الكتب

الشهادة في نصوص العهد الجديد وحياة الكنيسة الأولى

لم تكن معاناة الشهداء صرخات وأنات مجردة من العون الإلهي ، فلقد انفتحت بصائر الشهداء وهم في غمرة آلامهم ليعاينوا مجد الله ( أع 7 : 55 ) في لحظة مختطفة من خزائن الملكوت الذي يحوي أكاليل من نور لمن قبلوا موت الجسد من أجل حياة الروح في الثالوث . كان رجاء قلوبهم الذي لم يفتر ولم يهتز وسط نيران الاضطهاد المتأججة والمستعرة هو السكنى مع الثالوث في موضع المجد ومعاينة قدس الأقداس السمائي غير المصنوع بأيد بشرية . لقد قبلوا الآلام التي كانت تنهال عليهم بطريقة وحشية من مضطهديهم ، وكأنهم " خارج أجسادهم “ ( استشهاد بوليكاربوس ٢/٢ ) ، كانوا منجذبين بقوى عليا ولقوى عليا ، كانوا بالروح في حالة تتساقى عن حاجات الجسد وكأنه لم يعد بعد رابطا لهم وذلك لأن الرب كان حاضرا يخاطبهم " ( استشهد بوليكاربوس 2/2 ) ويطمأنهم أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن ( انظر رو 8 : 18 ) . لم يكن تحملهم للألم قدرة إنسانية غير اعتيادية ، ولكنه كان نعمة إلهية ملأتهم بالروح القدس فصاروا أرواحًا تتحرر أكثر من كونهم أجسادا تتألم . كانوا في حالة إصغاء للنعمة الإلهية ( استشهاد بوليكاربوس 3/3 ) متعلّمين أسرار الحياة الجديدة في تلك اللحظات .

النعمة بذار الحياة

إن المثل موضوع حديثنا في هذا الكتاب ؛ " مثل البذار النامية ، والوارد في إنجيل القديس مرقص في الإصحاح الرابع ، يرسم لنا في جملته ، صورة picture معبرة عن واقع أبدي ، وهذا الواقع يبدأ من الآن ‘ ‘ . ولكن سرعان ما تتحول تلك الصورة إلى مرآة mirror يرى من خلالها كل إنسان نفسه ويقيس مقدار اقترابه أو ابتعاده عن هذا الملكوت ، حتى يصل المثل بالشخص إلى المرحلة الأخيرة ، بعد أن يكون الشخص قد استوعب الصورة ورأى نقصه في مرآة المثل ، وقتها يتحول المثل إلى نافذة window يرى من خلالها الله ، ويستعلن له الحق وتنكشف له مكنونات المثل ، فتُضيء له ، تلك النافذة ، مسيرته ، بضياء الحق حتى لا ينخدع ويتخبط في تيه يبتعد به عن أرض الأحياء إلى الأبد .

التلاقي بين الله و الانسان

هناك لوحة شهيرة للرسام الفرنسي جوجان Gauguin يتساءل فيها : من أين أتينا ؟ ومن نكون ؟ وإلى أين نمضي ؟ إننا نقف اليوم على مفترق الطرق بشكل خاص . فالعصر الحالي الذي يرتحل بنا في سرعة مذهلة تجعلنا نفقد إتزاننا الوجودي ، هو عصر الإنسان . فالإنسان اليوم هو المحور والغاية والوسيلة ، خاصة بعد نمو فكر الإلحاد السلبي الذي يتجاهل الله ويفكر في وجود الإنسان ككيان متواجد في الحياة ، مستقلاً عن أية قوى عليا !! ولعلنا نرى في إنسان اليوم مزيج من العادات والثقافات والتوجهات والموروثات المتناقضة بفضل الثقافة الكوكبية التي تسيطر على البشرية وتحول العالم إلى قرية صغيرة !! لذا فإننا نقف عاجزين اليوم عن تصنيف إنسان العصر في قوائم تراثية أو ثقافية أو حضارية ذات صبغة أحادية . فإنسان الأمس القريب كان مجموعة متناقضات وجدانية بسيطة من النور والظلمة ، من الروح والطين ، من الأمل واليأس ... ولكنها دخلت في بوتقة

نحو الصلاة

إننا لا نستطيع التحدث عن الصلاة ، فالكلمات لا تعبر عن الحقائق اللامادية ، لأن الكلمة هي أداة العالم للتعبير عنه ، بينما الصلاة هي حياة تُعاش ، وخبرة نتذوقها ، بالقلب ، أداة الأبدية ، وهو الذي يستطيع أن يعبر في صمت عن الأمور اللأمنظورة . ولكننا هنا سنحاول أن نتحرك نحو الصلاة ، نقترب منها في خشوع ورهبة يجللنا صمت يليق بمحضر الله ، ندور في أفقها فنتلامس س مع الضياء المنبعث منها كهالة من نور ، نقترب منها فيدفئنا لهبها ويضرم فينا الشوق الله ، موضوع صلاتنا . الصلاة تجعل الذهن جديرا بأن يرى مجد الله في غمامة نور عظمته ، داخل بلد الكائنات الروحانية ، بعجب وصمت أوقفهما الدهش عن كل حركة . وينذهل من جمال أشعة النور الوفيرة الإشراقات التي تطلع عليه ، فترمي العالم في العجب من رؤيتها ، وهي حياة الكائنات الروحانية وتنعمها ، فتسكت حركاتها النارية ، عظمتها . يوحنا الدلياتي ( الشيخ الروحاني ) إن الصلاة ليست صرخة في بطن واد أو نداء في صحراء يتردد صداه في الأفق الممتد ليغيب ويتلاشى مع تلاشي الصوت والكلمة . كما إنها ليست ضرورة أوجدتها الديانة واختلقها الإنسان ليكلم الفراغ متوهما فيه إله النجدة والإنقاذ . إنها ليست ضرورة خيال مريض يثرثر مع ذاته متوهما في ذاته الأخرى إلها ، يخاطبه فيما يسميه صلاة !! كما إنها ليست خمرا تسكر به النفس فتتعامى عن حقائق المعقولات وتبتعد عن واقعية الأرض والجسد والزمن ، لكنها ضرورة حياة ؛ إنها فعل عميق يلمس الجانب الإلهي الخالد في تكوين الإنسان ـ الروح ـ التي هي وديعة الإله لنا وفينا

صديق نصف الليل

إن المثـل الذي سنتناوله يتمحور بالأساس حول الصلاة وما تتطلبه من لجاجة . والصلاة لا تقف هنا منفردة كفعل يتوجه به المصلّي الله ، ولكنها تستند بالأساس على شعور وحش صادق بأبوة الله . فالله ( الأب ) هو متلقي الصلاة وهو الذي يهب ـ في المقابل ـ كنزه الثمين ؛ أي الروح القدس . واللجاجة في الصلاة كما يشرحها لنا المثـل ليست تكرارا روتينيا للنداء أو لقرع الباب ، ولكنها شعور صادق بالاحتياج ؛ شعور من القلب يصدر . وقد يكون هذا الشعور صامت بدون كلمات ، وبالرغم من هذا يبقى القلب هو المعبر الأصدق عن الاحتياج البشري . فقد يصرخ القلب طالبا المعونة بينما يصمت الفم ، إلا إن عيني الله ترصدان حركة القلب ، وتستجيب .

لهذا انا مسيحي

لماذا أنا مسيحي ؟ لماذا المسيحية بالذات ؟ إنه سؤال قد تردده بينك وبين نفسك في بعض الأوقات ، وقد يكون تساؤل ممن حولك بهدف المعرفة أو التشكيك ، ولكن في كل الأحوال يجب عليك أن تفهم لماذا أنت مسيحي ؟؟ يجب أن تعلم أن فهمك ووعيك بمن أنت هام للغاية ، هذا الفهم أهم ما يصل إليه الإنسان في حياته لأنه يؤثر في قراراته ومن ثم مصيره ، لأن فهم من أنت ؟ سيقودك لفهم أعمق وأهم هو لمـن أنت ؟؟ هناك من يدرس ويبحر في الكثير من العلوم والمعارف ويحوز الدرجات العلمية ويتحصل على الشهادات المتنوعة ويصل صيته إلى الآفاق ، ولكنه لا يعرف من هو ولماذا يؤمن بما يؤمن به ! إيمانه قد يكون شيئا متوارثـا أبا عن جد ، وهو مسيحي لا لشيء إلا لأنه ولد هكذا !! هل مثل تلك المسيحية تُمثل إيمانا صادقا ؟؟ وهل يخطو مثل هذا الإيمان بمن يعتنقه ( دون وعي ) خطوات نحو الحياة الأبدية ؟ بل ويمكن أن نسأل هل يتمتع مثل هذا المسيحي بإيمانه ويختبر حضور وعمل الله في حياته ؟؟ بالتأكيد الإجابة القاطعة ستكون : لا . ذات يوم كتب المتصوف الإنجليزي والتر هيلتون Walter Hilton قائلاً : " إن الظلمة الحقيقية أفضل من النور الزائف ؟ “ . ماذا تعني تلك الكلمات ؟؟ إنها تضع أيدينا على التعرف الصادق على أنفسنا . فقد نسير في طرق نعتقد أنها النور وهي ليست كذلك ، في تلك اللحظة يكون من في الظلمة وهم يعرفون تلك الحقيقة أقرب إلى النور ممن يحيون في وهم أنهم في النور ولكنه ليس سوى نور زائف ! والإنسانية هي ، بكلمات القديس أغسطينوس : " مجتمع الحقيقة . فالوصول إلى معنى إنسانيتي يستوجب بحث صادق عن الحقيقة ، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق بعيدا عن مفهوم الحب ؛ فالإنسان الحق هو من يبحث عن الحق فيلتقي الحب .. وقتها تبدأ النكهة الإنسانية في الحياة تتغير .. يبدأ الوجود يغرد بأناشيد النور .. بعيدا سنجد في بحثنا القصير أن كل المسيحية تتمحور حول الحب ، ولا يمكن فهم أية عقيدة مسيحية عن الحب ، ولا يمكن إقامة علاقة حقيقية مع الله دونما حب ، ولا يمكن ممارسة أي اختبار

ليكن نور رواية

لقد كتب ويل ديورانت عن الحضارات القديمة قائلاً : “ إن ما تراه من بنايات شامخة سيجرفها التاريخ ، وستصبح أثرا بعد عين ، كومة من تراب ، نجما آفلا ، سطرا في كتاب الذكريات .. " . ومن كتاب الذكريات نتلقف روائح المدينة السكندرية القديمة لعلها توقظ فينا حمية وتنهض فينا همة ؛ فالإسكندرية القديمة هي اللغز الساحر الذي طالما اجتذب الكتاب والباحثين والمفكرين والروائيين والشعراء . حاولوا أن يحفروا في ترابها بحثا عن إلهام يأتي من حوادث التاريخ أو خيالات الماضي أو جمالات المكان . فيها ، كما قال أحدهم قديما ، يجد الإنسان كل شيء ؛ ثروة وملاعب وجيشا كبيرا ، سماء صافية ومعارض عامة وفلاسفة ومعادن ثمينة وشبائًا ظرفاء وبيئًا ملكيا طيبا ومجمعا للعلوم وخمرًا لذيذا .. هي عالم جرى وراء العلم وتتبع خطوات اللذة العبثية وسبح في سماوات المعرفة واستقر في أحضان الإيمان . هي الباليوم الفلسفي والتونيك الروماني والطاليت اليهودي .. هي طرقات دينوقراطيس أول من رسم حدودها ورسم شوارعها .. هي منارة سوستراتوس المهندس العبقري إنها صيحات كهان المعابد وغزلة مجامع اليهود ورفعة موسيون العلماء وانفتاح كنائس المسيحيين . إنها خليط اللغات العجيب ، اليونانية الثقافية والرومانية السياسية واليهودية الأصولية والمصرية الدينية .. الإسكندرية هي قصور الأغنياء وأكواخ الفقراء .. هي مدينة التقوى والفجور .. المعرفة والجهل . اللذة والألم .. القوة والوهن .. الظلم والحرية .. السادة والعبيد .. الحب والبغضة .. .. من هذا المزيج تتولد تلك الرواية التي تجري أحداثها في العقد الأخير من القرن الثاني الميلادي بعد تولي كليمندس السكندري كرسي التعليم في مدرسة الإسكندرية التي كانت تعني بتلقين الإيمان للموعوظين وهو ما أطلقنا عليه اختصارا : “ مدرسة الإيمان ” . كما كانت تشرح دقائق اللاهوتيات للمتخصصين والمعلمين . وقد كانت تلك المدرسة بمثابة أول معهد علمي حقيقي في العالم المسيحي يقوم عليه متخصصون أكفاء مؤهلين .

قراءة في حياة الرب يسوع الجزء الثاني

| الإنجيل حركة قراءة في حياة الرب يسوع هي قراءة معاصرة لكلمات وحياة المسيح ومواقفه التي دونها لنا الإنجيليون . ليست شرحا وتفسيرا منظما متتابعا ، أكثر من كونها لحظات سكون وتأمل واع واقعي لدفقة الوصية في وعائنا المعاصر . فالكثير من كلمات وأفعال المسيح تستوقفك وتمسك بك ولا تريد أن تطلقك حتى تجدد رؤيتك وإنسانيتك ، ويلمس هذا التجديد واقعك الشخصي ومدارك المجتمعي . قد تجد بها تتفا من المعارف الإنسانية التي تتواءم مع روح الإنجيل ، وهو دليل على أن الثقافة الإنسانية ليست متغربة بالكلية عن واقع الإنجيل بل تصبح في العديد من الأحيان شاهدة له ، من خلال خبرات البشر في حياتهم عبر الأزمان والأصقاع ؛ فالبشر على صورة الله ولو لم يدركوا . تصلي في ليتورجية العماد فنقول : أيها الأزلي السيد الرب الإله الذي جبل الإنسان كصورته ومثاله ... افتح أعين قلوبهم [ المعمدين الجدد ] ليستضيئوا بضياء إنجيل ملكوتك إن كل كلمة من كلمات الإنجيل تخلق نوعا من التحدي للذات الإنسانية المتقوقعة حول وجودها الذاتي ، تريد أن تطلقها لترى الوجود الكلي ، متجاوزة أظر الزمان والمكان والتقاليد والبيئة والطباع والمعارف ... ويبقى التحدي قائما في حياتنا حتى تنتصر الكلمة ، كما ينتصر النور على الظلمة ، بالفجر والشروق ، فتكسر كل قناعات النفس القديمة المأخوذة من المسلمات الإنسانية المجتمعية ، والتي ننقلها بعضنا لبعض ونحن في غيبوبة النسبية ، ومتغربين عن كل ما هو مطلق ، فتُحيل كلمات الإنجيل ، عالم الإنسان الترابي إلى تراب ، أي تعود به إلى أصله غير المكتمل قبل نسمة الحياة . وقتها يبدأ الحراك الأبدي في الظهور على سطح الكينونة الإنسانية ، ويبدأ تجاوز الذات والحاضر إلى المطلق . وحالما يلمس النسبي ، أي الإنسان ، المطلق الإلهي ، ينال المعنى الذي طالما بحث عنه . يراه نابضا في قلبه وعقله وجوهره الإنساني . إنها الحياة الإلهية والتي تمر كنبضات إلى كينونة النفس ، فتُحييها . فلا يبقى الإنجيل كتابا يعبر عن هوية دينية ، بل كتاب الحياة والحركة والوجود ، الذي يدفع الإنسان إلى اكتشاف السر والمسيرة ، كما من زجاج شفاف . وقتها “ يتكلم الناصري عن حنين قائم في أعماق القلب "

كيف أتعرف على مشيئة الله

لقد كتب أحدهم قائلاً : ان تعرف مشيئة الله ، فتلك أعظم معرفة أن تتوصل لمشيئة الله ، فذاك أعظم إكتشاف بينما أن تصنع مشيئة الله ، فذاك بمثابة الإنجاز الأعظم في حياتك معرفة مشيئة الله ، لا تخلو جلسة مع الشباب إلا ويكون هو الموضوع الرئيس لتساؤلهم وحيرتهم وشغفهم لمعرفة المزيد عنه . هذا الأمر دفعني لأكتب تلك الصفحات القليلة حول هذا الموضوع وذلك لأنني وجدت الكثير من المفاهيم الدخيلة على الحس المسيحي النقي في التعرف على إرادة الله من حياتنا . ي الكثير من الأحيان كنت أرى أن من الشباب من يبحثون عن ملاك ( وإن لم يفصحوا صراحة عن هذا الطلب ) يقول لهم كيفية التحرك في كل تفاصيل الحياة ، وهم لا يطمئنون لأي شكل آخر من الفهم للمشيئة ! ويعيشون في قلق دائم لئلا يكونوا ضد مشيئة الله !! وحينما أسألهم عن كيفية اليقين ، تكون الإجابة لا أعرف !!

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل