المقالات

03 أغسطس 2020

بتولية القديسة مريم

أيقظي أوتارك يا قيثارتي، في مديح مريم العذراء، ارفعي صوتك وترنمي، بسيرة العذراء العجيبة، ابنة صهيون، التي ولدت لنا "حياة العالم".مار أفرام السرياني بتولية القديسة مريم ما هي عصا هارون إلا مريم لأنها مثال بتوليتها، حبلت وولدت الكلمة، ابن العلي، بغير زرع بشر. حقيقة إنجيلية:- بتولية القديسة مريم ليست أمرا يخص حياتها الشخصية، لكنها حقيقة إنجيلية، تخفي إيماننا بيسوع المسيح. فان كلمة الله عند تجسده لم يبالي بنوع الموضع الذي يضطجع فيه، أو الملابس التي يتقمط بها، أو الطعام الذي يقتات به، لكنه حدد بدقة "العذراء" التي تصير له أما فقد قدم أشعياء علامة نبوية لهذا الميلاد العذروي، قائلا: هوذا العذراء تحبل وتلد أبنا ويدعى اسمه عمانوئيل. يشير هذا النص بطريقة مباشرة وحرفية إلى مريم العذراء والدة عمانوئيل وفي دقة بالغة يحدد حال القديسة كعذراء ومخطوبة في نفس الوقت. فالكلمة العبرية المستخدمة لعذراء هي "آلما "ALMA وليس "بتولة" ولا "ايسا" فان كلمة "آلما" تعني عذراء صغيرة يمكن أن تكون مخطوبة، أما "بتولة" فتعني عذراء غير مخطوبة، بينما "ايسا" فتعني سيدة متزوجة. فلو استخدم الكاتب كلمة "ايسا" أي سيدة متزوجة لما حمل هذا آية غير عادية يحققها الله كما جاءت في أشعياء (7: 10، 11)، لان السيدة يمكن أن تحبل وتلد ابنا. ولو استخدم كلمة"بتولة" لما انطبقت النبوة على القديسة لأنها مخطوبة للقديس يوسف. أما كلمة "آلما" فهي بحق تناسب حالتها بدقة بالغة كعذراء ومخطوبة للقديس يوسف الذي كان بالنسبة لها مدافعا وشاهدا أمينا على عفتها، بوجوده ينتزع كل ريب أو ظن حولها. وجدير بالملاحظة أن كلمة "آلما" جاءت لغويا بما يفيد استمرار البتولية لهذا لم تترجم "عذراء" بل "العذراء" لتصف والدة عمانوئيل كعذراء حتى بعد إنجابها الطفل. أما دوام بتولية القديسة مريم فيؤكده نبي آخر بقوله: "ثم أرجعني إلى طريق باب المقدس الخارجي المتجه للشرق وهو مغلق فقال لي الرب: هذا الباب يكون مغلقا لا يفتح، ولا يدخل منه إنسان، لان الرب اله إسرائيل منه فيكون مغلقا. الرئيس الرئيس هو يجلس فيه..." حزقيال 44: 1-2 يرمز هذا الباب الشرقي المختوم إلى بتولية القديسة مريم الدائمة، فان الرب وحده دخل أحشائها، ولم يفتح هذا الباب الآخر غيره، بل بقيت أختامه غير منحلة. في هذا تترنم الكنيسة القبطية، قائلة: "حزقيال شهد وأطهر لنا هذا، قائلا: أني رأيت بابا ناحية المشارق، الرب المخلص دخل إليه، وبقى مغلقا جيدا بحاله” وفي الطقس البيزنطي أعطى للعذراء هذا اللقب: "السلام لك، أيها الباب الفريد الذي عبر منه الكلمة وحده". البتولية ولاهوت المسيح: هذا الميلاد البتولي الذي حدث مرة ولن يتكرر بعد، أنما هو برهان على إيماننا في شخص يسوع المسيح أنه لبس من هذا العالم، بل هو ابن الله، ومن الأعالي. ويظهر ذلك واضحا في إعلان الملاك جبرائيل للقديسة مريم نفسها عندما تسائلت: كيف يكون لي هذا وأنا لا أعرف رجلا؟؟، أجابها: "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، والمولود منك يدعى ابن الله لو: 1: 34، 35. هذا ما جعل"الميلاد البتولي" يمثل عنصرا أساسيا في قوانين الإيمان الخاصة بالكنيسة الأولى، لا لأنه يتحدث عن القديسة مريم، وأمنا لأنه يعلن عن شخص المسيح يسوع وطبيعته. نذكر على سبيل المثال ما ورد في قانون الإيمان للقديس هيبوليتس (حوالي 215م): "أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله الذي ولد بالروح القدس من العذراء مريم...؟". هذا الدليل استخدمه المسيحيون الأوائل مثل القديس يوستين وأثيناغوراس في دفاعهم عن المسيحية، كما بشر به القديس أغناطيوس أسقف أنطاكية (الذي أستشهد عام 110 م)، موضحا أن الميلاد البتولي هو أحد الأسرار العظمى الخاصة بالسيد المسيح التي أعلنت في العالم في أيامه، إذ يقول: "بتولية مريم، وإنجابها (الطفل) وأيضا موت الرب، هذه أخفيت عن رئيس هذا العالم. أسرار ثلاث أعلنت جهرا لكنها تحققت في صمت الله".باختصار نقول أن التعليم الخاص بالميلاد البتولي، في حقيقته العلامة الظاهرة لسر التجسد، التي تؤكد أن يسوع المسيح، الابن الحقيقي لأم حقيقية، لم يحبل به من زرع إنسان، بل بالروح القدس. بهذا وهو "ابن الإنسان" لكنه لم يحمل الخطية، بل صار رئيسا لجنس بشري جديد. البتولية وخلاصنا: بتولية القديسة مريم تحمل إلينا مفاهيم روحية تخص خلاصنا، وتكشف عن دورنا في الخلاص، ونذكر منها: 1- جاءنا الله مولودا من عذراء، حبلت يه من غير زرع بشر، كأنما اتحاده بنا لم يكن ثمرة جهاد بشري، أو استحقاقات ذاتية، إنما توهب لنا كنعمة إلهية. هذا العمل هو عطية الحب المجاني القدم لنا من قبل الله. أقول أن بتولية القديسة مريم تحمل علامة فقر الإنسان وعجزه الذاتي. عن القيام بخلاص نفسه أو الاتحاد مع مخلصه. 2- ومن الجانب الآخر، فإن بتولية القديسة مريم لا تعني سلبيتنا في الحياة الروحية، إذ لم يقتحم الله نفسه في أحشائها ولا حبلت به بغير موافقتها بل قامت بدور إيجابي... ألا وهو القبول. سألها الله ذلك، وحين فبلت بأتضاع في طاعة تحقق التجسد الإلهي بواسطة نعمة الله المجانية. 3- ميلاد يسوع المسيح من العذراء التي هي نموذج الكنيسة الجديدة، يؤكد طبيعة الملكوت السماوي المعلن في المسيح، لأن العذراوية أو البتولية هي سمة السماء وأما الزواج فيخص العالم الحاضر وحده. فالزواج وما يحمله من آثار أي إنجاب الأطفال يضمن استمرار الحياة البشرية على الأرض خلال تتابع الأجيال، أما في السماء فليس من موت ولهذا فلا حاجة للزواج أو الإنجاب لضمان استمرار الحياة هناك... وكأن البتولية هي سمة الخليقة كلها في السماء. وبهذا فإن بتولية القديسة مريم أثناء تجسد ابن الله يعني تأسيس الملكوت على أساس سماوي وسط الجنس البشري. هكذا دعي شعب الله للحياة الجديدة، أي ممارسة الحياة السماوية التي هي بتولية الفكر والقلب والنفس خلال اتحادهم مع الله في يسوع المسيح، العريس البتول. هذه هي طبيعة كنيسة العهد الجديد التي صارت العذراء مريم عضوها الأول والأمثل. الميلاد البتولي والميلاد الروحي: في الكنيسة القبطية يرتبط عيد الميلاد بالابيفانيا (الغطاس)، ففي القرون الأولى كان هذا العيدان السيديان يحتفل بهما في يوم واحد، ذلك لأنه في عيد الميلاد أخذ ما هو لنا أي نسوتيتنا، وفي الابيفانيا تقبلت الكنيسة المختفية في المسيح يسوع ما هو له له، أي تقبلت علاقته بالأب، أي البنوة. وهكذا صار هو "ابن الإنسان" ونحن نصير فيه"أبناء الله". وهذه حقيقة تعلنها التسبحة القبطية بقولها: "أخذ الذي لنا، أعطانا الذي له، نسبحه ونمجده...".هذا الترابط بين ميلاد الرب البتولي وميلادنا الروحي بطريقة مقارنه خلال التجسد الإلهي في أحشاء البتول. ففي الأحشاء أخذ الرب جسده البتولي، الذي هو بطريقة سرية الكنيسة المتحدة به. هناك خلقت الكنيسة العروس البتول متحدة بالعريس السماوي البتول. في هذا يقول: الأب بروكلس بطريرك القسطنطينية (429م): "القديسة مريم هي... معمل اتحاد الطبائع، هي السوق الذي يتم فيه التبادل المبجل. هي الحجال الذي فيه خطب "الكلمة" الجسد".وفيما يلي عرض سريع لبعض أقوال الآباء، توضح هذه العلاقة بين ميلاد الرب البتولي وميلادنا نحن الروحي: + بطهارة أفتتح السيد المسيح الأحشاء الطاهرة، لكي يولد الإنسان مرة ثانية على مثاله. القديس ايرنياؤس + الذين أعلنوا أنه عمانوئيل المولود من البتول (اش7: 14) أعلنوا أيضا اتحاد كلمة الله بصنعة يديه. إذ صار الكلمة جسدا، وابن الله ابنا للإنسان، وأفتتح الطهارة بنقاوة الأحشاء النقية معطيا للبشرية تجديدا في الله. القديس ايرنياؤس + فتح السيد المسيح مستودع الكنيسة المقدسة، ذاك المستودع الصامت، الذي بلا عيب، المملوء ثمرا، حيث يولد شعب الله. القديس أمبروسيوس + ميلادك الإلهي، يارب، قد وهب ميلادا للبشرية كلها... ولدتك البشرية حسب الجسد، وأنت ولدتها حسب الروح... المجد لك يا من صرت طفلا لكي تجعل الكل جديدا. مار أفرام السرياني أخذ السيد المسيح جسد من امرأة، ولد منها حسب الجسد، لكي يعيد البشرية فيه من جديد. القديس كيرلس السكندري إننا نؤكد أن الابن وحيد الجنس قد صار إنسانا،... حتى إذ يولد من امرأة حسب الجسد، يعيد الجنس البشري فيه من جديد. القديس كيرلس السكندري + جاء الكلمة الإلهي من الأعالي، وفي أحشائك المقدسة أعيد تكوين آدم (الخليقة الجديدة في المسيح) القديس غريغوريوس صانع العجائب + إن كان ابن الله قد صار ابن لداود، فلا تشك يا ابن آدم أنك تصير ابنا لله. إن كان الله قد نزل أعماقا كهذه، فأنه لم يفع هذا باطلا، أنما ليرفعنا للأعالي! ولد بالجسد لكي تولد أنت ثانية حسب الروح. ولد من امرأة لكي تصير أنت ابنا لله. القديس يوحنا ذهبي الفم + صار ابن الله إنسانا لنرحب به كعضو في عائلتنا، وبالرغم من خطايانا، فإننا نولد من جديد، حاملين رجاءا... + لقد هربنا من وجه معلمنا، تاركين النعمة المقدمة لنا، فماذا يفعل المعلم حسب رحمته؟ أنه يتعقب الهارب حتى يرده. يقترب إليه ليس وهو مرتدي عظمته بل يأتيه في أتضاع، متجسدا في أحشاء مريم. بهذا يصير المعلم معروفا لدى الشارد وصديقا له، جاعلا من نفسه خادما لنا حتى نصير نحن معه سادة! الأب ثيؤدوسيوس أسقف أنقرة بتولية القديسة مريم والبتولية الروحية في العهد القديم، كانت الفتاة في العهد القديم، كانت الفتاة البتول التي لا يرجى زواجها وبالتالي لا تتمتع بالأمومة، في موقف السيدة العاقر، في حال لا تحسد عليه، تحمل علامة غضب الله. أما في العهد الجديد في حال لا تحسد عليه، تحمل علامة غضب الله. أما في العهد الجديد فإن "العذراء" لأول مرة وآخر مرة تنجب"المسيا" فلم تعد بتوليتها عارا، إذ حملت ثمرا بالروح القدس. هكذا صارت البتولية علامة التصاق الله بالإنسان، لهذا يدعو القديس بولس الكنيسة "عذراء المسيح"، وفي سفر الرؤيا يرمز لجموع المختارين الذين بلا عدد بمائة أربعة وأربعين ألفا بتوليا، يتبعون الحمل أينما ذهب (رؤ 14: 4،5). هكذا ارتبطت البتولية بحياة القداسة، لا بمعنى أن كل بتول يحسب قديسا، وكل قديس يلزم أن يكون بتولا، لئلا بهذا نحقر من شأن الزواج المسيحي كسر مقدس. إنما نقصد أن بتولية الجسد ما هي إلا علامة للبتولية الروحية، فالبتولية في جوهرها تكريس كامل لله واتحاد مستمر معه بالمسيح يسوع. هي بتولية النفس والقلب والذهن والحواس والرغبات، ينعم بها المسيحيون بالروح القدس مقدس نفوسنا وأرواحنا وأجسادنا، مهيئا أيانا للعرس الأبدي. + لا تكرم (البولية) من أجل ذاتها، وأنما لا نتسابها لله. القديس أوغسطينوس + البتولية هي باب دوري لحياة القداسة... هي القناة التي تجتذب اللاهوت للشركة مع الإنسان أنما تقدم جناحين يسندان رغبة الإنسان في الانطلاق نحو السماويات. هي رباط الوحدة بين ما هو الهي وما هو بشري، بواسطتها يتم التوافق بعد حدوث هوة عظيمة بينهما... + لقد تبرهن أن اتحاد النفس مع اللاهوت غير الفاسد لا يمكن أن يتحقق بطريق آخر مثل دخول الإنسان في هذه النقاوة العظمى. بهذا يتشبه الإنسان بالله لينال البتولية العاكسة لنقاوة الله كما في مرآة، فتمتزج صورته بالجمال خلال تلاقيه بالجمال الأمثل وتأمله فيه... القديس غريغوريوس النصي + عظة في عهد الميلاد اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولي..فقد أكد السيد المسيح بتولية القلب التي يريدها للكنيسة أولا خلال بتولية جسد مريم.فالكنيسة وحدها هي التي تستطيع أن تكون بتولا فقط حين ترتبط بعريس، ألا وهو ابن البتول، إذ تقدم له ذاتها تماما. القديس أوغسطينوس + يلزم أن تكون بتوليتكم روحية... حقا لا يقدر كثيرون أن يكونوا بتوليين حسب الجسد، لكن يلتزم كل مؤمن أن يكون بتولا حسب الروح. إذن تيقظي، تيقظي يا نفسي، واحرصي على بتوليتك! + أم السيد المسيح عذراء، وعروسه "الكنيسة" عذراء أيضا... القديس أمبروسيوس + أما الآن، فإن حياة مريم هي مثال ينبغي أن تتمثلوا به، فمنها يشرق جمال العفة ومثال كل فضيلة كما من مرآة... القديس أمبروسيوس البتولية الدائمة عمانوئيل الذي ولدتيه، حفظك بغير فساد، مختومة هي بتوليتك. هل بقيت بتولية القديسة مريم عند ولادتها يسوع؟ الكتب الغير القانونية الأولى: "ظهر في الكنيسة الأولى بعض الكتب نسب بعضها للتلاميذ بقصد ترويجها، لكنها لم تتقبلها الكنيسة منذ البدء، هذه الكتب وإن كانت ليست من قائمة الأسفار المقدسة، لكنها تعتبر كتب كنسية تحمل الكثير من الأفكار والتقاليد الكنسية الأولى، يستخدم بعضها كتراث فكري مسيحي مبكر، خاصة متى كانت أفكارها منسجمة مع فكر الكتاب المقدس والكنيسة. استنادنا على بعض النصوص الواردة في ثلاثة كتب أنما لان هذه النصوص تعكس اتجاه كنسي مبكرا". أكدت ثلاثة كتب غير قانونية أولى، ترجع إلى القرن الثاني، دوام بتولية القديسة مريم، وهي: 1- جاء في كتاب"صعود أشعياء": "وجد رحمها كما هو عليه فبل الحمل". 2- ورد في "أناشيد سليمان": أنها ولدت ابنا بغير آلام المخاض. 3- يروي"إنجيل يعقوب الأولى" أن سيدة تدعى سالومى قد "لاحظت بتولية القديسة مريم بعد ولادة يسوع" على أي الأحوال أن تركنا تفاصيل ما ورد في هذه الكتب في هذا الشأن. نستطيع القول أنها حملت انعكاسا لفكر قوى ساد في القرن، ألا وهو أن القديسة مريم لم تفقد بتوليتها بميلادها الرب. الفكر الأبائي: يعتقد أن القديس بطرس بابا الإسكندرية (استشهد عام 311م)هو أول من أستخدم لقب"ايبارثينوس" أي "دائمة البتولية" للقديسة مريم قائلا: "يسوع المسيح... قد ولد حسب الجسد من مريم، سيدتنا القدسية المعظمة، والدة الإله "ثيؤتوكوس" الدائمة البتولية "ايبارثينوس"... في الواقع لم يكن القديس بطرس هو أول من اعتقد في دوام بتولية القديسة مريم، أى بتوليتها قبل ميلاد السيد المسيح (ante-portum") وعند ميلاده ""in-portum وبعد ميلاده ""post portum ففي القرن الثاني يذكر القديس ايرنياؤس ما ورد في أشعياء النبي (66: 7، 8) حيث يتنبأ عن عودة الشعب إلى أورشليم بطريقة ملحوظة خلال الأم صهيون، مفسرا ذلك، أن النبوة تشير إلى العذراء مريم التي ولدت ابنا ذكرا بطريقة بغير آلم المخاض (أي أن تفقد بتوليتها)، إذ يقول النبي: قبل أن يأخذها الطلق ولدت، قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرا. يعلق القديس أن النبي قد أعلن بهذا عن المنظورات أي ميلاد الطفل من العذراء بطريقة فريدة وبهذا يؤكد القديس بتولية القديسة. وفي مصر يقول القديس أكليمنضس أن القديسة مريم استمرت عذراء، رافضا الادعاء بأنها قد صارت امرأة (أي فقدت بتوليتها) بسبب إنجابها الطفل. كما يؤكد العلامة أوريجين دوام بتوليتها في عظاته على سفر اللاويين. وفي موضع آخر يقول: "لقد تسلمنا تقليدا في هذا الشأن... أن مريم قد ذهبت (إلى الهيكل) بعدما أنجبت المخلص، لتتعبد، ووقفت في الموضع المخصص للعذارى. حاول الذين يعرفون عنها أنها أنجبت ابنا طردها من الموضع، لكن زكريا أجابهم أنها مستحقة المكوث في موضع العذارى،إذ لا تزل عذراء". كما يقول العلامة أوريجين: "يليق ألا ننسب لقب أولى العذارى، لغير مريم وحدها". هذا وقد استخدم البابا أثناسيوس تعبير "ايبارثينوس"، كما أعلن القديس ديديموس الضرير بتوليتها أثناء ميلاد الطفل "in-portum وبعد الميلاد "post portum مخابئ إياها: "الدائمة البتولية". وفي هذا المجال أقتبس بعض فقرات من أقوال الأباء في شأن دوام بتولية القديسة: + حقا إننا نجهل الكثير على سبيل المثال: كيف يوجد غير المحدود في الأحشاء؟ كيف يحمل بذاك الذي يحوي كل شئ، ويولد من امرأة؟ كيف تلد العذراء وتستمر عذراء؟ القديس يوحنا ذهبي الفم + لم تحل بتولية العذراء الطاهرة خلال الميلاد غير الدنس، كما لم تقف البتولية في طريق ميلاد عظيم كهذا. القديس غريغوريوس النيصي + السيد المسيح وحده فتح أبواب بتوليتها المغلقة، ومع هذا بقيت الأبواب مغلقة تماما. القديس جيروم + مع أن الباب كان مغلقا، دخل يسوع إلى مريم، القبر الجديد المنحوت في صخر، الذي لم يرقد أحد فيه من قبله ولا بعده، أنها جنة مغلقة، ينبوع مختوم "نش 4: 12". هي الباب الشرقي الذي تحدث عنه حزقيال (14: 2)، المغلق على الدوام، المملوء نورا...يدخل إلى قدس الأقداس، منه يدخل ويخرج من هو على رتبة ملكي صادق. دعوهم يخبروني كيف دخل يسوع والأبواب مغلقة، وأنا أجيبهم كيف تكون القديسة مريم أما وعذراء بعد ميلاد أبنها، وكيف تكون أما قبل (بغير) زواج. القديس جيروم + لو أفسد ميلاده بتوليتها، لما حسب مولودا من عذراء، وتكون شهادة الكنيسة الجامعة بأنه ولد من العذراء مريم، شهادة باطلة (حاشا!). القديس أوغسطينوس + كما دخل الرب والأبواب مغلقة هكذا خرج من أحشاء البتول، فإنه بحق ولدته هذه العذراء بغير ألم...بقيت بتوليتها سالمة لم تحل! القديس أفرام السرياني + ما كان الرب يسوع قد أختار أن يولد من عذراء، لو عرف أنها ليست عفيفة فتقبل زرعا بشريا في ذات الموضع الذي قطن فيه جسد الرب، أي في بلاط الملك الأبدي. الأسقف سيريكس (392م) + يا له من شر مدهش! مريم كانت عذراء بعد زواجها، عذراء بعد الحمل، وبقيت هكذا بعد إنجاب الطفل! أخيرا فأنه لو وجد شئ أعظم من البتولية لقدمه ابن الله لأمه، إذ وهبها أن تفرح بكرامة البتولية الإلهية. الأب زينو أسقف فيرونا (372م) + إذ قارن القديس أفرام ميلاد الرب بقيامته، قال عن الميلاد: أراد العريس الممجد أن يظهر أنه ترك أوتار البتولية نائمة حتى لا تشعر بخروجه. مار أفرام السرياني + حقا لا تعرف الطبيعة عذراء تبقى هكذا بعد إنجاب الطفل، أما النعمة فجعلت العذراء والدة وحفظت بتوليتها. النعمة جعلت العذراء أما ولم تحل بتوليتها... أيتها الأرض غير المفلحة التي ازدهرت وجاءتنا بثمر يخلصنا! أيتها العذراء التي فاقت جنة عدن المبهجة!... العذراء ممجدة أكثر من الفردوس، لأن الفردوس فلحه الله، أما مريم فأنبتت الله نفسه حسب الجسد، إذ بإرادته شاء أن يتحد بالطبع البشري. الأب ثيؤدوسيوس أسقف أنقرة القمص تادرس يعقوب ملطى القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
05 أكتوبر 2019

إبراهيم أبو الآباء

ان إبراهيم هو أب " لجميع الذين يؤمنون" (رو 4: 11).. ونحن ندرس حياته لكى ماندرس معاملات الله مع البشر، فكل ما كتب كتب لأجل تعليمنا،، وعلىالرغم من أن إبراهيم هو أعظم رجل سجلت الأسفار المقدسة تاريخه، لكن لنذكر دائما أن أمامنا من هو أعظم من إبراهيم، ذاك الذى قال عن نفسه: " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " – ذاك الذى تهلل إبراهيم أن يرى يومه فرأى وفرح (يو 8: 56، 58).. ولا عجب فالقديس بولس بعد أن سرد قائمة طويلة لأبرار العهد القديم فى الرسالة إلى العبرانيين كسحابة شهود استطرد يقول: " ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع " (عب 12: 2). قصة إبراهيم مع الله:- تبدأ قصة إبراهيم حين تراءى له إله المجد، وهو مازال فى مدينة أور الكلدانيين، (مكانها الحالى خرائب فى منتصف المسافة بين بغداد والخليج الفارسى، شرقى نهر الفرات بقليل ناحية الجنوب) – ويوضح ذلك الوحى الألهى على فم أستفانوس شهيد المسيحية الأول " ظهر رب المجد لأبينا إبراهيم وهو فى ما بين النهرين قبل سكنه فى حاران (مدينة على أحد فروع نهر الفرات) – وقال له أخرج من أرضك ومن عشيرتك وهلم إلى الأرض التى أريك، فخرج حينئذ من أرض الكلدانيين وسكن فى حاران، ومن هناك نقله (الله) بعدما مات أبوه إلى هذه الأرض التى أنتم الآن ساكنون فيها " (أع 7: 2 – 4) إذن فقد تلقى إبراهيم الدعوة بالخروج وهو مازال فى أور الكلدانيين.. وكانت دعوة الله لإبراهيم هكذا " اذهب من أرضك، ومن عشيرتك ومن بيت أبيك الى الأرض التى أريك، فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم أسمك. وتكون بركة، وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض " (تك 12: 1 –3). 1 – فى الواقع يبدأ تاريخ إبراهيم بظهور الله له. والحق أن القيمة الحقيقية فى حياة أى أنسان وتاريخه تبدأ بظهور الله فى حياته. فقد يعيش إنسان عشرات السنين دون أن يكون له أثر، حتى يقبل دعوة الله ويحيا فى طاعته.. والله فى أثناء ذلك يعرض عليه ذاته لكى يستغنى، ويلبس ثيابا بيضا فلا يظهر خزى عريته. 2 – لنتأمل فى قول الله لإبراهيم: " وتكون بركة ".. هنا نلاحظ ظاهرة عجيبة، فبعد أن كان الله يبارك البشر، أصبح هناك بشر يباركون البشر!!! 3 – تأملات فى طاعة إبراهيم: كانت طاعة إبراهيم لله فى أن خرج من أرضه، فما هى حكمة الله من ذلك؟ الواقع أن كل أنذارات الله القديمة (الطوفان – بلبلة الألسن -..) لم تفلح فى حمل البشر أن يقلعوا عن الشر، لذا لم يكن هناك بد من أن يعزل الله فئة من البشر ليكونوا له. كان هناك خوف على إبراهيم، فالجو الذى عاش فيه إبراهيم فى أور الكلدانيين كان موبوءا بالوثنية ونجاساتها، فالانسان بطبعه ضعيف ومعرض للسقوط، وإبراهيم نفسه وهو - أب الآباء – ضعف إيمانه وشك فى قدرة الله على إعالته فى أرض كنعان لما حدثت مجاعة فنزل إلى مصر دون مشورة الله، وكذب وقال عن زوجته سارة أنها أخته خوفا أن يقتله فرعون.. من هذا نفهم حكمة الرب فيما قاله على لسان أشعياء النبى " اعتزلوا اعتزلوا. أخرجوا من هناك. لا تمسوا نجسا " (أش 52: 11) – ويقول يوحنا فى رؤياه "..اخرجوا منها ياشعبى لئلا تشتركوا فى خطاياها، ولئلا تأخذوا من ضرباتها " (رؤ 18: 4) خرج إبراهيم من أور الكلدانيين طاعة لأمر الله، لكن أباه تارح والذين معه خرجوا معه على سبيل الصحبة والقرابة.. وهؤلاء كانوا ثقلا على إبراهيم فى طريق الطاعة الكاملة. وما أن وصلوا إلى حاران حتى حطوا رحالهم، ورفضوا الأرتحال أكثر، ظل إبراهيم معهم فى حاران زمانا طويلا لم يتمتع فيه بظهور الله له، ولم يتمكن من تنفيذ وصية الله له بالخروج، إلا بعد أن تخلص من هذه الروابط الجسدية التى كانت معطلا له عن السير فى طريق طاعة الله الكاملة. 4 – تارح والد إبراهيم يقود القافلة (الجسد يتولى قيادة المؤمن): " وأخذ تارح أبرآم ابنه ولوطا أبن هاران ابن أبنه وساراى كنته امرأة إبرام أبنه، فخرجوا معا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان " (تك 11: 31)هنا يظهر تارح كما لو كان هو المدعو من الله ليخرج من أور إلى كنعان، بينما الدعوة فى الواقع كانت لإبراهيم.. النتيجة هو التوقف عن السير.. تارح يمثل صورة الجسد عندما يقود المؤمن. فقد كان تارح عابدا للأوثان (يش 24: 2) وقيادة الجسد للأنسان فى الأمور الروحية المتصلة بالله، لا نتيجة منها سوى التعثر للوصول لله. + كان أمر الله لإبراهيم أن يذهب إلى كنعان، أما هو فسكن فى حاران. لكن ما أن مات أبوه حتى أطاع وصية الرب.. إن صلات الجسد وروابطه كثيرا ما تعوقنا فى إتمامنا لدعوة الله لنا، فنتقاعد عن الوصول إلى مادعينا اليه ونرضى بما هو أقل منه!!!إن دعوة إبراهيم هى مثال لدعوة الله للانسان، فكما أن الموت وحده هو الذى هيأ لإبراهيم فرصة الأنطلاق، كذلك فإننا بحاجة للموت عن العالم حتى ما ننطلق إلى الله. + كانت الدعوة إلى كنعان لكن إبراهيم تخلف فى حاران.. وكثيرا ما تأتى معطلات فى طريق الأنسان إلى الله.. فعلينا أن نحترس!! + لقد أطاع إبراهيم دعوة الله إليه بالخروج من أرضه، دون أن يعلم إلى أين يذهب، وفى هذا مثال للطاعة الكاملة لله.. وحياة التسليم بالكامل. + حسب الظاهر كان إبراهيم قد خسر أرضه وعشيرته وبيت أبيه،،، لكن فى الواقع كان إبراهيم رابحا، فالانسان الخاطىء عندما يترك العالم وملذاته، ما هى خسارته وهو يربح المسيح " ما كان لى ربحا، فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة. بل إنى أحسب كل شىء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى. الذى من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكى أربح المسيح وأوجد فيه " (فى 3: 7، 8). + لابد من حدوث العوائق فى طريق الله، لا نتصور أن الطريق أمام المؤمن سهلا. + فى دعوة إبراهيم نرى الله يوضح الطريق الروحى الذى ينبغى أن يسلك فيه الإنسان أومايمكن أن نسميه طريق التكريس: أولا: يقول الله لإبراهيم " أخرج من أرضك " هذه تشير الى الزهد بالجسد. فيزهد الأنسان فى الثروة والممتلكات. ثانيا: " ومن عشيرتك " وهذه تشير إلى نبذ وترك أساليب السلوك القديم والرذائل الخاصة بالروح والجسد " اسمعى ياابنتى وانظرى وأميلى أذنك، وانسى شعبك وبيت أبيك ". ثالثا: " أخرج..الى الأرض التى أريك ".. ماهى هذه الأرض؟ هى الأرض التى عناها المسيح بقوله " طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض " - " ثم رأيت سماء جديدة وارضا جديدة.. " – " بالأيمان تغرب.. لأنه كان ينتظر المدينة التى لها الأساسات التى صانعها وبارئها الله ". إبراهيم بعد أن ترك حاران (تك 12: 4 – 9): + أول مكان بلغه إبراهيم بعد أن ترك حاران هو شكيم.. ومعنى شكيم كتف، وهى عناية عن قوة الله التى تحفظنا فى دائرة الأيمان.. ثم جاء الى بلوطة مورة، ومعناها تعليم. والتعليم والقوة يرتبطان ببعضهما، فالقوة الروحية تقودنا الى قبول التعليم، والتعليم ينشىء فينا قوة روحية.. هذه لفتة الهية للطائعين!!!. + أتى إبراهيم إلى شكيم، لكنه وجد الكنعانيين فى الأرض..كان وجود الكنعانيين هناك امتحانا لقلب إبراهيم ومدى ثبات إيمانه، ومع وجود الكنعانيين فقد وجد الله هناك.. " وظهرالرب لإبرآم " (تك 12: 7). + إبراهيم بين الخيمة والمذبح.. لقد بنى إبراهيم مذبحا بعد وصوله شكيم.. وبنى مذبحا ثانيا بين بيت إيل وعاى.. عاش إبراهيم حياة الغربة فى خيمة متنقلة.. والخيمة والمذبح صفتان أمتاز بهما إبراهيم. فالخيمة تشير إلى حياة الغربة.. التى عاشها على الأرض، والمذبح يشير إلى حياة التعبد والشكر لله. بالخيمة أعترف أن لا شىء له فى الأرض، وبالمذبح أعترف أن الله كان كل شىء له.. ففى الوقت الذى لم يعطه الله فيه ميراثا ولا وطأة قدم (أع 7: 5)، كان الله هو نصيبه و ميراثه، وهذا وحده يكفى.. القمص تادرس يعقوب ملطى
المزيد
24 أغسطس 2020

