموع مونيكا هى التى صنعت أوغسطينوس ، فالقديس بولس الرسول يقول ثلاث سنين لم أفتُر ليلاً ونهاراً عن أن أُنذركُم بِدموعىِ ، فهو يُنذر بالدموع ، فأنا إبنىِ مُمكن أن أُنذرهُ بِدموعىِ وهى ستُنذرهُ أكثر من كلامىِ0
2- روح قويّة:-
البرّيّة جعلتهُ أن يكون إنسان بسيط لا يُحب المظاهر لا ينقاد لِخداع العالم فهو خرج لابس وبر الأبل ، وكأنّهُ يقول أنا سألبس الذى يستُر جسدىِ فقط فنحنُ جيل المظاهر والمظهر عِندهُ أهم من الروحيّات بكثير ، وعُلماء النفس يقولوا أنّ الإنسان كُلّما يهتم أن يُحسّن بالمظهر الخارجىِ دلّ ذلك على أنّهُ فىِ داخلهُ يوجد شىء يُريد أن يُخبئّهُ تأمّلوا الأنبا بولا كان لابس ثوب من ليف النخيل أو من سعفهُ ، والأنبا أنطونيوس كان لابس جلاّبيّه ولكن من الداخل قّوة جبّارة ويوحنا المعمدان يقولوا أنّ هيرودس كان يهابهُ ، القديس العظيم الأنبا أنطونيوس عِندما كان سيُقابل الملك فقال لهُ تلاميذهُ أن يرتدىِ ملابس تليق بِمقابلة الملك فقال لهُم " أنا أنطونيوس ذهبت أو لم أذهب فماذا يكون الملك " ؟!! ، فجمال النفس فىِ الداخل كُنت عِند ناس وكان عِندهُم مُشكلة إن إبنهُم طالب موبايل لأنّهُ شعر أنّ قيمتىِ ستأتىِ من الأشياء التى معىِ ، وذلك يدُل على إن أنا فقير ومريض من داخلىِ ولكن أنا لا تفرق عِندىِ هذهِ الأشياء فأين ذهبت قّوة أولاد الله ؟ أين ذهبت قّوة الآباء ؟ ونحنُ بنسعى وراء شهوات باطلة وأمور تافهه لا تُقاس بِمجد السماء ، لِذلك القديس يوحنا المعمدان يُوبّخنا بِمظهرهُ ، ليتهُ يُوبّخنا بسيرتهُ لأنّ ربنا قال " إن سمعتُم صوتهُ فلا تُقسّوا قلوبكُم " ربنا يسند كُل ضعف فينا بنعمتهُ ولإِلهنا المجد دائماً أبدياً أمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
14 يناير 2025
تأملات فى عيد الختان
الختان فى العهد القديم ...
كانت عادة الختان وما زالت سائدة بين كثير من الأجناس في أجزاء مختلفة من العالم في أمريكا وأفريقيا كما كانت هذه العادة شائعة بين الساميين من مصريين كعادة صحية دون غياب البعد الديني عنها كما عرف العبرانيين والعرب والموآبيين والعمونيين الختان ولكنها لم تكن معروفة عند الأشوريين والبابليين. وكذلك لم يكن الختان معروف لدى الفلسطينيين فى كنعان. لذلك كان يطلق عليها دائما وصف "الغلف" أي غير المختونين. وكان الختان بصفة عامة شرطاً أساسياً للتمتع بامتيازات دينية وسياسية معينة (خر12: 48،حز44: 9). ولأن الدين يشكل عنصرا هاماً في الحياة، غير هناك نظريات كثيرة فى أصل الختان واسبابه ويمكن القول بأن الختان نشأ كطقس ديني. فى العهد القديم كعهد بين الله وابراهيم ابو الاباء منذ الف وتسعمائة سنه قبل الميلاد تقريبا وكان الختان كعلامة أو كعهد على مستوى العلاقة الشخصية الداخلية بين الانسان والله ودخول فى رعوية الله حيث قال له الرب { أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك . لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك. وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك، يختن منكم كل ذكر، فتختنون في لحم غلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم. وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك . فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً. وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي}(تك17: 7 ـ 14).
وهكذا مارس موسى الختان لابنه وقامت زوجته صفورة بختان ابنها فى مديان لتبيان أهمية الختان فى طريق موسى للنزول الى مصر لقيادة الشعب للخروج من عبودية فرعون { وحدث في الطريق في المنزل ان الرب التقاه وطلب ان يقتله. فاخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها ومست رجليه فقالت انك عريس دم لي. فانفك عنه حينئذ قالت عريس دم من اجل الختان.} (خر24:4-26). من يدل على أهمية الختان، لان ختان الابن كان فيه نجاة لموسى لأنها قالت له:{إنك عريس دم لي}. وكأن ميثاق وعهد زواجها قد تأيد بسفك الدم من ابنها في عملية الختان. هكذا توثق الختان فى شريعة موسى النبي بعد الخروج ايضا ولم يكن مسموحاً للنزيل والغريب أن يأكلا من الفصح ما لم يختتنا: {وإذا نزل عندك نزيل وصنع فصحاً للرب فليختن منه كل ذكر ثم يتقدم ليصنعه .. أما كل أغلف فلا يأكل منه}(خر12: 48). وقد صنع يشوع سكاكين من صوَّان وختن بني إسرائيل في تل القلف . ودعي اسم المكان "الجلجال" (أي الدحرجة يش5: 1 ـ 9). فكان الختان علامة مميزة لنسل إبراهيم. واستخدامهم آلات عفا عليها الزمن كسكاكين الصوَّان، لدليل على مدى تمسكهم بهذا الأمر .
كما اننا نجد في كثير من فصول الكتاب المقدس، أمثلة للاستخدام المجازي "للختان"، فحتى الاشجار المثمرة كانت تحسب غير طاهرة مدة الثلاث سنوات الاولى من عمرها وفى السنة الرابعة تقدم باكورتها الى بيت الرب وفى السنة الخامسة يأكل اصحابها ثمارها { ومتى دخلتم الارض وغرستم كل شجرة للطعام تحسبون ثمرها غرلتها ثلاث سنين تكون لكم غلفاء لا يؤكل منها. وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدسا لتمجيد الرب. وفي السنة الخامسة تاكلون ثمرها لتزيد لكم غلتها انا الرب الهكم.} (لا23:19-25). وبهذا تصير ثمار الاشجار صالحه للأكل ومباركة للطعام . فالختان هو عهد بين الله والمؤمن ليكون من شعب الله وبالختان يتمتع الطفل المختتن بكامل الحقوق الرعوية لشعب الله وعليه ان يطيع وصايا الله عند بلوغه سن الادراك ويسمى ابن او بنت الشريعة اي صار ملتزما باحكامها.
عيد الختان المجيد ...
تحتفل الكنيسة بتذكار ختان السيد المسيح له المجد، فى اليوم الثامن من عيد الميلاد كما جاء فى الكتاب المقدس { ولما تمت ثمانية ايام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل ان حبل به في البطن} (لو21:2). وهو من الأعياد السيدة الصغرى. وكان يسمى قديما بالاوكتافى اي " اليوم الثامن" توقيرا من المؤمنين واحتراما واجلالا لشخص الختن يسوع المسيح ربنا. لقد خضع السيد المسيح للناموس فى جسده اذ وجد فى الهيئة كانسان { واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب} (في 2 : 8 ) لقد أكمل الناموس كما قال { لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء ما جئت لانقض بل لاكمل }(مت 5 : 17). بخضوع المخلص لوصايا الناموس وباعطائه الكمال للوصايا فى بعدها الروحي واتمها عنا ليعتقنا من حرفيه الناموس الى روح الوصية وبعدها الروحي والاخلاقي وليعتقنا من ثقل هذه الوصية كما يقول القديس بولس { ان يسوع المسيح قد صار خادم الختان من اجل صدق الله حتى يثبت مواعيد الآباء } (رو 15 : 8).
المعمودية من الماء والروح ... لقد أعتمد المخلص البار ووضع لنا طريق البنوة والدخول فى رعوية شعب الله والولادة الجديدة من الماء والروح لنكون له ابناء وبنات بالتبني كما قال الرب { من امن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن} (مر 16 : 16) لأنه لابد ان نولد من فوق بالماء والروح القدس لنصير ابناء الله بالتبني {اجاب يسوع الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله} (يو 3 : 5). ولهذا يقول الرسول بولس { وبه ايضا ختنتم ختانا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية التي فيها اقمتم ايضا معه بايمان عمل الله الذي اقامه من الاموات. واذ كنتم امواتا في الخطايا وغلف جسدكم احياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا} (كو11:2-13). لهذا يريد منا ان نحفظ الختان الروحي أي ختان القلب لنحيا له في والقداسة ولقد أكد الرب على أهمية الختان الروحي للإنسان المؤمن حتى فى العهد القديم.
وعندما اثيرت مسألة دخول الامم الى الإيمان فى العصر الرسولي ونادا البعض من اليهودية فى الامم بضرورة الختان { وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الاخوة انه ان لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم ان تخلصوا} (اع 15 : 1). انعقد اول مجمع رسولي فى عام 49م فى اورشليم بحضور الاباء الرسل منقادين بالروح القدس فى قرارهم بقبول الامم فى الايمان دون ان يثقلوا عليهم بختان الجسد ولكن بالمعمودية والبعد عن نجاسات الاصنام والزنا وأكل المخنوق أو الدم كدخول فى عهد ورعوية شعب الله { فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الامر. فبعدما حصلت مباحثة كثيرة قام بطرس وقال لهم ايها الرجال الاخوة انتم تعلمون انه منذ ايام قديمة اختار الله بيننا انه بفمي يسمع الامم كلمة الانجيل ويؤمنون. والله العارف القلوب شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا ايضا. ولم يميز بيننا وبينهم بشيء اذ طهر بالايمان قلوبهم. فالان لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع اباؤنا ولا نحن ان نحمله. لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن ان نخلص كما اولئك ايضا. فسكت الجمهور كله وكانوا يسمعون برنابا وبولس يحدثان بجميع ما صنع الله من الايات والعجائب في الامم بواسطتهم. وبعدما سكتا اجاب يعقوب قائلا ايها الرجال الاخوة اسمعونى. سمعان قد اخبر كيف افتقد الله اولا الامم لياخذ منهم شعبا على اسمه. وهذا توافقه اقوال الانبياء كما هو مكتوب. سارجع بعد هذا و ابني ايضا خيمة داود الساقطة وابني ايضا ردمها واقيمها ثانية. لكي يطلب الباقون من الناس الرب و جميع الامم الذين دعي اسمي عليهم يقول الرب الصانع هذا كله. معلومة عند الرب منذ الازل جميع اعماله. لذلك انا ارى ان لا يثقل على الراجعين الى الله من الامم. بل يرسل اليهم ان يمتنعوا عن نجاسات الاصنام والزنا والمخنوق والدم. لان موسى منذ اجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به اذ يقرا في المجامع كل سبت}( أع 6:15-21). لانه لا الختان الجسدي ولا الغرلة فى المسيحية هي حدود النجس أو الطاهر بل الايمان العامل بالمحبة { لانه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الايمان العامل بالمحبة} (غل 5 : 6). الإيمان بمحبة الله المعلنة لنا فى المسيح يسوع بنعمة روحه القدوس { الذي فيه ايضا نلنا نصيبا معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب راي مشيئته. لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه ايضا انتم اذ سمعتم كلمة الحق انجيل خلاصكم الذي فيه ايضا اذ امنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده} (أف11:1-14). وامتد الختان الروحي ليشمل تقديس الحواس والفكر والقلب والعمل ليصبح المؤمن هيكل روحي مقدس ومكرس لله كما قال الرب يسوع فى تجسده وهو القدوس { ولاجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم ايضا مقدسين في الحق }(يو 17 : 19). ان التقديس هنا بمعنى التخصيص وتكريس الحياة . ونحن اذا نقتدى برئيس إيماننا ومكمله الرب يسوع نكرس حياتنا له فى خدمة باذلة ومحبة كاملة بكل الاعضاء الداخلية والخارجية والحياة لله سواء فى بتولية او زواج مقدس كما يشدد القديس بولس الرسول علينا { فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح }(2كو 11 : 2).
الختان الروحي وتقديس المؤمن لله...
ختان الشفتين ... ان الشفاة الخاطئة والظالمة والمتكبرة والمتكلمة بالاكاذيب والتي لا تمجد الله وتسبحه هي شفاه غلفاء حتى ان موسى النبي عندما دعاه الله ليرسله الى فرعون ليخرج الشعب من العبودية فى تواضع قال للرب { فتكلم موسى امام الرب قائلا هوذا بنو اسرائيل لم يسمعوا لي فكيف يسمعني فرعون وانا اغلف الشفتين }(خر 6 : 12). وهكذا فعل اشعياء النبي عندما راى مجد الرب احس بنجاسته امام مجد الرب { فقلت ويل لي اني هلكت لاني انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عيني قد راتا الملك رب الجنود. فطار الي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك} (أش 5:6-7). لهذا يقول الرب على لسان هوشع النبي ان التسبيح وطلب مراحم الرب كذبائح مقدسة { خذوا معكم كلاما وارجعوا الى الرب قولوا له ارفع كل اثم واقبل حسنا فنقدم عجول شفاهنا} (هو 14 : 2).
الاذان المختونة .. الاذان المختونة بالنعمة هي التي تسمع لصوت الله وتستطيع ان تميزه بين الاصوات الكثيرة والضجيج المحيط بنا لذلك كثيرا ما كان السيد المسيح يؤكد على سامعيه { من له اذنان للسمع فليسمع (مت 11 : 15). ويلوم على الشعب قديما لانهم رفضوا سماع كلمة الرب { فابوا ان يصغوا واعطوا كتفا معاندة وثقلوا اذانهم عن السمع }(زك 7 : 11). ولهذا لام السيد المسيح على سامعيه المعاندين { لان قلب هذا الشعب قد غلظ واذانهم قد ثقل سماعها وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا باذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم} (مت 13 : 15).. ويدعونا لسماع صوته { اصغ يا شعبي الى شريعتي اميلوا اذانكم الى كلام فمي }(مز 78 : 1). ويمدح الرب المؤمنين الذين يبصروا ويسمعوا لصوت كلامه { ولكن طوبى لعيونكم لانها تبصر ولاذانكم لانها تسمع} (مت 13 : 16). ويوصينا الكتب ان نسمع ونصغى لصوت الرب ونطيعه { اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم }(عب 4 : 7).
القلب المختون ... القلب المختون بالنعمة هو القلب المقدس الذى يحب الله حبا يملك الحب ويحب الجميع محبة روحية طاهرة من محبته لله { ويختن الرب الهك قلبك وقلب نسلك لكي تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا }(تث 30 : 6). لهذا يشدد القديس بولس الرسول على أهمية ختان القلب بالروح القدس { بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من الله} (رو 2 : 29). لقد لام القديس استفانوس رئيس الشمامسة مقاومي الحق { يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والاذان انتم دائما تقاومون الروح القدس كما كان اباؤكم كذلك انتم }(اع 7 : 51). وقاوموا عليه ورجموه وهو ينظر الرب فى السماء ويقول فى قلب مختون بنعمة وقوة الروح القدس والحكمة محب حتى للاعداء { ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية واذ قال هذا رقد }(اع 7 : 60). الختان الروحي اذن هو تقديس للحواس والفكر والارادة والعمل وتقديس الاعضاء الداخلية والخارجية ليصير المؤمن كهيكل مقدس لله. ولهذا عندما يعمد الداخل للإيمان يجحد الشيطان وكل اعماله الرديئة وحيله وطرقه ويعلن ايمانه المسيحي ليموت عن الانسان العتيق ويقوم فى جده الحياة وتقدس اعضاءه بالميرون المقدس ليكون هيكلا للروح القدس { اما تعلمون انكم هيكل الله و روح الله يسكن فيكم }(1كو 3 : 16){ام لستم تعلمون ان جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وانكم لستم لانفسكم }(1كو 6 : 19).
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
10 يناير 2025
الميلاد واستجابة الإنسان
أهنئكم أيها الأحباء بالعام اﻟﻤيلادي اﻟﺠديد، وعيد ميلاد السيد اﻟﻤسيح اﻟﺬي أﺗﻰ متجسدًا من أجل خلاص ﻛﻞ البشر لقد كانت الشعوب في عصور العھد القدیم ترفع الصلوات والطلبات من أجل مجيء المخلص، وكان الله یستجیب بإرسال الأنبیاء والأبرار والصدیقین،لكي ما یقودوا الناس في تلك العصور القدیمة،وكانت استجابة الله للطلبات والصلوات سبب فرح للإنسان. وتعلَّم الإنسان أن یختم دائمًا صلواته بكلمة "آمین"، وھي الكلمة المشھورة في جمیع لغات العالم التي تعني "استجب یا رب" وعلى الجانب الآخر، كان الله یطلب من الإنسان
أن یستمع وأن یستجیب لوصایاه، ولذلك نرى ھذه الكلمات تتكرر بین أسفار الكتاب المقدس: "مَنْ لَه أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْیَسْمَعْ" (مت ۱۱: 15, مر٤ :9, لو 8:8, رؤ ۳ : ٦) ، وتتحدث عن الأذن التي تُمثِّل جھاز السمع والإصغاء لدى الإنسان وبھا یستمع لكل ما یقال حوله، فھي بمثابة جھاز استقبال ولا نتحدث عن ھذا العضو الصغیر الموجود في رأس الإنسان فقط، إنما أیضًا الأذن الداخلیة للإنسان، وتتمثل في قلبه، فكل الأحادیث والآراء التي حولنا تدخل ھذا الجھاز وتُترجم قلبیًا، ولنا بعد ذلك الاختیار والحریة لقبول ما نسمع أو رفضه أوالاستجابة له حسب ما یقرر قلبنا وعقلنا وحكمتنا ھل لاحظت أن كلمة "قلب" بالإنجلیزیة وتعني heart تحوي داخلھا كلمة ear أي "الأذن"، لذا دائمًا ما نجد ارتباط بین الأذن والاستجابة بقلب الإنسان، فما یسمعه بأذنه یترجمه قلبه، وتكون الاستجابة بحسب ھذه الترجمة وإذا انطلقنا في رحلة الإنسان على مدار أیام حیاته على الأرض، نجده یقابل الكثیر من المواقف التي تحتاج منه إلى قرارات، بدایة من أصدقاء الطفولة،نوع الألعاب، ما یفضله من أنواع الطعام، إلى اختیاراته للدراسة والعمل والارتباط وغیرھا من القرارات الكثیرة والیومیة، وبحسب استجابته للمواقف تسیر أیامه، وبحسب اختیاراته یرسم حیاته،وھكذا صار على مر الزمان نرى في الأیام الأولى للحیاة على الأرض كیف استجابت حواء لنداء الحیة، وبعد الحدیث معھا أذعنت لطلبھا، وھكذا أیضًا امتثل آدم لطلب حواء أن یأكل الثمرة، وبحسب خضوعھما للحیة واختیارھما لسماع كلماتھا، سارت حیاتھما، فطُردا من الفردوس بعد أن كسرا وصیة الله كذلك نتذكر كیف كان نوح البار ینادي للجمیع أن یتوبوا وینضموا معه إلى الفلك، لكنھم رفضوا بسبب قساوة قلوبھم، بل تھكموا على من یبني مركبًا على سفوح الجبال، وھكذا ھلكوا بالطوفان، وھناك أحداث كثیرة على مرالعصور توضح اختلاف استجابة الإنسان بحسب رؤیته للمواقف ونحن نؤمن أن الله یستجیب، فقد قال بوعد: "ادْعُنِي فِي یَوْمِ الضِّیقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي" (مز ٥۰ : ۱٥ )، فھو یرید الاستجابة لنا، لكن استجابته تتغیر بحسب الزمان والمكان والطلب، وأیضًا بحسب قلب السائل، إن كان یطلب بإیمان، أو یطلب كما لقوم عادة، فقد طلب أبونا إبراھیم من الله ابنًا له، ولم یمل من الطلب، فأعطاه الله نسلاً بعد وصوله وزوجته إلى الشیخوخة، وقد قبل الله لصلاة یونان النبي بعد مكوثه في جوف الحوت ثلاثة أیام وثلاث لیالٍ، أیضًا استمع الله للقدیس سمعان الخراز في نقل جبل المقطم، وغیرھا الكثیر من الأمثلة.
وفي احتفالنا بمیلاد السید المسیح له المجد، تظھر أمامنا مجموعات مختلفة من الاستجابات البشریة
وھو ما أود أن أتأمله معكم الیوم:
استجابة القلب المطیع: فتاة عذراء تجد ملاكًا یبشرھا بولادة ابن الله منھا ویقول لھا: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ یَحِلُّ عَلَیْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلكِ، فَلِذلِكَ أَیْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ یُدْعَى ابْنَ للهِ" (لو ۱ : ۳٥ )، وبكل الطاعة تجیب: "ھُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ لِیَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو۱: ۳۸ )، وتستجیب لبشارة الملاك، وتستعد لاستقبال ابن الله داخلھا مع أن مریم فتاة صغیرة، لكنھا تعلمت كیف تطیع الله، وتؤمن بكلماته، وتعمل كل ما یطلبه منھا ومن اتضاعھا الجمیل عندما تعلم أن نسیبتھا ألیصابات العاقر حبلى تذھب مریم عبر الجبال لتخدم ألیصابات في حملھا بیوحنا المعمدان،وتقدِّم مثال التواضع للكل، لذلك نطوبھا ونمجدھا لأنھا صاحبة استجابة قویة ونخصص لھا شھرًا كاملاً ھو شھر كیھك نقدِّم فیه الصلوات والتسبیحات ونطلب شفاعتھا أمام المسیح إلھنا.
استجابة القلب النقي: رعاة ساھرین في جو بارد، وھواء الشتاء الرطب، یرعون خرافھم باجتھاد في السھول والودیان، وفجأة تنیر السماء بملاك الرب یبشرھم قائلاً: "أَنَّه وُلِدَ لَكُمُ الْیَوْمَ فِي مَدِینَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ ھُوَ الْمَسِیحُ الرَّبُّ" (لو ۲: ۱۱ )، ویدلھم على مكانه، ثم یظھر جمھور من الجند السماوي مسبحین الله قائلین: "الْمَجْدُ ﻟﻠﮫِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو ۲: ۱٤ )، "قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُھُمْ لِبَعْضٍ لِنَذْھَبِ الآنَ إِلَى بَیْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ ھذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِه الرَّبُّ فَجَاءُوا مُسْرِعِینَ، وَوَجَدُوا مَرْیَمَ وَیُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ" (لو ۲: 15 -۱٦ )، ففرحوا بالعطیة الإلھیة، واستجابوا لنداء الملائكة "ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَھُمْ یُمَجِّدُونَ اللهَ وَیُسَبِّحُونَه عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِیلَ لَھُمْ" (لو ۲: 20).
استجابة القلب الواسع: بیت لحم، القریة الصغیرة، كانت تعاني من ازدحام شدید بسبب الاكتتاب خلال ھذه الفترة، فقد رجع كل إنسان إلى مكان میلاده لیكتب اسمه في السجلات، لیتم عد الشعب بأمر أوغسطس قیصر، فكان الازدحام شدیدًاولا یوجد مكان لإنسان، وكانت البلاد في ذلك الزمان عبارة عن مساكن للبشر ومساكن للحیوانات،ولم یجد یوسف النجار مكانًا یذھب إلیه مع مریم العذراء خطیبته ویبیتوا فیه، حتى عرض علیھم صاحب بیت، لا نعرف اسمه، أن یستقبلھم، لكن ولضعف إمكانیاته، في مذود البقر، وھكذا استقبل أھل بیت لحم المولود في قریتھم، فتباركت ھذه البلدة من الله بسبب استقبالھا للطفل یسوع.
استجابة القلب المتلھف أو المشتاق: أناس علماء یدرسون الفلك والنجوم، رأوا سماءً ملیئة بالنجوم ولكن بینھم نجم خاص، فتركوا كل شئ وذھبوا وراء النجم، لم یعلموا إلى أین یقودھم، وقد تطول فترة سفرھم بالشھور، لكنھم لم یفكروا كیف یسیرون،لأنھم یثقوا أن ھناك حدث عظیم ویجب أن یسیروا وراءه، واختاروا المسیر، ووصلوا إلیه بعد تتبع النجم، وفي مقابلتھم للطفل یسوع قدَّموا أثمن الھدایا،واثقین أنه لیس طفلاً عادیًا حتى لو مولود في مذود متواضع بسیط، وبعد مقابلتھم له غیروا طریق عودتھم لأنھم آمنوا أنه ملك بقلوبھم لا بعیونھم.
استجابة القلب الشریر: إنه مَلك خاف على مُلكه حین سمع من المجوس أن النجم الظاھر ھو لملك
عظیم، قتل الآلاف من الأطفال حتى یستمر مُلك ھیرودس ولا یزعزعه أي قادم، وغضب من المجوس بسبب عدم عودتھم له، وعدم إخباره بمكان المولود، لم یفكر سوى بنفسه ومملكته وسلطته.
وھكذا ومواقف كثیرة أخرى في حادثة المیلاد تظھر التباین بین الاستجابات بحسب القلوب،
ومازالت الأصوات تعلو في العالم تنتظر استجابة:
صوت الله یطرق على كل قلب، لیختار الإنسان أن یفتح لیدخل الله ویقیم في قلبه، أو یغلق ولا یسمح ﻟﻠﮫ بالدخول.
صوت الوصیة الإلھیة، لیستجیب الإنسان لھا أو أن یكسرھا بإرادته ویفعل ما یحلو له في العالم،ویسیر في طریق الإلحاد وخطایا المثلیة والإدمان بكل أنواعه وغیرھا الكثیر.
صوت الإنسانیة الصارخة، ونحن جمیعًا نسمعھا الآن، من خلال الحروب التي انتشرت حولنا، ورد
فعل العالم لھا، وكیفیة استجابة الشعوب لھذا الصراخ، تسمع وتستجیب أم تصم أذنیھا عن الأنین
الخارج من الشعوب المحطمة في الحروب.
لقد كانت فترة الصوم المیلادي فرصة لإصلاح الأذن الداخلیة في قلب الإنسان، لیستطیع الاستماع والاستجابة،ومكتوب: "یستجیب لك الرب في یوم شدتك" (مز ۲۰: ۱)، فإذا كانت القلوب نقیة فإنھا
تعرف كیف تسمع وتستجیب، ولأن العالم یضج بالحروب والنزاعات فھو لا یستطیع أن یستمع للصوت الإلھي الصارخ من أجل الدمار والصغار والنساء والقتلى والمجروحین والأنین الخارج من النفوس المحطمة.
وقد خصصت الكنیسة شھر كیھك كاملاً للصلاة من أجل إحلال السلام في العالم كله، لیحل السلام من ملك السلام المولود في النھایة ھذا الیوم ھو فرصة لكل إنسان أن یراجع استجاباته السید المسیح أتى لینیر الإنسانیة ویضيء قلوب البشریة، یطلب منا أن یحل السلام،فھل یستجیب العالم لندائه ؟ سؤال ینتظر إجابة من كل إنسان كل عام وأنتم بخیر.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
01 فبراير 2025
مسيح الهزيع الرابع
مِنَ إِنجيل مارِ يوحنا البشير 6 : 16 – 21[ وَلمّا كان المساءُ نزل تلاميذُهُ إِلَى البحرِ فدخلُوا السفينة وَكانوا يذهبُون إِلَى عبرِ البحر إِلَى كفرناحُوم وَكان الظَّلام قَدْ أقبل وَلَمْ يكُنْ يَسُوعُ قَدْ أتى إِليهُمْ وَهاج البحرُ مِنْ ريحٍ عظيمةٍ تهُبُّ فلمّا كانُوا قَدْ جذَّفُوا نحو خمسٍ وَعِشرين أوْ ثلاثين غلوةً نظرُوا يَسُوعَ ماشِياً على البحرِ مُقترِباً مِنَ السَّفينة فخافُوا فقال لهُم أنا هُوَ لاَ تخافُوا فرضُوا أنْ يقبلُوهُ فِى السَّفينةِ وَلِلوقتِ صارت السَّفينةُ إِلَى الأرضِ التّى كانُوا ذاهِبين إِليها ] يُكلّمِنا مارِيوحنا عَنَ مُعجِزة مِنَ مُعجِزات الرّبّ يسُوعَ وَهى أنّ التلاميذ ركبوا سفينة وَكانوا يعبُروُن بحر الجليل لِكى يذهبوا إِلَى كفر ناحُوم ، وَبعد ركوبهُم السفينة هاج البحر وَصارت السفينة مُعذّبة ، وَبدأت الرّياح تُلاطِم السَّفينة وَتُسيّرها حسب إِتجاهها وَليس حسب ما يُريد التلاميذ ، وَبعدوا عَنَ الشاطىء نحو 25 – 30 غلوة فخافوا خُوف عظيم إِبتعدوا 25 – 30 غلوة ، وَالغلوة كانت وحدة قياس فِى زمان الكِتاب وَتُساوِى 200متر ، وَهذا يعنِى أنّ ألـ 25 غلوة = 5000متر ، أىّ 5 كم ، أىّ أنّهم إِبتعدوا عَنَ الشاطىء مِنَ 5 – 6 كم وَهذِهِ مسافة ليست بِقليلة وَالبحر مُضطرِب ،وُكُلّها قلق وَخُوف ، وَليست فِى خط سيرهُم الّذى يُريدوه بعد كُلّ هذِهِ المسافة وَهذا الإِضطراب نظرُوا يسُوعَ ماشياً على البحر[ فلمّا كانُوا قَدْ جذّفُوا نحو خمسٍ وَعشرين أوْ ثلاثين غلوةً نظرُوا يَسُوعَ ماشِياً على البحرِ مُقترِباً مِنَ السفينة فخافُوا فقال لهُمْ أنا هُوَ لاَ تخافُوا فرضُوا أنْ يقبلُوهُ فِى السَّفينةِ وَلِلوقتِ صارت السَّفينة إِلَى الأرض التّى كانُوا ذاهِبين إِليها ] ( يو 6 : 19 – 21 ) ، أىّ عّوض تأخيرهُم ، هذِهِ المُعجِزة وردت فِى إِنجيل متى 24 ، إِنجيل مرقُس 6 مسافِة ألـ 25 – 30 غلوة عبّر عنها القديس مارِمرقُس بِقولِهِ[وَنحو الهزيع الرّابِع مِنَ اللَّيل ] ( مر 6 : 48 ) ، وَهذا صحيح لأنّ الهزيع الأول يبدأ تقريباً حوالِى الساعة 6 مساءاً ، وَالهزيع الثانِى يبدأ حوالِى 9 مساءاً إِلَى 12 مساءاً ، وَالهزيع الثالِث مِنْ 12 – 3 صباحاً ، وَالهزيع الرابِع مِنْ 3 – 6 صباحاً 0
المسيح أتى لِتلاميذه فِى الهزيع الرّابِع لأنّهُم إِذا كانُوا قَدْ جدّفوا حوالِى 5 – 6 كم فإِنّهُم يحتاجون وقت لِهذِهِ المسافة حوالِى 10 ساعات ، فإِذا كانُوا قَدْ ركبوا السفينة حوالِى 6 مساءاً فإِنّ المسيح جاءهُم بعد 10 ساعات أىّ حوالِى 4 صباحاً ، أىّ فِى الهزيع الرّابِع 0
لِماذا أتى المسيح فِى الهزيع الرّابِع ؟ لِماذا أتى بعد جِهاد ؟ لِماذا كُلّ هذا التأخير ؟ هذِهِ علامِة تعزية المسيح للصابِرين ، وَعلامِة معيّة المسيح للمُجاهِدين ،لأنّهُم ظلّوا يُجدِّفُون 10 ساعات ، هُوَ سيأتِى وَإِنْ كان يُبطِىء لِكنّهُ سيأتِى الكنيسة وضعت هذِهِ المُعجِزة فِى صلاة السِتار الخاصّة بالرُهبان ، على أساس أنّ الليل قَدْ أتى وَأنّهُم اليوم كُلّه يُجدِّفُون فإِستحقّوا رؤية ربّ المجد المسيح سيأتِى وَلابُد أنْ يأتِى ، فِى سِفر هُوشع النبِى يقول [خُروجهُ يقينٌ كالفجرِ ] ( هو 6 : 3 ) ، لكِن مِنْ علامات مجيئه التأخير ، فِى مُعجِزة إِقامِة لِعازر قالوا للمسيح [ يا سيِّدُ هُوذا الّذى تُحِبُّهُ مرِيضٌ ] ( يو 11 : 3 ) ، أىّ الآن أفضل مِنْ التأخير وَلكِنّه لَمْ يأتِى ، وَمات لِعازر وَلَمْ يأتِى ، وَمضى على موتِهِ يومين وَثلاث وَفِى اليوم الرابِع أتى لِيُقيمه ، إِشارة للهزيع الرّابِع الله يأتِى للمُجرّبين لكِنّهُ كثيراً ما يتأخّر ، لِماذا تُبطِىء مادُمت ستأتِى ؟ يقول هذِهِ الفِترة علامِة ثبات الإِنسان وَإِنتظاره ، لأنّ مُنتظِروا الرّبّ لاَ يخزُون ، وَ كُلّ ما ينتظِر الإِنسان بِسِكوتٍ خلاص الله كُلّ ما يُعلِن ثبات أكثر ، [ جيِّدٌ أنْ ينتظِر الإِنسانُ وَيتوقَّعَ بِسُكُوتٍ خلاص الرّبّ ] ( مرا 3 : 26 ) وَكأنّ الرّبّ يقصِد بِتأخيرُه أنْ يجعل المُتزعزعِين وَالمُتشككيِن يرجعُون للخلف ما الّذى جعل هُناك خمس عذارى حكيمات وَخمس عذارى جاهِلات ؟ الوقت لأنّ الوكيل قال أنّ سيِّدى يُبطِىء قُدومه فأعلن تراجُعه عَنَ طريقه ، وَهذا إِعلان عَنَ عدم إِستحقاقه لِقُدوم سيِّدهِ ، لِكن إِذا ثبت وَتشدّد وَجاء الوقت عليه يزداد ثبات وَفضيلة لأنّ الرّبّ جعل الوقت لِصالِح بُنياننا 0
لِذلِك تنّبأ فِى المزمور عَنَ هذِهِ المُعجِزة [ أبصرتك المياهُ يا الله أبصرتك المياهُ ففزِعت إِرتعدتْ أيضاً اللُّجُج ] ( مز 77 : 16 ) ، أنت الّذى تُهدّىء المياه ، إِذا كان الإِنسان عِنده إِيمان أنّ المياه تُبصِر الله فتفزع ، فإِنّهُ لاَ يخاف ، كثيراً ما نشعُر أنّ المسيح وَكأنّهُ غائِب عَنَ حياتنا كُلّ غُلوة وَكُلّ تجديف محسُوب لهُم إِكليل وَجِهاد ، عملهُم لَمْ يضع هباء ، فِى الكيمياء يُوضع محلول فِى السحّاحة وَآخر فِى إِناء وَيقُولُون للطلبة أنْ يضعُوا ما فِى السحّاحة على ما فِى الإِناء حتّى يتغيّر لُون محلول الإِناء ، فِى النُقطة التّى يتِم تغيير لُون المحلول تُسّمى end point أىّ نُقطة النهاية ، لكِن ليس معنى هذا أنّ كمية المحلول السابِقة لِنُقطة النهاية لَمْ تُؤثِّر وَ لَمْ تُحسب ، لاَ كُلّ كمية المحلول النازِلة مِنْ السحّاحة لها عمل وَإِنْ كان غير واضِح ، لكِن النُقطة الأساسيّة التّى يُحسب عِندها تغيير اللون هى نُقطة النهاية هكذا كُلّ إِنتظار وَكُلّ لحظِة جِهاد محسوبة كأمانة تشهد لنا ، وَهذِهِ خِطة الله أنْ يختبِر ثبات الإِنسان وَأمانتهُ وَجِهاده ، يختبِر ماذا يفعل الإِنسان وسط العواصِف ، هل يؤمِن أنّ خُروُجه يقين كالفجر ؟؟!!
بعض أحداث الكِتاب تقول أنّ المسيح يأتِى فِى الهزيع الرّابِع بعدما يحسِب الإِنسان كُلّ حساباته وَيخلّص ، لمّا يعلِن الإِنسان كمال عجزه ، إِبحر كما تُريد وَجدِّف كما تُريد لكِن فِى الوقت المُناسِب وَالّذى يختاره الله سيُوصِل سفينتك للميناء ، إِعلان عَنَ قُدرِة الله فِى حادِثة ميلاد إِسحق مِنَ إِبراهيم وَساره ، كان إِبراهيم عُمره 100سنة وَسارة عُمرها 90سنة وَقَدْ إِنقطع لِسارة رجاء أنْ يكون لها أولاد ، وَعِندما تراءى الله لإِبراهيم فِى هيئِة ثلاث رِجال وَقال لهُ [ فقال إِنِى أرجِعُ إِليك نحو زمان الحيوة وَيكُونُ لِسارة إِمرأتك إِبنٌ ]( تك 18 : 10 ) ، تعجّبت سارة لكِن الله تمجّد حتّى أنّ سارة تقول [ وَقالت سارة قَدْ صنع إِلىَّ اللهُ ضِحكاً 0 كُلُّ مِنْ يسمعُ يضحكُ لِى ] ( تك 21 : 6 ) لأنّهُ مُمكِن النّاس تقول عِند سماعهُم بِخبر حبل سارة أنّهُ مرض شيخُوخة أنّها تشعُر أنّها حامِل ، لعلها تخيّلت ذلِك ، إِنّهُ ما لَمْ تفعلهُ فِى شبابِها عملتهُ فِى شيخُوختها ، إِذا كان الله قَدْ أعطاهُم إِسحق فِى شبابِهِم ما كان تمجّد فِى شيخُوختِهِم ، لِماذا يا الله جعلتهُم ينتظِروُن ؟ يقول هذا سر مِنْ أسرارِى فِى حادِثة ذبح إِسحق تدخّل الله فِى الهزيع الرابِع ، بل فِى أخِر ثوانِى مِنَ الهزيع الرّابِع لِكى يُنقِذهُ ، أىّ أنّهُ ذهب للموضِع وَرتّب إِبراهيم الحطب وَربط إِسحق ثُمّ أخذ السّكين لِيذبح إِبنهُ ، عِندئِذٍ ناداهُ الملاك مِنَ السّماء وَقال لهُ أنّهُ علِم أنّهُ خائِف الرّبّ وَأعطاهُ خروُف عِوضاً عَنَ إِسحق ، متى تدخّل ؟ فِى الهزيع الرّابِع ، بل فِى نهايِة الهزيع الرّابِع 0
هل عِندما ننتظِر الرّبّ لِوقتٍ ما يُعتبر هذا الوقت ضائِع ؟ إِحذر أنْ تتمرّد إِذا تأخّر الله عليك وَتكوُن ناقِم ، فإِنّ هذا الوقت لاَ يُحسب تذكية لك بل يحكُم عليك الله ، يحِب أنْ يتشدّد الإِنسان وَيتوقِّع بِسكُوتٍ خلاص الله [ جيِّد أنْ ينتظِر الإِنسانُ وَيتوقَّعَ بِسُكُوتٍ خلاص الرّبّ ] ( مرا 3 : 26 ) ، وَيقُول مُعلّمِنا بولس الرسُول [ وَلكِن إِنْ كُنَّا نرجُو ما لسنا ننظُرُهُ فإِنَّنا نتوقَّعُهُ بِالصبرِ ] ( رو 8 : 25 ) ، قَدْ نصِل إِلَى حالِة ضعف إِيمان أنْ نتخيّل كيف ننتظره فلنا أنْ نتوقَّعُهُ بالصبرِ عِندما صارع يعقُوب الرّبّ صارعهُ حتّى طُلُوع الفجر وَقال لهُ[ فقال لاَ أُطلِقُك إِنْ لَمْ تُبارِكنِى ] ( تك 32 : 26 ) ، فإِستحق أنْ يجعل إِسمه إِسرائيل لأنّهُ صارع وَغلب ، صارع حتّى الفجر أىّ حتّى الهزيع الرّابِع ، يقُول أنّ الله لَمْ يقوى عليه فكسر لهُ حُق فخذِهِ ، الله جعل نَفْسَه أضعف لِكى يكُون قدوُمه بِرجاءٍ أعظم ، لأنّ الإِنسان يؤمِن أنّ الله سيأتِى ، الّذى يثبُت هذا سيخلُص وَالّذى يتزعزع هذا لاَ يثبُت كثيراً ما نقُول أنّنا لاَ نجِد تعزية فِى الصلاة وَنشعُر بِفتور ،كما يقُول القديس مارِإِسحق [ أنّ الكلام يكُونُ كالرُصاص ] ، هذا يكُون نتيجة ضعف فِى حياة الإِنسان ، فهل سيثبُت الإِنسان خِلال هذا الضعف أم يتراجع ؟
كثير مِنّا ترك الصلاة نتيجة عدم التعزية ، فنقُول لهُم أنّكُم لَمْ تثبتوا ألـ 25 غلوة ، إِعلموا أنّ كُلّ لحظة تُجاهِدوا فِيها محسوبة لكُم وَليس عليكُم ، وَالنعمة تصنع للإِنسان ترقية إِذا ثبت فِى التجرُبة ، القديس يوحنا الدرجِى يقُول[ أنّ الحياة مَعَ الله كالسُلّم الّذى بِهِ جُزء أُفقِى وَجُزء رأسِى لو لَمْ أثبُت فِى الجُزء الأُفقِى أىّ التجرُبة لن أصِل للجُزء الرأسِى ] ، هكذا قال القديسين[ وراء كُلّ تجرُبة موهِبة ، وَوراء كُلّ تخلِّى إِفتقاد ، وَوراء كُلّ هياج للبحر ظُهُور للرّبّ يَسُوعَ ] متى أعلن الله عمله فى حياة يوسِف الصدّيق ؟ مِنْ المؤكد أنّ يوسٍف قال لله أين الرؤى التّى أعطيتنِى إِياها ؟ يوسِف مِنْ مرحلة لِمرحلة كان يزداد إِنحدار ، لكِن بِتدبير الله جاء لِفرعُون بِحُلم يفزعهُ فيعمل يوسِف بِنعمة ، حتّى أنّ فرعُون قال[ فقال فُرعونُ لِعبيدهِ هل نجِد مثل هذا رجُلاً فِيهِ رُوحُ الله ] ( تك 41 : 38 ) ، رغم أنّهُ جاء مِنَ السجن مُباشرةً ، ماذا حدث ؟ هذا هُوَ الهزيع الرّابِع لِيوسِف ،يقُول فُرعون [ ليس بصِيرٌ وَحكيمٌ مِثلك أنت تكُونُ على بيتِى ]( تك 41 : 39 – 40 ) ، كلام جميل لكِنّهُ جاء بعد الهزيع الرّابِع لِيوسِف ، أىّ بعد جِهاد وَثبات كان مُمكِن لله أنْ يُخرِج شعبه مِنْ مصر بِسُهولة ، ذُلّ الشعب كثيراً فخلّصهُم يا اللهُ بِسُرعة ، يقُول لاَ حتّى أنّ بنِى إِسرائيل تنّهدوا وَصرخُوا ، فنجِد الله يقُول لِمُوسى النبِى [ وَقال الرَّبُّ لِمُوسى لاَ يسمعُ لكُما فرعونُ لِكى تكثُر عجائِبِى فِى أرضِ مِصر ]( خر 11 : 9 ) ، أحياناً الله يُعلِن عمله للأبرار كما أعلن لِمُوسى عَنَ عمله مَعَ فرعُون ، حتّى أنّهُ بعدما ظهرت عجائِب الله فِى مِصر ألحّ المصريُون على بنِى إِسرائيل أنْ يخرُجوا بعدما كانُوا يذِلّوهُم ، ما الّذى حدث ؟
تدبير الله ،الله يُعلِن عجائِبهُ ، وَلكِن بعض النّاس ترى أنّ هذا الإِنتظار ضِدّهُم ،داوُد النبِى يقُول [ملجأً فِى أزمِنةِ الضِّيقِ ] ( مز 9 : 9 ) ، هذا ليس تخلِّى كما نقُول فِى القُدّاس [ لن تترُكنا عنك إِلَى الإِنقضاء وَفِى أخِر الأيّام ظهرت لنا ] ، لهُ وقت مُحدّد سيأتِى فيهِ ، لكِن كُلّ تأخير لإِختبار محبِتنا ، لِتذكية لنا ، تدابير الله بعدما خرج بنِى إِسرائيل مِنَ مِصر تعقّبهُم فرعُون وَلَمْ يشعُروُا بِهِ إِلاّ عِند وصولهُم للبحر الأحمر وَأصبح لاَ مفر أمامهُم ، البحر أمامهُم وَفرعُون خلفهُم ، الله يعمل عِندما يزداد الخطر ، حتّى أنّ إِسرائيل فزعوا وَصرخُوا لله وَقالُوا لهُ أنّهُ أفضل لهُم أنّهُم يخدِموا فرعون فِى مِصر وَيموتوا هُناك مِنْ أنْ يهلكوا فِى البرّيّة ، عِندئِذً تدّخل الله وَشقّ البحر لهُم وَصار الماء لهُم كالسور ثُمّ يدخُلُون البرّيّة
المسيرة مِنْ مِصر لِفلسطين لاَ تتعدّى مِنْ 20 – 30 يوم سيراً على الأقدام ، مسافة ليست صعبة ، فلِماذا ظلّوا فِى التيه 40 سنة ؟ الله يُريد أنْ يصِل بِهُم للهزيع الرّابِع ، لِماذا يترُكهُم الله هذِهِ المسافات مادام سيُعطيهُم أرض الميراث [ وَكان لمّا أطلق فرعون الشَّعبَ أنَّ الله لَمْ يهدِهِمْ فِى طريق أرضِ الفلِسطينييّن مَعَ أنَّها قرِيبةٌ ] ( خر 13 : 17 ) ، لأنّ الله قال لِئلاّ يندم الشعب إِذا رأوا حرباً فيرجعوا لِمصر إِذا كانت المسافة قريبة مُمكِن يرجعوا عنهُ بِبساطة خاصّةً لو الطريق سهل ، لِذلِك أتاههُم وَلَمْ يهديهُم لِفلسطين بِسُرعة ، حتّى إِذا رأوا حرب لاَ يُفكِّروُن فِى الرجُوع لِمصر ، حتّى أنّهُ قال " أنّ الرّبّ قَدْ أغلق عليهُم " ، هذِهِ تدابيره ، مسيحنا مسيح الهزيع الرّابِع ، وَكُلّ هذا التأخير لِتذكية الإِنسان
فِى مثل المرأة التّى تشتكِى خِصمها للقاضِى قائِلةً إِنصفنِى مِنْ خصمِى ، يقُول الكِتاب[ وَكان لاَ يشاءُ إِلَى زمانٍ] ( لو 18 : 4 ) ،هكذا الله فِى حياتنا أحياناً يقُول لَمْ أشاء إِلَى زمانٍ لِيرى هل سنثبُت أمام حرب برّيّة حياتنا أم نتخلّى عَنَ الله ؟ هذا قصد الله مِنَ الهزيع الرّابِع إِنْ كان الأنبا أنطونيوس قَدْ تمرّر مِنْ كثرِة التجارُب وَالآلام حتّى حاربهُ الشيّطان وَصرعهُ ، وَيقُول القديس الأنبا أثناسيوس أنّ عدو الخير فِى أحد المرّات تصارع مَعَ الأنبا أنطونيوس وَتركهُ مطرُوح على الأرض ، عِندئِذٍ رفع عينهُ للسّماء وَكلّمهُ الله قائِلاً [ إِلَى متى تترُكنِى فِى تجارُبِى ؟ وَإِلَى متى لاَ تضع حدّاً لآلامِى ؟ ] عِندئِذٍ تراءى لهُ الله بِنورٍ بهىّ وَقال لهُ [ أنا كُنت معك فِى حربك أُراقِب حربك ، وَلأنّك حاربت وَثابرت وَلَمْ تكِل فسأجعلك نور لِهذِهِ البرّيّة ] ، أىّ أنا معك مُتابِع جِهادك ، لِذلِك أُعطيك وعُود عظيمة ، وَلكِن فِى الهزيع الرّابِع الخلاص نَفْسَه جاء فِى مِلء الزمان أرسل الله إِبنهُ ، تأخّرت كثيراً يارب ، يقُول لا لِهذا الكنيسة تؤمِن أنّ المسيح فِى وسطها وَسيأتِى لِيُجازِى كُلّ واحِد كعملِهِ ، الله وسطنا وَإِنْ كُنّا لاَ نراه لكِنّنا نشعُر بِهِ بِعين الإِيمان ، حتّى أنّ أخِر آية فِى الإِنجيل تقُول [ وَالرُّوحُ وَالعرُوسُ يقُولان تعال وَمَنْ يسمع فليقُل تعال وَمَنْ يعطش فليأتِ وَمَنْ يُرِدْ فليأخُذْ ماءَ حيوةٍ مجّاناً يقُولُ الشاهِدُ بِهذا نعم أنا آتِى سرِيعاً آمين تعال أيُّها الرَّبُّ يَسُوعَ ] ( رؤ 22 : 17 ، 20 ) يمكِن عِندما يطُول الوقت وَتطُول التجرُبة نشتاق لهُ أكثر ، عِندما يحِل الظلام نقُول متى يظهر النّور ، وَبعد مرور ساعة نقُول أنّهُ تأخّر ، لكِن لو صبرنا سنراهُ وَنفرح الله يأتِى فِى حياتنا كومضات حتّى الهزيع الرّابِع لِيرى مَنَ جدّف وَمَنَ ندم وَمَنَ قذف بِنَفْسِهِ فِى البحر ، الّذى يجِدهُ ثابِت يقُول لهُ لاَ تخف لأنّهُ مُنذُ ثبت وَشدّدت يدك للجِهاد وَأنا أُراقِب جِهادك ياليت يقيننا بالله لاَ يتراجع لأنّهُ سيأتِى فِى كُلّ تجرُبة لهُ تدبير ، لكِنّهُ سيأتِى ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك
المزيد
15 يناير 2025
لماذا حل السيد المسيح بيننا ؟
ونحن نحتفل بميلاد السيد المسيح من العذراء ، لعلنا نتساءل فيما بيننا : ما هي الأسباب التي دعت رب المجد أن يتخذ جسداً ويحل بينن ، ويصير في الهيئة كإنسان ، ويولد من إمراة كبني البشر ؟
لا شك أن الفداء هو السبب الأساسي للتجسد . جاء الرب إلى العالم ليخلص الخطاة ، جاء ليفديهم ، جاء ليموت وليبذل نفسه عن كثيرين هذا هو السبب الرئيسي الذي لو إكتفى السيد المسيح به ولم يعمل غيره ، لكان كافياً لتبرير تجسده جاء السيد المسيح ليوفي العدل الإلهي ، وليصالح السماء والأرض ويمكننا أن نقول أيضاً ـ إلى جوار عمل الفداء والمصالحة ـ إن السيد المسيح قد جاء لينوب عن البشرية وكما ناب عنها في الموت ، ينوب عنها أيضاً في كل ما هو مطلوب منها أن تعمله إن الإنسان قد قصر في كل علاقاته مع الله ، فجاء " إبن الإنسان " لينوب عن الإنسان كله في إرضاء الله وفي فترة تجسده أمكن للرب أن يقدم للبشرية الصورة المثالية لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان كصورة الله ومثاله قدم القدوة ، والمثال العملي حتى أن القديس أثناسيوس الرسولي قال إنه لما فسدت هذه الصورة التي خلق الله بها الإنسان ، نزل الله ليقدم لهم الصورة الإلهية الأصلية وأيضاً لما أخطأ الناس في تفسير الشريعة الإلهية وقدموها للناس حسب مفهومهم الخاطئ ، ومزجوا بها تعاليمهم الخاصة وتقاليدهم ، جاء الرب ليقدم للبشرية الشريعة الإلهية كما أرادها الرب ، نقية من الأخطاء البشرية في الفهم والتفسير وسنحاول الآن أن نتناول هذه الأسباب جميعها ، نتحدث عنها بمزيد من التفصيل ، ونري ما يمكن أن نستفيده من دروس روحية لحياتنا خلال هذا الشرح .
1 ـ الفداء هو السبب الأساسي للتجسد : -
لقد أخطأ الإنسان الأول ، وكانت خطيته ضد الله نفسه : فهو قد عصي الله وخالف وصيته وهو أيضاً أراد أن يكبر وأن يصير مثل الله عارفاً الخير والشر ( تك3 : 5 ) وفي غمرة هذا الإغراء نري أن الإنسان لم يصدق الذي قال له عن شجرة معرفة الخير والشر : " يوم تأكل منها موتاً تموت " ( تك2 : 17 ) وعلى العكس من هذا صدق الحية التي قال : " لن تموتا " وبعد الأكل من الشجرة نري أن الإنسان قد بدأ يفقد إيمانه في وجود الله في كل مكان وقدرته على رؤية كل مخفي ، وظن أنه إن إختبأ وسط الشجر يستطيع أن يهرب من رؤية الله له . وفي محاسبة الله للإنسان بعد الخطية ، نري أن الإنسان يتكلم بأسلوب لا يليق ، إذ يحمل الله جزاءاً من مسئولية خطيته فيقول له : " المرأة التي جعلتها معى هي أعطتني " ( تك3 : 12 ) .
إنها مجموعة أخطاء موجهة ضد الله : عصيان الله ، ومنافسة الله في معرفته ، وعدم تصديق الله في مواعيده ، وعدم الإيمان بقدرة الله ، وعدم التأدب في الحديث مع الله أخطأ الإنسان ضد الله ، والله غير محدود ، لذلك صارت خطيته غير محدودة والخطية غير المحدودة ، عقوبتها غير محدودة وإن قدمت عنها كفارة ، ينبغي أن تكون كفارة غير محدودة ، ولا يوجد غير محدود إلا الله لذلك كان ينبغي أن يقوم الله نفسه بعمل الكفارة هذا هو ملخص المشكلة كلها في إيجاز لقد أخطأ الإنسان ، وأجرة الخطية هي الموت ( رو6 : 23 ) وكان لابد أن يموت الإنسان ، وبخاصة لأن الله كان قد أنذره بهذا الموت من قبل أن يتعدي الوصية ، إذ قال له : " وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت " وهكذا استحق حكم الموت ، وكان لابد أن يموت كان موت الإنسان هو الوفاء الوحيد لعدل الله وإن لم يمت الإنسان ، لا يكون الله عادلا ، ولا يكون الله صادقاً في إنذاره السابق هذه النظرة يشرحها القديس أثناسيوس الرسولي باستفاضة في كتابه " تجسد الكلمة " وإذ يشرح لزوم موت الإنسان ، يشرح من الناحية المضادة المشاكل التي تقف ضد موت الإنسان فماذا كانت تلك المشاكل ؟ كان موت الإنسان ضد رحمة الله ، وبخاصة لأن الإنسان قد سقط ضحية الشيطان الذي كان أكثر منه حيلة ومكراً !! ( تك3 ) وكان موت الإنسان ضد كرامة الله ، إذ أنه خلق على صورة الله ومثالة ، فكيف تتمزق صورة الله هكذا ؟!وكان موت الإنسان ضد قوة الله ، كأن الله خلق خليقة ولم يستطع أن يحميها من شر الشيطان ! وهكذا يكون الشيطان قد إنتصر في المعركة !! وكان موت الإنسان ضد حكمة الله في خلقه للبشر وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي إنه كان خيراً للإنسان لو لم يخلق ، ن أن يخلق ليلقي هذا المصير !! وأخيراً كان موت الإنسان ضد ذكاء الله إذ كيف توجد المشكلة ولا يستطيع عقل الله أن يوجد لها حلاً !!إذن كان موت الإنسان ضد رحمة الله ، وضد كرامة الله ، وضد قوة الله ، وضد حكمته وذكائه . وكان لابد لحكمة الله أن تتدخل لحل هذا الإشكال وهكذا تدخل أقنوم الإبن لحل الإشكال والإبن كما يقول القديس بولس الرسول هو : " حكمة الله وقوة الله " ( 1كو1 : 24 ) ، ويسميه سفر الأمثال : " الحكمة " ( أم9 : 1 ) والآن نسأل : كيف أمكن لحكمة الله حل هذا الإشكال ؟ كان الحل هو الكفارة والفداء ، لابد أن يموت أحد عن الإنسان ، فيفديه ، لإنقاذه . ولم يكن يصلح لهذا الفداء أي كائن آخر ، غير الإنسان ذاته ، لا ملاك ، ولا حيوان ، ولا روح ، ولا أية خليقة أخري فلماذا ؟ كان لا يمكن لمخلوق أن يموت عن الإنسان لسببين :-
أولاً ـ لأن كل مخلوق محدود ، لا يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة ، توفي العقوبة غير المحدودة ، للخطية غير المحدودة .
ثانيا ـ لأن الحكم صدر ضد الإنسان ، فيجيب أن يموت الإنسان .
وكان الحل الوحيد هو التجسد : أن ينزل الله إلى عالمنا مولوداً من إمرأة ، فهو من حيث لاهوته غير محدود كإله ، يمكنه أن يقدم كفارة غير محدودة ، تكفي لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس ، في جميع الأجيال وهو من حيث ناسوته ، يمكنه أن ينوب عن الإنسان المحكوم علية في دفع ثمن الخطية من أجل هذا السبب كان السيد المسيح يتعمد أن يسمي نفسه : " إبن الإنسان " في كثير من المجالات هذا إذن هو السبب الأساسي لولادة السيد المسيح مع العذراء جاء ليحمل خطيتنا ، ويموت عنها ، لينقذنا من عقوبتها إن عرفنا هذه الحقيقة ، فما هي الدروس الروحية التي يمكن أن نتعلمها منها في حياتنا ؟ هذا ما نود الآن أن نتأمل فيه . تأمل أيها الأخ المبارك في أن كل خطية ترتكبها هي موجهة ضد الله ذاته ، ولا تختلف في دينونتها عن خطية آدم وحواء هي مثل خطيئتهما غير محدودة ، لأنها موجهة ضد الله غير المحدود وهكذا فإن عقوبتها غير محدودة ، ولا تغفر إلا بكفارة غير محدودة كل خطية ترتكبها هي عصيان لله هي نوع من التحدي لله وعدم المبالآة بوصاياه ، بل هي ثورة عليه وإنضمام لخصمه الشيطان وهكذا فكل خطية ترتكبها تحمل معني عدم محبة لله ، لأنه يقول : من يحبني وصاياي ( يو14 : 15 ) لذلك عندما أخطأ داود وزني وقتل ، لم يقل أخطأت ضد أوريا الحثي وزوجته ، بل قال لله : " لك وحدك أخطأت ، والشر قدامك صنعت " ( مز50 : 4 ) حقاً إن الخطية خاطئة جداً كما يقول الكتاب ( رو7 : 13 ) وكل خطية ترتكبها يحملها المسيح ، لأنه هو : " حمل الله الذي يرفع خطية العالم كله " ( يو1 : 29 ) " كلنا كغنم ضللنا ، ملنا كل واحد إلى طريقة . والرب قد وضع عليه إثم جميعنا " ( إش53 : 6 ) إنك يا أخي ربما تستسهل الخطية ، وتستسهل غفرانها ، وتظن أنه بمجرد الإعتراف بها تنتهي . ولا يتناول تفكيرك كيف تغفر هذه الخطية بالاعتراف لذلك تجد الأمر سهلاً ولا تشعر بفداحة ما تفعله!!خطيتك أيها لا تغفر إلا بدم المسيح ، لأنه : " بدون سفك دم ، لا تحدث مغفرة " ( عب9 : 22 ) فما هو موقف الكاهن من الغفران إذن ؟ هل مجرد قراءة التحليل أو عبارة : " الله يحاللك " هي كل شئ ؟! كلا بلا شك . فمجرد هذه الكلمة وحدها لا تكفي عندما يعطيك الكاهن المغفرة ، إنما يقوم بعملية تحويل يحول الخطية من حسابك إلى حساب السيد المسيح ينقل الخطية من على رأسك إلى رأس الحمل الذي يحمل خطايا العالم كله وحينئذ يمحوها السيد المسيح بدمه بل أتجرأ وأقول إن السيد المسيح نفسه عندما كان يقول لإنسان : " مغفرة لك خطاياك " لم تكن هذه العبارة وحدها تكفي بدون دم الرب إنما قول السيد الرب لإنسان : " مغفورة لك خطاياك " معناها : " إنني قبلت أن أموت عن هذه الخطايا ، وقبلت أن أمحوها بدمي لذلك أعتبرها مغفورة ، لأنها مغموسة في دمي " لأنه لو كانت مجرد عبارة المغفرة تكفي لماذا إذن كان التجسد ، ولماذا إذن كان الصلب والفداء ؟ بسبب خطيتك أيها الخ ، أخلي الرب ذاته ، وأخذ شكل العبد ، وولد كإنسان ، وأحتمل كل ضعف البشرية من أجل خطيتك صار طفلاً ، ومن أجلها هرب من هيرودس إلى مصر ، ومن أجلها جرب من الشيطان ، ومن أجلها إضطهده اليهود وأهين وشتم وبصق عليه وضرب وصلب ومات إن عرفت كل هذا ، فكيف تحتمل مشاعرك أن تخطئ ؟!يجب أن تعلم جيداً أن كل خطية لابد أن تقف أمام عدل الله ، لكي تعطي حساباً أمامه " ومخيف هو الوقوع في يدي الله الحي " ( عب10 : 31 ) لذلك في يوم ميلاد المسيح ، تأمل في محبته لك ، وفي سعيه لخلاصك وكيف أنه من أجلك جاء حقاً لقد جاء المسيح ليخلص العالم ( يو3 : 17 ) . جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك فهل كان هذا هو كل شئ ؟ كلا ، فإننا نلاحظ شيئاً آخر وهو أنه قد جاء لينوب عن البشرية .
2 ـ أتي المسيح لينوب عن البشرية :-
إنه ناب عنا في دفع ثمن الخطية ، في الموت ، فمات عنا ولكن هذا لم يكن هو الشيء الوحيد الذي ناب عنا فيه بل أنه ناب عنا في كل عمل صالح ، في تكميل الناموس كله فاختتن وهو غير محتاج إلى الختان ، وصام وهو غير محتاج إلى الصوم ، وإعتمد وهو غير محتاج إلى عماد ، وهكذا داوليك ولعل نيابة الرب عن الإنسان هي التي جعلته يسمي نفسه في أحيان في أحيان كثيرة " إبن الإنسان " ، مشيراً إلى أنه جاء نائباً عن الإنسان أو نائباً عن البشرية فهو ليس إبن فلان من الناس ، وإنما هو إبن الإنسان عموماً وقد ناب عن الإنسان في موته وفي حياته وفي كل ما كان مطلوباً منه
ولنبدأ أولاً بموضوع العماد ، كمثال ذهب السيد المسيح إلى يوحنا ليعتمد منه ولكنه بلا شك لم يكن محتاجاً مطلقاً إلى العماد معمودية يوحنا كانت للتوبة ، والتوبة عمل يقوم به الخطاة وليس الأبرار ويسوع المسيح القدوس البار ، الذي هو وحده بلا خطية ، لم يكن محتاجاً إلى التوبة ، وبالتالي لم يكن محتاجاً إلى معمودية يوحنا كان يوحنا صوتاً صارخاً في البرية ينادي : " توبوا لأنه قد أقترب ملكوت السموات "( مت3 : 2 ) " إصنعوا ثماراً تليق بالتوبة " " كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقي في النار " وهذا الصوت لم يكن بأي حال موجهاً إلى السيد المسيح ، الذي إعترف له يوحنا قائلاً : " أنا محتاج إلى أن أعتمد منك " ( مت3 : 14 ) . ويوحنا كان يأتي إليه ليعتمدوا " معترفين بخطاياهم " ( مت3 : 6 ) والسيد المسيح لمتكن له خطية يعترف بها فمادام لم يكن محتاجاً إلى التوبة ، ولا إلى المعمودية ، فلماذا ذهب إلى يوحنا ؟ ولماذا إعتمد ؟ لقد فعل ذلك " ليكمل كل بر " ، لينوب عنا في إطاعة الناموس إن البشرية فشلت في إرضاء الله الآب ، فجاء الإبن يرضيه .يريه : " إبن الإنسان ط وقد وقف كاملاً أمامه فناب عنا في تقديم هذه التوبة ... كما سينوب عنا في آخر الزمان في تقديم خضوع البشرية للآب وهكذا يقول الرسول : " ومتي أخضع له الكل ، حينئذ الإبن أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل " ( 1كو15 : 28 ) إن الخطية كانت لها نتيجتان : هلاك الإنسان ، واغتصاب قلب الله . وجاء السيد المسيح ليصلح الأمرين معاً : جاء ليخلص الإنسان الهالك ، إذ ناب عنا في الموت وفي دفع ثمن الخطية وجاء ليصالح لب الله الغاضب بأن يقدم له ناسوتاً كاملاً يرضيه ، وهكذا ناب عنا في تكميل الناموس وفي كل عمل صالح قام بالعملين معاً : أرضي قلب الله بحياته الطاهرة ، وأنقذ حياة الإنسان ، بموته الكفارى .
وكما ناب السيد المسيح عن البشرية في التوبة والعماد وتكميل الناموس ، ناب عنها أيضاً في الصوم لم يستطيع الإنسان أن يكبح جماح جسده ، فأكل من طعام نهي الله عنه ، فسقط وجاء السيد المسيح ليصلح هذا الخطأ ، فبدأ خدمته بالصوم حتى عن الطعام المحلل للجميع نحن نصوم لنروض الجسد ونلجمه ونربيه أما جسد السيد المسيح فلم يكن جامحاً حتى يكبح جماحة ، فلماذا إذن صام ؟ ونحن نصوم لكي تصفو الروح وتسمو وروح السيد المسيح في صفائها وسموها ليست في حاجة إلى صوم يوصلها إلى العلو الذي توجد فيه بطبيعتها إذن لماذا صام ؟ لقد صام عنا ، أربعين يوماً وأربعين ليلة وفي ذلك الصوم قدم لله الآب ـ نيابة عنا ـ جسداً طاهراً لا يخضع لشهوة طعام ، إستطاع أن يبرهن عملياً على أنه : " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( مت4 : 4 ) لقد ناب السيد المسيح عنا في تقديمه للآب صورة الإنسان الكامل المطيع لوصاياه ، وفي نفس الوقت قدم للبشرية الصورة الإلهية التي خلقوا على مثالها .
3 ـ آتي ليقدم لنا الصورة الإلهية :-
لقد خلق الإنسان على صورة الله ومثالة ( تك1 : 27 ) في البر والقداسة والكمال ، ولكنه شوه تلك الصورة الإلهية بخطاياه . لسنا نقول هذا عن مجموعة خاطئة معينة من الناس ، وإنما عن الكل : " الجميع زاغوا وفسدوا معاً ، ليس من يعمل صلاحاً ، ليس لا واحد " ( مز14 : 3 ) وهكذا فقدت الصورة الإلهية من الكون لعل تلك الصورة هي التي كان يعينها ديوجين الفيلسوف : [عن أي شئ تبحث ] ؟ فأجاب : [ أبحث عن إنسان ] !! إن الإنسان في وضعه الأصلي ـ كصورة الله ـ لم يكن موجوداً فأتي السيد المسيح ليقدم للناس هذه الصورة الإلهية ، بمثال عملي أمامهم يرونه فيحاكونه وهكذا قال لهم فيما بعد : " لأني أعطيتكم مثالاً ، حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً " ( يو13 : 15 ) بهذه الصورة رآه القديس بطرس الرسول : " تاركاً لنا مثالاً ، لكي تتبعوا خطواته " ( 1بط2 : 21 ) . وبنفس المعني يقول معلمنا يوحنا الرسول : " من قال إنه ثابت فيه ـ ينبغي أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً " ( 1يو2 : 6 ) قدم لنا صورة للإنسان المنتصر على الشيطان ، ليعالج بها صورة آدم وحواء اللذين إنهزاماً أمام إغراء الحية وإيحائها وهكذا بدأ خدمته بأن سمح للشيطان أن يجربه ، ليس مرة واحدة كما فعل مع أبوينا الأولين ، وإنما ثلاث مرات ( مت4 ) أعقبتها فيما بعد تجارب لا تعد وإذ كانت كلمة الله ووصيته على لسان الإنسان الأول ، ولكنها ليست ثابته في قلبه ، ولا منفذه عملياً في حياته ، كانت وصية الله وكلمته قوية وفعالة في فم السيد المسي ، هزم بها الشيطان فلم يستطع أن يرد عليه وفي حياة السيد المسيح قدم لنا صورة الإنسان الكامل ، الذي إستطاع أن يتحدى جميع مقاوميه قائلاً : " من منكم يبكتني على خطية " ( يو8 : 46 ) . ويقول عنه بولس الرسول إنه : " مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطية " ( عب4 : 15 ) وقال عنه أيضاً إنه : " قدوس بلا شر ولا دنس قد إنفصل عن الخطاة ، وصار أعلى من السموات " ( عب7 : 26 ) . لذلك عندما بشر الملاك العذراء بميلاده قال لها : " القدوس المولود منك " ( لو1 : 35 ) هذا القدوس ، إذ لم تكن في حياته خطية يموت بسببها ، مات عن خطايانا نحن وإستحق أن يكون فادي البشرية يمكننا أن نتأمل حياته المقدسة ، ونأخذ لأنفسنا درساً من كل عمل ومن كل قول كانت حياته نوراً يرشدنا إلى ما ينبغي أن نعمله لذلك يسميه القديس يوحنا " النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان " ( يو1 : 9 ) وإذ كانت خطية الإنسان الأولي هي الكبرياء ، لذلك جاء السيد المسيح يلقننا درساً في التواضع .
4 ـ درس عجيب في التواضع :-
سقط أبوانا الأولان في الكبرياء عندما قبلاً إغراء الحية في قولها : " تصيران مثل الله " ( تك3 : 5 ) ومن قبلهما سقط الشيطان في هذه الخطية ذاتها إذ قال في قلبه : " أصعد إلى السموات أصير مثل العلي " ( إش14 : 13 ، 14 ) فجاء السيد المسيح يرد على هذه السقطة الإنسان الترابي أراد أن يرتفع ويصير مثل الله ، فإذا بالله ينزل ليصير شبه الناس !! الإنسان أراد أن يكبر ذاته ، فعالجة الرب بأن أخلي ذاته مقاييس العظمة كانت مرتكبة في حياة الإنسان فأصلحها له الرب كان يري العظمة في الكبرياء ، فشرح له الرب عملياً كيف أن العظمة في التواضع . ووضع ذلك المبدأ العجيب : " أكبركم يكون خادماً لكم فمن يرتفع نفسه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع " ( مت123 : 11 ، 12 ) كان الناس يقيسون عظمة الشخص بمقدار انتفاخه وتوقير الناس له لذلك كان الكتبة والفريسيون : " يحبون المتكأ الأول في الولائم ، والمجالس في المجامع ، والتحيات في الأسواق ، وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي " ( مت23 : 6 ، 7 ) فجاء السيد المسيح يعطي مثالاً آخر للعظمة ، العظمة الهادئة المتضعة غير المنتفخة البعيدة عن الكبرياء ومديح الناس ، عظمة القلب النقي المنتصر على المجد الباطل ، عظمة البساطة والوداعة . ولأول مرة بدأنا نسمع عن جمال الإتضاع قبل السيد المسيح كانوا يرون العظمة ، كعظمة الملوك ، في فخامتهم وحسن منظرهم ، مثل شاول الملك الذي : " من كتفه إلى فوق ، كان أطول من كل الشعب " ( 1صم9 : 2 ) كانوا يرون العظمة في المركبات والسيوف واحاطة الشخص نفسه بالجنود ورجال الحاشية والعبيد والخصيان !! فأتهاهم السيد المسيح بصورة أخري للعظمة ، عظمة مالك السموات والأرض الذي ليس له أين يسند رأسه ،عظمة الشخص الذي ليس له مكان إقامة ، وليس له منصب ولا وظيفة في المجتمع ، ومع ذلك يهز المجتمع كله بأصابعه !! لقد جاء السيد المسيح بصورة أخري للعظمة لم يرها الناس من قبل كانوا يفهمون الكرامة بأن يجلس العظيم فلا يستطيع أحد أن يقترب إليه ، أو أن يمشي في هيبه ووقار لا تقرب منه إمرأة ولا طفل لذلك عندما إقترب الأطفال من المسيح ، إنتهرهم التلاميذ !! ( لو18 : 15 ) فقال لهم الرب " دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله " وتعجب التلاميذ ، وكانوا يفكرون في قلوبهم : " ما هذا الذي نراه منك يارب ؟! إنك كبير عن هذا المستوي ، نجلسك على عرش عظيم ، والناس يسجدون لك من بعيد !! لا يستطيع الكبار أن يقتربوا إليك ، فكم بالأولي الأطفال !! " وكأن السيد المسيح يجيبهم عن كل هذا : " دعكم من هذه الصورة الخاطئة التي أخذها الناس عن العظمة " نفس الأمر تكرر في بيت الفريسي عندما أتت إمرأة خاطئة وبللت قدمي المسيح بدموعها ومسحتها بشعر رأسها ، وكانت تقبل قدميه وتدهنهما بالطيب ( لو7 : 38 ) فتأفف الفريس ، وتذمر في قلبه كيف يقبل السيد المسيح أن تلمسه إمرأة خاطئة وتقبل قدميه ! ولكن السيد المسيح دافع عن المرأة ، ورآها أعظم من الفريسي ، لأنها أحبت كثيراً ، فغفر لها الكثير لم تكن العظمة في نظر السيد المسيح هي الترفع عن الناس والتعالي على الضعفاء ، وإنما محبة الناس والعطف عليهم نفس الانتقاد وجهوده إلى الرب في جلوسه مع الخطاة والعشارين ، كما لو كان في جلوسه معهم أو اشتراكه في موائدهم ، انتقاض من قدرة وكرامته أما الرب فكان يرى الكرامة كل الكرامة في البحث عن هؤلاء الضالين وإنقاذهم مما هم فيه وهنا تبدو كرامته كراع ، ومعلم كل هذا يقنعنا بأن السيد المسيح ـ في مجيئه إلينا ـ كانت له إلى جوار الفداء اسباب أخري ، وإن كانت جانبية
أسباب أخري لمجيئه :
لقد جاء السيد المسيح لكي يصلح التعليم الفاسد الذي وقع فيه الناس ، ولكي يصحح المفاهيم الخاطئة للشريعة وللناموس وللمبادئ العامة في الحياة ذلك لأن الكتبة والفريسيين وزعماء اليهود وكهنتهم ورؤساءهم كانوا قد شوهوا كل شئ ، وفسروا الدين حسب مزاجهم الخاص ، وأبطلوا وصيه الله بسبب تقاليدهم ( مت15 : 6 ) ووضعوا على أكتاف الناس أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ، وأغلقوا ملكوت السموات قدام الناس ، فلا هم دخلوا ، ولا جعلوا الداخلين يدخلون ( مت23 ) من أجل ذلك وبخهم السيد المسيح ، وكشف رياءهم أمام الناس وقال عن أمثال هؤلاء المعلمين الكذبة : " جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص " ( يو10 : 8 ) ذلك لأنهم غرسوا في أذهان الناس وقلوبهم تعاليم خاطئة ومفاهيم منحرفة لهذا جاء السيد المسيح ليقدم مفاهيم جديدة جاء يقلب تلك الأوضاع ، ويقيم ثورة ف الحياة الدينية أو كما قال للناس جئت لألقي ناراً على الأرض فماذا أريد لو أضطرمت " ( لو 12 : 49 ) جاء يشعل ثورة ، ما قبلها ثورة ، ولا بعدها ثورة ثورة على الفهم الخاطئ للدين ، والفهم الخاطئ للمبادئ أقام السيد المسيح دولة جديدة من الفكر العالي السامي ، لا يمكن أن يصل إليه تفكير البوذيين ولا تفكير الكنفوشيوسيين ولا تفكي البراهمة ولا تفكير الفلاسفة جميعاً جميع فلاسفة العالم إنحنوا في خضوع وفي توقير أمام تعاليم المسيحية وإذ بالمسيحية قد ارتفعت فوق كل تلك الفلسفات ، وغلبتها جميعاً الفسلفة وغلبت القوانين ، وغلبت الأنظمة الموجودة الجهلة الذين لا فكر لهم ، ولكن لهم فكر المسيح وإستطاع هؤلاء أن ينشروا تعاليم الرب في كل مكان : " مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح " ( 2كو10 : 5 ) حقاً لقد قدم السيد المسيح نوراً عجيباً للعالم نحن نفتخر ونفرح ونسر يمتلئ فمنا بركة وتسبيحاً ، لأن السيد المسيح أعطانا تعليماً عظيماً من هذا النوع يسمو على كل تعليم آخر صدقوني لو كانت المسيحية كلها ، ليست فيها سوي هذه الآية الواحدة التي تقول : " أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعينكم ، إحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " ( مت5 : 44 ) لو كانت المسيحية لا تحمل سوي هذه الآية الواحدة ، لكانت هذه الآية الواحدة تكفي هاتوا كل تعليم الفلاسفة لا تجودنه يوازي هذه الآية في سموها وعلوها وعمقها لقد جاء السيد المسيح إلى العالم فبهر العالم بتعليمه يقول معلمنا القديس متي بعد تسجيله لعظة السيد المسيح على الجبل : " فلما أكمل يسوع هذه الأقوال بهتت الجموع من تعليمه ، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة " ( مت7 : 28 ، 29 ) كان تعليماً لا يدخل إلى الآذان والأذهان فقط ، وإنما يخترق القلب ويستقر فيه ، بسلطان ذلك لأن : " كلمة الله حية وفعالة ، وأمضي من كل سيف ذي حدين ومميزة أفكار القلب ونياته " ( عب4 : 12 ) ان يعطي التعليم ويعطي معه نعمة لتنفيذه وربما عن هذا قال القديس يوحنا الرسول : " لأن الناموس بموسى أعطي أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صاراً " ( يو1 : 17 ) لم يكن تعليم السيد المسيح مبهراً للشعب مبهراً للشعب فقط ، وإنما للرؤساء أيضاً ، حتي في طفولته إنه وهو صبي في الثانية عشرة من عمره ، جلس في الهيكل في أورشليم ، في وسط المعلمين ، في وسط الكتبة والكهنة والشيوخ وأعضاء مجلس السنهدريم : " وكل الذين سمعوه ، بهتوا من فهمه وأجوبته " ( لو2 : 47 ) . ولما بدأ كرازاته ، نسمع عن نيقوديموس أحد رؤساء اليهود وعضو مجلس السنهدريم ، أنه جاء إلى السيد المسيح ليلاً ، يسأل ويتعلم 0 يو3 : 1 ، 2 ) وفي سلطان السيد المسيح في التعليم ، وفي ثورته التعليمية ، نجده يقول في سلطان : " سمعتم أنه قيل وما أنا فأقول لكم " ( مت5 ) . من ذا الذي يستطيع أن يتكلم هكذا عن شريعة الله ؟! ولكنه السيد المسيح ، الذي أنار عقولنا بذلك السمو العجيب في فهم الدين ، وإستطاع أن يحول فكر البشرية وفهمها الناس قبل مجيئه كانوا يفهمون أن القوة هي العنف ، فأعطاهم مثلاً للقوة هو قوة المحبة الباذلة ، التى تبذل ذاتها عن الآخرين ، ومثلاً آخر عن القوة ، هو قوة الروح في الداخل والناس كانوا يفهمون الحية بمعني أن يفعل الإنسان ما يشاء فوضح لهم أن الحرية الحقيقية هي تحرر الإنسان من الخطية وتحرره من عبودية الشهوة ومن سلطان الجسد ، بل تحرره من الذات وفي تعليم السيد المسيح أعطي الناس فكرة جديدة عن الله ذاته كانوا ينظرون إلى الله كقوة جبارة لا يستطيعون الدنو منها حتى أنهم عند إعلان الوصايا العشر على الجبل ، كانوا مرتعدين ، " وقالوا لموسي : تكلم أنت معنا فنسمع ، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت " ( خر20 : 19 ) أما في مجئ السيد المسيح ، فأراهم الله في صورة أخري وأخذوا فكرة عن الله المحب الشفوق ، الوديع المتواضع ، الذي : " لا يخاصم ولا يصيح ولا يمسع أحد في الشوارع صوته . قصبه مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة مدخنه لا يطفئ " ( مت12 : 20 ) الله الذي يجول بينهم كراع يسعي في طلب الضال . وكطبيب يضمد الجروح ، وكنور يضمد الجروح ، وكنور حقيقي يشرق للضالين وغير العارفين هذه هي الصورة الجديدة التي قدمها لهم عن الله فأخبوه : " والمحبة تطرح الخوف إلى خارج " ( 1يو4 : 18 )
لأجل هذا كله فرح العالم بمجئ الرب وقف الملاك يحمل البشري للرعاة قائلاً : " ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب " ( لو2 : 11 ) أي أن الفرح لم يكن للرعاة فقط ، إنما لجميع الشعب وليس لليهود فقط ، إنما للعالم كله حقاً إنه فرح عظيم ، رأيناه وضحاً على وجه سمعان الشيخ الذي حل الطفل يسوع على ذراعية ، وبارك الله قائلاً : " الآن يارب تطلق عبدك بسلام لأني عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام جميع الشعوب " ( لو2 : 29 )إنه فرح بالخلاص المنتظر منذ زمان رأينا هذا الفرح على وجه حنة النبيه العابدة القديسة التي " وقفت تسبح الرب ، وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم " ( لو2 : 28 ) وظهر هذا الفرح على وجه اليصابات لما زراتها العذراء ، فامتلأت اليصابات من الروح القدس وقالت للعذراء : " من أين لي هذا ، أن تأتي أم ربي إلى . فهوذا حين صار صوت سلامك في في أذني ، ارتكض الجنين بابتهاج في بطني " ( لو1 : 41 ـ 44 ) حتى الجنين ابتهج ن لأنه كان نبياً ، ويعرف من هو هذا المسيح الذي أتي ولكن هل فرح الكل وابتهجوا ، أم أن هناك من قد حزن ـ للأسف ـ بسبب مجئ المسيح ؟ هذا ما سوف نحدثك عنه إن شاء الله في المحاضرة المقبلة .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
17 يناير 2025
عيد الغطاس
أهنئكم أيها الأحباء بعيد الغطاس اﻟﻤجيد أوعيد الظهور الإلهى،وهو أحد الأعياد السيدية اﻟﺜابتة ( ١١ طوبه من ﻛﻞ ﻋﺎم) ھذا العید له مدلولاته ومعانیه الكثیرة في حیاتنا،ویكفي أننا ارتبطنا وعشنا في الكنیسة من خلال
السر الأول "سر المعمودیة" الذي ھو على مثال معمودیة السید المسیح ھذا العید له تسمیات كثیرة لكن یمكن أن نسمیه "عید تجدید خلقتنا" فاﻟﻠﮫ بعدما خلق الإنسان وأراده أن یكون إنسانًا ناجحًا، سقط في المعصیة والخطیة وانحرف وطرد من الجنة وصار محتاجًا للخلاص ومحتاجًا لمن یفدیه وتوالت الأجیال، حتى جاء السید المسیح ودخل إلى العالم من باب الفقروالاتضاع،وقد احتفلنا بعید المیلاد منذ أیام قلیلة،وبعده عید الختان، والیوم نحتفل بعید الغطاس تعمد السید المسیح وعمره ثلاثین عامًا على ید یوحنا المعمدان، وكانت المعمودیة ھي بدایة خدمته الجھاریة لأنھم في المجتمع الیھودي لا یستمعوالأحد إلا إذا كان عمره ثلاثین سنة أو أكثر ﻓﻲ هذه اﻟﻤناسبة أريد أن أتامل معكم ﻓﻲ ثلاث نقاط:
۱- النھر: وھو نھر الأردن، وكلمة "أردن" لھا معانٍ كثیرة، أحد معانیھا من أصل ھندي ومعناه "الخالد أو المنحدر". وھذا النھر طوله ۲٥۰ كیلومتر فقط، وعرضه ٥ أمتار أي مسافة صغیرة،وھو لیس عمیقًا فیمكن أن یعبر الناس فیه بأقدامھم ینبع من ھضبة الجولان، ویمر في خمس دول سوریا ولبنان وفلسطین والأردن وإسرائیل،ثم ینتھي بأن یصب في البحر المیت (بحر مغلق وبالتالي أملاحه عالیة جدًا فلا تعیش فیه الكائنات
الحیة) والناس یسمونه "بحر الشریعة" باعتبار أن السید المسیح تعمد فیه وباعتبار أن بني إسرائیل عبروا من خلاله في طریقھم لیرثوا الأرض في عبر الأردن كان عماد السید المسیح،وفي دولة الأردن یسمون الموضع الذي تعمد فیه السید المسیح "المغطس".
۲- الشخص: وھو یوحنا المعمدان الذي من أسرة بارة مباركة، أبوه زكریا الكاھن وأمه القدیسة ألیصابات، كانا كلاھما بارین یرفعان صلوات دائمة من أجل أن یعطیھما الله نسلاً ثم ظھر الملاك لزكریا وبشره بأنه سیكون له ابن، وعندما لم یصدق أصابه الخرس والصمت وھذا الصمت تعبیر عن أن السماء كانت صامتة لا تستجیب لصلواته،وأیضًا تعبیر عن زوجته التي تقدمت بھا الأیام وصارت صامتة لا تنجب ولكن في الوقت المعین أرسل الله ھذا الابن الذي صار فیما بعد أعظم موالید النساء بشھادة من المسیح، وانفتح فم زكریا ونطق فرحًا،وانفتح رحم ألیصابات وولدت یوحنا یعتبر یوحنا المعمدان ھو ھمزة الوصل بین العھد القدیم والعھد الجدید (مثل مفصلة الباب التي تصل بین الضلع ثابت الذي یمثل العھد القدیم والباب المتحرك الذي یمثل العھد الجدید) ولذلك نال یوحنا المعمدان ثلاثة ألقاب، السابق والصابغ والشھید "السابق" زمنیًا قبل میلاد المسیح بستة أشھر، و"الصابغ" لأنه قام بعماد السید المسیح،و"الشھید" لأن حیاته انتھت بالاستشھاد عاش یوحنا المعمدان في البریة، ناسكًا، في ھدوء البریة مصلیًا، بسیطًا جدًا في ملبسه وحیاته وطعامه، وكان إنسانًا مھوبًا ثم خرج وبدأ ینادي للجمیع بمعمودیة الماء وھذه المعمودیة – بحسب مفھوم ذلك الوقت- ھي التي تساعدھم في مسح وغسل الخطایا فاجتمعت إلیه الجموع،إلى أن أتى الیوم الذي جاءه فیه السید المسیح فارتبك وقال "أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ"(مت ۳ : ۱٤) فقال له: "اسْمَحِ الآنَ"(مت 15:3)فأطاع وقام بمعمودیة المسیح وفي وقت معمودیة السید المسیح حدث أمر جلیل وھو الظھور الإلھي الآب من السماء یشھد "ھذَا ھُوَ ابْني الْحَبِیبُ الَّذِي بِه سُرِرْتُ" (مت ۳: 17) والابن في میاه نھر الأردن، والروح القدس مستقرًا علیه مثل حمامة.
۳- الصوت: إذا سألتك "من أنت؟" تقول اسمك وتذكر ألقاب كثیرة. أما یوحنا المعمدان فعندما سُئِل من ھو، قال "أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّیَّةِ" (یو1: 23 ) "أَعِدُّوا طَرِیقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَه مُسْتَقِیمَةً"(مت ۳:3) أنا مجرد صوت لأن أقنوم الكلمة الحقیقي شخص المسیح "أَعِدُّوا طَرِیقَ الرَّبِّ" فأنا الملاك المھیئ لحضور المسیح "اصْنَعُوا سُبُلَه (طرقه) مُسْتَقِیمَةً"، فمن یرید أن یعیش مع المسیح لابد أن تكون طرقه مستقیمة غیر معوجة.
أربعه معانى للصوت
أرید الیوم أن أتأمل معكم في أربعة معاني
للصوت، وكیف نأخذھا لنفوسنا ونستفید بھا، فقد كان صوت یوحنا:
۱- صوتًا نبویًا: یحمل نبوات العھد القدیم كلھا، فقد نطق بالعبارة التالیة وھو یشیر إلى المسیح "ھُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي یَرْفَعُ خَطِیَّةَ الْعَالَمِ" (یو ۱: ۲۹ ) "حَمَلُ" أي ذبیحة، و"یَرْفَعُ" أي "صلیب" یزیل خطیة الإنسان وأنت یجب أن یكون صوتك صوتًا كتابیًا إنجیلیًا "كتابیًا" بمعنى أن یكون صوتك وكلامك وأفكارك كلھا من الكتاب المقدس و"إنجیلیًا" بمعنى أن یكون مفرحًا فكلمة "إنجیل" تعني بشارة مفرحة، لأن المسیح ھو مخلص للعالم كله لأن "دَمُ یَسُوعَ الْمَسِیحِ ابْنه یطُھِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِیَّة"ٍ ( ۱یو7:1)
۲- صوتًا حكیمًا: یتكلم بحكمة ویزن الكلمة قبل أن ینطق بھا فقد قال عبارة قویة وھو یشیر إلى المسیح، في الوقت الذي كان فیه مشھورًا بینما المسیح لم یكن قد بدأ خدمته بعد، قال "یَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ یَزِیدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (یو ۳: ۳۰ ) ھذا صوت حكمة فسبب المشكلات ھو أن كل فرد یرید أن یكون ھو الأول لابد أن كل أب وأم مع أولادھما وكذلك كل خادم مع المخدومین یقولون ھذه العبارة إنھا حكمة المعاملات والعلاقات بین
الناس، وھي تریحك كثیرًا في حیاتك وفي عملك.
۳- صوتًا ودیعًا: فقد كان یعیش حیاة صارمة في البریة، وكان صارمًا في ملبسه ومأكله، لكنه كان ودیعًا فیقول عن نفسه في علاقته مع المسیح "لَسْتُ أَھْلاً أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُیُورَ حِذَائِه"(مر ۱: ۷) ما ھذه الوداعة والاتضاع وما النفسیة التي تقبل ھذا؟ وقال ھذا وھو مشھور ومعروف وله تلامیذ، أما المسیح فلم یكن قد اختار تلامیذه بعد وھذا ما قاله لنا المسیح "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِیعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ" (مت ۱۱: ۲۹ ) ویقول القدیس یوحنا ذھبي الفم "الید التي خشیت أن تحل سیور حذاء المسیح،جعلھا المسیح توضع على رأسه" إنھا قاعدة ذھبیة قدیمة: إن الإنسان حینما یتضع یرفعه الهح، أما حینما یتكبر فینزل الله به.
٤- صوت حق: كان یوحنا المعمدان شخص حقاني، فحینما أخذ الملك امرأة أخیه، وقف بكل شجاعة وحق وقال له"لاَ یَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِیكَ" (مر ٦: ۱۸ ) وھو حي كان صوت حق كلفه أن تُقطع رأسه وأن یصیر شھیدًا ولكن صوت الحق یظل یتردد على الدوام ولا ینتھي بل یتكرر عبر الأجیال والأزمان ھذا ھو یوحنا المعمدان، صاحب الصوت، وھذا الصوت كان صوتًا مؤثرًا، وقویًا كان صوتًا نبویًا وحكیمًا وودیعًا وكان صوت حق.
اﻟﻤعمودية وﺗﺠديد خلقتنا
إن عید الغطاس ھو "عید تجدید خلقتنا" لأننا بالمعمودیة نولد من الماء والروح بخلقة جدیدة،ونصیر أبناء النور وأبناء السماء یصیر الإنسان جدیدًا لأن المعمودیة تمنحه حیاة جدیدة، وانتمائیةللسماء، فاحذر أن یغیب عنك أن لك نصیب في السماء لابد أن تحافظ علیه طوال حیاتك على الأرض نقول "قلبًا نقیًا اخلق في یا لله وروحًا مستقیمًا جدده في أحشائي" (مز ٥۰) الیوم كأننا كلنا نحتفل بمعمودیتنا التي تمت وعمرنا أسابیع تذكر الثوب الأبیض الذي ارتدیته، والزنار الأحمر رمز دم المسیح، وتذكرالدفنات الثلاث في میاه المعمودیة "مَدْفُونِینَ مَعَه فِي الْمَعْمُودِیَّةِ" (كو ۲: 12).ﻟﻴباركنا مسيحنا بكل بركة روحية وﻳﺤفظنا و يعطينا دائمًا أن تكون حياتنا مرضية أمامه إﻟﻰ اﻟﻨفس الأخير.
قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
23 يناير 2025
بدعة بولس السميساطي أسقف أنطاكية
مؤسس البدعة السيموساطية هو بولس السميساطى وأدخلها فى أنطاكية
من هو بولس السيموساطي؟
ولد بولس فى بلدة تدعى سيمساط (وهى مدينة صغيرة ما بين النهرين)عن والدين فقيرين،وقد أصبح واسع الغنى بوسائل محرمة،ولا يعلم بأى طريقة أستطاع بها أن يصبح بطريركاً على الكرسى الأنطاكى إلا أنه يمكن القول أنه بجانب غناة وسلطته فقد كان بولس السيموساطي خطيباً مفوّهاً وسياسياً ماهراً ماكراً فإستطاع أن يحتل مركزاً مرموقاً في مملكة الملكة زينوبيا التي كانت تعرف بميلها لليهود فقد وكلت إليه جباية الخراج (الضرائب) فتقلد منصب دوسناريوس (أى والى مدنى من الدرجة الولى ذو مرتب سنوى 280 سترشيا عملة ذلك الوقت)، ورغبة منها في الانفصال عن روما فقد ساعدت بنفوذها بولس السيموساطي حتى يجلس على كرسى أسقفية إنطاكية عام 260م الذى كان يشاركها فى الميل لمناصبة روما العداء، وكان يحرص على وظيفته المدنية حرصاً شديداً لأنها كانت فرصة لأذلال شعبه كما كانت سلاحاً يستخدمه ضد الإكليروس عند مقاومتهم له نتيجة لهرطقته وسلوكه الشائن.
أخلاق بولس السيماساطى
ولما أثرى بعد فقر مدقع وشديد، وأنبسطت طالت يدة بعد أن كانت مغلولة فإنهمك فى الملذات والشهوات، فكان يصحب معه فى أى مكان يذهب إليه إمرأتين جميلتين يقضى معهما أكثر أوقاته، وكان مغرماً بالرفاهية والعظمة فلم يكن يسير فى الطرقات إلا ومائة من الخدم يتقدمونه ومائة أخرى يتبعونة يلبسون أفخر الثياب - وأبدل التراتيل التى تقال فى الكنيسة لتمجيد الرب الإله بنشائد تمجده وكلف بإنشادها فى الكنيسة بعض النسوة - وكان إذا خطب أو وعظ يجعل الناس تصفق له فى آخر كل عظة.
محتوى بدعة بولس السيموساطي:
كان بولس السيموساطي يعلم بأن الله واحد، أي أقنوم واحد، وفي هذا الأقنوم يمكننا أن نميز بين اللوجوس والحكمة، وهما عبارة عن صفتين وليسا أقنومين. خرج اللوجوس من الله أو انبثق منه منذ الأزل، وهو الذي كان يعمل في الأنبياء، وأيضاً في يسوع الذي وُلد من العذراء، أي أن يسوع إنسان مثلنا تماماً، مع أنه أعظم من موسى والأنبياء، ولكنه إنسان كامل، وقد حلّ اللوجوس في هذا الإنسان يسوع لذا لابد من التمييز بينه وبين يسوع. فاللوجوس أعظم من يسوع لأن يسوع بشري مثلنا، ويقول أن كلمة الإله حل فيه بعد ولدته من العذراء ونشط بعد حلول اللوجوس على يسوع وقت عماده وارتبط به برباط المحبة القوية. وبفضل رباط المحبة هذه استطاع يسوع أن ينتصر ليس فقط على الخطيئة بل أيضاً على خطيئة أجداده، لذا أصبح فادياً ومخلصاً لأنه تمّم مشيئة الله بطريقة كاملة، وبسبب أتحاد الكلمة الإلهية بهذا النسان يمكن القول أن المسيح هو الإله وليس بمعناها الحقيقى، ونشأ عن هذه البدعة والهرطقة فكر آخر وهو أنه كان فى المسيح أقنومان وأبنان للأله أحدهما بالطبيعة والآخر بالتبنى، وبذلك أنضم غلى سابيليوس فى انكار الثالوث الأقدس بقوله يوجد إله واحد تحسبه الكتب المقدسة بالآب وأن حكمته زكلمته ليست اقنوماً بل أنها فى العقل الإلهى بمقام الفهم فى العقل الإنسانى.
الكنيسة تحرم بولس السيموساطي:
وظهر فى ذلك الوقت كاهناً يُدعى ملخيون لإظهار أضاليل بولس ودحض بدعته وانضم إليه عدد من الكهنة والأساقفة منهم لينوس أسقف طرسوس، فدعا لعقد مجمع محلي في إنطاكية عام 264،ولكن هذا المجمع لم يصل لأية نتيجة لتدخل الملكة زينوبيا، وقد أعقبه مجمع آخر في إنطاكية ولم يصل أيضاً لنتيجة أيضاً،ولكن لم يمل أصحاب الإيمان القويم واستمروا في نضالهم ضد بولس السيموساطي،وبلغ البابا ديونيسيوس أخبار هذا الهرطوقى المخالف للعقيدة والأخلاق أرسل إليه العديد من الرسائل ووضح فيها مخالفة أفكاره لنصوص الكتاب المقدس وشهادات الآباء وقد أجاب بولس على رسائله موارباً وموارياً على ضلالته، ولأجل بدعته عقد فى أنطاكية مجمعاً وتكرر أنعقادة ويقول الأنبا ساويرس فى تاريخ البطاركة: " ولما طعن البابا ديونيسيوس فى ايامه ضعف جسده من كثرة ما لحقة من أضطهاد ولم يفتر مع هذا ليلة واحدة من قراءة الكتب المقدسة فلما علم الرب محبته للكتب أنعم عليه بقوة بصره حتى أنه صار يبصر كما كان فى ايام شبابه، ولما لم يقدر أن يذهب إلى مجمع أنطاكية الذى أجتمع فيه لمناقشة ما يقوله بولس السيماساطى أرسل برسالة مملوئة حكمة وتعاليم إلى ألساقفة المجتمعين به، لأن بوله كان كالقشب الذى يهر على الخراف، فمضى أساقفة المجمع مسرعين إلى أنطاكية بمجد السيد المسيح ومن جملة من حضر المجمع برمليانوي أسقف قيسارية قبادوقية، وغريغوريوس أسقف قيصرية الجديدة وأخوه أيثنوذوروس، وايلينوس أسقف طربيوس، ونيقيدوموس أسقف أبقونيا، وأيماناوس أسقف أورشليم، ومكسيموس أسق وسطراً وجماعة معهم أساقفة وقسوس وشمامسة "وكان بولس السيماساطى حينما يحضر المجمع يراوغ كثيراً فى أقواله، فكان تارة يستغيث من قساوة الأساقفة عليه، فمن جهة لا يبوح بحقيقة هرطقته وأفكاره،وتارة ينكر ما عزى إليه من ضلال، ثم يظهر موافقته للمجمع بما يطلب التصريح به، ولكن يرجع مرة ثانية لبدعته لهذا ينطبق عليه المثل " الكلب يرجع لقيئة " ولما أتنفذ فرص توبته ولم يرتدع كتب اعضاء المجلس كتب أعضاء المجمع إلى البابا مكسيموس البطريرك الأسكندرى وديونيسيوس أسقف روما يسردون فيها نقائص وعيوب بولس السيماساطى وإصرارة على بدعته وضلاله، ثم عقدوا بشأن ضلالته مجمعاً آخر أكبر حضره أساقفة أكثر وعُقد هذا المجمع في انطاكية عام 268م وقد قام ملخيون باستجواب بولس في هذا المجمع حتى استطاع إظهار ضلالته أمام الجميع ، وقام آباء المجمع بالكتابة إلى أسقفي روما والإسكندرية وأساقفة الكنائس الأخرى شارحين ضلالة بولس السيموساطي. فخلعوا بولس السيماساطى من بطريركية أنطاكية قلم يرضخ بالحكم وأعتصم بالدار البطريركية رافضاً الخروج منها وأستعان بقوة تدمر الحربية وواصل بولس البقاء في منصبه كأسقف رافضاً قرار المجمع وذلك بسبب مساندة الملكة زينبيا له، واستمر الحال هكذا لمدة أربع سنوات حتى سقطت الملكة وسقط معها بولس وكل تعاليمه.وبعد خلع بولس السيماساطى من من بطريركية الكرسى الأنطاكى وأقاموا بدلاً منه دمنوس، فعرض الأساقفة أمره إلى القيصر الرومانى أورليان فحكم بأن تعطى الأسقفية لمن أنتخبه المجمع ونفى بولس السيماساطى ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة بدعة بولس السميساطى تحت عنوان " بولس السميساطى والبدعة التى أدخلها إلى أنطاكية" فقال:
1 - بعد أن رأس زيستزس كنيسة روما أحدى عشرة سنة خلفه ديونيسيوس سمى ديونيسيوس الأسكندرى، وحوالى نفس الوقت مات ديمتريانوس فى أنطاكية ونال تلك السقفية بولس السميساطى .
2 - ولأنه كان يعتقد أعتقادات وضيعة عن المسيح - مخالفة لتعاليم الكنيسة - أى أنه كان فى طبيعته إنساناً عادياً، فقد توسلوا إلى ديونيسيوس الأسكندرى ليحضر المجمع، ولما لم يتمكن من الحضور بسبب تقدمه فى السن وضعف جسمه أعطى رأيه فى الموضوع الذى تحت البحث برسالة أرسلها إليهم، ولكن جميع رعاة الكنائس من كل جهة أسرعوا ليجتمعوا فى انطاكية كأنهم قد أجتمعوا ضد مبدد قطيع المسيح ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة (ك7 ف 28) (عن الأساقفة الذين ذهبوا لدحض بدعة بولس السميساطى تحت عنوان " أساقفة ذلك العصر البارزون " فقال:
1 - من بين هؤلاء كان فرمليانوس (ك6 ف 26) العظيم أسقف قيصرية كبادوكية، وألخوان غريغوريوس (غريغوريوس صانع العجائب ك6 ف 30) وأثينودورس، وبعض الرعاة من كنائس بنطس وهيلينوس (ك6 ف 46: 3) أسقف أيبروشية طرسوس ونيكوماس أسقف أيقونية، وعلاوة على هؤلاء هيميناس (ك7 ف 14) أسقف كنيسة أورشليم وثيوتكنس أسقف كنيسة قيصرية المجاورة، يضاف إلى هؤلاء مكسيموس الذى رأس ألخوة فى بوسترا (ك6 ف 33) بكيفية ممتازة وإن أراد أحد إحصائهم لوجد آخرين كثيرين علاوة على القسوس والشمامسة الذين أجتمعوا وقتئذ لنفس الغرض فى المدينة السابق ذكرها (أنطاكية) ولكن هؤلاء كانوا أبرزهم.
2 - وحينما أجتمع كل هؤلاء فى أوقات مختلفة لبحث هذه المواضيع كانت الحجج والأسئلة تناقش فى كل إجتماع، وكان أنصار السميساطى يحاولون أن يداروا ويخفوا هرطقته، وحاول الآخرون بكل غيرة أن يفضحوا ويعلنوا هرطقته وتجديفه على المسيح.
3 - وفى نفس الوقت مات ديونيسيوس فى السنة الثانية عشرة من حكم جالينوس بعد أن لبث أسقفاً 17 سنة وخلفه مكسيموس.
4 - وبعد أن لبث جالينوس فى الحكم 15 سنة خلفه كلوديوس الذى سلم الحكم إلى أوريليان بعد سنتين.
ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة (ك7 ف 29) عن حرم بولس السميساطى تحت عنوان " وبعد أن دحض ملخيون (أحد القسوس الفلاسفة) آراء بولس صدر الحكم بحرمة " فقال:
1 - وفى أثناء حكمة عقد مجمعاً آخر مؤلف من أساقفة كثيرين، وكشف عن منشئ الهرطقة فى أنطاكية، وفضحت تعاليمه الكاذبة أمام الجميع، فحرم من الكنيسة الجامعة تحت السماء.
2 - وقد أخرجه ملخيون من مخبه ودحض آراءه، وهذا كان رجلاً متعلماً فى نواح أخرى، وكان رئيساً لمدرسة الفلسفة اليونانية فى أنطاكية، ونظراً لسمو إيمانه بالمسيح، رسم قساً لتلك الأيبروشية، وإذ ناقشة هذا الرجل مناقشة خطيرة دونها الكتاب الحاضرون، ولا زالت باقية إلى ألان، أستطاع وحده أن يكشف حقيقة الرجل الذى ضلل وخدع ألاخرين ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة (ك7 ف 30) عن رسالة الأساقفة ضد بولس السميساطى فقال:
1 - أما الرعاة الذين اجتمعوا من أجل هذا الأمر فقد أعدوا بإجماع الآراء رسالة موجهة إلى ديونيسيوس أسقف روما ومكسيموس أسقف الأسكندرية وأرسلوها إلى جميع الأقطار، وفى هذه بينوا للجميع غيرتهم وهرطقة بولس، والحجج والمناقشات التى دارت معه، كما بينوا حياة الرجل وتصرفاته، وخليق بنا أن ندون فى الوقت الحاضر الأقتباسات التالية من كتاباتهم:
2 - " إلى ديونيسيوس ومكسيموس، وإلى زملائنا الخدام فى كل العالم، ألساقفة والقسوس والشمامسة، وإلى كل الكنيسة الجامعة تحت السماء، هيلينوس وهيميناس وثيوفيلس وثيوتكنس ومكسيموس وبروكلوس ونيكوماس وأليانوس وبولس وبولانس وبروتوجينيس وهيرالكس وأوطاخى وثيودوروس وملخيون ولوسيوس وجميع الباقيين المقيمين معنا فى المدن والأمم المجاورة، أساقفة وقسوس وشمامسة، وكنائس الرب الأله سلام للأخوة المحبوبين فى الرب "
3 - وبعد ذلك بقليل بدأوا قائلين: " لقد ارسلنا ودعونا أساقفة كثيرين من أماكن بعيده ليخلصونا من هذه التعاليم المميتة كديونسيوس السكندرى وفرمليانوس الكبادوكى، هذين المباركين، أما ألول فإذ أعتبر منشئ هذه البدعة غير جدير بأن يوجه إليه أى خطاب أرسل رسالة إلى أنطاكية موجهة لا إليه بل إلى كل الإيبروشية، وقد أثبتنا صورتها فيما بعد.
4 - وأما فرمليانوس فقد اتى مرتين، وشجب بدعته، كما تعرف، ونشهد نحن الذين كنا موجودين، وكما يعرف آخرون كثيرون، ولكنه إذ وعد بتغيير آرائه صدقه، ورجا أن تتخذ الأجراءات اللازمة دون أن تلحق أيه إهانة للكلمة، ولذلك أرجأ الأمر إذ خدعه ذاك الذى أنكر حتى إلهه وربه، ولم يحفظ الإيمان الذى كان يعتقده سابقاً.
5 - ولقد كان فرمليانوس ألان فى طريقة ثانية إلى أنطاكية، ووصل حتى طرسوس، لأنه علم بالأختبار شرة وأنكاره للرب، ولكنه مات بينما كنا مجتمعين ومنتظرين وصوله.
6 - وبعد التحدث عن امور اخرى وصفوا فيما يلى نوع الحياة التى عاشها: " ولأنه قد انحرف عن جادة الإيمان، وأرتد بعد المناداة بتعاليم وضيعة زائفة، فليس من الضرورى - طالما كان قد أخرج خارجاً _ إصدار لأى حكم على تصرفاته.
7 - فمثلاً مع انه كان سابقاً فقيراً معدماً، لم يرث أيه ثروة من آبائه، ولم يجن أى ثروة من تجارة أو أى عمل آخر، إلا أنه الآن أصبح يمتلك ثروة طائلة بسبب شروره وأنتهاكه حرمة المعابد وسلبه للأخوة، وحرمان المظلومين من حقوقهم، ووعده لهم بمساعدتهم نظير أجر معين مع أنه يضللهم، وينهب أولئك الذين فى ضيقهم يكونون مستعدين أن يعطوا ليصطلحوا مع ظالميهم، ظانين أن التقوى تجارة (1 تى 6: 5)
8 - أو كغطرسته وكبريائه وإنتفاخه وإدعائه الكرامة العالمية، مفضلاً أن يدعى نائب الملكة عن أن يدعى أسقفاً، وزهوه وهو يسير فى السواق قارئاً بعض الرسائل بصوت مسموع وهو يمشى علناً يحف به حرس وتتقدمه وتتبعه الجماهير، حتى أصبح الإيمان مكروهاً بسبب كبريائه وغطرسة قلبه.
9 - أو كممارسة الألاعيب الخداعة فى الإجتماعات الكنسية، محاولاً تمجيد نفسه وتضليل الآخرين وإذهال عقول البسطاء، معداً نفسه محكمة وعرشاً مرتفعاً، الأمر الذى لا يليق به كتلميذ للمسيح، ومكاناً سرياً كحكام العالم، ضارباً بيده على فخذه وبقدميه عند دخول المحكمة أو كتوبيخه وأهانته لمن لا يصفقون له، ويلوحون بمناديلهم، كما يحدث فى المسارح، ولا يصيحون ويقفزون كالرجال والنساء المحيطين به، الذين يصغون إليه بهذه الطريقة الشائنة، بل يصغون بوقار كأنهم فى بيت الرب، أو كمهاجمته العنيفه العلانية لمفسرى الكلمة ممن غادروا هذه الحياة وتعظيمه لنفسه لا كأسقف بل كفيلسوف ومشعوذ.
10 - وإبطاله الترانيم الموجهة إلى ربنا يسوع المسيح كأنها إختراعات عصرية للرجال العصريين، وتدريبه النسوة لأنشاد الترانيم لشخصه وسط الكنيسة يوم عيد الفصح العظيم، مما تقشعر الأبدان عند سماعها، ومحاولته أقناع الساقفة والقسوس فى ألقاليم والمدن المجاورة الذين يتملقونه لعلهم يتبعون نفس الخطة فى أختلاطهم بالشعب.
11 - وقد رفض الأعتراف بأن ابن الله نزل من السماء، وهذا ما سنبينه فيما بعد، وليس هذا مجرد كلام، بل قد قامت عليه ألدلة الكثيرة من الكتابات التى أرسلناها إليكم، وألأدهى من هذا قوله أن يسوع المسيح من أسفل (قارن مع يو 3: 31 لبذى يأتى من فوق هو فوق الجميع)، أما من يرنمون له ويمدحونه بين الشعب فيقولون أن معلمهم الفاجر نزل ملاكاً من السماء، وذلك المتغطرس لم يأمر بمنع هذه، بل لا يستنكف حينما تقال بحضوره.
12 - وهنالك النساء اللاتى يسميهن أهل أنطاكية " أمينات الدار " المنتميات له وللقسوس والشمامسة الذين معه، وبالرغمن من أنه يعرف هؤلاء الأشخاص وأثبت عليهم جريمتهم، إلا أنه تستر على هذه هذه الخطية وخطاياهم الأخرى الشنيعة، ولكى يكونوا مدينين له، ولكى ى يجرأوا على أتهامه بسبب أقواله وأفعاله الخبيثة خوفاً على أنفسهم، على أنه قد جعلهم أيضاً أثرياء، لهذا أحبه الطامعون فى هذا الثراء وأعجبوا به.
13 - نحن نعلم أيها الأحباء أن ألسقف وكل الأكليروس يجب ان يكونوا أمثلة للشعب فى كل العمال الصالحة، ونحن لا نجهل كم من أشخاص قد سقطوا، أو تشككوا، بسبب النسوة اللاتى أتوا بهن، لذلك فحتى لو أفترضنا أنه لم يرتكب أى عمل خاطئ إلا أنه كان يجب أن يتجنب التشكك الناشئ من أمر كهذا لئلا يعثر أحد، أو يدفع الآخرين للأقتداء به.
14 - وكيف يستطيع توبيخ أو تحذير أى شخص آخر من الأختلاط الكثير بالنساء لئلا يسقط كما هو مكتوب (حكمة يشوع بن سيراخ ص 25), إن كان هو نفسه قد طرد واحده، ومعه ألآن أثنتان جميلتان متوردتان الوجه، يأخذهما معه أينما ذهب، وفى نفس الوقت يعيش فى البذخ والتنعم!!
15 - وبسبب هذه ألمور يكتئب الجميع وينوحون، ولكنهم إذ يخشون ظلمه وبطشه، ولا يجرؤون على أتهامه.
16 - لكن كما قلنا إذ كان يجوز للمرء أستدعاء الرجل لمحاسبته عن هذه التصرفات لو كانت عقيدته سليمة، ولو كان معدوداً معنا، فإننا لا نراه من الضرورى أن نطلب منه تفسيراً لهذه الأمور طالما كان قد أهان السر، وطالما كان يتمشدق مفاخراً بهرطقة أرتيماس (راجع تاريخ الكنيسة - يوسابيوس القيصرى ك5 ق 28) (لأنه لماذا لا نذكر أباه؟)
17 - وبعد ذلك اضافوا هذه الكلمات فى ختام الرسالة: " لذلك أضطررنا لحرمه طالما كان مقاوماً للرب الإله، ورافضاً الطاعة، وأضطررنا لأقامة أسقف آخر للكنيسة الجامعة بدلاً منه، ونعتقد أننا بإرشاد إلهى قد اقمنا دومنوس المتزين بكل الصفات اللائقة بأسقف، وهو أبن لديمتريانوس المبارك، الذى سبق أن رأس نفس الأيبروشية بكيفية ممتازة، وقد أعلمناكم بهذا لكى تكتبوا إليه وتتقبلوا الرسائل منه، ولكن ليكتب ذلك الرجل إلى أرتيماس، وليكتب إليه المشايعون لأرتيماس.
18 - وحالما سقط بولس من ألسقفية، ومن أفيمان المستقيم، أقيم دومنوس _ كما قيل - أسقفاً لأنطاكية.
19 - ولكن رفض بولس تسليم بناء الكنيسة إلتجئ إلى المبراطور أوريليان، فحسم المر بالعدل، وامر بتسليم البناء لمن يراه أساقفة إيطاليا ومدينة روما، وهكذا طرد هذا الشخص من الكنيسة، بفضيحة شنيعة بأمر السلطات العالمية.
20 - هكذا كانت معاملة أوريليان لنا وقتئذ، ولكنه فى أثناء حكمه غير تفكيره من جهتنا، واوحى أليه بعض المستشارين ليثير علينا أضطهاداً وصارت مباحثة كبيرة عن هذا من كل جانب.
21 - وإذ كان على وشك تنفيذ هذا، وكان على أهبه التوقيع على ألوامر ضدنا، حلت به الدينونة الإلهية، ومنعته من اتمام غرضه وهو على حافة تنفيذه، وبذلك بين الرب بكيفية ظاهرة يراها الجميع بوضوح أن حكام هذا العالم لم يستطيعوا مقاومة كنائس المسيح، إلا أن سمحت بذلك اليد التى تحميها، بتدبير سماوى، من أجل التأديب والتقويم، وفى الأوقات التى تراها مناسبة.
22 - وبعد أن حكم أوريليان ست سنوات (4) خلفه بروبس، وهذا حكم عددا من السنين وخلفه كاروس وأبناه كارينوس ونيوميريانوس، وبعد أن حكموا أقل من 3 سنوات آل الحكم إلى دقليديانوس وشركائه (5)، وفى عصرهم حدث الأضطهاد الذى نعانى مرارته، مع ما تبعه من هدم الكنائس.
23 - وقبل ذلك بوقت قصير مات ديونيسيوس أسقف روما بعد أن ظل فى مركزه 9 سنوات وخلفه فيلكس.
المجمعين الأنطاكييّن الثاني والثالث
تدخل الأساقفة: وهكذا انقسمت أنطاكية واتسع الشق فتدخل أساقفة الكنائس المجاورة، إذ اشتدت المشادة في أنطاكية دعا الينوس أسقف طرسوس أخوته الأساقفة في كنيسة أنطاكية إلى اجتماع في أنطاكية للنظر في قضية أسقفها. فلبى الدعوة كثيرون ومن أشهرهم كما يقول أفسابيوس، فرميليانوس أسقف قيصرية قبدوقية وغريغوريوس العجائبي أسقف قيصرية الجديدة في بلاد البونط -إذ كانت بلاد البونط حتى مجمع نيقية تتبع لأنطاكية- وأخوه اثينودوروس ونيقوماوس اسقف ايقونية وهيميناوس أسقف أورشليم وثيوتيقنوس أسقف قيصرية فلسطين ومكسيموس أسقف بصرى حوران. وأرسلوا دعوة إلى ديونيسيوس أسقف الاسكندرية لما عُرِف عنه من حكمة ودراية ودفاعه. وأراد أن يحضر الاجتماع إلا أنه اعتذر لتقدمه في السن. فأرسل لهم أفسابيوس الشماس الاسكندري لينقل لهم رسالته في مسألة بولس. وهذا الشماس كان معروفاً بتمسكه بالإيمان القويم وتضحيته في سبيل المحافظة على نقاوة الإيمان.
هرطقة بولس: يذكر علماء الكنيسة اهتمام الآباء -خصوصاً- في القرن الثالث بالثالوث الأقدس-له المجد- وسعيهم للتوفيق بين وحدانية الله في التوراة وألوهية المسيح في الإنجيل. واختلافهم في هذا التوفيق. ثم يذكرون فكرة التبني Adoptianism التي قال بها ثيودوتوس وأرطمون وفكرة المونارخية التي نادى بها براكسياس في القرن الثاني ثم سبيليوس في القرن الثالث، ويقرأ -العلماء- في تاريخ افسابيوس أن الأساقفة المجتمعين اتهموا بولس بالأرطمة. وفي أقوال القديسين هيلاريوس وباسيليوس يجدون في موضوع بولس اعتراضاً على لجوئه إلى اللفظ اليوناني Homoousios للتعبير عن علاقة المسيح بالآب. فيقول الدارسين أن بولس زعم أن الله اقنوم واحد وأن الله تبنى المسيح تبني.
المجمع الأنطاكي الثاني: (264)عقد المجمع جلساته كما أسلفنا في أنطاكية. وكثر الجدل فيه. وأخفى البولسيون هرطقتهم. وحاول الأحبار أن يظهروها إلا أنهم لم يفلحو، ورقد بالرب ديونيسيوس الاسكندري، فخسروا الأحبار سنداً لا يوجد فيما بينهم من هو بحزمه وعزمه. وكانت زينب لا تزال في مركزها وفي أوج عزها ومجدها. وأيّد بولس جميع أعداء رومة. واعترف بولس بأنه قال قولاً جديداً وقطع العهود على نفسه بالعودة إلى الإيمان القويم.
المجمع الأنطاكي الثالث: (268) عاد بولس إلى سيرته الأولى، ضارباً عرض الحائط الوعود التي قطعها على نفسه. فكتب إليه الأساقفة رادعين واعظين، لكن دون جدوى. ففكروا بالعودة إلى أنطاكية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. فدعى الينوس مرة ثالثة إلى اجتماع في أنطاكية في سنة 268 فأمَّ عاصمة الشرق عدد كبير من الأساقفة. لعل عددهم وصل إلى السبع وثمانين وخلا مكان غريغوريوس العجائبي. وتوفيَ فرميليانوس بعده وهو في طريقه إلى أنطاكية. فتبوأ إلينوس المكان الأول بين المجتمعين، وجاء بعده هيمنايوس ومن ثم ثيوتيقنوس وكسيموس ونيقوماس أسقف أيقونية وثيوفيلوس أسقف صور وبروكلوس ونيقوماس واليانوس وبولس وبولاتوس وبروتوجينس وهيراكس وافتيخيوس وثيودوروس وملكيون ولوقيوس. أما أسامي الأساقفة الباقين فهم غير مذكورين في المراجع وخشي الأساقفة ألا يقارعوا بولس في فصاحته ودهاءه. فوكلوا أمر المقارعة إلى ملكيون -كما فعل غيرهم في ظروف مماثلة-. واستقدموا عدداً من الكتّاب لتدوين المناقشة. وناقش ملكيون بولس في العقيدة وأثبت -ملكيون- رأيه فثبت وقوع بولس في الهرطقة أدان المجمع بولس ووصمه بالهرطقة لأنه "امتنع عن القول بأن ابن الله نزل من السماء وتجسد، ولأنه قال بأن يسوع المسيح بشر وإنسان". وأكد المجمع شذوذ بولس في حب المال والجاه والفخفخة. وشجب المجمع أيضاً اقدامه على مساكنة النساء والسماح لبعضعن أن يرتلن في الكنيسة -تقاريظه ومديحه-. وصرَّح المجمع أيضاً أن إصلاح من يشعر بوحدة الكنيسة ويعد نفسه منها ممكن. ولكن ذلك الذي يستهزئ بسر التقوى -1Ti 3: 16 وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ،- ويفخر بهرطقة أرطمون المنتنة لا فائدة من محاسبته وخلع المجمع الأنطاكي الثالث بولس وانتخب دومنوس ابن ديمتريانوس سلف بولس اسقفاً على أنطاكية. وكتب بذلك رسالة إلى أسقف رومة ديونيسيوس ومكسيموس أسقف الاسكندرية وجميع الأخوة الأساقفة والكهنة والشمامسة وإلى كل الكنيسة الجامعة. ليكتب هؤلاء بدورهم إلى دومنوس معترفين برئاسته على كرسي أنطاكية جاء في المراجع المتأخرة أن مكسيموس الاسكندري وخليفة ديونيسيوس الروماني الاسقف فيليكس اتصلا بدومنوس واعترفا برئاسته في سنة 269. التي لم تدم أكثر من ثلاث سنوات وخلفه تيمايوس في السنة الأولى من حكم اوريليانوس 270-271.
امتناع بولس عن الطاعة: ومع ذلك -اعتراف الكنيسة الجامعة برئاسة دومنوس- امتنع بولس عن طاعة المجمع المقدس، وظلَّ يعتبر نفسه رئيساً على كنيسة أنطاكية. وطاوعه في ذلك أتباعه، وأيدته زينب صاحبة السلطة، فظلت أوامره نافذة. وجلَّ ماربحه المؤمنون أنه أصبح لهم أسقفاً سليم العقيدة تقياً يلتفون حوله بإيمان وخشوع، ويمارسون الطقوس كسائر أبناء الكنيسة الجامعة. ولكن السلطات التدمرية لم تعترف بهم. وراحوا يعقدون معظم اجتماعاتهم في السرّ، وفي بعض الكنائس الصغيرة المنسية.
زوال بولس: في سنة 268 سقط غاليانوس ضد أوريولوس، ولكن كان ولاء الجنود ل بكلوديوس الثاني. فقتل غاليانوس وما لبث أن مات بالطاعون فخلفه أوريليانوس في أواخر سنة 270 وأوائل 271 أنفذت زينب زبدة قائد قواتها إلى مصر ليستولي عليه، وكان حاكم مصر الروماني بروبوس قد خرج ليؤدب بعض العصاة في ليبية وقرطاجة وتطهير بحر الأرخبيل من القوط، ففعل زبدة واستولى على مصر وترك فيها حامية وعاد إلى سورية. ولما عاد بروبوس إلى مصر بعد خروج زبدة منه، حارب الحامية التدمرية ومن ناصرها من المصريين، فمات محارباً. وهنا أضحت زينب في حرب ضد رومة وكانت زينب قد أرسلت جيشها عبر طوروس إلى آسية الصغرى واحتلت أنقرة ثم بيثينية. ووصلت طلائع الجيش إلى خلقيدونية. وكان وقتها قد وصل إلى خلقيدونية اعتلاء اوريليانوس العرش الروماني، فصمد الخلقيدونيين في وجه التدمريين وقام اوريليانوس في صيف 271 من إيطاليا إلى البلقان، ثم إلى آسية الصغرى. فتراجع جيش زينب إلى سورية الشمالية، وصمد في أنطاكية. ولما وصل اوريليانوس إلى أنطاكية لجأ إلى حيلة انتصر على اثرها على التدمريين مما جعل زبدة أن يهرب من أنطاكية إلى حمص، حيث كانت زينب، ومعه بعض الأنطاكيين الموالين لزينب بالهروب معه. فلحق به اوريليانوس إلى حمص واصطدم هناك معه وانتصر عليه. فتراجعت زينب إلى تدمر. ولحق بها اوريليانوس وقتل البدو حتى وصل إلى تدمر بعد أسبوع واحد. وشدد الحصار على تدمر. فطلبت زينب من بشابور الساساني معونته، فأنجده، إلا أن اوريليانوس تمكن القضاء على هذه النجدة قبل وصولها إلى تدمر. فتخفت زينب وذهب لتطلب النجدة من الفرات. إلا أن الرومان أدركوها عند نهر الفرات وعادوا بها إلى معسكر اوريليانوس. فدخل تدمر ظافراً. وجر وراءه زينب وابنها ومستشارها لونجينوس. وقد حاكم هذا الأخير في حمص وأمر بقتله وبزوال الحكم التدمري زال نفوذ بولس السميساطي وقويت شوكة تيمايوس وجمهور المؤمنين. فتقدم الاسقف تيمايوس بطلب للأمبراطور أن يخرج بولس من قلاية الأسقفية ويكف يده عنها. فأمر بأن تعطى القلاية إلى أولئك الذين على صلة بالمكاتبة بأساقفة العقيدة المسيحية في ايطاليا ومدينة روما وأما مصير بولس بعد الخلع لا نعلم عنه شيئاً.
زينب التدمرية: بعد أن غلب الأمبراطور فاليريانوس على يد الفرس في سنة 260 وأُسر،وجلس على العرش ابنه غاليانوس. استطاع لاذينة صاحب تدمر أن يثبت مقدرته في الحرب والسياسة، فجعله غاليانوس امبراطوراً على الولايات الشرقية. إلى أن اغتاله أحد أقربائه. فحلَّ محله ابنه وهبة اللات من زوجته زينب. إلا أنه كان صغيراً وقاصر، تولّت الحكم عنه والدته. واتسعت رقعة سلطته، فشملت كل سورية ولبنان ومصر وقسماً من آسية الصغرى. وفي منتصف سنة 271 أعلنت زينب استقلالها عن الإمبراطورية الرومانية. وكان وقتها الامبراطور اوريليانوس، فهب إلى قتالها واسترجاع تدمر تحت العرش الروماني. فدخل تدمر وأسر زينب واقتادها إلى رومة من السنة نفسها. وفي هذا الوقت كان بولس السميساطي أسقفاً على أنطاكية.
بولس السميساطي أسقفاً على أنطاكية: (260-268). أصله من مدينة سميساط. ويفترض به أنه كان يعرف عن اليهود ودينهم والتوراة قبل وصوله إلى الكرسي. وأن زينب اشتهرت بعطفها على اليهود. وساعدته على الوصول للكرسي الرسولي الأنطاكي. لتضمن نوعاً من التعاون بينها وبين مسيحيي عاصمة الشرق. ولما وصل إلى السدة، جعلت منه زينب موظفاً مدنياً عالياً وأسندت له مهام مالية وإشرافية ولقبته ب "ذوقيناريوس". وازدادت سلطته فأصبح ممثل ملوك تدمر في أنطاكية. حتى قال فيه الأساقفة الذين نظروا بأمره فيما بعد-كما سنرى- أنه لم يكن بمقدور أحد أن يجرؤ فيشكو جور هذا الأسقف فتاه بولس بنفسه وتكبر. وصنع لنفسه عرشاً عالياً في الكنيسة وأذن لمريديه بتقريظه. ومنع تسابيح السيد في في الكنيسة. مدعياً أنها -التسابيح- من وضع إنسان متأخر، واستعاض عنه بمزامبر داود وتسابيح خصوصية أُعدّت لتمجيده، تم إنشادها في الكنيسة. وراح ينتقد الآباء الأولين، ولعله خصَّ أوريجانوس أكثر من غيره مما أثار حقد الأساقفة من حوله إذ كان أوريحانوس قد علّم في أنطاكية وكان كثيرين من الأساقفة في عصر بولس تلاميذ عند أوريجانوس العلامة الكبير. ومما أثار انتباه الأساقفة أن بولس نشأ فقيراً واغتنى بطريقة غير شرعية. وخامرهم الشك بإقامته علاقات مع نساء، إذ ساكن النساء واصطحب بعضهن على الرغم من حداثتهن ومظهرهن المغري تمكن بلباقته وخطابه البليغ أن ينشئ حزب حوله. وكان فيه عدد من أساقفة وكهنة وشمامسة الريف. مما أدى إلى شق كنيسة أنطاكية إلى معسكرين أبناء الريف وأمهات المدن وأبناء المدن الكبرى، وبعبارة أدق، إلى وطنيين شرقيين من سريان وعرب وإلى يونانيين ورومانيين ومتهلنين. فكان من الطبيعي أن يرى المعسكر الأول في زينب زعيمة تسعى إلى التحرر من سلطة الرومان وكل ما يمت للغرب بصلة. وصفَّ بعض اليهود والوثنيون إلى جانبهم واظهروا استعطافهم عليهم وناصروا زينب في حركتها (التحررية).
بولس ولونجينوس: أرسلت زينب في طلب لونجينوس الحمصي من أثينا ليأتي إلى تدمر ويتسلم زمام الأمور في الدفاع عن موقفها. بما عُرِف عنه من حجة وفصاحة ورجاحة، فأصغت إلى إرشاداته في السياسة. ومن المحتمل أن يكون بولس قد عرف لونجينوس وتأثر بالفلسفة الأفلاطونية الجديدة. الذين يعطفون على توحيد اليهود وينكرون ألوهية المسيح. من هنا نستطيع أن نفهم ضلالة بولس في قوله أن المسيح "مخلوق" صالح، حمل روح الله في أحشائه. وتمسك بولس بظاهر التوراة ورفض التأويل الاسكندري.
مقاومة أنطاكية بولس: حاول بولس أن يقاوم كل من أيّد رومة والحضارة اليونانية، والذين كانوا كثراً في أنطاكية. وحاولت زينب بدورها عن طريق لونجينوس أن تسميل هؤلاء بفصاحته. إلا أنهم ظلوا يعتبرونها بربرية ومتطفلة على الحضارة. وبالنسبة لليهود لم يُفضل البعض حكم زينب القريب على حكم رومة البعيد. بالرغم من استمالة بولس إلى عدد لا بأس به من الأساقفة إلى صفّه إلا أن كنيسة المسيح في أنطاكية كان ولا يزال فيها أساقفة أبرار حافظوا ويحافظون على تعاليم الرسل ودافعوا عن الإيمان ببسالة. وبهذا المقامة التي كانت ضد بولس كانت في صميمها مقاومة عقائدية، تهدف إلى تطهير كنيسة مدينة الله العظمى من بدعة بولس الفاسدة فتزعم هذه المقاومة الروحية في أنطاكية اثنان من أبناءها وهما دومنوس ابن ديمتريانوس الأسقف السابق وملكيون أحد معلمي الفلسفة والمنطق والفصاحة والبيان في مدارس أنطاكية الهلينية، وأحد أبناء كنيسة أنطاكية الأبرار. وهو الذي -كما حفظ لنا بطرس الشماس- تولى أمر المناقشة الرسمية في المجمع لاحقاً.
المزيد
05 فبراير 2025
العمل الجاد
قال الكتاب " ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة " إن الذى يعمل عمل الرب ، يجب أن يكون " أميناً حتى الموت " فالأمانة شرط أساسى للخدمة بهذه الجدية كرز الرسل باسم المسيح ، و كانوا يكرزون " بكل مجاهرة و بلا مانع " و بقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة و نعمة عظيمة كانت على جميعهم " ( أع 4 : 33 ) و نتيجة لهذا العمل الجاد ، الأمين ، المخلص ، انتشر الملكوت أنظر ما يقوله الرب لملاك كنيسة أفسس " أنا عارف أعمالك و تعبك و صبرك ، و قد احتملت ، و لك صبر ، و تعبت من أجل إسمى و لم تكل " ( رؤ 2 )
العمل الجاد يبنى على الإيمان
كلها كان إيمانك بعملك و أهميته و خطورته ، إيماناً حقيقياً كاملاً ،على هذا القدر تكون جديتك فى عملك و الرخاوة فى العمل دليل على عدم الإيمان بأهميته و العمل الجاد يدل على إحساس بالمسئولية تماماً كما كان يعمل يوسف الصديق فى خزنه للحنطة ، شاعراً أن حياة كثيرين تتوقف على أمانته و هكذا فى الخدمة الروحية حياة كثيرين تتوقف على أمانة الخادم إن أهمل فى خدمتهم ضاعوا 0
العمل الجاد عليه رقابة من داخل النفس
رقابة من ضمير الإنسان 0 و من صوت الله فى داخله رقابة من شعوره الحى ، و من غيرته المقدسة إنه يعمل بجدية لأن " الوقت مقصر " و كل دقيقة لها حسابها ، و كل تأخير أو تراخ ، له خطورته
و العمل الجاد هو دائماً عمل ناجح
إنه عمل متقن ، لأن الجدية تتقن العمل و العمل المتقن عمل ناجح و قيل عن الرجل البار " و كل ما يعمله ينجح فيه "
و العمل الجاد ، لا يهدأ حتى يتم
إنه لا يعترف بالتعب ، و لا يطلب راحة و لا يستريح صاحبة حتى يتممه ، و يذوق ثماره مثل لعازر الدمشقى الذى لم بسترح حتى أخذ رفقة زوجة لابن سيده ، و لما أرادوا إراحته أجاب " لا تعوقونى "
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
24 يناير 2025
مائة درس وعظة (٦٢)
الوعود الكتابية
كيف نثق في وعود الله؟
"لا انقض عهدى، ولا أغير ما خرج من شفتي"(مز ٣٤:٨٩)
. الوعود الإلهية كثيرة والله صادق فيها "لا أنقض عهدى، ولا أغير ما خرج من شفتي"(مز ٣٤:٨٩)
أعطى وعداً لنوح "لا أعود العن الأرض" وأعطى وعدا لإبراهيم "اجعلك امة عظيمة" وأعطى وعدا لداود "اثبت کرسی مملكتك"
. نبوات العهد القديم كانت كلها عن مجئ المخلص ولكن اليهود أساءوا فهمها واعتقدوا انه سياتي مخلص عسكري ليخلصهم من الاستعمار لذلك كانوا يخاطبونه "رب الجنود". أعطانا وعداً يخصنا كلنا "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" ( مت ٢٠:٢٨) وأخشى أن نأخذ كلام المسيح على أنه كلمات جميلة ولكن كلمات المسيح تحمل قوتها، لأنها من فم قائلها وهذا وعد بالحماية والرعاية.
. وعود الكتاب المقدس للخير "احفظ واسمع جميع هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خير إلى الأبد، إذا عملت الصالح والحق في عينى الرب إلهك" (تت ۱۳ : ۲۸)
. في كل مناسبات الكنيسة" القداسات والأفراح الخ) نستمع إلى وعود.
. عندما نقرأ الكتاب قل للرب "اين وعدات لى اليوم"
. كلمة وعد كلمة جميلة حتى الاطفال عندما يقولون "أذاكر أنجح، وأحصل على مجموع جيد، بماذا تعدني "
وعود الله تتحقق في وقتها "صنع الكل حسناً في وقته" (جا ١١:٣) ما خرج من شفتيك احفظ واعمل، كما نذرت للرب إلهك تبرعاً، كما تكلم فمك (تث ٢٣:٢٣)
كيف نثق في وعود الله؟
يوجد ثلاث وسائل تساعدك على الثقة بوعود الله
١- الإيمان
. إيمانك الداخلي في شخص المسيح أنه حاضر وقادر على كل شيء وعامل معنا فنقول "استطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى" (في ٤: ١٣)، ونؤمن أنه بدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً "لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا" (يو ه١ :٥) بالمفاهيم البشرية تحقيق الوعود غير ممکن اما بالمفاهيم الإلهية لا يوجد شيء غير ممكن عند الله الإنسان هو الذي يجعل الممكن غير ممكن ولكن عندما يتدخل الله فكل شيء يكون ممكنا. ويقول الكتاب عن إبراهيم وسارة "ولا بعدم إيمان ارتاب في وعدالله" (رو٤ : ٢٠)
٢- الطاعة
في الرهبنة يقولون "على ابن الطاعة تحل البركة" الأنبا انطونيوس مؤسس حياة الرهبنة عندما سمع قول الكتاب " إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني" (مت ۲۱:۱۹) فأطاع الوعد وخرج للبرية. وكان لا يعلم أنه ستوجد أديرة كثيرة والاف الرهبان ستتبعه ويتمثلون به وذلك لان البركة حلت عليه بسبب طاعته طاعة إبراهيم لوعد الله وكيف تباركت فيه قبائل الأرض يقول الكتاب عنه "من اجل أن إبراهيم سمع لقولى وحفظ ما يحفظ لى أوامری" (تك٥:٢٦) احيانا الوعد لا يكون صريحاً لكن نطيعه فمثلا في عرس قانا الجليل لما نفذ الخمر، قالت له العذراء فى هدوء، شدید ليس لهم خمر قال لها يسوع "ما لي ولك يا امرأة لم تأت ساعتي بعد" (يو ٤:٢) وإذا دققت ستجد انه اجاب بإجابة مختلفة تماماً عن السؤال لكن يبدو أن قسمات وجهه اعطات وعداً للعذراء قالت امه للخدام "مهما قال لكم فافعلوه (يو ٥:٢) لأنها أخذت منه وعدا، رغم عدم وضوح الرب في إجابته لها.
٣- الصلاة
عندما استقر داود في مملكته أراد بناء مسكن للرب ولكن لأنه دخل في حروب كثيرة ذهب إلى ناثان النبي ليقول له إنه يريد أن يبنى مسكنا للرب فقال الرب لناثان إن ابن داود هو الذي سيبني بيت الرب فيقول الكتاب عن داود إنه جلس أمام الرب وصلى صلاة عظيمة قال له فيها "والآن أيها الرب الإله أقم إلى الأبد الكلام الذي تكلمت به عن عبدك وعن بيته وافعل كما نطقت" (۲ صم ٢٥:٧)
نصلي ابانا الذي ونقول "لتكن مشيئتك" .. قلها بقلبك وليس بلسانك "ما خرج من شفتيك احفظ وأعمل، كما نذرت الرب إلهك تبرعاً، كما تكلم فمك" (تث ٢٣:٢٣).
قداسة البابا تواضروس الثاني
عن كتاب صفحات كتابية
المزيد