المقالات
30 يوليو 2022
معنى وقيمة لحياتك
ونحن نسير فى برية هذا العالم لابد ان يكون لحياتنا أهداف نسعى لتحقيقها والوصول اليها والإ تصبح حياتنا بلا قيمة ولا معنى ، ونعانى مشاعر الأحباط والقلق والحزن ، ونسير فى الحياة من كريشة فى مهب الريح حائرة لا تستقر على حال من القلق ، ان الكثيرين ممن نقابلهم يحتاجون للمساعدة فى أكتشاف المعنى والقيمة من حياتهم ، اننا فى المسيح يسوع مخلوقين لاعمال صالحة سبق الله فاعدها لنسلك فيها ، ولهذا قال القديس بولس الرسول { أسعى نحو الغرض لأجعل جعالة دعوة الله العليا} (فيلبي3: 14) اننا لابد ان نعرف لماذا نوجد وما هى رسالتنا فى الحياة وماذا يحدث بعد الأنتقال الى السماء . كثير من سكان هذا كوكبنا لهم أهداف مادية متعددة والكل يبحث عن السعادة وتحقيق الذات سوا في جمع المال او نيل الرغبات او الوصول الي سلطة اومنصب وكلها اهداف مرحلية ستنتهي حتي بعد حين بانتهاء حياتنا علي الارض . والمؤمن الحكيم يجعل الأولوية لتحقيق الأهداف الروحية، على مثال القديسين الحكماء والعارفين بالهدف السليم والروحي والاول في حياتنا وهو ان نحب الله من كل القلب والفكر والنفس ونربط انفسنا بالله ، فعشرتنا مع الله تنمو وتذداد الي ان نصل الي السماء حيث نوجد معة كل حين ونفرح بوجودنا معة الي الابد ومع محبتنا لله يجب علينا ان ننمو فى محبة الإخرين ونحب أنفسنا أيضا محبة سليمة تقودها الى الخلاص والنمو والوصول الى الإبدية السعيدة .
لقد اوجد الانسان الكثير من الوسائل التى تساعده للوصول الى أهدافه ، والحاجة أم الإختراع كما يقولون ، فمن أجل الوصول من مكان الى أخر أوجد كل وسائل الانتقال من الباخرة الى القطار ثم السيارة وحتى الطائرة ومن أجل سهولة الاتصال والتواصل أكتشف التلغراف والتليفون والمحمول والنت وكل وسائل الاعلام ، وهكذا أوجدنا كل الأختراعات من أجل تحقيق اهداف سامية والتى قد ينحرف بها الانسان عن هدفها الاصلى الى أهداف باطله او حتى سيئة، ولهذا يجب علينا ان نتسأل ما هو الهدف من وجودنا وهل أنحرفنا عن هذا الهدف لنصحح طرقنا ونعدل من درجة أنحراف البوصلة لنصل الى بر الأمان والأيمان .
الأنسان ورسالته السامية ...
جاء السيد المسيح له المجد ،كلمة الله المتجسد ، لكى يتمم خلاصنا ويعلن لنا محبة الأب السماوى ويقترب لنا بالمحبة والتواضع لنقترب الية ونتعلم منه { فقال لهم يسوع ايضا سلام لكم كما ارسلني الاب ارسلكم انا } (يو 20 : 21) نعم { انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في الواح حجرية بل في الواح قلب لحمية} (2كو 3 : 3). ولاننا غرباء على الارض ووطننا الحقيقى هو السماء فنحن سفراء لله وللسماء على الارض { اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله} (2كو 5 : 20) . والسفير توفده بلده ليمثلها فى البلد المضيف ويحمل قيمها ولغتها ويعمل على أعلاء مبادئها وتمثيلها التمثيل اللائق والمشرف ، فهل نحن كذلك ؟
ملح الارض ونور العالم ...
يلخص السيد المسيح له المجد رسالة المسيحى على الارض فى العظة على الجبل بقوله { انتم ملح الارض و لكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا و يداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. و لا يوقدون سراجا و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة و يمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 5:13-16نعم الملح يعطى مذاقة للطعام ونحن نعطى مذاقة روحية لمجتمعنا والملح رخيص الثمن والمسيحى يجب ان يكون متواضعا وهو ضرورة فى مجتمعه رغم تواضعه والملح يحفظ الطعام من الفساد وهكذا المسيحى الحق يحفظ مجتمعه من الفساد ويبكته على خطاياه ، وهكذا راينا الله يرحم العالم لوجود قلة صالحة فيه ولكن لنحترس لأنفسنا لئلا نفسد ونطرح خارجاً ونداس من الناس. اننا نكون نورا للعالم عندما نقترب من النور الحقيقى ، شمس برنا ونكون حباً للأخرين عندما نثبت فى محبة الله ونعلن محبته لكل أحد والنور ضرورى للسائرين فى ظلمة هذا العالم يعطى قدوة ويهدى الضالين لا بالكلام واللسان بل بالعمل والحق { كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الايمان في الطهارة }(1تي 4 : 12). علينا ان نثمر ثمراً صالحا نبنى به أنفسنا ومجتمعنا واقربائنا وأنفسنا .ولكل منا وزنات معطاه له وقدرات وطاقات يجب ان يتاجر بها ويربح ليقدم ثمر الروح والإيمان العامل بالمحبة .
ليكون لحياتنا معنى ...
علينا اذا على المستوى الشخصى ان ننمى أنفسنا وان نتعلم كيف نكون سفراء صالحين للسماء نعلن محبة الله للبشرية الخاطئة وان نكون نوراً فى العالم وملحاً يعطى مذاقة وسعادة لمن حوله فكل منا يمكنه ان يكون محباً للإخرين فالمحبة لا تسقط أبداً ، علينا ان نسعى للنجاح ونجاهد بامانة لكى نؤدى عملنا باخلاص وننمو فى النعمة والقامة والحكمة وان نسعى فى أثر السلام والصلح والفضيلة مما يعطى لحياتنا هدف ومعنى ، علينا ان نحافظ على حياتنا ومن حولنا وان نمد يد العون للمحتاج ونشجع صغار النفوس و هكذا سنكون سعداء ونجد من يقدرنا ويسعى لخيرنا ويكون لحياتنا معنى وقيمة كما ان تبنينا لقضايا أسرتنا وكنيستنا ومجتمعنا وأوطاننا والسعى الى تحقيقها وتبنى قيم الحرية والمساواة والديمقراطية ومساعدة الفقراء والمحتاجين واى أهداف سامية فى الحياة تجعل للحياة هدف نناضل للوصول اليه مع بقاء الهدف الروحى الثابت ان نفعل مرضاة الله ووصاياه يهبنا سلاما وفرحاً داخلياً يشعرنا باهميتنا داخل نطاق الاسرة والكنيسة والمجتمع .
كان هدف دانيال وأصحابة أن يعيشوا – مع الله – رغم فساد البيئة الوثنية في القصر البابلي (دا 8:1)وكذلك مارست أستير الصوم في القصر، حتى تدخل الله فى الأمور وانقذها الله وشعبها من ظلم الاشرار. وقال القديس بولس الرسول لكنيسة فيلبي:{"ليس أني قد نلت (الهدف) أو صرت كاملاً، ولكني أسعى لعلي أدرك ... وإنني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا انسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض}(في3: 13-14). وهذا هو المثال الجيد لكل مؤمن. ووضع القديس أرسانيوس هدفه الروحي أمامه، وقال: "تأمل يا أرسانيوس فيما خرجت من أجله" (خلاص نفسه). وأعلن البشير لوقا أن الرب يسوع "ثبت وجهه إلى أورشليم" (نحو الصليب) (لو9: 51)، أي لتحقيق هدف مجيئة الأساسي للعالم. الشيطان دائماً يوجه نظر الإنسان إلى الإنشغال الدائم بمحبة الذات والشهوات، وأمور العالم التي تعوقه عن السير في طريق خلاصه فهو يلهينا باي شي الا أمر خلاصنا وحياتنا الابدية الانسان يتلهي وينشغل بامور كثيرة ولكن الحاجة الي واحد . لقد صار هدف الكثيرين الآن هو البحث عن لذة الطعام والشراب، ولذة الحواس، وجمع المال او المناصب ولا يفكرون في أهم هدف، وهو كيفية الإستعداد لمغادرة هذا العالم الفاني. ويقول قداسة البابا شنودة: "إن كان هدفك هو الله فسينحصر كل اهتمامك بالله وملكوته و كنيسته و انجيله و خدمة أولاده .... إلخ، ومسكين من ينحرف عن هدف خلاص نفسه، ويستمع لضلال الشيطان وحيله. فلنحاسب أنفسنا ونسأل أنفسنا ما هو هدفي من حياتي؟ وهل أسير في طريق تحقيق الهدف الأسمى وهو "ربح ملكوت الله" أم ربح الأرضيات فقط، أم نفعل هذه ولا نترك تلك . لنبحث فى حياة العظماء ورجال الله القديسين الذين كانت لهم أهداف روحية عظيمة، وصبروا حتى تحققت رغم ما لاقوه من صعاب وتجارب من أجل تحقيق هدفهم مثل يوسف الصديق و دانيال النبى والقديس الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا والقديسين والشهداء والمعترفين فما اصعب أن نركز هدفنا على أمور عالمية زائلة وباطلة وفانية، لا توصلنا إلى السعادة الأبدية، ولا حتى إلى الراحة الوقتية في الدنيا.
نحتاج ان نتعلم من الله ..
تعبنا في الطريق بدونك ايها الاب الحاني والصديق . نبحث عن السعادة ولا نجدها ، نبحث عن الحب فنجده سراب . نرجو ان نكون شيئاً فلا نجد الا التعب وعدم التقدير . لاننا نبحث عن السعادة بعيداً عنك، لاننا نبحث عن الامتلاك من دونك، لاننا نبحث عن الحب في عالم ملئ بالشهوات.
ربي علمنا ان نبحث عنك فنجدك . علمنا ان نحبك فانت قريب منا ، داخلي وانا ابحث عنك بعيداً بعيد. دعني اكتشفك داخلي ايها الحب المطلق فاجد الكنز السماوي. لتكن انت هدفي واكون سفيرك علي الارض . لاحيا لا انا بل انت تحيا في . أمين
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
29 يوليو 2022
التطبيقات العملية للحياة الروحية
۱- مداومة الصلاة القلبية بحب :
كلمـة مداومـة تعني الاستمرار ، وكـمـا يقـول الكتاب : " ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل " ( لو ١٨ : ١ ) ... فصـلواتنا هـي العلاقة الشخصية التي تربطنـا بالله ... وأجمل تعريف للصلاة ، قاله معلمنا داود النبي : " جعلت الرب أمامي في كل حين ، لأنّه عن يميني فلا أتزعزع " ( مز 16 : 8 ) . ففي كل مرة ترفع قلبك إلى الله للصـلاة ، تزداد اشتياقاً وكأنـك بصـلاتك ترتفع درجة إلى السماء . الصلاة الحقيقية يا عزيزي هي الصلاة القلبية المملوءة حباً ... فلا يقـدس أوقاتنا وأعمارنا إلا الصلاة ، ولتسأل نفسك دوماً : ما هي قامتك الروحية ؟ وما هي صلواتك ؟ وما هو قانونك مع أب اعترافك ؟
وهذا هو التطبيق العملي الأول مداومة الصلاة القلبية بحب والثاني ممارسة الأسرار الكنسية بوعي .
٢- ممارسة الأسرار الكنسية بوعي :-
إن أكثر الأسرار الكنسية التي تمارسها باستمرار : سـر الاعتـراف وسـر التناول . وهذه الأسرار ما هي إلا قنـوات للنعمة ، والكتـاب يـذكرنا في المزمـور الأول " فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه " ( مز 1 : 3 ) . والمقصود " بمجاري المياه " هي قنوات النعمة ، فجلسة الاعتراف ، ما هـي إلا قناة للنعمة . لذا يجب أن أكون بوعي فيها . أذكـر خطيتـي بقلـب تائب أمام الله في حضور الأب الكاهن ، وأقـيـم وعـداً جديداً في حياتي الروحيـة مـع الله ولسان حالي يقول " تعهدات فمي باركها يارب " ( مز ۱۱۹ ) . أما أثناء القداس أشعر وكأنني في السماء ، وبالتالي يرتفع قلبي وفكري نحو الله خلال مردات وألحان القداس الإلهي . وقد يقول أحـد إنـنـي أحضـر القـداس ، وأمـارس سـر الاعتراف ، لكننـي لا أستفيد شيئاً ! السبب في ذلك يا صديقي ، هو غياب الوعي القلبي لديك ، ويمكن تشبيه ذلك بشخص يتكلم مع آخر وهذا الآخر غير منتبه إلى حديثه ، لأنه مشغول بقراءة شيء أمامه مثلاً فكيف له أن يدرك قـول ومشـاعر محدثه ؟! وعـلى النقيض هناك آخـر ينصت ويستمع بمنتهى التركيز ، وهـذا الإنصات يسمى إنصات تفاعلي ، فيدرك الرسالة الموجهة إليه بل ويتفاعل معها . وعلى هذا الأساس اسأل نفسك : كيف تحضر القداس الإلهي ؟ هل عقلك مشغول بأمور أخرى ، أو يجذبه العالم باهتماماته ومشاكله وبالتالي يكـون جسدك في القداس ، أما عقلك وقلبك في مكان آخر !
٣- معايشة كلمة الكتاب بانتظام :-
أود أن أطرح عليك هنا سؤالاً : هل تقرأ الإنجيل بانتظام يومياً ؟ هل تدرس الكتاب المقدس كل يوم ؟ أم أنك تقرأ وتدرس وتتأمل ؟ فقراءة الكتاب المقدس درجة روحية ، يعلوها دراسة كلمة الله ... أمـا مـا هو أسمى فهو الدراسة والتأمل والحياة بكلمة الله بشكل عملي . إذا لم يقم الإنسان بكل هذا ، كيف يقول عن نفسـه أنـه يحيـا بالإنجيـل ؟! وكيف يكون الإنجيل بالنسبة له " روح وحياة ؟! " . دعنا نتأمل سوياً في هذه القصة لتدرك مفهـوم الحياة بالإنجيـل بشكل أعمق أصيب رجل في أحد أحياء مدينة تكساس بأمريكا في انفجار ، فقـد فيـه يديه ، كما أصيب وجهه بجراحات خطيرة . فقد الرجل عينيه ، فلـم يعـد قـادراً على القراءة . ووسط مرارة نفسه اشتاق أن يقرأ الكتاب المقدس ، فبدأ يسأل : " كيف يمكنني قراءة الكتاب المقدس ، وقـد فقـدتُ عينـي ويـدي ؟! " . قيـل لـه " توجد سيدة في انجلتـرا تستمتع بقراءة الكتاب المقدس بواسطة شفتيها ، إذ تستخدمها بدلاً من الأصابع لتقرأ الكتاب المقدس بطريقة برايل Braille method بالحروف البارزة " . أرسل إلى الهيئة المختصة لكي ترسـل لـه الكتاب المقدس البارز ليتعلم القراءة بشفتيه . لكن قبل أن يصل إليه الكتاب المقدس اكتشف أن أعصـاب شفتيه قد تحطمت تماماً . إذ وصله الكتاب المقدس المكتوب بحروف بارزة بـدأ يتعلم القراءة بلمس الكتابة بلسانه ! وكان يجد عذوبة في قراءته .. وفي تعليـق له يقول : " لقد قرأت الكتاب المقدس أربع مرات ... وقرأت بعض الأسفار مرات ومرات . " وهكذا .. تحولت ضيقة هذا الإنسان إلى خبـرة التمتع بكلمـة اللـه التي تهب النفس عذوبة وتعزية . ... " إن هذا الإنسان يديننا ... لأنه تعلم أن يقرأ الكتاب المقدس بلسانه بعـد أن فقد يديه وعينيه وأعصاب شفتيه . أي عذر لنا ؟! نتحجج بحجج واهية ... إنه لا يوجد وقت !! ويشغلنا إبليس بالعالم واهتماماته ومسئولياته ... فما أكثر الذين يعتذرون عن عدم القراءة في الكتاب المقدس بأنه ليس لديهم وقت !! بينما يجدون وقتاً للتسلية والمقابلات العديدة . والحقيقة أن ليس لديهم رغبة !! يا حبيبي ومخلصـي .. هب لي أن أختبـر عذوبة كلمتك ، لأقرأهـا بـكـل كياني ! لأختبـر قـوة كلمتـك فأحيـا بهـا وأتمتع بمواعيـدك .. بهـا أنطلـق إلى الأحضان الأبوية الإلهية .. بها أنعم بالمجد الأبدي .
قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨
عن كتاب خطوات
المزيد
28 يوليو 2022
شخصيات الكتاب المقدس عوبديا
عوبديا
" وإن كان عشك موضوعا بين النجوم فمن هناك احدرك يقول الرب "" عو 4 "
مقدمة
لا يكاد المرء يعلم شيئاً عن عوبديا النبى، سوى أنه « عابد الرب » أو « خادم الرب » على ما يفهم من معنى اسمه فى اللغة العبرانية، فهو الإنسان الذى يعبد الرب أو يخدمه، وسفره أصغر سفر فى العهد القديم، على أن نبوته كانت - كما هو واضح - عن أدوم، وتقع أرض أدوم شرقى البحر الميت على طول مائة ميل، وعرض عشرين ميلا من أقصى جنوب البحر حتى خليج العقبة، والأرض غير مستوية وجبلية، ممتلئة بالشعاب والمسالك الوعرة، فهى تشبه إلى حد كبير حياة من سكنوها من أبناء أدوم، وأدوم هو عيسو، وقد كان أخا يعقوب، وكما تزاحما فى بطن أمهما، هكذا تزاحم نسلاهما وتصارعا، وقد كان أبناء أدوم كأبيهم، أدنى إلى الوحشية وأقرب، وكانوا شوكة فى جنب الإسرائيليين، وقد ضايقوهم فى عصور متعددة، وانتهزوا فرص هجمات الآخرين عليهم، وتعاونوا على مضايقتهم،... ولذلك رأى عوبديا رؤياه التى كشفها الرب له ضد الأدوميين، ومن خلال رؤياه ستعرف - ما أمكن - على طبيعته، ورسالته، وما من شك بأنه، وهو يندد بشر الأدوميين وصفاتهم القبيحة، كان يكشف فى الوقت نفسه، عن خبيئة نفسه، وكراهيته للخطايا التى يندد بها ولعلنا نستطيع بذلك أن نتابعه فيما يلى:-
عوبديا ومحاجئ الصخر
كان أدوم يعيش بين محاجئ الصخور، وقد بنى بيوتاً منحوته فى الصخر، ولعله وهو يبنى هذه البيوت، كان يهنئ عبقريته التى تلوذ بالحصون التى لا يمكن اقتحامها،... كان أدوم شديد الاعتداد بعقله وذكائه وحكمته، شأنه فى ذلك شأن كل إنسان لا يعلم أن العقل البشرى، مهما وصل فإنه أحمق وضعيف، إذا لم يأخذ حكمته من اللّه،... وكان عوبديا كعبد أو خادم للّه، يرجع فى كل ما يعمل، إلى الحكمة السماوية النازلة من السماء!... فى أيام الثورة الفرنسية عندما أرادوا أن يلغوا الدين والعبادة، أقاموا معبوداً دعوه « العقل البشرى »... وكانوا يقولون إن العقل هو الإله الذى ينبغى أن نعبده،... والعقل البشرى يحاول اليوم وهو يغزو الفضاء، أن يصنع عشه هناك بين النجوم، إلى الدرجة التى قال فيها « جاجارين » الروسى، وهو يسبح فى الفضاء، إنه بحث عن اللّه هناك ولكنه لم يره،... وهيهات له ولأمثاله أن يروا اللّه، لا لأن اللّه غير موجود، فهو يملأ كل مكان، بل لأنه هو أعمى لا يستطيع أن يبصر أو على حد قول الرسول بولس: « إذ معرفة اللّه ظاهرة فيهم لأن اللّه أظهرها لهم لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولا هوته حتى أنهم بلا عذر. لأنهم لما عرفوا اللّه لم ليمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا فى أفكارهم وأظلم قلبهم الغبى » " رو 1: 19 - 21 ".. وكما قضى اللّه على جا جارين، سيقضى على كل متحصن وراء عقله ليقول له: « وإن كان عشك موضوعاً بين النجوم فمن هناك أحدرك »... ومن المعلوم أن أدوم كان يتحصن وراء شئ آخر، ثروته المنيعة، والمحفوظة بكيفية يستحيل على المقتحم أو المهاجم أن يصل إليها، وهو فى محاجئ الصخر، وما أكثر الذين يفعلون اليوم فعل أدوم، من أمم وجماعات وأفراد، إذ يتحصنون وراء الثروات الخرافية التى يظنون أنها تحميهم من كدارات الحياة، أو هجمات الأيام والأزمان، وهم يجلسون على تلال من ذهب، لم تعد تكفيهم الألوف أو الملايين، بل دخلوا فيما يطلق عليه البلايين والمليارات!!.. لقد بنوا أعشاشهم فوق الريح كما يقال، ووزعوا أموالهم كاليهود فى سائر أرجاء الأرض،... ولكن كلمة عوبديا تلاحقهم فى كل زمان ومكان: « وإن كان عشك موضوعاً بين النجوم فمن هناك أحدرك يقول الرب »... على أن محاجئ الصخر كانت عند أدوم شيئاً آخر، إذ كانت تمثل القوة،... فبلاده لا يسهل اقتحامها، على أنه من المثير والغريب فى تاريخ الجنس البشرى أن القوة المادية أو العسكرية، والتى يبنيها الإنسان لحمايته والدفاع عنه، تتحول آخر الأمر إلى وحش غير مروض، ويكون صاحبها فى كثير من الأوقات أول ضحاياها، ولعله مما يدعو إلى العجب، أن أقوى دولتين فى العالم الآن، وهما الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية وما تملكان من قنابل ذرية وهيدروجينيه، هما أكثر الدول رعباً وخوفاً من الحرب، ومن قوتها المدمرة،... ومهما تحصن الإنسان، ووصل إلى النجوم ليجعلها مراكز غزو فى الفضاء، فإن كلمة عوبديا النبى تلحقه هناك: « وإن كان عشك موضوعاً بين النجوم فمن هناك أحدرك يقول الرب »..
عوبديا وشر أدوم
كان الشر القاسى لأدوم، أنه عاش بلا إله، فهذا هو الذى وضع فاصلا بينه وبين أخيه يعقوب،... وقد ورث أبناؤه عنه هذه السمة، فتحولوا عن اللّه، واستقلوا، وعاشوا بلا إله فى العالم، وبنوا عظمتهم على أساس الاستقلال عن اللّه، وعندما يبنى الإنسان عشه بعيداً عن اللّه، فإنه يبنى الكارثة لنفسه مهما كانت عظمته بين الناس!!... ولعل دراسة التاريخ فى ذلك خير شاهد على الحقيقة،... لقد حاول الشيطان أن يبنى عظمته على أساس الاستقلال عن اللّه: « والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم، حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام » " يهوذا 6 " وسقط آدم وحواء فى نفس التجربة إذ أرادا أن يكونا مثل اللّه، فطردا من جنة عدن، ليسجل التاريخ مأساة البشر الكبرى فى كل العصور،... لقد خدعتهما الحية بالاستقلال عن اللّه،... ورفض المسيح التجربة عندما حاول الشيطان أن يجربه بالاستقلال:... إن خررت وسجدت لى أعطيك!!.. عندما خرج قايين من حضرة اللّه، إلى أرض نود أو أرض البعد، خرج إلى التيه والضياع، والعذاب، الذى لاحقه الحياة كلها!!.. كانت مأساة الابن الضال القاسية، هى بعده عن بيته، ولم يتذوق الراحة، حتى عاد إلى بيت أبيه، بل ما يحمل البيت من حياة وهدوء وسلام وأمن وراحة، وتعلم ألا يستقل عن أبيه البتة!!..
وكان أدوم آثما إلى جانب ذلك بالكبرياء التى ملأت قلبه، كان الأدومى عملاقا فى الجسد، متحصناً وراء ما سبقت الإشارة إليه سواء فى الذهن أو الثروة أو القوة، ومن ثم ذكر عوبديا « تكبر قلبك » أو خطية الكبرياء والتى لحقت بالكثيرين ممن حاولوا أن يبنوا عشهم بين النجوم. وهل ننسى وصف إشعياء فى الأصحاح الرابع عشر وهو يهجو ملك بابل: « كيف باد الظالم بادت المتغطرسة... الهادية من أسفل مهتزة لك لاستقبال قدومك منهضة لك الأخيلة جميع عظماء الأرض. أقامت كل ملوك الأمم عن كراسيم كلهم يجيبون ويقولون لك أ أنت أيضاً قد ضعفت نظيرنا وصرت مثلنا. أهبط إلى الهاوية فخرك رنة أعوادك تحتك تفرش الرمة وغطاؤك الدود كيف سقطت من السماء يازهرة بنت الصبح؟ كيف قطعت إلى الأرض ياقاهر الأمم. وأنت قلت فى قلبك أصعد إلى السموات أرفع كرسى فوق كواكب اللّه وأجلس على جبل الاجتماع فى أقاصى الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلى. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب. الذين يرونك يتطلعون إليك يتأملون فيك. أهذا هو الرجل الذى زلزل الأرض وزعزع الممالك؟ » " إش 14: 4 - 16 " وما أكثر الذين جاءوا بعد ملك بابل لينالوا المصير نفسه، نابليون بونابارت، وهتلر، وموسولينى وأمثالهم كل هؤلاء الذين بنوا عشهم، بين النجوم، ومن هناك أحدرهم اللّه القادر على كل شئ!!..
وكان أدوم أيضاً مصاباً بنعرة الجنس، ولم يعد يبالى بأخيه يعقوب، بل يناصبه العداء، وقد فقد كل عواطف الأخوة،... وما يزال العالم إلى اليوم يعانى، أقسى المعاناة من التعصب الجنسى،... كان سسل رودس يقول عن الشعب البريطانى إنه أعظم شعب فى العالم، وها نحن إلى اليوم نرى المشكلة الروديسية بين البيض والسود، وكأنما يلوم البيض اللّه لأنه خلق أجناساً سوداء اللون،... كان فوليتر يقول: سيأتى الوقت الذى يقال مدحاً فى الآخرين: هذا فرنسى المذاق.. وقال أحد السياسيين الأمريكيين: إن اللّه لم يصنع شيئاً أو أحداً يساوى الأمريكيين، ولا أظن أنه سيصنع!!.. وهل هناك حماقات تؤذى البشر أكثر من هذه الحماقات!!؟.
وقد تمكنت من أدوم عاطفة من أقبح العواطف وأثرها فى الإنسان، وهى عاطفة الشماتة فضلا عن أنها عاطفة بغيضة جداً فى نظر اللّه إذ هى تيار أسود ملئ بالحقد والضغينة وعدم المروءة، فهى أمر غير إنسانى وقبيح، فمن سوء الأخلاق وضعتها وانحطاط النفس، أن نقف من تعاسات الآخرين وعجزهم وضعفهم موقف المتشفى المبتهج بهذا العجز والألم والتعاسة والضيق!.
ولم يقف أدوم عند حدود الشماتة، بل تعدى الأمر إلى الظلم متمشيا مع التعبير الشعبى القائل: عندما تقع البقرة تكثر السكاكين،... وعندما حدثت المأساة لشعب اللّه، فرح أدوم، واتهمهم بكل نقيصة وشر، ووسع دائرة الاتهام، وألصق بهم مالم يفعلوه، وحملهم النتائج القاسية التى وصلوا إليها.. مع أن الخصم النبيل ولا نقول الأخ،... هو الذى لا يضرب إنساناً ساقطاً أمامه!!.. ولا يجهز على بائس مسكين يترنح من الضربات التى تكال له!!.. لكن أدوم أكمل شره بالقساوة الباغية، فقد تربص للضعفاء الهاربين من الغزو على مفارق الطرق ليقضى على المنفلتين، وهم فى عمق بؤسهم وضيقتهم، بشدة ولؤم وخسة!!..
عوبديا وخداع أدوم
سقط أدوم فريسة الخداع، ويبدو أن خداعه جاء من اتجاهين: خداع الأصدقاء، وخداع النفس: « طردك إلى التخم كل معاهديك. خدعك وغلب عليك مسالموك. أهل خبزك وضعوا شركاً تحتك. لا فهم فيه »... " عو 7 " والذين يخدعون الآخرين قد يكونون مدفوعين بالخوف أو التملق أو المصلحة،... كان نيرون صاحب صوت منكر، ولكنه كان يعتقد أن صوته من أرخم الأصوات، وكان يلزم الآخرين أن يسمعوا غناءه، وكانوا يبدون إعجابهم الكبير بالصوت، خوفاً على حياتهم من بطشه وانتقامه،... وقد تملق الصوريون والصيداويون وهم « يلتمسون المصالحة لأن كورتهم تقتات من كورة الملك، وفى يوم معين لبس هيرودس الحلة الملوكية وجلس على كرسى الملك، وجعل يخاطبهم. فصرخ الشعب: هذا صوت إله لا صوت إنسان. ففى الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط المجد للّه. فصار يأكله الدود ومات.. » " أع 12: 20- 23 " والإنسان متى سمح للآخرين أن يخدعوه، فسينتهى به الأمر إلى الاتجاه الآخر، إن يخدع نفسه بنفسه، « تكبر قلبك قد خدعك » " عو 3 ".. «والقلب أخدع من كل شئ وهو نجيس من يعرفه ». " إر 17: 9 " والإنسان من تاريخه الأول إلى اليوم ضحية الخداع،.. وكما ذهب الشيطان إلى أبوينا الأولين فى جنة عدن، وبدأ معهما هناك بقصة الخداع، فهو إلى اليوم يضلل ويخدع فى كل مكان وزمان!!.. ولعله يوحنا ويسلى الذى وعظ ذات يوم عظة رائعة عظيمة، وما أن نزل من المنبر، حتى استقبله أحد السامعين بالقول... « ما أروعها وأعظمها من عظة ». وإذا بالواعظ العظيم يقول: لقد قال لى غيرك ذلك!!.. وقال السامع: ومن هو!!؟ وأجاب الواعظ: إنه الشيطان!!؟.. قالها له قبل أن ينزل من فوق المنبر،... وإذا كان يفعل ذلك فى أقدس الأماكن، فكيف يكون الأمر فى أحطها وأشرها؟!!.
عوبديا وسقوط أدوم
ونتعرض أخيراً لسقوط أدوم البشع، ولعل أول مظهر من مظاهر سقوطه، كان فى الفرصة الضائعة، لقد أصيب أخوه يعقوب بالنكبة التى كانت تقتضى منه المسارعة إلى المعونة، لا الوقوف موقف المتفرج، أو الإجهاز على بقايا المنفلتين. وما أكثر ما يقف الناس على الطريق فى موكب الحياة، موقف أدوم القديم: « يوم وقفت مقابله يوم سبت الأعاجم قدرته ودخلت الغرباء أبوابه وألقوا قرعة على أورشليم كنت أنت أيضاً كواحد منهم. ويجب أن لا تنظر إلى يوم أخيك يوم مصيبته ولا تشمت ببنى يهوذا يوم هلاكهم ولا تغفر فمك يوم الضيق. ولا تدخل باب شعبى يوم بليهم. ولا تنظر أنت أيضاً إلى مصيبة يوم بليته ولا تمد يداً إلى قدرته يوم بليته. ولا تقف على المفرق لتقطع منفلتيه ولا تسلم بقاياه يوم الضيق »... " عو 11 - 14 " وما أكثر ما يفعل الناس هكذا وهم مشغولون بأنانيتهم وكبرياء قلوبهم.. فى أسطورة وثنية قديمة، أن واحداً من الرؤساء القدامى حفر بئراً، وأمر بألا يشرب منها أحد غيره وغير عائلته، وكانت النتيجة أن البئر لم تعط ماء، فطلب العرافين الذين قالوا له إن البئر لا يمكن أن تعطى ماء إلا إذا شارك الشعب فى الانتفاع بها، فما كان منه، مدفوعاً بأنانيته، إلا أن يصدر قراراً بأن يشرب الشعب منها فى الليل، وهو وبيته يشربون منها فى النهار،... وحدث أن البئر فاضت بالماء عند غروب الشمس، وظلت طوال الليل تعطى ماء، وفى الصباح جفت، وعندئذ علم أن المشاركة الصحيحة هى أن يشرب هو والشعب فى وقت واحد،... وفاضت البئر عندئذ ليلا ونهاراً.. إن الحياة فى حقيقتها هى الإيثار لا الاستئثار وهى الخدمة الباذلة المضحية، وليست الأنانية أو الوصولية أو النفعية التى يعيشها ملايين الناس على الأرض!!.. فى ساحة إحدى الكنائس عبارة مكتوبة: « ما أعطيه أملكه وما أحفظه أفقده »،.. لقد زمجر عاموس - فيما ذكرنا عند التعرض لشخصيته - لحياة الأنانية التى تنسى آلام الآخرين: « ويل للمستريحين فى صهيون.. أنتم الذين تبعدون يوم البلية وتقربون مقعد الظلم، المضطجعون على أسرة من العاج والمتمددون على فرشهم والآكلون خرافاً من الغنم وعجولا من وسط الصيرة، الهاذرون مع صوت الرباب، المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود، الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان ولا يغتمون على انسحاق يوسف ».. " عا 6: 1 - 6 " إن الأنانية وحدها بشعة كل البشاعة، ولكنها أكثر بشاعة عندما تكون فى مواجهة النفس والمنكوب والمتألم والمتضايق!!..
وسقط أدوم أيضاً عندما لم يدرك أن الزمن دوار، وطوبى للرحماء لأنهم يرحمون.... فى أساطير عيسوب أن الحمار الضعيف المسكين توسل إلى زميله الحصان أن يحمل عنه بعض حمله، وقال له إنه إن لم يفعل فالنتيجة ستكون أنه سيموت، وسيحمل الحصان الكل،... ولم يبال الحصان بالكلام، فسقط الحمار تحت ثقله ومات، ونقل صاحبهما كل حمل الحمار ووضعه على الحصان، بل أكثر من ذلك أنه وضع عليه جثة الحمار الميت، وقال الحصان: يا لى من أحمق! لقد رفضت أن آخذ شيئاً من حمل الحمار، وها أنا لا آخذ حمله فحسب، بل أحمل جثته أيضاً!!.. لعل من أطرف ما قيل، أن أحد المرسلين - وكان جراحاً فى مدارس بالهند رأى ذات يوم عند بابه كلباً صغيراً مكسور القدم، فما كان منه إلا أن جبر ساقه، وقال المرسل إن الشئ الغريب الذى حدث أنه أحس بخربشة فى اليوم التالى عند الباب وعندما فتح الباب وجد الكلب، وقد صحب كلباً آخر صغيراً مكسور الساق، وقد جاء به ليعالج،.. لئن صحت الرواية، فإن الإنسان مرات كثيرة يكون أحط من الحيوان، وأكثر أنانية،... ولعل هذا ما حد برئيس الأساقفة هو يتلى أن يقول: إذا سألتنى أن أخبرك عما يسبب الاضطراب الأكبر، والذى يهدد بأقسى الأخطار، فإنى أستطيع أن أقول لك إنك إذا تطلعت إلى المرآة، هناك سترى أصدق صورة لذلك!.. ومن المؤسف حقاً أن الناس فى كثير من أدوار الحياة تنسى أن الدنيا لا تبقى إنساناً على حال فهى ترفع المنخفض، وتخفض المرتفع، وهى تغنى الفقير وتفقر الغنى، وهى تقوى الضعيف، وتضعف القوى.. إنها الساقية التى تدور بسرعة أو ببطء، لكنها على أية حال تدور!!... وقديماً قال أحدهم للنعمان:
إن كنت تعلم يا نعمان أن يدى قصيرة عنك، فالأيام تنقلب
وقال آخر:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ولم تخف سوء ما يأتى به الغير
وسالمتك الليالى فاغتررت بها وعند صفو الليالى يحدث الكدر
والمثير فى الأمر على الدوام، أن الجزاء من جنس العمل: « كما فعلت يفعل بك، عملك يرتد على رأسك. لأنه كما شربتم على جبل قدسى يشرب جميع الأمم دائماً يشربون ويجرعون ويكونون كأنهم لم يكونوا » " عو 15 و16 ".. عندما قبض الإسرائيليون على أدونى بازق وقطعوا أباهم يديه ورجليه، قال الرجل: « سبعون ملكاً مقطوعة أباهم أيديهم وأرجلهم كانو يلتقطون تحت مائدتى. كما فعلت كذلك جازانى اللّه »... " قض 1: 7 " وقال جدعون، « لزبح وصلمناع: كيف الرجال الذين قتلتماهم فى تابور؟ فقالا مثلهم مثلك. كل واحد كصورة أولاد ملك. فقال هم اخوتى بنو أمى. حى هو الرب لو استحييتماهم لما قتلتكما ».. " قض 8: 18 و19 " ولم يدر هامان وهو يجهز الصليب المرتفع ليصلب عليه مردخاى، أنه يجهز لنفسه المصير التعس الذى سيصل إليه!!..
كان أدوم يرى نفسه، كما لاحظنا، القوة والمنعة، وهو « القائل فى قلبه من يحدرنى إلى الأرض » (عو 3) لقد وضع عشه بين النجوم أو أعلى من أن تصل إليه يد بشرية، ولكن المثل الشائع يلحقه:
ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع
لقد فكر أدوم فى قدرة البشر وهو يلقى على نفسه السؤال: « من يحدرنى إلى الأرض »،... ونسى أنه توجد يد أعلى من كل يد بشرية، خالقة الكواكب والنجوم ذاتها،... « ومن هناك أحدرك يقول الرب!!... " عو 4 " وحسب المقاييس البشرية ماذا ينقص أدوم وقد ارتفع بعشه فوق الزوابع والعواصف والمحن التى تتلف الكرة الأرضية، ولكنها تغلف جوها دون أن تبلغ النجوم، أما الذى يبلغ من المناعة ما يعلو به على الريح، فهو آمن من ثورة الطبيعة والإنسان، ومن غدر الزمان، كما يحلو للمخدوع أن يتصور ولكن هذا الإنسان، فرداً كان أو أمة، ينسى أن المصير دائماً تحكمه اليد الإلهية العليا،... وأن هذه اليد تسمح أن يرتفع الجبار إلى أعلى ما يتصور الخيال البشرى، حتى يسقط سقوطاً ملحوظاً من كل البشر، بل ومن كل التاريخ أيضاً!!.. ويكون سقوطه عظيماً!!..
كان سقوط أدوم رهيباً، لأنه كان سقوطاً من النجوم العالية إلى الأرض أو الحضيض كما يقولون،... وها نحن لا نعرف عن أدوم الآن شيئاً، لقد ضاع وانتهى إلى الأبد، وتحولت جباله وصخوره إلى مقابر رهيبة لمجده وجلاله ومتعته وتاريخه بأكمله،ونحن لا نستطيع أن ننهى القصة دون أن نتعمق إلى ما هو أعظم وأكمل وأبهى، إذ أن الدورة عادت لتصحح الوضع المقلوب، لقد أضحى القوى ضعيفاً، وعاد الضعيف قوياً، وجاءت نهاية أدوم بيد يعقوب جزاءاً وفاقاً لإثمه وشره وخطيته وحقده وانتقامه، ولذلك نقرأ: « ويكون بيت يعقوب ناراً وبيت يوسف لهيباً وبيت عيسو قشا فيشعلونهم ويأكلونهم ولا يكون باق من بيت عيسو لأن الرب تكلم »... " عو 18 " ونحن نسأل عن السر، وهل هو نوع من الانتقام رد به يعقوب على عيسو فى يوم من الأيام!!.. لا نظن إذ أن الأمر أعلى وأسمى، وليس هو مجرد صراع بين جماعات تدور بها الأيام وتلف، بين غالب ومغلوب، لقد أعطانا عوبديا الصورة الصحيحة الحقيقية، إذ ختم نبوته بما يمكن أن نطلق عليه « مسك الختام » فى القول: « ويكون الملك للرب »... " عو 21 " وهذا يحولنا بدورنا من الأرض أو النجوم، إلى من هو فوق الاثنين، إلى الحاكم المطلق الأبدى الذى يضع ولا أحد يرفع، ويرفع ولا أحد يضع!!.. ويقود التاريخ فى كل أدواره صوب النهاية المؤكدة، التى تجعلنا نغنى مع عوبديا بكل بهجة ويقين: « ويكون الملك للرب »..!!..
المزيد
27 يوليو 2022
الإنسان الخيِّر
الخير هو أن ترتفع فوق مستوى ذاتك ولذاتك وأن تطلب الحق أينما وجد، وتثبت فيه وتحتمل من أجله.الخير هو النقاوة، هو الطهر والقداسة هو الكمال الخير لا يتجزأ فلا يكون إنسان خيرًا وغير خير في وقت واحد أي لا يكون صالحًا وشريرًا في نفس الوقت.
الإنسان الخير:
ليس هو الذي تزيد حسناته على سيئاته!
فربما سيئة واحدة تتلف نقاوته وصفاء قلبه!
أن نقطة حبر واحدة كافية لأن تعكر كوبًا من الماء بأكمله، وميكروبًا واحدًا كاف لأن يلقى إنسانًا على فراش المرض. ليس هو محتاجًا إلى مجموعات متعددة من الجراثيم لكي يحسب مريضًا!! تكفى جرثومة واحدة.. كذلك خطية واحدة يمكنها أن تضيع قداسة الإنسان إن الشخص الشرير ليس هو الذي يرتكب كل أنواع الشرور. إنما بواسطة شر واحد يفقد نقاوته مهما كانت له فضائل متعددة.فالسارق إنسان شرير. لا نحسبه من الأخيار. وربما يكون في نفس الوقت لطيفًا أو بشوشًا، أو متواضعًا، أو متسامحًا، أو كريمًا، أو نشيطًا والظالم إنسان شرير، وكذلك القاسي، وكذلك الشتّام، وقد يكون أي واحد من هؤلاء غيورًا أو شجاعًا، أو مواظبًا على الصلاة والصوم..!
إن أردت أن تكون خيرًا، سر في طريق الخير كله.. ولا تترك شائبة واحدة تعكر نقاء قلبك ولا تظن أنك تستطيع أن تغطى رذيلة بفضيلة.أو أن تعوض سقوطك في خطيئة معينه، بنجاحك في زاوية أخرى من زوايا الخير.. بل في المكان الذي هزمك الشيطان فيه، يجب أن تنتصر.. على نفس الخطية، وعلى نفس نقطة الضعف.كن إنسان خيرًا، قس نفسك بكل مقاييس الكمال. واعرف نواحي النقص فيك، وجاهد لكي تنتصر عليها.. فهكذا علمنا الإنجيل المقدس: "كونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل.. كونوا قديسين، كما أن أباكم الذي في السموات هو قدوس.." (مت48:5).نحن مطالبون إذن بأن نسير في طريق الكمال، لأن النقص ليس خيرًا.. والخير ليس هو فقط أن تعمل الخير.. بل بالأحرى أن تحب الخير الذي تعمله فقد يوجد إنسان يفعل الخير مرغمًا دون أن يريده، أو أن يعمل الخير بدافع الخوف، أو بدافع الرياء لكي ينظره الناس أو لكي يكتسب مديحًا.. أو لكي يهرب من انتقاد الآخرين. وقد يوجد من يفعل الخير وهو متذمر ومتضايق: كمن يقول الصدق ونفسيته متعبة، وبوده لو يكذب وينجو. وكمن يتصدق على فقير وهو ساخط، وبوده ألا يدفع فهل نسمى كل ذلك خيرًا..؟!
قد يوجد من يفعل الخير لمجرد إطاعة وصية الله، دون أن يصل قلبه إلى محبة تلك الوصية! كمن لا يرتكب الزنا والفحشاء، لمجرد وصية الله التي تقول: "لا تزن"، دون أن تكون في قلبه محبة العفة والطهارة..! وفي ذلك قال القديس جيروم: (يوجد أشخاص عفيفون وطاهرون بأجسادهم، بينما نفوسهم زانية!!)
ومثال ذلك أيضًا، الذي يتصدق على الفقراء لمجرد إطاعة الله، ويكون كمن يدفع ضريبة أو جزية!! دون أن تدخل محبة الفقراء إلى قلبه..!
كل هؤلاء اهتموا بالخير في شكلياته، وليس في روحه..!
والخير ليس شكليات، وليس لونًا من المظاهر الزائفة. إنما هو روح وقلب.. ولذلك اهتم الله بحالة القلب، أكثر من ظاهر العمل. وهكذا قال: "يا أبني أعطني قلبك" من أجل هذا، لكي نحكم على العمل بأنه خير، يجب أولًا أن نفحص دوافعه وأسبابه وأهدافه. والدوافع هي التي تظهر لنا خيرية العمل من عدمها.. فقد يوبخك اثنان: أحدهما بدافع الحب، والآخر بدافع الإهانة. وقد يشتركان في نفس كلمات التوبيخ ولكن عمل أحدهما يكون خيرًا وعمل الآخر يكون شرًا.. وقد يشترك اثنان في تنظيم سياسي وطني، أحدهما من أجل حب الوطن والتفاني في خدمته، والآخر من أجل حب الظهور أو حب المناصب.. الهم إذن في الدافع والنية والخير ليس عملًا مفردًا أو طارئًا، إنما هو حياة فالشخص الرحيم ليس هو الذي أحيانًا يرحم، أو الذي ظهرت رحمته في حادث معين.. إنما الرحيم هو الذي تتصف حياته كلها بالرحمة. تظهر الرحمة في كل أعماله وفي كل معاملاته، وفي أقواله، وفى مشاعره، حتى في الوقت الذي لا يباشر فيه عمل الرحمة الخير هو اقتناع داخلي بحياة القداسة، مع إرادة مثابرة مجاهدة في عمل الخير وتنفيذه.. هو حب صادق للفضيلة، مع حياة فاضلة.
الخير هو شهوة في القلب لعمل الصلاح تعبر عن ذاتها وعن وجودها بأعمال صالحة وليس هو مجرد روتين إلى للعمل الصالح..!
هو - حسب رأى القديسين - استبدال شهوة بشهوة.. ترك شهوة المادة، من أجل التعلق بشهوة الروح.. والتخلص من محبة الذات، من فرط التعلق بمحبة الآخرين ما لم تصل إلى محبة الخير، والتعلق به، والحماس لأجله، والجهاد لتحقيقه، فآنت ما تزال في درجة المبتدئين، لم تصل بعد لغاية، مهما عملت أعمالًا صالحة..!
والذي يحب الخير، يحب أن جميع الناس يعملون الخير..
لا تنافس في الخير..
فالتنافس قد توجد فيه ناحية من الذاتية أما محب الخير، فإنه يفرح حتى ولو رأى جميع الناس يفوقونه في عمل الخير، ويكون بذلك سعيدًا.. المهم عنده أن يرى الخير، وليس المهم بواسطة مَنْ! به أو بغيره..
لذلك فعمل الخير بعيد عن الحسد وعن الغيرة..
والإنسان الخير يقيم في حياته تناسقًا بين فضائله، فلا تكون واحدة على حساب الأخرى خدمته مثلًا للمجتمع، لا تطغى على اهتمامه بأسرته. ونشاطه لا يطغى على أمانته لعمله. بل أن صلاته وعبادته، لا يصح أن تفقده الأمانة تجاه باقي مسئولياته.إن الفضيلة التي تفقدك فضيلة أخرى، ليست هي فضيلة كاملة أو خيرة.. إنما الفضائل تتعاون معًا.. بل تتداخل في بعضها البعض.فهكذا نتعلم من الله نفسه تبارك اسمه: فعدل الله مثلًا لا يمكن أن يتعارض مع رحمته، بل لا ينفصل عنها. عدل رحيم، ورحمة عادلة. عدل الله مملوء رحمة الله، فليس من جهة الفصل نتكلم، إنما من جهة التفاصيل، لكي تفهم عقولنا القاصرة عن إدراك اللاهوتيات..
والخير ليس هو سلبية، بل إيجابية:
ليس هو سلبية تهدف إلى البعد عن الشر، إنما هو إيجابية في عمل الصلاح ومحبته. فالإنسان الخير ليس هو فقط الذي لا يؤذى غيره، بل بالحري الإنسان الذي يبذل ذاته عن غيره.. ليس فقط الإنسان الذي لا يرتكب خطية، إنما بالحري الذي يعمل برًا..والإنسان الخير هو الذي يصنع الخير مع الجميع، حتى مع الذين يختلفون معه جنسًا أو لونًا أو لغةً أو مذهبًا أو عقيدةإنه كالينبوع الحلو الصافي، يشرب منه الكل.. وكالشجرة الوارفة يستظل تحتها الكل. إن الينبوع والشجرة لا يسألان أحدًا: ما هو جنسك؟ أو ما هو لونك؟ أو ما هو مذهبك؟!
الخير يعطى دون أن يتفرس في وجه من يعطيه ويحب دون أن يحلل دم من يحبه..
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
من كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد
26 يوليو 2022
الشباب... والعاطفة
هناك خلط واضح فى مفهوم العاطفة والحب
وفى اللغة اليونانية تترجم كلمة "الحب" بثلاث كلمات
1- "ايروس" (Eros)... أى الحب الجسدانى الشهوانى
2- "فيلى" (Phily).أى الحب الإنسانى العادى
3- "أجابى" (Agapi)... أى الحب الروحانى المقدس
والعاطفة هى طاقة الحب، التى تتشكل بنوع من هذه الأنواع، حينما يقودها الإنسان إلى الوجهة التى يريدها... فهو يمكن أن يتدنى بها إلى مستوى الحسيات والخطيئة، أو يكتفى بمحبة إنسانية نشاهدها كل يوم فى الحياة العملية، أو يتسامى بها - بنعمة المسيح وعمل روح الله القدوس - لتصير محبة روحانية مقدسة، من خلالها يتعامل مع كل الناس فى الأسرة والكنيسة والمجمع والصداقة والزواج.
1- ما هى العاطفة ؟
العاطفة - حسب علماء النفس - هى انفعال متكرر نحو شخص أو شئ أو قيمة... ومن كثرة تكراره يتثبت ويصير عاطفة.
فمثلاً يتعرف الإنسان بشخص ما لأول مرة... فيشعر نحوه بالقبول والارتياح... ويتكرر هذا الانفعال عدة مرات كلما ألتقى مع هذا الشخص... فيصير هذا الانفعال عاطفة حب لهذا الشخص.
ويمكن أن يحدث العكس... حينما يشعر الإنسان بانقباض أو عدم ارتياح نحو شخص آخر... ويتكرر هذا الانفعال فيتحول إلى عاطفة سلبية هى الكراهية (نتحدث هنا نفسياً لا روحياً بالطبع).
كذلك حينما ينفعل الإنسان بارتياح نحو شئ ما (كالصلاة أو الألحان أو التسبحة أو الخدمة)... فيحبها وتتحول عنده إلى عاطفة مستقرة.. وبالعكس إذا انفعل بعدم ارتياح نحو شئ آخر (كالمال أو الأفلام الرديئة) فلا يحبها، بل بالحرى يرفضها.
ونفس الأمر فى مجال القيم... فيحب الإنسان الطهارة والشجاعة والوداعة.. ويكره النجاسة والتهور والعنف... الخ.وهكذا تصير العاطفة (سلباً وإيجاباً) نتيجة لانفعال متكرر، نحو شخص، أو شئ، أو قيمة... يثبت فيتحول إلى عاطفة.
2- موقع العاطفة فى الكيان الإنسانى
العاطفة جزء من الجهاز النفسى للإنسان، فإذا ما قلنا أن الإنسان يتكون من:
1- روح... تتصل بالله وبالإيمانيات والسماويات
2- وعقل... يفكر ويدرس ويحلل ويستنتج
3- ونفس... تحس وتشعر وتحب وتكره
4-وجسد... يسعى ويتحرك على
تقع العاطفة فى نطاق النفس.. فالجهاز النفسى فى الإنسان فيه خمسة مكونات أساسية هى:
1-الغرائز (أو الدوافع)... كالجوع والعطش والجنس وحب الاستطلاع والأبوة والأمومة وحب الاقتناء وحب الحياة... الخ
2-الحاجات النفسية... كالحاجة إلى الأمن، والحب، التقدير، والانتماء، والتفرد، والمرجعية
3-العواطف... أى المشاعر التى نكتسبها نحو أشخاص أو أشياء أو قيم
4-العادات... التى تتكون لدينا بفعل التكرار، سواء العادات السلبية أو الإيجابية
5-الاتجاهات... أى الخطوط الرئيسية التى يتبناها الإنسان فى حياته، وتكون سائدة على تصرفاته... فواحد يحب الله والكنيسة والخدمة، وآخر - للأسف - يحب المال والمقتنيات... الخ.
العاطفة إذن هى جزء من الجهاز النفسى للإنسان، وهى لا تصلح - وحدها - لقيادة الإنسان، بل الإنسان الحكيم، وبخاصة الإنسان الروحى، هو من "روحه تقود جسده، والروح القدس يقود روحه" كما علمنا مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث.
إذن... كيف أقود عواطفى؟
3- كيف أقود عواطفى؟
الإنسان الروحى عنده ضوابط ثلاثة غاية فى الأهمية، من خلالها يقود عواطفه، لتسير فى الخط السليم الروحى البناء، فكثيراً ما قادت العاطفة الإنسان فى طريق هادم ومدمر، حينما سلم قيادته للمشاعر، وربما للأمور الحسية، كما يحدث فى علاقات الشباب مثلاً التى تقودهم أحياناً إلى الخطية، وربما إلى ترك المسيح... أو فى محبة المال والعالم.. حتى أن ديماس ترك المسيح وبولس، لأنه أحب العالم الحاضر..
والضوابط الثلاثة للعاطفة هى:
1-العقل: أعطاه الله للإنسان لكى يدرس الأمور، ويوازن فيما بينها، ليختار الأصلح. وكمثال: هل يوافق العقل أن يرتبط الإنسان بعاطفة مع آخر خارج الحظيرة، أو إنسان غير روحى يمكن أن يدمر روحياته؟! ومثال آخر: هل من السليم حدوث ارتباط عاطفى بين شاب وشابة فى سن مبكر، وهما بعد فى "المرحلة الجنسية الشاملة" قبل أن يدخلا إلى "المرحلة الجنسية الأحادية" والتى فيها يمكن للإنسان أن يكون فى استقرار نفسى جيد، يسمح له باختيار شريك الحياة؟ ومثال ثالث: عند اختيار شريك الحياة، هل هنالك توافق روحى واجتماعى وثقافى وتربوى، أم أن هناك مجرد عاطفة؟ وهكذا
2-الروح: بمعنى أن من يشعر بعاطفة معينة نحو شخص، أو شئ، أو قيمة، عليه – مع الدراسة العقلية – أن يصلى ويسترشد برأى أبيه الروحى، هل هو يسير فى الطريق السليم أم لا؟ إن الزوجة الصالحة هى من عند الرب، لذلك فالشاب المسيحى الروحانى عليه أن يصلى كثيراً، ومن أعماق قلبه، لكى يعطيه الرب الإرشاد المناسب والاستنارة الجيدة، ليعرف مشيئة الله فى كل أمر، مستعيناً فى ذلك بأمرين: الصلاة الحارة وإرشاد أب الاعتراف.
3-الروح القدس: وقد ذكرنا ذلك أخيراً لأنه الضمان النهائى، بل الضمان اللانهائى، فى حياة الإنسان وقراراته. إن عقل الإنسان محدود، ومن الممكن أن يخطئ، وهو لا يستطيع أن يعرف الأعماق، ولا المستقبل... لذلك يمكن أن تكون قراراته خاطئة. وروح الإنسان محدودة، ويمكن أن تتلوث أو تتوه أو تخطئ... لذلك فالضمان الأكيد والفريد هو عمل روح الله، وقيادته المضمونة... والإنسان الذى يريد أن يقود عواطفه حسناً عليه أن يرجع إلى الله، فى الكتاب المقدس، وفى الصلاة، وفى الارشاد الروحى، وفى المثابرة على الاستنارة المسيحية من خلال الاجتماعات والقراءات... وبعد كل ذلك يجب أن يسلم قيادة نفسه وعواطفه وأفكاره للسيد المسيح، طالباً منه أن يكون القائد الوحيد لسفينة حياته. وهكذا يسلِّم الإنسان إرادته بإرادته لله، تتحد إرادة الإنسان بإرادة الله، ويضمن الإنسان سلامة مسيرته.. "سلمنا فصرنا نحمل" (أع 15:27).
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
25 يوليو 2022
التعبير
شفتاك يا عروس تقطران شهداً...
" أعطيتنى موهبة النطق........ "(القديس غريغوريوس – القداس)
موهبة النطق موهبة حظى بها الإنسان وحده من بين جميع خلائق الله ومخلوقاته، حيث لا تستطيع الأحياء الأخرى التعبير والتفاهم بالكلمات، بل بالحركات والإيماءات الغريزية المحدودة .. وأقصى ما بلغته هو التقليد أو ترديد بعض كلمات أو عبارات - مثل الببغاء - وبالطبع دون أن يدرك هذا الطائر معنى ما يردده وأما الإنسان يقال عنه " حيوان ناطق " وهو وصف قاسٍ، ولكن القصد منه أنه رغم اشتراكه مع الكائنات الأخرى فى الكثير من الصفات، إلا أنه يتميز عليها بالقدرة على التفكير والتعبير والتقرير.. وهناك مئات اللغات ومنها تتفرع آلاف اللهجات. ومن الناس من هو شاعر ومنهم من هو أديب ومنهم المتكلم.. أما الأخير فهو الذى يحسن الكلام وتنميقه حتى يصبح ذلك مهنته، وأما الشاعر فهو الذى يجعل الكلمات ترقص وتغنى وتطرب.. مثله في ذلك مثل الموسيقي الذى يجعل نغماته تشنف الآذان. وأما الأديب فهو الذى يحّول المشاهد والمشاعر إلى كلمات تقرأها، فتشاهد وتشعر وتتفاعل وأنت جالس فى مكان القراءة !!.. وكلا الاثنين (الأديب والشاعر) يرسمان بالكلمات لوحات يتراوح جمالها فى قيمته بحسب إبداع كل منهما، وأتذكر أن أحد الشعراء كتب قصيدة وقدمها إلى مطرب ليغنيها ولكن الأخير اعترض على كلمة فيها وطلب استبدالها، أمّا الشاعر فرفض بشدة واحتج فى ذلك بقوله أن القصيدة مثل اللوحة كيف يطلب مني المتفرج أو المشترى أن اُغير أنفها أو عينيها مثلاً !!..
وعندنا أيضاً شخصاً يدعى الدبلوماسى ويوصف بأنه يتكلم كثيراً ولا يقول شيئاً !!، ويقصد بذلك حسن الكلام وتنميقه، دون أن يصرح بشىء أو يعد بشيء، ويقابل النوع الدبلوماسى.. النوع الناقد، وهو على نوعين ناقد للبنيان وهذا يتوخى الموضوعية والتأدّب فى التعبير، ونوع يفتقر إلى اللياقة والكياسة، مثل الشاعر الذى اعتاد أن يهجو الوالى أو الأمير ونظراً لخطورة الكلمة المكتوبة وأهميتها وتأثيرها، فإنه يجب توخى الحذر والدقة فى الإختيار، ومثلها الكلمة المنطوقة أيضاً وهو ما يسمى اصطلاحاً بالمقال والُمقال .. فكلاهما لا يمكن استعادته، وجدير بالذكر هنا أن ما يفكر به الشخص قابل للتغير إذ يمكن تغيير الفكر، فإذا قاله يمكن مراجعته بالنقاش، فإذا كتبه يمكن الرد عليه، فإذا نوقش وأصر على رأيه فهذا هو إيمانه وهذه مبادئه وعقيدته.. وهذا كان يحدد الشخص الهرطوقى من ذاك الذى إنزلق ببساطة فى رأى خاطىء والكلمة قد تجرح وقد تزعج.. وقد تشفى.. وقد تحوّل مسار حياة.. وأتذكر أن أنطيوخس أبيفانيوس هاجم مصر فى القرن الثانى قبل الميلاد وكانت روما حليفاً لمصر آنئذ فأرسلت إليه مندوبها "مميوس"، والذى طلب إليه أن يغادر مصر أو يدخل فى حرب مع روما، ولما طلب مهلة ليقرر، قام المندوب برسم دائرة بعصاته حول أنطيوخس وهو واقف وأمره بأن يعلن قراره قبل الخروج من الدائرة.. كان القرار نعم أو لا وكلاهما كلمة يتوقف عليها مصير شعب وحياة عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من الناس إلى جوار نتائج أخرى كثيرة مترتبة على القرار.. كما خلد الكثيرين بسبب كلمة أو عبارة نطق بها أحدهم إبان حياته.. وقد لا نذكر لهم سوى تلك الكلمة، مثلما ’ينسب شخص إلى قصيدة.. فيقال " شاعر قصيدة كذا .. "هناك أشخاص تحب أن تسمعهم وهم يتكلمون، سواء أكانوا يرتجلون أو يقرأون.. أو يتحدثون، وكما قيل عن البعض أن خطهم مثل سلاسل الذهب يمكن أن يقال عن بعض المتكلمين أن حديثهم مثل عناقيد الياقوت والأحجار الكريمة.. تود ألا ينتهى حديثه، حقاً يقول السيد المسيح عن الكنيسة ممتدحاًَ تعاليمها " شفتاك ياعروس تقطران شهداً". أتذكر أيضاً فى هذا السياق أن شيخ الأزهر السابق كان فى زيارة لإنجلترا، وهناك استمع إلى خطاب لمارجريت تاتشر رئيسة الوزراء السابقة، يقول أنه ’أعجب كثيراً بطريقتها فى الكلام ولغتها الواضحة ونطقها الذى جعل الكلام مترجماً، وأصر من ثمّ على الحصول على تسجيل لهذه الكلمة وأرسل من خلال زوجته ليحصل عليها وجاءته نسخة فى خلال ساعات عندنا مشكلة فى القراءات الكنسية، فالقارىء أحياناً يقرأ إلى الداخل ! وأخر تتزحلق كلماته من على أذنيك دون أن تستقر فيهما، وثالث لا يفصل بين عبارة وأخرى وربما بين كلمة وأخرى وكأنّ الحروف متصلة لمسافة سطر أو سطرين كاملين، وآخر يخلط بين " الكاف والقاف " و " التاء والطاء " و " الدال والضاد " و " السين والصاد والثاء " فلا تعرف إن كان يقصد (الإحتكار أم الإحتقار) أو (الضَرر أم الُدرر) أو (القلب أم الكلب) .. الخ. ويستحسن المستمع والحال هكذا أن يكتب له المتكلم ما يريد لكى يدرك قصده. وفى هذا الإطار هناك فى الوسط الكنسى مئات التعليقات الطريفة وغير الطريفة على قراءات البعض فى القطماروس، إذ تتحول بعض الكلمات إلى إهانات وشتائم والأرقام إلى كلمات والعكس، أو إلى ما لا معنى له.. وهكذا.. والبعض تضيع منه علامات الترقيم، وآخر لا يعرف أين ينهى الجملة.. ومتى يلتقط أنفاسه، ناهيك عن قواعد النحو والصرف الذى يفتقر إليه الأكثرين الذين أولهم أنا قرأت عن أحد الولاة الذين أصدروا حكماً بالإعدام بحق شخص ما، وقبل تنفيذ الحكم توسط البعض عنه لدى الوالى والذى قبل وساطتهم واستكتب كاتبه أمراً بالإعفاء عن المتهم، فأملاه قائلاً: (إعدام لا. براءة) وما أن وصل المكتوب إلى الجلاد حتى نفذ حكم الموت فى المتهم فى الحال، والسبب ببساطة أن الكاتب كتب (إعدام. لا براءة) ولم يتوخى الدقة فحرك النقطة عن موضعها قليلاً، فجاء الأمر بتأكيد الحكم وعدم البراءة بدلاً من إلغاء الحكم ومنح البراءة.. وهكذا تسببت نقطة صغيرة فى غير موضعها فى أن يفقد شخص ما حياته !!.كذلك أرسل أحد الولاة إلى حاكم مدينة يطلب منه أن يحصى الرجال لديه (من سن 16 إلى 40 ) فإذا بالحاكم يقوم بإخصاء المطلوبين لأن المكتوب الذى وصله أُستبدل فيه حرف الحاء بحرف الخاء ، لقد كان غرض الوالى هو عمل تعبئة عامة استعداداً للحرب، بينما أساء الحاكم الفهم مثلما افتقر كاتب الوالى إلى الدقة فى الكتابة بعد أن قرأت هاتين القصتين أدركت لماذا تكتب الأم أحياناً ورقة لصغيرها وتطويها وتضعها فى قبضته الصغيرة ليوصلها إلى جهة ما وذلك لضمان النتائج"كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند ابي الانوار"(يعقوب 1 : 17)
نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
24 يوليو 2022
التقليد هو تسليم الكنيسه من المسيح
إنجيل اليوم هو عن عمل ربنا يسوع المسيح وكيف بارك الخمس خبزات والسمكتين، والتي بهم أشبع كل الجموع.وتختار الكنيسة هذا الفصل اليوم، لتعلمنا بتفصيل مهم في هذة المعجزة، وهو إن ربنا يسوع المسيح لم يعطي بنفسه هذة البركة، ولكنه هو الذي اعطي للتلاميذ والرسل أن يُعطوا للآخرين، وهذا ما تؤكده القراءات، فيقول في البولس "إن كان أحد يُعلم تعليماً آخر ولا يقبل كلمات يسوع المسيح، والتعليم الذي للتقوي، فقد تصلف" التعليم التي يعلمها بولس الرسول هي تعاليم السيد المسيح نفسه، ولس لأحد الحق تحت أي مسمي وبأي صورة وتحت أي رتبة أن يٌعلم تعليماً خاصاً، هذا ليس لأن الكنيسة لا تمنح حرية التفكير، ولكن لأن الإيمان مسلم هي كنيسة واحدة، لها تعليم محدد، وإيمان محدد، وتقليد واحد.
تصلف: بمعني أنه صار يتكلم بما لا يُدرك.
ويقول في الكاثوليكون: "لاتكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي".وفي الإبركسيس: يتكلم عن عمل الكنيسة وسط اليهود، وأنهم قدموا المسيح للعالم كله، وكرز بولس الرسول في العالم المتحضر، وقدم التعليم الذي استلمه من المسيح..هذا ما ندافع عنه "التقليد المسلم" يقول بولس الرسول: "ما تسلمته مني بشهود كثيرين، أودعه أنت أناس أمناء، ليكونوا أكفاء أن يسلموا أخرين".
هذة هي الكنيسة:
ما سمعته مني: عصر الرسل.
بشهود كثيرين: الأباء المعاصرين لعصر الرسل.
أودعه أنت: تلاميذ الرسل (الآباء الرسوليين).
أناس أمناء يكونوا أكفاء: الجيل الذي بعد الآباء الرسوليين، وأغلبهم كانوا أباء مدافعين أو شهداء.
أن يسلموا أخرين: جيل المجامع هذة الآية تلخص فكرة التقليد وكيف وصل إلينا، التعليم من المسيح نفسه الذي قال " اذهبوا تلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس، وعلموها أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" قد حمل الآباء الرسل تعليماً واحداً قدموه لكل الكنائس، وأوصوا أن يحفظ الجميع هذا التعليم يقول المؤرخ روفينوس "يروي لنا أجدادنا أن الروح القدس بعد صعود السيد المسيح، ولما استقر علي كل واحد منهم بهيئة ألسنة نار، تلقوا أمراً من السيد المسيح بأن يتفرقوا ويذهبوا إلي جميع الأمم، ليبشروا بكلمة الله، وقبل أن يغادروا وضعوا معاً قاعدة للبشارة، التي ينبغي أن يعلنوها حتي إذ ما تفرقوا لا يكون عليهم خطر، أن يعلموا تعليماً مختلفاً للذين يجذبونهم إلي الإيمان المسيحي" كل ما هو مسلم له توثيق في الكتاب المقدس، أما ما تعلمناه ليس فقط ما هو مكتوب، لأن التقليد الكنسي يشمل أيضاً ما صار معاشاً وغير مكتوب، لذلك أسمه "التقليد"، مثل تقليد عيلة، ليس له وثيقة مكتوبة، ولكنه مُعاش. فالقداسات في كل كنائس العالم من أيام بولس الرسول، ولمارمرقس ليتورجيا، ولماريعقوب ليتورجيا، لأن القداس تقليد شفوي.
وكان العالم كله يعتمد بثلاثة تغطيسات، ونرفض من يُعمد بالرش، فقد استلمناه تقليد.
في القرن الأول خرج الأباء الرسل يحملوا تقليد إيماني، وتقليد كنسي حياتي، استلمنا قداس، واستلمنا الكتب المقدسة أع3:1 "كان يظهر لهم أربعين يوماُ يتكلم عن الأمور المختصه بملكوت الله".1كو 23:11 "لأني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً أن الرب في الليلة التي اسلم فيها، أخذ خبزاً وكسر وشكر وقال لهم: خذوا كلوا هذا هو جسدي، كذلك الكأس الذي للعهد الجديد بدمي"
في قصة بولس الرسول ظهر له السيد المسيح وقال له: صعب عليك أن ترفس مناخس، فقال له: ماذا أفعل يارب؟، فقال له: أذهب إلي دمشق إلي حنانيا وهناك يقال لك ما ينبغي أن تفعله".
لأبد أن يستلم تعليم ..وهذة هي الكنيسة تسلمت من الرب: أننا نؤمن أن الكنيسة تحمل كل ما هو إيماني وحياة استلمناه من المسيح نفسه.يقول جيروم "إن قانون إيماننا وحياتنا نقله لنا الرسل"
وقد نقله الأباء الرسل بالأربع أناجيل والرسائل وسفر الرؤيا، ونقلوه أيضاً بالكرازة بكنيسة أسسوها، وسلموا ما تسلموه حياتياً شفهي أو مكتوب يقول بولس الرسول لتلميذه تيطس "من أجل هذا تركتك في كيريت لكي تقيم قسوساً" يقول مارأغناطيوس "المسيحيون حاملي الإله، حاملي المسيح، حاملي الهيكل، لا يُري المسيحي فردياً بل في إتحاد مع جمهور، وفي ممارسة أسرار الكنيسة" لا يمكن أبداً لأي مسيحي أن يكون له علاقة شخصية بالمسيح دون أسرار كنسية يو 12:16 يقول: "لي أمور كثيرة لأقول لكم، ولكن لا يستطيعوا أن تحتملوا الآن، أما متي جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلي جميع الحق"يعطي الآباء الرسل إرشاد للحياة المسيحية "لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتيه" لا يوجد عمل لأي أقنوم دون الأقانيم الأخري، ما يتكلم به الروح القدس هو ما صنعه المسيح خلاصياً، وهو ما دبره الآب لخلاصنا أيضاً.اعطي السيد المسيح كل النعم للكنيسة، التي يحملها الآباء الرسل، لذلك في معجزة الخمس خبزات والسمكتين، اخذ التلاميذ من يده، واعطوا الجموع.كانت الكنيسة تحفظ تعاليم المسيح بصورة محددة وقوية جداً.يو 25:21 "أشياء كثيرة صنعها يسوع، لو كتبت واحدة واحدة، لا أظن أن العالم نفسه يسع الكتب، أما ما كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو إبن الله".بقية المسيحية هي كنيسة، هي العمل الذي استلمناه.أع 27:15 "أرسلنا يهوذا وسيلا يخبرانكم بنفس الأمور شفاهاً"1يو 3:1 "الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به".
1كو 34:11 "أما الأمور الباقية عندما أجي أرتبها"عاشت الكنيسة وستعيش بهذا الإيمان المسلم مرة للقديسين.1تس5:2 "اثبتوا إذاً أيها الأخوة وتمسكوا بالتعليم الذي تعلمتوه سواء بكلام أو برسلاتنا" حينما نتكلم عن التقليد الكنسي، فإننا نتكلم عن تقليد محدد.2تيمو 6:3 "أوصيكم أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم المسلم منا".يقول القديس أكليمندس:
"لقد حافظ هؤلاء الأشخاص علي التقليد المسلم مباشرة من الرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا، كما كان الإبن يتسلم من أبيه".يقول القديس أغسطينوس:" كل التقليد الذي في الكنائس مستلم من الرسل".ويقول ذهبي الفم "الرسل لم يكتبوا كل شئ في رسائلهم، ولكن علموا أمور أخري غير مكتوبة"إن ضاع الكتاب المقدس المكتوب، يمكننا أن نجمعه من أقوال الآباء في القرن الثاني.
يقول القديس باسيلوس الكبير "إذا حاولنا أن نحذف التقليد غير المكتوب، نجعل الإنجيل بدون مُسمي".يقول القديس إيرينؤس:"الكنيسة مبعثرة في كل أرجاء المسكونة، ولكن لها إيمان واحد، سُلم من الرسل، ثم إلي تلاميذ الرسل، وعل الرغم من أختلاف البشر واللغات والأماكن، إلا أن جوهر التقليد واحد في كل مكان".إيرينؤس وهيبوليتوس هم من سجلوا التقليد الكنسي، فقد استلمت الكنيسة أناجيل ورسائل، وأسرار وطقوس، وصورة مسيحية، هذا هو التقليد المسلم.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين.
القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
23 يوليو 2022
عمل الخير
علينا أن نعمل الخير في محبة وتواضع وأنكار للذات ولا نكل أو نمل أو نتضجر بل نقتدى بمخلصنا الصالح الذى كان يجول يصنع خير وكما يوصينا الكتاب { لا نفشل في عمل الخير لاننا سنحصد في وقته ان كنا لا نكل} (غل 6 : 9). وثقوا أن عمل الخير لا يضيع أجره ابدا لا على الأرض ولا في السماء. بل حتى كأس الماء الذى نقدمه لنروي عطشان له أجر صالح {ومن سقى احد هؤلاء الصغار كاس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره}(مت 10 : 42).روى دوستويفسكى قصة إمرأة ماتت وذهبت إلى الجحيم . وفى تسأول طلبت من الله إن يعطيها سببا لماذا هى هناك ؟ وإذ سمع بطرس صرخات تظلمها تكلم إليها قائلا لها : إعطنى سببا واحدا لماذا ينبغى أن تكونى فى السماء . توقفت, راجعت, فكرت مليا, ثم قالت : يوما ما أعطيت جزرة لمتسول .تحقق بطرس من السجل ورأى أنها فعلت ذلك حقا, كانت جزرة قديمة, لكن مع ذلك فهى جادت بها. فأخبرها بطرس أن تنتظر ريثما يساعدها لتصعد, ثم أخذ سلكا طويل وربط إلى طرفه جزرة ودالها لها إلى الجحيم لتتمسك بها, فتعلقت بها وبدأ هو يسحبها .ورآها اخرون تختفى تدريجيا من وسطهم, فتمسكوا بكاحليها عساهم ينتقلون أيضا, وإذ استمر المزيد منهم بالتعلق, بدأ السلك بالهبوط فصرخت: " اتركونى, هذه جزرتى وليست جزرتكم" وحالما قالت ذلك انكسرت الجزرة . يا احبائى كلنا نحتاج لعمل الخير فى محبة لله والغير وبدون انانية مادام فى أمكاننا أن نعمله ونجذب الأخرين معنا لنجد داله امام الله ونجد نصيب مع القديسين. {فاذا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لاهل الايمان} (غل 6 : 10).
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
22 يوليو 2022
بلد الحـب
" أرني ( يا الله ) بلد الحب لأتكلم عنه كما يستطيع ضعفي . أفرخ فـي يـارب نعمتـك برحمتـك لأتكلم عنها . ألهب قلوب محبيك فيخرجون في طلبها " . ( الشيخ الروحاني )
إذا إن كـان أحـد في المسيح فهـو خليقـة جـديـدة : الأشياء العتيقـة قـد مضـت ، هـوذا الكـل قـد صـار جـديـداً . ولـكـن الكـل مـن اللـه الـذي صـالحنا لنفسه بيسوع المسيح ، وأعطانا خـدمـة المصالحة ، أي إن اللـه كـان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه ، غير حاسـب لهـم خطاياهم ، وواضعاً فينـا كلمـة المصالحة . إذا نسعى كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا . نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله لأنه جعـل الـذي لـم يـعـرف خطيـة ، خطيـة لأجلنـا ، لنصير نحـن بـر اللـه فيه " ( ٢ كوه : ١٧ - ٢١ ) . في بداية رحلتك معي عزيزي القارئ خلال هذا الكتاب ، أود أن نتعـرف سوياً على مجموعـة مـن المبادئ الروحية الهامـة ... ولتعتبرهـا يـا صـديقي إرشادات الطريق في مسيرتك الروحية هيا سوياً لنخطو خطوتنا الأولى .
أولا : ما هي الحياة الروحية بلد الحب :
الحياة الروحية هي الإطار الـذي يجمع ثلاثـة محـاور هامـة : النعمـة وعملها ، الإنسان بتوازنه ، وأخيراً الكنيسة وأسـرارهـا .
1- النعمة وعملها:-
عمل النعمة ، هو عمل دائم ومستمر ولا ينقطع ، ويظهـر عمـل النعمـة كلما كانت حياة الإنسان مملوءة ثمـراً ... وهناك قاعـدة روحيـة هامـة أود أن أوضحها لك ، وهي أن الله لا يريد من الإنسان سوى إرادته لتعمل نعمته فيه . وعمل النعمة بدوره يقود الإنسان لاختبار هام في الحياة الروحية وهـو معية المسيح . معي تأمل يا عزيزي ترتيلـة داود النبي : " إذا سرت في وادي ظل المـوت لا أخاف شرا ، لأنك أنت معي " ( مز ٢٣ : ٤ ) ، فعبارة " أنـت معـي " تعكـس شـعوراً داخلياً وإحساساً حقيقياً بوجود الله وعمل نعمته ... بل أن هذا الشعور هو قمة عمل النعمة .
2- الإنسان بتوازنه :-
خلق الله للإنسان عقلاً وروحاً وجعله : عاقلاً ... عاملاً ... عابـداً ... ولكـن تـذكر يا صديقي أن التوازن هو الركيزة الأساسية لنجـاح هـذه المنظومة . أتسألني كيف يكون هذا التوازن ؟ ... أجيبك أن التوازن في حياة الإنسان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشبع الروحي ، فالعقل يتغذى بأعمال القراءة والمعرفة ، والروح تسمو بالعمل الروحي والشبع الشخصي بالمسيح . ولكي يتحقق هذا الشبع الروحي لا بد أن تكون للحياة الروحيـة قـوانين تنظمها ، فالحياة الروحية شيء محدد ، ولها شكل ونمو ومراحل وتدرج . بقي لنا المحور الثالث والأخير ، ألا وهو :
3- الكنيسة بأسرارها :-
وهذه الأسرار توضع في ثلاث مجموعات رئيسية : أسرار لا تمارس إلا مرة واحدة : سـر المعمودية والميرون . أسـرار دائمة التكرار : سر الاعتراف والتناول ومسحة المرضى . أسـرار قد تمارس وقد لا تمارس : سر الزيجة والكهنوت . لك أن تعتبر أن الأسـرار الكنسية هي بمثابة حلقـة الربط بين عمـل النعمة والتوازن الإنساني ... والتي بدورها تقود إلى العمق في الحياة الروحية .
أتسألني الآن : كيف أنمو في حياتي الروحية ؟
أود أن تعـي جيـداً أن النمـو الروحـي لـه عـدة قـوانين تنظمه وتضـمن تدرجه . إن إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه الإنسان المسيحي ، هـي عـدم الاستمرار قد تبدأ نظاماً روحيـاً بحماس شديد ، ولكـن بعـد فتـرة قصيـرة يتسلل الفتور إلى قلبك !! لكن القانون الروحي الذي يضمن الاستمرار هو : " قليل دائـم خير من كثير متقطع " . فالقليـل الـدائـم هـو الـذي يجعـل حياتنا مستمرة ، فالمسيح لا يطلب منا الكم Quantity بل يطلب الكيف Quality نعم ... إن المسيح يريد منك الاستمرارية حتى ولو كانت آيـة واحـدة أو مزمور ، فالاستمرار هو الذي يعطي انطباعاً أنـك شخص ذو قلـب مستعد لسكنى المسيح فيه . أتذكر المرأة التي أعطت الفلسين ؟ قال عنها السيد المسيح ، انظروا كيف أعطت ؟ . بمعنى أنه نظر إلى الكيف وليس الكم فعلى الأقل في كـل يـوم ، اهـتم أن يكون هناك فقرة أو آية في الإنجيـل تقوم بقراءتها مع وقفة صلاة ، وليكن هذا أقل شيء ... لكـن كـن دائـم التطلع أيضاً نحو النمو والتدرج في حياتك الروحية . هذا عن الاستمرارية والتدرج ، أما عن الاعتدال يقول الآباء الذين اختبــروا الحياة الروحية : " الطريق الوسطى خلصت كثيرين " ، وإذا أردنا أن نعرف كلمـة " الاعتدال " يمكننا القـول : أنـه عـدم التطرف يميناً أو شـمالاً ، أو عـدم المبالغة ، أو هو التوازن . أيتبادر إلى ذهنك كيف أحقق الاعتدال في حياتي الروحية ؟ أُجيبك : يا عزيزي أن للحياة الروحية ثلاثة أعمدة رئيسية وهي : " أب روحي ... قانون روحي ... وسط روحي . فمن الخطأ أن يظن الإنسان أنه يستطيع أن يقـود نفسه بنفسه ، مهـما كانـت مكانتـه أو قامتـه الروحيـة كبيرة ، فالكنيسـة قائمـة عـلى الخضـوع . الأب البطريرك يخضع لمجمع الأساقفة ، والمجمع بدوره يخضع للأب البطريرك ، وهناك آباء كهنة وشمامسة والجميع تحت خضوع ، فليحـذر كـل مـن يظـن في نفسه ، أنه أصبح مدركاً لكل شيء ، ويدرك كل الأمور . الخضوع يا صديقي هو صمام الأمان في الحياة الروحية .. إنـه الضـمان الوحيد ، أن يحيا الإنسان تلميذاً في مدرسة التواضع . بقي لنا أن نتأمل سوياً في الحياة الروحية والتطبيق العملي . هناك ثلاثة تطبيقات ، تضعنا في دائرة الحياة الروحية عملياً .
قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨
عن كتاب خطوات
المزيد