أمومة القديسة مريم والتجسد

لخص الأب يوحنا الدمشقي عقيدتنا في الثيؤتوكوس بقوله " هذا الاسم يحوي كل سر التجسد..." كما أعلن القديس غورغوريوس النزينزي ضرورة إعطاء القديسة مريم حقها في الأمومة كنتيجة لعقيدتنا في التجسد الإلهي، قائلا: "من لا يقبل القديسة مريم بكونها " الثيؤتوكوس" يقطع من اللاهوت. من يقول بأن السيد المسيح عبر في العذراء كما في قناة، ولم يتشكل بطريقة تحمل لاهوتيته كما ناسوتيته أيضا، فهذا يحسب شريرا.من يقول بأن السيد قد تشكل فيما بعد بسكنى الله فيه، فهذا يدان.من يتحدث عن ابن الله الآب بكونه آخر غير ابن مريم، وليس هو شخص واحد، فهو محروم من شركه التبني".حقا لم تعطى القديسة مريم ابنها شخصيته اللاهوتية أو طبعه الإلهي أثناء التجسد ومع ذلك فكما يقول القديس كيرلس هذا لا يقلل من حقها في التمتع بلقب "والدة الإله". فإن الأمهات الأخريات أيضا لا يهبن أولادهن نفوسهم ولا شخصياتهم ومع ذلك فهن أمهات حقا، ولسن أمهات للتجسد وحده، بل للشخص نفسه المخلوق بواسطة الله الحي في هذا التجسد. هكذا القديسة مريم هي أم يسوع الذي هو نفسه الله.لقد تسائل البعض لماذا اختار كلمة الله أن يولد من امرأة (غلا 4: 4)؟ ولم ينزل من السماء بغير جسد بشري أو على الأقل كان قد حمل جسدا سماويا من صنع يدي الله مباشرة (دون ولادته من امرأة)؟. 1- إذ أخذ جسدا في أحشاء العذراء مريم صار كلمة الله ليس فقط أنسانا وأنما عضوا في الجنس البشري من نسل آدم، من ذرية إبراهيم، من سبط داود الملوكي. خلال بنوته الحقيقية للقديسة مريم ربط نفسه بحقيقة وجودنا المتواضع. بمعنى أخر، خلال أمومة القديسة مريم سرى دمنا في عروقه حتى يسفكه غفرانا لخطايانا. 2- خلال أمومة العذراء لله أتحد الجانبان معا ليتصالحا: الله والإنسان. فقد أراد أن يخلصنا كرئيس كهنة كامل ووسيط بدخوله إلينا، كأخ لنا، وليس كغريب عنا. 3- يقرر القديس أوغسطينوس بأنه لو أن ابن الإنسان رفض التجسد في أحشاء العذراء، ليأست النسوة ظانات أنهن خليقة فاسدة. فخلال بنوته للقديسة مريم أعاد لهذا الجنس كرامته وأعلن صلاح كل الخليقة. أمومتها وكلمة الله:- يقول القديس أغسطينوس: "حبلت به مريم في ذهنها قبل أن تحبل به في جسدها". حقا مطوبة هي القديسة مريم لأنها قد اختيرت أما كلمة الله، لكنه قبل أن تحبل به جسديا حملته روحيا بالإيمان. فقد كانت مثالية في سماعها " الكلمة"، والإنصات لها وأطاعتها، وحفظها متفكرة بها في قلبها. لهذا يقول القديس أوغسطينوس: "أمومة مريم ما كانت بذي فائدة لها لو لم تحمل السيد المسيح في قلبها بفرح". أمومة النفس للسيد المسيح:- القديسة مريم كوالدة الإله تمثل الكنيسة التي يحمل أعضاؤها الله روحيا في قلوبهم. هكذا يتطلع أباء الكنيسة القديسون إلى الحياة الروحية للمسيحي بعد عماده كحالة نمو للمسيح نفسه في داخل قلوبهم التي تتسم بالأمومة. + كما يتشكل الطفل في الرحم، هكذا يبدو لي أن كلمة الله يتشكل في قلب النفس التي تقبل نعمة المعمودية لتدرك في داخلها كلمة الإيمان الأكثر مجدا والأكثر وضوحا. + يبدو أنه من الخطأ أن نتحدث عن تجسد ابن الله من القديسة العذراء ولا نشير إلى تجسده أيضا في الكنيسة... إذ يليق بكل واحد منا أن يعرف مجيء ابن الله في الجسد بواسطة العذراء الطاهرة، وفي نفس الوقت أن يدرك مجيئه بالروح في كل واحد منا. العلامة أوريجانوس + ما حدث لمريم التي بلا عيب حين أشرق فيها كمال اللاهوت الذي في المسيح يتحقق في كل نفس تمارس البتولية كمنهج لها.حقا لا يعود يأتي السيد ليحل حلولا جسديا "فإننا لسنا نعرفه بعد حسب الجسد" "2 كو 5: 6"إنما يسكن فينا روحيا ويحضر معه أباه كما أخبرنا في الإنجيل في موضع آخر. + جاء هذا الميلاد من الله، وهو يتحقق في كل وقت فيه يحبل بخلود الروح في قلب الإنسان الحي، فليعطى ميلادا للحكمة والعدل والقداسة والنقاوة الكاملة. بهذا يستطيع كل مسيحي أن يصير أما لذلك الذي هو جوهريا في كل شيء، إذ يقول ربنا نفسه " من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات فهذا هو أمي" (مر 3: 25، متى 12: 5). القديس غريغوريوس أسقف نيصص + (كل مسيحي) يحبل بالله في قلبه. القديس أوغسطينوس + تستطيع أن تكون أما للرب على مثال الطوباوية مريم التي استحقت بطهارة كهذه أن تكون أما لله. القديس جيروم + ينادى على النفس التي تبدأ في الاتجاه نحو السيد المسيح هكذا: " يا مريم "، أي تتقبل اسم المرأة التي حملت به في أحشائها، إذ تلده النفس بمفهوم روحي. + أحرص أن تتمم مشيئة الآب لكي تكون أما للمسيح " مر 3: 35" القديس أمبروسيوس + من يبشر بالحق يحسب فوق كل شيء أما للمسيح، إذ يلد ربنا الذي يحضره في قلوب سامعيه. يصير أما للمسيح إذ يوحي بحب ربنا في روح قريبة خلال كلماته له. البابا غريغوريوس + اسمعوا هذا يا رعاة الكنائس يا رعاة الله، ففي هذا الوقت يأتيكم الملاك مبشرا أياكم: أنه ولد لكم اليوم وفي كل يوم المسيح الرب!. العلامة أوريجين + الكنيسة في حالة تمخض إلى أن يتشكل المسيح ويولد داخلنا، فكل قديس يتمتع بشركة مع المسيح كأنما يولد المسيح فيه من جديد!. ميثودوسيوس حواؤنا الجديدة السلام للقديسة مريم، أم جميع الأحياء. نطلب إليك أن تشفعي فينا! ثيؤتوكية الثلاثاء اعتادت الكنيسة أن تلقب القديسة مريم "أم جميع الأحياء" و"أم الحياة الجديدة" و"حواء الثانية". فإن كانت حواء فقدت المعنى اللائق باسمها كأم كل حي (تك 3: 20)، إذ خلال عصيانها جلبت على أولادها الموت عوض الحياة وصارت "أم كل ميت"، فإن ابنتها القديسة مريم قد احتلت مركزها من خلال أيمانها وطاعتها وأتضاعها، وهكذا صارت بالروح القدس أم "الحياة"، تقدم لأبناء آدم "شجرة الحياة" ليأكلوا ويحيوا إلى الأبد. هذا وقد صارت القديسة مريم خلال التجسد أما لا للرأس فقط بل ولأعضاء جسده السري كقول القديس أغسطينوس، وهكذا تقبلت أمومة جامعة"للكنيسة". خلال هذا المفهوم يتطلع الآباء القديسون إلى أحشاء البتول كحجال العرس، فيه التقى العريس السماوي بعروسه أي الكنيسة الجامعة، متحدا بها. ففي هذه الأحشاء قبلنا السيد المسيح ابنها عريسا لنا وأخا بكرا، فقبلناها أما له ولنا.فيما يلي مقتطفات من أقوال الآباء عن اتحادنا بالعريس ابنها داخل أحشائها، فصارت أما لنا: + ارتبط الكلمة بالجسد، تزوج الكلمة بالجسد،وصارت أحشائك حجال هذه الزيجة السامية.إنني أكرر أن أحشائك هي حجال هذه الزيجة العلوية التي للكلمة مع الجسد، حيث" يخرج العريس من خدره"... القديس أغسطينوس + أعد الله الآب لله الابن عرسا،فحين كان في أحشاء البتول اتحد مع الناسوت،حيث أراد الله الكائن قبل كل الدهور أن يصير في أواخر الدهور إنسانا...هكذا ضم الكنيسة المقدسة إلى نفسه خلال سر التجسد... والآن فإن أحشاء العذراء الأم صارت خدر هذا العريس، إذ يقول المرتل: "جعل من الشمس مظلته، مثل العريس الخارج من خدره" (مز 68: 6) فقد كان بالحقيقة خارجا من خدره كالعريس من خدره موحدا الكنيسة إلى نفسه، خرج الإله المتجسد من رحم العذراء دائم البتولية. البابا إغريغوريوس هذه العلاقة التي قامت بين حواء الجديد وكل المؤمنين خلال التجسد قد أعلنت رسميا بواسطة آدم الثاني وهو على الصليب، إذ قال لحواء خلال الجديدة " يا امرأة هوذا ابنك"، وقال لمؤمنيه "يا يوحنا هوذا أمك". خلال الصليب تقبلنا حواؤنا الجديدة من أيدي الله! في هذا يقول العلامة ترتليان: " الله يعلم أنه ليس حسن للرجل أن يكون وحده، هو يعلم أنه جيد للرجل أن يكون له امرأة، ألا وهي مريم وبعد ذلك الكنيسة". لقد تقبلنا القديسة مريم حواؤنا فنقول لإلهنا مع آدم: "المرأة التي أعطيتني معينة لي، حوا الجديدة، أعطتني، لأكل من شجرة الحياة، أي من صليب أبنها".هذا ويرى العلامة أوريجانوس أن كل إنسان كامل يقدر أن يتسلم مع القديس يوحنا من الابن المصلوب القديسة مريم أما له، شارحا الكلمات: " هوذا ابنك" هكذا "الإنسان الكامل لا يعيش فيما لنفسه وحده بل يحيا المسيح أيضا فيه، ومادام المسيح فيه، لهذا يقال عنه لمريم: هوذا، ابنك المسيح!". المقارنة بين حواء والقديسة مريم:- ربما يعود أصل المقارنة بين حواء والقديسة مريم إلى بابياس أسقف هليوبوليس بآسيا الصغرى في أواخر القرن الأول الميلادي. ويعتبر القديس يوستين في القرن الثاني الميلادي هو الذي جذب الأنظار إلى هذه المقارنة في محادثاته مع ترفو Trypho، إذ يقول: ["صار (ابن الله) إنسانا بواسطة العذراء، حتى يمكنه أن يمحو المعصية التي كانت بإيحاء الحية، وذلك بنفس الطريقة التي نبعت منها هذه المخالفة... فحواء التي كانت عذراء وغير دنسة إذ حملت كلمة الحية داخلها أنجبت عصيانًا وموتًا، أما مريم العذراء إذ امتلأت بالإيمان والفرح ما أعلنه الملاك جبرائيل لها في البشارة بأن الروح القدس يحل عليها وقوة العلي تظللها والقدوس المولود منها يدعى ابن الله، وأجابت: ليكن لي كقولك (لو 1: 35)...] واضح في هذه المقارنة أن القديس يوستين ركز لا على القديسة مريم بل على المولود منها. وقام القديس ايريناؤس (حوالي عام 172) بتطوير هذه المقارنة، إذ صبها في قالب لاهوتي قائلاً: [مع أن حواء كان لها زوج هو آدم كانت لا تزال عذراء، بعصيانها صارت سبب الموت لنفسها ولكل الجنس البشري، هكذا مريم أيضا وهي لها رجل مخطوبة وكانت عذراء عندما قدمت الطاعة صارت سبب الخلاص لنفسها ولكل الجنس البشري... هكذا انحلت العقدة التي سببتها عدم طاعة حواء بطاعة مريم. ما قد ربطته العذراء حواء شديدًا بعدم إيمانها، حلته العذراء مريم بالإيمان...] هكذا يبرز القديس ايريناؤس ما للقديسة مريم من دورٍ في خطة الله لخلاصنا، إذ قدمت الخضوع الكامل لله بكامل حريتها، قدمت الطاعة النابعة من الإيمان.هكذا وقد دعاها القديس " شفيعة حواء" أو "المحامية عنها" إذ يقول: [بينما خالفت حواء الله، أطاعت مريم الله، لتصير العذراء مريم محامية أو شفيعة للبتول حواء.] وبنفس المنهج كتب ترتليان في كتابه "جسد المسيح": [زحفت كلمة الشيطان إلى العذراء حواء لكي تقيم شرخا للموت، ودخل كلمة الله إلى العذراء ليقيم بناء الحياة. ما فقدناه بواسطة الجنس، أعيد إلينا بواسطة ذات الجنس وأنقذ الموقف. حواء صدقت الحية، ومريم صدقت جبرائيل. ما أفسدته الواحدة بعدم الإيمان استردته الأخرى بالإيمان... لهذا أرسل الله إلى أحشاء العذراء كلمته الذي هو أخانا البكر حتى يٌمحي تذكار الشر...]ويشير العلامة أوريجينوس إلى القديسة مريم بكونها قد أعادت الكرامة لجنس المرأة، هذه التي فقدتها خلال خطية حواء. في هذا وجدت المرأة خلاصها بولادة البنين (تي 2: 15). كما يقول أيضًا: ["الفرح الذي بوق به جبرائيل لمريم نزع حكم الحزن الصادر من الله ضد حواء.] [كما بدأت الخطية بالمرأة وبعد ذلك عبرت إلى الرجل، هكذا بدأت البشارة بالنسوة (مريم واليصابات).] وقام القديس ايريناؤس (حوالي عام 172) بتطوير هذه المقارنة، إذ صبها في قالب لاهوتي قائلاً: [مع أن حواء كان لها زوج هو آدم كانت لا تزال عذراء، بعصيانها صارت سبب الموت لنفسها ولكل الجنس البشري، هكذا مريم أيضا وهي لها رجل مخطوبة وكانت عذراء عندما قدمت الطاعة صارت سبب الخلاص لنفسها ولكل الجنس البشري... هكذا انحلت العقدة التي سببتها عدم طاعة حواء بطاعة مريم. ما قد ربطته العذراء حواء شديدًا بعدم إيمانها، حلته العذراء مريم بالإيمان...] هكذا يبرز القديس ايريناؤس ما للقديسة مريم من دورٍ في خطة الله لخلاصنا، إذ قدمت الخضوع الكامل لله بكامل حريتها، قدمت الطاعة النابعة من الإيمان. هكذا وقد دعاها القديس " شفيعة حواء" أو "المحامية عنها" إذ يقول: [بينما خالفت حواء الله، أطاعت مريم الله، لتصير العذراء مريم محامية أو شفيعة للبتول حواء.] وبنفس المنهج كتب ترتليان في كتابه "جسد المسيح": [زحفت كلمة الشيطان إلى العذراء حواء لكي تقيم شرخا للموت، ودخل كلمة الله إلى العذراء ليقيم بناء الحياة. ما فقدناه بواسطة الجنس، أعيد إلينا بواسطة ذات الجنس وأنقذ الموقف. حواء صدقت الحية، ومريم صدقت جبرائيل. ما أفسدته الواحدة بعدم الإيمان استردته الأخرى بالإيمان... لهذا أرسل الله إلى أحشاء العذراء كلمته الذي هو أخانا البكر حتى يٌمحي تذكار الشر...]وفي القرن الرابع يشير زينون أسقف فيرونا إلى هذه المقارنة بعرض جديد: [جرح الشيطان حواء وأفسدها، زاحفا بخداعه إليها خلال أذنها، هكذا بدخول السيد المسيح إلى أذن مريم تخلصت من كل رذائل القلب. لقد شفي جرح المرأة عندما ولد من العذراء.] أما القديس مار أفرام السرياني الذي قال [أن قيثارة الروح القدس هذه لن تبعث لحنًا أعذب مما تصدره حين تتغنى بمديح مريم.] فقد أعطي لهذه المقارنة بين حواء والقديسة مريم تطورًا جديدٍا، إذ يقول: [استترت حواء في بتوليتها بأوراق العار. أما أمك (القديسة مريم) فلبست في بتوليتها ثوب المجد الذي يكفي الجميع. قدمت قطعة من الملابس (الجسد) لذاك الذي يكسو الجميع.] [بالعين رأت حواء جمال الشجرة، فتشكلت مشورة القاتل (الشيطان) في ذهنها... أما مريم فبالأذن أدركت غير المنظور الذي جاءها خلال الموت. لقد حملت في أحشائها القوة التي جاءت إلى جسدها.] كما يقول أيضا: "لتصغ حواء أمنا الأولى، ولتقترب إلى.لترفع رأسها التي انحنت بالعار الذي لحق بها وهي في الجنة. لتكشف عن وجهها وتشكرك، لأنك نزعت عنها ارتباكها!لتحمل صوت السلام الكامل فإن ابنتها دفعت الدين عنها""الحية وحواء حفرا قبرا وألقيا بآدم المخطئ في الجحيم، أما جبرائيل فجاء وتكلم مع مريم،. هكذا فتح السر الذي به يقوم الأموات من جديد". "مريم هي جنة عدن التي من الله،ففيها لا توجد حية تضر...ولا حواء التي تقتل...إنما نبع فيها شجرة الحياة التي أعادت المنفيين إلى عدن". أخيرا فقد تكررت نظرة هؤلاء الآباء في كتابات القديسين أمبروسيوس وجيروم وأوغسطينوس وأبيفانيوس أسقف سلاميس وغيرهم، نقتبس منها العبارات التالية: + دعيت حواء أم الجنس البشري أما مريم فهي أم الخلاص. القديس أمبروسيوس + بعد أن حملت العذراء وولدته لنا... انحلت اللعنة. جاء الموت خلال حواء والحياة خلال مريم. القديس جيروم + مريم اشتملت في حواء، لكننا عرفنا حقيقة حواء فقط، عندما جاءت مريم القديس أوغسطينوس + تطلعت مريم إلى حواء وإلى أسمها ذاته "أم كل حي، كشارة سرية عن المستقبل، لان "الحياة" نفسه ولد من مريم، وهكذا صارت "أم كل حي" لا نستطيع أن نطبق العبارة "أضع عداوة بينك وبين المرأة" تك3: 15 على حواء وحدها، أنما بالحقيقة تحققت عندما ولد القدوس الفريد من مريم بغير زرع بشر". القديس ابيغانيوس أسقف سلاميس + وجدت المرأة شفيعتها في المرأة. القديس أغريغوريوس النيصي الممتلئة نعمة سر الفرح: في البشارة حيا الملاك جبرائيل القديسة مريم بهذه الكلمات: " السلام (شيريه) لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء". لم تكن هذه بالتحية العادية كقول "يوم سعيد"، ولا حملت معنى "سلام" أو "شالوم"، إنما حملت كمال معنى الفرح. فإن الكلمة اليونانية لسلام هنا "شيريه". وقد ورد الفعل (شيرو) في الترجمة السبعينية للعهد القديم حوالي ثمانين مرة، ترجم نصفها "يفرح"، والنصف الآخر استخدم للتعبير عن فرح شعب الله بعمل مثير يمس خلاصهم. استخدم بعض أنبياء العهد القديم ذات التحية موجهة إلى "ابنة صهيون" يسألونها أن تفرح جدا بل وتصرخ علانية، معلنين لها الخلاص الذي يتحقق بواسطة المسيا. "ترنمي يا ابنة صهيون، اهتفي... افرحي (شيري) وابتهجي من كل قلبك يا ابنة أورشليم. الرب إلهك في وسطك جبار، يخلص..." صفنيا 3: 14، 17 "ابتهجي (شيريه) جدا من كل القلب والنفس يا ابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك... ويسكن في وسطك" زكريا 9: 9 هوذا الملاك يحيى ابنة صهيون الحقيقية، القديسة مريم، ويدعوها إلى فرح قلبي داخلي،سره سكني المسيا، مخلصها وإلهها، في داخلها، فقد تمتعت بالأمومة لابن الله. يتجلى سر فرح القديسة مريم الذي نالته في لحظات التجسد بكل وضوح في الليتورجيات القبطية وتسابيحها وفنونها، الأمر الذي تعود إليه في الفصل الأخير. قداستها: ارتبطت فكرة قداسة القديسة مريم في ذهننا بأمومتها لله كما ارتبطت بدوام بتوليتها وصداقتها للمؤمنين وموقفها كرمز للكنيسة المقدسة. رأينا أن أمومة مريم لله إنما جاءت ثمرة تزاوج نعمة الله المجانية مع خضوع (مريم) المؤمنة وطاعتها لله. فقد تدخل الله بطريقة معجزيه لتحقيق التجسد الإلهي كعطية مجانية يهبها الله للناس (لو 1: 28-35) بهذه النعمة الإلهية المجانية اقتنت القديسة مريم كمالا (قداسة) للروح والجسد يهيئها لاستقبال السيد في أحشائها. قدستها نعمة الله وصيرتها قدس أقداس حقيقي يسكنه الله، سماء ثانية، أما للحياة والنور والواحد القدوس. هكذا خضعت العذراء – باسم البشرية- لرسالة الله وعمله (لو 1: 38) أما في لحظات التجسد فتقبلت القديسة مريم كمالا فريدا تحقق بحلول ابن الله واهب النعمة. + انفردت بدعوتها" الممتلئة نعمة"، إذ وحدها نالت النعمة التي لم يقتنيها أحد غيرها، إذ امتلأت بواهب النعمة. القديس أمبروسيوس + افرحي أيتها الممتلئة نعمة! يتنعم البشر، كل بنصيب من النعمة، أما مريم فنالت النعمة بكل فيضها الأب بطرس خريسولوجيس + حملت مريم (النار) في يديها، واحتضنت اللهيب بين ذراعيها. أعطت اللهيب صدرها كي يرضع، وقدمت لذاك الذي يقوت الجميع لينها. من يستطيع أن يخبر عنها؟! القديس أفرام السرياني + التحفت بالنعمة الإلهية كثوب، وامتلأت نفسها بالحكمة الإلهية، في القلب تنعمت بالزيجة مع الله، وتسلمت الله في أحشائها.! الأب ثيؤدوسيوس أسقف أنقرة تتأكد هذه الفكرة أي الارتباط بين قداسة مريم وأمومتها بشكل واضح في الألحان القبطية تعطيها أسماء كثيرة توضح قداسة الثيؤتوكوس + السلام (الفرح) للسماء الجديدة، التي أشرق منها شمس البر، رب كل البشرية! + السلام (الفرح) لمريم، الحمامة الحسنة، التي ولدت لنا الله الكلمة! أسبوع الآلآم + صرت أعلى من السماء، ومكرمة أكثر من الأرض وكل الخليقة التي عليها، إذ صرت أما للخالق. + ليس من يشبه والدة الإله، فإنك وأنت تسكنين الأرض أما للخالق. (بارالكس) لحن البركة 2- ارتبطت قداسة العذراء بدوام بتوليتها، كما ظهر ذلك بوضوح في مقالات آباء الإسكندرية عن البتولية. أما القديس أمبروسيوس فيقول: كانت بتولا لا بالجسد فحسب بل بالروح أيضا، فإن نقاوة ذهنها لم يمسها أي خداع! 3- يشعر المؤمن الأرثوذكسي بقداسة مريم لا بوحي تعاليم تسليمها من الكتب بل ثمرة طبيعية لصداقة شخصية ارتبط بها مع القديسة خلال حياته اليومية، فالقبطي المؤمن يشعر بالقديسة أما له، الملكة القديسة التي في السماء تسأل عن خلاصه. هي الأم القديسة التي تتوق إلى قداسة أبنائها. 4- أخيرا تحسب مريم كقديسة بكونها "ابنة صهيون" الممتلئة نعمة، ترمز للكنيسة المقدسة. هي مثال لعرس المسيح، جسده السري والكيان الروحي الذي أسسه الرب وملاه بالروح القدس. القمص تادرس يعقوب ملطى القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
26 أكتوبر 2019

إبراهيم أبو الآباء ج4

طرد هاجر وإبنها: اسحق معناه (الضحك)، واسماعيل معناه (الله يسمع).." رأت سارة أبن هاجر المصرية الذى ولدته لإبراهيم يمزح، فقالت لإبراهيم أطرد هذه الجارية وأبنها لأن أبن هذه الجارية لا يرث مع ابنى أسحق. فقبح الكلام فى عينى إبراهيم لسبب إبنه، فقال الله لإبراهيم لا يقبح فى عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك، فى كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها، لأنه بإسحق يدعى لك نسل " (تك 21: 9 – 12) موضوع هاجر من البداية خطأ.. الغلطة الاولى: حمى الأسراع وسبق الوقت، إبراهيم لم يستطع حتى ينفذ الله وعده فى الزمن المناسب.. الغلطة الثانية: اللجوء إلى الطرق البشرية فى علاج الموضوع بأن أتخذ هاجر زوجة، ولكن الله ظل على موقفه.. الإبن يكون من سارة!!! طردت هاجر من البيت.. إلى برية بئر سبع.. وعندما تاهت أفتقدها الله إله المساكين والضعفاء والمعوزين، وكبر إسحق وزوجته أمه من مصرية وسكن فى برية فاران بسيناء، وصار لإسماعيل 12 ولدا، صاروا رؤساء قبائل، وعاش إسماعيل 137 سنة (تك 25: 17) ذبح إسحق (22):- " وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم. فقال له يا إبراهيم، فقال هأنذا، فقال خذ إبنك وحيدك الذى تحبه إسحق، واذهب إلى أرض المريا وأصعده لى محرقة على أحد الجبال الذى أقول لك ".. "وفى اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد " (تك 22: 4). سر الثلاثة أيام:- أمر الله موسى أن يطلب مع الشيوخ من فرعون قائلين " الرب إله العبرانيين إلتقانا، فالآن نمضى سفر ثلاثة أيام فى البرية ونذبح للرب إلهنا " (خر 3: 18). ماهو هذا الطريق الذى يقطعه موسى فى ثلاثة أيام للخروج من مصر، والذهاب إلى الموضع الذى ينبغى أن يذبح فيه للرب؟ إنه الرب نفسه القائل " أنا هو الطريق والحق والحياة " يو 14: 6. ينبغى أن نسير فى هذا الطريق ثلاثة أيام، لأنك " إن اعترفت بفمك للرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت " رو 10: 9. هذه هى الأيام الثلاثة التى نقطعها فى الطريق لنصل إلى الموضع الذى يذبح فيه للرب وتقدم " ذبيحة التسبيح " مز 49: 14بخروجنا ثلاثة أيام ندخل إلى معرفة " القيامة " فتستنير بصيرتنا الداخلية، بنور المعرفة الحقيقية خبرة الثلاثة أيام – أى القيامة – مع المسيح، اختبرها إبراهيم، هذا الذى خرج من بيته ثلاثة أيام وعندئذ رأى العلامة فقدم إبنه ذبيحة حب لله، وما هى هذه العلامة إلا علامة قيامة المصلوب،لذا يقول معلمنا بولس: "إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات " عب 11: 19".قال السيد المسيح (أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح) إن تصرف إبراهيم فى هذه الحادثة يعطينا فهما للذبيحة التى قدمها الله لخلاصنا، فإن خضوع إسحق وهو موضوع على المذبح ورقبته معرضة للسكين، يعطينا فكرة أعمق عن طاعة المسيح حتى الموت، وإعادة اسحق حيا كمن قام من الأموات بعد أن صار فى حكم المائت فى نظر والده ثلاثة أيام، يعطينا فكرة عن قيام المسيح من الأموات فى اليوم الثالث. لكن الحقيقة تفوق الرمز، فإن أسحق تألم وهو شاعر تماما بوجود أبيه معه، أما المسيح فقد تصاعدت من جنبه تلك الصرخات المدوية: " إلهى.. إلهى.. لماذا تركتنى"سبق أن أعطى الرب إبراهيم عدة مواعيد ولكن الآن فإنه لأول مرة يقسم " بذاتى أقسمت يقول الرب أنى من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك أبنك وحيدك أباركك مباركة، وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل الذى على شاطئ البحر، ويرث نسلك باب أعدائه، ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أنك سمعت لقولى ". تأملات فى تجربة ذبح إسحق:- الله يريد أن نكون له، ويريد أن يكون هو كل شئ فى حياتنا، ومن أجل ذلك يتبع معنا سياسة التجريد: جرد إبراهيم أولا من أهله ووطنه، ثم جرده من ابيه تارح، ثم جرده من لوط ومن سكناه معه، ثم جرده من هاجر وإبنها حتى لاتكون له محبة حسب الجسد، وبقى مع زوجته العجوز سارة وابنه وفلذة كبده اسحق الذى كان كل شهوة قلبه، وهنا فى هذه التجربة يريد الله أن يجرد إبراهيم من محبته (وتعلقه) بأسحق، وإذا جرده من هذه المحبة تبقى محبته لله وحده، وهذا يذكرنا بقول السيد المسيح " من أحب ابنا أو أبنة أكثر منى فلا يستحقنى "مت 10: 37 الله حينما يريد أن يمتحنا يضع يده على أعز شئ لقلوبنا، لذا قال لإبراهيم " خذ إبنك وحيدك الذى تحبه أسحق..". كان الامتحان شديدا لإبراهيم، لكن لكى تكون تزكية إيمانه، وهى أثمن من الذهب الفانى مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد (1 بط 1: 7)كانت التجربة إمتحانا مثلثا لإبراهيم، كانت إمتحانا لمحبته، وامتحانا لإيمانه، وإمتحانا لطاعته لله، وقد نجح فيها جميعا..وفى ذلك يقول بولس الرسول: " بإلأيمان قدم إبراهيم أسحق وهو مجرب، قدم الذى قبل المواعيد وحيده، الذى قيل له بأسحق يدعى لك نسل. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات (عب 11: 17 – 19) بقدر ما كانت التجربة شديدة وصعبة، فإن الله لكى يبرهن على فضيلة إبراهيم زادها صعوبة، إذ لم يعلن عن مكان تقديم الذبيحة ولكن أكتفى بقوله " أرض المريا.."، بل أن المكان كان على مسيرة ثلاثة أيام ومع هذا " بكر إبراهيم صباحا " احتفظ إبراهيم بالأمر سرا أمام أهل بيته، حتى لا يحدث شيئا يعطل جديته فى طاعة الله العجيب فى الأمر هو طاعة أسحق الكاملة لأبيه.. فى ذلك كان إسحق رمزا للسيد المسيح. كان كشاة تساق إلى الذبح لم يفتح فاه " فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا فى الغابة بقرنيه ".. كان كبشا قويا نطاحا، ومربوطا بقرنيه، إشارة إلى قوة المسيح على الصليب الذى ربط لاهوته، ولم ينتقم من صالبيه حتى يتمم عملية الفداء للبشرية. موت سارة (تك 23):- عاشت سارة 127 سنة، وهى المرأة الوحيدة فى الكتاب المقدس التى ذكر عمرها.. ماتت سارة فى قرية أربع وهى حبرون، وتدعى أيضا ممرا – وحاليا مدينة الخليل، ودفنت فى حقل المكفيلة.. وهو نفس المكان الذى دفن فيه إبراهيم وأسحق ويعقوب، ورفقة وليئة، ويقال أن رفات يوسف نقلت إليها ومدينة الخليل على بعد عشرين ميلا جنوبى أورشليم، وفيها الحرم (مسجد الخليل) الذى يقال أنه قائم على مغارة المكفيلة، وكانت قبلا كنيسة مسيحية، وإلى الشمال منها على بعد ميلين موقع بلوطات ممرا من الناحية الرمزية نرى فى موت سارة، إسرائيل – الأمة التى جاء منها المسيح – تختفى لتفتح المجال للعروس، التى هى الكنيسة المسيحية يظهر أن إبراهيم كان متغيبا عن بيته عند وفاة سارة - ربما فى بئر سبع – ولكنه فى الحال " أتى ليندب سارة ويبكى عليها " وهذه أول مرة نسمع فيها عن بكاء إبراهيم، فإننا لا نقرأ عنه أنه بكى عندما عبر نهر الفرات، وطلق الأهل والأصحاب، أو عند أسر لوطا أبن أخيه، أو حتى عندما رأى أبنه أسحق سائرا معه للذبح!!!.كانت سارة شريكته فى الحياة، نحو سبعين أو ثمانين عاما. كانت هى التى تستطيع أن تواسيه إن تكلم عن تارح أو ناحور، أو ذكر حاران وأور الكلدانيين، كانت هى الباقية الوحيدة ممن تحملوا معه مشاق رحلته الخطيرة منذ ثلاثين عاما، وإذ ركع بجوارها انهالت عليه ذكريات الماضى بما فيه من تدابير وآمال، ومخاوف وأفراح، تذكرها كعروس هيفاء فى بدء حياتهم الزوجية، وكشريكة له فى كل رحلاته، وكأمرأة عاقر تضطهد هاجر، تذكرها وقد سباها كل من فرعون وأبيمالك، وتذكرها كأم حنون لأسحق، وكان كلما خطرت فى مخيلته إحدى هذه الذكريات انسابت الدموع من عينيه من جديد يظن البعض أن الدموع لا تتفق مع المسيحية، هذه التعاليم لا تتفق مع روح الأنجيل لأن الحزن محبة، وقد بكى يسوع، وبطرس بكى، وأهل أفسس بكوا لمجرد سماعهم بأنهم لن يروا وجه بولس ثانية، إن المسيح يقف بجانب كل حزين ليكفكف دموعه.وقام إبراهيم من أمام ميته وكلم بنى حث قائلا " انا غريب ونزيل عندكم ".. هذه كلمات خالدة، لم ينسها على الإطلاق نسله من بعده، فعندما تكلم الله لشعبه عن أرض الموعد، على لسان موسى، قال لهم " الأرض لا تباع بتة.. أنتم غرباء ونزلاء عندى " (لا 25: 23). وداود النبى يقول " استمع صلاتى يارب لا تسكت عن دموعى لأنى أنا غريب عندك نزيل مثل جميع آبائى " (مز 39: 12). وهكذا رسخت كلمات إبراهيم هذه فى أعماق جميع شعب الله فى كل الأجيال المتتابعة. زواج إسحق (تك 24):- طلب إبراهيم من عبده (كبير بيته) أن يذهب إلى أرام النهرين إلى مدينة ناحور، موطنه الأصلى، ليخطب لأبنه أسحق، وأستحلفه بالرب إله السماء وإله الأرض أن لا يأخذ زوجة لأبنه إسحق من بنات الكنعانيين: - + يبدو أن المتبع فى تلك الأيام أن يتولى شخصا كبيرا فى الأسرة أجراءات الخطبة للعريس، وهو أمر مازال قائما فى بعض الأسر الريفية حتى الآن.وكان الشخص المرشح هو اليعازر الدمشقى (على ما يبدو) لأمانته، ولثقة إبراهيم فيه رفض إبراهيم أن يختار لأبنه من بنات الكنعانيين حتى لا يميل قلب إسحق لعباداتهم الوثنية، ويبتعد عن عبادة الله إله إبراهيم لم يشأ إبراهيم أن يذهب أسحق إلى مدينة ناحور حتى لا تستهويه الحياة الناعمة هناك ولا يرجع إلى الأرض التى وعد الله أن يعطيها لإبراهيم ونسله من بعده أما رفقة فهى بطلة الرواية فى هذا الفصل، مع إنها كانت إبنة رجل عظيم إلا أنها لم تعرف معنى البلادة فى حياتها، كانت رفقة تعرف كيف تطهى طعاما شهيا، كما تعرف أن ترعى الغنم وإذ وصل ذلك الرسول التقى إلى بئر المدينة نحو المساء " وقت خروج المستقيات " سأل من الرب القدير إله إبراهيم سيده أن يهبه تيسيرا لمهمته لأنه بذلك يصنع لطفا إلى سيده، وما أجمل أن نلاحظ البساطة التامة والثقة الكاملة اللتين تظهران فى صلاته، واللتين تؤكدان كيف انعكست أشعة التقوى والقداسة على حياة كل فرد فى بيت إبراهيم نتيجة التصاقه بالرب وقد استجاب الله لطلب ذلك العبد الأمين حتى أتم إجراءات الخطبة بنجاح وعاد ومعه رفقه الى بيت سيده إبراهيم. سنى إبراهيم الأخيرة (تك 25):- بعد موت سارة " عاد إبراهيم فأخذ زوجة أسمها قطورة "، وكان سنه 140 سنة، ولعله فعل ذلك لأنه وصل إلى هذه السن، ولم يصبح نسله كنجوم السماء كما وعده الله.. وولدت له قطورة ستة بنين.. وعلى نحو ما كان الحال مع هاجر، كذلك كان مع قطورة.. لم يكن بنوها الستة من الله، لأن الأمر لم يكن من الله.من أجل ذلك " أعطى إبراهيم إسحق كل ما كان له. وأما بنو السرارى اللواتى كن لإبراهيم فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحق إبنه شرقا إلى أرض المشرق وهو بعد حى "، كان اسحق إبن الموعد، لذا أعطاه إبراهيم كل أمواله ليكون وارثه الوحيد!!!! وفى سن المائة خمسة وسبعين " أسلم إبراهيم روحه ومات بشيبة صالحة شيخا وشبعان أياما وأنضم إلى قومه " (تك 25: 7، 8). هناك بعض التأملات.. قطورة الزوجة الثالثة والأخيرة لإبراهيم، إنما تشير إلى الأمة التى تتسلط على الناس فى آخر الزمان من نسل إبراهيم أيضا.. وكما لم يظهر لهذه المراة ملا ك من الله ولا رسالة ولا ذكر ولا عناية مثل امرأتى إبراهيم الأ ولتين(هاجر وسارة) المشبهتين بالشريعتين القديمة والجديدة. فكذلك هذه الأمة الأخيرة ليس لها شريعة من الله ولا ناموس ولا ذكر، بل ملك دنيوى وتسلط أرضى حينما أعطى إبراهيم لإسحق كل ما كان له، إنما تصرف بعدل، وساوى بين هاجر وقطورة، ودعا الأثنتين جاريتين، فطرد أبنائهما عن إسحق.. لماذا؟ هذه الأمة الأخيرة التى تشبه قطورة تصبح نظير أمة اليهود (هاجر)، وتكون الاثنتان متساويتين فى البعد والتنحى عن الميراث الحقيقى الذى للمسيح بن إسحق بن إبراهيم الوارث كوعد الله وكون إبراهيم يعطى إسحق كل ما كان له، له معنى بعيد وعميق، فهو يشمل كل شئ، ولا يقتصر على الأمور المادية.. أما الآخرون فصرفهم بعطايا مادية، هذا هو عين مايفعله الله مع أهل العالم، أما أولاده فيتعامل معهم على أساس آخر. القمص تادرس يعقوب ملطى
المزيد
19 أكتوبر 2019

إبراهيم أبو الآباء ج3

نسل إبراهيم:- أورد الرب تشبيهين لنسل إبراهيم الأول فى (تك 13: 16) " واجعل نسلك كتراب الأرض " والثانى فى (تك 15: 5) " وقال أنظر الى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها وقال له هكذا يكون نسلك " التشبيهان هما تراب الأرض، ونجوم السماء أبناء إبراهيم حسب الجسد كتراب الأرض، لكن نسله الروحى كنجوم السماء. ليسوا فقط عديدين بل ممجدين ومضيئين ومرتفعين كنجوم السماء،-" لهم التبنى والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد، ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلها مباركا، الى الأبد آمين " (رو 9: 4، 5). الله ينبىء إبراهيم بما سيحل بنسله:- وقال الله لإبراهيم " اعلم يقينا أن نسلك سيكون غريبا فى أرض ليست لهم، فيذلونهم أربعمائة سنة.. وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة " (تك 15: 13، 14) الله تحدث اولا عن الضيقة ثم بعدها الفرج – التعب ثم الراحة -..هذا هو طريق الله: نتألم ثم نملك، العبودية ثم الحرية، أى عبودية الخطية ثم حرية مجد أولاد الله وبعد أن تحدث الرب عن غربة نسل إبراهيم واستعبادهم واذلالهم يقول " ثم الامة التى يستعبدون لها أنا أدينها " (تك 15: 14) وهنا نرى نعمة الله لأولاده كأفراد" لى النقمة أنا أجازى يقول الرب " (رو 12: 19 ؛ عب 10: 30) ككنيسة والأمثلة على ذلك لا تحصى فى الماضى والحاضرأن الله يكفكف دموع المؤمنين النائحين، أما الذين جدفوا على اللاهوت، فقد طرحهم لاسفل، قد يتأنى الله فى العقاب ولكنه يختار الوقت المناسب يرى الآباء أن ال 400 سنة تمثل أربعة أجيال الجيل الأول هو عصر ماقبل الناموس، والجيل الثانى هو عصر الناموس (الشريعة)، والجيل الثالث هو عصر الأنبياء، والجيل الرابع هو عصر السيد المسيح، وحينما يقول: " وفى الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا " يعنى أن الجنس البشرى – الذى يرمز إليه نسل إبراهيم – يرجع إلى السماء بالمسيح وفى عصره. الرؤيا التى رآها إبراهيم:- " ثم غابت الشمس فصارت العتمة، وإذ تنور دخان، ومصباح نار (متقد) يجوز بين تلك القطع " (تك 15: 17) تنور الدخان..يشير إلى ما سيحل بنسل إبراهيم من اضطهادات فى مصر مصباح النار المتقد يشير إلى وجود الله الدائم وسط شعبه ؛ فى الضيقات والآلام مصباح النار المتقد (بمفرده) – يجوز بين القطع ؛ اشارة إلى تحمل الله لمسئولية تنفبذ الميثاق مع البشر لوحده، وهكذا كانت مصالحتنا مع الله بموت المسيح، كان إنعاما من جانب الله نحو الأنسان الضعيف، الذى قابل العمل الفدائى العظيم بالعداوة " أصلبه أصلبه ". هاجر الجارية والزوجة:- لإبراهيم بعض العذر لانه قبل الزواج بهاجر، لكنه بلا أدنى شك كان مخطئا.. إن الله يعطى الوعد، والإيمان يقبله، والرجاء يتوقعه، والصبر ينتظره بسكوت!! سبب زواج إبراهيم بهاجر كانت سارة ونلاحظ ان سارة هى التى اضعفت ايمان إبراهيم بعد أن " آمن بالرب فحسبه له برًا " خطة الشيطان استخدام اقرب الناس لنا فى تجربتنا واضعافنا" سمع إبراهيم لقول ساراى " – خطورة الأستماع بدون تعقل خطة سارة هى إقناع إبراهيم بأن الأمر من الله " هوذا الرب قد أمسكنى عن الولادة " (تك 16: 2)،أليست نسبة بعض الأمور لله هى خطة ابليس فى بعض الأحيان. سارة والشيخوخة:- هناك الأيمان والعيان العيان هو المقياس المادى..كالشيخوخة مثلا فى حالة الأنجاب، هكذا نظرت سارة ؛ وقالت للرب " أبعد فنائى يكون لى تنعم "الأمر ليس هل يستطيع الأنسان أم لا يستطيع، بل هل " يستطيع الله أم لا يستطيع "!! إن التأخير عندما يربده الله هو فى صالح الأنسان من وجوه كثيرة ومنها التدرب على الفضيلة، ولذا يقول فى العبرانيين " متمثلين بالذين بالإيمان والأناة يرثون المواعيد " (عب 6: 12) يقول مارإسحق (إذا أنت طلبت ولم تأخذ، فلست أحكم من الله). إبراهبم وهاجر وسارة:- كانت زيجة إبراهيم بهاجر زيجة غير متكافئة، فإبراهيم كان غنيا جدا وهاجر كانت جارية أظهرت هاجر الجارية كبرياء.. نسيت نفسها ووضعها كجارية وصغرت مولاتها سارة أمام عينيها!! عجيب أمرالأنسان الذى يرفعه الله من المذلة، وبعد ذلك يتنكر لماضيه ويستعلى على من كانوا سبب نعمته كانت نتيجة تعالى هاجر أن " أذلتها ساراى فهربت من وجهها " – وكان هروبها خطئا، كان ينبغى عليها تقويم سلوكها أمام سيدتها سارة، وحين أمرها الملاك أن ترجع، لم يأمرها بالرجوع إلى بيت سارة، بل قال لها: " إرجعى إلى مولاتك واخضعى تحت يديها "هاجر وسارة يمثلان العهدين القديم والجديد: عهد الناموس وعهد النعمة، على نحو ما خلق الله الانسان من عنصرين جسدانى وروحانى، وعلى نحو مادبر الحياة الدنيا والحياة الأبدية، كذلك يوجد عهدان وشريعتان:- شريعة العهد القديم: تأمر بأوامر جسدانية وتعد بمواعيد جسدانية،وهذا يشابه الميلاد الجسدانى من هاجر..انها تغفر الخطايا بذبائح دموية، وعلامة العهد هى الختان الجسدى، ومواعيدها جسدية " أرض تفيض لبنا وعسلا ". أما شريعة العهد الجديد: كلها روحانية على مثال سارة التى لم تلد أسحق كالولادة الجسدية المعروفة، فقد انقطع أن يكون لسارة عادة كالنساء (تك 18: 11). عهد الله مع إبراهيم:- ظهر الرب لإبراهيم وهو فى التاسعة والتسعين من العمر – أى بعد ولادة اسماعيل بثلاثة عشر عاما – وقال له " أنا الله القدير سر أمامى وكن كاملا، فأجعل عهدى بينى وبينك أكثرك كثيرا جدا " (تك 17: 2) عبارة " كن كاملا " تعنى ضمنيا أن الله يسمح بالضيقة من أجل تكميل الأنسان، قال بولس الرسول (يكمل رئيس خلاصهم بالآلام) – عب 2: 10أما الوعد فكان " واعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكا أبديا "والموعد بتمليك الأرض إنما يشير روحيا إلى الميراث السماوى للمؤمنين من جميع الشعوب – فليس شئ أبدى إلا ما هو روحى،،،هنا نرى أن الله يغير أسم آبرام (أب عظيم) إلى إبراهيم (أب لجمهور كبير)،،، وأسم ساراى (أميرتى) إلى سارة (أميرة)، حيث سينتسب إليها جميع الذين يرثون إيمان إبراهيم وكان العهد هو الختان للذكور، والختان كان عهد دم (بقطع جزء من الجسم)، الختان يرمز إلى موت الجسد، وإلى المعمودية، وكلاهما إشارة إلى الموت مع المسيح، "مدفونين معه فى المعمودية" (كو 2: 8 –12). ظهور الله لإبراهيم، والوعد بولادة أسحق:- ظهر الرب لإبراهيم بشكل ثلاثة رجال.. ليترجم لإبراهيم الوعد الوارد فى (ص 17):- الرأى الأرجح أن (الرب) هنا هو الأقنوم الثانى فى الثالوث القدوس، ظهر بصورة إنسان تدبيريا لكى يهئ عقول البشر لسر التجسد، أما الأثنان اللذان معه فكانا ملاكين ظهرا معه لتنفيذ مقاصده فى سدوم وعمورة من الأمور التى نلاحظها فى هذه الزيارة كرم إبراهيم وحسن ضيافته للرجال الثلاثة، كانت الضيافة عبارة عن (عجل رخص، وثلاثة أكيال دقيق، وزبد ولبن) كل هذا يسميه إبراهيم " كسرة خبز.. "، وقد أشار بولس إلى هذه الضيافة " لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لايدرون " (عب 13: 1)أعطى الله وعدا نهائيا لسارة بأن تنجب أبنا، فضحكت سارة فى قلبها، - لقد أخطأت سارة عدة أخطاء منهاطردها لهاجر، ولومها لإبراهيم بدون مبرر، وعدم إيمانها أن يكون لها إبن،. ومع هذا لم يمنع الله عنها النسل، فالله فى عطاياه بلا ندامة ولا يعطى بناء على استحقاق الأنسان، وإنما يعطى بناء عن غناه فى العطاء والمجد، وقد عادت سارة وآمنت " بالأيمان سارة نفسها أيضا أخذت قدرة على إنشاء نسل وبعد وقت السن ولدت، إذ حسبت الذى وعد صادقا " (عب 11: 11) بعد إنتهاء الزيارة بدأ الله يتحدث مع إبراهيم عما هو عتيد أن يفعله بسدوم ونتعجب عن الطريقة التى تكلم بها الله مع إبراهيم " هل أخفى عن إبراهيم ما أنا فاعله " (تك 18: 17) وهنا تبدأ شفاعة إبراهيم فى سدوم " أفتهلك البار مع الأثيم "إن هذا يظهر مكانة أولاد الله فى نظره، يقول داود " سر الله لخائفيه " (مز 25: 14)ولدينا فى الكتاب المقدس قصة إيليا النبى الذى بصلاته أغلق السماء ثلاث سنوات ونصف وبصلاته فتحها (1 مل 17، 18) إبراهيم وابيمالك ملك جرار:- بعد ذلك تغرب إبراهيم فى جرار، وقال عن سارة إنها أخته مرة أخرى يكذب إبراهيم كما فعل فى مصر، وفى دفاعه عن نفسه قال إبراهيم " ليس فى هذا الموضع خوف الله البته فيقتلونى لأجل إمرأتى " – والسؤال إذا كان إبراهيم يعلم أن هذا المكان ليس فيه خوف الله، فلماذا ذهب إليه؟ وعلى الرغم من أن أبيمالك أخذ سارة على أنها أخت إبراهيم، ومع ذلك فقد أعتبره الله مخطئا وهكذا تعلمنا الكنيسة أن نصلى من أجل الخطايا " التى صنعناها بمعرفة والتى صنعناها بغير معرفة "وعلى الرغم من خطأ إبراهيم فإن الله لم يوبخه، الله الحنون نظر إلى قلب إبراهيم، على نحو ما نظر إلى قلب شاول الطرسوسى رغم كل ما كان يفعله!!! ولادة إسحق (تك 21):- "وافتقد الرب سارة كما قال وفعل الرب لسارة كما تكلم. فحبلت سارة وولدت لإبراهيم إبنا فى شيخوخته فى الوقت الذى تكلم الله عنه " هذا يعود بنا إلى (تك 18: 10) حينما قال الله فى شخص الثلاثة رجال: " إنى أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة إمراتك إبن "هنا نجد ثمر الأنتظار والصبر" وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحق " (تك 21: 8)..ونلاحظ أن الوليمة لم تصنع يوم الولادة بل يوم الفطام إن هذا بالمفهوم الروحى يعنى أن الفرح الحقيقى يكون يوم الفطام عن العالم وشهواته، والخطية وتوابعها. القمص تادرس يعقوب ملطى
المزيد
12 أكتوبر 2019

إبراهيم أبو الآباء ج2

مصاعب فى طريق الله: أ – الكنعانيون..لكن مع وجودهم كان الله هناك. ب – جوع فى الارض.. وبسبب الجوع نزل إبراهيم إلى مصر دون إعلان أو مشورة من الله..هل فكر إبراهيم أن جوع كنعان أفضل من خيرات مصر؟..ليس هذا ما أختبره موسى بعد ذلك " فقد حسب " عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة (عب 11: 26)..نلاحظ أن إبراهيم عاش فى مصر بدون مذبح.. أى أنه فقد شركته مع الله.. ولو أنتظر مشورة الله فى تجربة الجوع لكانت سبب بركة وتزكية. ج - إبراهيم وهو يقترب من مصر قال لسارة أمراته أن تقول أنها أخته، خوفا أن يقتله فرعون، عجيب هو ضعف إبراهيم فى إيمانه!! أستطاع إبراهيم أن يحصل على خير من فرعون بسبب إمرأته،.. لكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد حرم إبراهيم من سارة شريكة حياته!! لكن فرعون لم يمسس سارة، وضرب وبيته ضربات عظيمة حتى أطلقها.. د – هنا نرى الله يتدخل بقوته لينقذ إبراهيم – لا من فرعون – بل من ضعفه هو..فترجع سارة.. ويعود هو إلى مكانه بين بيت إيل وعاى حيث سكن أولا، وبنى مذبحا للرب.. النزاع بين إبراهيم ولوط: كان إبراهيم (السائر مع الله) غنيا جدا – وكان لوطا (السائر مع إبراهيم) غنيا أيضا.. ولم تحتملهما الأرض أن يسكنا معا.. الثروة بركة من الله، إن أحسن الأنسان أستخدامها صارت نافعة له ولغيره وللكنيسه، لكن إن أساء أستخدامها وتسلطت محبتها على قلبه، صارت وبالا عليه،" ولم تحتملهما الأرض "..كلمة شديدة يقولها الكتاب..لما كانا فقراء، كانت الأرض تسعهما، لم يتشاجرا فى الفقر، إنما تشاجرا فى الغنى!! وما أكثر المآسى والمشاكل التى تحدث بسبب المال، المال يفرق بين الأخ وأخيه، وبين الأبن وأبوه، (مثل الأبن الضال)كان منشأ النزاع بين رعاة إبراهيم ورعاة لوط.. وكثيرا ما أدت النزاعات بين الصغار إلى تصادم الكبار. شخصية لوط: + كان لوط سائرا مع إبراهيم بتأثيره وقدوته، أكثر من إيمانه الشخصى بالله، مجرد التقليد ضار، ويحدث هذا مع كثير من المترددين على الكنيسة والمجتمعات الدينية،..ويؤيد هذه الفكرة ما ذكر عن لوط " ولوط السائر مع إبرآم " (تك 13: 5) – لوط فى سيره مع إبراهيم كان مجرد مقلد، لذا كانت نهايته فى سهول سدوم. + فى الظاهر كان سبب الفرقة والنزاع بين لوط وإبراهيم هو ماحدث بين الرعاة، أما السبب الحقيقى فكان فى قلب لوط، الخصام بين الطرفين هو الذى أظهر فضيلة إبراهيم، ومحبة لوط للعالم. + رفع لوط عينيه واختار دائرة الأردن.. لقد كانت كجنة عدن.. وكان ما جذبه هو خصوبتها، وشكلها الظاهرى بغض النظر عن أى اعتبار آخر،،،، + قال الرب لآبرام " أرفع عينيك وانظر.. " وفرق كبير بين أن يرفع الأنسان عينيه (من نفسه) لينظر ويختار، وبين أن يسمع لمشورة الله فى الأختيار،- الله يريدنا أن نختار الأرض الجديدة والسماء الجديدة التى يسكن فيها البر (2 بط 3: 13). + اسلوب إبراهيم فى حل المنازعة.. " لاتكن منازعة بينى وبينك، لأننا نحن إخوان " – فى الظاهر كان لوط هو الرابح، لكن الواقع كان عكس ذلك، لقد فقد لوط روحياته، لم يستطع أن يبنى مذبحا للرب فى سدوم، لقد فقد هيبته ووقاره الروحى،.. ثم إذ بحرب كبيرة بين أربعة ملوك يسبى فيها كل شعب سدوم، ويؤخذ لوط أسيرا هو وأسرته وكل أملاكه، وإبراهيم هو الذى فك أسره وأسترد أمواله، كان ذلك نتيجة شهوة قلبه وعينه. + حينما نقارن بين إبراهيم ولوط: .إبراهيم أختار الله ولوط اختار المادة..، لوط اخذ النصيب الاكبر، وإبراهيم اختار الفقر والبرية المجدبة..، لوط أخذ أرض العشب والمرعى وإبراهيم أخذ المذبح والخيمة..، لوط فقد حريته الشخصية وكيانه الأول، بينما ظل إبراهيم محتفظا بكيانه حرا لله،..لوط جلب على نفسه الهوان والهزيمة، وإبراهيم هو الذى أنقذه. + بعد نصرة إبراهيم خرج ملك سدوم الذى هزم أولا - لأستقبال إبراهيم وعرض عليه أن يعطيه النفوس وأن يأخذ الغنائم المادية لنفسه.. وهنا يظهر تعفف إبراهيم وروحانيته وشهامته " رفعت يدى الى الرب الإله العلى مالك السماء والأرض، لا آخزن لا خيطا ولا شراك نعل، ولا من كل ما هو لك، فلا تقول أنا اغنيت إبرام ". والحق أن إبراهيم فى هذه الحرب انتصر نصرتين: نصرة ضد الملوك، والنصرة الثانية ضد مغريات العالم (الأسلاب والغنائم)، ولعله لم ينل النصرة الأولى إلا لأنه كان يقتنى الثانية. ملكى صادق: ملك ساليم كان كاهنا لله العلى فضلا عن كونه ملك، ويذكر فى المزامير موضوع كهنوته..(مز 110: 4)، وهو يرمز إلى المسيح (عب 7: 1 – 3)، تقابل إبراهيم مع ملكى صادق بعد رجوعه من الحرب وانتصاره، وهكذا يظهر لنا السيد المسيح بعد أن نجاهد روحيا وننتصر بنعمته..، إبراهيم قدم العشور من كل شىء لملكى صادق.. والعشور وبركاتها مارسها الأنسان قبل عصر الشريعة، وقبل أن يعطى الله وصية مكتوبة عنها. إبراهيم بعد كسرة الملوك: قال الله فى رؤيا الى إبراهيم " لا تخف يا إبرام، أنا ترس لك، اجرك كثير جدا " تك 15: 1، فقال إبراهيم: "أيها السيد الرب ماذا تعطينى وأنا ماض عقيما، ومالك بيتى هو اليعازر الدمشقى.. إنك لم تعطنى نسلا وهوذا ابن بيتى وارث لى ".. كان كلام إبراهيم هذا لله، وربما كان تعبيرا عن قلق أو ضعف إيمان، والله يصنع أموره بطول أناة وحكمة، وهناك مثل آخر نجده فى (ص 16)، فنرى سارة – نتيجة عدم صبرها – تدفع إبراهيم لأن يتزوج هاجر الجارية لينجب منها نسلا، لكن الله يؤكد وعده لإبراهيم بأن الذى يخرج من أحشائه هو الذى يرثه. الله يدخل فى عهد مع إبراهيم: فى (تك 15: 7، 8) نرى الله يؤكد وعده لإبراهيم " أنا الرب الذى أخرجك من أور االكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها " فكان تعليق إبراهيم على ذلك " أيها السيد الرب بماذا أعلم أنى أرثها " ليس هذا شكا بل هو طلب إيضاح من الله على نحو ما فعلت العذراء مريم وسألت الملاك " كيف يكون لى هذا"اعتاد القدماء احيانا ان يقطعوا عهودهم على ذبيحة يشقونها نصفين، ويجوز كل طرف بين الشقين، وكأنه يقبل أن يشقه الله مثل الذبيحة إذا خان العهد.. وهكذا قطع الله عهده مع إبراهيم بهذه الصورة المألوفة، ونلاحظ هنا أن (العجلة والعنزة والكبش – واليمام والحمام) من الحيوانات والطيور التى كانت تقدم ذبائح فى العهد القديم،وتلك الحيوانات من الحيوانات الطاهره التى كان مسموحا للانسان بأكلها، واختيار تلك الفصائل المعينة من الحيوانات الطاهرة كذبائح لأنها من الحيوانات التى تخدم الأنسان، إشارة للسيد المسيح الذى جاء ليخِدم لا لُيُخدم كما أن اختيار فصائل من الطيور كاليمام والحمام – كذبائح – وليس كل الطيور الطاهرة كالبط والأوز والرومى مثلا، لأن الاولى لها القدرة على الطيران..، (وهى ترمز إلى السمو الروحى) فى حياة الخادم. + من سياق الكلام نرى أن أمر الذبائح الدموية كان أمرا معروفا لإبراهيم، ولم يكن بحاجة إلى أن يعرفه الله بتفاصيله..كان أمرا معروفا بالتقليد مثل موضوع العشور. + اختيار ثلاثة حيوانات وتكون ثلاثية (عمرها 3 سنوات) حتى ما تكون كاملة النمو، لان هذا أمر يليق بالله الكامل، كما يشير إلى كمال العهد وأهميته.. وهو يشير أيضا إلى الثالوث القدوس. + نلاحظ أهمية الدم فى العهد الذى قطعه الله مع إبراهيم.. فحينما سأل إبراهيم الله عن الأرض " بماذا أعلم أنى أرثها " كان أمر الله له بهذه الذبائح، وهكذا نفهم أننا نرث الأرض الجديدة التى يسكن فيها البر عن طريق الدم والذبيحة (المسيح) - وفى عهود أخرى بين الله والأنسان مثل (عملية الختان) فيها إسالة للدم. + كانت الطيور الجارحة تنزل على جثث الذبائح، لكن إبراهيم كان يزجرها، وهذه الجوارح ترمز للشياطين، وهكذا ينبغى أن نحفظ الذبائح الروحية التى نقدمها لله من اقتراب الشياطين منها، ومن الأفكار الشريرة القمص تادرس يعقوب ملطى
المزيد
17 أغسطس 2020

الثيؤتوكوس والدة الإله

أمومة القديسة مريم في الكتاب المقدس: يشهد الكتاب المقدس لأمومة القديسة مريم لله، إذ نرها في الكتاب المقدس تلقب ابنها "الله" يو 20: 28، فتكون هي أم الله.وفي البشارة يتحدث الملاك غبريال عن الطفل الذي تحبل به أنه ابن العلي و"القدوس" و"ابن الله".وعندما دخلت القديسة مريم بيت نسيبتها اليصابات وسلمت عليها، ركض الجنين في أحشائها بابتهاج (لو 1: 41، 44)، وامتلأت اليصابات من الروح القدوس الذي وهبها إدراك سر التجسد الإلهي. فنرى اليصابات السيدة التي بلغت سن الشيخوخة،زوجة الكاهن والحاملة في أحشائها نبي عظيم تتصاغر جدا أمام هذه الفتاة اليتيمة الفقيرة صغيرة السن، إذ تكشفت فيها أنها أم ربها، فقالت " من أين لي أن تأتي أم ربي إلى؟" لو 1: 43. هكذا بينما كان العالم كله يجهل كل شيء عن البشارة للقديسة مريم إذ بالقديسة اليصابات تعلن أمومة مريم لربها، رغم عدم وجود أي علامة ظاهرة لهذا الحدث الإلهي.والأمر المدهش في هذه الأحداث العجيبة (ركوض الجنين بابتهاج وامتلاء اليصابات بالروح القدس وشهادتها لأمومة العذراء لربها) تمت بمجرد اصفاء اليصابات لسلام مريم، وكأن ابن الله الساكن في أحشاء القديسة مريم قد تكلم بنفسه على فم أمه، وعمل خلال تصرفاتها. أمومة القديسة مريم في الكنيسة الأولى:- برزت العقيدة الخاصة بالقديسة مريم وتطورت خلال صراع الكنيسة ضد الهرطقات، كان ذلك لتأكيد حقيقتين تخصان السيد المسيح: أ‌- أن يسوع المسيح قد ولد ميلادا حقيقيا من القديسة مريم، فلم يكن يسوع خيالا بل حمل جسدا حقيقيا مولودا من أم حقيقية. ب‌- أن يسوع المسيح المولود من القديسة مريم هو ابن الله الأبدي الذي بلا بداية. (أما الأهم الهرطقات فهي الغنوصية والمانية والأريوسية والنسطورية). 1- الغنوصية:- تقوم أغلب النظم الغنوصية على الفصل ما بين الله الخالق والكائن الإلهي السامي. ففي نظر البعض أن العالم المادي هو شر جاء نتيجة سقوط الحكمة "صوفيا". ويقسم الغنوصيون البشر إلى طبقتين أو ثلاث، هم: أ‌- الروحيون، يتمتعون بإشراقة من الجوهر الإلهي الروحي، ويعودون إلى أصلهم أي إلى الكائن الإلهي السامي، وذلك بواسطة المعرفة (الغنوصية) وممارسة طقوسها. ب‌- بقية البشر أي الجسدانيون أو الماديون، وهم منهمكون في العالم المادي مصيرهم الهلاك الأبدي. ج- يضيف البعض طبقة ثالثة متوسطة، وهي جماعة المسيحيين غير الغنوصيين، هؤلاء يبلغون حالة وسطى خاصة بالله الخالق، وذلك خلال إيمانهم وأعمالهم الصالحة. أما عن المسيح ففي نظرهم جاء عن الإله السامي، يقدم الغنوصية أي "المعرفة"، وهو كائن إلهي لم يأخذ جسدا بشريا حقيقيا ولا مات. بهنا لم يقبلوا تجسد المخلص ولا ولادته من امرأة. إحدى الأشكال الغنوصية تدعى Docetism، وهي هرطقة هددت كيان الكنيسة الأولى، أخذت أسمها عن كلمة dokein اليونانية التي تعني "يبدو" أو "يظهر هكذا" إذ نادت هذه الهرطقة بأن يسوع المسيح لم يصر أنسانا حقيقيا بل بدى هكذا كأنه يحمل جسدا. أنه عبر في العذراء دون أن يأخذ من جسدها شيئا. يقول القديس ايريناؤس أن ساتيرنانيوس (حوالي عام 120) قد أعلن بأن المخلص لم يولد، ولا تجسد ولم يكن له شكل... إذ يرى أن الزواج وإنجاب وعلم أيضا فالنتينوس في القرن الثاني بأن السيد المسيح قد أتحد بالإنسان يسوع "الذي ولد خلال مريم وليس من مريم، عبر فيها كما من قناة".أما مرقيون فعلم بأن يسوع لم تكن له نفس بشرية ولا تجسد أرضي. أنه لم يولد من مريم بل ظهر فجأة في اليهودية في تجسد خيالي كشخص كامل النمو مستعد للبدء في الخدمة حالا. أما إبليس Appeles فقد قبل أن يكون للسيد المسيح جسدا حقيقيا، لكنه جسد سماوي، نزل إلى هذا العالم من السماء، وليس من مريم. وقد حذر آباء الكنيسة مثل القديسين أغناطيوس أسقف أنطاكية ويوستين وايريناؤس والعلامة ترتليان والعلامة أوريجين المسيحيين من هذه التعاليم كما واجهوا الهراطقة مؤكدين حقيقة أمومة القديسة مريم بقصد تأكيد سر التجسد أي حقيقة ناسوتية المسيح. كتب القديس أغناطيوس إلى أهل تراليا: "سدوا آذانكم عندما يحدثكم أحد من هؤلاء الذين يأخذون جنبا من يسوع المسيح، الذي هو من نسل داود ابن مريم، الذي ولد ميلادا حقيقيا. 2- المانية Manichaeism:- مؤسس هذه البدعة هو ماني أو مانس أو مانخيوس من القرن الثالث النظام الماني في أصله هو وليد التقاليد الغنوصية القادمة من شرق بلاد فارس والتي تقوم على افتراض وجود صراع بين النور والظلمة، وبين الله والمادة. أما هدف ممارسة الدين عندهم فهو أدراك عناصر النور التي أغتصبها الشيطان من عالم النور وسجنها في ذهن الإنسان، وأن يسوع وبوذا والأنبياء وماني أنما جاءوا لهذا العمل. ظهور آدم كان غايته استعادة النور المسجون. أما يسوع "النور المتلألئ" فقد خلص آدم برؤيا. والممارسات الدينية عندهم من امتناع عن أكل اللحم والزهد في الحياة الجنسية هي وسائل لتحقيق استمرار تحرر هذا النور تدريجيا. أذن لا تعجب أن رأينا أتباع ماني قد ظنوا أن يسوع المسيح ليس ابن لمريم بأي حال من الأحوال. لهذا قام القديس الكسندروس، بابا الإسكندرية، يدافع عن حقيقة ناسوتية السيد المسيح وبالتالي عن أمومة القديسة مريم الحقة له، مقاوما الغنوصيين وأتباع ماني. وقام القديس أثناسيوس بنفس الأمر، إذ يقول "كان جسد الرب جسدا حقيقيا... مثل جسدنا". كما يقول القديس أمبروسيوس "قدمت العذراء شيئا من عندياتها ولم تعطه شيئا (جسدا) غريبا عنها بل من جسدها، قدمته بطريقة غير عادية لكن العمل (إعطاء الجسد للابن) كان عاديا، قدمت للثمرة جسدها". 3- الأريوسية:- أما اتباع أريوس، فعلى خلاف الغنوصيين والمانيين، أنكروا أن يسوع بن مريم هو ابن الله غير المخلوق، الواحد مع الآب في الجوهر الإلهي. أنكروا لاهوت السيد المسيح وبالتالي أنكروا أمومة القديسة مريم لله. لهذا فإن آباء الإسكندرية مثل القديسين الكسندروس وأثانسيوس في مواجهتهم للاريوسية لقبوا القديسة مريم "الثيؤتوكوس" (والدة الإله). ففي الخطاب الدوري الذي وجهة القديس الكسندروس للأساقفة (حوالي عام 319م) حيث أعلن حرمان أريوس استخدام لقب "ثيؤتوكوس" بطريقة يفهم منها أن هذا اللقب كان مستخدما بطريقة لا تحتمل المناقشة، إذ كتب هكذا: " أننا نعرف القيامة من الأموات، فان البكر هو يسوع المسيح الذي حمل جسدا حقيقيا وليس شكليا، مولودا من مريم الثيؤتوكوس (والدة الإله)". هكذا يسجل لنا قلمه لقب "الثيؤتوكوس" بطريقة طبيعية تاركا هذا الانطباع أن هذا اللقب كان دارجا مستقرا ولم يكن موضع نقاش في أيامه.وفي الجدال مع الأريوسية ركز القديس أثانسيوس على هذه الحقيقة أن السيد المسيح مولود من الأب، حمل هيئته الجسدية من الأرض غير المفلحة دائمة البتولية، الثيؤتوكوس.كما سجل القديس أمبروسيوس أسقف ميلان لحنا لعيد الميلاد علمه لشعبه لسند إيمانهم في المسيح يسوع بكونه الله الحقيقي لمواجهة الأريوسية: "تعالى يا مخلص العالم!اظهر ميلادك من البتول!ليعجب العالم كله من ميلاد كهذا يليق بالله!" 4- النسطورية:- وقف القديس كيرلس السكندري في بازيليكا والدة الإله (عام 431) يتحدث أمام آباء مجمع أفسس، قائلا: "السلام لمريم والدة الإله، كنز العالم كله الملوكي، المصباح غير المنطفئ، إكليل البتولية، صولجان الأرثوذكسية، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير المحدود، السلام لك، يا من حملت غير المحوي في أحشائك البتولية المقدسة" في الحقيقة الصراع الذي قام بين القديس كيرلس الإسكندري ونسطور لم يقم أساسا حول لقب القديسة مريم "الثيؤتوكوس" بل حول شخص السيد المسيح نفسه وأننا نستطيع أن نلخص الظروف التي دفعت القديسة كيرلس ليدخل هذا النزاع هكذا في العاشر من شهر أبريل عام 428م رسم نسطور الكاهن بإنطاكية وتلميذ تيؤدور أسقفا على القسطنطينية. وقد أعتاد أن يستخدم لقب خريستوكوس (والدة المسيح) للقديسة مريم وليس "ثيؤتوكوس"، لكن ملامح المعركة وضحت تماما عندما قام أحد كهنته يسمى أنسطاسيوس الذي جاء به من أنطاكية يعظ أمامه في ديسمبر عام 428 م قائلا: "ليته لا يسمي أحد مريم " ثيؤتوكوس"، لأن مريم لم تكن إلا امرأة، ومن المستحيل يولد الله من امرأة". وقد أكد نسطور نفسه هذا التعليم علانية، مقدما في عظاته تمييزا بين الإنسان يسوع المولود من مريم وابن الله الذي سكن فيه. في رأيه يوجد شخصان في المسيح: ابن مريم وابن الله، اتحدا معا اتحادا معنويا ولا أقنوميا. فالمسيح لا يسمى " الله" بل حامل الله " ثيؤبورون" على نفس المستوى الذي دعي إليه القديسون بالنعمة الإلهية التي توهب لهم هكذا فإن مريم لم تكن أما الله بل للإنسان يسوع الذي سكن فيه الله الرأس.انتقد نسطور وأتباعه المجوس لأنهم سجدوا أمام الطفل يسوع، ونادوا بأن اللاهوت قد أنفصل عن الناسوت في لحظة الصلب.بلغ ذلك إلى مسامع القديس كيرلس بابا الإسكندرية، فانتهر فرصة كتابة الرسالة الفصحية السنوية عام 429م ليكتب دون أي تلميح إلى شخص نسطور مؤكدا التعليم الخاص بالتجسد في عبارات واضحة وبسيطة، موضحا اتحاد ناسوت السيد المسيح الحقيقي الحقاني الكامل بلا هوته في الشخص الإلهي الواحد.وبعد أربعة شهور كتب رسالة أخرى إلى الرهبان في ذات الشأن بلغت هذه الرسائل مسامع نسطور فأثارت غضبه جدا، وطلب من شخص يسمى Photius أن يجيب عليها.أرسل القديس كيرلس إلى نسطور رسالتين يوضح فيهما طبيعة السيد المسيح كابن الله المتجسد، شخص واحد... معلنا أنه الله من حق القديسة مريم أن تدعى " ثيؤتوكوس". وفي رسالته الثانية كتب هكذا: "لسنا نقول بأن الكلمة صار جسدا بالتحول، فهو لم يتحول إلى إنسان كامل بنفس وجسد، بل الحرى أتحد الكلمة أقنوميا بطريقة غير موصوفة ولا مدركة بالجسد الحي بنفس عاقلة، وهكذا صار إنسانا ودعي ابن الإنسان.كما أنه لم يولد أولا من العذراء القديسة كإنسان عادي وبعد ذلك نزل عليه " الكلمة"، الحرى أتحد " الكلمة" بالجسد في الأحشاء ذاتها.لهذا السبب دعي " الآباء القديسون" بثقة العذراء القديسة " ثيؤتوكوس"، لا بمعنى أن طبيعة الكلمة أو اللاهوت قد تقبل بدءا جديدا من العذراء القديسة، بل يقال أنه ولد منها حسب الجسد مادامت نفسه العاقلة التي تحيي الجسد أتحد بها الكلمة أقنوميا مولودا منها.هكذا كتب إليك بدالة الحب التي لي في المسيح، متوسلا إليك كأخ محملا إياك المسئولية أمام السيد المسيح وملائكته المختارين أن تفكر وتعلم معنا هكذا لحفظ سلام الكنائس ورباط الحب والمودة القائم بين كهنة الله".بعد هذا أنعقد مجمع محلي بالإسكندرية بعث رسالة مجمعية إلى نسطور يوضح ذات التعاليم التي وردت برسائل القديس كيرلس، مذيلة بما يسمى " الأثنى عشر بندا أو الأثنى عشر حرمانا".جاء في الحرمان الأول: "من لا يتعرف بأن عمانوئيل هو الله حقا، وبالتالي فإن القديسة العذراء هي " الثيؤتوكوس" إذ ولدت كلمة الله المتجسد حسب الجسد فليكن محروما" وفي الثاني والعشرين من شهر يونيو عام 431م انعقد المجمع المسكوني الثالث بأفسس تحت رئاسة البابا كيرلس، الذي جرد نسطور من الكهنوت وحرمه، كما قرأت الرسالة التي وجهها القديس كيرلس لنسطور، ووافق على الحر ومات الأثنى عشر، وأدان المجمع رأى نسطور في شخص السيد المسيح، وثبت بكل وقار لقب "الثيؤتوكوس". القمص تادرس يعقوب ملطى القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
14 أبريل 2020

ثلاثاء البصخة والحياة السماوية الملوكية

في سبت لعازر نشتهي أن نتمتع بالقيامة الأولى، لكي يبيت فينا كما في بيت لعازر وننعم بالقيامة الثانية في مجيئه الثاني والأخيروفي أحد الشعانين ندعوه للدخول كملك في قلوبنا، فيُحوِّلها إلى بيت الخاص المملوء فرحًا روحيًا وسلامًا سماويًا وفي اثنين البصخة، ندعوه أن يقتلع كل فساد، ويغرس صليبه، شجرة الحياة، أي يقيم جنته فينا والآن في ثلاثاء البصخة إذ يغرس جنته فينا يثور في داخلنا سؤالان، وهما ما هي طبيعة هذه الجنة؟ متى ننعم بها بكمال أثمارها؟ وقد جاءت أمثال السيد المسيح وأحاديثه في هذا اليوم تُجيب على هذيْن السؤاليْن. من جهة طبيعة هذه الجنة: جاءت الأمثال تؤكد إنها جنة سماوية، حيث يأتي العريس السماوي على السحاب ويدعو عروسه تلتقي معه، فيحتضنها ويدخل بها في موكب ملائكي إلى الأمجاد السماوية الكل مدعو ليكونوا العروس الواحدة البتول، أما العذارى الخمس فيُشرن إلى حواس المؤمن التي تتطهر بزيت النعمة الإلهية، فتُنير إنها العروس التي تنعم بالقيامة الأولى، تمارس الإيمان العامل بالمحبة، يسندها العريس نفسه الساكن فيها ويُجَمِّلها بروحه القدوس، فتتهيأ لهذا العُرْس الفريد! أيضًا طبيعة هذا العُرْس أنه ملوكي، فيُشبِه ملكوت السماوات ملكًا أقام عُرْسًا لابنه العروس ملكة تجلس عن يمين ملك الملوك، تحمل الروح الملوكية، صاحبة سلطان. فقد أعطانا سلطانًا أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 10: 19) يعيش المؤمن هذا الزمان لا بروح الخوف والقلق، بل بروح الإيمان والرجاء، يتكئ على صدر الله، ويسأله أن يُقدِّسه كل يوم، لأنه يلتقي بالقدوس! من جهة الزمن الذي يتحقق فيه ذلك، يدعونا حَمَل الله أن نسهر ونستعد، مترقبين مجيئه في أية ساعة، بل ونعلن شوقنا الحقيقي لسرعة مجيئه بكل كياننا نُغنِّي ونُسَبِّح "نعم تعالَ أيها الرب يسوع" (رؤ 22: 20). القمص تادرس يعقوب ملطى
المزيد
17 أبريل 2020

من محكمة إلى محكمة (الجمعة العظيمة)

إذ سلَّم السيد المسيح نفسه للجند، لم يخجلوا إنهم سقطوا عندما قال لهم "أنا هو!" لكن أوثقوه بعنفٍ شديد حتى كاد الدم ينفجر من جسمه بسبب العنف في تقييده، ظانين أنه بهذا لن يفلت من أياديهم مع مرارة الآلام التي تحملها عنا، كانت مسرته أن يحمل آلامنا في يوم واحد أو عدة ساعات من ليلة الجمعة حتى الظُهر قُدِّم أمام ست محاكم انتهت بتسليمه ليُصلَب. 1- أمام حنان رئيس الكهنة السابق، وقد طلب زوجُ ابنته قيافا رئيس الكهنة أن يبدأ بتقديمه أمام حنان، حتى يشعر الشعب أنه ليس حُكمًا فرديًا لعامل شخصي، إنما كل القيادات تفحص قضيته وتُصدِر حُكْمًا جماعيًا هذا الشيخ أرسله موثقًا إلى قيافا (يو 18: 12-14، 24). 2- أمام قيافا (مت 26: 57-68)، أصدر الحُكْم أنه مستوجب الموت لأنه جدَّف لكن وهو لا يدري حَكَم على الكهنوت اللاوي ثد أُبطِل إذ مزَّق ثيابه. 3- أمام مجمع السنهدرين (مت 27: 1-2)، أصدر الحُكْم أنه مستوجب، يُرسل لبيلاطس، إذ تظاهروا بإخلاصهم للرومان المستعمرين، متهمين السيد السيد المسيح بخيانة وطنية وثائر، إذ يُقيم نفسه ملكًا عوض قيصر. 4- أمام بيلاطس (يو 18: 28-38)، أدرك أنه غير مذنب، لكنه وَجد فرصة للتصالح مع هيرودس ملك الجليل الذي كان يريد أن يلتقي بيسوع المسيح، فحوَّل القضية إليه. 5- أمام هيرودس (لو 23: 6-12)، وكان يشتهي أن يصنع آية أمامه، لكن حَمَل الله لم ينزل إلينا ليظهر قوته وسلطان بل لكي يُذبَح عنا رأى أنه غير مذنب، لكن إذ التزم حَمَل الله بالصمت، استخف به وأعاده إلى بيلاطس بعد أن تصالح معه. 6- أمام بيلاطس (يو 18: 39- 19: 16)، أدرك أنه غير مذنب، كما أرسلتْ إليه امرأته تُعلِن له أن الأحلام تحرَّكتْ لتُحذِّرَه ألا يُصدر حُكْمًا عليه، فإنه بار غَسَلَ يديه أمام الكل مُعلِنًا أنه بريء من دم هذا البار لكن اليهود هدَّدوه بأنه بهذا يكون غير مُخْلِصٍ ولا أمين لقيصر، فسلَّمه لهم. لماذا صدر الحُكْمُ بالصلب؟ 1- إن السيد المسيح كحَمَل الله يُقدِّم ذبيحة للفصح، وكأن حَمَل الفصح يُشوى بالنار خلال سيخين يوضعان على شكل صليب فالصلب يؤكد أن يسوع المسيح هو حَمَل الفصح القادر وحده أن يعتقنا من عبودية إبليس والسخرة في عمل اللبن، ويطلقنا إلى مجد أولاد الله كان الموت بالصليب يُعتَبر أبشع نوع من الموت، بكونه عارًا، فحمل عارنا الذي صار لنا بسبب خطايانا إن الشخص المصلوب يشتهي الموت فلا يجده، وعندما يترفقوا به، يكسروا ساقيه حتى يستريح من مرارة الصلب. 2- يقول بولس الرسول، إن الذي لم يعرفْ خطية، صار خطية لأجلنا ليحمل لعنتها عنا وليس من طريق لدخول حَمَل الله دائرة اللعنة إلا من باب الصلب، لأنه مكتوب "ملعون كل من عُلِّق على خشبة" (تث 21: 23؛ غل 3: 13) أما آدم الأول وبنوه فدخلوا هذه الدائرة من باب كسر الناموس أو الوصية، أي بالعصيان دخل القدوس الذي لم يمكن للعنة ولا فساد أن يحلَّ به صار لعنة لينزعها عنا ونتقدَّس به، بكونه القدوس. 3- قد قبل حَمَل الله أن يُبذَل عن العالم كله (يو 3: 16) لكي لا يَهلِكَ كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية، فإنه بذل ذاته بإرادته وبمسرة فعلى الصليب بسَط يديه ليُعلِن أنه الكاهن الذي يُقدِّم الذبيحة، ويشفع كفاريًا بدمه في المؤمنين به. 4- الصليب يُصنَع من عارضتيْن، واحدة رأسية والأخرى أفقية وكما يقول القديس أغسطينوس أن العارضة الرأسية تُعلِن اتحاد البشر بالله السماوي، ووحدة الأرض بالسماء، وبالأفقية يبسط الرب يديه ليحتضن اليهود والأمم، والشعب مع الشعوب. 5- جاء الصلب يحقق الكثير من النبوات والرموز، نذكر منها "ثقبوا يديَّ ورجليَّ" (مز 22: 16) "ينظرون إلى من طعنوه وينوحون" (زك 12: 10) "أُحصي مع أثمة" (إش 53: 12) "الرب ملك على خشبة" (مز LXX) أما الرموز فمنها أن موسى إذ كان يرفع يديه على شكل صليب، كان شعبه يغلب عماليق (خر 17: 11)"وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان (يو3: 14). 6- على الصليب توضع عِلَّة المصلوب، وقد كُتِبَ "ملك اليهود" بالأرامية واللاتينية واليونانية. 7- إذ يحمل الصليب، أمكن لسمعان القيرواني أن يحمله معه، وكأنه يدعونا لنوال بركة الصلب معه. 8- عندما عُلِّق على الصليب يُقال: "علمه فوقي محبة" (نش 2: 4)، يراه الكل علانية. 9- رأى الرسول بولس في الصليب قد تمت غلبتنا على إبليس وقواته بالمسيح المصلوب، كما يتم تسمير الصك الذي كان علينا (كو 2: 14). القمص تادرس يعقوب ملطى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل