المقالات

15 فبراير 2021

عِيدُ دُخُولِ المَسِيحِ إلىَ الهَيْكَلِ

تعيِّد الكنيسة بدخول المسيح إلى الهيكل؛ وهو البكر والابن الوحيد الممسوح من الآب... تقدَّم ليطيع ظلال الناموس ويقدم ذبيحة بحسب ما كانت العادة حينئذٍ؛ بينما هو غير محتاج أن يقدم ذبيحة لأنه هو الذبيحة الحقيقية؛ الذي ظهر في الوقت المعيَّن ليخلص الذين هلكوا؛ وليكون نور إعلان رحمة الأمم وفداء إسرائيل؛ الذي يتقد خلاصه كمصباح وسراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبنا تقدَّم إلى الهيكل كأعمق ما تحمله فريضة تقديم الأبكار من معانٍ؛ صائرًا تحت الناموس ليكمل كل بر وليعتق ويفتدي الجميع من لعنة الناموس... صعد إلى الهيكل لكي يتكرس كحق الله؛ وقدم نفسه رائحة زكية عطرة لكي يقدمنا نحن إلى الله الآب ويمحو العداوة التي استحكمت وينزع عنا سلطان الخطية كان هذا الاحتفال في جوهره عملية تكريس وصعود وتقدمة وذبيحة بذل وقرابين وعبور فصحي... عندما حُمل المسيح إلى الهيكل وهو رضيع على صدر أمه؛ التي قدمتْ ما أعطاها الله إياه - كما نصلي نحن ونقول "نقدم لك قرابينك مما لك على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال... لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك – بينما هو التقدمة الوحيدة المعتمدة؛ التي جعلتنا قريبين بدمه سالكين في نور وجهه ورحمته؛ وإليه تأتي أطراف الأرض ليجدوا عونهم ومجدهم وفي هذا العيد التكريسي يُقدَّم الابن المتجسد لله أبيه كمثل أعلى للتكريس؛ في هيكل قدسه... عندما أكملت أمه العذراء خادمة المشورة الإلهية أيام تطهيرها الأربعين. حملته على ذراعيها وهو حامل كل الأشياء بكلمة قدرته؛ وهو كلمة الله الجالس عن يمين أبيه؛ لكنه جاء إلى الهيكل محسوبًا بين الأبكار بحسب الناموس... تقدم كقدس وكمكرَّس لله بينما هو الممجد والمتعجب منه بالمجد. حملته أمه وهو قابل الكل مع قربانه؛ ليأتي بالذبيحة لهيكل القدس وليتمم صناعة عادة الناموس؛ وهو سيد الناموس وواضعه... وقد أبطل بذبيحته كل ذبائح العهد القديم وشرائعه الطقسية وأحكامه التطهيرية؛ التي كانت رمزًا لذبيحته التي قدمها بروح أزلي لكي يطهر ضمائرنا من أعمالها الميتة؛ ولكي نخدم الله الحي ويطهرنا من خطايانا مطهِّرًا ومقدِّسًا إيانا بغسل الماء بالكلمة. وتقديم المسيح للهيكل هو (فعل ذبائحي) يتزامن مع تطهير أمه القديسة وتقديمها زوج يمام وفراخ الحمام؛ عندما أكملت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى؛ وكان عمر المسيح أربعين يومًا؛ وبينما أمه كلية الطهر أداة الولادة لم تخضع لقوانين الطبيعة؛ فقد ولدته وهي عذراء وبتوليتها مصونة؛ والمولود منها من الروح القدس هو البريء من خطية آدم؛ لكنه أتى إلى الهيكل لإعلان تكريسه وليكمل ما أتى من أجله؛ تكريسًا كاملاً كليًا؛ فصحًا بريئًا؛ فصحًا شريفًا من العيب. بذل به نفسه التي لم تخطئ فداءًا لكل الخطاة؛ وشفع في المذنبين ووهب الخلاص المجاني لكل من يؤمن ويقبَل... وهو الذبيحة الكاملة الفريدة التي تحققت بها وفيها كل ذبائح العهد القديم كظلال ورموز للمرموز إليه؛ مخلصنا الصالح ومنقذنا الوحيد ومنجي نفوسنا من المُهلك. لقد جعل التدبير الإلهي من دخول المسيح إلى الهيكل يومًا احتفاليًا... فها هو سمعان الشيخ البار التقي الذي ينتظر تعزية إسرائيل؛ امتد به العمر طويلاً ليخدم عظمة سر التقوى... ولأنه كاهن قبة التقديس؛ لذلك كان الروح القدس عليه؛ فساقه وقاده لدخول الهيكل لحظة حضور العذراء حاملة المسيح المسيا... وبعد التطهير والذبح والإحراق ورش الدم؛ تعرَّف هذا الحبر البار والنفيس على المسيح في الحال؛ وبجراءة وقدوم أخذه بدالة على ذراعيه؛ وحمل سيد الكل؛ ليتحقق وعد الله له بأن يبقى إلى أن تكتحل عيناه بمرأى مخلص العالم... فروح الله روح النبوة الكاشف الآتيات والحاضرات جعله ينتظر التعزية بتقوى؛ ويتأهل باستعداد للانطلاق من سجن الجسد... فسار بخطوات سريعة ولم يكن إتيانه إلى الهيكل إعتباطيًا أو مجرد صدفة؛ لكنه كان مسوقًا بإلهام من الروح القدس؛ حيث تعرف على المسيح وسط مئات الأطفال ورأى الخلاص رؤية العين؛ وأمسك بالحياة الأبدية بين ذراعيه؛ عندما مد يديه المباركتين نحو سيد الكل وحمل على يديه الذي أخذ بشريتنا على عاتقه؛ وعوضًا عن أن يباركه مثل بقية الأطفال؛ انحنىَ ليتبارك منه "لأن الأصغر يُبارَك من الأكبر" (عب ٧:٧)، فلم يكن سمعان الكاهن هو الذي يقدمه لله؛ بل سمعان قُدِّم لله بواسطته. ساروا به في الهيكل وهو الذي لا تسعه السموات العُلا والذي يسيِّر الأفلاك والنجوم على هُداه... أتت العذراء تحمله وأعطته ليد سمعان الكاهن؛ فهو سر مجدنا وخلاصنا وإكليل فخرنا... حملا الذي يحمل المسكونة كلها على كفه والذي يعلق الأرض على لا شيء... كنز الحياة حملوه طفلاً على الأذرع وسندوا رأسه التي تسند الأكوان وتقيم الجبال الرواسي؛ فلا تميد!! نظروا الأذرع التي فكت أسر الخليقة كلها والوجه الأبرع جمالاً من بني البشر؛ والذي ترتاع الخليقة كلها عندما يحتجب عنها... نظروا عينيه كهدب الصبح وفمه الذي تخرج منه المصابيح؛ واشتموا طيبه كمنبع الطيب والعطر الذي يجعل البحر كقدر عطارة. ففي وسط البر والتقوى والخلاص والبركة والوعد والانطلاق يأتي المخلص لكل من يتوقعه ويترقب حضوره في سعي وانتظار واثق "عَزُّوا عَزُّوا شعبي... طيِّبوا قلب أورشليم... جهادها كمُل... إثمها قد عُفي عنه" (إش ١:٤٠). فعندما بحث سمعان عن مسيح الرب وحمله واحتضنه؛ حمل الحياة ذاتها بيديه الشائختين... احتضنه وطلب منه الانطلاق وسأله أن يحله من رباط الجسد... لينطلق الطير وينكسر الفخ ويرقد بشيخوخة مباركة؛ تتردد ظفراتها الأخيرة "الآن أطلق عبدك أيها السيد؛ لأن عيني قد ابصرتا خلاصك الذي أعددته قدام كل الشعوب". لقد قدم سمعان الشيخ شهادة للخلاص الشامل المقدَّم لجميع الشعوب والأمم؛ بأن الصبي المولود سيميِّز بين فريقين؛ إذ قد وُضع لسقوط (الرافضين) وقيام كثيرين (المؤمنين)؛ لأن علامة صليبه تُقاوَم "لا صورة له ولا جمال مُحتقر ومخزول ورجل أوجاع ومختبر الحزن"... أنه صخرة عثرة وحجر صدمة وكل من يؤمن به لا يعاقب ولا يخزى؛ وتأديب سلامنا عليه وبجراحاته شُفينا. ستُعلن أفكاره في قلوب كثيرة؛ سواء ممن سيؤمنون أو ممن سيقاومون... أمّا يوسف وأمه كانا يتعجبان مما قيل فيه؛ وما ورد أمامهم من شهادة نبوية عن سر الصبي والسيف (رومفايا) أي السيف الكبير الحاد الذي سيجوز في نفس العذراء أمه؛ وهو ما اختبرت مرارته وتجرعتها عند الجلجثة يوم الصليب؛ كما سبق وأُخبرت به. في عيد دخولك يا سيدنا إلى هيكلك نطلب منك وأنت إله ورب الهيكل؛ أن تأخذنا إلى جمال عيدك لنذوق عجيبة خلاصك من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا... كي نعاين جلالك وتسهل لنا طريق التقوى؛ فيكون انطلاقنا وخروجنا من هذا العالم مُفرحًا... من غير خوف ولا خجل ولا وقوع في الدينونة... نسألك أن تمنحنا امتياز رؤيتك وحملك قبل أن نعاين الموت؛ كي نعانقك فنستريح؛ ونباركك؛ فتتقدس العجينة كما أن الأصل مقدس؛ ويتقدس الغصن كما أن الكرمة مقدسة... نتقدم إلى هيكلك لنكون وقفًا أبديًا مكرسًا لك وذبيحة حية مرضية عندك؛ بحُسن عبادة عقلية... أنك حاضر أبديًا وليس لمُلكك انقضاء؛ تمنحنا حياة أصيلة ذات معنى وقيمة؛ قبالة تعقيدات هذه الدنيا وأخطارها... فنصغي لهمساتك الإلهية ونتبعك بكل قلوبنا؛ ونخافك ونطلب وجهك حتى نرجع إلى البيت الأبدي وننطلق إلى المدينة التي لها الأساسات؛ فعندما نأخذك نُمسِك بالحياة ونرى كل شيء من خلالك؛ ومن ثم نقبل أنفسنا ونتصالح مع الكل ويصير تمجيدنا غير منقطع. يا رب في عيدك صيِّرنا مكرَسين لك وعندك؛ واقبلنا تقدمة لك على مذبحك المقدس الناطق السمائي؛ عاملين بأوامرك المقدسة كمسرة أبيك... لأننا في كل دورة حمل ندور حول مذبحك مشاركين سمعان الكاهن البار؛ مقدمين المجد والإكرام (مجدًا وإكرامً؛ إكرامًا ومجدًا) حاملين بشارة خلاصك في أرجاء الأرض؛ مقدمين ذبائح ونذور معقولة لك؛ لأنك قطعت قيودنا ونقلتنا إلى عبادة الروح؛ مُشرقًا علينا بنورك العجيب؛ فنتقرب ونتقدس لك يا قابل القرابين؛ التي بدلاً عنا قدمت ذاتك؛ فإسمح أن نتقدم إلى حضرتك قارعين باب تعطفك؛ كي تُظهر في نفوسنا الشقية مجد أسرارك الخفية. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
24 سبتمبر 2021

تأملات فى عيـد الصليـب

الصليب شعار المسيحية وقوتها.. الصليب هو شعار المسيحية وفخرها فهو رمز لمحبة الله الغافرة للبشر {لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.} (يو 16:3-17). وان كانت كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وعثرة فان الإيمان بالصليب والمصلوب عليه هو وسيلة الخلاص وهو يعلن قوة المسيح المصلوب ورحمته ومحبته وفدائه {فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ آللهِ} (1كو 1: 18). الصليب ليس حقيقة من حقائق الماضي لأن تأثيره الفعال يمتد في الحاضر والمستقبل، وطالما يوجد إنسان يعيش على الأرض. لأن الصليب مرتبط بالمصلوب عليه وهو حي في السماء يحمل سمات صليبه ويسكبها علينا كل يوم بل كل لحظة غفرانًا وتطهيرًا وقداسة وبرًا وفداء. وبالصليب رفع الله البشرية من دائرة العصيان إلى الصفح والمصالحة، ومن الرفض إلى القبول والاختيار، ومن العبودية إلى البنوة والحياة الأبدية. الصليب تاريخيا كان وسيلة يعدم عليها كبار المجرمين حتى يظهر للناس مقدار خطيتهم أو خيانتهم. راينا ذلك فى الفكر القديم لدى المصريين عندما صلب عليه فرعون الخباز الخائن، وكان كذلك لدى الفرس عندما صلب عليه هامان الخائن فى قصر الملك. وكان الرومان يصلبوا عليه المتمردين من الأمم ليردعوا البقية حتى لا يقوموا بالثورة عليهم. وفى الثقافة اليهودية كان الصلب لعنة ولقد بين الله محبته لنا بتجسد ابنه يسوع المسيح ليفتدينا من الموت واللعنه ويحمل عقاب خطايانا ويموت عوضا عنا ويهبنا حياة أبدية { المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة }(غل 3 : 13). الصليب ليس حادثة عرضية فى حياة ربنا يسوع المسيح بل غاية، جاء وتجسد من أجلها، ومنهج شمل حياته كلها جاعلًا من الصليب الكأس المفضلة وطاعته العظمى للآب، وبرهان حبه الأبدي للإنسان، نقض السيد المسيح بالصليب ناموس الخطية وبَّرر الخطاة، وظفر على قوات الظلمة، وقتل العداوة، وجمع تحت لوائه شمل البعيدين والقريبين، كرعية مع القديسين وأهل بيت الله. وصار حمل الصليب من أجل يسوع المسيح المصلوب سعادة وقوة حب ومصدر راحة وسرور وافتخار، وكلما ازدادت الآلام من أجل شهادة يسوع ازدادت رؤية الصليب نورًا وازدادت الحياة قوة وعزاء، وارتفع الصليب من التاريخ لينغرس في أعماق الضمير ويشع لنا من الصليب نور القيامة ومجد المسيح القائم من الموت منتصرا على الشيطان والخطية والموت لنهتف بفرح: (السلام لك ايها الصليب). عيد الصليب المقدس.. عيد الصليب المقدس هو عيد اكتشاف ورفع الصليب المقدس وتحتفل به سائر الكنائس كما تحتفل كنيستنا القبطية فى الأول في 17توت من كل عام الموافق 27سبتمبروذلك تذكار لاكتشاف الصليب المقدس الذى صلب عليه ربنا يسوع المسيح بواسطة الملكة هيلانه أم قسطنطين التى نذرت أن تمضى إلى القدس فأعد ابنها الملك كل شيء لإتمام هذه الزيارة المقدسة. ولما وصلت إلى أورشليم بحثت بتدقيق عن مكان الصليب فأشاروا عليها بتنظيف الجلجثة، فعثرت عليه وذلك في 326م. وبنت هناك كنيسة القيامة وما حولها وأحتفلت مع الاساقفة والكهنة والشعب برفع الصليب فى موضع الجلجثة. والاحتفال الثاني الذي تقيم فيه الكنيسة تذكار الصليب في اليوم العاشر من برمهات، ويرجع تاريخه الي ارجاع الصليب علي يد الإمبراطور هرقل فى628 م. عندما ذهب هيرقل واسترد خشبة الصليب التى اخذها الفرس من اورشليم فى 614م. وأعاد ذخيرة الصليب المقدس ودخل بها الي القسطنطينية التي استقبلت الموكب بأحتفال مهيب بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج. بعدها نقل الصليب إلى إورشليم سنة 631م. ويذكر التقليد أنّ الملك هرقل حمل الصليب على كتفه وسار به بحفاوة كبيرة بين الجموع المحتشدة إلى الجلجثة وهناك أحسّ الملك بقوة خفية تصده وتمنعه من دخول المكان فوقف الأسقف زكريا بطريرك أورشليم وقال للإمبراطور: (حذار أيها الملك أن هذه الملابس اللأمعة وما تشير اليه من مجد وعظمة تبعدك عن فقر المسيح يسوع ومذلة الصليب) وفي الحال خلع الملك ملابسه الفاخرة وارتدى ملابس بسيطة وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجثة حيث رفع عود الصليب المكرم فسجد المؤمنون على الأرض، وهم يرنمون : لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد. ويذكر أوسابيوس القيصري بأن الملك الروماني قسطنطين الكبير (324ـ 337) رأى علامة الصليب في السماء على مثال نور بهيئة الصليب مع مكتوب تحتها عبارة: (بهذه العلامة تغلب). ولقد شهد علي وجود خشبة الصليب المقدس في أورشليم القديس كيرلس الأورشليمي فى عظة له في سنة 347م. كما ذكرت المورخة ايجيريا الاسبانية في أخبار رحلاتها الى فلسطين بأن تذكار اكتشاف الصليب تعلق بعيد تكريس كنيسته وبأن العيد كان لمدة 7 ايام يجري خلالها تقديم الصليب المقدس لتسجد الناس له اكراماً وتشفعا. الصليب في حياتنا... يدعونا السيد المسيح الى أنكار الذات وحمل الصليب { وقال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني} (لو 9 : 23).أن نكران الذات يعنى تتميم مشيئة الله فى حياتنا ليكون لسان حالنا {لتكن لا إرادتي بل إرادتك} (لو24: 22). المؤمن يصلب شهواته من أجل الله كشهادة صادقة على تبعيته للمسيح يسوع ربنا ليقوم معه فى جدة الحياة ويقول مع القديس البولس الرسول { مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ} (غل20: 2). لقد مات المسيح عنا لكي نعيش من أجل وكشهود لمحبته { وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام} (2كو15: 5). ونحن في الصلاة الربانية نصلي : {لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض} (مت10: 6). فهل نحن نعيش لانفسنا أم من أجل من مات من أجلنا وقام ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة أبدية؟ وهل نصنع مشيئة الله في حياتنا؟. حمل الصليب بشكر سواء صليب الخدمة أو المرض او الحاجة أو الاضطهاد أو الصوم والنسك أو الطاعة يدخل بنا الى أفراح القيامة ومسرة الله { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله } (عب 12 : 2) عندما نحمل الصليب يحتضننا المصلوب فننفذ من خلال الصليب إلى أحشاء رأفاته، ونستشعر الآلام واقعة، ولكن ليست علينا بل يتلقاها المسيح عنا، وتحتضن أحشاؤه الحانية نفوسنا الخائرة لتحميها وتطمئنها، فتبدو الصورة في الظاهر أننا نحمل الصليب ولكن الحقيقة في الواقع أن الصليب يحملنا بل المصلوب يحمينا ويحتوينا. ونرى كفة الميزان الخفية التي توازن ثقل الصليب بثقل مجد أبدي، كما رآها القدس بولس الرسول قائلاً: {لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية} (2كو17: 4،18). تحت ظلال الصليب ايها الرب الاله الذى أحبنا وحبه خلاصنا من الموت بقوة التجسد والفداء على الصليب ، نشكرك على محبتك وخلاصك ونؤمن بابوتك وحنانك وفدائك المعلن لنا من خلال سر التجسد العجيب. ونعترف بقوة صليبك المعلنه لخلاصنا فيه وبه .ان كانت كلمة الصليب عثرة للبعض وجهالة للبعض الأخر، يرفضها الجهلاء غير عالمين عظمة المحبة المعلنه فى الصليب اذ يموت البار من أجل خلاص الأثمة معلنا حبه للبشرية يريد إن يحتضنها ويقدمنا قربانا لله ابيه . نعم بالصليب نؤمن وبالمصلوب ننادى وبه نهزم قوى الشر والشيطان والعالم. وبايماننا بالفداء سنصل للقيام من الخطية والضعف والحزن والفشل لنصل الى قوة القيامة . انت يا سيدى تعلن على الصليب تواضعك ومحبتك وفدائك ، تعلمنا كيف يبذل الحب نفسه من أجل أحبائه، وكيف ننتصر على الذات والشهوات والشيطان فاعطانا يا سيد القوة لنقول للمسئيين الينا { يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون } علمنا يارب ان نجاهد ضد الخطية وان نحمل الصليب بشجاعة وفرح لنصل الى ملكوتك السماوى وتستعلن لنا قوة الصليب والفداء. القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
14 مايو 2019

الذي شاهدناه ولمسته أيدينا

هذه الأنشودة الجميلة التي بدأ بها القديس يوحنا الرسول الإنجيلي رسالته الأولى "الذي كان من البدء. الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أظهرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا" (1يو1: 1، 2) إن التجسد الإلهي قد أعطى للإنسان الفرصة أن يدرك الله بحواسه الجسدية وليس بروحه فقط فالإنسان يختلف في طبيعته عن الملائكة الذين هم أرواح فقط كقول الكتاب "الصانع ملائكته رياحًا (أرواحًا) وخدامه لهيب نار" (عب1: 7) الإنسان له جسد ونفس وروح عاقل. والجسد له خمس حواس يدرك بها الأشياء المحيطة به والإنسان له ذهن جسدي وعقل روحي مثلما قال معلمنا بولس الرسول عن الصلاة بلغة أخرى غير اللغة التي يعرفها الإنسان من موطنه: "إن كنت أصلى بلسان فروحي تصلّى، وأما ذهني فهو بلا ثمر. فما هو إذًا. أصلى بالروح، وأصلى بالذهن أيضًا. أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضًا" (1كو14: 14، 15). أي أن القديس بولس الرسول يريد أن يشترك الجسد مع الروح في العبادة، يشترك الذهن الجسدي مع الروح العاقل في الإنسان الروح له إمكانيات تختلف عن إمكانيات الجسد لذلك قال القديس يوحنا الرسول في بداية رؤياه: "كنت في الروح في يوم الرب" (رؤ1: 10). وقال أيضًا بعد ذلك: "بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلّم معي قائلًا: اصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا وللوقت صرت في الروح؛ وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس. وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد.." (رؤ4: 1-3). الله لا يحتقر الجسد إن الله لم يحتقر الجسد وسعى لخلاص جسد الإنسان، كما سعى لخلاص روحه. فالإنسان يحتاج للخلاص جسدًا وروحًا.. كل طبيعته البشرية تحتاج إلى الله وتحتاج إلى الخلاص وتحتاج إلى الحياة الأبدية. ولهذا فعندما ظهر السيد المسيح لتلاميذه بعد قيامته من الأموات؛ استمر يؤكد لهم قيامته بالجسد الذي صلب به. وقد سجّل ذلك معلمنا لوقا الإنجيلي فقال: "وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم: سلام لكم. فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحًا. فقال لهم: ما بالكم مضطربين، ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم. انظروا يديّ ورجليّ إني أنا هو جسّوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه. وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون قال لهم: أعندكم ههنا طعام. فناولوه جزءًا من سمك مشوي، وشيئًا من شهد عسل. فأخذ وأكل قدامهم" (لو24: 36-43) وكتب القديس لوقا أيضًا في سفر أعمال الرسل عن السيد المسيح وتأكيده على قيامته للرسل الذين اختارهم "الذين أراهم أيضًا نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعد ما تألم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع1: 3) وقد اهتم تلاميذ السيد المسيح كثيرًا بجسده بعد موته المحيى على الصليب سواء في طلبه من بيلاطس، أو في إنزاله عن الصليب، أو في تكفينه ودفنه، أو في الرغبة في وضع الأطياب عليه في فجر الأحد بواسطة النساء اللواتي أتين إلى القبر "فوجدن الحجر مدحرجًا عن القبر، فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع. وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة. وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض قالا لهن: لماذا تطلبن الحي بين الأموات. ليس هو ههنا لكنه قام" (لو24: 2-6). كلّمنا في ابنه لم يحتمل الشعب في العهد القديم أن يظهر لهم الله على أعلى جبل سيناء ويكلّمهم "وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخّن. ولما رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد. وقالوا لموسى تكلّم أنت معنا فنسمع. ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت" (خر20: 18، 19) لذلك صار الله يكلّم الشعب بواسطة الأنبياء ولا يتكلم معهم مباشرة وعن ذلك قال معلمنا بولس الرسول: "الله بعد ما كلّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثًا لكل شيء" (عب1: 1، 2). أي أمكن أن يتكلم الله مع البشر مباشرة بتجسد ابنه الوحيد لذلك قال القديس يوحنا الإنجيلي: "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14) من المفهوم طبعًا أن السيد المسيح قد اتخذ طبيعة بشرية كاملة جسدًا وروحًا عاقلًا وجعلها في وحدانية كاملة مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولكن مسألة التجسد قد أدت دورًا كبيرًا في تلامس الإنسان مع الله وتآلفه معه وإدراكه لكثير من الأمور التي جعلته يتمتع بمفاعيل الخلاص وينطلق نحو الحياة الروحية التي تؤهله لميراث ملكوت السماوات لذلك قال معلمنا يوحنا الإنجيلي: "رأينا مجده" (يو1: 14). وقال معلمنا بطرس الرسول: "لأننا لم نتبع خرافات مصنعّة إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه؛ بل قد كنامعاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا منالسماء إذ كنا معه في الجبل المقدس" (2بط1: 16-18) لقد تلامس التلاميذ، الذين هم شهود الإنجيل، مع السيد المسيح بالسمع والنظر واللمس قبل القيامة من الأموات وبعدها، ووصلت ذروة تلامسهم من بعد القيامة إذ أدركوا حقيقة القيامة والحياة الأبدية. لذلك قال القديس يوحنا عن تلامسهم هذا: "فإن الحياة أظهرت، وقد رأينا ونشهد ونخبّركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا" (1يو1: 2). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
03 يونيو 2021

ثمار القيامة فى حياتنا

اهنئكم أحبائى بعيد القيامة المجيد الذي نحتفل به في باكر كل يوم وفي أيام الاحاد وفي زمن الفصح لمدة خمسين يوما ، بل ويجب ان نحيا القيامة كل ايام حياتنا فنحن ابناء القيامة والمسيح القائم من بين الأموات ،الذي مات من اجل خلاصنا وقام من أجل تبريرنا . لقد انتصرالمسيح بقيامته علي الخطية والشيطان والموت ووهب الحياة للذين في القبور. قام الرب يسوع المسيح منتصراً ليقودنا في موكب نصرته، ولكي يهبنا الشجاعة والقوة في مواجهة الشر والشيطان والموت والخطية وليحيينا حياة أبدية بقيامة المجيدة ان الله الكلمة المتجسد الذي سمح أن يدخل الموت الي طبيعتنا بسقوطها فى الخطية وطردها من الفردوس ، برحمتة الغنية أراد لنا بالإيمان به وبقيامته ان نقوم معة في جدة الحياة المنتصرة وننعم معه بالحياة الأبدية. ومن بين عطايا القيامة الكثيرة فى حياتنا انها تجعلنا نحيا فى حياة السلام والقوة والفرح والرجاء . القيامة نبع للسلام .. شتان بين حالة التلاميذ يوم الجمعة العظيمة وأحد القيامة كان الخوف قد ملأ قلوبهم وتفرقوا يوم الصلب وحتي بعد ان اجتمعوا كانوا في خوف ورعدة ولكن دخل اليهم الرب يسوع وهم في العلية والابواب مغلقة وقال لهم سلام لكم (و لما كانت عشية ذلك اليوم و هو اول الاسبوع و كانت الابواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع و وقف في الوسط و قال لهم سلام لكم). (يو 20 : 19) . تحول الخوف الي شجاعة ،والضعف الي قوة، والارتباك الي سلام، وجال الرسل يكرزون ببشري السلام الذي صنعة لنا الرب بموته عن خطايانا وقيامته من اجل تبريرنا ان كل من يؤمن بالقيامة مدعوا الي حياة السلام (سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم و لا ترهب). (يو 14 : 27) . ان المسيح القائم هو سلامنا ولن تستطيع اى قوة او تهديد حتى بالموت ان تنزع منا هذا السلام لاننا ابناء القيامة والحياة الإبدية .ان الموت الذى يخافه الناس بقيامة السيد المسيح صار جسر للعبور للإبدية السعيدة . ولنا فى أنشودة القديس بولس الرسول قدوة ومثل { فماذا نقول لهذا ان كان الله معنا فمن علينا. الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لاجلنا اجمعين كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء. من سيشتكي على مختاري الله ، الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ايضا عن يمين الله الذي ايضا يشفع فينا. من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف.كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. و لكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت و لا حياة و لا ملائكة و لا رؤساء و لا قوات و لا امور حاضرة و لا مستقبلة.و لا علو و لا عمق و لا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} رو31:8-38. القيامة مصدر قوة للمؤمنين ... فلا خوف من قوة الشيطان الذي انتصر علية الرب بصليبة وقيامتة ، ولا خوف من العالم والشر امام قوة القيامة التي اخزت المضطهدين ولا خوف من الموت أمام قوة من قام من بين الاموات ووهب الحياة للذين في القبور(و بقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع و نعمة عظيمة كانت على جميعهم). (اع 4 : 33) نعم نحن الذين أخذنا قوة الروح القدس وثمارة لا نخشي شيئا بل نشهد لمن أحبنا وبذل ذاتة فداءً عنا وسط جيل ملتوي شرير (لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم و تكونون لي شهودا في اورشليم و في كل اليهودية و السامرة و الى اقصى الارض). (اع 1 : 8).لقد أعطانا الرب القائم من الأموات قوة من العلاء { ها انا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات و العقارب و كل قوة العدو و لا يضركم شيء} (لو 10 : 19). وها نحن نحيا على رجاء مجئيه الثانى { و حينئذ يبصرون ابن الانسان اتيا في سحاب بقوة كثيرة و مجد} (مر 13 : 26) نحيا شهود للقيامة ونثق فى وعود الرب الحى الى الابد { فللوقت كلمهم يسوع قائلا تشجعوا انا هو لا تخافوا }(مت 14 : 27). الفرح الروحى ثمرة القيامة المجيدة .. أمتلأ التلاميذ من الفرح بقيامة الرب من الأموات وهو واهب الفرح . كان قال لهم قبل صلبه (أراكم فتفرح قلوبكم ، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم ) وأتم وعده بعد قيامتة المجيدة (ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب) يو 20:20. وأتخذ التلاميذ من الأيمان بالقيامة وأفراحها موضوع كرازتهم ( و ان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا و باطل ايضا ايمانكم.ونوجد نحن أيضا شهود زور لله .ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين.فانه اذ الموت بانسان، بانسان أيضاً قيامةُ الأموات .لأنة كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع. (1كو 15 : 20،14). حتي عندما تعرض الرسل للسجن او الاضطهاد كانوا يقابلون ذلك بفرح وسلام وقوة .هكذا راينا الرسل بعد ان تعرضوا للضرب امام المقاومين (و اما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه (اع 5 : 41).وهكذا يوصينا الأنجيل ان نحيا فرحين برجائنا فى القيامة ( فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة)(رو 12 : 12). نحيا ثمار القيامة .. قيامة الرب يسوع من بين الأموات تبث فينا روح الفرح والسلام والقوة والثبات وكما سار ابائنا الرسل علي درب سيدهم مقتدين به علينا أن نعرف المسيح وقوة قيامتة وشركة الآمه . نحن نسير علي ذات الدرب والله قادر ان يقودنا في موكب نصرته لنحيا أيماننا ونشهد له لنكون أبناء وشهودأ للقيامة ،لنكون دعاة سلام وعدل وحرية ونبذل من وقتنا واموالنا وحياتنا في خدمة الجميع . نعمل على المشاركة الإيجابية والفاعلة والمستمرة فى بناء مجتمع تسوده روح القيامه والفرح والقوة والسلام .إن قيامة السيد المسيح القوية، سكبت فى البشرية قوة القيامة ومنحتها عطايا عجيبة، ما كان ممكناً أن نحصل عليها لولا القيامة { فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله}. (كو 3 : 1). اذ اقدم لكم احبائنا ارق التهاني بعيد القيامة المجيد فاننى أصلى معكم للذى أبطل الموت وانار لنا الخلود والحياة ان يشرق فينا بشمس بره لنرى ونعاين ونحيا أمجاد القيامة وسلامها وافراحها وقوتها ورجاء الحياة الإبدية . نصلى من أجل كل نفس لتقوم من سقطاتها وتحيا حياة النصرة على الخطية والشر والفساد وعلى كل أغراءات العالم الشرير حتى ما نعاين أمجاد القيامة وحياة الدهر الاتى . نصلى من أجل الكنيسة رعاة ورعية لتعيش كنيستنا بمؤمنيها مفاعيل القيامة وأفراحها وليقدس الرب كل المؤمنين به ليكونوا ابناء القيامة والفرح والسلام ونحيا على رجاء حياة الدهر الأتى . نصلى من أجل بلادنا لتقوم من كل كبوة وتنجح بقوة القيامة فى عبور أيامها الصعبة لتصل بمواطنيها الى حياة العدل والمساواة والرخاء والحرية . ليحيا كل مواطن أنسانيته وكرامته ولنساهم جميعا فى خلق مجتمع حر وديمقراطى يأمن فيه الناس على حياتهم ومستقبلهم . المسيح قام ... بالحقيقة قام القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
13 فبراير 2021

المقالة الخامسة والعشرون في الورع

أيها الأخ أحذر جداً ألا تضيع الطريق الممهدة المستقيمة وتسلك في الظلمة لكي لا عند أواخرك توجد لدى اللـه والناس قاسياً لأن الويل للذين تركوا المناهج المستقيمة ليسلكوا في سبل الظلمة، الويل للمسرورين بالأسواء والمستبشرين بالإنعكاس الردئ الذين سبلهم وعرة ومناهجهم معوجة ليجعلوك بعيداً من الطريق المستقيمة وغريباً من العزم المقسط فلذلك أتبع ما قيل، أنهم لا يدركون الحياة لأنهم لو سلكوا طرقاً صالحة لكانوا قد وجدوا سبيل الصديقين الممهدة، الصالحون هم الذين يسكنون الأرض وذوو الوداعة يعمرون فيها، طرق المنافقين تباد من الأرض أما أعداء الشريعة فيرفضون منها، فيلزم ضرورة أن تسلك الطريق المستقيمة كما يأمر القائل لا تجنح يميناً ولا يساراً ورد رجلك من الطريق الرديئة لأن الرب قد عاين الطريق اليميني والطريق اليساري معوج، أتقِ الرب فتحفظك خشيته، أحفظ وصاياه فهي ترشدك إلي الحق والتعظم، أما الفساد والحسد والكبرياء ونظائر هذه لا توطنها في حصنك ومثلها تلوين الأغذية والأقوال السفيهة والمزاح والخلاعة في الأشياء الغير لائقة فكل من يسلك في هذه قد ضل عن طريق الحق معتسفاً علي غير هدى، فأما السالك في الطريق المستقيمة يبلغ إلي منزل الحياة، فلا تضيع أيها الحبيب الورع الفاقد الرياء، التورع هو الابتعاد من كل نوع خبيث، إن سمح اللـه أن تُعَير من أجل عمل صالح فلا تخجل من التعيير الآتي من الناس ظلماً وتعمل ما لا يجب لأنه قال في إشعياء ” يا شعبي الذي أسمي في قلوبكم لا ترهبوا تعيير الناس ولا تنغلبوا لاستحقارهم لأنه كالثوب الذي يعتق من الزمان وكالصوف المأكول من السوس تبلى المساوئ العارضة لك ويبقى عدلك إلي الأبد وخلاصك إلي جيل الأجيال ” ويقول أيضاً أنا لست أقاوم ولا أجاوب قد بذلت ظهري للسياط وفكي للطم أما وجهي فلست أرده عن خزي البصاق والرب صار معيني لهذا لست أخجل بل جعلت وجهي كصخرة صلبة وقد علمت أنني لست أخزى فلذلك لو مسك شرف الاغترار وترأس علية فلا تجزع ولا تترك الطريق المستقيم كما يعلمنا القائل: إن أصطف عليَّ عسكر لا يرهب قلبي. ويقول أيضاً: تقووا ترجلوا وليعتز قلبكم يا جماعة المتوكلين علي الرب. لا تعير الخاطئ لأنك لا تدري كيف يكون منقلبه فالأفضل أن تعمل كل شئ كما يشاء اللـه أحسن من أن تمدح رديئاً وتحوى خبراً قبيحاً إذ الرب يقول هكذا فليشرق نوركم أمام الناس لكي ما يبصروا أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات. فلا تجنح الآن عن غير مسلك الطريق المستقيمة لكي لا تسقط في خسفات وأماكن مقفرة ويحدق بك كافة الوحوش البرية وتطوف بك مياه كثيرة فتندم حينئذ متوجعاً لأنه لا يتوجع إلا من تحدق به الأسواء لأن اللـه متعطف علي البشر وصالح ولا يشاء لجبلته سوء، كما يذكر القائل: أنه لا يفرح بهلاك الأحياء لأن العذاب غير فانٍ. وفي موضع آخر يقول: لا يقولنَّ أحد إذا أمتحنَّ أن اللـه أمتحنني فإن اللـه لا يمتحن بالشرور وكل أحد إنما يمتحن من قبل شهوته يجتذب وينخدع ثم أن الشهوة إذا حملت تلد خطيئة والخطيئة إذا كملت تنتج الموت، إن الشهوة أم الخطيئة التي أخرجت حواء من الفردوس، وجعلت قايين قاتل أخاه، جعلت المصرية تراود يوسف العفيف وإذ كان الشاب يخاف اللـه طرحها، هذه أسقطت الشعب في القفر وأبادت سبع أمم في أرض كنعان إذ أغاظوا بها الذي خلقهم فلذلك أضمحلوا، هذه أمالت قلوب بني إسرائيل عن شريعة العلي كما كتب ” أنهم صاروا خيلاً هائمة علي الإناث وكل واحد منهم صهل علي امرأة قريبه، هذه أطغت قاضي الشعب ببابل لأن الشهوة الرديئة هي أم الخطيئة، هذه أنهضت الحروب والهياج علي الأرض، هذه جعلت هروديا تطلب رأس الصابغ، هذه لما أحبها يوداس أسلم رب المجد إلي الأثمة لأنه لما اشتهى الذهب أضاع الحياة. فلذلك يا أخوتي الأحباء فلنهرب من كل شهوة رديئة ولننفضها من قلبنا ونبعدها ولا نشفق عليها فإنها ليست مثمرة لكنها فرع المحال، ليست مرضاً للجسم لكن جرح للنفس وضربة للقلب، هذه تقطعنها من مساكنة القديسين، هذه تجذبنا من السموات وتقيدنا بالأرضيات هي شجرة غير مثمرة حاملة ورقاً متكاثفاً وفي أوراقها يسكن أولاد الأفاعي، أقطع شجرة الرذيلة وأغرس عوضها في نفسك شجرة الحياة، الصليب المكرم، آلام المخلص، آلام موته ومحبته فلتكن في قلبك كصخرة شامخة منصوبة في البحر تستدعي السفن المنبثة في اللجة إلي ميناء الحياة، جاهد كجندي نجيب لتنال الأكاليل، أسمع القائل: أجعل بني إسرائيل متورعين. إذا جاهدة بفرط الجهاد فستعرف حينئذ مواهب الملك وتعلم موقناً وقتئذ أن حسنة ونافعة وصالحة وصايا الرب والصبر له وحفظ وصاياه حينئذ تحس بالأوجاع كمنام صائرة لك كتاج الملك علي رأسه جالساً علي منبره حينئذ يصير لك سرور وابتهاج، وسرورك لا ينتزعه أحد منك.ليعطينا الرب أن نجد رحمة قدام صلاحه في هذا الدهر العاجل وفي المستأنف فإن له المجد إلي أبد الدهور.آمـين مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
11 يناير 2019

تَذْكَارُ أطْفَالِ بَيْتَ لحْم

أول شهداء المسيحية الذين استُشهدوا ولم يتم سؤالهم بل قُتلوا حتى قبل أن يتكلموا؛ ولم تكن المسيحية معروفة حينذاك... لكن الكنيسة اعتبرتهم شهداء ولم تستثنِ منهم أحدًا؛ بل اعتبرتهم أول مَن نال هذه الرتبة من أجل اسم المسيح... لم يسجل التاريخ جُرمًا أكثر بشاعة من ذبح هؤلاء الأطفال الرُضع، فلم تشفع لهم براءتهم ولا رضاعتهم ولا أعضاؤهم الليّنة والغضّة أمام جنون وطيش هيرودس الذي انتزعهم من على ثِدِي أمهاتهم؛ في مجزرة جائرة اصطبغوا فيها بالدماء؛ وكانوا سابقين لآلام المخلص الذي غسل بدمه الكريم أرضهم المدنّسة بالمعاصي؛ وخلص بتدبيره الأمصار والأرض كلها. فمع تهليل بيت لحم مدينة الأنبياء التي أينع فيها يسوع المسيح ربنا الكلمة المتجسد بسرّ عجيب؛ والتي سبق وأنبأت الكتب بظهوره المُحيي فيها؛ حيث تمت النبؤات وكملت؛ وقد صار بولادته فيها كل الحُسن والبهاء والجمال والحلاوة والخلاص؛ عندما أتى الله ظاهرًا... رب القوات بصوت القرن... النجم والكنوز والسجود والقرابين والرعاة والمجوس والفرح بالملك المولود؛ حيث رُبطت الشياطين وطُرحت خارجًا؛ وانسحقت بميلاد المخلص في أرض مدينة داود؛ التي فيها سُمعت ووُجدت العلامة التي أبصرت الخليقة كلها نورها فتهللت. لكن الملك هيرودس الأدومي استدعى المجوس سرًا وتحقق من زمان ظهور النجم... الملك الأرضي اضطرب عندما وُلد الملك السماوي؛ اضطرب عندما سمع بعظمة الملك الحق، فالطغاة يتزعزعون أمام القوات الفائقة وأمام انهيار ممالكهم... خطط هيرودس بإحتيال ليخدع المجوس الذين صاروا كارزين له؛ وجازوا في التخوم ليقدموا السجود للملك الآتي لخلاصهم، أتوا من بعيد ليبشروا القريبين... يتقدمهم في ذلك النجمُ حيث كان الصبي مع أمه، وهناك فتحوا كنوزهم وهداياهم؛ كبداءة التقدمة في كنيسة المذود... ثم تركوا طريقهم وتحولوا إلى الطريق حتى لا يلتقوا بهيرودس؛ لم يرتدّوا أو يسلكوا طريقهم القديم كي لا يعودوا إلى هيرودس ثانية. لكن هيردوس استشاط غضبًا بعد أن أحس أن المجوس قد سخروا منه. فامتلأ حسدًا وفقد كل حس آدمي وأصابه سُعار الدم؛ بينما هو الذي لا يستحق أن يعيش؛ وكان من الأفضل له أن يُعلق في عنقه حجر الرحى ويُلقىَ في البحر... لكنه أرسل ليفتش عن الملك الإلهي وقتل جميع الصبيان في بيت لحم وكل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحقق من المجوس؛ مُريدًا أن يقتل الطفل يسوع في جملتهم، فذبحوا الأطفال على الجبال؛ وسُمعت أصوات البكاء والنواح والعويل في بيت لحم المنسوبة لرحيل (تك ٤٨ : ٧)،(مت ٢ : ١٨)،(رؤ ٦ : ١٠). جرىَ دمهم في مجرى طريق الخلاص وسط الآلام والبكاء وصراخ وزفير الأمهات المرتفع إلى عنان السماء؛ لأنهم ليسوا بموجودين... وقد صارت شهادتهم البريئة الطاهرة ملازمة لفصح المذود وللميلاد الفصحي؛ ولازالت جماجمهم في غرفة كنيسة المهد ببيت لحم... لم يكن ذبحهم محض صدفة؛ لكنه يمثل جزءًا لا يتجزأ من خدمة حياة المخلص؛ لأنهم قدموا عملاً كرازيًا وشهادة حق بريئة أمام العالم كله؛ يمثلون بها كنيسة العهد الجديد وبيعة الأبكار التي حملت البرارة والطهارة ومسكنة الروح... تلك التي لا يطيقها الطغاة وولاة العالم الزمني؛ بل يضطهدونها ويُخرسونها ليكتموا صوت شهادتها. لقد تم عبور هؤلاء الأطفال وصاروا أبكارًا يتنعمون بتبعية الحمل الإلهي أينما وُجد في موكب روحي مقدس يتقدمه الحمل القائم وكأنه مذبوح؛ هم افتدوه؛ بينما هو فاديهم وفادي كل أحد، هم صاروا باكورة كنيسة الأحياء البسيطة القوية بلا تعقيد والحاملة سمات الحق الواضح والمستقر في الصليب؛ علامتها الجوهرية؛ والذي يُفصح عن طبيعة كيانها؛ كنيسة أبكار مرتفعة إلى فوق إلى السماء حيث مساكن النور في المظال الأبدية. هيرودس اضطرب والطغاة أمثاله قتلة لا يهادنون حتى بالرغم من معرفتهم للنبؤات؛ فقد علم أن من بيت لحم سيخرج المدبر الذي سيرعى شعب الله... في بيت لحم أفراتة الصغرى التي ستكون بين ألوف يهوذا لأن منها يخرج المدبر (ميخا ٥ : ١٢)، لكن هيرودس في تجبُّره رأى أن هذا الطفل غريم له، وبدلاً من أن يذهب ليسجد له هو الآخر سجود العبادة؛ إحتال ليدبر له مقتلاً، فذبح هذا السفاح كل أطفال بيت لحم، أما يسوع فقد جاء ليدبر نجاة وخلاص العالم كله. لقد طلب الأثيم الكنز المخفي فذبح الرُضع الأبرياء... لذلك أمست راحيل فاقدة التعزية لرؤيتها ذبح أولاد نسلها ذبحًا جائرًا وموتهم حتفًا في غير أوانه؛ حيث أخذت تنوح عليهم مفجوعة الأحشاء؛ لكنها الآن تسر وإياهم بمعاينتهم في أحضان إبراهيم... وهم الآن شفعاء بدم شهادتهم؛ ومن أجل طلباتهم أمام الحمل الحقيقي سيُنعم الله علينا بالمعونة وبنعمة غفران الخطايا. السلام والطوبىَ والفرح لكم يا مَن نلتم مجدًا وإكرامًا ودالة عظيمة عند المخلص... ويا مَن تكلمتم وأنتم لم تقدروا أن تنطقوا بعد؛ بل تكلمتم بدمائكم وتمنطقت أجسادكم بذبيحة أعضائكم الليّنة والغضّة؛ وقد هيأ الله من أفواهكم سُبحًا للملك الصالح؛ تمشون معه على جبل صهيون كيمام بلا عيب وكفراخ النسور المرتفعة إلى العُلا، وليس مَن يشبهكم، وستسيرون أمام الديان في مجيئه الثاني عندما يأتي على السحاب وتنظره كل عين... فكما شهدتم في مجيئه الأول (ميلاده) ستشهدون في مجيئه الثاني (الدينونة)؛ حيث علامة الصليب تضيء في أياديكم، معطين المجد والكرامة والتسبيح للحي إلى أبد الآبدين؛ مبارِكين الملك الآتي بإسم الرب. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
08 مارس 2021

الصوم إطلالة على الملكوت

إنجيل يوم الاثنين من الأسبوع الأول من الصوم المقدس (مر 9: 33-50) بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آمين إنجيل القداس: في الحقيقة على مدى العصور، كان لهذا الصوم المقدَّس شأنٌ خاص وكبير. وكلمات إنجيل قدَّاس هذا الصباح يمكن أن تُضَمَّ في ثلاثة معانٍ: 1. السائرون على الطريق. 2. المتعاركون في مَن هو أعظم! 3. عثرات الجسد وإمكانية التخلُّص منها. فهذا الإنجيل، إذن، يضع لنا منهجاً متكاملاً، نُطِلُّ منه - للحظة بسيطة ولو لدقائق - على الملكوت. نحن جميعاً نسير على الطريق، وأيُّ عِرَاكٍ في مَن هو أعظم سوف يُخرجنا من الطريق؛ لأن ”الطريق“ في الإنجيل هو المسيح نفسه، كما أنه ”الاتجاه“ نحو ملكوت الله. ثم تأتي عثرات الجسد، إذ تثور أعضاء الجسد وتتصارع فيما بينها مثلما يحدث أن يتصارع الواحد مع الآخر. فالأعضاء تتصارع فينا كيما تُخرِجنا من الطريق. الصوم وموسم هجرة الطيور: وأستطيع تلخيص ذلك، فأقول: إنَّ موسم الصوم يُشبه موسم هجرة الطيور من أوطانها الباردة إلى مناطق أخرى دافئة، وخلال هذه الهجرة تُركِّز الطيور على تحليقها لتصل إلى مقصدها، دون أن تلتفت الإناث منها أو الذكور إلى فراخها الصغيرة الطائرة. وجميع هذه الطيور الطائرة على مسافاتٍٍ طويلة لا يُوجِّهها سوى الغريزة التي لم يستطع الإنسان حتى اليوم تفسيرها. فسِرْب الطيور يصل دائماً في الموعد وخلال نفس الطريق الذي سلكه سابقاً في رحلاتٍ سالفة. فإن كانت الغريزة الطبيعية المغروسة في الطيور، وهي غريزة الهجرة، عجيبة بهذا المقدار؛ فكم يكون أعجب من هذا الغريزة الروحية المُعطاة لنا، وهي غريزة الهجرة إلى الملكوت. ولكن غريزة الهجرة إلى الملكوت، إلى وطننا الحقيقي والكامل، ما تزال غير واضحة في حياتنا. فسِرْب الطيور المُهاجر، والذي يُركِّز كل انتباهه لبلوغ المناطق الدافئة، إذا فكَّر في التعارُك والصراع بين أفراده، أو إذا تحوَّل اهتمام بعض أفراد هذا السِّرْب إلى احتياجه للطعام؛ فقد يُعرِّض حياته للضياع والهلاك. فهجرة الطيور، إذن، هي هجرة صائمة غير مُعتمِدَة على أَكل أو شُرب، وبالتالي لا يوجد ما يُوجِّه هذا السِّرْب المهاجر سوى غريزة الهجرة إلى وطنٍ أفضل. وهناك تفسيرات علمية عديدة ومختلفة لتعليل وتفسير هذه الغريزة عند الطيور المهاجرة. ولكن هذه الغريزة، غريزة الهجرة إلى الملكوت، هي عند الإنسان بصورة أعظم جداً مِمَّا عند الطيور. فلا يوجد إنسانٌ صادقٌ مع نفسه قد هاجر هجرة حقيقية وفَشَلَ. فالهجرة الروحية ذات مفهوم عجيب، فهي هجرة من الذات، هي تركٌ للعشيرة وللوطن الأرضي، كما خرج إبراهيم وهو لا يعلم إلى أين يذهب. هي انطلاق إلى الوطن الجديد، دون أن نعرف الكثير عنه! الهجرة في الطيور من أجل حفظ النوع والحياة. أما بالنسبة للسائرين في طريق الملكوت، فهي هجرة تتضمن معياراً روحياً لحياتنا الروحية، هي هجرة من الوطن والذات، اللذين هما أعظم مُسبِّبات العِرَاك والتشاحُن. وهي هجرة أيضاً من الأَكل (وهو أقلُّها)، أي هجرة صائمة. وكأنما، يا أحبائي، فإنه عن طريق هذا الطير المهاجر، نستطيع أن نُدرك أن الأَكل والشُّرب إنما هما مُعطِّلان لنا في مسيرتنا إلى الحياة الأبدية. وتطبيقاً على حياة الآباء، فإنَّ كل مَن استطاع أن يَعْبُر من ذاته، ومن شهواته؛ يأخذ مكاسب لا توصف من هذا الصوم. فامتناع الإنسان عن الأَكل، يتحوَّل فيه إلى حركة قيامة للجسد لا تقلُّ عن حركة المعمودية والتناول من الأسرار المقدسة. الصوم سرٌّ عميق وطاقة روحية لبلوغ الحياة الأبدية: فالصوم سرٌّ، أو هو في الحقيقة ديناميكية السر، أو الطاقة المُحرِّكة التي تربط ما بين المادة في الإنسان والروح في الله. الصوم طاقة عجيبة لا يمكن تفسيرها، ويمكن القول إنَّ الصوم مادي وروحي بآنٍ واحد، لأنه امتناع عن كل شهوة جسدية. الصوم هو موهبة إنسانية تؤول إلى ديناميكية روحية لاستيعاب سرِّ الخلود. والصوم هو أيضاً دافعٌ للأسرار، وهو التاج الجميل للأسرار. الصوم هـو الهجرة من الأرض إلى السماء، تتحقَّق وتنطبع قوتها فينا كخبرة تزداد كل يوم.والصوم في الكنيسة هو الوسط المُحرِّك للأسرار، ومن خلاله يأخذ الإنسان المهاجر مفعول الصوم القوي داخله. فيستطيع الإنسان، بصومه وبنعمة المسيح التي فيه، أن يُهاجر من الأرض إلى السماء، ومن ذاته إلى الحياة الأبدية.ولربنا المجد الدائم إلى الأبد، آمين. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
20 فبراير 2021

المقالة السادسة والعشرون في من سقط بسبب الغفلة ويحتج بالخطأ

أيها الأخ إذا اشتهيت سيرة العبادة فقد آثرة عملاً حسناً إن حفظته إلي النهاية، فق إذاً وأصغِ إلي ذاتك مثل حكيم مثل عابد لا كغيره فليس صراعنا بإزاء لحم ودم بل بإزاء الرؤساء والرئاسات نحو السلطات، بإزاء ضابطي عالم ظلمة الدهر، بإزاء جنود الخبث المصارعين في السماء فُقْ إذاً إلي النهاية لكي لا تنغلب من قبل رقادك وعدم الإصغاء لذاتك فتقول بجهالة قد أفضيت إلي رتبة عابد وما وجدت هناك طريق خلاص فلماذا أيها الأخ تنكر نعمة الرب، لِمَ تستهجن سيرة العبادة لعلك تشاء أن تنتفع بغير أن تتوجع من أجل نفسك بل تنخدع لشهواتك وللذات الأفكار وتحتج بسيرة العبادة لأنك لو حفظت وصايا الرب وأحببت تقواه لكان حفظ نفسك، فأولاً إنك لم تحفظ قانون سيرة العبادة ورقدت في صلواتك الجامعة، أحببت أن تسلك مجانياً واحتقرت من هم أعظم منك قدراً، أحببت استعلاء الرأي أكثر، أبعدت الحمية، ولازمت كثرة الأكل، السهر لم تحبه، أحببت كثرة النوم الذي لا يشبع منه، الطهارة لم تحبها وأحببت الدنس، الطاعة لم تؤثرها وأحببت عدم الطاعة، الغضب والسخط لم تبغضهما وأحببت المحك والحقد، السكوت والصلاة ما أحببتهما وأحببت الصراخ واللعن والحلف، الظلافة والورع لم تحفظهما وأحببت المزاح مع الضاحكين، الصمت والتقويم ما أحببتهما وأحببت اكثار الكلام والاغتياب، عدم القنية ما آثرتها وأحببت احتشاد الفضة، النسك والتعب لم تحبهما وأحببت التنعم والبطر، العمل بيديك لم تؤثره وآثرت البطالة، أكثر السلامة ما أثرتها وأحببت الشرور بالإنقلاب الردئ، التوجع للمحزونين لم تملكه وأحببت أن تكون فظاً وغير متوجع لأحد، لم تؤثر أن تحتمل حزناً وتعييراً من أجل الرب وتقت إلي الجلوس الأول والمدائح الباطلة، محبة اللـه وخشيته لم تحفظهما أما الإزدراء به ومقت الأخوة فأحببتهما أكثر، وماذا أقول أيضاً: أبغضت المناقب السمائية وأحببت الأشياء الأرضية وتحتج بسيرة العبادة. أما عرفت أنه مكتوب أن الرب يبيد كافة المتكلمين بالكذب، وأيضاً لا تتكلموا علي اللـه ظلماً فإن اللـه هو القاضي. أرايت أيها الأخ ان مناهي العلة ليست من آخرين، عد إلي ذاتك وأرجع إلي الرب بكل قلبك فإنه لا يريد موت الخاطئ مثل ما يشاء أن يرجع فيحيى لأن الرب يشاء أن الكل يخلصون لأنه صالح، أجُرحت ! تقدر أن تبرأ. أَسقطت ! قم. لا تبذل ذاتك إلي الهلاك فإن المخلص نفسه قال إن الأصحاء لا يحتاجون طبيباً بل أسواء الحال، وما جئت لأخلص الصديقين لكن الخطاة، فلهذا أيها الأخ تفهم فأشير عليك: أجلس في السكوت وأحضر بين عينيك خشية الرب وأجمع أفكارك، أجلس كقاضٍ وتأمل عبور الزمان الماضي منذ أقبلت إلي العبادة لكي ما تعرف الأمر الذي صار لك سبباً لمثل هذا العزم وأوسم في قلبك المضرة والسبب ومن أين أتتك هذه الخسارة وأصنع بإزائها الجهاد لأن التاجر إن وقع بين اللصوص أو إن غرق مركبه أو ضاع وسقه فلا ينسى الموضع الذي ضاع فيه الوسق وإن عرض بعد مدة طويلة أن يجتاز بذلك الموضع يتحرز كثيراً ليعبر فيه فلنشابه التجار بل نتحكم أكثر منهم. أولئك إنما أضاعوا غنى بالياً فلا ينسوا الموضع، وأما نحن فقد أضعنا غنى لا يبلى ونضجع، فمنذ الآن أجلس في خلوة وأجمع أفكارك وأفحص روحك نهاراً وليلاً لتعرف مثل هذه الخسارة، هذا الإنعكاس لئلا تكون منذ الإبتداء قد أقتنيت دالة والدالة عكست فكرك المتدين حسناً وأفسدت عاداتك وجعلتك غير مستحي ولا خجلان لئلا يكون الضرر قد أتاك من قبل أكثارك الكلام لئلا تكون العلة صارت من هيام البطن، من عدم الطاعة، من اشتهاء أحوال مختلفة، من حجة الخدمة والضجر، فإذا عرفت السبب فأقطع الدالة والوقاحة بالتورع لا تخجل أن تدعى مرائياً من المخالفين لوصايا الرب لأن من البين أنهم ما أحضروا ذكر المراياه لتتمجد بل لتخجل من ذلك وتصير وقحاً عادم الخجل وغريباً من العزم المقسط، لأن الذين يدعون بالمتورعين مرائين، فيقول السيد: أيها المرائي أنتزع أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر أن تخرج القذاء من عين أخيك لا تخجل من التعيير فتعتاد عدم الأدب فإن الذين لا أدب لهم يلتقيهم الموت لأنه إن كان قلبنا لا يلومنا فلنا دالة قدام اللـه، وأيضاً إن عيرتم باسم الرب فأنتم مغبوطون فإن روح المجد وروح اللـه يستريح عليكم فلا يتألم أحدكم مثل قاتل أو كلص أو كرقيب غريب فإن تألمت كمسيحي فلا تخجل فإن اللـه يتمجد بهذا الاسم. فمنذ الآن أهرب من الدالة والضحك فإنهما لا يوافقان نفسك، وكذلك شره البطن أقمعه بالحمية، ومحبة الفضة بالنسك والزهد في القنية، وكثرة الكلام بالصمت، والضجر بالصبر، وصغر النفس بذكر الخيرات المنتظرة، وعدم الطاعة بالتواضع. وإن كان العدو الماقت الخير قد أنشأ لك الشر فأحفظ نفسك فيما بعد نقياً ولا تشارك خطايا أجنبية وعلي حسب رأيي أعتقد أن مبدأ الشرور صار لك من الدالة وهذه جعلتك لا تخجل، فلذلك يقول: الطوبى للرجل الذي يتقي كل شئ من أجل التورع، أي ربح في العالم أيها الأخ وأي صلاح يمنح الذين يحبونه إذا أخذ إنسان امرأة فذلك بدء الهم، أو ولد أبناً فذلك اهتمام آخر، أو ولد آخر فذلك اهتمام آخر أكثر، وإذا مات أحدهما فيخلف لوالديه نوحاً، وإن لحقت الحي صعوبة يتوجعان من أجله أكثر من المائت، إذا وافت إلي الرجل ساعة الوفاة فشر عليه من موته ان يحسب حزن قرينته ويتركها أرملة وأولاده يتامى، وهذا كله أيها العابد عتقك منها نير الرب الصالح فكيف تؤثر أن تميل إلي الأشياء القديمة، فلا تيأس من نفسك ولا تقل لا أستطيع أن أخلص، حب خشية اللـه من كل نفسك وهي تشفيك وتبرئ جراحاتك، وتحفظك في المستقبل غير مجروح لأنها بقدر ما أحبت نفسك تقوى اللـه لا تقع في فخ المحال بل تكون كالنسر الطائر إلي العلو وإن هجعت بعد هذا فإن النفس بمخافة اللـه تهدم الفضائل الشامخ علوها ويلعب بها الذين أسفل ويغطون عينيها ويستاقونها كداً إلي آلام الهوان مثل ثور معلق بنير، فلذلك أيها الأخوة لنهتم بخلاصنا، لنهتم بساعة الوفاه، ولنمقت الأمور الأرضية لأن هذه كلها تبقي هنا، هذه لا تنفعنا في ساعة شدتنا حين نتضرع أن نترك وليس من يستجيب. ويلي ويلي ما هي ساعة الموت حين لا يسافر الأب مع ولده، ولا الأم ترافق أبنتها، ولا المرأة رجلها، ولا الأخ يرافق أخاه، سوى عمل كل واحد مهما عمل إن صالحاً وإن خبيثاً، فمنذ الآن فلنتقدم فنرسل أعمالاً صالحة حتى إذا انصرفنا يستقبلنا في مدينة القديسين، إن شئت أن تنجح فأقتنِ الملك صديقاً لك هنا لأنه بمقدار ما تخدمه هنا يمنحك المرتبة وبقدر ما تكرمه هنا يكرمك هناك لأنه كتب: إني أشرف الذين يمدحونني ومن يتهاون بي يهان، أكرمه بكل نفسك ليؤهلك لإكرام القديسين. في أي شئ يجب أن تقتنيه، قدم له ذهباً فضة، إذا رأيت عرياناً فألبسه، غريباً فآوه، فإن لم يكن لك شئ من هذه فقدم له ما هو أكرم نوعاً من الذهب والفضة أمانة، محبة، حمية، صبراً، تواضعاً، طول روح، إتقاء الاغتياب، أحفظ عينيك لئلا تبصر ضلالاً، ويديك ألا يعملا ظلماً، وأعطف رجليك من الطريق الردئ، عزِ صغيري الأنفس، توجع للمرضى، أعطي العطشان قدح ماء بارد، أعطي الجائع كسرة خبز مما لك، مما وهبها لك قدم له، لأن مخلصنا لم يطرح فلسي الأرملة، وماذا طلب إيليا النبي من الأرملة أليس ماء قليل في إناء وكسرة خبز، وقيل قام إيليا ومضى إلي صارفة صيدا ودنا من باب المدينة فإذا بامرأة أرملة تجمع حطباً فهتف إيليا وراءها وقال: ائتي لي بيديك كسرة خبز، أتعرف أيها الحبيب بماذا كان الأنبياء يغتذون بقليل من ماء ويسير من خبز وهذا بعد ضيقة من الجوع لأنه كان لهم كافة الحرص في الخيرات المعدة لهم في السموات. يا أخوتي لنحب طريق القديسين وما دام لنا وقت فلنجعله ثمراً حسناً للتوبة، لا تضيع وقتاً موافقاً للتوبة ولا تتنزه في خيالات هذا العالم ولا ترتبط مع الناس السائرين بعدم خشية اللـه ولا تنافس أعمال المتهاونين بخلاصهم كما يأمرنا الرسول القائل: إن الأحاديث الرديئة تفسد العادات الصالحة. وفي فصل آخر يقول: يا بني أتخذ مشورتي ولا تتركها بل أحفظها لك في حياتك، لا تذهب في طرق المنافقين ولا تغاير طرق الأثمة، في أي موضع نزلوا معسكرين لا تمضي هناك، حد عنهم فإنهم لا يرقدون قبل أن يعملوا الشر قد سلب نومهم فلا يرقدون، الذين يأكلون خبز النفاق ويسكرون بخمر تجارة الشريعة، أما طريق الصديقين فتتلألأ بالنور هم يسلكونها ويضيئون إلي أن يلمع النهار. ويقول أيضاً: لا تصر رفيق إنسان غضوب، ولا تساكن صديقاً سخوطاً لئلا تتعلم شيئاً من طريقه فتأخذ لنفسك وهقاً. وفي فصل آخر يقول: أطلب إليكم يا أخوتي أن تترقبوا الذين يصنعون الشقاقات والشكوك بخلاف التعليم الذي تعلمتموه وأجنحوا عنهم فإن مثل هؤلاء لا يعبدون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم وبالألفاظ الصالحة وبالتبريكات يخدعون قلوب ذوي الدعة. فلنهرب إذاً من الطريقة العريضة المؤدية إلي الهلاك ولنتوقن إلي الطريقة الضيقة المؤدية إلي الحياة الخالدة، فلنتوجع هنا بالاختيار قبل أن نتوجع هناك كارهين، ولنبغض العالم والسيرة العائلية، ولنصنعن لنا طرقاً مستقيمة، فلنحب الحرص ولنكن ملتهبين وغالين بالروح لدى اللـه، فلنبكين ههنا باختيارنا لنستعطف اللـه فينجينا من البكاءِ وقعقعة الأسنانِ، ولنحب النوح فإنه وصية الرب لأنه هو قال: الطوبى للنائحين الآن فإنهم يعزون، ولنخطر ببالنا يا أخوتي الأحباء أمر النواتية الذين يسيرون في البحر أية معاطب يحتملونها محاربين البحر ويجوزون معظم الأمواج فمتي ما أكمل أحدهم الوقت الذي أئتجر فيه لا يحفل بالمعاطب التي أحتملها محارباً للبحر من أجل الفرح لأنه أخذ كمال أجرته بل ويصير أوفر نشاطاً في سير البحر، فأولئك إذا أكملوا طريقهم يضطرون أن يعودوا إليها. أما نحو يا أخوتي الأحباء إن بلغنا حسناً إلي كمال الجهاد المنصوب لنا فليس لنا أمر يضطرنا أن نستعمل هذا السعي نفسه لأن هذا غير ممكن فالجهاد يا أخوتي قليل وعطية الثواب لا توصف، فلنستفق في عمل الرب بكل قلبنا وقوتنا ما دام لنا وقت وكما أن مواهبه لا ندم يخامرها والدعوة التي للقديسين هي هكذا وعكسها ما أعد للمضادين منذ القديم فلذلك الطوبى للإنسان المتقي الرب فإنه سيأخذ منه الإكليل المعد للذين أحبوه.وله كل مجد إلي أبد الدهور آمـين مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
02 مايو 2020

أنا هو القيامة والحياة

هناك فرق بين أن يقول السيد المسيح أنا أمنح القيامة والحياة، وأن يقول "أنا هو القيامة والحياة" (يو11: 25)لأن قوله "أنا هو القيامة" يعني أنه هو نفسه سيقوم بحسب الجسد إلى جوار أنه هو ينبوع القيامة بالنسبة للبشر كما أنه هو الحياة كقول القديس يوحنا الإنجيلي "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة" (يو1: 4، 5)هناك فرق بين قيامة لعازر من الأموات وقيامة السيد المسيح، لعازر أقامه السيد المسيح، أما المسيح رب المجد فقد أقام نفسه بسلطانه الإلهي كما أن قيامة لعازر كانت قيامة مؤقتة أعقبها الموت مرة أخرى. أما السيد المسيح فقد قام لكي لا يسود عليه الموت فيما بعد لأنه لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه هناك فرق بين سيارة نضع فيها بضع لترات من البنزين لتعطيها دفعة من الطاقة تسير بها بضعة كيلومترات ثم تتوقف. وبين الينبوع الذي ينبع منه البنزين إذا وجد في سيارة فإنها سوف تسير إلى ما لا نهاية ولا تتوقف على الإطلاق كما أنها يمكنها أن تعطى وقودًا لباقي السيارات إن اتحاد اللاهوت بالناسوت في السيد المسيح قد أعطى للناسوت إمكانية التحرر من الموت بصفة نهائية بحسب التدبير. ولكن السيد المسيح قد "ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" (انظر عب2: 9). أي أنه أخذ جسدًا قابلًا للموت ولم يتدخل اللاهوت لكي يمنع الموت عن الناسوت في وقت الصلب والفداء. ولكنه في مسألة القيامة قد برهن على أن الذي مات هو هو نفسه الله الكلمة الذي هو بلا شك أقوى من الموت بحسب لاهوته "وتعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات" (رو1: 4) إن القيامة بالفعل كانت هي أقوى دليل على ألوهية السيد المسيح،لهذا قال هو نفسه لليهود: "متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو" (يو8: 28). أي أن البرهان الأقوى على لاهوته سيتحقق عند قيامته من الأموات بعد أن يصلبه اليهود ويقتلونه معلقين إياه على خشبة. أي حينما يرتفع على عود الصليب إن الانتصار على الموت في جسم بشريتنا لم يكن ممكنًا أن يتحقق إلا بتجسد وحيد الآب، الذي هو كلمة الله، الذي اتخذ طبيعتنا البشرية -بلا خطية- لكي يعبر لنا بها من الموت إلى الحياة، لأن الحياة التي فيه كانت أقوى من الموت الذي لنا لذلك فهناك علاقة وثيقة بين قول السيد المسيح: "أنا هو القيامة" (يو11: 25) وبين معنى التجسد الإلهي، لأنه بتجسده قد أعطى لطبيعتنا البشرية إمكانية القيامة في شخصه المبارك وعن ذلك كتب معلمنا بولس الرسول: "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أف2: 6). وقال أيضًا: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس" (كو3: 1) لقد صار المسيح هو حياتنا كلنا وقيامتنا كلنا.. صار هو "باكورة الراقدين" (1كو15: 20) وصرنا نحن متحدين معه بشبه موته وقيامته في المعمودية "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه" (كو2: 12). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل