المقالات

13 يناير 2025

التجسد وثماره عند القديس يوحنا ذهبي الفم

لقد حمل التجسد الإلهي للبشرية ثمارًا مفرحة وجديدة، ذلك لأنها ثمار روحية، أي ثمار يهبها الروح، وهذا هو الجديد، أن الهبات والعطايا الممنوحة للبشر، صارت لها ملامح متميزة، بسبب أن مصدرها روحي. عطية الروح القدس هذا ما يؤكده القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة له عن الميلاد، قائلاً [ أخذ جسدي لكي أسع الكلمة في داخلي.. ومادام قد أخذ جسدي فقد أعطاني روحه، حتى تقدم لي كنز الحياة الأبدية. يأخذ جسدي لكي يقدسني. ويعطيني روحه لكي يخلصني] هنا يشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى عطية الروح، باعتبارها كنز الحياة الأبدية، ومصدر التمتع بالخلاص، كما ذكر [ يعطيني روحه لكي يخلصني]، ذلك لأن الروح هو في كل شئ يقود الإنسان نحو الكمال ولذلك فإن حضور روح الله وعمله سواء في الكتاب المقدس أو في التقليد الآبائي، قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بعطية الحياة. هكذا كُتب في المزمور 32 " بكلمة الرب تأسست السموات وبروح فيه كل قواتها" (6:32س). ولذلك لا تستطيع أي نفس أن تتمتع بثمار الروح، إن لم تدخل في شركة هذا الروح المحيي. يقول القديس مقاريوس: [ إن النفس العريانة والمقفرة من شركة الروح، الواقعة تحت فقر الخطية المرعب، لا تستطيع ـ حتى إذا رغبت ـ أن تثمر أي ثمر من ثمار روح البر بالحق. قبل أن تدخل في شركة الروح] . ليس هذا فقط، بل إن عطية الحياة العظمى والمتمثلة في الاتحاد بشخص المسيح، تتطلب شركة الروح. الاتحاد بشخص المسيح ومن أجل هذا، فقد أكد الرسول بولس على مدى الارتباط الوثيق بين نوال "قوة الروح القدس" وبين "حلول المسيح" بالإيمان في قلوب المؤمنين للحصول على كل ملء الله؛ " بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح.. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" (أف14:3ـ17) هذه الرؤية التي تشدد على أهمية عمل الروح القدس داخل النفس الإنسانية، لنوال الشركة الحقيقية مع الله هى رؤية مشتركة لدى الآباء ولهذا فإن الثمر الفائق الوصف الذي ناله الإنسان بالتجسد، هو شخص المسيح نفسه. هذا ما يشرحه القديس يوحنا ذهبى الفم قائلاً: [ إن الاتحاد بالمسيح هو أعظم مكافأة لأنه هو الملكوت وهو الفرح، وهو المتعة، وهو المجد والكرامة، وهو النور، وهو السعادة غير المحدودة، الذي لا يستطيع الكلام أن يُعبّر عنه، غير الموصوف، غير المدرك ] . فالمسيح له المجد كان كل شئ بالنسبة للتلاميذ، ولم يكن في حساباتهم الفوز بملكوت السموات. يقول داود النبى: " ما لى في السماء ومعك لا أريد شيئًا على الأرض ". أى أنه لا يتمنى شيئًا من الأمور السمائية، ولا من الأمور الأرضية، لا شئ يتمناه سوى الله. إذن التمتع بالحياة الأبدية، لا يكون إلاّ عن طريق الاتحاد بالابن، كما يقول الرسول يوحنا: " إن الله أعطانا حياة أبدية. وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة. ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يو11:5). وهو ما جعل الرسول بولس يقول: " ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة بل إني أحسب كل شئ أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه" (في7:3ـ8). نوال البنوة لله (التبنى) وأيضًا فإن نوال البنوة لله، لم يكن ممكنًا أن يتم إلاّ من خلال الابن كما أشار القديس بولس: " لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غل26:3)، ويشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى أهمية اتحاد الإنسان بالمسيح قائلاً: [ لقد أخذ جسدًا إنسانيًا لكي يسكن فينا] . وسكنى المسيح داخل الإنسان تعنى بالضرورة القدرة على السلوك كما سلك المسيح، هذا ما يؤكده القديس يوحنا الإنجيلي قائلاً: " من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2). نتائج اجتماعية ولم يكن المسيح له المجد بالنسبة للناس نموذجًا نمطيًا، لكنه كان يمثل اتجاهًا جديدًا، يحمل رؤية جديدة للحياة، قادت إلى تغيير جذري للتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة، ولذلك أحبه الجميع، لأنه أحب الجميع، والتف حوله كل الناس. وهذا ما دعا رؤساء الكهنة أن يقولوا " هوذا الكل قد صار وراءه". والحقيقة أن الكل قد صاروا وراءه، لأنه رفع من مكانة الفئات المتدنية في المجتمع، وألغى الفوارق الاجتماعية والعنصرية بين الناس. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن ميلاد المسيح العجيب [ ذاك الذي يفك ربط الخطية لُف في لفائف، لأن هذه هي إرادته، لأنه أراد للهوان أن يتحوّل إلى كرامة، وللعار أن يكتسي بالمجد، ولحالة الهوان أن تتحول إلى حالة الفضيلة] هذه الإرادة لتغيير حالة الإنسان من وضع الهوان والعار والمذلة إلى وضع الكرامة والمجد والفضيلة، تكشف عن المحبة غير المحدودة من قِبل الله تجاه الإنسان. فكل الفوارق الاجتماعية لم يعد لها وجود: " ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر وانثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع" (غل28:3)، أي أن الجميع صاروا واحد في المسيح، هكذا أكد القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن التناول: [ هل أنت غنى؟ حتى وإن كنت؛ فليس لك أفضلية على الفقير. هل أنت فقير؟ إنك لست أدنى من الغنى. فالفقر لن ينتقص من أفراح المائدة الروحية. لأن النعمة هى من الله وهى لا تميز بين الأشخاص. هذه هى العطايا الروحية، التى لا تقسم المجتمع بحسب المناصب، بل بحسب المستوى الروحى وبحسب استقامة أفكار كل أحد. ولهذا فإن الملك والفقير يتقدمان معًا نحو الأسرار الإلهية بنفس الثقة وبنفس الكرامة، لكى يتمتعا بالتناول منها. لأن لباس الخلاص هنا هو واحد للجميع أغنياء وفقراء، والرسول بولس يقول " لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح " (غل27:3) هذه هى ملامح الحياة الجديدة في المسيح، اختفاء كل أثر للتمييز بين البشر، الجميع في المسيح واحد، وهذا كان واضحًا منذ البداية، عندما دخل إلى المجمع ودُفع إليه سفر إشعياء النبي ليقرأ، فوجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه: " روح الرب علىَّ لأنه مسحني"، لماذا؟ لأبشر المساكين. لأشفي المنكسرى القلوب. لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر. لأرسل المنسحقين إلى الحرية. لأكرز بسنة الرب المقبولة.. " ثم طوى السفر وأعطاه للخادم وقال: اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم". أي أنه بحضور المسيح في الزمن، قد تحقق كل هذا، لقد رفع المسيح من شأن الفئات المُهمشة، والتي ليس لها أحد يذكرها. وفي حديث القديس يوحنا ذهبى الفم عن ميلاد المسيح العجيب يقول: [ إن الرجال أتوا لكى يسجدوا لذاك الذي صار إنسانًا وخلّص العبيد من الشرور التي أصابتهم. أتى الرعاة لكى يسجدوا للراعى الصالح الذي قدم حياته من أجل الخراف، أتى الكهنة لكى يسجدوا لذاك الذي أخذ شكل العبد لكى يمنح الحرية للمستعبدين ] هكذا أسس المسيح له المجد ملكوت الله في الزمن، وجعل الأرض سماء وجمع الناس مع الملائكة كما يقول القديس يوحنا ذهبى الفم في عظة له عن الصليب. د. سعيد حكيم
المزيد
12 يناير 2025

انجيل قداس الأحد الأول من شهر طوبة

تتضمن مدح أهل مصر ورهباتها مرتبة على قول الملاك ليوسف في الحلم بفصل اليوم قم وخذ الصبى وأمه وأهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك ( مت ٢ : ۱۳-۲۳ ) يا أحبائي إن مصر لما قبلت سيدنا يسوع المسيح سائرا إليها أولا فقد أصبح ملك المسيح فيها مشرقا وتعليمه بها لامعا وذلك السحر الذي كان ثابتا فيها وصادرا عنها مبطلا وتهاونت بحكمائها الأولين وبكتبهم وطلاسمهم وسارت تتشرف بالخيمي والعشار والصيادين وتتلوا نهارا وليلا رسائلهم وبشائرهم ويصدروا في كل جهاتها صليب سيدهم وهذا لم يوجد في مدنها وقرأها فقط بل وفي براريها وجبالها بالأكثر فأنه قد صار براريها ربوات ملائكة في أشكال إنسانية وجيش مسيحي وقطيع ملكوتي ومذهب القوات العلوية وهذا موجود في بلاد مصر ليس من الرجال فقط بل من النساء أيضا فليست السماء بهية بنجومها وافلاكها مثل بهاء برية مصر برهبانها ومساكنهم فى جميع جهاتها وبهذا يعرف قوة الشريعة المسيحية كلا من كان قد عرف حال مصر قديما بل أن أثار كفرها وجنونها تدل على ما بطل منها من ذلك كما أن أجتهادهم الآن في عيشتهم الروحانية وفلسفتهم فى سيرتهم السمائية تدل على ايمانهم القوى واملهم العلوى لأنهم تجردوا من قناياهم كلها وصلبوا انفسهم عن العالم كله وكدوا في أعمال الجسد لتكون لهم كفاية للقيام بطعام المحتاجين وعندما صاموا نهارهم وسهروا ليلهم يطلبوا البطالة بل قطعوا لياليهم بالتسبيح وصرفوا كل ايامهم في الصلوات وفي عمل أيديهم متشبهين في ذلك ببولس الرسول أفما نخجل نحن يا أحبائى الموسرين منا والمفترين من كون أولئك الزاهدين لما لم يمتلكوا شيئا سوى أعضاء بدنهم أجتهدوا أن يجدوا من هى الجهة عونا للمحتاجين ونحن لا نسعف المتضايقين ولو بفضلة مما هو مخزون في منازلنا لقد كان اولئك المصريون أسرع مبادرة من غيرهم إلى غيظهم وأشد الناس كلهم مثابرة على لذة جسمهم وهذه لما أعتادها اليهود عندهم صاروا يتذكرونها ويطلبونها حين مفارقتهم وارتحالهم عنهم إلا انهم لم تسلموا نار المسيح باشارهم صاروا في الامور الروحانية كما كانوا في الأمور الجسدانية وانتقلوا من الأرض إلى السماء وتركوا السيرة البهيمية الشيطانية وتشبهوا بالسير الملائكية ومن ذهب إلى مصر يعرف بالمشاهدة صحة ما قلناه ومن لم يمضى فليتفطن في حال السعيد انطونيوس الذي فرعته مصر بعد الرسل الباقى إلى ألان في أفواه المؤمنين كلهم الذي لم يندر من كونه في البلد الذى كان فيه فرعون لكنه اصبح اهلا للمناظر الإلهية وأظهر المذهب الذى تقصده شريعة المسيح والكتاب المدونة فيه سيرته يوضح ذلك ويتضمن ما ينبئ به من المضرة الكائنة من سقم أريوس فهذا الفاضل ( القديس انطونيوس )وأمثاله برهبان يشهد لنا بفضل شريعتنا. إذ لا يوجد أحد من الخارجين عن ديننا بهذه الصفات وأنا اسالكم أن تتصفحوا كتاب هذا القديس لتتعلموا فلسفته وان تجتهدوا بأن تماثلوه في اجتهاده. فقد علمتم أنه لا جودة البلد ولا فضل الأباء ولا رداعته وخستهم يمنعنا إذا شئنا التفلسف أو يوجبه علينا فأبراهيم كان ابوه كافراً ولم ! ولم يوجب له هذا تجاوز الشريعة. والثلاثة فتية كانوا في بابل. وكان طعام ملكها بقدم لهم. ولم يمنعهم هذا من تمسكهم بفلسفتهم وأظهارهم لها. ويوسف كان في وسط مصر في زمن جنونها لكنه تكلل بعفته. وقد تربى موسى أيضاً فى مصر حين تمردها. وبولس ورسل ربنا بشروا المسكونة وما حصل لواحد منهم تأخير في سعي فضيلته فسبيلنا يا أحبائى أن ندافع المدافعات ونمارس المجاهدات لنتمتع بالنعم الدهرية بمعونة ربنا والهنا يسوع المسيح الذى له التسبيح والقدرة والجبروت والمجد دائماً أبدياً أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
11 يناير 2025

قتل أطفال بيت لحم والهروب إلى مصر

بسبب ميلادك يا واهب الحياة للكل ذبُح الأطفال! فلأنك أيها الملك ربنا رب الملوك ستذبح،من أجلك في غباوة ذبح الطاغية رهائن! الحمام في هديره صار يتأوه،لأن الحية (هيرودس) أهلكت صغارها! الصقر طار إلى مصر لينزل فيها،وتتحقق المواعيد! فرحت مصر به أنه جاء، فترد له دينها الذي سقطت فيه مع أبناء يوسف لقد عاد لعمل ويسٌد الدين لأبناء يوسف مبارك هذا الذي من مصر دُعي! كان الكتبة يقرأون يوميًا أن كوكبًا يشرق من يعقوب،فكان لهذا الشعب الصوت والقراءة،أما الأمم فكان لهم ظهور النجم وتفسير النبوة! كانت لهم الأسفار أما نحن فصارت لنا الوقائع! كانت لهم الأغصان، أما نحن فلنا الثمار! كان الكتبة يقرأون فيما هو مكتوب،والمجوس رأوا ما قد حدث استضاءة النجم المقروء عنه! مبارك هذا الذي سلمنا كتبهم! حملق الطاغية في المجوس عندما سألوا عن ابن الملك،وبينما كان قلبه متكدرًا تظاهر بالفرح! أرسل مع الحملان ذئابًا حتى يقتلوا "حمل الله" أجابه المجوس "عندما ترسل معنا خدامك، يخفي النجم عنا لمعانه، وتختفي عنا طرقه"،دون أن يعلم المباركون أن الملك يريد إرسال أعداء ألداء قتلة،لهم صورة المتعبدين،حتى يفسدوا الثمرة الحلوة التي يأكل منها المر فيصير حلوًا! عندما تسلم المجوس وصية منه أن يذهبوا ويبحثوا عن الطفل،كُتب عنهم أنهم رأوا النجم اللامع وابتهجوا! وهكذا عُرف أنه كان قد اختفي عنهم، لذلك ابتهجوا برؤيته لقد اختفى النجم ومنع القتلة،ثم ظهر ودعا العابدين لقد ألقى بجماعة (المجرمين) وجاء بأخرى! مبارك هذا الذي أنتصر في كلى الجماعتين! كيف أفلت "الطفل" من الرجل الفظ الذي قتل كل الأطفال؟! لقد عاقته العدالة عن تنفيذ أفكاره بأن يعود المجوس إليه وبينما بقى منتظرًا أن يلقي القبض على المعبود وعابديه،أفلت الكل من يديه! هرب العابدون بتقدماتهم من الطاغية إلى ابن الملك المجد لذلك الذي يعرف كل المشورات! إذ نام المجوس الذين بلا لوم، تأملوا في فراشهم،وصار النوم لهم كمرآة، وظهر لهم حلمًا كنورٍ؛رأوا فيه القاتل فارتعبوا، إذ لمع أمامهم غدره وسيفه لقد علم الناس الغدر، وسن سيفه للقطع، أما "الساهر" فعلم نائميه مبارك ذاك الذي يهب حكمة للبسطاء! البسطاء الذين يؤمنون يعرفون مجيئين للسيد المسيح،أما الكتبة الأغبياء فلم يدركوا حتى مجيئًا واحدًا الأمم ينالون حياة من مجيئه الأول، ويقومون في المجيء الثاني! الشعب الذي أعمى ذهنه، تشتتوا بمجيئه الأول، وينزع بالمجيء الثاني! مبارك الملك الذي جاء وسيجيء! أعلن الأنبياء عن ميلاده، لكنهم لم يوضحوا تمامًا وقت مجيئه! لقد أرسل المجوس، الذين وأظهروا وقته لكن المجوس الذين عرفوا الوقت لم يكونوا يعرفوا من هو هذا الطفل فإذا بنجم عظيم في نوره يظهر بمسيره، من هو هذا الطفل؟! وكم كان نسبه جليلًا؟! مبارك هذا الذي عُرف بواسطتهم جميعًا! لقد احتقر (اليهود الأشرار) بوق إشعياء الذي تغنى بكهنوته! لقد أسكتوا قيثارة الروح التي تغنت بملكوته! وفي صمت عميق أغلقوا على الميلاد العظيم،فإذا بالأصوات العلوية تصرخ مع الأصوات التي من أسفل مبارك هو هذا الذي ظهر في وسط صمت عميق! الكتبة صمتوا في حسدٍ،والفريسيون سكتوا في غيرة،ومتحجرو القلب (المجوس) صرخوا مقدمين تسبيحًا! أنشدوا في حضرة "حجر الزاوية"، الذي احتقره (اليهود)،وقد صار رأسًا (للزاوية) صارت القلوب الحجرية لحمية بواسطة "حجر الزاوية"وصارت لها أفواه تسبح،إذ جاءت الحجارة تنطق أمام "حجر الزاوية"مبارك هو ميلادك الذي جعل الحجارة تنطق! القمص تادرس يعقوب ملطي عن كتاب من تسابيح الميلاد للقديس مار أفرام السرياني
المزيد
10 يناير 2025

الميلاد واستجابة الإنسان

أهنئكم أيها الأحباء بالعام اﻟﻤيلادي اﻟﺠديد، وعيد ميلاد السيد اﻟﻤسيح اﻟﺬي أﺗﻰ متجسدًا من أجل خلاص ﻛﻞ البشر لقد كانت الشعوب في عصور العھد القدیم ترفع الصلوات والطلبات من أجل مجيء المخلص، وكان الله یستجیب بإرسال الأنبیاء والأبرار والصدیقین،لكي ما یقودوا الناس في تلك العصور القدیمة،وكانت استجابة الله للطلبات والصلوات سبب فرح للإنسان. وتعلَّم الإنسان أن یختم دائمًا صلواته بكلمة "آمین"، وھي الكلمة المشھورة في جمیع لغات العالم التي تعني "استجب یا رب" وعلى الجانب الآخر، كان الله یطلب من الإنسان أن یستمع وأن یستجیب لوصایاه، ولذلك نرى ھذه الكلمات تتكرر بین أسفار الكتاب المقدس: "مَنْ لَه أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْیَسْمَعْ" (مت ۱۱: 15, مر٤ :9, لو 8:8, رؤ ۳ : ٦) ، وتتحدث عن الأذن التي تُمثِّل جھاز السمع والإصغاء لدى الإنسان وبھا یستمع لكل ما یقال حوله، فھي بمثابة جھاز استقبال ولا نتحدث عن ھذا العضو الصغیر الموجود في رأس الإنسان فقط، إنما أیضًا الأذن الداخلیة للإنسان، وتتمثل في قلبه، فكل الأحادیث والآراء التي حولنا تدخل ھذا الجھاز وتُترجم قلبیًا، ولنا بعد ذلك الاختیار والحریة لقبول ما نسمع أو رفضه أوالاستجابة له حسب ما یقرر قلبنا وعقلنا وحكمتنا ھل لاحظت أن كلمة "قلب" بالإنجلیزیة وتعني heart تحوي داخلھا كلمة ear أي "الأذن"، لذا دائمًا ما نجد ارتباط بین الأذن والاستجابة بقلب الإنسان، فما یسمعه بأذنه یترجمه قلبه، وتكون الاستجابة بحسب ھذه الترجمة وإذا انطلقنا في رحلة الإنسان على مدار أیام حیاته على الأرض، نجده یقابل الكثیر من المواقف التي تحتاج منه إلى قرارات، بدایة من أصدقاء الطفولة،نوع الألعاب، ما یفضله من أنواع الطعام، إلى اختیاراته للدراسة والعمل والارتباط وغیرھا من القرارات الكثیرة والیومیة، وبحسب استجابته للمواقف تسیر أیامه، وبحسب اختیاراته یرسم حیاته،وھكذا صار على مر الزمان نرى في الأیام الأولى للحیاة على الأرض كیف استجابت حواء لنداء الحیة، وبعد الحدیث معھا أذعنت لطلبھا، وھكذا أیضًا امتثل آدم لطلب حواء أن یأكل الثمرة، وبحسب خضوعھما للحیة واختیارھما لسماع كلماتھا، سارت حیاتھما، فطُردا من الفردوس بعد أن كسرا وصیة الله كذلك نتذكر كیف كان نوح البار ینادي للجمیع أن یتوبوا وینضموا معه إلى الفلك، لكنھم رفضوا بسبب قساوة قلوبھم، بل تھكموا على من یبني مركبًا على سفوح الجبال، وھكذا ھلكوا بالطوفان، وھناك أحداث كثیرة على مرالعصور توضح اختلاف استجابة الإنسان بحسب رؤیته للمواقف ونحن نؤمن أن الله یستجیب، فقد قال بوعد: "ادْعُنِي فِي یَوْمِ الضِّیقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي" (مز ٥۰ : ۱٥ )، فھو یرید الاستجابة لنا، لكن استجابته تتغیر بحسب الزمان والمكان والطلب، وأیضًا بحسب قلب السائل، إن كان یطلب بإیمان، أو یطلب كما لقوم عادة، فقد طلب أبونا إبراھیم من الله ابنًا له، ولم یمل من الطلب، فأعطاه الله نسلاً بعد وصوله وزوجته إلى الشیخوخة، وقد قبل الله لصلاة یونان النبي بعد مكوثه في جوف الحوت ثلاثة أیام وثلاث لیالٍ، أیضًا استمع الله للقدیس سمعان الخراز في نقل جبل المقطم، وغیرھا الكثیر من الأمثلة. وفي احتفالنا بمیلاد السید المسیح له المجد، تظھر أمامنا مجموعات مختلفة من الاستجابات البشریة وھو ما أود أن أتأمله معكم الیوم: استجابة القلب المطیع: فتاة عذراء تجد ملاكًا یبشرھا بولادة ابن الله منھا ویقول لھا: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ یَحِلُّ عَلَیْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلكِ، فَلِذلِكَ أَیْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ یُدْعَى ابْنَ للهِ" (لو ۱ : ۳٥ )، وبكل الطاعة تجیب: "ھُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ لِیَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو۱: ۳۸ )، وتستجیب لبشارة الملاك، وتستعد لاستقبال ابن الله داخلھا مع أن مریم فتاة صغیرة، لكنھا تعلمت كیف تطیع الله، وتؤمن بكلماته، وتعمل كل ما یطلبه منھا ومن اتضاعھا الجمیل عندما تعلم أن نسیبتھا ألیصابات العاقر حبلى تذھب مریم عبر الجبال لتخدم ألیصابات في حملھا بیوحنا المعمدان،وتقدِّم مثال التواضع للكل، لذلك نطوبھا ونمجدھا لأنھا صاحبة استجابة قویة ونخصص لھا شھرًا كاملاً ھو شھر كیھك نقدِّم فیه الصلوات والتسبیحات ونطلب شفاعتھا أمام المسیح إلھنا. استجابة القلب النقي: رعاة ساھرین في جو بارد، وھواء الشتاء الرطب، یرعون خرافھم باجتھاد في السھول والودیان، وفجأة تنیر السماء بملاك الرب یبشرھم قائلاً: "أَنَّه وُلِدَ لَكُمُ الْیَوْمَ فِي مَدِینَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ ھُوَ الْمَسِیحُ الرَّبُّ" (لو ۲: ۱۱ )، ویدلھم على مكانه، ثم یظھر جمھور من الجند السماوي مسبحین الله قائلین: "الْمَجْدُ ﻟﻠﮫِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو ۲: ۱٤ )، "قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُھُمْ لِبَعْضٍ لِنَذْھَبِ الآنَ إِلَى بَیْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ ھذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِه الرَّبُّ فَجَاءُوا مُسْرِعِینَ، وَوَجَدُوا مَرْیَمَ وَیُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ" (لو ۲: 15 -۱٦ )، ففرحوا بالعطیة الإلھیة، واستجابوا لنداء الملائكة "ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَھُمْ یُمَجِّدُونَ اللهَ وَیُسَبِّحُونَه عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِیلَ لَھُمْ" (لو ۲: 20). استجابة القلب الواسع: بیت لحم، القریة الصغیرة، كانت تعاني من ازدحام شدید بسبب الاكتتاب خلال ھذه الفترة، فقد رجع كل إنسان إلى مكان میلاده لیكتب اسمه في السجلات، لیتم عد الشعب بأمر أوغسطس قیصر، فكان الازدحام شدیدًاولا یوجد مكان لإنسان، وكانت البلاد في ذلك الزمان عبارة عن مساكن للبشر ومساكن للحیوانات،ولم یجد یوسف النجار مكانًا یذھب إلیه مع مریم العذراء خطیبته ویبیتوا فیه، حتى عرض علیھم صاحب بیت، لا نعرف اسمه، أن یستقبلھم، لكن ولضعف إمكانیاته، في مذود البقر، وھكذا استقبل أھل بیت لحم المولود في قریتھم، فتباركت ھذه البلدة من الله بسبب استقبالھا للطفل یسوع. استجابة القلب المتلھف أو المشتاق: أناس علماء یدرسون الفلك والنجوم، رأوا سماءً ملیئة بالنجوم ولكن بینھم نجم خاص، فتركوا كل شئ وذھبوا وراء النجم، لم یعلموا إلى أین یقودھم، وقد تطول فترة سفرھم بالشھور، لكنھم لم یفكروا كیف یسیرون،لأنھم یثقوا أن ھناك حدث عظیم ویجب أن یسیروا وراءه، واختاروا المسیر، ووصلوا إلیه بعد تتبع النجم، وفي مقابلتھم للطفل یسوع قدَّموا أثمن الھدایا،واثقین أنه لیس طفلاً عادیًا حتى لو مولود في مذود متواضع بسیط، وبعد مقابلتھم له غیروا طریق عودتھم لأنھم آمنوا أنه ملك بقلوبھم لا بعیونھم. استجابة القلب الشریر: إنه مَلك خاف على مُلكه حین سمع من المجوس أن النجم الظاھر ھو لملك عظیم، قتل الآلاف من الأطفال حتى یستمر مُلك ھیرودس ولا یزعزعه أي قادم، وغضب من المجوس بسبب عدم عودتھم له، وعدم إخباره بمكان المولود، لم یفكر سوى بنفسه ومملكته وسلطته. وھكذا ومواقف كثیرة أخرى في حادثة المیلاد تظھر التباین بین الاستجابات بحسب القلوب، ومازالت الأصوات تعلو في العالم تنتظر استجابة: صوت الله یطرق على كل قلب، لیختار الإنسان أن یفتح لیدخل الله ویقیم في قلبه، أو یغلق ولا یسمح ﻟﻠﮫ بالدخول. صوت الوصیة الإلھیة، لیستجیب الإنسان لھا أو أن یكسرھا بإرادته ویفعل ما یحلو له في العالم،ویسیر في طریق الإلحاد وخطایا المثلیة والإدمان بكل أنواعه وغیرھا الكثیر. صوت الإنسانیة الصارخة، ونحن جمیعًا نسمعھا الآن، من خلال الحروب التي انتشرت حولنا، ورد فعل العالم لھا، وكیفیة استجابة الشعوب لھذا الصراخ، تسمع وتستجیب أم تصم أذنیھا عن الأنین الخارج من الشعوب المحطمة في الحروب. لقد كانت فترة الصوم المیلادي فرصة لإصلاح الأذن الداخلیة في قلب الإنسان، لیستطیع الاستماع والاستجابة،ومكتوب: "یستجیب لك الرب في یوم شدتك" (مز ۲۰: ۱)، فإذا كانت القلوب نقیة فإنھا تعرف كیف تسمع وتستجیب، ولأن العالم یضج بالحروب والنزاعات فھو لا یستطیع أن یستمع للصوت الإلھي الصارخ من أجل الدمار والصغار والنساء والقتلى والمجروحین والأنین الخارج من النفوس المحطمة. وقد خصصت الكنیسة شھر كیھك كاملاً للصلاة من أجل إحلال السلام في العالم كله، لیحل السلام من ملك السلام المولود في النھایة ھذا الیوم ھو فرصة لكل إنسان أن یراجع استجاباته السید المسیح أتى لینیر الإنسانیة ویضيء قلوب البشریة، یطلب منا أن یحل السلام،فھل یستجیب العالم لندائه ؟ سؤال ینتظر إجابة من كل إنسان كل عام وأنتم بخیر. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
09 يناير 2025

رحمة الله الظاهرة للبشر في تجسد ابن الله للقدّيس يوحنا الذهبي الفم

يقول القديس بولس الرسول: "لأنّه هو سلامنا جعل الإثنين واحداً ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة" (افسس2: 14) الحق! إن المتجسد من العذراء نقض حائط السياج الحاجز، وصار الاثنان واحداً. تبدّد الظلام وأشرق النور وغدا العبيد أحراراً والأعداء بنين. زالت العداوة القديمة وساد السلام المرغوب من الملائكة والصِدّيقين منذ القديم، لأن الأمر المدهش قد تمّ، وهو أنّ ابن الله صار إنساناً، فتبعته الأشياء كلّها، المخلص يضع ذاته ليرفعنا، ولد بالجسد لتولد أنت بالروح. سمح للعبد أن يكون له أباً، ليكون السيد أباً لك أيها العبد. فلنفرح ونبتهج كلنا. لأن البطريرك "إبراهيم قد ابتهج ليرى فرأى وفرح" (يوحنا8: 56) فكم بالحري نحن الذين رأينا الرب في الأقمطة! لذلك، يجب علينا أن نسَّر ونبتهج بعظمة إحسانه إنه لأمر يستحق الانذهال. لقد ساد السلام لا لمبادرتنا إلى الرب نحن الذين أخطأنا إليه وكدرناه، بل لأن الساخط علينا نفسه قد شفق علينا. "فأسألكم من قبل المسيح أن تتصالحوا مع الله" (كورنثوس الثانية 5: 20) إذ خلق العلي بنعمته وحدها الانسان وأعطاه على الأرض أجمل مكان ليعيش فيه، ووهبه وحده العقل بين المخلوقات كلها، وسمح له برؤيته تعالى، والتلذذ بالحديث معه، ووعده بالخلود، وملأه بالنعم الروحية حتى أن الإنسان الأول تنبأ؛ ولكنه بعد هذه الخيرات كلها رأى العدو أجدر بالايمان ممن وهبه جميع ما ذكر، فاحتقر وصية الخالق وفضل من كان يعمل على هلاكه بكل الوسائط. ومع ذلك فما أباد الله الارض كما تقتضي العدالة، لما أظهر الإنسان من العقوق وعدم معرفة الجميل. بل صار يُعنى به أكثر من الأول، لأن الخطر اشتد كثيراً بعد استسلام جنسنا للإثم، وتعرضه للهلاك. ولكن الآب السماوي اهتم للخاطئ وحدثه كصديق مبيناً له خطر الهلاك المحدق به، ثم أعطاه الشريعة كمساعد له، وأرسل الأنبياء لتعلمه ما يجب عليه أن يفعل. "ثم أرسل له وريثه نفسه – أي ابنه – مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية4: 4و5) لذلك نرى نبي الله متعجباً من حكمة الضابط الكل وصارخاً : "هذا هو إلهنا قد تراءى على الأرض وتردد بين البشر" (باروك 3: 38) ابن حقيقي لاب أزلي لا يعبر عنه ولا يدرك، اجتاز أحشاء بتولية، وتنازل ان يُولَد من عذراء، ولم يكفّ عن العمل والشروع بالأشياء حتى جاء بنا نحن الأعداء إلى الله، وصيّرنا اصدقاء له، فكان كمن يقف بين اثنين متقابلين باسطاً ذراعيه لهما ليوحدهما معاً. هكذا فعل ابن الله موحداً الطبيعة الإلهية مع البشرية، أي خاصته مع خاصتنا. هذه وفرة نعمة الرب. إن الذي غضب يسعى للسلام قاهراً المغتصب. قد يخلع الملك تاجه أحياناً ويلبس حلة جندي بسيطة حتى لا يعرفه أحد من أعدائه. أما السيد المسيح فقد جاء لابساً حلتنا حتى يُعرف، ولا يدع العدو يفر هارباً قبل القتال، ويدعو أتباعه إلى الاضطراب، إن غاية ابن الله هي الخلاص لا الإرهاب ربما تقول: لماذا لم تكمل هذه المصالحة بواسطة أحد الأرواح غير المتجسدة أو أحد البشر، بل بواسطة كلمة الله؟ فالجوابلأنه لو حصلنا على الخلاص بواسطة أحد الصديقين لما علمنا مقدار عظم اهتمام السيد بنا، ولما أصبح موضوعاً للإعجاب مدى الأجيال. فانه ليس بالأمر المدهش الفريد لو دخل مخلوق في الاتحاد مع مخلوق آخر؛ وبالتالي، لما قدر الإنسان أن يعمل عملاً إلهياً. وسرعان ما يسقط الأرضي، كما عمل اليهود، إذ حوّلوا خلاصهم المعطى لهم بواسطة موسى إلى شرور أشدّ من التي تحمّلوها في أرض مصر، وكادوا يؤلهون موسى بعد موته. إنهم أرادوا أن ينادوا به إلهاً، وهم يعلمون أنهم معه من طبيعة واحدة. وأخيراً لو أرسل ملكاً أو بشراً لاجل إنقاذنا من السقوط لما حصلنا على الخلاص ولا قدرنا أن نقترب من الذي حصلنا عليه الآن. ولو أن قوام خلاصنا حصل من طبيعة ملائكية أو بشرية فكيف يُعطى لنا أن نجلس عن يمين الآب السماوي ونصير أعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة، ونستحق ذلك الشرف الذي تتمنى القوات العلوية الدخول في مجده. ولو حرم الجنس البشري من هذا النصيب المغبوط ألا يظهر عدونا القديم كبرياء أعظم من الاولى ويفكر بتهييج السماء ذاتها؟ فمن أجل هذه الاسباب وغيرها أخذ ابن الله الطبيعة البشرية وكمّل خلاص الجنس البشري كله وعليه إذا تصورنا عظمة تنازل الله فلنعطِ السيد الشرف الواجب، لأننا لا نقدر أن نكافئه إلا بخلاص نفوسنا، وبالاهتمام بالقريب. وليس من عيد أفضل من اهتمام المسيحي الحقيقي بالقريب، والاجتهاد بخلاصه. لأنّ المسيح لم يرضِ ذاته بل الكثيرين. هكذا يقول رسول المسيح: "غير طالب ما يوافقني بل ما يوافق الكثيرين لكي يخلصوا " (كورنثوس الاولى 10: 33). عن كتاب منهج الواعظ لأبيفانيوس مطران عكار، 1971
المزيد
08 يناير 2025

تساؤلات فى التجسد

التجسد الإلهي هو جوهر الحياة المسيحية إن فهمناه فهمنا عقيدتنا المسيحية بعد ولادة ربنا يسوع المسيح اضطرب هيرودس الملك وأمر بقتل أطفال بيت لحم من سِن سنتين فما دون كان يجب أن يكون الطفل يسوع وسطهم لكن الملاك ظهر ليوسف البار وقال له قم وخُذ الصبي وأمه واهرب إلى أرض مصر .. لو كان ربنا يسوع أتى ليموت ويفدينا كان يمكنه أن يموت وسط أطفال بيت لحم وانتهى الأمر .. فهل كان يليق أن يموت وسط أطفال بيت لحم أم لا ؟ ولماذا ؟لا يليق أن يموت المسيح وسط أطفال بيت لحم .. لماذا ؟ أولاً لكي تتحقق فيه النبوات . ثانياً لكي يمر بمراحل حياة الإنسان المختلفة لأنه لما تجسد أخذ طبيعتنا وجسدنا فيمر بمراحل حياتنا ويُقدسها كلها . ثالثاً لابد أن يفدينا عن طريق الصليب وليس بسيف هيرودس أيضاً كان لابد أن يعيش ويكون له أصدقاء وأحباء وعائلة وأعداء ويُبارك حياتنا ويعيش حياتنا بحيث أنه يأكل ويشرب ويحزن ويتألم ويفرح ويتضايق ويجوع ويئِن ويتهلل ويتعامل مع كل الفئات ويُبارك الحياة بكل ظروفها ويُبارك الطبع البشري كله ويُعلِّمنا كيف نسلك ونُحارب عدو الخير ويُصلب ويغلب الموت لذلك صار إنسان كواحد منا . لماذا لم يمُت وسط أطفال بيت لحم وينتهي الأمر أليس هو موت ؟ لا لكن لكي يحمل خطايانا ويأخذ لعنتنا ﴿ ملعون كل من عُلِّقَ على خشبة ﴾ ( غل 3 : 13) لأن موت يسوع كان له شروط هي :- 1. أن يكون موت إرادي ﴿ أسلم ذاته بإرادته وحده ﴾ كان يمكنه أن يهرب من البستان لكن عندما سأله الجنود " نريد يسوع الناصري " أجابهم " أنا هو " . 2. لابد أن يموت موت به إشهار وإعلان أي فضيحة فإن مات وسط أطفال بيت لحم ألـ 144000طفل كيف سنعرف يسوع وسط كل هؤلاء ؟ لكن بالصليب كل الناس عرفت أن يسوع قد مات . 3. لكي يجتاز به عقوبات من مختلف الأنواع لكي يُبررنا من خطايانا الكثيرة التي فعلناها كل هذا تعبير عن طبيعة الفداء الذي فدانا به . يقول معلمنا بولس الرسول في رسالته للعبرانيين ﴿ لأنه لاقَ بذاكَ الذي من أجلهِ الكل وبهِ الكل وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد ﴾ ( عب 2 : 10) فهل يليق بالله أن يصير إنسان ؟ الله هو جوهر إلهي لا يليق أن يكون إنسان لكن " لاقَ بذاكَ " هو لا يليق لكن لكي يُنقِذنا لاق به نعم قد نتعجب من الأمر لكن لأجل محبتهِ لاق به لأنه لا يليق أن ينظر الله الإنسان يموت وينتظر فداء الله ولا يتدخل الله لكن لكي يُكمِّل خلاصنا لاق به واشترك معنا في اللحم والدم هل يليق يا الله أن تأخذ شكل المحدود وأنت غير محدود تأخذ شكل الزمني وأنت غير زمني ؟ نعم من أجل الصلاح وحده﴿ لأنه صالح ومُحب البشر ﴾ عندما نتعجب من تصرفات يسوع وأفعاله قُل أنه صالح ومُحب البشر سواء جاع أو عطش أو نام أو بكى لأنه صالح ومُحب للبشر . إذا ذهب طفل مع والده إلى الكنيسة وأثناء مسيرة سقط الطفل في بِركِة ماء غير نظيف وكان يرتدي ملابس جديدة هل يتركه الأب ويسير أم ينادي من يُنقِذه أم ؟ بالطبع ينتشله بسرعة ولا يهتم بمظهره وملابسه لأنه إن لم ينتشله بسرعة يكون مُخطِئ في حق ابنه نعم لا يليق أن الله يتجسد لكن أيضاً لا يليق أن لا يفدينا . يقول الكتاب ﴿ لأجلهم أُقدِّس أنا ذاتي ﴾ ( يو 17 : 19) هل يحتاج يسوع للتقديس ؟ توجد قاعدة مهمة وهي أن يسوع كنائب عنا أخذ جسد بشريتنا لكي يُقدسه الجسد الذي فسد وانحرف وجمحت تيارات الشر بمقاصده كان لابد أن يُصلَح ويُحوِّل تيارات الشر التي فيه إلى تيارات بر من يفعل ذلك ؟ أبونا إبراهيم ؟ نعم هو بار لكنه كِذِب وموسى النبي ؟ أخطأ داود الملك ؟ نعم قلبه حسب قلب الله لكنه زنا وأخطأ وإذاً الجميع زاغوا وفسدوا ليس من يفعل الصلاح ليس ولا واحد ( رو 3 : 12) كل الزرع البشري ورث الفساد كيف يُصلِح الأمر ؟ أن المسيح أصلح البذرة في نفسه يُقدس ذاته أي يُقدسنا نحن فيه نحن جسده أي يُقدسنا نحن أي طبعِنا يتجدد ويتغير الجسد الذي ازدادت فيه حدة الشهوة لابد أن تُحد بتقديس الجسد عندما يأخذ ربنا يسوع هذا الجسد يُقدسه لم يكن مُمكناً أن الشهوات الطبيعية تكُف عنا إلاَّ إذا صار جسد مذلتنا جسد خاص بالابن الكلمة ليُبيد الشر داخلي ويسحقه ويجعل جسدي البشري الخاضع للفساد لا يفسد ولن يُباد الموت إلاّ بالحياة فورثنا جسده بالمعمودية ميلاد الفداء والخلاص الميلاد الفوقاني فيتقدس بها جسدنا ﴿ أُقدِّس أنا ذاتي ﴾ أي يُقدسنا فيه ويضبُط الحركات المغروسة في جسدنا لأن الخطية صارت في جسده مائتة ﴿ ليكونوا هم أيضاً مُقدسين في الحق ﴾ ( يو 17 : 19) لذلك يقول له ﴿ باركت طبيعتي فيك ﴾ هو نائب عنا وأعماله كلها تؤول إلينا . لذلك كل إيجابيات المسيح لم يعملها لنفسه بل لنا هو قادر أن يغلب عدو الخير على الجبل لكنه فَعَل ذلك لنا يغلِب الموت على الصليب ويصعد لنا كل أعماله الخلاصية لأجلنا لتنتقل لنا لذلك صرنا قائمين في المسيح ومن سكان السماء في المسيح فإن قال لك شخص أن معه في العمل زملاء مُتعبين ومُنحرفين وكارهين لنا أقول له اُنظر المسيح عاش كل هذا لأن حياته من أجلنا لذلك جسده نحن ورثناه في أمور كثيرة جداً نحن داخل جسده أعضاؤه لحم من لحمه وعظم من عِظامه ( تك 2 : 23 ) كيف نفهم أن يسوع يصوم أو يصلي ؟ ولمن يصلي ؟ ﴿ الذي في أيام جسدهِ إذ قدم بصُراخٍ شديدٍ ودموعٍ طِلباتٍ وتضرعات ﴾ ( عب 5 : 7 ) كيف نفهم ذلك عن الله ؟ كيف يصرخ ويطلب ويتضرع ؟كان يصلي لنفسه كيف ؟ وكيف يصلي إلى درجة البُكاء ؟ هل هو محتاج لذلك ؟ هذه صفة ناسوتية لنتعلم منه نحن كنا فيه ومادُمنا داخله إذاً الذي يفعله يفعله لأجلنا إن صلى نُصلي معه وإن صام نصوم معه وكأنه يقول العلاقة التي فسدت بين آدم والله أنا أتيت لأُصلِحها وكأني الجسد بينكم وبين الله جعل جسد بشريتهِ وسيلة تصالُح مع الله ولأن صلاته مقبولة لدى الآب صارت صلاتنا مقبولة فيه لدى الآب كذلك الصوم ولذلك لما نصلي نصلي باسم يسوع المسيح ولما نصوم نصوم باسم يسوع المسيح الكنيسة وضعت الصلاة الربانية كما هي في الكتاب المقدس وأضافت لها " بالمسيح يسوع ربنا " كأننا نقول صلاتنا مقبولة في اسمه ونقول له أنت وقفت وصليت اجعل صلاتي الآن لا أظهر فيها أنا بل اظهر فيها أنت وقَّع على صلاتي لتُعطيها قوة لذلك لما صلى علَّمنا كيف تُقبل صلاتنا لدى الآب باسمه لأن صلواتنا ضعيفة ومملؤة طياشة لكنها محمولة في قوة صلاة يسوع لله عندما صلى جعل لنا صِلة بالآب التي كانت قد قُطِعت من قبل لأن الابن الوحيد هو القادر أن يُصلِحها لأنه لا يليق بشخص عادي أن يُعيد علاقتنا بالآب لأنه مُخطِئ مثلنا لكن الابن هو الوحيد الذي له هذا السلطان فصرنا مقبولين فيه لذلك صلى بلسان إنسان وبجسدنا من أجلنا بدليل أنه كان يِعرَق ويقضي الليل كله في الصلاة لذلك صلاة يسوع هي لتُقبل صلاتنا من خلالها وكأنها فتحت لنا الباب المُغلق وصارت صلاتنا مقبولة لدى الآب من خلاله لذلك يقول مُعلمنا بولس الرسول ﴿ الذي في أيام جسدهِ إذ قدم بصُراخٍ شديدٍ ودموعٍ طِلباتٍ وتضرعات ﴾ كأنه يقول عندما نقدم صلاة من خلال حياة يسوع يسمع لها من أجل تقوى يسوع نفسه لأن أي تقوى خارجة عنه تقوى مُزيفة لذلك هو الذي جدد طبعنا فصار طبعِنا مقبول في صلاته ويسمع لها من أجل تقواه هو لذلك قال في صلاته الوداعية ﴿ أنا علمت أنك في كل حينٍ تسمع لي ﴾ ( يو 11 : 42 ) نحن أيضاً نقول له أنا علمت أنك تسمع لي كل حين في شخص يسوع أيضاً صام لأننا داخله فصُمنا معه وكأنه يقدم للآب صوم عنا ويقول له هذا الجسد البشري الذي فسد عن طريق الأكل يقدم لك صوم من جديد وأصلحته قال أنتم أولادي ترثوني ﴿ إن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً ﴾ ( رو 8 : 17) صومه كان لينزع عار البشر لأن آدم غُلِب بالأكل فقدم به علاج لذِلِّة آدم أفعال يسوع كانت هامة لأنها تمس خلاصنا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
07 يناير 2025

لسقوط وقيام كثيرين

كانت نبوءة من سمعان الشيخ عن السيد المسيح إنه : " لسقوط وقيام كثيرين ولعلامة تقاوم " ( لو2 : 34 ) فمتي تحققت هذه النبوءة ؟ وهل كانت عن مناسبة الميلاد فقط ، أم امتدت إلى نهاية هذا الدهر ؟ كون مجئ المسيح لقيام كثرين ، هذا أمر معقول يقبله لكل ولكن عجيبة حقاً هي عبارة " لسقوط كثيرين " فكيف ذلك ؟ سنشرح كيف تمت هذه العبارة ، ولنضرب المثل الأول : إن كان المجوس قد فرحوا فرحاً عظيماً لما رأوا النجم الذي أرشدهم إلى مكان الرب ( مت1 : 10 ) ، فذهبوا وقدموا له هداياهم فإنه في نفس الوقت قيل عن هيرودس الملك إنه لما سمع عن ميلاد المسيح " اضطرب وجميع أورشليم معه " ( مت2 : 3 ) كان ميلاد المسيح سبب فرح للمجوس ، وسبب اضطرب ! أهو ملك حقاً ؟ وهل يوجد ملك غيري ؟! وكيف أتركه يملك ؟! إن هذا مستحيل . لذلك اضطرب وفكر أن يقتل المسيح !مسكين أنت يا هيرودس ! هل ظننت في جهلك أن السيد المسيح قد جاء لينافسك في ملكك ! حقاً إنه ملك الملوك ، ولكن مملكته ليست من هذا العالم ( يو18 : 36 ) هل أنت خائف منه لئلا يهو عرشك ويسلبك تاجك ؟ اطمئن إن لعبة التيجان تليق بالصغار أمثالك يتلهون بها أما السيد المسيح فهو اسمي من التيجان واسمي من العروش السماء هي عرشه والأرض بما فيها عرشك ـ هي موطئ قدميه ( مت5 : 34 ) لقد جاء السيد المسيح من أجلك أيضاً ، ليحررك : يحررك من عبودية الذات ، ومن عبودية الشهوات، ويحررك من إغراء التيجان والعروش يجعل نفسك طليقة تعلو في السماء كالنسور تعلو مستوي التيجان والعروش والنياشين لو كان هيرودس يفكر في خلاص نفسه ، لفرح بمجئ المسيح وكان يمكنه أن يفرح أيضاً ، لو كان يهمه خلاص العالم ، أو على الأقل كان يفرح لأن النبوءات تحققت في عهده ولكنه كان أحد الذين سقطوا لأنه تمركز حول ذاته لذلك فكر أن يقتل المسيح أراد أن يقتل من بيده مفاتيح الحياة والموت ، الذي حياة هيرودس معلقة بمشيئته ولإرادة هيرودس لم تكن عن جهل ، بل عن معرفة ، بعد أن سأل الكهنة والكتبة وسمع النبوءة . وفي غضبه تحدى الله فهل أنت يأخى كهيرودس ـ تخاف أن يكون المسيح ملكاً ؟ فترفض أن يملك عليك ، لئلا يحطم اصناماً داخل ذاتك . وتري أن ملك المسيح هو صليب سوف تحمله ، يقف ضد رغباتك الخاطئة هل تخاف أن حريتك بدخول المسيح في حياتك . وتقول خير لي أن المسيح لا يوجد ، لكي أوجد أنا [ حسب منطق الوجوديين ] ؟! كان المسيح لقيام كثيرين كيوحنا المعمدان الذي قال : " ينبغي أن ذاك يزيذ وأني أنا أنقض " ( يو3 : 30 ) . وكان لسقوط كثيرين مثل هيرودس الذي انطبقت عليه عبارة : " من وجد نفسه يضيعها " ( مت10 : 39 ) كثيرون لا يفرحون بمجيء المسيح لأنهم غير مستعدين للقائه لو عرفوا أن المسيح قد جاء يخافون أن يكشفهم ، أو يضبطهم في خطية ، أو يحرمهم من مشغوليات تبهجهم ، وهم غير متفرغين له ! كذلك في المجيء الثاني سيكون المسيح لسقوط وقيام كثيرين ! سيفرح المؤمنين الحقيقيون بمجيء الرب ، إذ يأخذهم معه على السحاب في المجد ، ويكونون مع الرب كل حين بينا آخرون " يقولون للجبال غطينا ، وللتلال اسقطي علينا " ( رؤ6 : 16 ) لأنه " مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي " ( عب10 : 31 ) إنها ساعة يتقرر فيها المصير ، مثل عبور البحر الأحمر ، كان سبب خلاص أولاد الله ، وسبب هلاك فرعون وجنوده . من الذين سقطوا بمجيء المسيح ؟ لاشك أولهم الشيطان قال الرب عنه : " أبصرت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء " ( لو10 : 18 ) نعم إن كل ما فعله الشيطان ـ وما سيفعله ـ ضيعه الرب كله حينما قال على الصليب قد أكمل فصار تعب الشيطان باطلاً بالنسبة إلى المفديين . وختم الرب على هذا السقوط بقوله : " رئيس هذا العالم قد دين " ( يو16 : 11 ) . وعبارة سقوط كثيرين لا تعني الشيطان فقط بل كل جنده أيضاً ، إذ قد طرح الذي كان يضل العالم " وطرحت معه ملائكته " ( رؤ12 : 7 ـ 9 ) من الأعداء الكثرين الذين يسقطون : الإنسان العتيق إن الرب بتجسده وفدائه ، منح نعمة للمؤمنين ينالونها في المعمودية ، إذ يسقط الإنسان العتيق ، يموت ويدفن ( رو6 ) ؟ ويقوم إنسان آخر في " جدة الحياة " قد لبس المسيح ( غل3 : 27 ) حقاً في المعمودية سقوط وقيام كثرين . ومن الأمثلة الجميلة للسقوط القيام ، شاول وبولس : سقط شاول الطرسوسي الذي كان يضطهد الكنيسة ، يجر رجالاً ونساء إلى السجن ، وقام مكانه بولس الرسول الذي تعب في الكرازة أكثر من الجميع وصنع معجزات ، وأسس الكنائس ، وأرسل الرسائل ، ونال إكليل الشهادة . وسقط كهنة اليهود ، ليقوم كهنة على طقس ملكي صادق قال السيد المسيح في تغيير هؤلاء الوكلاء : " إن ملكوت الله ينزع منكم ، ويعطي لأمه تصنع ثماره " ( مت21 : 43 ) . وبالمثل فعل مع الناموسيين والصدوقيين ، وشهد العالم سقوط وقيام كثيرين . وقام كهنوت على طقس ملكي صادق . سقط المعلمون الكذبة وفي مقدمتهم الكتبة والفريسيون والشيوخ سقطت هيبتهم في أعين الناس ، وسقط تعليمهم ، وسقطت كبرياؤهم وافحمهم السيد المسيح في كل مناقشة ، وأثبت للكل فساد ما يفعلون به ورأي الناس أنه قد قام معلم عظيم " بهتوا من تعليمه " يعلمهم بسلطان وليس كالكتبة . وأخيراً تحطم الكتبة والفريسيون بقول السيد لهم في ( مت23 ) : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون " حيث شرح في تفصيل شديد كل أخطائهم وانتهوا من تاريخ اليهود ، ليقوم مكانها معلمون آخرون اختارهم الرب . وفي سقوط كثرين نذكر أيضاً الوثنية بكل رجالها كل فلسفاتها قد سقطوا ، سواء مدرسة الإسكندرية الوثنينة التي سقطت بقيام مدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي أقامها مارمرقس . أو مثلما حدث في قصة أسطفانوس الشماس الأول الذي قيل عنه إنه وقفت ضده مجامع الليبرتينيين ، والقيروانيين ، والإسكندريين ، مع الذين من كيليكيا وآسيا " ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به " ( أع6 : 9 ، 10 ) وقامت المسيحية منتصرة في صراعها مع الأديان الأخري قال السيد المسيح : " ما جئت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً " أي الصراع الذي يقوم بين الإيمان وكل معارضية أما الذي سقط في هذا الصراع فهو الأديان الأخري كلها : الأديان الرومانية بزعامة جوبتر ، والأديان اليونانية بزعامة زيوس ، والأديان المصرية بزعامة رع ، وأديان أخري كثيرة في الشرق ، مع عبادات الأرواح والنار والأجداد وسقطت الوثنية وكل فلسفتها وكل حكمتها وشهد العالم فترة من الكرازة ومن الاستشهاد ، ظهر فيها سقوط وقيام كثيرين وتحقق قول الرسول : " اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء . واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء . واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود " ( 1كو1 : 27 ، 28 ) . وإذا بالصبا الأمي يقف أمام اساطين مجمع السنهدريم ، ليقول لهم في شجاعة " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس " . ويقف السيد المسيح ليقول : " أحمدك أيها الآب لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء ، وأعلنتها للأطفال " ( مت11 : 25 ) وشهد التاريخ في إنتشار المسيحية سقوط وقيام كثيرين لذلك كان المتواضعين في مقدمة الذين قاموا لقد تحققت تسبحة العذراء التي قالت فيها : " انزل الأعزاء عن الكراسي ، ورفع المتواضعين " ( لو1 : 52 ) هنا انزال ورفع : سقوط وقيام هذه العذراء المسكينة اليتيمة التي سلموها لنجار يرعاها ، أصبحت جميع الأجيال تطوبها . ومزود البقر مزاراً للعالم كله ، مكاناً مقدساً ، تنحني أمامه رؤوس الأباطرة والملوك تطلب بركة ترابه . والصيادون الفقراء صاروا قادة العالم وكهنته ورعاته ومعلميه " الأشياء العتيقة قد مضت . هوذا الكل قد صار جديداً " ( 2كو5 : 17 ) . ومن الكثرين الذين سقطوا ، مفاهيم كثيرة ... مفاهيم الناس السابقة عن العظمة والقوة والحرية وما أشبه ، تغيرت إلى العكس سقطت وأقام السيد مكانها مفاهيم جديدة . فلم يعد القوي هو الذي يضرب غيره على الخد والخد الآخر . إنما القوي هو الذي يحتمل ، كما قال الرسول : " يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتل ضعفات الضعفاء " ( رو15 : 1 ) و العظمة صارت في الاتضاع وليس في الكبرياء . ووضع الرب هذه المبادئ الجملية " من رفع نفسه يتضع . ومن وضع نفسه يرتفع " " من وجد نفسه يضيعها . ومن أضاع نفسه من أجلي يجدها " إننا على أبوابها عام جديد . ونريد أن تنطبق علينا عبارة " قيام كثيرين " فيقيمنا الرب بنعمته وبروحه القدوس ، وبعمله الدائم فينا . يقيمنا عن يمينه ويقول لنا : " تعالوا يا مباركي أبي ، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت25 : 34 ) إنه أقام كثيرين لا نستطيع أن نحصي عددهم ، ربوات ربوات وألوف ، اولئك الذين ينشدون للرب أغنية جديدة في ملكوته . فلنكن من هؤلاء . بقي أن نقول إن السقوط والقيام على الأرض هو بصفة مؤقته يمكن أن تتغير بعد حين ، لتعد لسقوط أو قيام أبديين . وليت الجمع يهتمون بأبيتهم من الآن وليتنا نتناول باستحقاق في بداية هذا العام ولنعرف : إن التناول هو أيضاً وسقوط كثيرين قيامهم في حالة الاستحقاق ، إذ يثبتون في الرب ( يو6 : 56 ) السقوط في حالة عدم الاستحقاق ، إذ يتناولون دينونة لأنفسهم ( 1كو11 : 29 ) . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
06 يناير 2025

الرسالة البابوية لعيد الميلاد المجيد

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. أهنئكم أيها الأحباء بالعام الميلادي الجديد وعيد الميلاد المجيد. أهنئكم من أرض مصر، من أرض القديس مارمرقس الرسول كاروز مصر وأهنئكم بهذا العيد وأرسل التهنئة باسم كل الأقباط في مصر إلى كل الإيبارشيات والكنائس القبطية الموجودة في ربوع العالم أهنئ الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة، القمامصة والقسوس وأهنئ مجالس الكنائس والشمامسة وأهنئ كل الشعب القبطي الذي يحتفل بعيد الميلاد بحسب التقويم الشرقي الذي يوافق يوم ٧ يناير التأملات كثيرة جدا في عيد الميلاد المجيد وربما يكون السؤال المهم الذي يشغلنا جميعًا "أين هو المسيح؟" العالم فيه الكثير من الاضطرابات والحروب والنزاعات ولكن السؤال المطروح منذ تجسد السيد المسيح هو " أين نجد يسوع؟"الرعاة عندما ظهر لهم الملاك وبشرهم بقوله" أبَشِّرْكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشعب" (لوقا ٢ :١٠) ، كانوا رعاة يعملون عملاً بسيطا جدا ولكنهم في نفس الوقت يهتمون بالرعية وكانوا في البادية في الصحراء وكانوا في الليل يحرسون القطعان التي يرعونها ثم نجد أن هؤلاء الرعاة عندما أشار إليهم الملاك بهذا الفرح العظيم، ينتقلون إلى المذود ويرون السيد المسيح طفلاً مقمطا بأقمصة صغيرة وكان هذا فرحهم وبعد ما رأوا المسيح انصرفوا نفس السؤال كان مطروحاً مع حكماء المشرق المجوس الذين أيضاً بحسب كتبهم وعلمهم وبحثهم في النجوم، عندما يظهر نجم له مواصفات خاصة ويتحرك من الشرق الى الغرب، تكون النتيجة إنهم يصلون الى ملك اليهود الذي يولد حديثا وقد أرهقوا في السفر وكلنا نعلم جميعًا إن إمكانيات السفر قديمًا كانت محدودة للغاية يستغرقون في الطريق أسابيع وشهورًا ويصلون إلى بيت الملك المولود في بيت لحم ويجدونه ويقدمون له هداياهم، ذهبا ولبانًا ومرا نفس السؤال " أين نجد المسيح المولود؟" ، شغل هيرودس ملك اليهودية ولكن كان قلبه شريرا فأراد ان يبحث عن الصبي وتظاهر إنه يريد أن يكرمه باعتباره ملكًا ولكنه في الحقيقة كان يضمر شرا ونسمع بعد ذلك إن هيرودس هو الذي أمر بقتل أطفال بيت لحم قلبه كان شريرًا السؤال الذي يشغلنا ونحن نحتفل بالميلاد "أين نجد المسيح؟"ربما نبحث عن المسيح في البيوت الكبيرة والأماكن الغالية الغنية والأماكن التي تعيش في رفاهية التكنولوجيا بكل صورها أو في المواضع التي نظن أن المسيح يسكن فيها كأماكن القصور والأماكن صاحبة المعيشة العظمى ولكن الحقيقة إن المسيح نجده في أماكن ربما لا نتوقعها ربما نجده في مكان مثل بيت لحم وهي قرية صغيرة مغمورة لا أحد يعرفها ونجده ليس في مساكن البشر ولكن في مذاود الحيوانات نجده في مكان لا نتوقع أن يوجد فيه هذا المكان يتميز بالبساطة وبالنقاوة ولذلك عندما تريد أن تبحث عن المسيح، ابحث عنه في الأماكن البسيطة والأماكن النقية والأماكن التي تتميز بالطهارة وبالنقاوة وبالبراءة في الحياة نجد المسيح في القلوب الضعيفة. ابحث عنه ولذلك أيها الحبيب، إذا أردت أن تحتفل بعيد الميلاد، الاحتفال ليس مجرد الثياب الجديدة والطعام وشجرة الميلاد والزينات الكثيرة هذا احتفال مفرح ولكنه على المستوى الاجتماعي أما على المستوى الروحي فيجب أن تبحث عن المسيح، وتجد في أثره تبحث عنه لتراه وتفرح به تبحث عنه في كل إنسان متواضع القلب تبحث عنه في كل إنسان يبحث عن السلام ابحث عنه في كل إنسان يريد أن يخدم الآخرين ابحث عن المسيح أتذكر إنه في يوم من الأيام جاءت مجموعة شباب من أستراليا وطلبوا أن يخدموا فأرسلتهم إلى قرية صغيرة بمحافظة البحيرة، قريبا من الإسكندرية ولما رجعوا الشباب من خدمة هذه القرية، التعبير الوحيد اللي قالوه قدامي هو: "إننا هناك وجدنا المسيح" لذلك احتفال الكريسماس ليس هو احتفال الأخذ هو احتفال العطاء، أنك تقدم تقدم جهدك ووقتك وفكرك ومالك وخدمتك و من خلال هذه التقدمات الكثيرة سوف ترى المسيح فلا تعش لذاتك ولا تعش بمفردك أنانيتك ولكن عش من أجل الآخرين وابحث عن كل النفوس التي فيها ضعف النفوس التي تعاني من ضيقات أو أمراض أو متاعب، أو ثقيلي الأحمال، كما يعبر الكتاب المقدس اجعل الكريسماس ليس مجرد وقت ميلاد المسيح الذي تحتفل به في نهاية شهر كيهك لكن اجعل الكريسماس طوال السنة بينما أنت تبحث عن المسيح في كل مكان وستكون النتيجة إنك ستجد فرحًا كبيرًا يملأ قلبك أتذكر قصة جميلة عن إنسان كان يبيع أشجار عيد الميلاد عندما أراد أن يبيع الأشجار الأخيرة التي معه في ليلة الكريسماس، لم يتقدم أحد لشرائها فشعر بخيبة أمل انه سيرجع البيت بدون دخل كاف ليس لديه ما يكفي أن يحضر به طعامًا أو يقدم به هدية لابنته فاقترحت عليه ابنته بما ان الكريسماس على وشك الانتهاء، خذ هذه الأشجار وقدمها هدايا للآخرين فابتدأ يختار بعض البيوت الموجودة في الحي الذي يسكنه فذهب إلى البيت الأول وقدم شجرة هدية فاستقبله أصحاب البيت، رجل وامرأته مريضة بشدة، وفرحوا جدا بتلك الشجرة ثم ذهب إلى البيت الثاني ليقدم لهم شجرة ووجد أن الأم في هذا البيت فقدت ابنتها فكانت في حالة حزن ولا تحتفل بالكريسماس فلما قدم لها الشجرة هدية، عادت إليها فرحة عيد الميلاد ثم ذهب للبيت الثالث ليقدم لهم شجرة فوجد زوجا وزوجة في خلاف والزوجة على وشك الطلاق فلما قدم الشجرة، فرحوا بالشجرة وفرحوا بعيد الميلاد وكانت النتيجة الجميلة ان البيت الأول الذي كان فيه الزوج مع زوجته المريضة إنهم أرادوا أن يعبروا عن فرحتهم فقدموا طعامًا لهذا الرجل ثم بعد قليل في البيت الثاني، أرادت الأم التي فقدت ابنتها أن تعبر عن فرحتها وتقدم له هدية فكانت تشغل بيديها معطفا لابنتها التي توفيت فاخذت المعطف وقدمته هدية للرجل فأخذه الأب وقدمه هدية لابنته والبيت الثالث الذي كان على وشك الطلاق، لما جاءت إليهما شجرة الميلاد، ابتدأ الزوج والزوجة يراجعان نفسيهما ومزقا ورقة الطلاق وعاد البيت في سلام وبعد رجوعهما لبعضهما، قدما عطايا لهذا الرجل ففرح هذا الرجل وابنته بالطعام وبالهدايا وبالعطايا المادية وكانت هذه فرحتهما في عيد الميلاد أنا سعيد أن أرسل إليكم هذه الرسالة إلى كل كنائسنا وإيبارشياتنا إنني سعيد بأننا نلتقي عبر هذه الرسالة في احتفالنا بعيد الميلاد المجيد وأرجو لكم فرحا وسعادة تملأ قلوبكم في هذا الميلاد مع بداية العام الجديد وأكرر تهنئتي الى جميعكم، إلى كل الكنائس والإيبارشيات والأديرة وإلى كل المدارس والإكليريكيات وهذه التهنئة أرسلها لكم من أرض مصر التي تباركت بزيارة العائلة المقدسة في القرن الأول الميلادي وتباركت بالنبوات التي نقرؤها في سفر إشعياء وتباركت أيضا بكرازة القديس مارمرقس الرسول ربنا يحافظ عليكم ويكون معكم كل سنة جديدة وأنتم بخير وعيد ميلاد مجيد. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
05 يناير 2025

انجيل قداس الأحد الرابع من شهر كيهك

تتضمن ميلاد يوحنا المعمدان ثم نتأمل في رحمة الله مرتبة على قول البشير بفصل اليوم "وأما اليصابات فتم زمانها لتلد فولدت ابنا وسمع جيرانها واقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها ( لو ١ : ٤٧ - ٨٠ )أيها الأحباء يخبرنا البشير بفصل انجيل هذا اليوم عن ميلاد طفل عجيب لأنه ولد على طريقة خارقة العادة ليكون بشيرا أمام المسيح بمدينة يهوذا ونذيرا بقرب قدومه ونورا مضيئا فى الكنيسة وهذا الطفل هو يوحنا المعمدان الذي يقول عنه بعض الآباء أنه وإن لم يكن من تخوم بيت لحم حيث قتل الأطفال بأمر هيرودس الملك إلا أنه كان يخشى عليه بسبب شهرة ميلاده. ولذا قد هربت به أمه اليصابات الى البرية واختفيا في مغارة وبعد أربعين يوما ماتت أمه وكان يعوله ملاك الرب إلى يوم ظهوره لاسرائيل وقيل إن اختفاءه كان سببا لقتل أبيه زكريا بأمر هيرودس بين الهيكل والمذبح وقد سمعتم قول البشير عــن اليصابات " أن الله عظيم رحمته لها " وهو قول حق. إنه لولا مراحم الله لما بقيت سالمة إلى ساعة الولادة ولما أمكن لها أن تصير أما ليوحنا المعمدان الذي قال عنه سيد البرايا " أنه ليس بني أعظم منه بين المولودين من النساء " فالرب قد عظم رحمته لاليصابات بقصد اتمام نبوة ملاخى النبى القائل " هأنذا ذاك أرسل ملاكي فيهي الطريق أمامي فيهئ الطريق أمامي) ونبوة أشعياء القائل " صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب أن الله كثير الرحمة لكل الداعين إليه ومراحمه على كل أعماله فتأملوا في العالم تروا ذلك من تلك التأثيرات الظاهرة في كل مكان فتشوا الكتاب المقدس تجدوا في إحدى زوايا الفردوس آدم وحواء عريانين خائفين ورحمة الله متجلببة بشعائر المحبة وتدعوهما كأم حنون لتكسوهما وتطمنهما وأيضا يسمعون في البرية شرقي عدن صوت الرحمة الإلهية ينادى قايين القاتل لأخيه هابيل قائلا له " أين أخاك " تنبيها له لكى يتوب فيغفر له ويطمنه بقوله " كل من قتل قايين سبعة أضعاف ينتقم منه " تشجيعا لضعفه ليرجو الغفران وماذا نرى أيضا في الكتاب المقدس؟ نرى رحمة الله توعز إلى نوح البار أن ينذر الماس الاشرار ويصنع فلكا لخلاص من يريد النجاة من مياه الطوفان ونرى رحمة الله تفتش على عشرة أبرار فقط في تلك المدينة الفاسقة حتى لا تباد بالنار ونرى الرحمة في برية سيناء تناجى موسى من وسط عليقة في شبه نار لتبعث به إلى ارض جاسان لإنقاذ الاسرائيلين من عبودية فرعون ونرى رجلا واقعا بأيدى اللصوص في طريق أريحا ورحمة الله تضمد جراحه كطبيب ونرى ذلك الولد الشاذ الذي بدد أمواله في الخمور والشرور ورجع تائبا إلى بيت أبيه قد قبل وأقيمت له كل ولائم السرور فما أعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون إليه قال أرستوتالس الفيلسوف " إن سهولة الغضب تصدر من الضعف "نعم فإننا نرى الضعيف أسرع إلى الغضب من القوى والمرأة أسرع من الرجل كما أن الشيخ أسرع من الشاب والفقير أسرع من الغنى وهكذا وهاكم مثالا على ذلك ما قاله أدريانوس لمن كان قد أهانه قبل أن يصير ملكا وهو : " لقد نجوت يا أنسان لأني أنا الآن قد صرت ملكا " إن الهنا أقوى من أدريانوس قيصر يمقدار لا يقع تحت حصر وقدرته العظيمة دليل على رحمته الكثيرة فإذا عاقب أثيما فانما يكون ذلك لمصلحته لأنه كالجراح الذي لا يستعمل الكئ بالنار في جسم العليل إلا بعد تحققه من عدم نجاح الادوية البسيطة فيا لعظم رحمة إلهنا التي نراها كل يوم تهطل سحبها على قلوب الخطاة فترويها لتثمر ثمار التوبة وتشرق شموسها على بصائر الصالحين فتردهم إلى سبل الهدى إن الله يدعونا إيها الاحباء فهلم نعود إليه بالتوبة والاعتراف بالذنوب لأن هذا هو الزمان المقبول فلا تقسوا قلوبكم ولا تصموا آذانكم عن سماع صوت الرحمة لئلا يصيبكم ما أصاب ديوجانس من طيباريوس قيصر الذي طلب قبل أن يصير ملكا مقابلة ديوجانس فأجابه بأنه لا يمكنه مقابلته إلا بعد سبعة أيام وقبل انتهاء هذه المدة صار طيبارويس ملكا فخاف الفيلسوف وسعى لدى الوزراء بقصد مقابلة الملك فكان سعيه باطلا إذا جاءه الجواب ليس إلى سبعة ايام كجوابه للملك بل إلى سبع سنين فسبيلنا أيها الاحباء أن لا نؤخر الرجوع إلى الهنا بل نبادر بالاعتراف والندامة ومناولة الاسرار ولا نتباطاً من يوم إلى يوم فإن غضب الرب ينزل بغتة ويستأصل في يوم الانتقام مفتدين خطايانا بالصدقات منظفين قلوبنا بالدموع لننال الغفران فنحظى بملكوت ربنا الذى له المجد إلى آباد الدهور كلها أمين. القديس يوحنا ذهبي الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل