المقالات

16 فبراير 2019

دستور الخدمة ومبادئها السبعة

الأصحاح الرابع من رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس نسميه "دستور الخدمة"، فهو يرسم أمامنا صورة الخدمة. وسأختار عناوين رئيسية..المبدأ الأول: خدمة لاتفشل«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، إِذْ لَنَا هذِهِ الْخِدْمَةُ كَمَا رُحِمْنَا لاَ نَفْشَلُ». الخادم الذي يعيش مع المسيح لا يفشل أبدًا ولا يعرف روح الفشل. لا يعرف أن يقول "لا فائدة"، بل دائمًا يثق أن هناك رجاء، وهذا ما عبّر عنه بولس الرسول قائلًا: «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي» (في٤: ١٣). أنا وحدي لا أستطيع أن أفعل شيئًا. فأول مبدأ أن الخادم لا يعرف روح الفشل، مثل ماقرأت: «الِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا».المبدأ الثاني:احترس من خطية الإنجيل المكتومخطية الإنجيل المكتوم أن تكون قارئًا الإنجيل لكنه مكتوم بداخلك، لا يخرج ولا يظهر قدامك في قراراتك ولا في أفعالك. لابد أن تكون كلمة الله حية وفعالة. حينما تتكلم وتخدم يجب أن يُرى الإنجيل واضحًا. يجب ألّا يوجد فصل خدمة إلّا ويكون الإنجيل موجودًا فيه. يجب أن نعلم كيف يكون الإنجيل حاضرًا. فإلى جانب التحضير، يوضع الإنجيل دائمًا في فصل الخدمة، الإنجيل الورق، ونهتم ونقصد القراءة منه. في سفر يقول: «طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ» (رؤ3: 1). أحترس من خطيةالإنجيل المكتوم، إنجيلك يجب أن يكون حاضرًا وفعّالًا «وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ».المبدأ الثالث: لسنا نكرز بأنفسنا«فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا، وَلكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ». لسنا نكرز بأنفسنا نحن كخدام وخادمات، نحن في الكرم، موجودون في ملكية الله، في الكنيسة، ونربّي أولادنا.أكثر خطية تتعب الكنيسة وآفة هذا الزمن اسمها: الذات، وهناك مثل شعبي في مصر يقول "يا فيها يا اخفيها" بمعنى "إما كلمتي تسود، وإمّا لا شيء"! هذه الخطية تطيح بكل الجهود. فاحترس أيها الخادم والخادمة، فإنه تفضُّلًا من الله أن جعلنا نوجد في الكنيسة.لسنا نكرز بأنفسنا.. والصياغة صياغة جماعية. أحيانًا كنيسة تفتخر على كنيسة أخرى وتشعر بأفضلية عنها. فلنحترس من خطية الـ"أنا"، لأن المؤهل الأول المطلوب في الخدمة هو: "إنكار الذات".نحن لسنا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربنا. أنا لا شيء، فقط أريد المسيح والسماء فحسب.المبدأ الرابع: لنا هذا الكنز«وَلكِنْ لَنَا هذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ للهِ لاَ مِنَّا». نحن ننكسر من أبسط خبطة، لكن في داخلنا كنز هو كنز الخدمة وكنز معرفة المسيح. لنا هذا الكنز ليكون فضل القوة لله لا منا. هناك قصة تقول بأن رجلًا كان يعمل كحاجب في محكمة، وأجره كان خمسة جنيهات. سألته ابنته عن مرتبه في الشهر، فاحتار الأب، ثم قال لها: "أنا والقاضي نتقاضى مائة جنيه في الشهر". بالمثل، أنا وحدى أساوي الخمسة جنيهات، لكن أنا مع الله قيمتنا كبيرة. ليكون فضل القوة لله لا للناس..في الماضي، عندنا في الخدمة عند تقسيم الفصول، يبدأون من الصف الثاني الابتدائي، وآخر فصل يتم توزيعه هو سنة أولى ابتدائى، فيعطونه للخادم المثالي المجتهد.. لأن أولى ابتدائي هو بداية التأسيس، فهذه المهمة لا توكل إلّا للخادم الناجح.المبدأ الخامس: لنا روح الإيمان«فَإِذْ لَنَا رُوحُ الإِيمَانِ عَيْنُهُ، حَسَبَ الْمَكْتُوب: "آمَنْتُ لِذلِكَ تَكَلَّمْتُ" نَحْنُ أَيْضًا نُؤْمِنُ وَلِذلِكَ نَتَكَلَّمُ أَيْضًا». ماذا يعني الإيمان؟ يعني أن الله حاضر، أنا اشعر بحضور الله وبوجوده اليوم. الله عامل، يعمل كل الوقت، وفعّال معي كل الوقت «وَهَاأَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ. آمِينَ». لنا روح الإيمان العامل، أنت فيما تربّي أولادك إنما تشكلهم. ربما لا نتذكر تعاليم من خدموا، لكننا نتذكر أسلوبهم.. وفي الخدمة لنا روح الإيمان، هي ليست كلية نتخرج منها ومن ثَمّ تعطينا شهادة الإيمان. القديس يوحنا ذهبي الفم يقول: "الله عندما يعطيك أو لا يعطيك، إنما يفعل هذا لخيرك". كنيستنا بالروح التي فيها، روح الإيمان، قوية وممتدة عبر التاريخ. نتذكر هنا شهداء ليبيا الذين رضعوا روح الإيمان، وعندما تعرضوا لموقف ظهر ثباتهم وإيمانهم الشديد الذي لا يتزعزع.المبدأ السادس:الداخل يتجدد بإستمرار«لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا». أي خادم فيكم يجب أن يتعب، ولكني مهما تعبت فما هو هذا التعب مقارنة ببذل المسيح نفسه من أجلي؟ إذًا كان الخارج يفنى، فالداخل يتجدد.. الخادم لا يعرف الشيخوخة. يظل الخادم من داخله أقصى سن يمكن أن يبلغه هو سن الـ٣٣ عامًا، عمق الشباب، سن ربنا يسوع المسيح بالجسد على الأرض.. فهو لا يعرف الشيخوخة مهما بلغت سنه.اسمع باستمتاع الآية «وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُيَوْمًا فَيَوْمًا»، الداخل في القلب يتجدد يومًا فيومًا، وهذا هو جمال خدمتنا. إياك أن تشيخ، احذر أن تبقي أفكارك قديمة بلا إبداع. مسيحك الذي بداخلك يجددك مثل النسر، بيتجدد فترة بفترة فتبقى في شباب دائم.يوجد مرضان يصيبوننا، الفقر فى الإبداع، والإصرار على التكرار. وعندما يكون الداخل متجددًا، تجد الأفكار متجددة، وتتبادلون الأفكار الجديدة مع بعضكم، فيتجدد داخلك وتتجدد خدمتك. المبدأ السابع: ناظرين إلى الأبدية«لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا». كنسيتنا فيها تقليد جميل، أننا دائمًا ناظرين للشرق وتلفت انتباه الجلوس أن يقفوا.. وذلك من أجل أن تذكرنا بأستمرار أننا ننتظر مجيء المسيح. أولادك وهم صغار، تتطلع إليهم أنهم في المستقبل سيكون لهم دور، ولكن الأهم أن يكون لهم نصيب فى السماء.. ناظرين للأبدية، المسيح مضى وأعد لنا مكانًا، فاحفظ هذا المكان.هذه المبادئ السبعة ضعها أمامك كدستور لخدمتك:١- خدمة لا تفشل.٢- احترس من خطية الإنجيل المكتوم.٣- لسنا نكرز بأنفسنا.٤- لنا هذا الكنز.٥- لنا روح الإيمان.٦- الداخل يتجدد باستمرار.٧- ناظرين إلى الأبدية. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
26 يناير 2022

عوائق التوبة

كثيرون مقتنعون بأن العام الجديد يجب أن يبدأ بقلب جديد وبروح جديدة, وحياة نقية مقبولة أمام الله, لكي يبارك هذا العام ويجعله سعيدًا. ولكن على الرغم من هذا الاقتناع, ما أقل الذين يحيون التوبة التي تُرضى الله فيرضى عنهم. فلماذا؟ هل لأن حماس العام الجديد قد فتر, ولم يستمر معهم؟ أم لأن التوبة صعبة أمامهم, وهناك عوائق عديدة في طريقها ؟!أتذكر أنه منذ 46 عامًا, وصلني بهذا الشأن خطاب من شاب عزيز عليّ, فتأثرت جدًا ثم أرسلت له ردًا قلت في مقدمته: "وصلني خطابك يا أخي المحبوب. وَيُخَيَّل إلىّ أنني قرأته مرارًا قبل أن أراه" إنه صورة حياة أعرفها, وقصة قلوب كثيرةً هي أفكار تتعب كثيرين, عوائق تقف أمامهم في الطريق إلى الله, تحول دون توبتهم, وتمنع نموهم الروحي: فالبعض يعجز عن التوبة. والبعض يبدأ ولا يستمر فم هي تلك العوائق؟ أولًا لأن التوبة هي أكثر شيء يحاربه الشيطان:- لأن معناها أن التائب سيفلت من حبائله, ولا يعود أن يخضع له بعد. وهكذا يضيع كل تعب الشيطان الذي بذله الشيطان من قبل في إسقاطه. لذلك فإن الشيطان يقدم له كل أنواع الإغراءات التي تثنيه عن عزمه الصالح, ويتيح له فرصًا للخطية ما كان يحلم بها قبلًا بحيث تضعف أمامها إرادته, أو يعيد إلى ذهنه ذكريات الخطايا التي هي محببة إليه, أو يظهر صعوبة الطريق إلى الله. وهكذا يجد نفسه في حرب من شهوات القلب, ومن كثرة الأفكار, فيستسلم..! من عوائق التوبة أيضًا ضعف الشخصية التي تنقاد إلى المحيط:- فالمفروض في الإنسان الروحي أن تكون له شخصية قوية ثابتة لا تنجرف مع المحاربات الخارجية من الخارج إن سمكة صغيرة يمكنها أن تقاوم التيار وتسير عكسه ما دامت لها إرادة. بينما كتلة ضخمة من الخشب- قدر هذه السمكة مئات المرات- يمكن أن يجرفها التيار, لأنه لا إرادة لها. لذلك -إن أراد أحد أن يتوب- يجب أن يكون قوى الشخصية, قوى الإرادة. يعزم ويقدر... عائق آخر في طريق التوبة هو تأجيلها:- إن الشيطان, إذا وجد أن عزم الإنسان قوى, وأنه مصمم على التوبة, لا يحاربه حربًا مكشوفة بالامتناع عن التوبة خوفًا من رفضه ذلك. بل يدعوه إلى التأجيل بأعذار معينة, أو بإغراءات يقول له فيها: ليس الآن, فالعمر أمامك طويل ويمكنك أن تتوب في أي وقت, إنما الآن أمامك أمور عديدة لتقضيها ولا تناسبها التوبة!!على أن التأجيل له أكثر من خطورة: فإن فرص التوبة قد تفلت. فإن الخطية إذا استمرت مدة أطول, قد تأخذ سلطانًا عليه وتثبّت أقدامها. كذلك ربما بالتأجيل: مجرد الرغبة في التوبة قد تختفي. والتأثيرات الروحية التي دفعت إليها, قد تفقد قوتها. كما أن التأجيل في مضمونة حتى يكون خطوة نحو الإلغاء... من عوائق التوبة أيضًا: اليأس حيث يقول الخاطئ "كيف يمكنني أن أتوب, وأنا عاجز تمامًا عن القيام من سقطتي؟! وإرادتي لا تستطيع مطلقًا أن تقاوم إغراءات الخطية ومحبتها التي في قلبي, وأفكارها المغروسة في عقلي!! يا أخي إن كنت قد يئست من نفسك, فالسماء لم تيأس من توبتك. وإن كنت غير قادر على الخلاص من شهوات قلبك, فالله قادر على أن يخلصك منها. فقد خلّص كثيرين من قبلك, وكانت حالتهم أسوأ.. فلا تخف إذن, ولا مجال لليأس, ولا تصغر نفسك. فالنعمة حينما تعمل سوف تعطيك قوة. ولا تهم الآن مقاومتك, ضعيفة أو عاجزة يقول البعض: "هل من المعقول أن أعيش طول عمري بعيدًا عن الخطية, وهى تجرى في دمى؟! إن تبت اليوم, فسوف أرجع غدًا!!"إنها مغالطة يلقيها الشيطان في قلبك. كما أنك ستعيش في التوبة بنفس هذا القلب الذي يحب الخطية!! كلا, فسوف يعطيك الله قلبًا جديدًا تُنزع محبة الخطية. وحينئذ لن تفكر في الرجوع إليها, بل ستندم على ما فعلته سابقًا. وشعورك الحالي سوف يتغير. وسوف تزول من عقلك الأفكار والصور التي كانت تلوثه من قبل إذن احترس من الفكر الذي يقول لك "إن التوبة صعبة وغير ممكنة. فكل عائق سوف تزول صعوبته, حينما تعمل نعمة الله معك. على أن أكبر عائق للتوبة, أن يشعر الشخص أنه غير محتاج إلى التوبة وهذا ما يسمونه بالبر الذاتي, أي أن يكون الإنسان بارًا في عيني نفسه! ويقول في جرأة: ماذا فعلت من خطأ حتى أتوب عنه؟! بل إن حياته جميلة في عينيه, كيف يغيّرها! حقًا إن الإنسان لا يمكنه أن يتوب, إلا وشعر بأن في حياته بعض النقائص أو الأخطاء فيسعى إلى إصلاح ذاته. لذلك على كل إنسان -من هذا النوع- أن يصلح موازينه الروحية. ويسعى دائمًا نحو الكمال. حينئذ سوف يشعر بأن المسافة طويلة بينه وبين المطلوب منه أن يفعله. ولكن مما يعوق التوبة, أن يقارن الشخص نفسه بمستويات ضعيفة:- فيظن -مع هذه المقارنة- أنه في حالة حسنة لا تحتاج إلى توبة. أو يضع أمامه الأعذار, كأن يقول "كل الناس هكذا... فهل أشذ عن الكل؟!". طبعًا ليس عذرًا أن يكون الشر مسيطرًا على أغلبية الناس. فأبونا نوح عاش بارًا في عصر سيطرت عليه الخطية, حتى أغرق الكل بالطوفان عمومًا فإن مخافة الله إن وُجدت في القلب, فسوف تبعده عن الخطية, وتقوده إلى التوبة... قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
12 مارس 2019

اليوم الثاني ( الثلاثاء ) من الاسبوع الثاني من الصوم الكبير

باكر قراءات القداس أى 19 : 1 - 17 مز 41 : 4 ، 13 2 كو 9 : 6 - 15 يع 1 : 1 - 12 أع 4 : 13 - 22 مز 41 : 1 إش 5 : 7 - 16 لو 12 : 22 - 31 مر 10 : 17 - 27 الانجيل و فيما هو خارج الى الطريق ركض واحد و جثا له و ساله ايها المعلم الصالح ماذا اعمل لارث الحياة الابدية فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا ليس احد صالحا الا واحد و هو الله انت تعرف الوصايا لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تسلب اكرم اباك و امك فاجاب و قال له يا معلم هذه كلها حفظتها منذ حداثتي فنظر اليه يسوع و احبه و قال له يعوزك شيء واحد اذهب بع كل ما لك و اعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء و تعال اتبعني حاملا الصليب فاغتم على القول و مضى حزينا لانه كان ذا اموال كثيرة فنظر يسوع حوله و قال لتلاميذه ما اعسر دخول ذوي الاموال الى ملكوت الله فتحير التلاميذ من كلامه فاجاب يسوع ايضا و قال لهم يا بني ما اعسر دخول المتكلين على الاموال الى ملكوت الله مرور جمل من ثقب ابرة ايسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله فبهتوا الى الغاية قائلين بعضهم لبعض فمن يستطيع ان يخلص فنظر اليهم يسوع و قال عند الناس غير مستطاع و لكن ليس عند الله لان كل شيء مستطاع عند الله الغني والتبعية للمسيح هكذا تتكشف ملامح الطريق الجديد في بساطته أيضًا لغير الروحيين، إذ هو طريق المسيح المصلوب، وصيته تبدو صعبة تحمل في أعين الجسدانيين حرمانًا، ودعوته تحتضن الأطفال المحتقرين - في ذلك الحين - وتدعونا للطفولة في بساطتها ونقاوتها، والآن إذ يلتقي به شاب غني ارتبط قلبه بثروة هذا العالم حرمه هذا الثقل من العبور مع السيد خلال باب الحب للدخول إلى الطريق الضيق. فالغنى في ذاته ليس شرًا، لكنه يمثل ثقلاً للنفس المتعلقة به، يفقدها حياتها وينزعها عن الالتصاق بمخلصها. يروي لنا الإنجيلي قصة هذا اللقاء، فيقول:"وفيما هو خارج إلى الطريق ركض واحد وجثا له، وسأله: أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحًا، ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله. أنت تعرف الوصايا: لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تسلب، أكرم أباك وأمك" [17-19]. خرج السيد المسيح إلى الطريق ليجد الشاب الغني المُمسك بحب المال هناك، فمع غناه يوجد في الطريق كمن محتاج يطلب شبعًا ولا يجد. شعر الشاب بالجوع والعطش فركض مسرعًا نحو السيد وجثا له وسأله: "أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الصالحة؟" وإذ كان الشاب لم يدرك بعد أنه المسيح ابن الله، عاتبه السيد: "لماذا تدعوني صالحًا، ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله!" إنه لم ينف عن نفسه الصلاح فقد دعا نفسه الراعي الصالح (يو 10: 11؛ لو 2: 15)، لكنه يرفض أن يلقبه الشاب هكذا ظنًا أنه لقب للتفخيم كعادة اليهود في معاملاتهم مع القيادات الدينية، ينعتوهم بصفات خاصة بالله نفسه. وكأنه أراد من الشاب أن يراجع حساباته الداخلية من جهة إيمانه به، وثانيًا ألا يستخدم الألفاظ الخاصة بالله لتكريم الإنسان. يقول القديس أمبروسيوس: [عندما قال: "أيها المعلم الصالح"، قالها بمعنى الصلاح الجزئي لا المطلق مع أن صلاح الله مطلق وصلاح الإنسان جزئي، لذا أجابه الرب: لماذا تدعوني صالحًا، وأنت تنكر إني أنا الله؟ لماذا تدعونني صالحًا والله وحده هو الصالح؟ لم ينكر الرب أنه صالح، بل يشير إلى أنه هو الله... إن كان الآب صالحًا فذاك أيضًا صالح، لأن كل ما للآب فهو له (يو 17: 10)... أليس صالحًا من يدبر صلاح النفس التي تطلبه؟ أليس صالحًا من يشبع بالخير عمرك (مز 103: 5)؟ أليس صالحًا من قال "أنا هو الراعي الصالح"؟ (يو 10: 11).] ويقول القديس كيرلس الكبير: [لقد اقترب وتظاهر بالحديث اللطيف، إذ دعاه معلمًا ووصفه صالحًا، وقدم نفسه كمن يشتهي التلمذة له، إذ قال: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" لاحظ كيف مزج التملق بالخداع والخبث كمن يمزج الإفسنتين بالعسل، حاسبًا أنه بهذا يقدر أن يخدعه. عن مثل هؤلاء قال أحد الأنبياء القديسين: "لسانهم سهم قتال بالغش؛ بفمه يكلم صاحبه بسلام وفي نفسه عداوة" (أر 9: 8). وأيضًا يقول المرتل الحكيم عنهم: "فمهم مملوء لعنة ومرارة" (مز 10: 7)، وأيضًا: "ألين من الزيت كلماته وهي سيوف (حراب)" (مز 55: 21). لقد داهن يسوع، وحاول أن يخدعه، مظهرًا أنه خاضع له. لكن العالم بكل شيء أجاب: "لماذا تدعونني صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله"، إذ مكتوب: "الأخذ الحكماء بحيلتهم" (أي 5: 13). ها أنت ترى كيف برهن السيد أن (الشاب) لم يكن حكيمًا ولا متعلمًا مع أنه رئيس لليهود (لو 18: 18). كأنه يقول له: أنت لا تؤمن إني الله، وارتدائي للجسد قد ضللك، فلماذا تنعتني بما يليق بالطبيعة العلوية وحدها مع أنك لا تزال تحسبني إنسانًا مثلك، وليس أعظم من الطبيعة البشرية؟ فإن الله وحده بطبيعته التي تسمو على الكل يُنسب إليه الصلاح بالطبيعة، الصلاح غير المتغير. أما الملائكة ونحن الذين على الأرض فصالحون بتمثلنا به أو بالحري بشركتنا معه... هو بالحق صالح، صالح مطلقًا، أما الملائكة والبشر فصالحون بكونهم خلقوا هكذا مشاركين في صلاح الله كما قلت... على أي الأحوال كأنه يقول له: أبدو لك إني لست حقًا الله، وها أنت بجهل وغباوة تنسب لي ما يخص الطبيعة الإلهية، في الوقت الذي فيه تحسبني إنسانًا مجردًا، الكائن الذي لا ينسب له الصلاح كطبيعة غير متغيرة، إنما يقتنيه حسب الإرادة الإلهية.] إذ سأله الشاب عن الحياة الأبدية وجهه السيد إلى الوصايا، قائلاً: "أنت تعرف الوصايا: لا تزن، لا تقتل، لا تشهد بالزور، لا تسلب، أكرم أباك وأمك" [18-19]؛ فإننا لا نستطيع التمتع بالحياة الأبدية خارج الوصية الإلهية لقد جاءت إجابة السيد المسيح على خلاف ما توقع هذا الشاب رئيس مجمع يهودي، إذ يقول القديس كيرلس الكبير: [توقع رئيس المجمع أن يسمع المسيح يقول: كُف يا إنسان عن كتابات موسى، أترك الظل، فإنها كانت رموزًا ليس إلا، واقترب بالحري إلى وصاياي، التي أقدمها بالإنجيل. لكنه لم يجب هكذا إذ أدرك بمعرفته الإلهية غاية ذاك الذي جاء ليجربه. فكما لو لم تكن له وصايا أخرى بجانب الوصايا التي أعطيت لموسى أرسل إليهم (المجمع) الرجل (الرئيس) قائلاً له: "أنت تعرف الوصايا"، ولئلا يظن أنه يتحدث عن وصايا خاصة به عدّد الوصايا الواردة في الناموس، قائلاً: "لا تزن، لا تقتل، لا تشهد بالزور".]على أي الأحوال إذ بحكمة أجابه السيد حتى لا يتصيد هذا الرئيس الشاب على السيد أنه كاسر للناموس، فإنه في نفس الوقت سحبه نحو الوصية الإلهية كمصدر للتمتع بالحياة الأبدية. وكما يقول القديس مرقس الناسك أن السيد المسيح نفسه مختفي في الوصية فمن يمارسها عمليًا يكشفه داخلها. بمعنى آخر إن كانت الحياة الأبدية هي تمتع بالمسيح "الحياة" عينها، فإننا نلتقي به عمليًا متى آمنا به خلال دخولنا إلى أعماق الوصية لنجده سّر تقدسينا ونقاوتنا وحياتنا أعلن الشاب أنه قد حفظ الوصايا منذ حداثته فأحبه المسيح، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [لقد أحبه أو قبّله، مظهرًا تثبيت الحق في عمله بقول الشاب أنه حفظها كلها... إذ رآه قد أجاب بضمير صالح.]ربما يتساءل البعض كيف يحب إنسانًا أو يقّبله وهو يعلم أنه لا يتبعه؟ نجيب على هذا أنه أحب فيه البداية الحسنة لكنه لا يحب انحرافه فيما بعد. أحب فيه ما استحق أن يُحب ليدفعه لما هو أعظم، لكن ليس إلزامًا ولا قهرًا، إنما بكامل حريته. لقد أحبه وقدم له الوصية التي تبلغ به إلى الكمال: "يعوزك شيء واحد. اذهب بع كل مالك، وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء. وتعال اتبعني حاملاً الصليب" [21]. من تعليقات الآباء على قول السيد بخصوص ترك محبة العالم وحمل الصليب: حسنًا قال "يكون لك كنز" ولم يقل "حياة أبدية"، أنه يتحدث في أمر الغنى وتركه، مظهرًا أنه يتمتع بما هو أعظم مما ترك بقدر ما السماء أعظم من الأرض. القديس يوحنا الذهبي الفم ليس من انطلقت في نفسه وفي عظامه محبة المسيح ويقدر أن يحتمل قذارة الشهوة المرذولة... ليس من سُبى عقله بحُسن رب الكل يقدر أن يسبيه شيء من هذا العالم بشهواته. الذين ذاقوا عظمة حلاوته صاروا مبغضين كل نعيم. كمال الوصايا هو الصليب، يعني نسيان شهوات العالم وإهمالها، مع اشتياق وتلهف وحب للرحيل، كقول القديس بولس: "لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (في 1: 23). (القديس يوحنا سابا ) أمام هذه الوصية الإلهية وقف الشاب متعثرًا... فقد رأى طريق السيد المسيح صعبًا، لأن محبته للمال قد حرمته من الدخول، إذ يقول الإنجيلي: "فاغتم على القول، ومضى حزينًا، لأنه كان ذا أموالٍ كثيرةٍ" [22]. تألم السيد المسيح لهذا المنظر حين رأى أمور هذا العالم التي خلقها الله للإنسان كي يستعملها استعملته هي لحسابها عبدًا، وعِوَض أن تسنده أذلت قلبه، وربطته في شباك التراب وفخاخه، لهذا "نظر يسوع حوله، وقال لتلاميذه: ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله" [23]. إذ تحير التلاميذ "قال لهم: يا بني، ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله. مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله" [24-25]. لقد كشف لهم أن العيب لا في الغنى إنما في القلب المتكل على الغنى! قال الرب هذا لتلاميذه الفقراء الذين لا يملكون شيئًا ليعلمهم ألا يخجلوا من فقرهم، مبررًا لهم لماذا لم يسمح لهم أن يملكوا شيئًا. ( القديس يوحنا الذهبي الفم ) يقدم لنا القديس أمبروسيوس تفسيرًا رمزيًا لكلمات السيد المسيح: "مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله" بالقول بأن الجمل يشير إلى شعوب الأمم (إش 30: 6) وثقب الإبرة يشير إلى طريق الصليب الضيق، وكأن دخول الأمم خلال طريق السيد المسيح الضيق لهو أيسر من دخول الأمة اليهودية التي تمثل الغنى من جهة تمتعها بالناموس والآباء والأنبياء والوعود الخ. إلى ملكوت الله! ويرى القديس كيرلس الكبير أن كلمة "جمل" هنا تشير إلى الحبال السميكة التي يستخدمها البحارة في السفن، هذه التي لا يمكن أن تدخل في ثقب إبرة. إذ سمع التلاميذ كلمات السيد المسيح "بهتوا إلى الغاية، قائلين بعضهم لبعض: فمن يستطيع أن يخلص؟ فنظر إليهم يسوع وقال: عند الناس غير مستطاع، ولكن ليس عند الله، لأن كل شيء مستطاع عند الله" [26-27]. لقد أدرك التلاميذ صعوبة الطريق بسبب إغراءات المال، لكن رب المجد كشف لهم أنه ليس شيء غير مستطاع لدى الله، فإن كان يسمح لأحد بالغنى، فإنه يقدر بنعمته أن يحول هذا الغنى للخير، كما حوّل غنى إبراهيم ويوسف وغيرهما لمجده. الحاجة إلى واحد، الله الذي يسند النفس، ويجتذبها من كل حبال الشر، ويهبها إمكانية العمل لحساب مملكة الله. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [سبب قوله أن الله هو العامل، الكشف عن أن من يضعه الله في هذا الطريق (الغنى) يحتاج إلى نعمة عظيمة، مظهرًا أنه ستكون المكافأة عظيمة للغني الذي يتبع التلمذة للمسيح.]
المزيد
18 مارس 2019

اليوم الاول من الأسبوع الثالث من الصوم الكبير

القراءات : النبوات : ام ١ : ٢٠ - ٢٣ ، اش ٨ : ١٣ - ٩ : ٧ ، باكر لو١٩ : ١١ - ٢٨ ، البولس ١ كو ٥ : ٩ - ٦ : ٥ ، الكاثوليكون ١ بط ١ : ٣ - ١٢ ، الابركسيس اع ١٧ : ١٠ - ١٤ ، القداس لو ١١ : ٣٣ - ٣٦ ثلاث اسئله حول لقاء المسيح مع الخطاه لقاء المغفرة ينتهي هذا الأسبوع باحد الابن الشاطر ( الابن الضال ) والذي فيه اجمل صور لقاء الاب فاتحا احضانه غافرا ومتناسيا كل اخطاء ابنه ١- سؤال من انجيل القداس : هل العين البسيطه هي الأساس لرؤيه المسيح في لقاء المغفرة ؟؟؟ ( سراج الجسد هو العين فمتي كانت عينك بسيطه فجسدك كله يكون نيرا ومتي كانت عينك شريره فجسدك كله يكون مظلما ، انظر اذا لئلا يكون النور الذي فيك ظلاما لو ١١ : ٣٤ - ٣٥ ) .. لقاء المغفرة الذي تتمناه كل نفس تسعي للقاء المسيح يلزمه عين سليمه نقيه يقع عليها النور فتدركه لان العين مهما كانت سليمه ولكن جلست في الظلمه ( بعيدا عن التوبه ) فهي لاتري اي كأنها عين مريضه ومصابه بالعمي .. يااخي الحبيب العين الشريره تجعل الجسد لا يُستقبل نور المسيح ، النور ( المسيح ) هو الصحه للعين وانعدامه هو المرض .. النور داخلك لاننا شركاء الطبيعه الالهيه ٢ بط ١ : ٤ .. نحن لم نأخذ هذه الطبيعه في أعماقنا لتصير طبيعتنا ولكن لكي نشترك فيها ، نأخذ من خيراتها فالنور يدخل الي اعماق الانسان والإنسان ينتفع بنور المسيح فيصير كل شئ له منيرا !!! لقاء المغفرة يلزمه توبه تستقبل نور المسيح . ٢- سؤال من النبوات : هل الله دائما ينادي ويمد يده للخاطي لكي يقدم له المغفرة ؟؟؟ ( الحكمه تنادي في الخارج في الشوارع تعطي صوتها .. قائله الي متي أيها الجهال ( عديمي التوبه ) تحبون الجهل ( البقاء في الخطيه ) والمستهزئون ( بالتوبه ) يسرون بالاستهزاء والحمقى ( السالك في الخطيه ) يبغضون العلم ارجعوا عند توبيخي ( توبوا ) هاأنذا افيض لكم من روحي ( المغفرة ) أعلمكم كلماتي لاني دعوت فابيتم ومددت !! يدي وليس من يبالي ( ليس من يتوب ) ام ١ : ٢٠ - ٢٤ ) نعم يااخي الله يظل طوال حياتك ليلا ونهارا ينادي عليك في كل مكان ويمد يده لعلك تبالي وتتوب وتأخذ الامر بجديه ولا تكون كالأحمق الذي لايعلم ولايفهم بل قد يستهزئ بدعوه الله له !!! ٣- سؤال من البولس : هل لقاء المغفرة يلزمه المسيح شخصيا ؟؟؟ ( ايتجاسر منكم احد له دعوي علي اخر ان يحاكم عند الظالمين وليس عند القديسين ( لأنهم اكثر رحمه وقدره علي المغفرة ) ... لتخجيلكم أقول ، أهكذا ليس بينكم حكيم ولا واحد يقدر ان يقضي بين اخوته ١ كو ٦ : ١ ، ٥ ) نعم لقاء المغفرة لايصلح له الا المسيح شخصيا اولا لانه رحيم وغفور وكما يقول مزمور اليوم ( اعترف لك بخطيتي ولا أكتم اثمي قلت اعترف للرب بذنبي وانت رفعت اثام خطيتي مز ٣٢ : ٥ ) وثانيا ( أقع في يد الله ولا أقع في يد إنسان لان مراحم الله واسعه ٢ صم ٢٤ : ١٤ ) اذا لن يوجد من يغفر بقوه وبحب الا شخص المسيح الذي يسعي هو الي لقاء المغفرة قبل ان يسعي الانسان نفسه !!!
المزيد
20 يناير 2022

شخصيات الكتاب المقدس زكريا النبى

زكريا النبى " هوذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان "" زك 9: 9 " مقدمة زكريا هو الحادى عشر بين الأنبياء الصغار الإثنى عشر، وكان معاصراً للنبى حجى، ويسميهما البعض « التوأمين بين الأنبياء »، وقد عاد الإسرائيليون من السبى البابلى، وقد عاد زكريا، وهو شاب، مع العائدين فى أول مرة، وكان كاهناً ونبياً، وقد كافح لبناء الهيكل الثانى فى أورشليم، وكان عليه أن يعمل على بناء هذا الهيكل، وفى الوقت نفسه يعد الشعب لحياة أفضل وأكمل، وإذا كان حجى - واسمه يفيد الحجج أو الذهاب إلى العيد، أو يمكن أن ندعوه فى اللغة الشائعة «عياد» الذى يعيد بعد السبى الطويل، ويعود إلى حياة الفرح والبهجة - فإن زكريا يمتد إلى أكثر من ذلك، إذ معناه « الرب يذكر » وقد كشف برؤاه الثمانى المجيدة، ونبواته الرائعة، كيف أن الرب سيذكر شعبه ويضمن سلامهم إلى آخر الأيام،... وهو من أكثر الناس لذلك حديثاً ونبوة عن يسوع المسيح ومجيئه فى الجسد، ووداعته، وصلبه، حتى تنتهى الرؤى والنبوات إلى آخر الأيام، ومن المعتقد أنه فى رؤاه وحديثه عن المسيح، لا يباريه فى هذا الشأن من الأنبياء سوى إشعياء، وأنه فى عرف الكثيرين يأتى تالياً لإشعياء فى هذا المجال!!.. ومن المعتقد أنه بدأ نبوته وهو شاب فى عام 520 ق.م.، وها نحن نراه فيما يلى: زكريا ورؤاه الثمانى المجيدة وهى ثمانى رؤى متتالية مجيدة، يقول البعض إن النبى رآها متلاحقة فى ليلة من الليالى، وقد نهض الناس لبناء الهيكل وربما كان ذلك فى تمام 025 ق.م.... ومن نعم اللّه على الإنسان أنه يعطيه الرؤيا،... وهى بركات روح اللّه التى تحدث عنها يوئيل النبى، عندما ينسكب روح اللّه على كل بشر، فيتنبأ بنوننا وبناتنا، ويرى شبابنا رؤى، ويحلم شيوخنا أحلاماً، والحياة فى الواقع، لا يمكن أن تكون صحيحة أو مجيدة بدون هذه الرؤى والأحلام، ومن ثم فإن الروائيين والكتاب والشعراء، وهم يتخيلون عالماً أفضل وأعظم وأمجد، تمتد رؤاهم عبر الواقع التعس المحزن الأليم،... وقد قال أحد الكتاب: « إن الرجل الذى يستطيع أن يتكلم إلى القلوب المهزوزة والنفوس التعسة، لابد أن يكون ذلك الإنسان الذى يعرف قلبه ونفسه، ومقدار ما عانى من اضطرابات مماثله لما يعانيه الناس الآخرون فى الحياة،.. الإنسان الذى خاض معركته، وجابه الظلام، ووصل إلى النور الذى أعطاه اللّه إياه فى مواجهة الآلام،... هذا الإنسان الذى منحة اللّه لمسة الحنان والرفق تجاه الشكوك والتعثرات والتخبطات التى تحيط بالناس حوله »... ولابد لنا أن نرى النبى بهذا المعنى، إذ أنه ليس الإنسان الذى يتلقى الوحى آلياً، أو الذى لا يدرك معنى الشكوك التى يكافحها، أو التجارب التى يندد بها، أو اليأس، أو البؤس الذى يريد أن يخلص الناس منه،... إنه الإنسان الخاضع لنفس الآلام التى يقع تحتها الآخرون، وقد جرب بتجاربهم، ولكنه بروح اللّه تعلم الانتصار والغلبة على المصاعب والمشاكل والمتاعب التى واجهها، وهو من نبع الإختبار، وبسلام الإيمان، يمكن أن يحارب فى معارك الرب، ويقود الناس إلى النصر فيها »... وبهذا المعنى كان زكريا النبى، وهو يكشف رؤى اللّه للناس!! فإذا تصور الناس فى زحام الحياة ومتاعب الأيام، أن اللّه قد ترك الأرض والقوى فيها يأكل الضعيف، والمستبد يهلك الوادع، وأن الأمور تسير فى كل شئ وفق الأهواء أو النزوات، وبدا كما لو أنه ليس هناك إله يحكم الناس، أو عناية تتمشى فى حياتهم، فإن ملاك اللّه يظهر لزكريا ليرى شجر « الآس »، وهو ذلك النوع من الشجر القصير الصغير، الظليل الجميل الدائم الاخضرار، العطرى الرائحة، وهو الاسم العبرى الذى أطلق على أستير الملكة، وربما أطلقه مردخاى عليهم إشارة إلى جمالها الفائق الفتان، وقد علته مسحة من الكابة والوحشة والتعاسة التى أورثها إياها الفقر واليتم والسبى،... وأورشليم كانت بهذا المعنى شجرة آس، وهى تعود من السبى والمنفى والألم، ولكنها ما تزال ممتلئة بالتعاسة والوحشة والبؤس،... وربما خطر على بال الناس فيها أن اللّه قد ترك الأرض،... ولكنه يؤكد أنه يرسل خيله لتجول فى الأرض كلها، وهو لا ينسى أحداً، ولا يهمل أحداً، ولا يتغاضى عن أحد.ومهما اختلف لون الخيل الحمر والشقر والشهب، ومهما كانت ترمز إلى ألوان العناية فى تعدد مظاهرها،... إلا أن المعنى المقصود هو أن اللّه لا يغفل عن شئ أو يهمل شيئاً فى الأرض!!.. وإذا كانت عناية اللّه تمتد إلى كل الأرض، فإنها تهتم على وجه الخصوص بشجرة الآس، التى ترمز إلى أورشليم، أو إلى كنيسة اللّه العلى،... التى تحيط بها المتاعب أو الضيقات ولكنها ليست متروكة على الإطلاق من اللّه.فإذا تحولنا إلى الرؤيا الثانية، فإننا نبصر هناك أربعة قرون، هى رمز للشر الذى سيطر فترة من الزمان، وبدد يهوذا وإسرائيل وأورشليم، وهذه القرون الأربعة، فى تصور الشراح، هى ممالك بابل، ومادى وفارس، واليونان، وروما، الممالك الأربع العالية التى بددت أورشليم، والتى خرج فى إثرها الصناع الأربعة وهم قوى اللّه العظيمة الأدبية، ورآها بعضهم البر، والعدالة، والضمير، والعناية، وهى التى ستتغلب آخر الأمر، وتقضى على كل المفاسد والاثام والشرور، وتؤكد أن اللّه لا يمكن أن يتخلى عن شعبه وأبنائه، وستسقط كل القوى الطاغية تحت أقدامهم، فإذا جئنا إلى الرؤيا الثالثة، فنحن أمام غلام يحاول أن يقيس أورشليم، ليرى كم طولها وكم عرضها، وقد بدت أمامه صغيرة ضعيفة مخربة، ولكن الملاك يمنعه، لأنه لا يمكن أن تقاس أورشليم التى ستتسع لكل المؤمنين فى الأرض، وهى ليست أورشليم القديمة، التى تعرضت للغزو والفتح والتدمير، بل أورشليم السماوية، كنيسة اللّه التى ستغزو وتمد أطنابها فى الأرض كلها.فإذا كان هناك خوف من آثام الماضى، وهل يمكن أن تتكرر، فنحن إزاء الرؤيا الرابعة، والتى يظهر فيها يهوشع الكاهن العظيم، وهو يمثل شعب اللّه، لابساً ثيابه القذرة، وإذا بالنعمة الإلهية تخلع عنه ثيابه، وإثمه، وتلبسه ثياباً مزخرفة، وتضع على رأسه العمامة الطاهرة، عندما يأتى عبد الرب « الغض » المسيح الذى بنعمته وروحه يزيل إثم الأرض وشرها بدم صليبه!!.. على النحو الذى قرأناه ونحن نتعرض لشخصية يهوشع فيما سبق من الشخصيات،فإذا ظهرت االصعوبات القاسية كالجبال الرواسى فى طريق بيت اللّه وعمله وخدمته، فنحن نرى فى الرؤيا الخامسة منظر المنارة التى كلها ذهب، وكوزها على رأسها وسبعة سرج عليها، وسبع أنابيب للسرج التى على رأسها وعندها زيتونتان... إحداهما عن يمين الكوز والأخرى عن يساره،.. ونحن هنا إزاء بيت اللّه الذى يشع منه النور ليملأ الأرض كلها، وإزاء النعمة التى تجعله دائماً مضيئاً ومنيراً، فإذا كانت هناك صعوبات هائلة، فى طريقه، فإن الجبل يضحى سهلا لا بقدرة الإنسان، أو قوته، أو جهده البشرى، بل بقوة وعمل روح اللّه، كما ذكرنا هذه الحقيقة عند دراسة شخصية زربابل التى يحسن الرجوع إليها فى هذا الموضوع،فإذا قيل: ولكن المدينة ما تزال ممتلئة بالأشرار والمجرمين واللصوص والأثمة والخطاة، فنحن هنا إزاء الدرج الطويل العريض الذى رآه فى الرؤيا السادسة والذى يحمل اللعنة والملعونين، لإبادة أسمائهم من الأرض فإذا قيل أيضاً: ولكن إلى متى يكون هذا، ومتى سيبقى الشر بعيداً عن النهوض مرة أخرى؟؟... فنحن نأتى إلى الرؤيا السابعة فى إيفة الشر التى تجلس فيها امرأة، وقد أغلق على فمها بثقل من الرصاص، وحملت على أجنحة لتدفن فى أرض شنعار، حيث لا تقوم لها قائمة بعد وحتى يبدو هذا مؤكداً فنحن آخر الأمر أمام الرؤيا الثامنة، التى تتحدث عن مركبات اللّه المنتصرة التى تخرج إلى كل مكان فى الأرض،.. ومن الواضح أن الخيل التى تقود المركبات مختلفة الألوان، فالحمر فى عرف الشراح تشير إلى الدم والمعارك التى يستخدمها اللّه كواحدة من سبل العناية وإتمام مشيئته، والدهم - وهى أقرب إلى السواد - تشير إلى الحزن والمجاعة، والشهيب الأقرب إلى البياض، تتحدث من البهجة والمسرة، والمنمرة الشقر، هى مزاج الآمال والآلام والراحة والمتاعب،... وقيل إن الحمر تتجه إلى الشمال إلى بابل، وتتبعها الدهم إلى مادى وفارس، والشهب نحو اليونان!! والنمرة نحو روما،فإذا أخذت الرؤى جميعها معاً، فإنها تبدو أمامنا فى صورة الصراع الظاهر فى سفر الرؤيا بين الخير والشر، وأن الشر مهما يفعل فسيسقط مهما بدت قوته، ومظهره، وسلطانه، وعمله!!... وأن الحق والخير والجمال والنور، مقرر لها الغلبة من أول الأمر ومن ابتداء المعركة!!.. أما زكريا نفسه، يبدو أمامنا فى صورة الرجل الذى يلمع وجهه بالرجاء، فى قلب الظلمة الداكنة!! زكريا والجواب على أسئلة الشعب عندما دمرت أورشليم وأخذ الشعب إلى السبى، وتحول الهيكل ركاماً وأنقاضاً وتراباً، فقد الشعب طقوسه وفرائضه، غير أنه فى السبى - وقد سيطر عليه الحزن، واستبد به الألم - رأى أن يأخذ نفسه بألوان من الصوم، لم تكن عنده أصلا، وعاش السبعين عاماً وهو يصوم وينوح فى الشهر الخامس والسابع،... وبعد أن انتهى السبى، كان لابد أن يسأل نفسه هذا السؤال: ترى هل يستمر فى الصوم، أو يغيره، أو يقلع عنه؟؟،.. وقد كان من المشجع على الاستمرار، أنه رغم العودة إلى أورشليم فإن الخراب الذى يسود البلاد، والحياة التى يعيشها الناس فى ضعف وفقر وجدب، وماتزال قائمة باقية، فهل يستمر فى الصوم إلى أن تنتهى وتتلاشى؟ وقد أجاب اللّه على لسان زكريا، مقرراً أن الأصل عند اللّه ليس الطقس أو الصوم، بل حياة البر والطاعة، وأنهم لو عاشوا هذه الحياة، لما جاء السبى، ولما كانت هناك حاجة إلى التزيد فى الطقوس والأصوام،... وأن السر كل السر فى الضياع هو أن الناس لم تسمع لكلمة اللّه ولا لشريعته وإرشاده، فكانت النتيجة مجئ غضب اللّه العظيم، والعقاب المروع، والنبى يكشف كيف أن الناس لم يسمعوا الشريعة، إذ أصموا آذانهم وثقلوها، وذلك سواء بالانتباه إلى أصوات أخرى تأتيهم من خداع العالم والخطية والشر، أو أنهم تمردوا على الكلمة فامتنعوا عن سمعها، بعد الإنصات أو عدم الذهاب إلى بيت اللّه، ولم يقبلوا الخدمة، فأداروا ظهورهم وأعطوا كتفاً معاندة، وكانت النتيجة أن ضاع السلام وولى، وجاء الخراب والتدمير والتشريد والنفى،والسلام لا يمكن أن يأتى بالفرائض والطقوس،... ومع أن زكريا كان يشجع على بناء هيكل اللّه، ولكنه مع ذلك لم يحاول أن يربط السلام بمجرد المساهمة فى بناء البيت أو تزيينه. إن السلام يرتبط بشئ فى الداخل فى سريرة الإنسان وأعماقه، ومن ثم فليس يكفى أن يصوم الصوم الطقسى فى شهور معينة من السنة، بل المهم أن يحب الحق ويصنع الإحسان والرحمة، ويمد يده للمساعدة، ولمعونة الأرملة واليتيم والغريب والفقير، إن مساعدة الضعيف والعاجز ثمرة من ثمرات الحياة الدينية المتعمقة مع اللّه، وهنا نجد النبى يحض على الدين العملى، وليس النظرى فحسب، وإذ قد لا يفهم الإنسان العقائد اللاهوتية العميقة، وقد يصعب عليه إدراك المباحثات الدينية البعيدة!!... لكنه يستطيع أن يحيا الحياة الدينية بممارستها!! إذ يحدث هذا، يقودنا النبى إلى العصر الذهبى المجيد الذى يتمتع فيه الناس بالحياة المبتهجة السعيدة، فنرى المدينة وقد امتلأت بصبيانها وبناتها، بشيوخها وشيخاتها، وهم يجلسون فى الراحة والأمن والسلام، دون ضيق أو إزعاج، فإذا بدت الصورة جزئياً فى العودة من السبى، إلا أن الأمر لن يقصر على شعب واحد، لأنه: « هكذا قال رب الجنود سيأتى شعوب بعد وسكان مدن كثيرة وسكان واحدة يسيرون إلى أخرى قائلين لنذهب ذهاباً لنرضى وجه الرب ونطلب رب الجنود. أنا أيضاً أذهب. فأتى شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود فى أورشليم وليترضوا وجه الرب. هكذا قال رب الجنود: فى تلك الأيام يمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم يتمسكون بذيل رجل يهودى قائلين نذهب معكم لأننا سمعنا أن اللّه معكم » " زك 8: 02 - 32 " وهنا نخرج من نطاق اليهودية الضيق، إلى مجد المسيحية العظيم!!.. زكريا والنبوات عن المسيح يسوع وقد تتحدث زكريا عن المسيح فى أكثر من نبوة من نبواته، إذ تحدث عن دخوله المنتصر الظافر إلى أورشليم: « ابتهجى جداً يا ابنة صهيون اهتفى يابنت أورشليم. هو ذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان » " زك 9: 9 " وقد اقتبس هذه النبوة متى ومرقس ويوحنا، فى هذا الدخول المجيد، ولعلنا نلاحظ الفرق بين دخول هذا الملك، وغيره من ملوك الأرض،... ولقد قيل إن الإسكندر فى غزواته، وهو يقترب من المدن، كان يثير فيها الفزع والهلع والرعب أما المسيح فلا يمكن أن يقترن دخوله فى مكان ما، إلا بالبهجة والفرح والهتاف، وذلك لأنه يحل ومعه العدل والنصر والسلام،.. كيف لا وهو لا يدخل إلا وديعاً متواضعاً محباً، فوق حمار وجحش ابن أتان، كما فعل عندما دخل مدينة أورشليم ليموت هناك حبا وفداء لجنسنا البشرى الذى ضيعته الخطية، وأماته الإثم والتمرد والعصيان!! كما أن زكريا تنبأ ثانية عن المسيح المحتقر، المرفوض من شعبه: « فقلت لهم إن حسن فى أعينك فأعطونى أجرتى، وإلا فامتنعوا.، فوزنوا أجرتى ثلاثين من الفضة. فقال لى الرب ألقها إلى الفخارى. الثمن الكريم الذى تمنونى به فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخارى فى بيت الرب » " زك 11: 12 و13 " ومهما قيل عن ارتباط هذه النبوة بما جاء فى نبوات إرميا فى الأصحاح الثامن عشر والتاسع عشر، حيث يصور النبى قدرة اللّه وسلطانه على الشعوب بقدرة الفخارى على قطعة الطين فى يده، كما أن اللّه - إذ يأمر النبى إرميا أن يحطم إبريق الفخارى - يكشف عما سيفعله هو، كإله مقتدر، بالأمة الخاطئة، إلا أنه واضح أن النبى زكريا كشف عن المسيح المرفوض، والذى قدره شعبه بثلاثين من الفضة، وهو الأجر الذى يعطى تعويضاً عن العبد إذا نطحه ثور ومات: « إن نطح الثور عبداً أو أمة يعطى سيده ثلاثين شاقل فضة والثور يرجم » " خر 21: 32 " ومهما يقل الناس عن صفقات بخسة فى كل التاريخ والعصور والأجيال، فلا نعرف صفقة تعسة خاسرة كالتى باع بها يهوذا الأسخريوطى يسوع المسيح!!.. قيل إن أحد الشبان الأمريكيين دخل معرضاً من معارض الشمع وإذا به يرى صورة التلاميذ مجتمعين معاً فى حضرة المسيح، فما كان منه إلا أن هوى على تمثال يهوذا الأسخريوطى وحطمه تحطيماً،... وإذا بالمشرف على المعرض يذهل ويقول له: لماذا تفعل هكذا؟!.. « إنه تمثال!، وإذا بالشاب يجيب: تمثال أو غير تمثال،... إن يهوذا الأسخريوطى لا يمكن أن يدخل ولا يتنا إلا وينال هذا المصير ». ومع أن كثيرين إلى اليوم ما يزالون وقد دخلهم الشيطان، يفعلون مثل يهوذا القديم الذى باع سيده بأتفه الأثمان، إلا أن يهوذا ذهب إلى أتعس مصير يمكن أن يصل إليه إنسان!!... وهو المصير الدائم لمن يبيع المسيح الكريم مهما كان الثمن، فكم بالحرى لو كان الثمن تافهاً حقيراً!!.. على أن زكريا عاد فتنبأ عن رجوع اليهود إلى المسيح: « وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إلى الذى طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون فى مرارة عليه كمن هو فى مرارة على بكره » " زك 12: 10 " وربما لم تعرف الأمة اليهودية حزناً عميقاً وشاملاً، كحزنها على يوشيا الملك عندما سقط فى معركة مجدو، التى أشار إليها زكريا النبى: « فى ذلك اليوم يعظم النوح فى أورشليم كنوح هدد رمون فى بقعة مجدون » "زك 12: 11".. ولم يكن هذا إلا رمزاً للألم والبكاء الذى أحسن به اليهود يوم موت المسيح على هضبة الجلجثة: « وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتى كن يلطمن أيضاً وينحن عليه... وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان، رجعوا وهم يقرعون صدورهم "لو 23: 27 و48"... فإذا سار اليهود فى عذابهم وآلامهم ومتاعبهم، فى كل أجيال التاريخ، وعندما يفتح اللّه عيونهم ليعودوا إلى الذى طعنوه، بالألم والحزن والتوبة!!.. فإن النبوة ستتحقق على ما أشار إليه الرسول بولس فى الأصحاح الحادى عشر من رسالة رومية « فإنى لست أريد أيها الأخوة أن تجهلوا هذا السر لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء، أن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملؤ الأمم وهكذا سيخلص جميع إسرائيل. كما هو مكتوب سيخرج من صهيون المنقذ ويرد الفجور عن يعقوب » " رو 11: 25 و26 "وتنبأ زكريا - إلى جانب هذا كله - عن موت المسيح: « استيقظ يا سيف على راعى وعلى رجل رفقتى يقول رب الجنود. اضرب الراعى فتتشتت الغنم وأرد يدى على الصغار » " زك 13: 7 "... ولا أظن أن هناك كلمات يمكن أن تكون أجمل من كلمات ف. ب. ماير يوم قال: « إنه السيف الذى لمع فى يد الكروبيم على باب جنة عدن لحراسة طريق شجرة الحياة، وهدد الزوجين المعتديين بلهيبه المتقلب، إنه سيف العدل، سيف كلمة اللّه المنتقم على العصيان بالموت، وقد نام فى غمده أربعة آلاف عام، وإذا جاز أن نقول، باليقين الإلهى، بأن الرحمة لابد أن تلتقى بالعدل تجاه الناموس المكسور،... كان من المحال أن ينام فى غمده إلى الأبد،... ووعد اللّه لابد أن يتم، وفى ملء الزمان جاء المسيح ليكون كفارة، ليظهر بر اللّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال اللّه لإظهاره بره فى الزمان الحاضر ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع » " رو 3: 25 و26 "... وقد أيد المسيح هذه الحقيقة: وهو يقول لتلاميذه، « حينئذ قال لهم يسوع: كلكم تشكون فى هذه الليلة لأنه مكتوب أنى أضرب الراعى فتتبدد خراف الرعية " " مت 26: 31 ". ولا تنتهى نبوات زكريا قبل الحديث عن مجئ المسيح الثانى العتيد،... وليس المجال هنا للبحث فى الحرفية « أو » الرمزية التى يتتسم بها الأصحاح الرابع عشر من زكريا.. فبعض الشراح يفسر الأصحاح تفسيراً حرفياً، حيث ينشق جبل الزيتون فعلا إلى نصفين يفصلهما واد كبير،... وتحدث معركة هر مجدون آخر معارك العالم التى يحسمها المسيح بظهوره العتيد،... غير أن هناك من يأخذ « أورشليم » أو « الكنيسة » بالمعنى الرمزى، دون أن يحدد صورة حرفية معينة، قد تكون أورشليم المشار إليها فى مطلع الأصحاح الرابع عشر، هى التى دمرها الرومان، أو قد تكون الكنيسة حين انهارت الحياة الروحية وغطاها الظلام فى العصور الوسطى، على أن اللّه لا يمكن ان يتركها أو يهملها، بل سيأتى ليحارب عنها، وينتصر، ويكون الملك له وحده وسواء تم هذا بالمعنى الحرفى أو الروحى، فإنه لا يمكن أن يتم إلا بعد المعاناة والمتاعب والزلازل، والعلامات التى أكد السيد المسيح أنها لابد أن تكون قبل مجيئه الثانى العتيد، فإذا جاء فإن مجيئه سيكون أشبه بعيد المظال الذى يعيد فيه اليهود سبعة أيام، أو فى لغة أخرى، إنه الخروج من تعب الخطية وشدتها وقسوتها ومعاناتها، إلى الراحة والسلام والاطمئنان. والملك الألفى العظيم العتيد،... وسواء كان هذا الملك هو حكم المسيح لمطلق لمدة ألف عام فى الأرض، كما يذهب مذهب، قبل الألف، الذى سبقت الإشارة إليه فى بعض الدراسات السابقة، أو هو انتصار كنيسة الرب يسوع بالمعنى الروحى الذى يقدس فيه كل شئ لمجد السيد، وهو الأرجح فى نظرنا، إذ لا نستطيع أن نفهم أن يتحول كل شئ قدساً للرب: « فى ذلك اليوم يكون على أجراس الخيل قدس للرب والقدور فى بيت الرب تكون كالمناضح أمام المذبح. وكل قدر فى أورشليم وفى يهوذا تكون قدساً لرب الجنود وكل الذابحين يأتون ويأخذون منها ويطبخون فيها. وفى ذلك اليوم لا يكون بعد كنعانى فى بيت رب الجنود» " زك 14: 20 و21 ".. ما لم نفهم الذبيحة المعنى الروحى،... ونفهم أن تقدس أقل الأشياء كالأجراس التى تعلق على رؤوس الخيل، والتى هى للزينة أو للصوت أو الرنين الذى يحدث منها كلما سارت فى الطريق،... أى أن، يصبح كل شئ - صغر أم كبر فى الأرض - لمجد اللّه وجلاله بالمعنى المفهوم فى الحياة المملوكة بالتمام للّه!!.. على أية حال كانت نبوات زكريا عبوراً طويلاً ممتداً من أورشليم وهيكلها القديم، وقد كانت أمام عينى النبى القديم أطلالا دارسة تحاول أن تقو وتنتفض من التراب، إلى أورشليم التى صلبت يسوع المسيح، ورأت من العذاب والضيق مالم تره مدينة أخرى فى كل التاريخ، إلى أورشليم أمنا السماوية، كنيسة الرب يسوع التى ستظهر فى اليوم الأخير بمجده الأبدى الفائق، حين تنتهى اللعنة إلى الأبد، ويصبح كل شئ فى السماء وعلى الأرض قدساً للرب!!..
المزيد
07 ديسمبر 2020

التجسد الألهى وكرامة الجسد

الجسد الإنساني في المسيحية : لقد اخذ الجسد الإنساني كرامة ومجداً بتجسد الله الكلمة " والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الأب مملوء نعمة وحقاً " يو 1 : 14 . لقد شابهنا الرب يسوع المسيح في تجسده في كل شيء ما عدا الخطية وحدها وعندما قام من الموت وصعد للسماء اصعد باكورتنا للسماء ليكون سابق لأجلنا. إن الكنيسة في إيمانها بقيامة الجسد في اليوم الأخير للمكافأة أو العقاب " لأننا لا بد جميعاً أن نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد منا ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً " 2 كو 5 : 10 .الجسد الإنساني ذلك الكيان الأنسانى الذي تكرمه المسيحية والذي يحمل نسمة الحياة داخله من الله ، وهو هيكل الروح القدس الذي يحل عليه بالعماد والميرون المقدس ليقدسه ويطهره" أم لستم تعلمون إن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله ولستم لأنفسكم " . ذالك الكيان الذي يتناول من الأسرار المقدسة " من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير " يو 6 : 54 . إن أجسادنا لها كرامتها بكونها أعضاء جسد المسيح السري الذي هو كنيسته المقدسة " أم لستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء جسد المسيح " 1 كو 6 : 9 . وهذا الجسد الترابي وان مات وتحلل فانه سيقوم جسد نوراني ممجد في القيامة العامة ليحيا في السماء " الذي سيغير جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء " في 3 : 21 .ولهذا تكرم الكنيسة رفات القديسين وتصنعهم تحت المذبح وفي الكنائس لأنهم أكرموا الله في أجسادهم وأرواحهم التي لله لقد أقامت عظام اليشع النبي الميت عندما لامسته قديماً وكانت المناديل وعصائب القديس بولس المأخوذة من على جسده تشفي الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة . وما زالت رفات القديسين تصنع المعجزات في كنائسنا حتى اليوم لأنها تحمل سمات وقوة أشخاصهم وهم كسحابة شهود محيطة بنا وليسوا عنا ببعيد والرب اله أبائنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب واثناسيوس وانطونيوس ومار جرجس اله أحياء وليست اله أموات لان الجميع عنده أحياء . الجسد في الكتاب المقدس : عندما تأتي كلمة جسد في الكتاب المقدس فانه يقصد بها العديد من المعاني ولهذا سنتعرض لها حتى حتى نكون على وعي بمعانيها المختلفة كما جاءت في الإنجيل . " ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد ولكن لأجل المختارين قصر الأيام " مر 13 : 20 ." فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء كل ما في الأرض يموت " تك 6 : 17 . " ويرحض جسده في مكان مقدس ثم يلبس ثيابه ويخرج ويعمل محرقته ومحرقة الشعب ويكفر عن نفسه " لا 26 : 24 . " سراج الجسد هو العين فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً " مت 6 : 23 . " لم يبغض احد جسده قط بل يقوته ويربيه " أف 5 : 29 " بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر " رو 3 : 20 . " وان أطعمت كل أموالي وان سلمت جسدي حتى احترق وليس لي محبة فلا انتفع شيء " 1 كو 13 : 3 – 62 ." وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده " يو 2 : 21 . " الذي حمل خطايا في جسده على الخشبة " ا بطر 2 : 24 ." ولما لم يجدن جسده أتين قائلات إنهن رأين منظر ملائكة قالوا انه حي " لو 24 " 23 . أو عن الجسد الافخارستى في القربان المقدس : " واخذ خبزاً وكسر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم اصنعوا هذا لذكري " لو 22 : 19 . " فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم " يو 6 : 52 ." كاس البركة التي نباركها أليس هي شركة دم المسيح الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح " 1 كو 10 : 16 " لان الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد " أف 5 : 29 . " هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح " رو 15 : 5" فلذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون جسداً واحداً " تك 2 : 24 ، مت 9 : 5 ، أف 5 : 31 " من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد " أع 2 : 30 ." إخوتي انسبائي حسب الجسد " رو 9 : 3 . " إن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال المواعيد في المسيح بالإنجيل " أف 3 : 6" لأننا لما كنا في الجسد كانت أهواء الخطايا تعمل فينا " رو 7: 5. " عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً " 1 كو 9 : 27 . " وإنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد " غل 5 : 16 ." مع المسيح صلبت فاحيا لا أنا بل المسيح يحيا في فما أحياه ألان في الجسد فإنما أحياه في الإيمان ابن الله الذي أحبني واسلم نفسه لأجلي " غل 2 : 20 " ابعد ما ابتدأتم بالروح تكملون ألان بالجسد " غل 3 : 3" أعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى ، عهارة ، نجاسة ، دعارة عبادة أوثان ، عداوة ، خصام ، غيرة ، سخط ، تخريب ، شقاق ، بدعة ، حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه التي اسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضا إن الذين يفعلون هذا لا يرثون ملكوت الله " غل 5 : 20 ، 21 . الأهواء والشهوات الجسدية : المسيحي مطالب أن يسير ويحيا بالروح ، لا حسب الأهواء والشهوات الجسدية بل ينقاد بروح الله للقداسة والمحبة والسلام " الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات " غلا 5 : 24 . أي إننا مطالبون أن نصلب الأهواء والشهوات من النفس وليس ضد الجسد كلحم ودم فالنفس العفيفة تجعل الجسد مقدساً فأعمال وأهواء الطبيعة البشرية العتيقة الخاطئة هي التي نحاربها ونجاهد ضدها .لقد أعطينا الحرية أن نصير أبناء الله بالإيمان ويختم الجسد بكل أعضاءه بالميرون المقدس ليتقدس فكره وإرادته وعمله وسلوكه وجسده بما فيه من غرائز وعواطف وبالتوبة والتناول نأخذ طبيعة جديدة لنحيا حياة البر والقداسة وننمو فيهما وهذا لا يعني عصمتنا من الخطأ لان الإنسان يظل حراً مسئولاً يقدر أن يفعل الخير والشر.إن علاج الخطيئة والشهوات الجسدية هو محبة الله والشركة معه فعندما ننجذب لله ونتحد به بالأسرار والمحبة تتقدس أجسادنا وتعود لنا الصورة الإلهية للإنسان من المخلوق على صورة خالقه في القداسة والبر، وبالتوبة والاعتراف تمحو كل الأوساخ التي تغطي هذه الصورة المقدسة والتواضع والوداعة تلبسنا كرامة من الله وأمام الناس . كرامة الجسد الانساني : أجسادنا هي الهيكل الذي يحتوي النسمة الإلهية التي وهبنا الله إياها وبه نعبر عما في نفوسنا من مشاعر وبه نتحرك ونحيا في وحدة كيانيه نفساً وروحاً وعقلاً وبه نخدم ونصلي وهو يكشف لنا عن قدرة الخالق وعظمة الإنسان كسيد وتاج الخليقة وهو مرآة النفس في أحزانها وأفراحها وخيرها وشرها .لقد أراد الله لنا أن نحيا في انسجام جسداً وروحاً ونفساً لنحقق وجودنا ورسالتنا على الأرض بلا انقسام أو خطية وهنا نرى جمال الجسد وسلامة النفس ووداعتها ، وقداسة الروح ورجاحة وحكمة العقل وقوة الإرادة لنصير هيكلاً لروح الله وأعضاء في جسد المسيح السري الذي هو الكنيسة 1 كو 6 : 5 .إن الجسد بما فيه من أجهزة وأعضاء بشرية كلها مقدسة وظاهرة حتى الأعضاء التناسلية لها كرامتها الفائقة كمستودع لامتداد الحياة البشرية والتعبير عن المحبة الطاهرة ، سر الزواج المقدس فلماذا يستحى البعض من أعضاء لم يستحى الله إن يخلقها بل إعطائها قدسية واحترام " فان الجسد أيضا ليس عضواً واحداً بل أعضاء كثيرة . لا تقدر العين أن تقول لليد لا حاجة لي إليك ولا الرأس أيضا للرجلين لا حاجة لي إليكما . بل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر اضعف هي ضرورية. وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل " 1 كو 12 : 14 – 23 . إن أردت لجسدك كرامة ومجداً ولكيانك وجوداً فاعلاً وحياة أبدية فليكن ذالك بان تحترمه وتزينه بالوداعة والتواضع وتسعى في اقتناء الفضائل وعلى رأسها ثمار ومواهب الروح القدس لكي لا يكون عثرة وان تزين جسدك بلباس الحشمة في زينة الروح وبالأكثر تنمية في الحكمة فالحكمة هي الله نفسه " أنا الحكمة عندي الغنى والكرامة " ام 8 : 18 . فالله يكرم قديسيه " مجد وكرامة لكل من يفعل الصلاح " رو 2 : 1 ، كما أن الاتضاع يعطيك كرامة " ثوب التواضع هو مخافة الرب هو غنى وكرامة وحياة " أم 22 : 4 .فلا تخاصم جسدك أو تكرهه بل ربيه وقوته لكن لا تدلله أو تتخمه بالأكل فيثور عليك ولا تضعفه وتهمله وتقسو عليه فيعتل وتعجز عن الخدمة كما يليق .إن النسك والزهد المسيحي هو حياة ترك وبذل للذات من اجل المسيح الذي بذل ذاته عنا فهو حب وبذل وصوم وجهاد روحي للنمو دون تفكير في كون الجسد خطية هو قهر للأهواء والشهوات الجسدية " فأميتوا أعضائكم التي هي على الأرض . الزنا ، النجاسة ، الهوى ، الشهوة الرديئة الطمع الذي هو عبادة الأوثان " الجسد أذن مقدس وكريم للإنسان الروحي عندما نروضه للبر والقداسة والبذل . الجهاد الروحي : الجهاد الروحي هو أعمال الصلاة والصوم والسهر والبذل والخدمة والعطاء والتوبة وفي ذلك يشترك الجسد والنفس والفكر والروح من اجل إرضاء الله وصنع إرادة الله ومقاومة الأهواء سواء أتت من داخل الإنسان وميوله أو من البيئة المُعثرة في إغرائها أو سواء أتت من الشيطان في حروبه وان كان القلب محصن بمحبة الله والفكر مقدس لله ويفكر ايجابياً في إرضاء الله والحواس مختومة بالنعمة والجسد مضبوط بالجهاد فلا تجد الخطية لها مكان فينا .الجهاد الروحي تؤازره النعمة وعندما يرى الله أمانتنا في الجهاد يهبنا العفة والطهارة وقداسة الفكر وكلما قويت أرواحنا رأينا الجسد يسعى لإرضاء الله في فرح وسلام وحب " حياة الجسد هدوء القلب ونخر العظام الحسد " أم 14 : 30 . " يا الله الهي أنت إليك أبكر عطشت إليك نفسى. يشتاق إليك جسدي في ارض ناشفة ويابسة بلا ماء " مز 63 : 1 .الجسد إذا شريك حقيقى غير منفصل عن الروح في الجهاد يخدم ويصلى ويسجد ويصوم هو جسد مهذب مقدس وليس جسد نعذبه كما يفعل الهندوس مثلاً من اجل التخلص من خطية الجسد وتحرير الروح أو كما قال بعض الغنوسيين أهل البدع انه من صنع اله الشر الأمر الذي تحرمه المسيحية . ففي نسكك ودرجة صومك يجب أن يتم ذلك في اعتدال وحكمة واستشارة لأبيك الروحي إننا بالصوم والنسك والجهاد نسمو ونطلب عمل الروح القدس ونعمته ليقدس كياننا وليست تكفيراً عن خطايانا التي لا يكفر عنها إلا دم المسيح الذي سفك على عود الصليب من اجل خلاصنا . جسدك وكيانك هبة ووزنة من الله لا تسيء إليه ولا تجعله عثرة للآخرين أو سلعة تباع وتشترى فقدموا أعضائكم عبيداً للبر والقداسة رو 6 : 9 " اله السلام يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح " افس 5 : 23 .يقول القديس أغسطينوس " تعال إلى الله بنجاستك وخطاياك ، بقلبك واشتياقك الروحية وفي الخفاء اخلع أعمال الظلمة ، اخلع جسم خطايا البشرية وحينئذ يرفع عنك ويجدد فيك الروح القدس ،الحواس التي فسدت بالإثم وتصير نفوسنا مقدسة وروح الله يسكن فيها .إن خير مثل للحكمة والاعتدال نجده في سيرة الأنبا انطونيوس الكبير الذي ذهب للبرية الداخلية وقضى عشرين سنة في صوم وصلاة ووحدة ولما عرف الناس حياته وذهبوا إليه وجدوه سليما راجح العقل صحيح الجسم يشع سلاماً وصحة وجمال روحي لا ضعيفا من النسك ولا مترهلا من الكسل بل إن كل من كان يراه يمتلئ من السلام ومن قداسته يأخذ عبره وعظه وكان يوصي بحياة الطهارة فيقول برسالة له " يا أولادي الأحباء فلنجاهد من اجل الطهارة حتى الموت ، لنشع بالطهارة فان ثمرتها هي نور وحق واستيقاظ . فلا تصيروا عبيداً للأوجاع الرديئة المرذولة او للذات الشريرة النجسة أمام الله . اكتبوا اسم الله على قلوبكم ليصرخ داخلكم انتم هيكل الله الحي وموضع راحة للروح القدس. ولنسعى في طلب الطهارة لأنها فخر الملائكة حياة الطهارة ومجدها : الطهارة والعفاف المسيحي هم فضيلة ايجابية تعني طهارة الوجدان وقداسة الفكر الداخلي وعفة الحواس والجسد سواء للشباب وللبتولين والمتزوجين ، هي الامتناع عن عمل ما لا يحل من شهوات جسدية مخزية تتعارض مع السلوك الروحي حسب وصايا المسيح .هي طهارة وعفة وامتناع عن الأفكار والممارسات الجنسية للاتحاد بالمسيح سواء بتكريس الروح والنفس والجسد للمتبتلين أو في زيجة مقدسة أمينة في سر الزواج تجعل الجنس تعبيرا عن الوحدة والمحبة والشركة . إننا كنفوس مكرسة لله يعمل فيهم الروح القدس في شركة حب الله كنفوس عذارى " إني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح " 2 كو 11 : 2 .حقاً " ما أحسن الجيل العفيف " مك 4 : 1 . وعندما جاء المسيح متجسدا ولد من عذراء بتول وعاش حياة البتولية وعندما صعد الرب للسماء عهد ليوحنا الرسول البتول برعاية العذراء . ويدعونا الرب يسوع المسيح لحياة القداسة التي بدونها لا يرى احد الرب ولا يمكن أن يطلب الله من الإنسان شيء ليست في استطاعته عمله.والعفاف والطهارة تحتاج منا إلى البعد عن العثرات وتقديس الحواس والفكر والعواطف والغرائز والميول فالعين العفيفة لا تتطلع إلى المغريات أو حتى أسرار الغير واليد لا تلمس أو تمتد إلى عمل أثيم والسمع يتقدس بكلمة الله والفكر الطاهر يبتعد عن الحسد والخبث والشر والأعضاء تتقدس في أداء كل ما يمجد الله " لأنكم اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله " 1 كو 6 : 20 .انظر إلى جسدك نظرة مقدسة روحية " وان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً " أنت هيكل روح الله القدوس " ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء للمسيح أفأخذ أعضاء المسيح واجعلها أعضاء زانية ؟ " 1 كو 16 : 15 .كلما تظل ثابتاً في المسيح القدوس فانه يقودك في موكب نصرته مقدساً حياتك نفساً وجسداً وعقلاً وروحاً محرراً إياك من العزلة أو الانطواء أو الانحرافات الجنسية وكلما أحببته وكانت لك عشرة حية معه اشبع روحك وعواطفك وسمت غرائزك وأحببت الآخرين محبة روحية تنظر أليهم كأعضاء مقدسة في جسد المسيح .لتملأ حياتك بالروحانيات الايجابية من قراءة وصلاة وتأمل وخدمة ونشاط وكف عن التفكير في الشهوات وجاهد من اجل الطهارة فان النعمة تسندك وتطرد عنك كل عاطفة غير مقدسة . نحن نحتاج إلى اليقظة الروحية وعدم الانجراف وراء الحواس والعواطف والأفكار التي تدنس الجسد والروح والنفس فلا ندخل أفكار دنسه إلى عقولنا ولا نجاري الفكر ونسمح له بالتردد على عقولنا طالباين الطهارة كهبة من الله. قدسية الزواج المسيحي : الزواج المسيحي سر مقدس يعمل فيه الله ليوحد الاثنين "ويكون الاثنان جسداً واحداً فالذي جمعه الله لا يفرقه الإنسان" مت 19 : 4 – 6 . إن الأب السماوي يبارك الزواج المسيحي وهو الذي ككل أبوينا ادم وحواء في الفردوس وبارك الرب يسوع عرس قانا الجليل .ويعمل الروح القدس ليقدس الزوجين ويرفع الزواج ليكون كسر اتحاد المسيح بالكنيسة .في الزواج المقدس يقدس الرب البيت المسيحي وكلما كانت محبة الله في بيوتنا انتفى الخصام ويحب الرجل زوجته كنفسه ويبذل من اجل سعادتها وتحترم الزوجة رجلها وتطيعه في تفاهم وتضحية ولا يكون لأحد منهما سلطان على جسده بل للأخر . ويوحد الروح القدس اتصالهما ويجعل مضجعهما نقياً مقدساً وغير دنس تكون العشرة الزوجية تعبيراً عن هذا الحب المقدس والوحدة .وتكون ثمرة البطن الأبناء ، بركة وسعادة للأسرة ولبناء ملكوت الله على الأرض وفي السماء، وتكون الحياة في تفاهم وانسجام وحب واحترام وتعاون وبذل، شهادة لإيماننا وسعادة لحياتنا وعون للأسرة للسعادة على الأرض وللدخول بسعة للدخول للملكوت السماوي .أما الذين قد أعطى لهم مجد البتولية والتكريس وقد أصبحوا نفوس مكرسة للمسيح فقد تمتعوا بالحياة الملائكية وهم على الأرض ، مع الاقرار منهم لقدسية الزواج كسر مقدس . والمكرس لله يحيا حياة الملائكة وهو على الأرض وهو مجاهداً من اجل عفة حواسه وفكره وجسده مقتدياً بسيده مدرباً نفسه على الصلاة والصوم تائباً عن أخطاءه وخطاياه كل يوم نامياً في الشركة والاتحاد بالله إلى أن يدخل العرس السماوي مرتلاً مع المائة والأربعة والأربعين ألفا البتوليين ترتيله الأبكار هؤلاء الذين يتبعون الخروف والراعي الصالح حيثما ذهب ( رؤ 14 : 1 – 4 ) . الهي ما أعظمك ما أعظمك يا رب فيما وهبتني، فسيداً للخليقة جعلتنى، وعلى صورتك خلقتني وعلم معرفتك أعطيتنى، وبالروح الحكيمة كللتني وجسداً بديعاً خلاقاً منحتنى، ما أعظم أعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت. علمنى يا رب أن لا افقد صورتك في، فأكون طاهرا ، جسدا وفكراً وروحاً، بالتواضع والوداعة والحكمة أسير ، وكما تريد لي من قداسة وطهارة وبر أصير ، ساعدني يا رب أن أكون ابنا لك وصورة متواضعة منك ، مقدسا روحى وعقلى وجسدي لإنى ابنك . يا رب أنت تعلم إني أريد أن احبك ، وان لا أكون عثرة لأحد فعلمني أن انظر للجميع أنهم أخوة وأعضاء في الكنيسة المقدسة، امنحني رقة الإحساس لأكون محبة طاهرة ، تعطى بلا مقابل . وتحيا بلا أنقسام ، امنحني شبعاً و اروي عطش نفسي بحبك ، هبني التوبة والنقاوة ، العفة والقداسة لأعاينك داخلي ، ربي ... اصنع لك في داخلي مسكناً لأعاين مجدك كل حين . 1 - تأتي كلمة جسد تعبيراً عن الكيان الإنساني ككل بما فيه من جسد وروح وعقل " إذا أعطيته سلطان على كل ذي جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته " يو 17 ، 2 " . 2 - الجسد اللحمي الذي نلبسه مثلما جاء في العديد من الآيات 3 - جسد الرب يسوع المسيح المتجسد أو الافخارستي : 4 - الكنيسة ككيان مقدس وجسد المسيح السري . 5 - الاتحاد الروحي المقدس 6 - قرابة اللحم والدم 7 - الجسد بمعنى حالة الخطية أو بمعنى الانصياع للشهوات الغريزية. القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
09 يناير 2021

تأملات روحية «والكلمة صار جسداً» ج3

يا لعظمة سر التجسُّد وميلاد المُخلِّص: في ذكصـولوجيـة عيـد الميـلاد المجيـد التي تُنشدها الكنيسة بفرحٍ وتهليل، نُرنِّم قائلين: [حينئذ امتلأ فمنـا فرحـاً ولساننـا تهليلاً، لأن ربنا يسوع المسيح وُلِدَ في بيت لحم... السلام لمدينة إلهنا، مدينـة الأحياء، مسكن الصدِّيقين، التي هي أورشليم. السلام لـكِ يـا بيت لحـم مدينـة الأنبياء الذين تنبَّأوا عن ميلاد عمانوئيل. اليوم أشرق لنا نحن أيضاً النور الحقيقي مـن مـريم العذراء، العروس النقيَّة. مريم وَلَـدَت مُخلِّصنا مُحـب البشـر الصالح، في بيت لحم اليهوديـة كـأقوال الأنبيـاء... هـا السموات تفرح، والأرض تتهلَّل لأنها (أي العذراء مريم) وَلَدَت لنا عمانوئيل نحن معشر المسيحيين]. + والقديس غريغوريـوس الناطق بالإلهيات في عظته عن: ”الثيئوفانيا - ميلاد المسيح“ يُردِّد بتهليل قائلاً: [كلمة الله ذاتـه، الأبدي الذي هـو قبل كل الدهور، وهو غير المنظور، غير المفحوص، وغير الجسدي، البدء الذي مـن البدء، النور الذي مـن النور، مصـدر الحياة والخلـود، صـورة الجمال الأصلي الأول، الخَتْم الـذي لا يزول، الصورة التي لا تتغيَّر، كلمة الآب وإعلانه؛ هذا أتى إلى صورتـه، وأَخَذَ جسداً لأجل جسدنـا، ووحَّد ذاته بنفسٍ عاقلة لأجل نفسي لكي يُطهِّر الشَّبَه بواسطه شَبَهه، وصار إنساناً مثلنا في كلِّ شيء مـا عدا الخطية، إذ وُلِدَ من العذراء التي طُهِّرَت أولاً نفساً وجسداً بالروح القدس. وهكذا حتى بعد أن اتَّخذ جسداً ظـلَّ إلهاً، إذ هـو شخصٌ واحد من الاثنين (لاهوت وناسوت). يا له مـن اتِّحادٍ عجيب، الكائن بذاته يأتي إلى الوجـود، غير المخلوق (كـإله) يُخلَق (أي يتَّحد بناسـوت خَلَقَه هـو بـالروح القدس في أحشاء العذراء)، غير المُحوَى يُحوَى بواسطة نفسٍ عـاقلة تتوسَّـط بـين الأُلوهـة والجسد المادي. ذاك الذي يمنح الغِنَى يصير فقيراً، فقد أَخَذَ على نفسه فقر جسدي، لكى آخُذ أنـا غِنَى لاهوته. ذاك الذي هو الملء يُخلي نفسه، لأنه أخلى نفسه من مجده لفترةٍ قصيرة ليكون لي نصيبٌ في مِلْئه. أيُّ صلاحٍ هذا! وأيُّ سرٍّ يُحيط بي! اشتَرَكتُ في الصورة (عندما خلقني على صورته)، ولم أَصُنْها؛ فاشْتَرَكَ (هو) في جسدي لكي يُخلِّص الصورة (التي تشوَّهت بفعل التعدِّي والسقوط)، ولكي يجعـل الجسد (المائت) عديم الموت... هـذا العمل الأخير (أي تجسُّـد كلمة الله) يليق بـالله أكثر مـن الأول (أي الخلق)، وهو سامٍ جداً في نظر الفاهمين]. «وُلِدَ لكم اليوم... مُخلِّص هو المسيح الرب»: في بشارة مـلاك الرب للـرعاة، يقـول لهم: «لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَومَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» (لو 2: 11،10). وما نُركِّز عليه في هـذه الآيـة هـو قـول الملاك: «... أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَومَ... مُخَلِّصٌ». فقد وُلِدَ لنا المُخلِّص المسيح الرب لكـلِّ واحـدٍٍ منَّا شخصياً. فقد وُلِدَ المُخلِّص لأجل خلاص كلِّ واحدٍ فواحد، لكلِّ مَن يؤمن بـه ويقبله مُخلِّصاً له. هكذا يكون ميلاد المخلِّص، وهكـذا تُردِّد الكنيسة كما ذَكَرنا في ذكصولوجية الميـلاد: ”وَلَدَت (العذراء) لنا عمانوئيل نحن معشر المسيحيين“. وفي نبوَّة إشعياء النبي يقول: «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَـدٌ وَنُعْطَى ابْناً، وَتَكُـونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ: عَجِيباً مُشِيراً، إِلهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ» (إش 9: 6). وتُنشد الكنيسة في لحـن ”Xere ne Maria“ قائلة: ”السلام لكِ يا مريم الحمامة الحسنة، التي وَلَدَت لنا الله الكلمة“. وكذلك تقول الكنيسة في لحن التوزيع ”Piwik `nte `pwn'“: ”خبز الحياة الذي نزل لنا من السماء، وَهَبَ الحياةَ للعالم“. + ويقول القديس كيرلس الكبير: [... إنَّ الربَّ - رغم أنه هو الله - ظهر لنا. ورغم أنه في صورة الآب، هو ذو تفوُّق فائق وشامل، فقد أَخَذَ شكل عبد. ولكن، رغم هذا، فإنه هو إلهٌ وربٌّ، فهو لم يَزَل كما كان (إلهاً قبل أن يتجسَّد)](1). كلمة الله وُلِد كإنسانٍ من العذراء مريم: للمسيح ميلادان: فهو لكونه كلمة الله وابن الله الوحيد فله ميلادٌ أزلي قبل كل الدهور من الآب: «فِي الْبَدْءِ (منذ الأزل) كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ» (يو 1: 2،1)؛ ولأنه تنازَل وأتى إلى عالمنا الساقط لكي يُخلِّصه ويَهَبه الحياة الأبدية، فقد وُلِدَ ميلاداً زمنياً مـن العذراء القديسة مريم: «وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ» (غل 4: 5،4) + ويقـول القديس كيرلس الكبير في هـذا الصدد: [الكلمة الذي من الله الآب، دُعِيَ إنساناً رغم كونـه بـالطبيعة الله، لأنـه اشترك في الدم واللحم مثلنا (عب 2: 14). وعندمـا حـدث ذلك (أي تجسَّـد) لم يفقد شيئاً مِمَّا له (أي لاهوته). وإذ أَخَـذَ طبيعة بشريـة مثلنا (أي مُماثلة لنا في كـلِّ شيء مـا خـلا الخطية وحدها) لكنها كاملة؛ (إلاَّ أنـه) ظلَّ أيضاً الله ورب الكل، لأنـه هو هكذا فعلاً، وبطبيعته، وبـالحقِّ، مـولودٌ مـن الآب (قبـل كـل الدهور) رغم تجسُّده... ورغـم أن العـذراء مريم وَلَدَت الهيكل (كلمة شائعة عند الآباء للدلالة على ناسوت المسيح) المُتَّحد بالكلمة، إلاَّ أنَّ عمانوئيل قيل عنه، وهـذا حـقٌّ: «(الربُّ) مـن السماء» (1كو 15: 47)، لأنه من فوق، ومولودٌ من جوهـر الآب. وإن كان قد نزل إلينا عندما صار إنساناً إلاَّ أنـه من فوق... ولذلك نقول إنَّ ابن الإنسان نزل من السماء، وهذا تدبير الاتِّحاد، لأن الكلمة وَهَبَ لجسده كل صفات مجده وكل ما هو فائقٌ وخاصٌ بالله](2). كلمة الله غير مخلوق، ولكن جسده مخلوق: لقـد سـقط الهراطقـة في فكـرٍٍ منحرف، واختلط عليهم الأمـر، ولم يُميِّزوا بين كلمـة الله غير المخلوق؛ وبين ناسوته الذي اتَّحد به بحسب التدبير، وهو ناسوت مخلوق. وهذا الأمر يشرحه القـديـس أثناسيوس الرسـولي في رسـالتـه ضد أبوليناريوس قائلاً: [لقـد علَّم الآباء أنَّ الابـن مساوٍ للآب في الجوهر، وأنـه ”إلهٌ حقٌّ مـن إلهٍ حقٍّ“، أي أنه كامل من كامل، ثم أضافوا مؤكِّدين: ”نزل من السماء لأجل خلاصنا، وتجسَّد وتأنَّس“. وبعد ذلك نعترف بأنه ”تألَّم وقام“. وحتى لا يُخطئ أحد إذا سمع أنَّ الكلمة تألَّم ومات، ويعتقد أن الله الكلمة قـد تغيَّر جوهـره، أكَّـد الآباء بكـلِّ وضوح، أنَّ الابن غير مُتغيِّر ولا متألِّم... أخبرونـا يـا مَـن اخـترعتم إنجيـلاً جديـداً خاصّاً بكم... مِِن أيِّ مصدرٍ أخـذتم البشارة التي تجعلكم تقولون إنَّ الجسد (الذي اتَّحد به كلمة الله) ”غير مخلوق“؟ أَلا يجعلكم هـذا تتخيَّلون أَمْرَيْن لا ثالث لهما: إمَّا أنَّ لاهوت الكلمة قد تحوَّل إلى جسدٍ، وإمَّا أنكم تعتقـدون أن تدبـير الآلام والموت والقيامة خيالٌ لم يحدث. وهـذان التصوُّران، كلاهما خطـأ؛ لأن جوهـر الثالـوث هـو وحـده غير المخلوق، والأبـدي، وغير المتألِّم وغير المُتغيِّر. أمـا المسيح حسب الجسـد (رو 9: 5)، فقد وُلِدَ مـن الناس الذيـن قيـل عنهم: ”إخوتـه“، بـل تغـيَّر (ناسوتـه وتمجَّـد) بقيامتـه فصـار بعـد قيامتـه «بـاكـورة الراقديـن» (كو 1: 18)... فكيف تُسـمُّون الناسـوت الذي تغيَّر مـن الموت إلى الحياة ”غير مخلـوق“؟ وكيف تفترضـون العكس، عندمـا تُسـمُّون غير المخلـوق (كلمة الله) بـالمُتغيِّر؟ لأنكم عندما تُسمُّون جوهر الكلمة غير المخلـوق بالمُتغيِّر، فأنتم تُجدِّفون على أُلوهيـة الكلمـة. وعندمـا تصفون الجسـد المُتغيِّر المُكـوَّن مـن عظامٍ ودمـاءٍ ونفسٍ إنسانية، أي كل مكوِّنـات أجسادنـا، والذي صار ظاهراً ومحسوساً مثل أجسادنا؛ تصفون كل هذا بأنه ”غير مخلوق“، (فإنكم) تسقطون سقوطـاً شنيعاً في خطأيـن: أولهمـا: إنكم تفترضـون أنَّ الآلام التي احتملهـا (المسيح جسديّاً) هي مجـرَّد خيـال، وهـذا تجديف المانويين؛ أو إنكم تعتَبِرون أنَّ اللاهـوت له طبيعة ظاهرة محسوسة، رغم أنه جوهرٌ غير مخلـوق، وبـالتالي فهـو غير ظاهـر ولا محسوس، وهـذا التصوُّر الأخير يضعكم مع الذين يتصوَّرون أنَّ الله كائنٌ في شكلٍ بشريٍّ جسداني (وهي بدعة تقول إنَّ الله في جوهره مثل الإنسان له أعضاء بشريـة)...](3). تجسُّد كلمة الله لم يَحدَّ من وجوده كإله في كلِّ مكان: وكما يقول بولس الرسول: «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا» (كو 2: 9). ولكن بالرغم من تجسُّد كلمة الله، إلاَّ أنه بلاهوته كائنٌ في كلِّ مكان ولا يخلو منه مكان. وهـذا مـا يُوضِّحه القديس أثناسيوس الرسولي: [لأنـه لم يكـن محصوراً (كـإله) في الجسد - كما يتوهَّم البعض - أو أنه بسبب وجوده في الجسد كان كـل مكانٍ آخر خالياً منه، أو أنـه بينما كـان يُحرِّك الجسد كـان العالم محروماً من أفعال قدرتـه وعنايته. غير أنَّ الأمـر العجيب والمُدهش جداً هـو أنـه مع كونه هـو الكلمة الذي لا يحويه شيء، فإنه هـو نفسه يحوي كـل الأشياء. وبينما هـو موجودٌ في كل الخليقة؛ فإنه، بحسب جوهره، هو مُتميِّز عـن كل الخليقة. فهو حاضرٌ في كل الأشياء بقدرتـه فقط، ضابطاً كل الأشياء ومُظهِراً سيادتـه على كـل شيء وعنايتـه بكلِّ شيء، وواهباً الحياة لكلِّ شيء. ومـع إنه يحوي كل الأشياء ولا يحتويه شيء، إلاَّ أنه كائنٌ كلِّيةً في أبيه وحده. وهكذا حتى مـع وجوده في جسدٍ بشري، مُعطياً الحياة له، فقد كـان مـن الطبيعي أن يمنح الحياة للكون كله في نفس الوقت... لم يكُن (كلمة الله) مُقيَّداً بسبب الجسد (الذي اتَّحد به)، بل بالحري كـان يستخدم جسده. ولذلك فهو لم يوجد في الجسد فقط، بل كان موجوداً بـالفعل في كـلِّ شيء... وهـذا هو الأمر العجيب، أنه بينما كان يتصرَّف كإنسانٍ، كان ككلمة الله يُحيي كـل الأشياء، وكابنٍ كـان كائناً في أبيه. ولذلك عندما وَلَدَته العذراء، لم يَعتَرِه أي تغيُّر (من جهة لاهوته)، ولا تدنَّس بحلوله في الجسد؛ بل بالعكس فهو قد قدَّس الجسد أيضاً](4). افتقر وهو الغَنِي، لكي نستغني بفقره: لقـد أوضح القديس بـولس ولخَّص تـدبير التجسُّد في هـذه الكلمات: «فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِـنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (2كو 8: 9). فكلمة الله هو الغََنِي بلاهوته وقدرته الإلهية، لكنه من أجلنا ومن أجل خلاصنا، سُرَّ أن يفتقر أي يُخلي ذاته من مجد لاهوتـه، ويأخـذ جسـداً وضيعاً يتَّحد بـه ويصـير في شِـبْه النـاس؛ لكي نستغني نحـن الفقراء بـالخيرات العتيدة وبـالشركـة مـع الله وبـالحياة الأبديـة بواسـطة تجسُّـد كلمـة الله. ولذلك يقول القديس يوحنا في إنجيله: «وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَـا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ» (يـو 1: 16)، ويقول أيضاً القديس بولس: «وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، الَّذِي هُـوَ رَأْسُ كُـلِّ رِيَاسَـةٍ وَسُلْطَانٍ» (كو 2: 10). ويُوضِّح بطرس الرسول الغايـة النهائية مـن تجسُّد ابـن الله، بـأن نصـير: «شُرَكَـاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ» (2بط 1: 4). وفي الختام، نذكُر مرد إنجيل باكر عيد الميلاد، إذ من أجلنا: ”غيرُ المُتجسِّد تجسَّد، والكلمةُ تجسَّم. غيرُ المُبتدئ ابتدأ، غير الزمني صار زمنياً“. (1) ”تفسير إنجيل لوقا“، الأصحاح الثاني، العظة الثانية. (2) ”شرح تجسُّد الابن الوحيد“: 4. (3) ”ضد أبوليناريوس“: 3. (4) ”تجسُّد الكلمة“، 17: 5،4،1.
المزيد
01 أبريل 2019

يوم الإثنين اليوم الاول من الأسبوع الخامس

النبوات: أم5:3-18 أش 33:37-6:38 أى1:22-30 القراءات: مزمور باكر: (٢:٨٧،٣) إنجيل باكر: لو 16:12-21 البولس: فى1:2-16 الكاثوليكون: ١بط 10:3-18 الإبركسيس: أع 25:10-35 مزمور إنجيل القداس: (٣:٨٥،٤) إنجيل القداس: لو12:9-17 إنجيل القداس: هنا نرى أثر الخطية ألا وهو الجوع (روحي ونفسي وجسدي). والمسيح أتى كمشبع للعالم. هذا الإنجيل هو إنجيل الخمس خبزات والسمكتين. مزمور الإنجيل: فرح نفس عبدك من يشبع بالمسيح يفرح. وحتى نشبع نصرخ لله إرحمني يا رب فإني صرخت إليك. ولكن من يحيا في الأرضيات لن يشبع، لذلك يقول المرنم رفعت نفسي إليك يا رب. إنجيل باكر: رأينا في المزمور طريق الشبع أن نرفع أنفسنا للرب (مزمور إنجيل القداس). وهنا نجد العكس، فالغني الغبي لا يفكر سوى في الأرضيات. وبولس الرسول يقول "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس..". وهذا يشمل الإنشغال بالسماويات وهذا لابد له أن نبدأ بالتغصب في الصلاة والتسابيح حتى نتذوق لذة الحياة السماوية فننشغل بها. أما هذا الغني فكل ما يشغله أمواله وملذاته وهو ناسيًا تمامًا أنه سيموت. مزمور باكر: أمل يا رب سمعك إلى طلبتي أن أكتشف لذة السماويات. فقد إمتلأت من الشر نفسي أي من محبة العالم. ولو إستمرت حياتي هكذا في محبة العالم حسبت مع المنحدرين في الجب فالمرنم يصلي ولنصلي معه لكي لا تذهب أنفسنا إلى الجحيم. البولس: نرى هنا كيف نرفع أنفسنا [ ١] إن كانت تعزية ما في المسيح.. والمقصود فلنشرك المسيح معنا في كل خطوة في حياتنا [ ٢] بالتواضع ومن يتواضع يرفعه الله ويجعله يحيا في السماويات. [ ٣] نتمم خلاصنا بخوف ورعدة. الكاثوليكون: إستكمالا للبولس نجد هنا طريقة رفع أنفسنا. [ ١] لنكفف لساننا عن الشر.. ولنكفف عن المكر ولنحد عن الشر ونصنع الخير.. الإبركسيس: قراءات الصوم الكبير (يوم الإثنين من الأسبوع الخامس) ٦٢ قصة كرنيليوس وإرسال بطرس له وفيها نرى أن الله لابد وأن يسمع لصلواتنا كما إستمع صلوات كرنيليوس وأرسل له بطرس لينقله من الأرضيات للسمائيات. :(١٨- (أم ٥:٣ أيضًا نجد هنا كيفية الشبع بالمسيح.. إبعد عن كل شر فيكون الشفاء في جسدك. إكرم الرب من مالك.. فتمتلئ مخازنك شبعًا. طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة [ ١] الحكمة هي ما سبق [ ٢] ولكن الحكمة هي أيضًا شخص المسيح، وطوبى لمن يكتشف شخص المسيح المشبع لنا علي الأرض وهو لنا حياة أبدية في السماء= هي شجرة حياة للمتعلقين بها= هي أي الحكمة. والمتعلق بالمسيح أقنوم الحكمة ويثبت فيه تكون له حياة أبدية. :(٦:٣٨- (إش ٣٣:٣٧ نجد هنا هلاك جيش أشور (المتمسكين بالأرض، المتكبرين). ومن هنا نرى لماذا عوقب المخلع (إنجيل الأحد) فهو عوقب بسبب شره. أما حزقيا البار فإمتدت حياته ١٥ سنة تحقيقًا لما جاء في الأمثال هي شجرة حياة. :(٣٠- (أي ١:٢٢ بماذا ينتفع الرب إن كنت أنت تتزكى في أعمالك المعنى أن الله لن ينتفع إن كنت أنا بارًا بل أنا الذي سأنتفع. وهنا نرى المصائب التي تنزل على الخاطئ (بغض النظر عن أن أيوب كان برئ من كل هذه الإتهامات). وأن التوبة طريق لعودة البركات
المزيد
04 مارس 2019

اليوم الاول من الاحد الاول من الصوم الكبير

انجيل القداس : مرقس 9 : 33 – 50 33 و جاء الى كفرناحوم و اذ كان في البيت سالهم بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطريق 34 فسكتوا لانهم تحاجوا في الطريق بعضهم مع بعض في من هو اعظم 35 فجلس و نادى الاثني عشر و قال لهم اذا اراد احد ان يكون اولا فيكون اخر الكل و خادما للكل 36 فاخذ ولدا و اقامه في وسطهم ثم احتضنه و قال لهم 37 من قبل واحدا من اولاد مثل هذا باسمي يقبلني و من قبلني فليس يقبلني انا بل الذي ارسلني 38 فاجابه يوحنا قائلا يا معلم راينا واحدا يخرج شياطين باسمك و هو ليس يتبعنا فمنعناه لانه ليس يتبعنا 39 فقال يسوع لا تمنعوه لانه ليس احد يصنع قوة باسمي و يستطيع سريعا ان يقول علي شرا 40 لان من ليس علينا فهو معنا 41 لان من سقاكم كاس ماء باسمي لانكم للمسيح فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره 42 و من اعثر احد الصغار المؤمنين بي فخير له لو طوق عنقه بحجر رحى و طرح في البحر 43 و ان اعثرتك يدك فاقطعها خير لك ان تدخل الحياة اقطع من ان تكون لك يدان و تمضي الى جهنم الى النار التي لا تطفا 44 حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفا 45 و ان اعثرتك رجلك فاقطعها خير لك ان تدخل الحياة اعرج من ان تكون لك رجلان و تطرح في جهنم في النار التي لا تطفا 46 حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفا 47 و ان اعثرتك عينك فاقلعها خير لك ان تدخل ملكوت الله اعور من ان تكون لك عينان و تطرح في جهنم النار 48 حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفا 49 لان كل واحد يملح بنار و كل ذبيحة تملح بملح 50 الملح جيد و لكن اذا صار الملح بلا ملوحة فبماذا تصلحونه ليكن لكم في انفسكم ملح و سالموا بعضكم بعضا الملكوت والتواضع إن كان السيد قد رسم لنا طريق خلاصنا بصليبه الذي جاء مخالفًا تمامًا لما ظنه البشر، ففي محبته يشتاق أن يحملنا معه في طريقه الخلاصي خلال التواضع. لقد ظن العالم أن الكرامة الزمنية والسلطة هما طريق الملكوت، لكن الصليب يعلن التواضع سمة ملكوت الله، لذلك إذ كان التلاميذ يتحاجون في الطريق في من هو الأعظم [34]، نادى السيد المسيح الإثني عشر وقال لهم: "إذا أراد أحد أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادمًا للكل. فأخذ ولدًا وأقامه في وسطهم ثم احتضنه، وقال لهم: من قبل واحدًا من أولاد مثل هذا باسمي يقبلني، فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني" [35-37]. لقد وضع السيد المسيح يده على جرحنا البشري القديم، ألا وهو حب الإنسان للكرامة الزمنية والتسلط. فضح جرحنا مقدمًا لنا نفسه مثالاً ودواءً! فقد بدأ أولاً بإعلان الجرح عندما سألهم عما كانوا يتكلمون فيه ليعلن أنه كلمة الله العارف الخفايا والناظر الكل، فاحص القلوب والكِلى. إذ كشف الجرح أعطى الدواء بتعليمه عن مفهوم الرئاسة الروحية خلال التواضع الممتزج حبًا. ثم قدم لهم مثلاً عمليًا باحتضانه ولدًا ليقبلوا هم البشرية بروح الحب كطفلٍ يحتضنوه ويغسلوا قدميه، فيصيروا خدامًا لا أصحاب سلطة. أما المثل العملي للآخرين فقد وضح بقوله أنه من يقبله لا يقبله هو، بل الذي أرسله، مع أنه واحد مع الآب! في حب ممتزج بالطاعة يقدم الابن الآب وإن كان لا ينفصلان قط! فيما يلي بعض مقتطفات للآباء بخصوص الخدمة الحقيقية وروح التواضع: ناقش التلاميذ في الطريق من يكون رئيسًا، أما المسيح نفسه فنزل ليعلمنا التواضع. فإن الرئاسات تجلب التعب، أما التواضع فيهب راحة! القديس جيروم + يريدنا ألا نغتصب الرئاسات لأنفسنا، بل نبلغ العلويات السامية بالتواضع... يا لعظمة التواضع، إذ تربح لنفسها سكنى الآب والابن والروح القدس. ( الأب ثيؤفلاكتيوس) حثهم على التواضع والبساطة بنفس المنظر، لأن هذا الولد طاهر من الحسد والمجد الباطل ورغبة الترأس. القديس يوحنا الذهبي الفم ) التواضع رفع موسى، أما المتكبرون فابتلعتهم الأرض. التواضع هو أرض حاملة للفضائل، فإن نُزع التواضع هلكت كل الفضائل. آباؤنا الجبابرة مهدوا لنا الطريق، إذ لبسوا التواضع الذي هو رداء المسيح، وبه رفضوا الشيطان وربطوه بقيود الظلمة. البس التواضع كل حين، وهو يجعلك مسكنًا لله. ( القديس يوحنا سابا ) الملكوت واتساع القلب إذ حدثنا عن الملكوت الإلهي كيف نخدمه بالتواضع خلال الصليب، خشي لئلا يفهم ذلك بطريقة سلبية لذلك كشف ربنا يسوع المسيح هنا عن التزام أبناء الملكوت للعمل بقلبٍ متسعٍ. فإن كان السيد المسيح نفسه جاء إلى الصليب في اتساع قلب للبشرية لاق بأبنائه أن يحملوا ذات سمته. قال له يوحنا: "يا معلم رأينا واحدًا يخرج الشياطين باسمك، وهو ليس يتبعنا، فمنعناه، لأنه ليس يتبعنا" [38]. لعل القديس يوحنا لم يمنعه عن غيرة منه أو حسد، لكنه اشتاق أن تكون لهذا الإنسان تبعية للسيد المسيح ولقاء معه، ولا يكون مستغلاً لاسم السيد المسيح في إخراج الشياطين. لكن السيد قال له: "لا تمنعوه، لأنه ليس أحد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعًا أن يقول عليّّ شرًا. لأن من ليس علينا فهو معنا، لأن من سقاكم كأس بارد باسمي لأنكم للمسيح فالحق أقول لكم أنه لا يضيع أجره" [39-41]. هذا الحديث يكشف أن ذاك الذي كان يخرج الشياطين لم يكن ضد المسيح لا بفمه ولا بقلبه، بل كان يعمل لحساب المسيح بإيمان صادق، وإن لم تكن قد أُتيحت له الفرصة للتبعية الظاهرة. إيماننا لا يقوم على أساس تعصبي وتحكم في الآخرين، بل اتساع القلب للكل والوحدة مادام الكل يعمل خلال إيمان مستقيم. وحدتنا الكنسية المسكونية لا تقوم على تجمعات، وإنما على وحده الإيمان الحيّ. هذا ونلاحظ أن السيد قد تحفظ في كلماته، إذ يوجد أيضًا من يصنع قوات باسم المسيح لكنه يضمر شرًا في قلبه كالهراطقة مسببي الانقسامات والأشرار في حياتهم العملية. يقول السيد نفسه "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب أليس باسمك تنبأنا، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: أني لا أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7: 22-23).بهذا القلب المتواضع والمتسع بالحب يلزم أن نسلك دون أن نعثر الآخرين، وفي نفس الوقت دون أن نتعثر بسبب الآخرين، أي ليكن قلبنا متسعًا بالحب، لا على حساب خلاص إخوتنا الأصاغر، ولا على حساب خلاص نفوسنا.فمن جهة تحذيرنا من عثرة الصغار يقول: "من أعثر أحد الصغار المؤمنين بي، فخير له لو طوّق عنقه بحجر رحىَّ وطرح في البحر" [42]. بمعنى آخر يليق بنا أن تكون قلوبنا متسعة، فنحتمل ضعفات الآخرين كصغارٍ نترفق بهم ولا نعثرهم في الإيمان. ويقدم لنا البابا غريغوريوس (الكبير) تفسيرًا لهذه العبارات بقوله أن حجر الرحى يُشير إلى العلماني الذي يرتبك بأمور هذه الحياة فيدور حول نفسه كما حول حجر رحى في مللٍ وتعبٍ بلا هدف ولا راحة، أما الطرح في أعماق البحر فيعني أشر أنواع العقوبة، وكأنه خير لذلك الذي يرتدي ثوب العمل الكرازي أو الخدمة ويعثر الصغار أن يترك وظيفته ويصير علمانيًا، فإنه حتى وإن نال أشر أنواع العقوبة فسيكون له أفضل من إعثار الآخرين وهو خادم، لأنه بدون شك إن سقط بمفرده تكون آلامه في جهنم أكثر احتمالاً.بقدر ما يتسع قلبنا بالحب لا نُعثر صغار نفوس، ويلزمنا بحكمة أيضًا أن نهرب من النفوس المعثرة لنا، لكن دون إدانة لهم، إذ يقول: "وإن أعثرتك يدك فأقطعها، خير لك أن تدخل الحياة أقطع، من أن تكون لك يدان وتمضي في جهنم إلى النار التي لا تطفأ، حيث دودهم لا يموت، والنار لا تُطفأ" [43-44]. وما يقوله عن اليد يكرره بخصوص الرجل والعين أيضًا. وقد سبق لنا تفسير مفهوم اليد والرجل والعين روحيًا، لذا نكتفي بعبارة القديس يوحنا الذهبي الفم [لا يتحدث هنا عن أعضائنا الجسدية بل عن أصدقائنا الملازمين لنا جدًا، والذين يحسبون ضروريين لنا كأعضاء لنا، فإنه ليس شيء يضرنا مثل الجماعة الفاسدة (الصداقات الشريرة).]أخيرًا يختم حديثه عن فاعلية المسيحي باتساع قلبه نحو الكل، مشبهًا إياه بالملح الذي يُصلح الآخرين من الفساد، قائلاً: "لأن كل واحد يُملح بنارٍ، وكل ذبيحة تُملح بملح. الملح الجيد، ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة، فبماذا تصلحونه، ليكن في أنفسكم ملح، وسالموا بعضكم بعضًا" [49-50]. كأنه يقول أن الملح يفقد كيانه إن فقد ملوحته التي بها يُصلح الطعام، هكذا المسيحي يفقد كيانه كمسيحي إن فقد حبه للغير ومسالمته للآخرين. الحب ليس سمة أساسية في حياتنا بل هو بعينه حياتنا، بدونه نفقد وجودنا المسيحي.ماذا يعني بقوله "كل واحد يُملح بنار"؟ في العهد القديم كانت الذبائح يلزم أن تُملح قبل تقديمها على المذبح لتحرق، هكذا إن كانت حياتنا ذبيحة حب، فالله لن يقبلها ما لم تكن مملحة بملح الحب الأخوي.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل