المقالات

26 أكتوبر 2018

" اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ"

"هقرأ جزء من رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل فيلبي الأصحاح الرابع (8:1) ، وفيلبى هي قرية صغيرة في أوربا وهي أول قرية عرفت الأيمان بالمسيح وأول وحده عرفت الايمان هي ليديا بائعة الأرجوان وكل قارة أوروبا التي تعتبر قارة مسيحية ، الإصحاح الرابع والرسالة كلها أربع أصحاحات كتبها القديس بولس وهو في السجن ولكن للعجب كتبها عن الفرح فالرسالة كلها مفرحة . والجزء اللي هقرأ بيتكلم عن أثنين خادمات اختلفوا مع بعض وبولس الرسول بدأ يرسل نوع من الرسائل يشرح لهم فيها كيف يعيشوا بفكر واحد ". + 1 إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ وَالْمُشْتَاقَ إِلَيْهِمْ، يَا سُرُورِي وَإِكْلِيلِي، اثْبُتُوا هكَذَا فِي الرَّبِّ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ. 2أَطْلُبُ إِلَى أَفُودِيَةَ وَأَطْلُبُ إِلَى سِنْتِيخِي أَنْ تَفْتَكِرَا فِكْرًا وَاحِدًا فِي الرَّبِّ. 3نَعَمْ أَسْأَلُكَ أَنْتَ أَيْضًا، يَا شَرِيكِي الْمُخْلِصَ، سَاعِدْ هَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَاهَدَتَا مَعِي فِي الإِنْجِيلِ، مَعَ أَكْلِيمَنْدُسَ أَيْضًا وَبَاقِي الْعَامِلِينَ مَعِي، الَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ. 4اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا. 5لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ. اَلرَّبُّ قَرِيبٌ. 6لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. 7وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.8أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ِافْرَحُوا فِي الرَّبِّ. اليوم في مفاجأة احنا كان من المفترض أن يكون معنا الأنبا إبيفانيوس الذي تنيح منذ شهر وطلبنا منه تجهيز كلمة وقتها وهما بيرتبوا القلاية بتاعته وجدوا تلك الكلمة التي كان يكتبها اليكم للمتلقي. اقرأ لكم مقتطفات منها الكلمة بعنوان "أفرحوا في الرب " + كان الفلاسفة اليونانيون خاصة الرواقيون منهم يرون أن الانفعالات البشرية أربعة (الخوف والرغبة والحزن واللذة) وكان الفرح يندرج تحت اللذة وكان يعتبرونه ظاهرة صحية ولم يعترض الكتاب المقدس على وجهه النظر هذه فكان يربط الفرح بالله فالشعب يفرح عندما ينقذه الله من أعدائه وعندما يمنحه النصر في المعارك أما الفرح في العبادة فهو فرح من نوع أخر الله يفرح بشعبه مانحًا أيا خيراته ويتجاوب الشعب مع هذا الفرح بالتسبيح والتهليل وأغاني من الفرح وكان تقديم الذبائح يلازمها الفرح لذلك وصفت الأعياد السنوية انها أيام فرح والفرح كان تعبيرًا عن علاقة الإنسان الشخصية بالله فالرجل البار يجد مسرته في شريعة الله أو في كلمته والفرح هو مكافأة الثقة في الله . مثال لكده الاب والام لما يلعبوا مع ابنهم بيتنططوا لفوق وفى هذا الوقت يبقى لدى الطفل ثلاثة مشاعر مختلطة أولها الفرح إن أبوه يلعب معه ثم الخوف أن يسقط وأيضًا الثقة في أن يد أبوه تنتظره أن عمره ما يتركه يقع على الأرض ، وهذه مشاعرنا في حياتنا اليومية فرحانين وفى حجات بتخوفنا لكن واثقين ان يد الله معنا "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت28: 20) ، هو معايا دلوقتى وبكره وبعده وكان معايا امس وهذا يعطيني الثقة لذلك الفرح هو مكافأة الثقة بالله والتوكل عليه والآية الجميلة "كَثِيرَةٌ هِيَ نَكَبَاتُ الشِّرِّيرِ، أَمَّا الْمُتَوَكِّلُ عَلَى الرَّبِّ فَالرَّحْمَةُ تُحِيطُ بِهِ. 11 افْرَحُوا بِالرَّبِّ وَابْتَهِجُوا يَا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ، وَاهْتِفُوا يَا جَمِيعَ مستقيم القلوب " وفي فقرة ثانية كتب المتنيح نيافة الأنبا إبيفانيوس + هذا الفرح الكامل او الحقيقي هو موضوع العهد الجديد الفرح بشخص السيد المسيح الذي إذا لم ترونه بأعينكم ذلك الذي وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون فتبتهجون بفرح لا ينطق به. نفرح أن أسمائنا مكتوبه بالسماء نفرح بصوت السيد المسيح وهو يقول " نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ "وبنفرح بالأسرار المقدسة كنعم. وفى النهاية أختار لنا فقرة من أقوال القديس غريغوريوس صانع العجائب في عظة في عيد البشارة. " اليوم تتهلَّل صفوف الملائكة بالتسابيح، ونور حضرة المسيح يُضيء على المؤمنين‏. ‏ اليوم قد جاء الربيع المبهج، والمسيح شمس البر أضاء حولنا بنوره البهي، وأنار أذهان المؤمنين‏. ‏ اليوم آدم يُخلَق من جديد، "وهذا يوم عيد البشارة يوم ما امنا العذراء أتت لها البشارة ". ويطفر مع الملائكة منطلقاً إلى السماء‏. ‏ اليوم جميع أرجاء المسكونة اكتست بالفرح، لأن حلول الروح القدس قد أُعطِيَ للبشر‏‏‏. ‏ اليوم النعمة الإلهية ورجاء الخيرات غير المنظورة تُضيء بالعجائب التي تفوق العقل، وتكشف لنا بوضوح السرَّ المخفي منذ الدهر‏. ‏‏.‏‏.‏ اليوم يتم قول داود القائل‏: ‏ «لتفرح السموات وتبتهج الأرض‏. ‏ لتفرح البقاع وكل شجر الغاب، أمام وجه الرب، لأنه يأتي ". الفرح هنا أصبح بشخص والعهد القديم الفرح في العهد القديم كان بأحداث وعطايا أما في العهد الجديد الفرح بشخص المسيح وده اللي أكلمك عليه باختصار وكده أخذنا مقتطفات طويلة من العظة التي كان حضرها لنا المتنيح الأنبا إبيفانيوس . وقبلها كنت عايزة أشرح لكم الجائزة الرسمية للملتقى بتاعكم إحنا اخترنا "JOY " بشكل المسيح المرحب وطبعًا أن المسيح بلادنا مصر فأخذ تلك الصورة المسيح المرحب حرف ال O دائرة مثل الكرة الأرضية O اختصار Coptic ،وفى صلاة عشية كان في 45 شماس وكانوا من 26 ايبارشية ومن 23 دولة ويكلموا 10 لغات ولكن جميعكم تخدموا معًا وهكذا السماء أيضًا . ومن Egyp اخترنا حرف ال Y شكل نهر النيل وبقيت JOY كلها في شكل الجذور كأنها شجرة كبيرة والشجرة لها جذور اللي انتم جايين منها وكده يبقى شعارنا (Back to the Roots " اللي هو عودة الى الجذور وهذا شعارنا اللى قدمنا منه هدايا لبعض المسؤولين كمان كلمة JOY معناها (Jesus of Youth) المسيح هو الصديق المفرح للشباب نبحث عن الصداقة ونحبها جدًا والصديق مثل المرايا اشوف فيه نفسه ولكن أجمل صديق هو المسيح لأنه الصديق المفرح والصديق المفرح أجده في أربعة أماكن. المكان الأول: الإنجيل Massage of Joy رسالة الفرح الإنجيل أساسًا رسالة فرح Good News لكل واحد فينا " لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ"وان كنت لا تقرأ الانجيل كل يوم فأنت تحرم نفسك من رسالة فرح وهو الكتاب المقدس لما يكون جنبك باستمرار " نموسك يلهج نهارً وليلًا" الكلمة المقدسة على طول بيرتل بها ويفكر نفسه بها وفي قصة اتذكرها لشاب وشابة متجوزين جديد رحت أزورهم وكان تعليمهم محدود فوجدت الكتاب المقدس مفتوح فسالتهم انتم كنتوا بتقروا دلوقتى قالوا لا لسه لم نقرأه النهاردة احنا مش بنقفله نهائي بنتركه مفتوح قالوا علشان بيتنا يفضل مفتوح كأن فتح الانجيل هو سبب عمار ، البيت اللي يفرحنا يكون فيه المسيح مش يكون عندنا كذا وكذا لازم تنزلوا خدمة وتشوفوا وده يديلك أجابه الفرح مرتبط بأية؟؟ الفرح حاجه جوانية بشخص المسيح أول شيء تقابل به صديقك هو انجيلك لتكون فرحان. + المكان الثاني: كنيستك كنيستك هي المكان الذي تجد فيه الفرح حتى أكتر كلمة تقال في الكنيسة "هللويا " والالحان والتسابيح أصل الكنيسة كنيسة تهليل وفرح وهي مبنية على كده سمعنا الألحان وشاركنا في روح فرح تدخل قلب الإنسان، والقديس يوحنا ذهبي الفم له عبارة جميلة جداً "عندما تدخل الكنيسة وترى الأب الكاهن يفتح ستر الهيكل إنه يفتح باب السماء" وكنيستك فيها مواسم كيهك للعذراء والصوم الكبير ونعيش جو الصوم الكبير وبعدين القيامة وهكذا وبعدين أيام السنة العادية وهذا التنوع يعطى نوع من أنواع الحيوية وكنيستك كنيسة مفرحة ولما تيجى تشترك في تسبيح مدائح الحان صلوات كلها للفرح وتمتلئ بالفرح علشان تأخذ شحنة فرح وشحنة محبة. المكان الثالث: شعورك بالسماء أقدامنا على السماء لكن فكرنا يجب أن يكون سماوي ولما كنت أطفال صغار واترشمتوا بزيت الميرون أول رشم كان على المخ بحيث أن أفكار عقلك تكون مقدسة وسماوية ولذلك نقول " أبانا الذي في السموات " خلى فكرك دائما في السماء علشان تكون فرحان ومرتاح السماء بنسميها كمال الفرح خلى عينيك وفكرك في السماء واللي فيكم شاطر ممكن يعمل دراسة في الإنجيل عن السماء وحضورها فى أحداث الكتاب المقدس أزاي تلاقى مكان السماء في كل موضع المكان الرابع: الخدمة هتقابل المسيح في الخدمة تقابلوا في الإنجيل في الكنيسة وفى خدمتك كل ما تخدم الآخرين حتى بابتسامة فهي خدمة للناس وبمجرد أن تقدم للآخرين سؤال عليهم أو مكالمة أو زيارة كل ما تعمل حاجه لأجل الآخر تكون سبب فرح (اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا)افرح بمسيحك اللي هو صديقك وابحث عنه باستمرار ومتخليش حد يأخذ صديقك منك واحيانًا اللي بيحب صاحبه وكان لي أصحاب ولغاية النهاردة أحس بفرح لما اقابله، وكان لي صديق بمجرد لما أقابله وبمجرد ما نتكلم وبمجرد ما يجي اسمه افتكره على طول صاحبك متخليش حد يحل محله صاحبك المسيح دائمًا يكون حاضر وياك ودائمًا يفرحك ربنا يبارك حياتكم ويكون وياكم وافرحوا باستمرار ، وأنتم الأن تختبروا حياة الفرح خلى حياتك باستمرار مع صديقك خد شحنة فرح كبيرة من المسيح وقدمها لكل أحد وافتكروا الطفل لما أبوه بينططوا لفوق ومشاعر الفرح والخوف ومشاعر الثقة اللي في شخص المسيح ، كان نفسي يحضر عدد كبير هذا الملتقى لكن المكان لم يسع سوى هذا العدد وزى ما قلت لكم صار لي هذا العدد من الأصدقاء بعددكم ، ونحن نفكر باستمرار أزاي نكرر هذا الملتقى ونتقابل ، ولكن الأخرين أيضًا يستطيعوا أن يشاركونا لأن معظم فاعليات اللقاء موجوده على اليوتيوب تقريبًا وعلى صفحة المتحدث الرسمي باسم الكنيسة وربنا يبارك شبابنا ويفرحكم بجذوركم وكنائسكم لالهنا كل المجد والكرامة . قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
12 سبتمبر 2018

عيد النيروز

ما هو عيد النيروز؟ نحتفل كل عام في مثل هذا الوقت بعيد النيروز وهو رأس السنة القبطية (أول توت) أو عيد الشهداء. والأقباط جعلوا لأنفسهم تقويم خاص بهم هو التقويم القبطي أو تقويم الشهداء والذي يبدأ بسنة 284م. وهي بداية عصر ديوقلديانوس الذي كان من أقسى عصور الاضطهاد التي مر بها الأقباط. مكانة الشهداء في الكنيسة:- والكنيسة تحب الشهداء وتحب الاستشهاد وإن كنا نحتفل بعيد الشهداء في 10 سبتمبر تقريبًا فنحن نحتفل بالشهداء في كل يوم تقريبًا والشهداء لهم عندنا مقام كبير جدًا وتبنى الكنائس على أسمائهم والأديرة أيضًا على أسمائهم وخصوصًا أديرة الراهبات دير أبو سيفين على اسم الشهيد مارقوريوس أبو سيفين ودير الأمير تادرس على اسم الشهيد الأمير تادرس ودير مارجرجس في مصر القديمة ودير مارجرجس في حارة زويلة ودير القديسة دميانة على اسم الشهيدة دميانة كلها أديرة على أسماء شهداء فنحن نحب الشهداء ونحتفظ بأيقوناتهم ونقدس رفات أجسادهم ونسمي الكنائس بأسمائهم. استفانوس أول الشهداء:- والاستشهاد في الكنيسة بدأ من أول نشأة الكنيسة آخر شهيد في العهد القديم هو يوحنا المعمدان وأول شهيد في العهد الجديد هو استفانوس الشماس واستفانوس الشماس نضع اسمه في المجمع قبل الآباء البطاركة. وقبل كثير من الرسل. الاستشهاد بدأ باستفانوس واستمر على مر الأيام:- والاستشهاد بدأ في الكنيسة في العهد الجديد، من أول استفانوس واستمر على مدى العصور المختلفة. جميع الآباء الرسل أنهوا حياتهم بالاستشهاد ما عدا يوحنا الحبيب الذي تعذب عذابات فوق الوصف ولكنه لم يستشهد. الاستشهاد اكليل:- تصوروا محبة يسوع المسيح ليوحنا المعمدان عندما قال عنه في متى 11 "لم تلد النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان"، ونص الآية هو: "لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ" (إنجيل متى 11: 11) ومع ذلك أكرمه إكرامًا آخر بأن يكون شهيدًا كان يستطيع أن ينقذه بالموت ولكنه أعطى له بركة أن يكون شهيد الاستشهاد شمل الكل وليس الرسل فقط الاستشهاد شمل حتى من كانوا أعداء للمسيحية:- لونجينوس الشهيد:- والاستشهاد شمل الأعداء أيضًا فلونجينوس الذي طعن المسيح بالحربة صار شهيدًا في المسيحية وله يوم في السنكسار نذكره فيه cuna[arion. الشيهد أريانوس والي أنصنا:- وأريانوس الذي كان أقسى ولاة مصر في عهد دقلديانوس، فقد كانوا عندما يحتاروا في شخص مسيحي يسلموه لأريانوس أريانوس هذا حدثت له معجزة وصار شهيدًا ونقول في الكنيسة ونقول في السنكسار في مثل هذا اليوم تعيد الكنيسة لتذكار القديس أريانوس والي أنصنا. الاستشهاد شمل النساء والأطفال أيضًا:- والاستشهاد شمل أيضًا الأطفال والنساء. وليس فقط الرجال نسمع عن الأم دولاجي وأولادها ونسمع عن الشهيدة يوليطا وابنها الشهيد قرياقوس ونسمع عن الطفل أبانوب الاستشهاد شمل الكل وليس الرسل فقط. الاستشهاد صار شهوة المؤمنين:- الاستشهاد صار شهوة في وقت من الأوقات (شهوة الموت على اسم المسيح) فكانت طريقة تفكير المؤمنين هي: ما المشكلة في ضربة سيف ثم أجد نفسي في الملكوت مع المسيح؟! فهذا هو أقصر وأضمن الطرق المؤدية للسماء لذلك في أقوال الآباء نجد كتب كثيرة موضوعها "الحث على الاستشهاد"أصبح الاستشهاد شهوة كما قال بولس الرسول: "لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 1: 23). تاريخ الكنيسة هو تاريخ الشهداء:- ووجدنا تاريخ الكنيسة هو تاريخ الاستشهاد بدءًا من العصر الروماني الأول والاستشهاد الذي تم على يد نيرون والذي استشهد في عصره بطرس وبولس إلى أواخر العصر الروماني في أيام دقلديانوس واستمر الأمر إلى سنة 313 م (هذا التاريخ هام يجب أن نحفظه جميعًا)، ففي سنة 313 م صدر قانون من قسطنطين الملك بالحرية الدينية ولكن مع ذلك ومع الحرية الدينية استمر الاستشهاد والإرهاب الديني حتى بعد مجمع خلقيدونية. وكثير من الآباء استشهدوا من اخوتهم المسيحيين المخالفين لهم في المذهب والسيد المسيح لم يقل لتلاميذه أنهم عندما يؤمنوا به سيسيروا في طريق مفروش بالورود، بل قال لهم: "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ" (إنجيل يوحنا 16: 33) وأيضًا في يوحنا الإصحاح السادس عشر قال لهم: "تأتي ساعة وأتت الآن يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" وفي بعض الترجمات "يقدم قربان لله"، ونص الآية هو: "تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ" (إنجيل يوحنا 16: 2). القديس الشهيد يوليوس الأقفهصي:- ولأن الاستشهاد يعتبر بركة نحن نشكر القديس يوليوس الأقفهصي الذي كان يكتب أسماء الشهداء وسيرتهم ويجمع أجسادهم كان رجلًا قديسًا وحفظ لنا تاريخًا عظيمًا جدًا. الشهداء هم أعظم القديسين:- الشهداء هم من أعظم القديسين. أعظم من الرهبنة وأعظم من الكهنوت. لماذا؟ لأن السيد المسيح يقول "لا يوجد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه عن أحبائه"، ونص الآية هو: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ" (إنجيل يوحنا 15: 13) والشهيد وضع نفسه عن إيمانه وبذلك يكون قدم أعظم حب كل إنسان يجاهد ولكنه قد لا يصل للاستشهاد. فالاستشهاد هو أقصى جهاد يمكن أن يصل إليه المؤمن والاستشهاد أيضًا كان يسبقه عذابات كثيرة ولكن الله كان يعطي الشهداء القوة على الاحتمال حتى يوصلهم إلى أن يقدموا أنفسهم بسلام. الاستشهاد دليل عمق الإيمان وعمق المحبة لله:- الاستشهاد يدل على عمق المحبة لله. المحبة التي يبذل فيها الإنسان نفسه والاستشهاد يدل على عمق الإيمان. وعمق الإيمان بالحياة الأخرى لأن لولا الإيمان بالله والحياة الأخرى ما كان الإنسان يبذل حياته والاستشهاد هو شهادة للدين، وهو أيضًا قدوة لكل الأجيال التي تبعت عصور الشهداء. الكنيسة تعد أولادها للإستشهاد:- الكنيسة أعدت أولادها الشهداء أعدتهم بالإيمان الثابت وأعدتهم بمجموعة من المدافعين عن الإيمان apologists، الذين كانوا يدافعوا عن الإيمان ويردوا على كل كلام الوثنيين ضد الإيمان المسيحي وأعدتهم أيضًا بالزهد في العالم وعبارة "لا تحبوا العالم وكل ما في العالم"، ونص الآية هو: "لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 15)وأعدتهم بعبارة ماران آثا Maranath (اليونانية: μαραν αθα)، أي الرب آت (ماران تعني ربنا وآثا تعني آت) والكنيسة أيضًا شجعتهم بالاهتمام بعائلاتهم"أريد أن الجميع يكون بلا هم" نقطة هامة أريد أن تعرفوها هي:- عندما تكلم بولس الرسول عن عدم الزواج وقال: "أريد أن الجميع يكون بلا هم" لم يكن يقصد بكلمة "بلا هم" معنى "بلا زواج"، بل كان يقصد أن المتزوج – وخاصة أنه كان يتكلم وهو في العصر الروماني- صعب عليه أن يدخل في حياة الاستشهاد لأنه يفكر في مصير امرأته وأولاده، أي أنه يحمل هم امرأته وأولاده فبولس الرسول عندما يقول "بلا هم" يقصد بها "أنه حتى إذا جاءت ساعة الاستشهاد لا يكون لديكم من تحملوا هم مصيره". نفسية الشهيد:- وعصر الاستشهاد قد انتهى والقديس أوغسطينوس تعرض لهذه النقطة حيث قال: "نفرض أن شخص يريد أن يصبح شهيد وقد انتهى عصر الاستشهاد فماذا يفعل". قال: "الذي له نفسية الشهيد يعتبر من الشهداء حتى لو لم يستشهد" أي له نفسية الشهيد الذي لديه الاستعداد أن يبذل حياته. والذي لديه الإيمان القوي والثقة بالله. والذي عنده محبة العالم الآخر والإيمان به. الكنيسة تقوت بالاستشهاد:- وأريد أن أقول أن الاستشهاد لم يضعف الكنيسة بل قوى الكنيسة لذلك نقول أن الكنيسة بنيت على الدم وعلى الصمود وليس مجرد حياة رعوية فقط. كيف نستفيد من عيد النيروز/عيد الشهداء؟ أما الآن ونحن في عيد الشهداء فليتنا نفكر ماذا نستفيد من عيد النيروز في حياتنا نحن نقول أننا أبناء الشهداء. فكيف تكون لنا نفسية الشهداء الذين هم آبائنا؟ كيف يكون لنا نفس مشاعرهم ونفس إيمانهم؟ في بداية عام جديد للشهداء ليت كل واحد منا يفكر كيف يبدأ هذا العيد بداية طيبة. على الأقل يكتسب فضيلة تنمو معه ويدرب نفسه عليها طوال العام. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
13 أغسطس 2019

تكريم الكنيسة للسيدة العذراء

للعذراء مريم من بين جميع القديسين مكانة خاصة، والأرثوذكسيون يعظمونها باعتبارها (أشرف من الشيروبيم وأرفع مجداً بغير قياس من السيرافيم). وفي حين تُعظّم وتُكرّم والدة الإله بهذا الشكل، فمن المهم الملاحظة أن الكنيسة الأرثوذكسية لا تدعو أبداً إلى عبادتها كعبادتنا لله. فالتمييز واضح جداً في التعبير اللغوي الخاص باللاهوت اليوناني: فهناك كلمة خاصة مكرّسة لعبادة الله (Latreia) بينما هناك عبارات مختلفة تُستخدم بالنسبة لتكريم العذراء ألا وهي: (Duleia، Hyperduleia، Proskynesis) وتُذكر مريم معظم الأحيان عند إقامة الخدم الطقسية الأرثوذكسية وتدعى عادة بلقبها الكامل: (الكلية القداسة، الطاهرة، الفائقة البركات، المجيدة، سيدتنا والدة الإله، الدائمة البتولية، مريم). وهو لقب يضم النعوت الرئيسية الثلاثة التي تكرسها الكنيسة الأرثوذكسية للسيدة: (والدة الإله) (Theotokos)، (الدائمة البتولية) (Aeparthenos)، و (الكلية القداسة) (Panagia). أول هذه الألقاب منحه للعذراء المجمع المسكوني الثالث (أفسس 431). أما اللقب الثاني فجاء به المجمع المسكوني الخامس (القسطنطينية 553) {يبدو لأول وهلة الإيمان ببتولية مريم الدائمة متعارضاً ونص الكتاب المقدس وفقاً لإنجيل مرقص (31:3) الذي يورد عبارة (أشقاء) يسوع. لكن الكلمة اليونانية تعني أيضاً الأخ من أحد الأبوين أو ابن العم أو حتى أحد الأقرباء، إضافة إلى معنى (الأخ) الحقيقي}. أما لقب (الكلية القداسة) فلم يجر تحديده من الناحية العقائدية، بل هو مقبول ومستخدم من جميع الأرثوذكسيين وتسمية (والدة الإله) ذات أهمية فائقة، لأنها مفتاح العبادة الأرثوذكسية الموجهة للعذراء. نكرِّم مريم لأنها والدة إلهنا. ولا نكرّمها منفصلة عنه وإنما بسبب علاقتها بالمسيح. هكذا فإن التكريم الذي نخص به مريم، لا ينتقص من عبادة الله مطلقاً بل على العكس. وبالقدر الذي نقدّر فيه مريم، نعرف المزيد عن جلال ابنها، ذاك أننا إكراماً للابن نعمد إلى إجلال الأم نكرِّم الأم من أجل ابنها. إن التعليم الأرثوذكسي المتعلق بوالدة الإله منبثق من تعليمها الخاص بالمسيح. وحين أكدّ آباء مجمع أفسس على تسمية مريم بوالدة الإله، لم يكن ذلك بقصد تمجيدها بل من أجل الحفاظ على العقيدة الحقة المتعلقة بشخص المسيح. ومن يفكر في جميع مقتضيات هذه العبارة الأساسية: (والكلمة صار جسداً)، لا بدّ له أن يخشع باحترام أمام تلك التي تمّ اختيارها كي تكون أداة لهذا السر العظيم. وأولئك الذين يرفضون تكريم مريم هم أنفسهم أولئك الذين لا يؤمنون حقاً بالتجسد ولكن ليس لأنها والدة الإله فقط يعمد الأرثوذكسيون إلى تكريم مريم، بل لأنها أيضاً (كلية القداسة). فهي من بين جميع مخلوقات الله، المثال الأعلى للتآزر بين تدبير الله وحرية الإنسان. فالله الذي يحترم حرية الإنسان على الدوام، لم يشأ أن يتجسد دون موافقة والدته موافقة حرة. وانتظر إجابتها العفوية: (هوذا أنا أمة الرب فليكن لي حسب قولك) (لو 38:1). كان بوسعها أن ترفض. لم تكن صاغرة فقط، بل شاركت بملء إرادتها في سر التجسد. وكما قال نقولا كباسيلاس: (لم يكن التجسد فعل الآب وقدرته وروحه فقط... لكن كان أيضاً فعل إرادة العذراء وإيمانها... وكما أن الله تجسد بملء إرادته، هكذا شاء أن تحبل به أمه بملء حريتها، وموافقتها كل الموافقة) {حول البشارة، 4- 5} وكما أن المسيح هو آدم الجديد، فإن مريم هي حواء الجديدة، تلك التي أدّت طاعتها لمشيئة الله إلى خلق توازن مع عصيان حواء في الجنة. (هكذا فإن ما تعقَّد بعصيان حواء انحلّ بطاعة مريم. وما ربطته العذراء حواء في عدم إيمانها، حلّته العذراء مريم بإيمانها) {ايريناوس، (ضد الهرطقات)، 3، 22، 4}. (الموت من طريق حواء والحياة من طريق مريم) {ايريناوس، رسالته 22، 21} وتدعو الكنيسة الأرثوذكسية مريم (الكلية القداسة)، كما تدعوها (الطاهرة) والتي هي (بلا دنس). وجميع الأرثوذكسيين يؤمنون بأنها لم ترتكب قط أي خطيئة فعلية. ولكن هل تحررت أيضاً من الخطيئة الأصلية ؟ وبقول آخر، هل تجاري الأرثوذكسية العقيدة الكاثوليكية التي أعلنها الباب بيوس الحادي عشر السنة الـ1854 والتي تقضي بأن مريم مذ حملت بها أمها القديسة حنة وبنعمة خاصة من الله تم إنقاذها من كل (شوائب الخطيئة الأصلية)؟ إن الكنيسة الأرثوذكسية لم تقدم أبداً على إصدار بيان رسمي حول هذا الموضوع. ولكن منذ السنة الـ1854 رفضت غالبية الأرثوذكسيين هذه العقيدة الجديدة لأسباب عديدة: فهي تبدو غير مجدية، وتتضمن كما حدّدها الكاثوليك تفسيراً مغلوطاً للخطيئة الأصلية، وهي مدعاة للشك أيضاً لأنها تفضل مريم عن ذريّة آدم، واضعة إياها على حدة دون سائر أبرار العهد القديم من رجال ونساء ولكنّ الأرثوذكسية التي ترفض عقيدة (الحبل بلا دنس)، تؤمن بثبات بانتقال العذراء بالجسد. فالسيدة، على غرار سائر بني البشر، عرفت الموت الطبيعي، لكن قيامة جسدها تمّت قبل الجميع. فهي بالتالي تجاوزت الموت والدينونة وتعيش منذ الآن في الدهر الآتي. لكنها ليست منفصلة انفصالاً تاماً عن الإنسانية، لأننا نأمل أن نشارك ذات يوم في مجد الجسد الذي تتمتع به منذ الآن هذا الإيمان بانتقال والدة الإله يجري التعبير عنه بلا التباس في القطع التي ترتلها الكنيسة في 15 آب، يوم عيد (رقاد السيدة). لكن الأرثوذكسية بخلاف كنيسة رومية لم تلجأ إلى إعلان عقيدة (انتقال العذراء بالجسد) وليس في نيّتها أن تفعل ذلك أبداً. عقيدتا الثالوث والتجسد تم الإعلان عنهما كعقيدتين، لأنهما متعلقتان بكرازة الكنيسة، لكنّ تمجيد العذراء يُعتبر جزءاً من التقليد الداخلي للكنيسة: (من الصعب الكلام وأصعب من ذلك التفكير بالأسرار التي تحفظها الكنيسة في العمق الخفي لوجدانها الداخلي... ولم تكن والدة الإله يوماً موضوعاً للكرازة الرسولية. ففي حين بُشِّر بالمسيح فوق السطوح ونوديَ به على رؤوس الأشهاد عبر تعليم ديني موحّد للكون بأسره أُعلن سر والدة الإله فقط للذين في داخل الكنيسة... فهو أكثر من عرض للإيمان، إنه أساس لرجائنا، ثمرة الإيمان التي نضجت من التقليد. لنصمت إذاً ولنكفّ عن إدخال مجد والدة الإله الفائق في نطاق العقيدة) {فلاديمير لوسكي، (بناغيا)، في كتاب (والدة الإله)، منشورات ماسكال ص35}. عن كتاب: الكنيسة الأرثوذكسية: إيمان وعقيدة الفصل الثالث: كنيسة الله الأسقف كاليستوس وير
المزيد
16 فبراير 2021

القيم الروحية فى حياه وتعاليم السيد المسيح (21) الأمانة

مفهموم الأمانة وانواعها ... + الأمانة تعنى قول وعمل الحق والصدق مع النفس والغير وعدم الظلم او الغش وهى صفة يتميّز بها الله كصفة من طبيعته {الصانع السماوات والارض والبحر وكل ما فيها الحافظ الامانة الى الابد} (مز 146 : 6). وعلينا ان نستجيب لهذه الامانة { كل سبل الرب رحمة وحق لحافظي عهده وشهاداته} مز 10:25. فيجب علينا ان نراعى الامانة فى علاقتنا بانفسنا وبالله والاخرين {اتكل على الرب وافعل الخير اسكن الارض وارع الامانة} (مز 37 : 3) وتظهر أمانة الله في محافظته على عهوده وتنفيذه لوعوده طوال تاريخ الخلاص، وأمانة الله ثابتة دون تغيير حتى تجاه خيانة الإنسان وحيدانه عن الأمانة، وسيبقى الله أمينا حتى النهاية ومجئيه الثانى للمسيح وحياتنا معه فى السماء {ثم رايت السماء مفتوحة واذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى امينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب} (رؤ 19 : 11). أمانتنا تنبع من إيماننا السليم بالله وحياتنا كما يليق طبقاً لوصاياه { فاعلم ان الرب الهك هو الله الاله الامين الحافظ العهد والاحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه الى الف جيل (تث 7 : 9). ان الله يكافأ الامناء ويدخلهم الى الملكوت والفرح السمائى {فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21) ولهذا يجب ان نكون امناء حتى النهاية {كن امينا الى الموت فساعطيك اكليل الحياة (رؤ 2 : 10). ان صفة الأمانة في الله تجعلنا نثق فيه بالأكثر لأنه لا يتغير فوعوده ثابتة وعهوده لاينقضها، فوعده بالعناية والرعاية ثابت وهذا ليس معناه أننا لا نعاني الضيق أو الألم في هذه الحياة، بل انه بسبب رفقة الله معنا في رحلة الحياة ينهزم الخوف من داخلنا ويذهب عدم الاحساس بالأمان إلى غير رجعة لان الله أمين كراعى صالح لنا { ايضا كنت فتى وقد شخت ولم ار صديقا تخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزا} (مز 37 : 25). { لهذا السبب احتمل هذه الامور ايضا لكنني لست اخجل لانني عالم بمن امنت وموقن انه قادر ان يحفظ وديعتي الى ذلك اليوم} (2تي 1 : 12) +الامانة مطلوبة من الافراد والمؤسسات والنظام .. ان كلمة "الامانة" كلمة تتردد على ألسنة الكثيرين، كلهم يحلفون بالأمانة فهل هم صادقون؟. الامانة تعنى عدم الغش او الظلم ، وان نعطى كل ذى حق حقه بالعدل، هذا شئ يجب ان ينطبق على الافراد وعلى المؤسسات وعلى النظام الحاكم. ان التعدى على حقوق الغير وممتلكاتهم هو ضد الأمانة والضمير. ويجب ان يقر النظام الحاكم باجهزته ويحمي وينفذ الحق والعدل والأمانة وينصف المظلومين بنظام قضائي عادل ونظام تنفيذى قوى يزرع الامانة فى النفوس. فماذا نقول ان كان من يقر ويحمى الحق هو نظام ظالم يمارس التمييز والفساد والتعسف والمحسوبية. ان الامانة من الاخلاق الحميدة التى ترتقى بالناس والامم وكما يقول احد الشعراء: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. يجب ان يقر النظام القائم فى اى دولة الطرق القانونية للحق وانصاف المظلومين، والإ يفقد النظام شرعيته واستمراريته. وليس للمظلومين الا ان ان يصرخوا مطالبين بالانصاف من ظالميهم ويعملوا جاهدين لنل حقوقهم المسلوبة . {ان رايت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الامر لان فوق العالي عاليا يلاحظ والاعلى فوقهما} (جا 5 : 8) {الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين} (مز 103 : 6). + فى اللغة العربية أَمِنْتُ فأَنا أَمِنٌ، وآمَنْتُ غيري من الأَمْن، والامن ضد الخوف والخيانة والإيمان بمعنى التصديق.. ويناقضة التكذيب. الشخص المؤتمن هو الذى يثق الناس فيه ويتخذونه أميناً وحافظاً لاسرارهم، والشخص الأمين هو الذي يخاف الله ويحيا في محضره، ويسلك قدامه في كل حين باخلاص وعدم غش او كذب او رياء ، الامانة من الصفات الشخصية الهامة كمقياس صحيح للانسان الفاضل أمام الله والناس { فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21). الأمانة من أهم الصفات الحميدة فى الانسان ولازمة للجميع ولاسيما الخدام { فقال له بطرس يا رب النا تقول هذا المثل ام للجميع ايضا. فقال الرب فمن هو الوكيل الامين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم طعامهم في حينه .طوبى لذلك العبد الذي اذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. بالحق اقول لكم انه يقيمه على جميع امواله } لو 41:12-44. + الأمانة تعنى عدم السرقة أو الغش.. ليس فى المال فقط بل فى العلاقات والمعاملات { فان لم تكونوا امناء في مال الظلم فمن ياتمنكم على الحق} (لو 16 : 11). {سيف سهم حاد الرجل المجيب قريبه بشهادة زور }(ام 25 : 18). لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف (مت 15 : 19). {في معصية الشفتين شرك الشرير اما الصديق فيخرج من الضيق} (ام 12 : 13). وفى التجارة والموازين يجب ان نسلك بالامانة بدون غش { موازين غش مكرهة الرب والوزن الصحيح رضاه }(ام 11 : 1).الامانة ايضا فى الحديث ونقل الاخبار والمعلومات والسير فى صنع الخير والسلام بين الناس وعدم الغش او قول انصاف الحقائق او النقل غير الامين للاحداث والشائعات او ترويجها . + الامانة ايضا تنطبق على أمانتنا فى مال للغير والممتلكات العامة.. لهذا يدعونا الإنجيل الى الامانة فيما للغير{ وان لم تكونوا امناء في ما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم} (لو 16 : 12). يجب ان نحافظ على اعراض الناس وممتلكاتهم وسمعتهم ولا نشوه صورة أحد . نحافظ على نظافة شوارعنا والحدائق العامة ، وعلى النظام العام والممتلكات العامة ونرتقى بانفسنا وبلادنا وهذا هو سر التقدم فى الدول المقدمة. ترى الناس تتطوع لنظافة الشوارع والحدائق ولايمكن ان تجد من يلقى بفضلاته من سيارته أو من بيته فى الشارع انه الذوق العام والأمانة حتى بدون وجود اى رقيب لا يتخطى احد غيره فى دوره فى طابور ولا يخالف اشارة مرور. الحضارة ليس كتب تاريخ ولا مبانى معمارية فخمة ولا كلمات نتشدق بها عن الاسلاف، ولا الايمان مجرد مظاهر خارجية نتمسك بها ، انها قيم حضارية ونظام عادل، ومراعاة لما للغير وللملكة العامة والخاصة فالامانة تنشأ ثقة والثقة تنشأ التزام بالوعود والعهود والعمل بضمير صالح ومرعاة حقوق الغير فنؤتمن على تقدم مجتمعنا ورقى أنسانيتنا وتقدم بلادنا. + انواع من الأمانة .. فالعامل الامين هو الذى يكون مخلص فى عمله ، لايهمل ولا يتغيب باعذار واهية ويقوم باداء وظيفته فى صدق وتدقيق، والطالب الامين هو الذى يجد فى الدراسة والمذاكرة ويتفوق وينجح. والبائع الامين هو الذى لا يغش فى تجارته سواء فى الكيل او الميزان او التعاملات . والامانة الزوجية تقوم على الاخلاص والمحبة والوفاء وعدم الخيانة من الزوجين . والامانة فى الرعاية والخدمة تكون باخلاص الراعى وعمله على خلاص مخدوميه وتقدمهم، والتضحية والبذل فى المسئولية والامانة فى حفظ أسرار الناس وان لا يكون الأنسان مرائياً او غاشا لاحد بل فى حكمة واخلاص يتصرف نحو الجميع { لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم} (2كو 1 : 12). كما ان أمانتنا تجاه الله تكون باخلاصنا له فى صلواتنا واصوامنا وكل نواحى عبادتنا ، لا تتسرب محبة غريبة لقلوبنا ولا شهوة خاطئة تهزمنا ولا نتساهل فى تنفيذ وصايا الله من جهة حفظ وصاياه ونلتزم بالامانة من جهة يوم الرب والعشور والنذور ولا نبرر الاخطاء ونلتمس الاعزار لانفسنا . الأمانة فى حياة وتعاليم السيد المسيح .. + الله هو الامين والصادق.. { الرب صخر الدهور} (اش 26 : 4) يشير هذا التشبيه إلى أمانته التي لا تتزعزع، وصدق كلماته وصلابة مواعيده. تبقى كلمات إلى الأبد (اش: 8)، وهو يفي بمواعيده (طو14: 4). لا يكذب الله ولا يندم (عد 23: 19). وينفّذ مقصده (اشعيا 25: 1) كلمته ثابته الى الابد، فلا ترجع إلا بعد أن تنجح فما أرسلها له { ليترك الشرير طريقه ورجل الاثم افكاره وليتب الى الرب فيرحمه والى الهنا لانه يكثر الغفران. لان افكاري ليست افكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب.لانه كما علت السماوات عن الارض هكذا علت طرقي عن طرقكم وافكاري عن افكاركم.لانه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان الى هناك بل يرويان الارض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعا للزارع و خبزا للاكل. هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع الي فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما ارسلتها له} اش 7:55-11 . الله لا يتغّير (ملا 3: 6). ولذا فهو يريد أن يتّحد بالنفس البشرية بوثاق الأمانة الكاملة { واخطبك لنفسي الى الابد واخطبك لنفسي بالعدل و الحق والاحسان والمراحم. اخطبك لنفسي بالامانة فتعرفين الرب} (هو 2: 19-20). يجب ان نتضرّع إلى الله الأمين، حتّى نحصل من لدنه على الأمانة (1 مل 8: 56- 58) فنقابل أمانة الله بالامانة معه. الله يردّنا إليه ويقودنا للتوبة من الخيانة ويمنحنا السعادة بأن ينبت من الأرض الأمانة كثمرة لها (مز 85: 5 و 11- 13). الله كما هو كاملٌ في ذاته هو كاملٌ في كل صفاته. وأمانة الله واحدةٌ من أبرز صفاته التي يتوهج كمالها عند المقارنة مع تعثُّر الإنسان في بلوغ الأمانة إلاَّ استناداً إلى عمل نعمته الله فينا وقيادته لنفوسنا فهو {القدوس الأمين}هو 11: 12.وأمانة الله تعني استقامته الكاملة (مز 9: 8)، وصدقه المطلق (رو 3: 4)، والتزامه وثبات وعوده إلى النهاية (2بط 3: 9)، مع دوام محبته (إر 31: 3)، وعدم تراجعه عن كلمته (تك 18: 14)، وحُكْمه بالحق والعدل (مز 9: 8) انه إله أمانة لا جور فيه (تث 32: 4). راينا امانة الله مع الاباء .. قديما فى وعوده وعهوده مع آبونا ادم وامنا حواء بان نسل المرأة يسحق راس الحية الامر الذى نفذه الله فى ملء الزمان . وراينا وعد الله مع ابو الاباء ابراهيم بانه بنسله تتبارك جميع امم الارض وهذا ما يشهد عنه إبراهيم الذي وعده الله بابن في شيخوخته، وقد تأنى الله عليه حتى ظن أن الله قد نسيه ونسي وعده، فقرر أن يساعد الله في تحقيق وعده فتزوج من هاجر. لقد انتظر الله حتى فقد إبراهيم كل رجاء وفقدت سارة كل قدرة على إنشاء نسل فأصبحت المعجزة مؤكدة ولاتحتمل الشك أو التفسير الخاطئ. وفى فترة الانتظار كان الله يؤكد لإبراهيم حفظه لوعده وعهده وأمانته. أيضاً وعد الله أن يأتي المسيح الى عالمنا لكي يخلص الإنسان، وبعد آلاف السنين تحقق الوعد. كما وعد الله أن يسكب من روحه على كل بشر في نبؤة يوئيل النبي وهذا ماحدث مع الرسل في يوم الخمسين. فالله أمين ينفذ ويحقق ما قد تكلم عنه ووعد به. كان الله امينا مع موسى النبى وقاده ليقود الشعب ويخلص الشعب من العبودية، وراينا امانة الله مع داود النبى الذى مسحه صموئيل بامر الرب ملكا وبقى سنين كثيرة لكن تمم الله معه وعوده. وهكذا راينا امانته الله مع ابائنا انطونيوس واثناسيوس ومقاريوس وباخوميوس وكيرلس الكبير وفى كل جيل يبقى الله امينا {ان كنا غير امناء فهو يبقى امينا لن يقدر ان ينكر نفسه (2تي 2 : 13). +هو الطريق والحق والحياة فهو الطريق الى السماء والحق الذى يقودنا الى الحياة الابدية { قال لهم يسوع انا هو الطريق والحق والحياة ليس احد ياتي الى الاب الا بي} (يو 14 : 6). { الحق الحق اقول لكم ان من يسمع كلامي ويؤمن بالذي ارسلني فله حياة ابدية ولا ياتي الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة} (يو 5 : 24) جاء السيد المسيح متمماً مضمون الكتاب المقدس وعمل أبيه الصالح {وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث. وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم} لو 44:24-47. فى السيد المسيح تحققت جميع مواعيد الله { لان مهما كانت مواعيد الله فهو فيه النعم وفيه الامين لمجد الله بواسطتنا. ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح و قد مسحنا هو الله. الذي ختمنا ايضا واعطى عربون الروح في قلوبنا}.(2 كو: 19-21). وبه يحصل المختارون على الخلاص والمجد { ثم رايت السماء مفتوحة واذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى امينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار وعلى راسه تيجان كثيرة وله اسم مكتوب ليس احد يعرفه الا هو. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله} رؤ 11:19-13. بالايمان بالمسيح صرنا مدعوّين من الآب للدخول معه في الشركةْ. وبه يثبت المؤمنون ويصيرون أمناء تجاه دعوتهم إلى النهاية (1 كو 1: 8-9). ففي المسيح إذاً ، تظهر أمانة الله فى كمالها (1 تس 5: 23- 24) ويتأيد المؤمن (2 تس 3: 3- 5): فلا رجعة في هباتْ الله (رو 1: 29). ولا بدّ من الاقتداء بأمانة المسيح بثباتنا حتّى الموت، والاعتماد على أمانته، لنحيا ونملك معه (2 تيم 2: 11- 12). انّه هو هو بالأمس واليوم والى الأبد (عبر 13: 8). هو الحبر الرحيم الأمين (عبر 2: 17) الذي يمكننا من التقدّم بثقة إلى عرش النعمة (عبر 4: 14- 16. فكل الذين باعتمادهم على أمانة الوعد الإلهي. يحتفظون بإيمان ورجاء، لا يتزعزعان (عبر 10: 23). + أمانة الله في خلاصنا.. التجسد الإلهي هو قمة الأمانة لأجل خلاص جنس البشر واعلان عن المحبة الالهية التى تنبأ عنها الانبياء قديما { ولكن يعطيكم السيد نفسه اية ها العذراء تحبل و تلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل} أش 14:7. { فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع ايضا. الذي اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله. لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس.واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب}(في 2:5- 8)، وقبوله بكل تبعات الخلاص بحمل خطايانا وهو البار والقدوس . احتمل من أجل الأَثَمَة ، التعيير والإهانة والآلام بأنواعها، وخيانة الأصدقاء المحبوبين، وفي النهاية مضى صامتاً كشاةٍ تُساق إلى الذبح (إش 53: 7). فهو من أجل أمانته الكثيرة حقَّق خلاصنا {رئيس كهنة أميناً في ما لله ، حتى يُكفِّر خطايا الشعب} (عب 2: 17). { من ثم ايها الاخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع} (عب 3 : 1). كما انه امين في وعوده وصدق كلمته هي ضمان خلاصنا ونوالنا الحياة الأبدية (يو 3: 16). هو أمين فى رفقته ووجوده معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر (مت 28: 20)، واستجابته لطلباتنا (مت 7: 8،7)، وسد كل أعوازنا (مز 23: 1)، وأيضاً سلامنا وراحة قلبنا . فنعلم يقينا اننا فى ايدي امينة وان التجارب والضيقات تذيدنا قوة وصلابه وبها نتنقى ونؤهل للملكوت السمائى ونحصل على اكاليل النصرة والغلبة . + أمانة الله في غفرانه... لقد جاء السيد المسيح يدعونا للتوبة لمغفرة الخطايا {ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل (مر1 : 15) .لقد جاء السيد المسيح ليطلب ويخلص ما قد هلك. وحتى لمن نظن انهم هالكين فيه رجاء { فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك } لو 19: 9-10. ورغم كراهية الله للخطية فإنه اظهر كل رحمة وقبول وإشفاق على مَن تعامل معهم من الخطاة مهما كانت خطيتهم. فهو لم يتحفَّظ من لقاء المرأة الخاطئة المعروفة في المدينة، بل امتدح محبتها الكثيرة مقابل ضيافة الفرِّيسي الفقيرة له، وأعلن غفرانه خطاياها الكثيرة وأن تمضي بسلام .لو 7: 31-50. وقف إلى جانب المرأة التي أُمسِكَت في زنا، وواجه مَن أدانوها بخطيتهم وأجبرهم على الانسحاب بعد أن ألقوا بحجارتهم وقد سقطت حجتهم، وفي انكسارها وجدت المرأة أمامها مَن ينهضها من ظلمة حياتها، ويردُّ إليها كرامتها وبراءتها الأولى قائلاً لها{ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تُخطئي أيضا } يو 8: 1-11.فأيُّ فرحٍ صار للعالم ولكل الخطاة من دوام أمانة الله وبقائه عند وعده في الغفران للخطاة مهما عظمت خطاياهم، ومهما تأخرت توبتهم حتى ساعة موتهم،هكذا فعل مع الصليب اليمين الذى صرخ قائلا : اذكرينى يارب متى جئت فى ملكوتك فقال له المخلص الصالح اليوم تكون معى فى الفردوس. انه يُنادينا اليوم وغداً {ليترك الشرير طريقه، ورجل الإثم أفكاره، وليتُب إلى الرب، فيرحمه؛ وإلى إلهنا، لأنه يُكثر الغفران}إش 55: 7. موقف الله منَّا هو موقف الأب في مَثَل الابن الضال الذي ظل ينتظر عودة ابنه وإذ لم يزل بعيداً رآه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبَّله . لو 15: 20 . فبتوبة الخاطئ وعدم رجوعه للخطية ينتهي اللوم والمؤاخذة والعقاب، ويصير فرح فى السماء . أمانة الله هي رجاؤنا وقت التجارب مهما اشتدَّت فلا نضطرب بل نثق انه معنا كل الايام والى أنقضاء الدهر { وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوع} (في 4 : 7).ولنثق ان مسيحنا القدوس خرج غالباً ولكى يغلب بنا وفينا من اجل خلاصنا ونثق فى صدق وعوده { وهذا هو الوعد الذي وعدنا هو به الحياة الابدية} (1يو 2 : 25). مجالات الأمانة .... + امانتنا تجاه الله ... يطالب الله شعبه بالأمانة للعهد معه وعلينا أن نحفظ الامانة مع الله فالعديم الأمانة تجاه الله، هو أيضاً غير أمين نحو الناس ولا يمكن لاحد الاعتماد عليه وتكفي تسمية (المؤمنين) للدلالة على الايمان بالله والثقة فيه وفى صفاته ووعوده والسير ورائه الله يدعونا للايمان به والثبات فيه {فقال يسوع لليهود الذين امنوا به انكم ان ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي} (يو 8 : 31) {ما دام لكم النور امنوا بالنور لتصيروا ابناء النور }(يو12:36). وتتضمن هذه التسمية بلا شكّ فضيلتي الإخلاص والصدق اللتين لابدّ للمسيحيين من أن يحرصوا على ممارستهما (في 4: 8)، كما أنها تعبّر أيضاً عن هذه الأمانة المسيحية التي يوليها السيد المسيح مكاناً مرموقاً بين الوصايا التي يجب مراعاتها (مت 23: 23). وهي تميز من يقودهم الروح (غلا5: 22)، ولا سيما الكهنة والخدام الذين هم وكلاء أسرار الله (لو 12: 42). وتظهر هذه الأمانة في تفاصيل الحياة ( لو 16: 10- 12)، وتهيمن هكذا على الحياة الاجتماعية بأسرها. + ان الدافع وراء الامانة هو المحبّة لله والقريب والنفس، فهل نحن ننمو فى محبتنا لله؟ وهل نحن أمناء فيها ونعطيه الاهمية الاولى فى الوقت وفى الصلاة وفى الخدمة ؟ ونحب اخوتنا وانفسنا محبة روحية تبنيهم وتسعى لخلاصهم وتظهر لهم حنان وشفقة وحب الله ؟. فلنحاسب انفسنا على ضوء صفات المحبة كما ذكرها الكتاب المقدس{ المحبة تتانى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق.وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابدا} 1كو 4:13-8 + نحن نحتاج الى الثبات فى المسيح بصبر حتى النفس الاخير فى زمن الضيق والحرب الروحية التى توجه ضد الكنيسة وابنائها ونكون امناء نشجع بعضنا بعضا ونقوى صغار النفوس {ان ثبتم في و ثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي.كما احبني الاب كذلك احببتكم انا اثبتوا في محبتي.ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي و اثبت في محبته} يو 7:15-10. ويوكد القديس يوحنا الإنجيلى بأمانة هذا التعليم إلى ابنائه الروحيين ويدعوهم إلى أن {يسلكوا سبل الحق} أي وفقاً لوصية المحبّة المتبادلة فالمحبة هى تتأكد بحفظ وصايا الله . هنا يظهر صبر القديسين { هنا صبر القديسين وايمانهم} (رؤ 13 : 10) .{هنا صبر القديسين هنا الذين يحفظون وصايا الله وايمان يسوع }(رؤ 14 : 12) + لقد حدَّثنا السيد المسيح عن ضرورة الأمانة في الأشواق في انتظار العريس. في مَثَل العشر العذارى (مت 25: 1 - 13). تنتظر النفس البشرية مجئ الرب او انطلاقها اليه بشوق ومحبة . ان كنا نلقبه بالسيد فعلينا ان ننتظره بأمانة واجتهاد العبيد الأمناء الحكماء. وفى مثل الوزنات (مت 14:25-30 ). راينا الله يحدثنا عن ضرورة الأمانة فى الخدمة بالوزنات المعطاة لنا من الله سواء طبيعية او ما نكتسبها بالجهاد والنعمة فيجب ان نتاجر ونربح لحساب الملكوت . وفي مَثَل الأمناء ( لو 19: 12 - 27).حدَّثنا عن ضرورة الأمانة للرب في العيشة والسلوك كما يحق لإنجيل المسيح. {فقط عيشوا كمايحق لانجيل المسيح حتى اذا جئت ورايتكم او كنت غائبا اسمع اموركم انكم تثبتون في روح واحد مجاهدين معا بنفس واحدة لايمان الانجيل }(في 1 : 27). وهذا نفس ما طلبه الرب قديما من الشعب بالانبياء { فالان يا اسرائيل ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك. وتحفظ وصايا الرب وفرائضه التي انا اوصيك بها اليوم لخيرك} تث 12:10-13. أمانتنا مع النفس ... لابد ان نكون صادقين مع انفسنا { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه} (مت 16 : 26).وهذا سينعكس بالايجاب على علاقتنا بالله والناس . لابد ان نجلس مع نفوسنا ونحاسبها ونعتبها ونقومها لما فيه خيرنا وابديتنا ونمو روحياتنا وصدق محبتنا الطاهرة المقدسة { بل صادقين في المحبة ننمو في كل شيء الى ذاك الذي هو الراس المسيح} (اف 4 : 15). ان الابن الضال لم يعرف مدى تعاسته ويقرر الرجوع الى ابيه الا "عندما رجع الى نفسه". وانت لابد ان تحدد اهدافك وماذا تريد ان تكون وثق ان الله يعطيك النجاح والقوة عندما تقوم لتبنى { فاجبتهم و قلت لهم ان اله السماء يعطينا النجاح و نحن عبيده نقوم و نبني }(نح 2 : 20) لابد ان نمارس توبة حقيقة وسريعة وشاملة ومثمرة. وناخذ من الله الوعود بان يعطينا الغلبة بالصلاة والصوم ونحيا فى أمانة فى جهادنا الروحى والله وعندما يرى امانتنا فى الجهاد سيهبنا ثمار ومواهب الروح القدس لناتى بثمر ويدوم ثمرنا. الامانة فى القليل : "كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (مت 25: 21، 23). لذلك فان الفضائل عبارة عن سلم عالي، وكل الذي يجب أن تعمله أن تخطو الخطوة الأولى وتتقدم . إن كنت أمين في الخطوة الأولى، يقيمك الله على الخطوة الثانية. ثم الثالثة... إلخ. إلى أن تصل إلى القمة.كن أميناً في حدود إمكانياتك يقيمك الله على إمكانيات أكثر ويعطيك عطايا أكثر حتى تستطيع أن تعمل بها. نحن لا نستخدم من امكانياتنا وطاقاتنا الا القليل وطاقات كثيرة تتعطل وتموت بعدم الامانة فى تنميتها، اما امانتنا فتجعلنا نستثمر افكارنا وعواطفنا واعمالنا ومواهبنا من أجل بناء النفس والغير وملكوت الله . لابد ان نحدد اولوياتنا فى المرحلة القادمة وكما تضع الدولة الخطط العشرية والخمسية والسنوية لابد ان نضع خطة ونلتزم بالعمل الروحي فى مرونة يقودها روح الله القدوس .فى العشرة بالله والتأمل فى محبته والصلوات الليتروجية او الصلاة بالاجبية او الصلوات الدائمة او القراءات الروحية والصداقة مع الله . الامانة على الوزنات المعطاة لنا لنتاجر ونربح بها للملكوت . يقتضى منا استثمار الوقت وعدم أضاعته { مفتدين الوقت لان الايام شريرة} (اف 5 : 16). ولان الوقت مقصر وعلينا ان نتاجر فيه ونربح علينا تحديد اولويتنا فى الحياة العملية والعلمية وفى مجال العلاقات . اننا نعطى معظم الوقت لحل المشكلات الطارئة والازمات ولكن علينا ان نعطى الاهتمام اللازم لتقوية العلاقات القائمة مع الغير وتنمية علاقات جديدة والتخطيط لفتح أفاق جديدة للعمل والابتكار فى حياتنا. كما يقول قداسة البابا شنودة الثالث (ان حياتنا اوقات من يضيع اوقاته يضيع حياته) فلا تضيعوا حياتكم { هذا وانكم عارفون الوقت انها الان ساعة لنستيقظ من النوم فان خلاصنا الان اقرب مما كان حين امنا} (رو 13 : 11). يجب ان نكون أمناء على اموالنا وكيف ننفقها فى حكمة بين متطلبات الحياة المتذايده وخدمة اسرتنا والمحتاجين فلابد ان نكون امناء على عشورنا وبكورنا ونذورنا ولابد ان نتاجر بكل ما لنا من وقت ومال وجهد وعواطف صادقة لنبنى أنفسنا والذين معنا ايضا. أمانتنا نحو الناس ... أمانتك نحو بيتك... امانتك تبدأ باهل ببيتك واهتمامنا بروحياتهم وأن يكونوا مقدسين فى الرب وان نعطيهم الوقت المشبع، ان بيتونا يجب ان تكون بيوت صلاة وطهارة وبركة نلتقى فيها حول كلمة المسيح المشبعة ونتحدث فيها مع بعضنا بالاحترام والمحبة فى زمن يعانى فيه الكثيرين من التفرغ فقط لتأمين للقمة العيش ومتطلبات الحياة ويكتشفوا ان البيت يتعثر ويفشل افراده لعدم الاهتمام الروحى والنفسى والاجتماعى والعزلة التى يعانيها افراد الاسرة وحروب الشياطين من داخل ومن خارج متذكرين وصية الله "وَلْتَكُنْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ، وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ،وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ". تث 6:6-7 الاسرة المسيحية تحتاج ان تبنى على صخرة الايمان والمحبة والتفاهم والحوار البناء والتشجيع المخلص { واما انا وبيتي فنعبد الرب} (يش 24 : 15). نلتقى معا للصلاة وقراءة كلمة الله وتفسيرها ونذهب معا للكنيسة ونشارك معا بروح الوحدة الاسرية حسب قدرتنا فى تقوية علاقتنا باهلنا واصدقائنا مع الاحتفاظ باسرار بيوتنا لانفسنا وعدم القبول بتطفل الاخرين وتدخلهم فى خصوصياتنا .واى مكان نزوره لابد ان ندخل المسيح فيه .ولا تترك ثقوباً في سفينة بيوتنا تغرقها وتسبب الفشل، لا ننام الإ ونحن متصالحين ومتحابين ولا ندع المشاكل تتفاقم في بيوتنا حتى نستطيع ان نحيا وتسير السفينة وتصل بمن فيها الى بر الامان. الاقرباء والجيران والمجتمع .. ثم من الاسرة ننطلق الى الاقرباء والجيران ومجتمع الدراسة او العمل . الامانة تقتضى منا ان نكون مخلصين واوفياء وامناء فى مجتمعنا ورغم ما يعانية الانسان الامين من صراعات وضغوط الحياة ومؤامرات الاشرار لكن الذى من الله يثبت والمؤمن كنور لابد ان ينتشر ويهزم الظلام والملح يعطي طعاما جيدا للطعام كما المؤمن ضرورة لمجتمعه {انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس.انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 13:5-16 . المؤمن الامين ضرورة وقدوة وسلوكة وصداقاته تنمو وتمتد فهو رائحة المسيح الذكية وفى كل حين يقول مع القديس بولس الرسول { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان.لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون.لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور. لاننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله لكن كما من اخلاص بل كما من الله نتكلم امام الله في المسيح} 2كو14:2-17. امانتنا نحو الغير تظهر فى قدوتنا الحسنة فى التعامل بالاحترام والمحبة مع الجميع مسيحيين وغير مسيحيين . نحترم الجميع ونقبلهم ونتعاون معهم فى حكمة روحية ونبتعد عن المجادلات الغبية التى تولد خصومات { اما الشهوات الشبابية فاهرب منها واتبع البر والايمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي. والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالما انها تولد خصومات. وعبد الرب لا يجب ان يخاصم بل يكون مترفقا بالجميع صالحا للتعليم صبورا على المشقات} 2تيم 22:2-24.وعلينا ان نقابل الاساءة بالاحسان كما امرنا الكتاب وان نتصرف بحكمة ولياقة وفى جو من الاحترام والقبول والتعاون مع الجميع { لاتجازوا احدا عن شر بشر معتنين بامور حسنة قدام جميع الناس} (رو 12 : 17). {معتنين بامور حسنة ليس قدام الرب فقط بل قدام الناس ايضا} (2كو 8 : 21). اننا اذا طبقنا عين بعين وسن بسن لاصبح العالم كله عميان وبلا اسنان فمبارك هو الذى قال { لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير } رو 21:12. لذلك فهناك مبادئ للتعامل مع الزميل والصديق وشركاء الوطن، بحيث نعرف كيف نتعامل بالمحبة والتعاون والمشاركة مع كل فئة، مع تمسكنا بايماننا واخلاقنا الفاضلة وباختيار حسن للاصدقاء لنساعد بعضنا بعض فى طريق الخلاص ونبنى نفوسنا ونفوس الاخرين ولا نكون عثرة لاحد . وفى التعامل مع الميديا والنت والدش نحتاج أن نلتزم بمبادئ مسيحية فى التعامل مع الميديا وبالذات الإنترنت، حيث يضع لنا الكتاب حدود فى التعامل ( ليس كل الاشياء تبنى او توافق ولا يتسلط علينا شئ). لهذا فالإنسان المسيحى يلتزم بأن يختار ما يناسبه ويرفض ما لا يتماشى من اخلاقه وروحياته بحسب المبادئ السابقة، البرامج والكتب والمشاهد والافلام والموقع والشات التى تكون بطريقة تبنى حياتنا دون أن ندمن هذه الوسائل، أو نجعلها تنحرف بنا عن طريق القداسة . نحرص على ان نندمج فى الحياة الكنسية والأنشطة البناءة حتى ننشغل بما يبنيا ونرفض ما يهدمنا، عملاً بقول الإنجيل {امْتَحِنُوا كُلَّ شَىْءٍ، تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ} (1تس 21:5). رسالتك فى الحياة .. للقديس يوحنا ذهبى الفم تاجروا في الوزنات.. لقد وُبخ الله الرجل الذي دفن الوزنة، إذ لم يجاهد لأجل تغيير إنسان شرير. وبهذا صار هو شريرًا، لأنه لم يضاعف ما قد عهد إليه به، لهذا استوجب العقاب. فلا يكفي لخلاصنا أن نكون غيورين مشتاقين إلى سماع الكتب المقدسة، إنما يلزمنا مضاعفة الوديعة. فمع اهتمامنا بخلاصنا الخاص بنا نتعهد أيضًا بما هو لخير الآخرين. لقد قال الرجل المذكور في المثل "هوذا الذي لك" (مت 25: 25)، لكن هذا الدفاع لم يقبل، إذ قيل له "فكان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة". أرجوكم أن تلاحظوا كيف أن وصايا السيد سهلة، فالبشر يسألون المقرضين إيفاء الدين (ولا يبالون بشخص المقترض).. لكن الله لا يفعل هذا، إنما يأمرنا أن نأخذ الوديعة ولا يحاسبنا عليها بقصد استردادها. إنما يستجوبنا بخصوصها دون أن يطلبها منا. أي شيءٍ أسهل من هذا؟! ومع ذلك يلقب العبد، سيده الوديع الرحيم قاسيًا. لأن هذه هي عادة الإنسان الجاحد الكسلان يخفي خجله من أخطائه بنسبها إلى سيده. لهذا ألقى خارجًا في قيود الظلمة الخارجية فلكي لا نسقط تحت العقاب، يلزمنا أن نودع تعاليمنا لدى إخوتنا، سواء كانوا يقبلونها أو يرفضونها. فإنهم إن قبلوها ينتفعون ونحن نربح معهم. وإن رفضوها يسقطون تحت العقاب غير المحتمل دون أن يصيبنا نحن أي ضرر. إذ نكون قد صنعنا ما يجب علينا من جهة تقديم النصيحة. لكنني أخشى أن يبقوا على حالهم بسبب تراخيكم وإهمالكم. لا تيأسوا من خلاص أحد ... إن مداومة النصيحة والتعليم تجعل الإنسان مجتهدًا وتصيره إلى حال أفضل، وفي هذا أقتبس المثل العام الذي يؤكد هذه الحقيقة، وهو أن "قطرات الماء المتواترة تشقق الصخر". أي شيء ألين من الماء؟! وأي شيءٍ أصلب من الصخر؟! ومع هذا موالاة العمل باستمرار يغلب الطبيعة. فإن كان هذا بالنسبة للطبيعة، أفليس بالأولى تغلب الطبيعة البشرية؟!... أنتم نور العالم.. لديكم إمكانية عظمي بخصوص إخوتكم. فإنكم مسئولون إن كنتم لا تنصحوهم، وتصدون عنهم الشر، وتجذبونهم إلى هنا بقوة، وتسحبونهم من تراخيهم الشديد. لأنه ماذا يليق بالإنسان أن يكون نافعًا لنفسه وحده، بل ولكثيرين أيضًا. ولقد أوضح السيد المسيح ذلك عندما دعانا "ملحًا" (مت 5: 13)، و"خميرة" (مت 13: 33)، و "نورًا" (مت 5: 14)، لأن هذه الأشياء مفيدة للغير ونافعة لهم. فالمصباح لا يضيء لذاته، بل للجالسين في الظلمة. وأنت مصباح، لا لتتمتع بالنور وحدك، إنما لترد إنسانًا ضل، لأنه أي نفع لمسيحي لا يفيد غيره؟! ولا يرد أحدًا إلي الفضيلة؟! مرة أخرى، الملح لا يُصلح نفسه، بل يصلح اللحم لئلا يفسد ويهلك... هكذا جعلك الله ملحًا روحيًا، لتربط الأعضاء الفاسدة أي الإخوة المتكاسلين المتراخين، وتشددهم وتنقذهم من الكسل كما من الفساد، وتربطهم مع بقية جسد الكنيسة. وهذا هو السبب الذي لأجله دعانا الرب "خميرًا"، لأن الخميرة أيضًا لا تخمر ذاتها، لكن بالرغم من صغرها فإنها تخمر العجين كله مهما بلغ حجمه. هكذا افعلوا أنتم أيضًا. فإنكم وإن كنتم قليلين من جهة العدد، لكن كونوا كثيرين وأقوياء في الإيمان والغيرة نحو الله. وكما أن الخميرة ليست ضعيفة بالنسبة لصغرها، إذ لها قوة وإمكانية من جهة طبيعتها... هكذا يمكنكم إن أردتم أن تجتذبوا أعدادًا أكثر منكم ويكون لهم نفس المستوى من جهة الغيرة. ادعوا الجميع إن ملاحظاتي هذه ليست موجهة بالأكثر إليكم يا من تتقدمون بهم، وتقيمونهم من كسلهم، وتأتون بهم إلى مائدة الخلاص هذه. حقًا إن العبيد عندما يقومون ببعض الخدم العامة يستدعون زملاءهم العبيد، أما أنتم فعندما تذهبون لتجتمعوا في الخدمة الروحية تحرمون زملاءكم من بركاتها بسبب إهمالكم.تقولون " وماذا نعمل إن كانوا لا يرغبون في المجيء؟" اجعلوهم يرغبون بلجاجتكم الدائمة، فمتى رأوكم مصرون على هذا يرغبون هم أيضًا. إنها مجرد أعذار تقدمونها. فكم من آباء يجلسون ههنا ولا يرافقهم أولادهم؟ هل من الصعب أيضًا أن تأتوا ببعض من أولادكم؟! ليشجع كل واحد غيره، ويحثه على الحضور. فالأب يشجع ابنه، والابن أباه، والأزواج زوجاتهم، والزوجات أزواجهن، والسيد عبده، والصديق صديقه، وبالحري ليس فقط أصدقاءه بل وأعداءه أيضًا. داعيًا إياهم لينلهوا من الكنز المقدم لخير الجميع. فإن رأى العدو اهتمامك بما هو لخيره فسينزع عنه بغضته لك . اجذبوهم بالعمل لا بالكلام السماع لا يفيد شيئًا ما لم يصحبه التنفيذ، بل يجعل دينونتنا أشد. أسمع ما يقوله السيد المسيح "لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية. وأما الأن فليس لهم عذر في خطيتهم" (يو 15: 22) ويقول الرسول "لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله" (رو 12: 13). هذا قيل من أجل السامعين، ولكن أراد الرب أن يعلم المعلمين أنهم لا ينتفعون من تعليمهم شيئًا ما لم تنطبق تعاليمهم مع سلوكهم، وكلماتهم مع حياتهم... إذ يقول النبي "وللشرير قال الله مالك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي على فمك وأنت قد أبغضت التعليم" (مز 49: 16-17) ويقول الرسول "وتثق إنك قائد للعميان ونور للذين في الظلمة ومهذب للأغبياء ومعلم للأطفال ولك صورة العلم والحق في الناموس. فأنت إذًا الذي تعلم غيرك ألست تعلم نفسك؟!" (رو 2: 19-21)...لهذا ليت شغفنا لا يكون متزايدًا إلى مجرد الاستماع، فإنه بالحق حسن جدًا أن نقضي وقتنا دائمًا في الاستماع للتعالم الإلهية، لكنها لا تفيدنا شيئًا إن لم ترتبط بالرغبة في الانتفاع منها. من أجل هذا لا تجتمعوا هنا باطلاً. بل لا أكف عن أن أتوسل إليكم بكل غيرة كما كنت أفعل من قبل قائلاً: "تعالوا بإخوتكم إلى هنا. أرشدوا إلى هنا. أرشدوا الضالين. علموهم بالعمل لا بالكلام فقط".هذا هو التعليم ذو السلطان، الذي يأتي خلال سلوكنا وأعمالنا. فإنك و إن كنت لا تنطق بكلمة، لكنك بعد ما تخرج من هنا تعلن للبشر الذين تخلفوا عن الربح الذي اقتنيته ههنا وذلك بواسطة طلعتك ونظراتك وصوتك وكل تصرفاتك. وهذا كافٍ لإرشاد والنصح. يلزمنا أن نخرج من هذا الموضع كما يليق بمكان مقدس، كأناس نازلين من السماء عينيها، وقورين وحكماء، ناطقين وصانعين كل شيءٍ بلياقة. اجذبوهم بالحب ... تذكروا ما يقال لكم، حتى عندما تخرجون ويلقى الشيطان يديه عليكم عن طريق الغضب أو المجد الباطل أو أي شهوة أخرى، فإنه بتذكركم ما تعلمتموه هنا تقدرون أن تفلتوا من قبضته الشريرة بسهولة.تطلعوا إلى مدربكم - بولس الطوباوي -الذي بعدما نال نصرات كثيرة، يجلس خارج الحدود – أي هذه الحياة الزمنية - ويصرخ إلينا برسائله. فإذ يرانا في غضبٍ أو مستائين مما يلحقنا من الأضرار يقول: "فإن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فأسقيه" (رو 12: 20).وصية جميلة خاصة بالحكمة الروحية، نافعة لمنفذها وللمستفيدين بها... لاحظوا كيف يحث المتألمين ظلمًا ويشجعهم للمصالحة مع من أساءوا إليهم "فإن قدمت قربانك على المذبح وهناك تذكرت إن لأخيك شيئًا عليك فأترك قربانك قدام المذبح وأذهب أولاً إصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك" (مت 5: 23-24) إنه لم يقل: "اجتمع معه وقدم قربانك" بل اصطلح وقدم قربانك. انظر أيضًا كيف يدفعكم مرة أخرى للذهاب إلى مضايقتكم، بقوله "فإنه إن غفرتم للناس زلاته يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي" (مت 5: 14)، مقدمًا مكافأة عظيمة ليست بهينة. تأملوا هذه الأمور جميعها، واحسبوا قدر المكافأة العظيمة، وتذكروا أن غسل الخطايا يتوقف على غفراننا للمسيئين إلينا. ليت إله السلام والمحبة، الذي ينزع عن أرواحنا كل حنق ومرارة وغضب، يتنازل ويهبنا - بارتباطنا مع بعضنا البعض في وحدة تامة كما ترتبط الأعضاء مع بعضها البعض (أف 4: 16) - أن نقدم له باتفاقٍ واحدٍ وفم واحدٍ وروح واحدٍ تسبيح شكرنا الواجبة له. لأن له المجد والقوة إلى أبد الأبد. آمين. القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
07 نوفمبر 2018

الشهوة: أنواعها وخطورتها

الشهوة هي أصل وبداية خطايا كثيرة فالزنى يبدأ أولًا بشهوة الجسد والسرقة تبدأ بشهوة الاقتناء أو شهوة المال والكذب يبدأ بشهوة في تبرير الذات أو في تدبير شيء ما والقتل يبدأ بشهوة الانتقام أو بشهوة أخرى تدفع إليه فإن حارب إنسان شهواته الخاطئة وانتصر عليها، يكون قد انتصر على خطايا عديدةهنا وتحضرني عبارة عميقة في معناها، قالها مرة الأستاذ مكرم عبيد، وهى: افرحوا لا لشهوة نلتموها، بل لشهوة أذللتموها من أكثر العيوب أن يقال عن شخص ما إنه "شهواني" أي أنه يقاد بواسطة شهواته، وليس بضميره أو عقله والشهوة إن بدأت، لا تستريح حتى تكمل. وما دام الأمر هكذا، فالهروب منها أفضل. فلماذا تدخل معها في صراع أو في نقاش؟! إنك كلما أعطيتها مكانًا في ذهنك، أو تهاونت معها واتصلت بها، حينئذ تقوى عليك، وتتحول من مرحلة الاتصال، إلى الانفعال، إلى الاشتعال، إلى الاكتمال. وتجد نفسك قد سقطت فتتدرج من التفكير فيها إلى التعلق بها، إلى الانقياد لها، إلى التنفيذ، إلى التكرار، إلى الاستعباد لها. وقد يلجأ الشخص إلى طرق خاطئة لتحقيق شهواته: إلى الكذب أو الخداع أو الاحتيال وربما إلى أكثر من هذاوقد يظن البعض -إذا ما أرهقته أفكار شهوة ما- إنه إذا ما أكملها بالفعل، سيستريح من أفكارها الضاغطة!! كلا، فهذا خداع للنفس فإن الشهوة لا يمكن أن تشبع... وكلما يمارس الإنسان الشهوة، يجد فيها لذة. واللذة تدعوه إلى إعادة الممارسة. والقصة لا تنتهي إن إشباع الشهوة لا ينقذ الإنسان منها، بل يزيدها إنسان مثلًا يشتهى المال. وكلما يجمع مالًا يشتاق إلى مال أكثر. وموظف طموح يشتهى الترقي. فكلما يصل إلى درجة يشتهى درجة أعلى. ويعيش طول عمره في جحيم الشهوات التي لا تنتهي، ولا يشبعه شيء وصدق سليمان الحكيم حينما قال: "العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع. كل الأنهار تجرى إلى البحر، والبحر ليس بملآن"فلا تظن إذن أن الإشباع ينقذك من الشهوة. لأنه لا ينقذك منها سوى ضبط النفس، والهروب. سواء الشهوة التي تأتيك من الحواس أو من الفكر والقلب، أو التي تأتيك من الغيروقد يعالج الإنسان شهوة رديئة، بأن يجعل شهوة مقدسة تحل محلها. فالجسد يشتهى ضد الروح، والروح تشتهى ضد الجسد. الجسد قد يشتهى الخطية، والروح تشتهى حياة البر والفضيلة. فإن أشبعت الروح فيما تشتهيه، حينئذ تنجو من شهوات الجسد ما أجمل ما قاله أحد الروحيين عن التوبة، "إنها استبدال شهوة بشهوة". فبدلًا من شهوة الخطيئة، تحل محلها شهوة الفضيلة والقرب إلى الله. وأيضًا شهوة الكرامة والعظمة والعلو، يمكن أن تعالجها شهوة الاتضاع. وشهوة الضجيج تحل محلها محبة الهدوء. وهكذا دواليك من الأساطير التي تقال عن بوذا Buddha مؤسس الديانة البوذية إنه جلس في يوم ما تحت شجرة المعرفة. فعرف أن كل الناس يبحثون عن السعادة، وأن الذي يريد السعادة عليه أن يتخلص من الشقاء. ووجد أن للشقاء سبب واحد، وهو وجود رغبة أو شهوة لم تتحقق. وهكذا علّم الناس أن يبتعدوا عن الشهوات والرغبات لكي يعيشوا سعداء على أن تعليم بوذا هذا، غير ممكن عمليًا. لأنه من المستحيل أن يعيش إنسان بدون أية رغبة أو شهوة. إنما الحل المعقول أن تكون له رغبات وشهوات غير ضارة، أو هي تتفق من وصايا الله ذلك لأن هناك شهوات مؤذية ومدمرة. ولعل في أولها شهوة الشيطان في أن يدمر حياة البر مع جميع الأبرار وأعوانه يفعلون مثله إن الذي يدمن المخدرات، إنما بشهوة الإدمان يدمر نفسه، وقد يؤذى غيره أيضًا. والذي يقع في شهوة الخمر والمسكر، بلا شك يدمر معنوياته وكرامته. والذي تسيطر عليه شهوة الزنى، يدمر عفته وأخلاقياته، ويدمر أيضًا من يشاركه في الخطيئة أو من يكون فريسة له وشهوة الحقد أيضًا شهوة مدمرة، وكذلك شهوة الانتقام. وجميع الشهوات التي يقع فيها البشر، تدمرهم خلقيًا واجتماعيًا. وإن لم يحسوا هذا التدمير على الأرض، فإن شهواتهم ستدمر مصيرهم الأبدي إن الشيطان حينما يقدم للإنسان شهوة تشبعه، فإنه لا يفعل ذلك مجانًا أو بدون مقابل!! إنما في مقابل تلك الشهوة، يسلب روحياته منه، ويسلب إرادته، ويضيّع مستقبله في الأرض والسماء. لذلك علينا أن نهرب من شهواته ومن إغراءاته، واضعين في أذهاننا نتائجها وأضرارها والشهوات التي بها يضر الإنسان غيره، عليه أن يضع أمامه احترام حقوق الغير، وسمعته، وعفته. ويقول لنفسه: واجبي هو أن أنفع غيري. فإن لم أقدر على منفعته، فعلى الأقل لا أضره أما الشهوات التي يضر بها نفسه، فعليه أن يتمسك بكل القيم والمثاليات شاعرًا أن الخضوع لأية شهوة إنما هو ضعف لا يليق بمن يحترم شخصيته، ويرتفع بها عن مستوى الدنايا والشهوات الخاطئة ليس من نتائجها فقط أن يضر الإنسان نفسه، أو أن يضره غيره، إنما هي أيضًا تفصل الشخص عن الحياة مع الله، وتدفعه إلى كسر وصاياه. وهذا أمر خطير لذلك نصيحتي لك: اسلك ايجابيًا في حياة النزاهة والعفة. عالمًا أن الإيجابيات تنجيك من السلبيات. وأيضًا اعرف ما هي المصادر التي تجلب لك الشهوة بكافة أنواعها، وتجنبها... فهذا أصلح بكثير من تترك الباب مفتوحًا فتدخل منه الشهوة، ثم تقاومها. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 يوليو 2019

خدمة الذين ليس لهم أحد يذكرهم

في صلاة تحليل نصف الليل للآباء الكهنة طلبة عميقة جداً و مؤثرة في معناها و هي : " اذكر يا رب العاجزين و المنقطعين و الذين ليس لهم أحد يذكرهم " نعم ، هؤلاء الذين لم يجدوا أحداً يهتم بهم ، و لا حتي يذكرهم في صلاته هؤلاء الذين أهملهم الكل ، و ربما قد نسوهم أيضاً . لا شك ، أنه يوجد أشخاص لا يحس أحد بالآمهم ، و لا باحتياجاتهم ، و لا بضياعهم . كأنهم ليسوا أعضاء في جسد الكنيسة . و لعله تنطبق عليهم تلك الأبيات التي وردت في قصيدة " النجم " : أنا ملقي في ضلالي ليس من أسقف يرعي و لا من مفتقد فطريقي في ظلام دامس قد ضللت الله دهراً لم أجد ذلك الهادي الذي يهدي يدي يذكرنا بهذا النوع أيضاً مريض بيت حسدا الذي قضي في مرضه 38 سنة دون معونة من أحد . قال للسيد المسيح عن حالته " ليس لي إنسان يلقيني في البركة " ( يو 5: 7 ) . إنها خدمة جميلة أن نخدم تلك النفوس المسكينة المحتاجة ، التي لا تجد من يهتم بها و يفتقدها . 1- الأحياء غير المخدومة:- هناك أحياء توجد فيها كنائس تخدمها ، و يوجد فيها اَباء كهنة روحيون و نشطاء يقومون بإفتقاد كل بيت ، و كل أسرة و كل فرد زو يعرفون كيف يوفرون الخدمة اللازمة لكل أحد ، يحلون الإشكالات ، و يتلقون الإعترافات ،و يحيطون ابناءهم بجو روحي إنها أحياء مخدومة . و لكن ماذا نقول عن الأحياء و المدن و القري غير المخدومة ، التي لا تجد أحداً يذكرها ؟! و ماذا نقول عن الخدام الذين يفضلون أن يرسموا كهنة علي المدن الكبيرة و الأحياء المخدومة ، و يرفضون القرى و الأحياء المحتاجة إلي خدمة ؟! هل هذا هو أسلوب السيد المسيح ، الذي كان يترك التسعة و التسعين ، و بحث عن الواحد الضال المحتاج إلي خدمة ؟! نعم إنه الراعي الصالح ، الذي كان " يطوف المدن و القري كلها ، يعلم في مجامعها و يكرز ببشارة الملكوت ، و يشفي كل مرض و كل ضعف في الشعب " ( مت 9 : 35 ) نعم إنه المعلم الصالح الذي قال لتلاميذه : " لنذهب إلي القري المجاورة لأكرز هناك ، لأني لهذا خرجت " ( مر 1 : 28 ) . إن الذي يفضل بهرجة المدينة علي حاجة القرية ، إنما هو يفكر في ذاته ، بطريقة علمانية ،و لا يفكر في إحتياج الآخرين و خدمتهم ! و نفس هذا الكلام نقوله عن : 2- خدمة أولاد الشوارع:- اذكر أن هذا الأمر قد هز عاطفتي جداً في الأربعينات ، و أنا خادم و قلت في ذلك الوقت لزملائي : إننا نخدم الأطفال الذين في المدارس ، و الذين يلبسون ملابس نظيفة ، و ننسي خدمة الأولاد " الغلابة " . و أتذكر إنني وقتذاك جمعت لنفسي فصلاً جديداً لخدمته و كان فصلي هذا من أولاد الشوارع ، و من بائعي الليمون ، و ماسحي الأحذية ،و أطفال اَخرين يقفزون علي الشمال في الترام ، و أحياناً يقذفون الجمعية بالطوب . و اهتممت بهؤلاء الأولاد روحياً ، و كنت أحبهم جداًو شاءت الظروف أن أنتقل إلي خدمة في منطقة أخري و هي أحد الأيام و أنا سائر بالقرب من " حكر عزت " قفز أحد الصبيان الصغار من محل ماسح أحذية و جري نحوي يسلم علي في محبة و هو يقول " أنا تلميذك " اذكر هذه القصة فتنفعل مشاعري في داخلي . ما أحوج هؤلاء إلي الفتات الساقط من خدمتك بينما اَخرون متخمون بخدمات مركزة !! إن الذين يعيشون في الحواري و الأزقة و القري ، هم يحتاجون أكثر فالذي يسكن في الشارع الكبير قد يجد كثيرين يخدمونه ، أما الذي يسكن في " العطفة " ، , الدرب ، و الزقاق ، فربما يكون من الذين ليس لهم أحد يذكرهم لذلك ما أجمل ما فعله أخوتنا الذين كرسوا جهودهم لخدمة أحياء الزبالين ،و بعض الأحياء الشعبية الأخرى في القاهرة . و ما أجمل الذين يجمعون الأطفال الفقراء من الطرقات ، و أولاد الصناع و العمال و الكنائس و الذين لا عمل لهم و يوصلون إليهم كلمة الله التي يوصلوها إلي أولاد الأغنياء جميلة تلك العبارة التي وردت في الدسقولية عن الراعي أنه يجب أن " يهتم بكل أحد ليخلصه " لذلك سررت لما قال لي أحد الآباء الكهنة إنه سيقيم قداساً كل يوم إثنين فسألته لماذا ؟ فقال " من أجل الحلاقين و أصحاب وظائف أخري عطلتهم هي في هذا اليوم . و آخرون من أصحاب النوبتجيات لا يجدون فراغاً إلا في يوم معين . و من المفروض في الكنيسة أن توفر الرعاية لكل أحد و من بين هؤلاء ، نذكر : خدمة الشباب النحرف:- إننا – للأسف الشديد – نهتم فقط بالشباب الذي يأتي إلينا في الكنيسة في إجتماعات الشبان ، أو مدارس التربية الكنسية ، أو في الأنشطة و الخدمات و نكتفي بهذا . و يندر أن تكون لنا خدمة وسط الشباب الذي يتسكع في الطرقات ، أو يضيع وقته في الملاهي و في المقاهي و الذي يدل شكله ولبسه و حديثه علي أنه بعيد تماماً عن الكنيسة . أمثال هذا الشباب ، هو من النوع الذي ليس له أحد يذكره ، بل بالأكثر قد يوجد متدينون يحتقرونه و يرفضون حتى الحديث معه كيف يخلص هؤلاء إذن ؟ أليسوا هم أيضاً محتاجين إلي رعاية ؟! إن الأسقف حينما يرسم علي إيبارشية ، إنما يرسم عليها كلها ، و ليس سيامته من أجل الصالحين فيها فقط ، المترددين علي الكنيسة ن إنما من أجل الكل . عمله أن يطلب و يخلص ما قد هلك 0 لو 19 : 10 ) كما فعل سيده و تحت عنوان ط ما قد هلك " ، تدخل فئات كثيرة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم : طلبة شطبهم خدام التربية الكنسية من قوائمهم لكثرة غيابهم . و عائلات أعتبرها الآباء الكهنة أنها ليست من أولاد الكنسية بسبب سلوكها . ألوان عديدة من المنحرفين الذين يفضل كل الخدام البعد عنهم خوفاً ، أو حرصاً أو عجزاً ، أو ياساً ...! ليس لهم أحد يذكرهم . ما أخطر أن يوجد إنسان ، تيأس منه الكنيسة ، أو تنساه ، أو تتجاهله أو تحتقره ، أو تطرده ، أو تعتبره من أهل العالم ! نتحدث عن نوع اَخر من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ، و هو : المنسيون فى الإفتقاد:- قد توجد عائلات في السكندرية أو في القاهرة ،تمر عليها سنوات عديدة لا يزروها أحد من الآباء الكهنة . و لا تهتم الكنسية بهؤلاء ، إلي أن يهتم بهم الشيطان و يفتقدهم ! و حينئذ تبدأ الكنيسة تتعرف إلي أحدهم في قضية طلاق ، أو في حادث إرتداد. و كان السبب في كل هذا ن أن هؤلاء ليس لهم أحد يذكرهم ، مع أنهم ليسوا في قري فقيرة أو نائية ، و إنما هم في القلب العاصمة ! نحن أحياناً لا نهتم بالحالة ، إلا بعد أن تصل غلي أسوأ درجاتها و لو ذكرناها في بادئ الأمر ، ما كنا نحزن في نهايته لست اقصد بالذين ليس لهم أحد يذكرهم ، المحتاجين إلي الرعاية في مجاهل أفريقيا ، أو الهنود الحمر في أمريكا ن مع حاجة كل هؤلاء بلا شك !إنما اقصد " الهنود الحمر ط في قلب العاصمة ، أو في قلب المدينة العامرة و ربما قريباً من الكنيسة ! إن التخصص في خدمة " الضالين " أمر لازم في الرعاية بلا شك كانت المرأة السامرية واحدة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ، و كذلك زكا العشار ، و متي العشار ، و آخرون و قد قال السيد المسيح " لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي " . فهل يمكن أن يتخصص بعض الخدام في مثل هذه الخدمة ؟ هناك نوع من الخدام كنا نسميهم " خدام الحالات الصعبة " . الحالات الصعبة :- كانوا يذهبون إلي الحالات التي تبدو معقدة ، التي وصلت إلي أسوأ درجاتها . و مع ذلك لم يفقد الخادم الأمل منها . الحالات التي قد لا تقبل الخدام و قد تطردهم ، أو التي لا تقبل كلاماً و لا إقناعاً ، و تصل إلي لون من الإصرار و العناد يدفع إلي اليأس هذه الحالات بالنسبة إلي كنائس أخري ، كانوا يتركونها يائسين ، و ينفضون أيديهم منها ، و تبقي ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم أما خدام الحالات الصعبة ، فكانوا يفتقدون هذه الحالات ، ولو في آخر رمق ، و هم متالمون لأن الحالة لم تكن قد افتقدت منذ البدء إن الخدمة الصعبة لها اجر أكبر عند الله ن لن الخادم يتعب فيها ن و الله لا ينسي تعب المحبة دعوة يوسف الرامي لخدمة السيد المسيح أمر سهل ن و لكن من الصعب أن تدعو رجلاً كزكا . فرق بين أن تدعو إنساناً كيوحنا الحبيب إلي إجتماع ، أن تدعو اَخر كشاول الطرسوسي سهل ان تفتقد العائلات المنحلة و التعب في حل مشاكلها و مصالحة المتخاصمين فيها إن الأجر الكبير ليس لمن يزرع الأرض الجيدة ن إنما لمن يستصلح الأراضي البور و الأراضي المالحة ، و يحولها إلي أرض زراعية جيدة . فتلك الأراضي البور ربما كانت لمدة طويلة من النوع الذي ليس له أحد يذكره بسبب صعوبة العمل فيها . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
08 أغسطس 2019

العذراء مريم والدة الإله

ولد الكلمة من الآب بطريقة لا ندركها بل هى فوق مستوى الإدراك لكنه فى الزمان الاخير تجسد وولد من امرأة حسب الجسد. والذى حدث انه اخذ من العذراء القديسة جسداً واتحد به اتحاداً حقيقياً. لذلك نعتقد ان العذراء القديسة هى والدة الإله لانها ولدته حسب الجسد لكنه مولود فى ذات الوقت من الآب قبل كل الدهور . اذا كان هناك احد ما يتجرأ او يعلم ان العذراء مريم ولدت الطبيعة الإلهية غير الجسدانية فإن هذا هو الجنون بعينه لإن الطبيعة الإلهية ليست من تراب الأرض حتى تولد منه ولا تلك الخاضعة للفساد (اى العذراء) تصبح أماً لعدم الموت، ولاتلك الخاضعة للموت تلد الذى هو حياة الكل، ولا غير المادى يصبح ثمرة للجسد الذى بطبيعتة خاضع للميلاد وله ابتداء فى الزمان. الجسد لا يمكنه ان يلد الذى لا بداية له. لكننا نؤكد ان الكلمة صار ما نحن وأخذ جسداً و أتحد به اتحاداً حقيقياً بطريقة فوق الإدراك او التعبير وانه تأنس وولد حسب الجسد. ألا تولد النفس البشرية وهى من طبيعة مختلفة عن الجسد لأنها متحدة به، ولا أظن ان احداً سيفترض ان النفس لها طبيعة الجسد او انها تتكون معه، وانما الله بطريقة غير معروفة يغرسها فى الجسد وتولد معه. ولذلك نحن نحدد ان الكائن الحى الواحد المولود هو من اثنين. وهكذا الكلمة هو الله لكنه تجسد، وايضاً ولد حسب الجسد و بطريقة بشرية لذلك تدعى التى ولدته والدة الإله. [1] حيث ان العذراء القديسة ولدت جسدياً الله متحداً بالجسد الإقنوم فنحن نقول انها “والدة الإله” ليس ان طبيعة الكلمة تأخذ بداية وجودها من الجسد لانه (اى الكلمة) كان فى البدء والكلمة كان الله “وكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ” (يو 1:1) وهو نفسه خالق الدهور وهو ازلى مع الآب وخالق كل الاشياء لانه كما قلنا سابقاً انه اذ وحد الانسانى بنفسه اقنومياً فإنه احتمل الولادة الجسدية من بطنها. واذا قد ولدته امرأة موحداً نفسه بالجسد فسوف ترفع اللعنة اذن عن كل الجنس البشرى. من لا يعترف ان عمانوئيل هو الله بالحقيقة ؟! وبسبب هذا فالعذراء هى “والدة الإله” لانها ولدت جسدياً الكلمة الذى من الله، الذى تجسد فليكن محروماً . [2] نعترف ان ربنا يسوع المسيح ابن الله الوحيد هو إله كامل و انسان كامل ذو نفس عاقلة و جسم، وهو مولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته و انه هو نفسه فى الايام الاخيرة من أجلنا ومن أجل خلاصنا ولد من مريم العذراء بحسب ناسوته وهو نفسه من الجوهر نفسه الذى للآب (او مع الآب) حسب لاهوته ومن نفس الجوهر الذى لنا (او معنا) بحسب ناسوته لانه قد حدث اتحاد بين الطبيعتين لاجل هذا نعترف بمسيح واحد، ابن واحد، رب واحد، و بحسب هذا الفهم للإتحاد بدون اختلاط نعترف بأن العذراء القديسة هى “والدة الإله” لان الله الكلمه قد تجسد و تأنس [3] ربما يقول أحد أن اسم “المسيح” لايطلق فقط على عمانوئيل وحده بل سوف نجده يطلق على آخرين ايضاً لان الله قال فى موضع ما عن اولئك الذين اختيروا و تقدسوا بالروح “لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي” (مز15:105) وعلى ذلك فان اسم المسيح يجب ان يطلق ليس فقط و بوجه خاص على عمانوئيل بل ايضاً على كل الباقين الذين يمسحون بنعمة الروح القدس. ولكن توجد هوة كبيرة و اختلافات لا تقارن تفصل بين حالتنا و بين مجد و تفوق مخلصنا. فان كان جميع الآخرين هم مسحاء وهذا معقول جداً بسبب انهم مسحوا, اما المسيح وحده فهو الإله الحقيقى “عمانوئيل” وبالحقيقة, فإن احداً لا يخطىء إن إختار ان يقول ان امهات آخرين هم “والدات مسيح” ولكن ليسوا بآى حال “والدات إله”, ايضاً ان العذراء القديسة وحدها بالمقابلة مع اولئك النساء هى كما ندركها و ندعوها “والدة المسيح” و “والدة الإله” معاً لانها لم تلد مجرد انسان بسيط مثلنا بل بالحرى الكلمة الذى من الله الآب الذى تجسد و تأنس, لاننا نحن ايضاً ندعى آلهه بحسب النعمة أما الإبن فليس إلهاً على هذا النحو، بل بالحرى هو إله بالطبيعة و بالحق حتى وان صار جسداً. ولكن ربما تقولون هذا “قل لى اذن ، هل العذراء صارت والدة لاهوته؟” ورداً على هذا نقول ان كلمة الله نفسه الحى، الكائن بإقنومة، ولد من جوهر الله الآب ذاته وان الذى كان بلا بداية صار له بداية فى الزمن وكان دائماً موجوداً مع الذى ولده و كائناً فيه و موجوداً معه ويشاركه فى التفكير فى ازمنة الدهر الأخير حينما صار جسداً اى حينما اتحد بجسد ذى نفس عاقلة قيل انه ولد ايضاً جسدياً من امرأة. ان سر تجسده هو بكيفية ما مماثل لولادتنا لان امهات اولئك الذين على الارض الخاضعات لقوانين الطبيعة فيما يخص الولادة لهم يثني فى الرحمة وهو الذى ينمو قليلاً بحسب افعال الله غير المدركة ويصل الى النضوج . والله لم يرسل الروح فى الكائن الحى بكيفية معروفة له. هذا بحسب قول زكريا النبى لأنه هو “جَابِلُ رُوحِ الإِنْسَانِ فِي دَاخِلِهِ” (زك 12: 1) وكذلك فإن لوغوس كيان النفس آخر و مع ذلك فلو كانت هؤلاء النساء هن فقط امهات للأجساد التى من الأرض إلا انهن يلدن الكائن الحى كله، وانا اعنى كائناً مكون من جسد ونفس, ولا يقال عنهن انهن يلدن جزءاً من الكائن, ولن يقول أحد ان اليصابات مثلاً كانت اماً فقط لجسد وليست اماً ولدت نفساً فى العالم الى جانب الجسد لانها ولدت المعمدان انساناً ذا نفس و كائناً حياً مكوناً من الإثنين, وانا اعنى انساناً له نفس وجسد معاً . اننا سنقبل ان شيئاً مثل هذا قد حدث فى ولادة عمانوئيل ايضاً, لان كلمة الله الوحيد قد ولد من جوهر الله الآب. ولكن حيث ان الكلمة اتخذ له جسداً وجعله خاصاً به فإنه ايضاً حمل اسم “ابن الانسان” وصار مثلنا . وان رغب احد ان يقول ان أم فلان هى أم لجسده فقط و ليست ايضاً أماً لنفسه، فإنه بذلك يفكر بغباء شديد لان الكائن الحى يولد مكوناً من عنصرين غير متماثلين إلا انه لإنسان واحد وكل عنصر منهما يظل كما هو. والإثنان هما معاً كما فى وحدة طبيعية واحدة ، كما لو كانا يفحصان احدهما الآخر ، وكل منهما ينقل الى الآخر ما هو خاص به . [4] ولكن اولئك الذين يجادلون و يقولون “ان كان هو قد جاء فى الجسد فتكون العذراء قد فسدت وان لم تكن قد فسدت فإنه يكون قد جاء بطريقة خيالية فقط” ، هؤلاء نقول لهم ان النبى يعلن ان “الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقا” (حز 2:44) وايضاً ان كان الكلمة قد صار جسداً بدون تزاوج جسدى اذ انه حبل به بدون ذرع بشر فإنه اذن ولد بدون ان تمس عذراويتها. [5] اننى ارى اجتماع القديسين كل الغيورين اجتمعوا معاً مدعوين من أم الله القديسة الدائمة البتولية مريم. كنت اشعر بالحزن الشديد ولكن حضور الاباء القديسين حول هذا الحزن الى فرح و ابتهاج ، الآن كلمات التسبيح الحلوة التى لداود قد تحققت فى حضورنا “هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعاً” (مز 1:133) . نقول “اعظمك يا مريم يا والدة الإله” بل تنبأ الانبياء و تغنى الرعاة بتماجيد إلهية . الملائكة ترقص و رؤساء الملائكة يسبحون بألحان عظيمة. ينحنى المجوس ساجدين فى عبادة و خشوع، تهلل يوحنا فى بطن أمه وسجد المصباح للنور السرمدى. اشرقت النعمة التى لاينطق بها. و النور الحقيقى اتى الى العالم, ربنا يسوع المسيح نوراً اشرق على الجالسين فى الظلمة و ظلال الموت لأجلك و بسببك اعلن الانجيل “مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ” (مت 9:21) بك تأسست الكنائس الارثوذكسية فى كل مكان. اشرق منك قاهر الموت و محطم الجحيم. منك خرج صانع الخليقة الاولى و اصلح فساد الانسان الاول، ذلك الذى فى يده ملكوت السموات. بك أظهر جمال القيامة و زاد تألق، لقد اشرقت معمودية القداسة العظيمة من الاردن، تقدس يوحنا وتقدست مياة نهر الاردن و طرد الشيطان. بك حصلت كل نفس مؤمنه على الخلاص السلام للثالوث القدوس الذى دعانا معاً فى هذة الكنيسة المكرمة على أسم العذراء والدة الإله السلام لك منا يا والدة الإله نعظمك، نعظمك يا والدة الإله الكنز المرهوب الذى اغنى العالم كله. المصباح غير المنطفىء تاج البتولية صولجان الارثوذكسية، الهيكل غير الفاسد، الإناء الذى حوى غير المحوى، الأم و العذراء التى بك قيل فى الأناجيل “مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ” (مت 9:21) السلام لك يا من حويت غير المحوى فى بطنك القدوس البتول. بك سقط الشيطان المجرب من السماء وعادت الخليقة الساقطة الى الفردوس. بك قدمت المعمودية ومسحة الميرون الى المؤمنين. بك تأسست الكنائس فى كل العالم و تغيرت الشعوب ماذا اقول اكثر من ذلك ؟! منك اشرق الإبن الوحيد الجنس مثل نور لأولئك الجالسين فى الظلمة و ظلال الموت، بك تنبأ الانبياء وبك كرز الرسل بالخلاص للامم. بك قام الاموات وحكم العظماء وملك الثالوث القدوس. مَن مِن البشر يقدر ان يمدح مريم المطوبة البطن البتولى، يالهذا العجب ان هذه العجبية تهزنى بشدة فرحاً. هل سمع ان البنّاء منعه احد من ان يسكن فى الهيكل الذى بناه هو نفسه ؟! هل يلام من دعى خادمته لتكون اماً له ؟! “مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ” (رو 10: 15) اى سلام هذا ! انه ربنا يسوع الذى ولد من مريم حسبما اراد هو . [6] القديس كيرلس السكندري
المزيد
13 أغسطس 2018

رموز السيدة العذراء فى العهد القديم

القديسة مريم تطوبها جميع الاجيال. لقد اختارها الاب القدوس من أجل فضائلها وإيمانها وتقواها، ليحل عليها الروح القدس ولتظللها قوة العلى ويتجسد منها كلمة الله بسر لا ينطق به، كما أعلن لها الملاك فى البشارة بميلاد السيد المسيح { فاجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك و قوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} (لو 1 : 35). بسلام القديسة مريم على اليصابات امتلأت اليصابات من الروح القدس وارتكض يوحنا بابتهاج وهو فى بطن امه وقالت لها اليصابات انه فخر لها ان تاتي ام ربها لزيارتها { فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت اليصابات من الروح القدس. وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة انت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن اين لي هذا ان تاتي ام ربي الي. فهوذا حين صار صوت سلامك في اذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي امنت ان يتم ما قيل لها من قبل الرب}( لو41:1-45) نحن فى الكنيسة القبطية نفتخر ونعتز بامنا القديسة مريم العذراء التي تزورنا باطيافها النورانية من حين لاخر لتعضد وتقوى إيماننا ونفخر بمعونتها لنا والمعجزات العديدة التي يجريها الله مع شعب كنيستنا بصلواتها وطلباتها. اننا نعتبرها أمنا روحية لنا. وان كان الرب على الصليب دعها اما للقديس يوحنا الحبيب فكم بالحرى بنا ان نتخذها اما روحية لنا { ثم قال للتلميذ هوذا امك ومن تلك الساعة اخذها التلميذ الى خاصته }(يو 19 : 27). القديس كيرلس السكندرى ... القديس كيرلس الكبير وُلد سنه 375م، وتهذب بالعلوم الكلاسيكية واللاهوتية حيث كانت الإسكندرية مركزا عظيما للتعليم.وتتلمذ فى بريه وادى النطرون على القديس الأنبا سيرابيون تلميذ الأنبا مقاريوس رسم بطريرك على الاسكندرية سنة 412 م. ويعتبر أحد الآباء البارزين ولاهوتي الكنيسة الجامعة، ونُدين له أكثر من أي لاهوتي آخر، فقد أدرك التجسد بفكر كتابي وآبائي. يؤكد على ولادة القديسة مريم العذراء لله الكلمة المتجسد وبتوليتها الدائمة ويلقبها بولادة الاله ويمدحها قائلا: (السلام لمريم والدة الإله، كنز العالم كله الملوكي، المصباح غير المنطفئ، إكليل البتولية، صولجان الأرثوذكسية، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير المحدود، السلام لك، يا من حملت غير المحوي في أحشائك البتولية المقدسة. أخذ السيد المسيح جسد من امرأة، ولد منها حسب الجسد، لكي يعيد البشرية فيه من جديد. إننا نؤكد أن الابن وحيد الجنس قد صار إنسانا، حتى إذ يولد من امرأة حسب الجسد، يعيد الجنس البشري فيه من جديد. لنمجد مريم دائمة البتولية بتسابيح الفرح، التي هي نفسها الكنيسة المقدسة. لنسبحها مع الابن العريس كلي الطهارة). كما يؤكد القديس كيرلس الان الابن الوحيد الجنس قد صار انسانا حتى اذ يولد من إمراة حسب الجسد يعيد الجنس البشرى فيه من جديد مانحا ايانا ان نصير ابناء لله : ( لان العذراء القديسة وحدها تدعى وتعرف بانها والدة المسيح ووالدة الاله كونها بمفردها لم تلد انسانا بسيطا بل ولدت كلمة الله المتجسد الذى صار انسانا ولعلك تسأل هنا قائلا: هل كانت العذراء ام اللاهوت. أعلم أنه قيل أنفا ان كلمة الله الحى القائم بذاته لاريب فى أنه ولد من جوهر الاب نفسه وأخذ جوهرا خاليا من ابتداء الزمان وهو متحد مع الوالد على هذا الوجه على أنه لم يزل معه وفيه دائما. اننا نؤكد ان الابن وحيد الجنس قد صار انسانا. حتى اذ يولد من امراة حسب الجسد يعيد الجنس البشرى فيه من جديد). وهذا ما أكد عليه فى قوانينه الخاصة بالعذراء مريم (من لا يعترف أن عمانوئيل هو اله حقيقي ومن أجل هذا أن العذراء الطاهرة هي والدة الاله لكونها ولدت جسدانيا الكلمة المتجسد الذى من الله لكون الكلمة صار جسدا ليكن محروما). ان القديس كيرلس يطالبنا ان نقف بخشوع مفرح امام بذل الله ومحبته العظيمة التي بها نقلنا من نير العبودية الى حرية مجد ابناء الله كما يدعونا لتكريم القديسة مريم كما قالت فى تسبحتها الخالدة كيف نظر الله الى اتضاعها، فالله يقاوم المستكبرين اما المتواضعين فيعطيهم نعمة {لانه نظر الى اتضاع امته فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني }(لو 1 : 48) ويقول القديس كيرلس ( لنقف فى تخشع ممتلىء بالفرح أمام البذل اللا نهائى الذى حولنا من عبيد الى حرية مجد أولاد الله فتغمرنا بهجة فياضة لهذه المحبة الالهية وفى غمرة هذه البهجة تذكر أن السيدة العذراء عاشتها فى عمقها لتفهمها النعمة الفريدة التي اسبغها الله عليها باختيارها الام لابنه الوحيد). القديس يوحنا ذهبي الفم .. ولد حوالى 345م بانطاكيا ورسم عليها بطريركا فى 397م. وتنيح فى 407م تمثل سيرته وعظاته وكتاباته إيقونة حيّة لحياة الكنيسة الاولى، ففي سيرته نختبر الكنيسة السماوية المتهللة، المُعاشة على الأرض وسط الآلام. فقد أحب يوحنا الحياة الملائكية، وعشق البتولية، ومارس التسبيح والترنيم، وانطلقت نفسه من يومٍ إلى يومٍ نحو الأبديات. يعطي القديس يوحنا ذهبى الفم العذراء مريم كرامه أكثر من الشاروبيم والسيرافيم لانها حوت شمس البر وولدت الله الكلمة المتجسد ( قد حوت العذراء عوض الشمس شمس العدل الغير مرسوم ولا تسل هنا كيف صار هذا وكيف أمكن أن يصير الآن حيث يريد الله فهناك لا يراعى ترتيب الطبيعة. اذ هو اله يصير انسانا ومع ذلك لا يسقط من اللاهوت الذى كان له ولا صار انسانا بفقده اللاهوت ولا من انسان صار الها ينمو متتابع بل الكلمة الكائن صار لحما). يقول القديس يوحنا ان ابن الله قد صار انسانا لكي يصيرنا ابناء لله بالتبني والايمان (ان كان ابن الله قد صار ابنا للعذراء فلا تشك يا ابن ادم انك تصير ابنا لله، ولد بالجسد لكي تولد انت ثانية حسب الروح ولد من امرأة لكي تصير انت ابنا لله، إن كان ابن الله قد صار ابن لداود، فلا تشك يا ابن آدم أنك تصير ابنا لله. إن كان الله قد نزل أعماقا كهذه، فأنه لم يفعل هذا باطلا، أنما ليرفعنا للأعالي. ولد بالجسد لكي تولد أنت ثانية حسب الروح. ولد من امرأة لكي تصير أنت ابنا لله). ويقر القديس يوحنا ذهبى الفم بمحدودية العقل البشرى فى فهم اسرار التجسد والتي نفهمها بالروح القدس المعطى لنا من الله (حقا إننا نجهل الكثير على سبيل المثال: كيف يوجد غير المحدود في الأحشاء؟ كيف يحمل بذاك الذي يحوي كل شئ، و يولد من امرأة؟ كيف تلد العذراء و تستمر عذراء؟). القديس إغريغوريوس صانع العجائب .. اسقف قيصريه رجل المعجزات الذى رقد فى الرب 268م ويذكر عن القديس إنه عندما رسم لم يكن فى ابراشيته " قيصرية " غير 17 مؤمنا وعند نياحته لم يبق فى المدينة غير 17 وثنيا وهذا يرينا مقدار العناية التي كانت عند هذا القديس ومقدار تعبه ورعايته. يفسر لنا القديس اغريغوريوس الصانع العجائب لماذا اختارت النعمة الالهية العذراء مريم دون سواها من النساء. انها اتحدت بالله بالصلاة والتأمل وبرهنت على حكمتها ورزانتها ( أم الله اتحدت عقليا بالله بدوام الصلاة والتأمل وفتحت طريقا نحو السماء جديدا. سمت به فوق المبادىء والظنون الذى هو الصمت العقلي وصار لها الصمت القلبي وكما يقول الكتاب المقدس {أما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به فى قلبها}. إختارت النعمة مريم العذراء دون سواها من بين كل الاجيال لانها بالحقيقة قد برهنت على رزانتها فى كل الامور ولم توجد مثلها امرأة أو عذراء فى كل الاجيال. جاء الكلمة الإلهي من الأعالي، وفي أحشائها المقدسة أعيد تكوين آدم ). القديس أغسطينوس ... ولد فى 354م بمدينة تاجست بتونس تعلم الفلسفة والقانون وصار محاميا شهيرا وفي عام 382م سافر إلى روما وعاش فى الخطية لزمن ولكن التقى بالقديس امبروسيوس واعجب بعظاته وقرأ الكتاب المقدس خاصة رسائل معلمنا بولس الرسول فأعجب بها، خاصة في ربطها العهد القديم بالعهد الجديد. فتغيرت حياته وتجددت بنعمة الله، فتحولت القوة المحترقة شرا إلى قوة ملتهبة حبا. سيم كاهنا على هيبو بشمال افريقيا ثم أقيم أسقفا 395م الأمر الذي أفرح قلوب المؤمنين وتنيح فى 430م . يؤكد القديس اغسطينوس على بتولية العذراء واكرمها من اجل انتسابها لله ( لا نكرم العذراء من اجل ذاتها وانما لانتسابها لله. لو أفسد ميلاد الرب يسوع المسيح بتولية القديسة مريم، لما حسب مولودا من عذراء، وتكون شهادة الكنيسة الجامعة بأنه ولد من العذراء مريم، شهادة باطلة). ويخاطب السيد المسيح قائلا: ( عجيبة هي امك ايها الرب من يستطيع ان يدرك اعجوبة الاعاجيب هذه عذراء تحبل.. عذراء تلد.. عذراء تبقى عذراء بعد الولادة). يقارن القديس اغسطينوس بين بتولية القديسة مريم والبتولية الروحية فيقول ( كانت الفتاة في العهد القديم التي لا يرجى زواجها وبالتالي لا تتمتع بالأمومة، في موقف السيدة العاقر، في حال لا تحسد عليه، تحمل علامة غضب الله. أما في العهد الجديد في حال لا تحسد عليه، تحمل علامة غضب الله. أما في العهد الجديد فإن "العذراء" لأول مرة وآخر مرة تنجب"المسيا" فلم تعد بتوليتها عارا، إذ حملت ثمرا بالروح القدس. هكذا صارت البتولية علامة التصاق الله بالإنسان، لهذا يدعو القديس بولس الكنيسة "عذراء المسيح"، وفي سفر الرؤيا يرمز لجموع المختارين الذين بلا عدد بمائة أربعة و أربعين ألفا بتوليا، يتبعون الحمل أينما ذهب (رؤ 14: 4،5). هكذا ارتبطت البتولية بحياة القداسة، لا بمعنى أن كل بتول يحسب قديسا، وكل قديس يلزم أن يكون بتولا، لئلا بهذا نحقر من شأن الزواج المسيحي كسر مقدس. إنما نقصد أن بتولية الجسد ما هي إلا علامة للبتولية الروحية، فالبتولية في جوهرها تكريس كامل لله واتحاد مستمر معه بالمسيح يسوع. هي بتولية النفس والقلب والذهن والحواس والرغبات، ينعم بها المسيحيون بالروح القدس مقدس نفوسنا وأرواحنا وأجسادنا، مهيئا أيانا للعرس الأبدي). ان العذراء مريم فى فكر القديس اغسطينوس هي فخر النساء وان كانت المرأة فى الفردوس تعدت الوصية وجلبت الموت للانسان فالعذراء مريم أعلن الله بشرى الخلاص لنا: ( لو أن ابن الانسان رفض التجسد فى احشاء العذراء لايأست النسوة ظانات انهن فاسدات. لقد ولد المسيح من امرأة ليواسى جنس النساء. بالمراة جلبت الحية للانسان الأول خبر الموت وبالمرأة نقلت الناس بشرى الحياة. من الفردوس أعلنت المرأة الموت لرجلها وفى الكنيسة أعلنت النساء خلاص الرجال). وفى عظة لعيد الميلاد المجيد يقول القديس اغسطينوس عن الميلاد البتولي (اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولي. فقد أكد السيد المسيح بتولية القلب التي يريدها للكنيسة أولا خلال بتولية جسد مريم. فالكنيسة وحدها هي التي تستطيع أن تكون بتولا فقط حين ترتبط بعريس، ألا وهو ابن البتول، إذ تقدم له ذاتها تماما. ارتبط الكلمة بالجسد، وصارت أحشائك حجال هذه الزيجة السامية. إنني أكرر أن أحشائك هي حجال هذه الزيجة العلوية التي للكلمة مع الجسد، حيث" يخرج العريس من خدره"). القديس يعقوب السروجي.. يعقوب السروجي من قديسي الكنيسة السريانية العظام واعلام الادب واللاهوت السريانى ولد إحدى قرى سروج سنة 451 م. ثم رسم أسقفا على إيبرشية سروج سنة ولذلك لقب بالسروجي. يمتدح فى القديسة مريم قائلا: (أنت يا مريم السماء الثانية وافضل من الطغمات السمائية او صارت احشائك مركبة نورانية ترتعد منها الشاروبيم . عتيق الايام والعظيم داخل البطن جنينا بينما هو غير محدود وبذلك صارت مريم اعظم من السموات واستضاءت بنوره. فانظر الى السماء والى تلك الام البتول واخبرني ايهما اقرب اليه ومحبوب لديه؟ فمباركة انت فى النساء يا مريم وممتلئة نعمة. لم تستعجل مريم كمثل أمها حواء التي من صوت واحد صدقت وحملت الموت. تفرح البتول اذ صارت أماً رغم بتوليتها) كما يؤكد القديس يعقوب السروجي على التجسد الالهي من العذراء مريم كان من اجل خلاصنا لنولد بالروح ولرفعة الانسان: ( لقد تجسد من مريم العذراء وولد بالجسد ليلدنا بالروح تواضع لكي يرفعنا اتحد بطبيعتنا ليعطينا موهبة الروح القدس لآن يوم ميلاد ملك الملوك ورب الارباب وان تجسده كان من اجل خلاصنا). اننا اذ نجول فى فكر اباء الكنيسة شرقا وغربا نرى مدى الفهم اللاهوتي السليم المبنى على روح الكتاب المقدس وحياة الكنسية الاولى والذى يكرم العذراء مريم من اجل انتسابها لله وولادتها لله الكلمة المتجسد وإيمانها وفضائلها ونحن اذ ننظر الى سيرتها ونطوبها ونطلب صلواتها نتذكر كيف ان السيد المسيح صنع اولى معجزاته فى عرس قانا الجليل بطلبات القديسة مريم، كما ان العذراء القديسة مريم توصينا ان نعمل بما يوصينا به الرب يسوع المسيح { قالت امه للخدام مهما قال لكم فافعلوه (يو 2 : 5). الأب القمص افرايم الانبا بيشوى
المزيد
14 يناير 2020

تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء

قال الملاك للعذراء "ها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسميه يسوع هذا يكون عظيماً وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله(1) وجاء فى إنجيل متى "وجدت حبلى من الروح القدس لأن الذى حبل به فيها هو من الروح القدس هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا"(2). ومن هذه الآيات يتضح الآتى: 1 ان المولود هو "ابن العلى"، "المالك إلى الأبد"، "الذى ليس لملكة نهاية". 2 انه القدوس "ابن الله". 3 ان الحمل والميلاد تما بقوة الروح القدس وبدون زرع بشر. 4 ان قوة الله العلى ظللت العذراء والروح القدس نفسه حل عليها. 5 ان المولود هو من العذراء نفسها "المولود منك" بمعنى إنه نما كأي جنين فى بطن أمه، وتغذى على طعامها، اخذ ناسوته بالكامل منها معنى هذا ان هذا المولود او الجنين الذى كان فى بطن العذراء هو القدوس، ابن الله العلى، الملك السرمدى، اى إنه الإله الحق(3) "الذى فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً"(4) وانه أتخذ ناسوته من العذراء، كما ان اللاهوت والناسوت اتحدا فى أحشائها حتى دعاها آباء الكنيسة بالمعمل الذى تم فيه اتحاد اللاهوت بالناسوت قال القديس أثناسيوس الرسولى "لذلك وهو نازل إلينا صاغ لنفسه جسداً من عذراء لكى يقدم للجميع برهاناً قوياً على لاهوته بأعتبار ان من صاغ هذا الجسد هو أيضاً مكون سائر الأشياء، لأنه من ذا الذى يرى جسداً يخرج من عذراء وحدها ولا يدرك ان من ظهر فى الجسد لابد ان يكون هو صانع ورب باقى الأجساد أيضاً"(5) قال الأب بروكلس، بطريرك القسطنطينية (429م) (القديسة مريم هى معمل اتحاد الطبائع هى الحجال الذى فيه خطب "الكلمة"، "الجسد"(6) وقال القديس كيرلس الكبير "السلام لمريم الثيئوتوكس (والدة الإله) الكنز الثمين الذى وجه العالم، المصباح غبر المنطفىء قط، تاج البتولية قضيب الأرثوذوكسية، الهيكل غير المفهوم، الموضع الذى احتوى غير المحوى الأم الباقة عذراء"وجاء فى قداس القديس باسيليوس عند الروم "صارت بطنك له عرشاً وجسدك احتواه باتساعه الذى يفوق السماء"وجاء فى ثيئوتوكية الأحد "وانت أيضاً يا مريم حملت فى بطنك غير المنظور كلمة الأب" لذا دعيت العذراء بوالدة الإله، المجمرة الذهب، السماء الثانية الجسدانية،الخ كما لقبت بخيمة الأجتماع، قدس أقداس خيمة الاجتماع، لانه كما حل الرب على الخيمة "وان السحابة حلت عليها وبهاء الرب ملأ المسكن"(7). هكذا أيضاً حل الرب فى بطن العذراء تسعة اشهر جاء فى ثيئوتوكية الأحد "المباركة فى النساء القبة الثانية التى تدعى قدس الأقداس، وفيها لوحا العهد" فكلمة "يظللك" التى استخدمها الملاك فى قوله "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك"(8)، فى اليونانية "epeskiazen" إبيسكيازين هى نفس الكلمة التى استخدمها الوحى فى "سكن" الرب فى خيمة الاجتماع، فى الترجمة السبعينية، وهى ترادف "شكن" اى يسكن فى العبرية، اى ان قوة الله التى ظللت العذراء هى نفس القوة التى سكنت فى خيمة الاجتماع، لذا قالت ثيئوتوكية الأحد "من يقدر أن ينطق بكرامة القبة التى صنعها موسى على جبل سيناء؟ شبهوك بها يا مريم، القبة الحقيقية التى دخلها الله" كما لقبت بتابوت العهد، وقسط المن لان المسيح هو المن العقلى والمنارة الذهبية لأنها حملت نور العالم، وعصا هارون التى أفرخت لأنها حملت المخلص بدون زرع بشر. كما لقبت أيضاً بالسلم الذى رآه يعقوب فى حلمه موصلاً بين السماء والأرض والرب وأقف عليه وملائكه الله يصعدون وينزلون عليه(9). لأنها حملت الوسيط بين الله والناس جاء فى ثيئوتوكيه الخميس "أنت هى السلم الذى رآه يعقوب، ثابت على الأرض، ومرتفع إلى السماء وهذه الألقاب وغيرها تبين:- أولاً: ما نالته العذراء من كرامة وتطويب، كما قالت هى نفسها "هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى"(10). وثانياً: أن الأحشاء التى تجسد منها كلمه الله الأزلى، الله معنا، الله الذى ظهر فى الجسد، الآله الحقيقى، القدوس ابن العلى، الذى شابهنا فى كل شئ ما خلا الخطية وحدها، لا يمكن أن تحمل أولاد آخرين حاملين خطيئة آدم، ولا يمكن أن تتدنس بالشهوات الجسديه، لا يمكن أن تبدأ بالروح وتكمل بالجسد، لا يمكن أن مسكن الله يصبح مسكناً لإنسان، لما ظهر لموسى فى العليقة لمدة دقائق قليلة تقدست العليقة التى ظهر من خلالها الرب، بل وتقدست الأرض التى كانت فيها العليقة حتى أن الله لما رأى موسى متقدم إلى العليقة "فقال لا تقرب إلى هنا، أخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذى أنت واقف عليه ارضاً مقدسة"(11)، "ولما رأى يعقوب فى حلمه السلم المنصوبة بين السماء والأرض خاف وقال ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء"(12) ولما حل بهاء الرب والسحابة على خيمة الإجتماع "لم يقدر موسى أن يدخل خيمة الإجتماع، لأن السحابة حلت عليها وبهاء الرب ملأ المسكن(13)، فكم وكم تكون العذراء التى حملت القدوس فى أحشائها تسعة أشهر حتى أنها صارت سماء ثانية جسدانية؟؟!! جاء فى ثيئوتوكية الأحد "وأنت أيضاً يا مريم الوف الوف وربوات ربوات يظللون عليك، مسبحين خالقهم، وهو فى بطنك هذا الذى أخذ شبهنا". موسى لم يستطع أن يتقدم إلى العليقة إلا بعد خلع حذاءه وتقدم بخشوع إلى العليقة قال القديس يوحنا الدمشقى: "العليقة المشتعلة بالنار كانت رمزاً ورسماً للعذراء مريم أم الله، وحينما أراد موسى الاقتراب منها نداه الله لكى يخلع نعليه لأن الأرض التى كان واقفاً عليها أرضاً مقدسة بحلول الله فكم وكم تكون مقدسة صورته مع أمه العذراء"؟ويعقوب قال عن المكان الذى رأى فيه حلم السلم المنصوبة بين السماء والأرض أما أرهب هذا المكان" "واسماه بين الله" جاء فى ثيئوتوكية الثلاثاء "أنت هى السلم الذى رآه يعقوب، ثابت على الأرض، ومرتفع فى السماء". وموسى أيضاً لم يستطع دخول خيمة الإجتماع لأن بهاء الرب كان حالاً فيها فكم وكم العذراء القديسة التى حملت القدوس تسعة أشهر؟؟!!هل يعقل أن الأرض تتقدس بحلول الرب عليها والجماد يصبح قدس أقداس للرب، والعذراء التى قال لها الملاك "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك. وتلد القدوس أن لا تتقدس أو أن تكون قداستها مؤقتة؟ قال القديس ساويرس الأنطاكى حينما أريد أن أنظر إلى العذراء والده الإله وتجول فقط فى خاطرى الأفكار المتعلقة بها فمنذ أول بادره يبدو لى أن صوته من جهة الله يأتى صارخاً بقوة فى أذنى ينبئنى "لا تقرب إلى هنا أخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذى أنت واقف عليه أرضاً مقدسة"(14) فى الواقع يجب أن نتخلص من كل تصور جسدى منحل مثلما نخلع الحذاء من أرجلنا حينما نحاول أن نصعد بروحنا إلى التأمل فى أحد الأشياء الإلهية، فأى موضوع لاهوتى يمكن تأمله، أجل شأناً من والده الإله واية موضوعات تعلو عليه؟ أن الاقتراب منها هو الاقتراب من المكان المقدس أو هو بلوغ السماء، كانت فعلاً تنتمى إلى الأرض لأنها كانت تشترك مع الانسانية بطبيعتها وكانت بشراً مثلنا إلا أنها كانت نقية طاهرة من كل دنس وأثمرت فى أحشائها ذاتها كما من السماء الإله المتجسد، حملت وولدت بطريقة الهية تماماً ليس أنها أعطت المولود الطبيعة الالهية لأن هذه كانت له قبل كل بدء وقبل كل الدهور ولكنها أعطته الطبيعة البشرية بدون استحالة وذلك من ذاتها ومن الحلول السرى الذى لا ينطق به للروح القدس. وإذا كانت تريد أن تعرف كيف كان ذلك قالت تجد ابحاثك متوقفة بختم البتولية الذى لم ينقضه هذا الميلاد وما يكون مختوماً بغير محسوس تماماً هذا يبقى سراً ولا يمكن أن نتكلم عنه لذلك يصرخ شخص كيعقوب عجباً فيقول "ما أرهب هذا المكان ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء(15). القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن التجسد الإلهى و دوام بتولية العذراء
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل