المقالات
08 أبريل 2023
سبت لعازر
قضى يسوع هذا اليوم فى بيت عنيا، وهى بلدة صغيرة قريبة من أورشليم فى بيت مريم ومرثا وأخيهما لعازر الذى سبق أن أقامه يسوع من الموت.
وكانت مرثا تخدم وكان لعازر من بين الجالسين إلى المائدة.وأخذت مريم منا، من طيب ناردين غالى الثمن، وسكبته على رأس يسوع وعلى قدميه، ومسحت قدميه بشعرها.أثار يهوذا الأسخريوطى تذمرا، إذ تظاهر بتعاطفه مع الفقراء، ويوضح لنا القديس يوحنا الأنجيلى أنه " قال هذا لا لأنه كان يهتم بالفقراء، وإنما لأنه كان سارقا، وقد كان كيس النقود معه، فكان يستولى على ما فيه "
· طلب السيد المسيح من الحاضرين عدم ازعاج المرأة، وأنبأ أنه لن يكون هناك وقت لتطييب جسده أثناء تكفينه قبل دفنه: " وهى إذ سكبت هذا الطيب على جسدى إنما فعلت ذلك لتكفينى " – وكذلك أنبأ عن انتشار الأنجيل: " الحق أقول لكم إنه حيثما يبشر بهذا الأنجيل فى العالم كله سيذكر أيضا ما فعلته هذه المرأة تذكارا لها ".وقد أخذت الكنيسة المقدسة بهذا التوجيه فنجد فى القداس الإلهى فى صلاة مجمع القديسين: " لأن هذا يارب هو أمر ابنك الوحيد أن نشترك فى تذكار قديسيك.. " مشيرة فى ذلك إلى القول السابق للسيد المسيح.القديسان متى ومرقس اقتصرا على أن ذلك حدث فى بيت عنيا، ولكن القديس يوحنا صرح أنه كان ذلك قبل الفصح بستة أيام أى ليلة الأحد بعد نهاية السبت (يو 12: 2).وهناك رأى بأن حادثة سكب الطيب قد تكررت مرة أخرى ليلة الأربعاء كما ورد فى انجيل القديس متى وانجيل القديس مرقس.ولعل تكرار استعمال الطيب هذا الأسبوع كان إشارة لتكفين وتطييب جسد ربنا يسوع الذى أوشك على الموت موت الصليب بعد أيام قليلة.أما الحادثة التى ذكرها القديس لوقا فقد حدثت من قبل هذا بثلاث سنوات فى مدينة نايين بالجليل، فى بيت سمعان الفريسى، وقد قامت بسكب الطيب أمرأة خاطئة، فكانت مشاعرها مشاعر توبة وندم.. انظر (متى 26: 6 – 13)، (مرقس 14: 3 – 9)، (يوحنا 12: 2 – 11).يقول المتنيح القمص بيشوى كامل إن أحداث الأسبوع الأخير مشحونة بمشاعر حب الله لنا إلى المنتهى،.. بدأ الوحى الإلهى بإبدال لغة الكلام بلغة الطيب:الطيب يفوح وينتشر بسرعة ويحمل معه نشوة رقيقة،.. لقد سكب الرب ذاته.. وكسر جسده وأعطاه لتلاميذه..سكب ذاته.. فوضع نفسه عند أرجل تلاميذه ليغسلها!!!
وسكب حبه.. حتى مع الخائن أعطاه اللقمة!!!
وعلى الصليب سكب ذاته من أجل الذين عروه، وطعنوه، وبصقوا فى وجهه، وجلدوه.. من أجلهم مات ومن أجلهم طلب الغفران.خدمة الطيب خدمة حب: فلنحب يا أخوتى الله من كل القلب..ولنحب إخوتنا فى البشر من قلب طاهر بشدة، ونعمل كل أعمالنا بمحبة للمسيح.خدمة الطيب خدمة صلاة هادئة: انها خدمة مشاعر وليست خدمة كلام، إنها خدمة صامتة، إنها صلاة مخدع هادئة بعيدة عن ضوضاء أورشليم، إنها خدمة فقير، أو كأس ماء بارد.خدمة الطيب خدمة انسحاق واحساس بالدين: المرأة الخاطئة التى سكبت الطيب عند قدمى يسوع، خدمة انسانة مديونة للمسيح بخلاصها.. ان خدمة الطيب تكشف لنا أن التوبة تتم عند أقدام المسيح، بروح الأنسحاق والأحساس بالدين وبدموع غزيرة.خدمة الطيب تكشف عن قيمة الرب فى حياتنا: إن قيمة السيد المسيح عند يهوذا وصلت إلى 30 من الفضة!! أما عند المرأة فكانت تساوى كل ما عندها.. حتى ال 300 دينار، والعجيب أن الحادثتين تمتا فى نفس اللحظة. إن حبنا ليسوع يتضح فى مقدار تضحيتنا – وفى مقدار ما نبذل أو نخسر من أجل يسوع ووصيته..خدمة الطيب خدمة تكفين للرب: ستبقى هذه الرائحة عالقة بجسد الرب، كخدمة نيقوديموس ويوسف الرامى.. خدمة النفوس التى أحبت أن تشارك الرب فى الآمه عوضا عن التلاميذ الذين ناموا..أو هربوا.. أو أنكروا.. لذلك ياأخوتى بقدر ما يكثر الشر من حولنا – حتى فى وسط أولاد الله – بقدر ما يجب أن نكثر من سكب الطيب.خدمة الطيب خدمة باقية تتحدى الموت: التلاميذ هربوا عند الصليب، ويوحنا أكمل عند الجلجثة، أما المرأة التى سكبت الطيب فلازمت الرب عند الصليب وذهبت معه إلى القبر، وفى فجر الأحد والظلام باق أخذت طيبها ومشاعرها لتضعه على القبر – وكلها رجاء فى الذى يدحرج لها الحجر. الذين خدموا خدمة العبادة والحب والأنسحاق وصل رجاءهم إلى ما بعد الموت.. إلى الحياة الأخرى خدمة الطيب ليست اتلافا: ليست الصلاة أقل من بناء المؤسسات العظيمة، وليست خدمة الفقراء أقل من بناء الكاتدرائيات..إن خدمة انطونيوس وبولا ومقاريوس أبقى للكنيسة من كاتدرائيات الأباطرة العظماء، ليست الرهبنة اتلافا، وليست خدمة الصلاة فى مدارس الأحد أقل من خدمة الوعظ بل أهم.خدمة الصلاة ليست اتلافا.. كثرة القداسات ليست اتلافا، الخدمة الأجتماعية اليوم تغزو الكنيسة بدعوى أن كثرة الصلاة اتلاف، ونحن فى حاجة للعمل، والحقيقة أن العمل الخالى من الصلاة يكون مشحونا بالأنانية والذاتية ويصبح ليس اتلافا بل وبالا على الكنيسة.
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد
16 يناير 2023
عماد السيد المسيح ووليمة العرس الأبدي
منذ سقوط آدم وحواء في العصيان يسيطر على الإنسان الشعور بأن الله ساكن في سماواته وسط عظمته وجبروته وأمجاده يترقب أخطاء البشر ليعاقبهم ، فهو القدوس الذي لا يطيق ضعف البشر سكان الأرض الذين يعجزون عن التخلص من شهوات الجسد وفساد العواطف وانحلال الحواس ! لذلك كان كل ما يشغل البشر أن يلطفوا من الغضب الإلهي ، حتى لا ينتقم منهم . وقد جاءت إعلانات الله ونواميسه تؤكد شوق الله إليهم ، ورغبته في الالتصاق بهم وشركتهم معه . فهو لا يعتزل عنهم في سماواته ، بل ينزل إليهم ويبحث عنهم ليضمهم إليه . يرى القديس مار يعقوب السروجي في ميمره " في حلول الرب على جبل سيناء والرمز إلى الكنيسة " أن الرب دعا موسى النبي ليعلن له أنه يريد أن يخطب الشعب لنفسه ، فتكون له العروس المقدسة . قدم لها الوصايا العشر كجواهر تتزين بها العروس . لكنها للأسف فضلت عنه العجل الذهبي عريسا لها . فقد قال عنهم : زاغوا سريعا عن الطريق الذي أوصيتهم به ، صنعوا لهم عجلاً مسبوكا وسجدوا له وذبحوا له ، وقالوا : هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر ( خر ۳۲ : ۸ ) . الآن قد جاء كلمة الله متجسدا ، نزل إلى الأرض كمن جاء إلى بيت الخطيبة ، يطلب يدها بنفسه ويقدسها ويجملها ، ليحملها إلى سماواته أي حجاله ، تشاركه أمجاده . في ميامره على عماد السيد المسيح والمعمودية المقدسة أبرز القديس مار يعقوب السروجي الآتي :-
۱- نزل الرب نور العالم إلى أرضنا لكي ينير الخلائق ( البشر ) ويجددها . وقد مر في مراحل العمر البشري مثل كل إنسان : تمت المرحلة الأولى في أحشاء مریم البتول بالولادة ، والمرحلة الثانية تمت حين عمده يوحنا في نهر الأردن .
٢- لم ير يوحنا المعمدان الابن إلى أن عمده ، حتى لا يقال إنه صديقه . وقد شهد بأنه حمل الله الحامل خطايا العالم .
٣- عمده يوحنا في صمت لئلا يعرفه الشيطان . لكن الآب تكلم ، قائلاً : هذا هو ابني حبيبي ، لتتعرف العروس على حقيقة عريسها ، مؤكذا لها لاهوت السيد المسيح . تكلم الآب شخصيا ، ولم يستعر صوت الملائكة أو الأصوات الطبيعية الأخرى ، كما في بقية ظهورات الرب .
٤- قدس المسيح المياه ، ولم تقدسه المعمودية مثل البشر . لم ينزل الروح القدس ليقدس الماء ، إنما نزل بعد أن اعتمد يسوع لنتمتع بظهور الثالوث القدوس وحبه العجيب للبشرية وخطته لنا على المستوى الأبدي .
ه . يتكلم القديس مار يعقوب السروجي عن المعموديات في الناموس التي لم تكن تعطي الروح ليحل ويسكن فينا .
٦. يقارن القديس مار يعقوب السروجي بين معموديات الناموس ومعمودية يوحنا ومعمودية المسيح التي هي المعمودية الحقيقية ، وقد جاءت المعموديات التي قبلها ترمز لها .
٧- كانت العروس تنتظر المسيح وتعرفت عليه بعد اعتماده ، وحالاً بدأ المسيح يحارب رئيس الهواء في القفر لحساب عروسه .
8- يقدم لنا القديس مار يعقوب السروجي حوارا جادا مع ابنة العبرانيين التي ستأخذ محلها الكنيسة بنت الشعوب .
٩- خطب المسيح الكنيسة ، وغسلها بالماء من درن عبادة الأصنام وألبسها حلة المجد في حضن المعمودية .
١٠- ظنت الكنيسة أن يوحنا المعمدان هو العريس ، فأوضح لها يوحنا بأنه مجرد الصوت الصارخ أمام العريس القادم الذي كان قبله ، ولا يستحق أن يحل سيور حذائه . وقد تعجب يوحنا ، لأنه وضع يده على اللهيب ولم يشتعل .
١١- علم السيد المسيح يوحنا أن يعمده في صمت . لم يدر باسم من يعمده ، هل باسم الآب ؟ فإنه معه ، أم باسم الروح القدس فهو يشهد له ؟
۱۲- تطالب الكنيسة داود وزكريا أن يفسرا لها نبوتيهما عن الابن الذي أشرق اسمه فارتج الأردن أمامه .
۱۳- انتهى كهنوت لاوي بيوحنا المعمدان ، وبدأ كهنوت العهد الجديد بعماد السيد المسيح . لم يضف الكهنوت اللاوي شيئا إلى طبيعة السيد المسيح .
١٤- طلبت الكنيسة من القديس مار يعقوب السروجي أن يؤلف ميمرا ، لذا لم يقدر أن يصمت ، لكنه يدعو إلى وليمة العروس ، ويستفسر قائلا : ما المعمودية وهو يعدد صفاتها مستنداً إلى العهدين القديم والجديد .
١٥- تجعلنا المعمودية أبناء الله الساكن في موضع لا يدنو منه الملائكة ولا البشر . صارت المعمودية أما هي لنا بدل حواء . ويدعو المعتمد الله أبا له وقد صار أخا للسيد المسيح . ١٦- يحسب القديس مار يعقوب السروجي أن ميمره عن المعمودية لحنا ينشده لانتصار الكنيسة .
١٧- يقدم لنا القديس في قصيدته " على عماد مخلصنا في نهر الأردن " اشتراك الكل في وليمة العرس العجيبة :-
أ- شق صوت الآب السماء وشهد له .
ب- تحرك الروح القدس بكونه إصبع الآب واستقر عليه حتى لا يظن أحد أن صوت الآب يخص آخر غير يسوع المسيح .
ج - قدمت الطبيعة غير العاقلة له تسبحة بلغتها . فالسحب تجمعت لتكون خدرًا للعريس ، والضباب تجمع ليصير كستائر لقصره الملكي عند صعوده من النهر . وأضاءت البروق على الأرض ، لأن شمس البر نزل إلى مياه الأردن ليقدسها .
د- التهبت المياه كما بنار الروح القدس لتعلن تقديس المعمودية عبر الأجيال القادمة .
ه- تناغمت دهشة الكنيسة مع دهشة السمائيين ، إذ طلب السيد من خادمه أن يضع يده على رأسه .
و - في صمت مع حيرة مد المعمدان يده وهو يراقب الطقس السماوي الفريد لعماد السيد المسيح .
ز - استدعت الكنيسة بعض أنبياء العهد القديم ليشرحوا لها ما سبق أن تنبأوا به عن هذا الحدث .
۱۸- بنزول السيد المسيح إلى الأردن ليعتمد أنهى سلطان الكهنوت اللاوي الذي سلمه لموسى على جبل سيناء ، وقدم الكهنوت الجديد لتلاميذه ورسله .
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مار جرجس بسبورتنج
عن كتاب من ميامر على عيد الغطاس المجيد ( الإبيفانيا أو الظهور الإلهي ) عيد الإبيفانيا عيد عماد السيد المسيح عند القديس مار يعقوب السروجي
المزيد
02 يناير 2023
أترى ماذا يكون هذا الصبي ( لو 1 : ٥٧-٨٠ )
في الثلاثة آحاد السابقة سمعنا عن صمت القديسة مريم وعن حوارها وعملها الكرازي ، أما وقد اقترب عيد ميلاد السيد المسيح ، فتقدم لنا الكنيسة ميلاد يوحنا المعمدان ، وقد سبق لنا الحديث عن عيد استشهاده في ميلاده يروي لنا القديس لوقا البشير أربعة أمور تمس علاقتنا بميلاد السيد المسيح ونمونا الروحي :
1- تسمية يوحنا [ 59-63 ] .
2- التساؤل : ماذا يكون هذا الصبي ؟ [ 66 ] .
3- تنبؤ زكريا عن الخلاص في بيت داود [ 67-79 ] .
4- كان الصبي ينمو ويتقوى بالروح [ ۸۰ ] .
1- تسمية يوحنا [ 59-63 ] . في يوم ختانه رفضت اليصابات تسميته " زكريا " باسم أبيه ، وقالت : " لا بل يسمى يوحنا " [ 60 ] . لم تذكر اليصابات أنها اتفقت مع رجلها على تسمية الابن ، لذلك تعجب الحاضرون عندما كتب على لوح أن اسمه يوحنا .فماذا وراء هذا الاسم الذي لم يتسم به أحد من عشيرتهما . إذ جاء هذا الطفل ليكون الصوت الصارخ في البرية ليعد الطريق للرب ، أراد الوالدين دون اتفاق سابق ألا يكون منتسبا للعشيرة ، بل ينتسب للرب الذي يعلن حنانه كحمل يحمل خطية العالم . هكذا يليق بإنسان الله ألا ينشغل بالزمنيات ، بل يضع نصب عينيه أن يتمم الرسالة التي وضعها الله له لبنيان ملكوته . في لقاء مع شيخ وزوجته ، سألتهما : ما هي رسالتكما ؟ في دهشة قال لي الشيخ : لم يرد هذا السؤال على ذهني مطلقا ، ولست أعرف ما هي رسالتي . طلبت منه أن يسأل الله في كل صلواته عن رسالته التي وضعها الله في خطته .
2- ماذا يكون هذا الصبي ؟ [ 66 ] . شعر جميع الجيران بأن يد الرب معه [ 66 ] ، وأن له رسالة فائقة لا يعرفها أحد . مسكين الإنسان الذي يكون كسمكة ميتة ليس لها طريق تسلكه ، بل تحركها أمواج البحر في اتجاهات متباينة . مع شعور المؤمن بضعفه يثق في عمل الله به وفيه ، فيقول مع الرسول : " أستطيع كل شيء في المسيح يسوع الذي يقويني " ( في 4 : 13 ) .
إنسان الله يضع أمام عينيه مركزه الجديد كابن الله يعتز بأبوة الله السماوي ، ويثق في تدبير الرب لكل حياته .
3- تنبؤ زكريا الكاهن عن الخلاص في بيت داود [ 67-79 ] . ما شغل قلب زكريا ليس أن الله نزع العار عن الأسرة ، إذ صار لها ابن يستلم منه الكهنوت ، ولا ماذا يقول الناس عنه ، إنما تذكر قول الملاك له : " ويكون لك فرح وابتهاج ، وكثيرون سيفرحون بولادته ، لأنه يكون عظيمًا أمام الرب ، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس ، ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم " ( لو 1 : ١٤-١٦ ) . تهلل الجنين يوحنا في بطن أمه ، وسكب فرحا وبهجة على أسرته ، وامتد الفرح إلى جيرانهم ، وسر به السمائيون إذ رأوه أنه عظيم في عيني الرب ، ويرد كثيرين إلى الرب إلههم ، ويتمتعون بمحبة الله وخلاصة !
4- و كان الصبي ينمو ويتقوى بالروح [ ۸۰ ] . النمو المستمر علامة الحياة ، فإن كان قد امتلأ من الروح القدس وهو بعد في بطن أمه كقول الملاك ( لو 1 : 15 ) ، فهذا الملء يتجدد باستمرار خلال نموه ، فيزداد قوة بالروح ، هذا ما كان يسعى إليه الرسول بولس لعله يبلغ قامة ملء المسيح ( أف ٤ : ١٣ ) .
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
23 ديسمبر 2022
الكرازة بالفرح في الرب
لم يختر السيد المسيح القديسة مريم من بين الاثني عشر تلميذا ولا من بين السبعين رسولاً ، غير أنها كانت نموذجا رائعا وفعالاً في ممارستها الكرازة العملية .
1- بصمتها لم تخبر خطيبها القديس يوسف عن بشارة الملاك جبرائيل ، ولا أعلنت له عن تجسد الكلمة في أحشائها ؛ غير أنها بصمتها المقدس ، ظهر ليوسف ملاك في حلم قائلاً : " يا یوسف بن داود ، لا تخف أن تأخذ امرأتك ، مریم لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس ، فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع ، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " ( مت ۱ : ۲۰-۲۱ ) . ما قدم ليوسف في حياته أفضل من الحوارات البشرية .
2- بحوارها المقدس مع الملاك جبرائيل أيضا كرزت ، فقدمت للبشرية عبر الأجيال فهما لسر التجسد ، ودور الثالوث القدوس فيه ( لو 1 : ٣٤ ) .
3- كما كرزت بالصمت المقدس والحوار المقدس ، كرزت أيضا بعمل المحبة الباذلة المقدس ، إذ قيل : " فقامت مريم في تلك الأيام ، وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ... فلما سمعت اليصابات سلام مریم ارتكض الجنين في بطنها ، وامتلأت اليصابات من الروح القدس " ( لو 1 : 39-41 ) . بعمل المحبة تحول بيت زكريا الكاهن إلى شبه سماء متهللة ؛ الجنين ارتكض مبتهجا ، واليصابات امتلأت من الروح القدس ، وصار البيت كله مسبحا الله بفرح وتهليل . يا لعظم كرازة مريم ، التي لم تخبرهم شيئا ، إنما جاءت حاملة السيد المسيح جنينا في أحشائها ! لا يحتاج العالم إلى عظات وكتب بقدر ما هو متعطش إلى دخول السيد المسيح إلى القلوب وفي البيوت ، وأينما وجد الإنسان !
الحياة المتهللة المقدسة والكرازة
صالح أن تهتم الكنيسة بالكرازة والتبشير ، فتعد مناهج للتبشير يتعلمها المؤمن بروح الإيمان والثقة في عمل روح الله القدوس فيه وفي المخدومين . وصالح أن يخدم المؤمن غير المؤمنين في كل جوانب الحياة ، فيشعر بالمحبة العملية الصادرة عن الكارز بالله محب البشرية . إنما كل هذا يفسده التعصب الأعمى أو الحرفية القاتلة أو التشامخ والكبرياء ، فإن نعمة الله القدوس تعمل فيمن يحيا مقدسا بروح التواضع والحب ! لم يذكر الكتاب المقدس أن القديسة مريم أخذت معها هدايا للجنين ووالديه ، ولا فكرت كيف تخدم نسيبتها الحبلى وهي بلا خبرة في مثل هذه الحالة ، وربما لم يكن لديها إمكانيات مادية تقدمها لهم . لقد شعرت بالغنى الحقيقي ، إذ تحمل في أحشائها مخلص العالم ، واهب الفرح السماوي والتهليل القلبي . قدمت القديسة مريم للكاهن وزوجته وجنينها رب المجد نفسه الساكن فيها ، .فصار البيت أشبه بسماء لا يعوزها شيء .
هب لي يا ربّ روح الكرازة الصادقة انطلق مع القديسة مريم حاملاً إياك في قلبي هب لي الصمت المقدس ، فتتكلم أنت في وبي هب لي يا رب الحوار المقدس معك فأطلب لأجل خلاص البشرية هب لي القلب المتسع بالحب ، والعقل المملوء حكمة هب لي أن أثبت فيك ، وتثبت في فأصير بك مصدرا للفرح لكل من ألتقي به
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
16 ديسمبر 2022
الحوار المقدس وطفل المذود
في الأحد الأول من شهر كيهك تمتعت القديسة مريم منذ طفولتها بالصمت المقدس ، وسمح الرب بصمت الكاهن زكريا للتفرغ في دراسة الكتاب المقدس والنبوات عن المسيا المخلص ، كما سبح الجنين يوحنا في بطن اليصابات بابتهاج ولم ؛ يسمع أحد تسبحته سوى الرب نفسه . هذا الصمت المقدس لا يتعارض مع الحوار المقدس ، بل يقدس أعماق النفس والعواطف واللسان ، فيتأهل المؤمن للحوار المقدس المتناغم مع المقدس . هذا ما نراه في شخصية القديسة مريم والدة المسيا الكلمة .
الصمت بين حوار حواء الأولى وحوار حواء الجديدة
1- احتفالنا بعيد ميلاد السيد المسيح بكونه كلمة الله المتجسد ، يقوم على تمتعنا العملي بقول الرسول : " كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه " ( عب : ٢ ) . نزل إلينا وحل بيننا ، لنسمع صوته في قلوبنا ، ونتلامس مع خلاصه بالصليب ، وندخل معه في شركة سرية مقدسة لا تنقطع . تتقدس أعماقنا ، ويقام ملكوته فينا ( لو ۱۷ : ۲۱ ) ، فيصير صمتنا كما حوارنا مقدسين بالرب القدوس .
2- يتصور القديس مار يعقوب السروجي في القديسة مريم أنها مع صمتها ، إذ كانت تفكر في كل أحداث السيد المسيح منذ البشارة بالحبل به إلى يوم رحيلها إلى الفردوس ، أنها قامت بحوارات وأحاديث مع كثيرين : مع الرعاة والمجوس والسمائيين القادمين للبشارة والسمائيين الذين لم يتحركوا عند محاكماته وعذاباته وصلبه . وفي هذا كله لم تحل صمتها المقدس . نذكر في إيجاز بعضا من حواراتها .
3- يرى القديس إيرينيؤس ( القرن الثاني ) أن حواء بحوارها مع الحية ربطت عقدة ، قامت حواء الثانية بحلها بحوارها مع الملاك جبرائيل .
4- يرى القديس مار يعقوب السروجي أن حواء الأولى بدأت بحوار فاسد وأعقبته بصمت فاسد ، بينما بدأت حواء الجديدة بحوار مقدس وبناء وأعقبته بصمت مقدس وبناء لحياتها وحياة أبنائها المؤمنين عبر الأجيال .
5- تسللت الحية إلى حواء ، وفتحت معها الحوار دون أن تنطق بتحية أو سلام ، لأن الحوار مع الشيطان أو الخطية لا يهب سلاما . وكما يقول إشعياء النبي : " لا سلام للأشرار قال إلهي " ( إش ٥٧ : ٢١ ) . أما الملاك فافتتح الحوار بقوله : " سلام لك أيتها المملوءة نعمة ؛ الرب معك " ( لو ١: ۲۸ ) . وكأن الحوار تحقق بالنعمة الإلهية ، وفي الحضور الإلهي . من يمارس الصمت المقدس الذي به يتذوق عذوبة الحضرة الإلهية أينما وجد ، يصير حديثه مملحا بملح الروح القدس ، وفيه عذوبة ولطفا . فلا نعجب من تركيز يشوع بن سيراخ على اللسان كأداة لنمو الحكيم ومجده ، وتحطيم الجاهل وهلاكه . في الكلام المجد والهوان ، وسقوط الإنسان سببه لسانه ( سي ٥ : ٢٣ ) . الحديث العذب يكثر أصدقاؤه ، واللسان اللطيف يكثر الوقورين تحيات عديدة متباينة ( سي ٦: ٥) . الزلة على الرصيف أفضل من الزلة من اللسان ، هكذا يكون سقوط الشرير سريعا ( سي ٢٠ : ۱۸ ) . من الذي يقيم حارسًا لفمي ، وخاتم التعقل على شفتي ، فلا أسقط بسببهما ، ولا يهلكني لساني ( سي ٢٢ : ٢٧ ) . ضربة السوط تسبب جرحا ، وضربة اللسان تكسر العظام ( سي ٢٨ : ۱٧ ) .
6- مالت حواء بأذنيها لتسمع من الحية الكلام الكاذب والتشكيك في الإيمان : " أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة ؟ " وانتهى الحوار بالصمت أمام تكذيب العدو لوعد الله : " لن تموتا ... وتكونان كالله عارفين الخير والشر " ( تك ٣ : ٤-٥ ) صدقت الكذب وصمتت ، فجاء صمتها الفاسد يتبع حوارها الفاسد . أما حواء الجديدة فدخلت في حوار بناء غايته ليس حب الاستطلاع ، بل التمتع بالنمو في المعرفة لأسرار الله ومعاملاته . بدون هذا الحوار من كان يتمتع بمعرفة دور الثالوث القدوس في التجسد الإلهي : " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك ، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو١ : ٣٥) . هذا الحوار انطلق بها إلى الصمت المقدس بروح الإيمان : " هوذا أنا أمة الرب ، ليكن لي كقولك " ( لو ١ : ٣٨ ) . ربما يتساءل أحد : بماذا نبدأ ، بالصمت المقدس أم بالحوار المقدس ؟ جاءت الإجابة العملية في حياة حواء الجديدة ، وهي من يلتصق بالرب يتمتع بالصمت المقدس كما بالحوار المقدس . ومن يعتزل الله لينفرد مع عدو الخير كحواء الأولى ، كلامه فاسد ومفسد ، وصمته أيضا فاسد ومهلك .
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
09 ديسمبر 2022
الصمت المقدس والحديث السري مع الرب
إذ يبدأ شهر كيهك ، ما يشغل المؤمنين هو السهر في تسابيح " سبعة وأربعة " ؛ حيث يشتم الكل روائح اللقاء مع مخلص البشرية خلال تسبيح القلب والفكر . يتسم هذا الشهر بالسهر في الأديرة كما في كثير من الكنائس ، خاصة عشية السبت واستمرار التسبيح حتى قداس الأحد . تحسب قراءات الآحاد في هذا الشهر رحلة المؤمن في صحبة أناس الله نحو اللقاء مع طفل المزود .
صمت طفلة الهيكل
خلال الأسبوع الأول من شهر كيهك تحتفل الكنيسة بتذكار تقديم القديسة العذراء مريم إلى الهيكل بأورشليم وهي ابنة ثلاث سنوات ، لأنها كانت نذيرة الرب . وذلك أنه لما كانت أمها حنة عاقرا كانت حزينة جدا هي وزوجها القديس يواقيم ، فنذرت ، وقالت : " یا إلهي إذا أعطيتني ثمرة ، فإني أقدمها نذرا لهيكلك المقدس " . فاستجاب الرب ورزقها هذه القديسة ، فأسمتها مريم . وبعد أن ربتها ثلاث سنوات مضت بها إلى هيكل الرب وقدمتها لتقيم مع العذاري ، وهي تنمو في الفضيلة والنسك والعبادة . فأقامت نحو عشرة سنوات حتى جاء ملء الزمان الذي فيه يأتي الرب إلى العالم متجسدا من هذه العذراء الطاهرة التي اختارها لعل من أهم الفضائل التي اقتنتها منذ طفولتها الصمت المقدس ، حيث كانت تصمت بلسانها عن أحاديث العالم وما يجري فيه ، لينشغل قلبها بمعاملات الله معها . هذه الفضيلة التي لازمتها حتى يوم رحيلها من هذا العالم . إذ يكرر الإنجيلي قوله عنها : " كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها " ( لو ۲ : ١٩ ، ٥١ ) . ما كان يمكن للقديسة مريم أن تحتمل ما نالته من نعم إلهية فائقة حتى بالنسبة للسمائيين لو لم تهبها نعمة الله أن تتأمل في أعماقها أسرار الله وعطاياه لها ولكل البشرية . تبقى هذه القديسة الفريدة قائدة لموكب الصامتين في الرب منذ طفولتها ، حيث لا تقدر مباهج الحياة الزمنية ولا تجاربها أن تسحب فكر المؤمن عن التصاقه بالرب وتمجيده على تدبيره العجيب لأجل تمتعنا بشركة أمجاده . بالصمت المقدس تهيأت البتول أن تصير والدة الإله ، وبالصمت المقدس يتهيأ المؤمن ليكون هيكل الله وروح الله يسكن فيه ( ١كو ٣: ١٦) . إن كان العالم يستقبل عيد ميلاد السيد المسيح ( الكريسماس ) بالزينات والأنوار والهدايا المتبادلة والحفلات . فما قدمته القديسة مريم بصمتها المقدس منذ طفولتها يفوق كل زينة وكل هدية وكل احتفال .
يليق بنا في هذا الشهر المبارك أن نقيم حياتنا : هل نستقبل مخلص العالم في قلوبنا خلال الحديث السري الصريح معه ، دون أن يعوقه أو تقاطعه الأحاديث الباطلة ، لم تتوقف القديسة منذ طفولتها عن الجدية في إتمام رسالتها ، وقد تجلى ذلك بوضوح عندما سمعت عن اليصابات نسيبتها أنها حبلى بابن في شيخوختها . " فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ، ودخلت بيت زكريا وسلمت على اليصابات " ( لو ١ : ٣٩ ) . بصمتها المقدس ارتكض الجنين بابتهاج في بطن أمه ( لو 1 : ٤١-٤٤ ) ، وتحول بيت الكاهن كما إلى بيت تسبيح يشترك فيه حتى الجنين ! لنصمت مع القديسة مريم ، ونحمل مسيحنا في قلوبنا ، فيعمل روح الرب بنا ، حيث تصير لنا الأرض سماء متهللة . هذه هي هدية الكريسماس التي يسر بها طفل المزود العجيب !
صمت الكاهن الشيخ
في الأحد الأول من شهر كيهك يلتهب قلبنا شوقا لممارسة ما تمتعت به نذيرة الرب القديسة مريم منذ طفولتها ، كما نتمتع بالصمت الذي اختبره الكاهن الشيخ زكريا وهو يتقبل البشارة بالحبل بيوحنا السابق ، الذي يعد الطريق للرب . حقا كان صمت زكريا بسبب عدم تصديقه للبشارة التي قدمها له الرب خلال جبرائيل الواقف قدام الله ( لو ١ : ٢٠ ) . غير أن الله الصانع الخيرات حول هذا التأديب لبنيان زكريا الكاهن ولنشر خبر هذه العطية التي وهبت له .... حتى كل من سمع عن ميلاد يوحنا تساءل : " أترى ماذا يكون هذا الصبي ؟! " ( لو ١ : ٦٦ ) ، وشعروا أن يد الرب كانت معه ! كان زكريا الكاهن في حاجة إلى هذا الصمت ، فلم يجد فرصة للحديث حتى مع زوجته اليصابات ومع أقربائه . ترى كيف قضى زكريا هذه الشهور التسع ؟! لم يكن أمامه سوى التسبيح الصامت ، وقراءة الأسفار المقدسة والطلب الدائم كي ينير الرب فكره ، ويكشف له خطته وأسراره ونبواته مع ممارسة مطانياته وعبادته الظاهرة والخفية ! هكذا يليق بنا مع بداية شهر كيهك أن نطلب بلغة القلب قبل اللسان قائلين : " بنورك يا رب نعاين النور " ( مز ٣٦ : ٩ ) . نمارس أصوامنا ومطانياتنا وصلواتنا وتسابيحنا كي يشرق علينا طفل المزود ، شمس البر ، فندرك كلمات النبي : " ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر ، والشفاء في أجنحتها " ( ملا ٤ : ٢ ) .
موكب الصامتين
تجسد كلمة الله والحبل به وميلاده في مزود ليس في بيت أحد الكهنة أو القيادات الكنسية أو الزمنية ، يدفعنا للانضمام إلى موكب الصامتين العجيب لم يحتفل الهيكل بميلاده ، ولم يذهب الكهنة والقيادات الكنسية ليسجدوا له ويسبحوه ، وساد السكون العالم . حتما وقفت الطغمات السماوية التي تعجز عن أن تتفرس في لاهوته وأمجاده في صمت لاستقبال المخلص ترى من هم أعضاء موكب الصامتين ؟ لقد ظهر ملاك الرب ووقف بالرعاة البسطاء ومجد الرب أضاء حولهم ، وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله ، وقائلين : " المجد الله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة " ( لو ۲ : ٩، ١٣-١٤ ) .لم يظهروا لجمهور الكهنة أو الشعب ، إنما للبسطاء الساهرين في عملهم بأمانة ، وغالبا ما كانوا مشتاقين للقاء مع المسيا المخلص . لذا ما أن رأوا وسمعوا السمائيين حتى انطلقوا إلى بيت لحم وهم يقولون : " لنذهب الآن ... وننظر الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب " ( لو ٢ : ١٥ ) ، وجاءوا مسرورين . وكأن هؤلاء الرعاة قد انضموا إلى موكب الملائكة في هدوء دون دعاية ! وانضم أيضا إلى الموكب جماعة من المجوس يقودهم كوكب عظيم ، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم ، إنه ملاك جاء على شكل كوكب ، فتحدث مع المجوس بلغتهم ، لغة الفلك والكواكب ! لم يذكر لنا الإنجيليون شيئا عن أحاديثهم في الطريق سواء مع بعضهم البعض أو مع الشعوب التي خرجت تنظرهم في دهشة ؟! وكأن الإنجيليين يدعوننا للانضمام إلى هذا الموكب الصامت . لسنا نتحدث بألسنتنا بل بقلوبنا وأفكارنا وعواطفنا المقدسة وسلوكنا من جهة الملك مخلص العالم ! إذ بلغوا أورشليم لم يرافقهم أحد من القصر الملكي ولا من رجال الهيكل ، إنما ما كان يشغل هيرودس هو قتله ، وما يشغل قيادات الهيكل هو ارتباكهم خوفا على فقدانهم سلطانهم وإيراداتهم ! هلم تنضم إلى موكب الصامتين ! هب لي يا رب أن أنضم بنعمتك إلى موكب الصامتين ، لأنضم إلى نذيرتك القديسة مریم الطفلة فأجد راحتي في هيكل قدسك مع العذارى ! لأسلك ببساطة الطفولة ، فلا تشغلني ملذات العالم ، ولا تقلقني تجاربه ! إذ أصمت في هيكلك ، يتكلم قلبي معك ، وتتكلم أنت أيها القدوس مع ضعفي . لأحفظ . مع أمك كل الأمور متفكرا بها في قلبي . بالصمت أنشغل بالثبوت فيك . أراك ساكنا في عميقا أعمق من عمقي ، وعاليا في داخلي أعلى من علوي ! لأنضم إلى زكريا الكاهن الصامت . فما يشغلني هو كلمتك وإعلاناتك الإلهية . لن تأسرني الحرفية القاتلة ، بل أجد في كتابك فردوس الحرية ، أقطف منه ثمر روحك القدوس : الحب والسلام والوداعة والعفة أرتوي من ينابيع حبك الدائمة الفيض ! لأرافق الرعاة البسطاء الساهرين بأمانة . فأرى السماء ليست ببعيدة - عني وأسمع الطغمات السماوية تتهلل لخلاصي . أنضم إلى خورس الملائكة وأتمتع بالترنيمة الجديدة . اسمح لي أن أرافق المجوس الأمميين ، التهبت قلوبهم شوقا إليك ، وساروا في الطريق يشهدون لك وقدموا لك ما لم يقدمه الكهنة واللاويون . تقودني نعمتك فلا أتعثر من مقاومة الشرير حتى إن كان ملكا . ولا أنتقد أحدا حتى إن كان كاهنًا غير مبال بخلاصك ! ليصمت لساني ، فيتكلم قلبي ، وليصمت قلبي ، فتتكلم يا أيها القدوس في !
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
02 ديسمبر 2022
أخبريني يا أمي لماذا قلت : منذ الآن جميع الأجيال تطوبني " ؟
في دهشة أمام كلماتك يا أمي : " لأنه نظر إلى اتضاع أمته ، فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني " ( لو ١: ٤٨) . تدور في ذهني بعض الأسئلة ، منها : " ما ارتباط " تواضعك كأمة الرب بتطويب جميع الأجيال لك ؟ تجيب أم النور قائلة : كشفت لي بشارة رئيس الملائكة جبرائيل كيف صرت معملاً للثالوث القدوس ، إذ قال لي : " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك ، فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو ١: ٣٥) . فأردت تأكيد أنني إذ أصير أما للقدوس ابن الله ، فليعلم الكل أنني أمة الرب المنسحقة هذا العمل العجيب الذي يتحقق في بطني سيجعل المؤمنين في كل العالم يطوبونني ، لأنه لم يحدث هذا منذ خلقة آدم ولن يتكرر إلى يوم مجيء الرب الأخير . أمام محبة الله الفائقة . إنها نعمة الله التي جعلتني أما للرب المتجسد في . فإن كان كلمة الله " أخلى نفسه أخذا صورة عبد ، صائرا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب " ( في ٢ : ٧-٨ ) . كما قال : " تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب " ( مت ۱۱ : ۲۹ ) ، فيليق بي وأنا أمة الرب المتواضع ، أن أدرك ما أتمتع به من تطويب عبر الأجيال ، إنه عطية من الرب ، وألا يفارق عيني أنني أمة الرب . أقول هذا وأنا في كمال الثقة أن الذي حبلت به وهو القدوس المولود مني يهبني روح التواضع حتى وإن كرمتني كل الطغمات السمائية وجميع الأنبياء والقديسين . إني إذ حملت مخلص العالم ، أصلي من أعماق نفسي أن يتمتع كل إنسان في العالم بالخلاص ، وبصلواتي هذه يزداد انسحاق نفسي كأمة الرب المتواضع . إنه لن يسمح لي أنا أمه أن أسقط في فكر الكبرياء بغواية عدو الخير ، إذ اقتنيت أيقونة ابني المتواضع .
لماذا تدعوك الكنيسة بألقاب كثيرة في ثيؤطوكية الأحد ؟
يتساءل الفتى جورج : لماذا يا أمي تربط الكنيسة بين ألقابك وبين المؤمنين منذ آدم وحواء حتى نهاية كل العصور ، في ثيؤطوكية الأحد ، تارة تذكر أسماء المؤمنين مثل حواء وإبراهيم وأيوب والأنبياء ، وتارة أخرى تذكر الشعب ككل مثل بني إسرائيل ، وتارة ثالثة تعمم كل البشرية كقولها عنك " فرح الأجيال " ؟
أجابت أم النور : لا يقصد في هذه الثيؤطوكية شخصي المجرد ، وإنما تهتم الكنيسة أن تبرز إني والدة كلمة الله المتجسد مخلص العالم . ومن جانب آخر إن كنت قد صرت مطوبة بسبب تجسد كلمة الله في ، فإن المؤمنين من جانبهم أيضا يجب أن يدركوا أنهم مطوبون وهذا يبهج السمائيين ، إذ يدرك المؤمنون أنهم هيكل الرب وروح الله ساكن فيهم ( رو ۸ : ۹ ) ، ويقدس الرب قلوبهم وأفكارهم وعواطفهم وأيضا أجسادهم .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت فرح الملائكة ؟ أجابت أم النور : لكي تدركوا ما تمتعتم به خلال تجسد ابن الله في ، ولكي يقدم نفسه ذبيحة عن العالم ، فإنه لا يسبب فرحا للبشرية وحدهم بل ولجميع الطغمات السماوية التي تعلن حبها للمؤمنين ، كما يعلن الرب نفسه حبه لهم . بهذا أكون فرح الملائكة ، أظهر الحب والوحدة بين البشر والسمائيين .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت تهليل حواء ؟
أجابت أم النور : بلا شك أدركت حواء الأولى ما حل على نسل آدم وحواء من مرارة الموت بسبب إنصاتها لخدعة الشيطان ، وما سببته لرجلها آدم الذي شاركها العصيان للوصية الإلهية . والآن استخدمني الرب لأصلح الموقف لأنه عوض العصيان للرب ، قلت لرئيس الملائكة جبرائيل الذي بشرني بالتجسد : " هوذا أنا أمة الرب ، ليكن لي كقولك " ( لو ١: ٣٨) . مضى من عندي الملاك ليقدم ذبيحة الطاعة التي قدمتها للرب .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت فرح هابيل ؟
أجابت أم النور : هابيل ابن حواء وآدم ، إذ قتله قايين أخوه بسبب الحسد الذي سيطر على قلبه من أخيه ، صرخ دم هابيل إلى الله من الأرض ( تك ٤ : ١٠) ،الآن وقد تجسد الكلمة وتم الخلاص على الصليب ، تحول صوت دم هابيل الصارخ من الأرض إلى تسبحة في الفردوس كلها فرح وتهليل وحب حتى لأخيه الذي قتله .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت خلاص نوح ؟
أجابت أم النور : كان نوح محتاجا إلى فلك ضخم بني خلال سنوات كثيرة ليخلص هو وزوجته وأولاده وزوجاتهم من الطوفان ، أما وقد تم الحبل بالمخلص في بطني ، فقد صرت فلكا فريدا يقودني المخلص بنفسه لا لينقذ ثمانية أفراد من الطوفان بل ينقذ كل المؤمنين عبر الأجيال من نيران جهنم ويدخل بهم إلى الفردوس السماوي .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت نعمة إبراهيم ؟
أجابت أم النور : كان اليهود يتطلعون إلى أبيهم إبراهيم بكونه نعمة لهم من الله ، خلاله صاروا شعب الله ، أما أنا ابنته المملوءة نعمة من الله ، فقد صرت لشعب الله الذين من كل الأمم والشعوب ، الكنيسة العروس الملكة التي تجلس عن يمين ملك الملوك أبديا .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت خلاص إسحق ؟
أجابت أم النور : حتما كان إسحق بن يعقوب متعجبا هو وأبوه إبراهيم في الهاوية كيف كان الاثنان في سلام عجيب حين أمسك إبراهيم بالسكين ليقدم ابنه ذبيحة الله ، وهو الابن الوحيد والمطيع . لكن إذ انطلقت نفس السيد المسيح بموته على الصليب لكي تعلن الخلاص الإلهي لكل المؤمنين ، أدرك إسحق وإبراهيم أن ذبح إسحق كان رمزا لذبيحة المسيح الفريدة .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت كرازة موسى ؟
أجابت أم النور : دعيت بهذا اللقب ، لأن الشعب اليهودي مع مقاومتهم لموسى النبي ( حتى أرادوا أن يقتلوه في البرية هو وأخاه هرون الكاهن ) ، أدركوا العجائب التي صنعها الرب معهم على يديه مثل عبورهم البحر الأحمر ، وتحويل مياه مارة المرة إلى مياه عذبة ، وبضرب الصخرة تفجر ينبوع ماء يرويهم في الطريق ، ونزول المن من السماء طعاما جاهزا كل يوم ما عدا يوم السبت الخ . لقد طلب الرب من رئيس الملائكة ميخائيل أن يدفنه في مكان خفي حتى لا يعبده الشعب . مع هذا كله لم يدركوا أسرار خدمة موسى ، أما وقد تجسد كلمة الله في أحشائي فقد أدركنا هذه الأسرار : فالعليقة التي رآها موسى ملتهبة بالنار ولم تحترق ( خر ۲ : ۳ ) تشير إلي وقد تجسد ابن الله في أحشائي ، ولم تحرقني نار اللاهوت . وخيمة الاجتماع التي صنعت في أيامه كانت رمزا لي الساكن في المسيح . والناموس الذي استلمه موسى كان قائدا للمسيح ، كقول الرسول بولس : " لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن " ( رو ٤ : ١٠) .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت ثبات أيوب ؟
أجابت أم النور : يعتبر أيوب النموذج الرائع لاحتمال التجارب التي حلت به من الشيطان المقاوم له ، واتهامات الأصدقاء له ، وحث زوجته له أن يجدف على الله ويموت ... أما أنا فقد تمتعت بالبشارة من الله خلال رئيس الملائكة جبرائيل ، ووقفت متأملة فيما يفعله ابن الله المتجسد ، وإذا بي أجد قيادات اليهود من رؤساء كهنة وكهنة ولاويين وفريسيين وصدوقيين يقاومون ابن الله المتجسد ويحكمون عليه بالصلب ، كما اتهموني ظلما في طهارتي . فثبات أيوب كان رمزا لثباتي ، خاصة وأن أيوب في عتابه الله أظهر نوعا من الضعف !
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت كرامة صموئيل ؟
أجابت أم النور : لقد أحزن شاول الملك قلب صموئيل النبي في مواقف كثيرة ، لكن الله كرمه بمسح داود ملكا ( ١صم ١٦ : ١٢-١٣ ) . وتمتع صموئيل بكرامة أعظم حين رآني أنا ابنة داود المحبوب لديه جدا قد صرت والدة الإله التي يعتز بها السمائيون .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت ابنة الملك داود ؟
أجابت أم النور : سبق أن قدم الله لداود أبي وعدا أن كرسيه يبقى إلى الأبد ( ١أي ١٧ ) . لذلك قال داود في صلاته : " والآن قد ارتضيت بأن تبارك بيت عبدك ليكون إلى الأبد أمامك " ( ١أي ١٧: ٢٧ ) . كيف تم هذا الوعد ؟ بتجسد ملك الملوك في ، الذي يقيم ملكوته في قلوب المؤمنين ، ويعدهم للميراث الأبدي .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت صديقة سليمان ؟
أجابت أم النور : إذ نجح سليمان في إقامة صداقة مع الملوك المحيطين به ، كانت هذه الصداقة رمزا لصداقتي مع كل المؤمنين الذين يجلسون كملوك في ملك الملوك . لهذا قيل في سفر الرؤيا : " وجعلنا ملوكا وكهنة الله أبيه " السماء ( رؤ ١ : ٦) .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت خلاص إشعياء ؟
أجابت أم النور : تحققت نبوات إشعياء عن الخلاص خلالي إذ قال عني : ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل " ( إش 7 : ١٤ ) . يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت شفاء ارميا ؟ أجابت أم النور : كان قلب ارميا منكسرا بسبب ما حل بالشعب والقادة من فساد ، حتى دعي بالنبي الباكي . وإذ مسح ابني المخلص دموعه ، وتحقق قوله في المراثي : " نصيبي هو الرب قالت نفسي ، من أجل ذلك أدعوه " ( مرا ٣ : ٢٤ ) .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت علم حزقيال ؟
أجابت أم النور : وردت نبوات كثيرة في سفر حزقيال وهو في السبي عن الرجوع من السبي ( حز ٣٣-٣٩) ، وعن إصلاح الهيكل وأورشليم ( حز ٤٠-٤٨) . تمت هذه النبوات الواردة في السفر ، كما تحققت بأكثر قوة بتجسد الكلمة في أحشائي أنا العذراء حيث أعد الرب الهيكل السماوي الجديد والأرض الجديدة .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت قوة إيليا ؟
أجابت أم النور : مع ما اتسم به إيليا من قوة غير أن الملك أخاب والملكة إيزابيل حطما نفسه إلى حين ، أما تجسد كلمة الله ففتح باب الرجاء على مستوى أبدي .
يتساءل الفتى جورج : لماذا دعيت فرح الأجيال ؟
أجابت أم النور : بميلاد السيد المسيح مني صرت أما لكل المؤمنين من كل الشعوب وعبر كل الأجيال ودعيت فرح الأجيال .
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج
المزيد
03 مايو 2022
الرسالة الفصحية السابعة
لنحمل سمات المصلوب!
كتب بولس الطوباوي إلى أهل كورنثوس أنه یحمل في جسده على الدوام إماتة یسوع ٢كو ١٠:٤ ، لیس كمن یحمل هذا الفخر وحده بل ویلزمهم هم، كما نحن أیضًا أن نحمل هذا.لیتنا یا أخوتي نقتفي آثاره! ولیكن هذا هو فخرنا الدائم فوق كل شيء في كل وقت.هذا یصیر فینا خاصة في أیام العید إذ نذكر موت مخلصنا، لأن من یصیر مشابهًا له في موته، یصیر أیضًا مجاهدًا في الأعمال الفاضلة، ممیتًا أعضاءه التي على الأرض مز ٢٢:٢٤، صالبًا الجسد مع الأهواء والشهوات كو ٥:٣ ، ویحیا في الروح سالكًا حسب الروح غلا ٢٤:٥ -25 مثل هذا الإنسان یكون دائم التفكیر في اله فلا ینسى الله قط، ولا یفعل أعمال الموت.والآن، فإنه لكي نحمل في جسدنا إماتة یسوع، أضاف الرسول للحال موضحًا لنا الطریق الذي نتبعه قائلاً "فإذ لنا روح الإیمان عینه حسب المكتوب آمنت لذلك تكلمت. نحن أیضًا نؤمن ولذلك نتكلم أیضًا"٢كو ١٣:٤. وقد أردف أیضًا متحدثًا عن النعمة التي تنبع عن المعرفة قائلاً "عالمین أن الذي أقام الرب یسوع سیقیمنا نحن أیضًا یسوع ویحضرنا معكم"١كو ١٤:٤
بالإیمان والمعرفة نحیا بالروح
عندما احتضن القدیسون مثل هذه الحیاة الحقیقیة بواسطة الإیمان والمعرفة" ینالون بلا شك الفرح السماوي. ذلك الفرح الذي لا یهتم به الأشرار إذ هم محرومون من التطویب النابع عنه… لأنهم لا یرون جلال الرب أش ١٠:٢٦
فإنهم وإن كانوا یسمعون الإعلان العام "استیقظ أیها النائم وقم من الأموات" أف ١٤:٥ ، ویقومون ویأتون إلى السماء قارعین الباب قائلین "افتح لنا" مت ١١:٢٥، إلا أن الرب سینتهرهم كمن لا یعرفهم… قائلاً لهم "لا أعرفكم"،ویصرخ الروح ضدهم "الأشرار یرجعون إلى الهاویة كل الأمم الناسین الله".
هل یعید الشریر؟
أننا نقول بأن الأشرار أموات، لكن لا في حیاة تعبدیة ضد الخطیة، ولا هم مثل القدیسین یحملون الموت
في أجسادهم، إنما یدفنون النفس في الخطایا والجهالات فتقترب النفس من الموت. وإذ یشبعونها بالملذات
الممیتة، تكون نفوسهم أشبه بنسور صغیرة تحوم فوق جثث الموتى. وقد أعلنت الشریعة عن هذا إذ تأمر في صورة رمزیة بعدم أكل النسور وجمیع الطیور التي تأكل الجیف (لا ١٣:١١).هؤلاء یقتلون النفس بالشهوات، ولا یقولون سوى "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت" (إش ١٣:٢٢).وقد وصف النبي الثمرة التي یجتنیها أمثال هؤلاء الذین ینغمسون في الملذات، فقال "فأعلن في أذني رب الجنود لا یغفرن لكم هذا الإثم حتى تموتوا" (إش ١٤:٢٢). إذ یحسبون آلهتهم بطونهم، وعندما یموتون یتعذبون ، نعم، حتى عندما یعیشون، فإنهم یكونون في عار لأنهم افتخروا بمثل هذا الموت.ویحمل بولس أیضًا شهادة عن هذه النتیجة فیقول "الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة والله سیبید هذا وتلك" ( ١ كو ١٣:٦).وتعلن الكلمة الإلهیة عن هؤلاء بأن موت الأشرار شر ومبغضو الصدیق یخطئون (مز ٢١:٣٤ )، لأن الأشرار یرثون ناراً مرة وظلامًا مهلكًا.
كیف یعبد الأبرار؟
أما القدیسون والذین یمارسون الفضیلة ممارسة حقیقیة، فقد أماتوا أعضاءهم التي على الأرض، الزنا
والنجاسة والهوى والشهوة الردیئة (كو ٥:٣ ). فیتحقق فیهم، بسبب هذه النقاوة وعدم الدنس، وعد مخلصنا "طوبى للأنقیاء القلب لأنهم یعاینون الله" (مت ٨:٥). هؤلاء صاروا أمواتًا للعالم، وازدروا بمقتنیاته مقتنین موتًا مشرفًا، إذ هو "عزیز في عیني الرب موت أتقیائه" مز ١٥:١١٦هؤلاء أیضًا قادرون على الاقتداء بالرسول القائل "مع المسیح صلبت فأحیا لا أنا بل المسیح یحیا في" غلا ٢٠:٢
هذه هي الحیاة الحقیقیة التي یحیا الإنسان في المسیح، فأنه وإن كان میتًا عن العالم إلا أنه كما لو كان قاطنًا في السماء، منشغلاً في الأمور العلویة، كمن هو هائم في حب تلك السكنى السماویة، قائلاً إننا وإن كنا نسلك في الأرض "فأن سیرتنا نحن هي في السموات" في ٢:٣ الذین یحبون هكذا مشتركین في فضیلة كهذه، هم وحدهم القادرون على تمجید الله… وهذا هو ما یعنیه العید. فالعید لا یعني التمتع بأكل اللحوم والملابس الفاخرة، ولا هو أیام للترف، إنما تكمن بهجته في معرفة الله وتقدیم الشكر والحمد له.
هذا الشكر وهذا الحمد، یقدمه القدیسون وحدهم الذین یعیشون في المسیح، إذ مكتوب "لیس الأموات یسبحون الرب ولا من ینحدر إلى أرض السكوت. أما نحن فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر" مز ١٧:١١٥،١٨ هكذا كان الأمر مع حزقیا الذي خلص من الموت فسبح الله قائلاً "لأن الهاویة لا تحمدك. الموت لا یسبحك….الحي هو یحمدك كما أنا الیوم" أش ١٨:٣٨،١٩ فتسبیح الله وتمجیده هو من اختصاص الذین یحبون في المسیح وحدهم، هؤلاء یصعدون إلى العید، لأن الفصح لیس للأمم ولا للذین هم یهود بحسب الجسد بل للذین یعرفون الحق، وذلك كقول ذاك الذي أرسل للإعلان عن مثل هذا العید "لأن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا". لذلك وإن كان الأشرار یقحمون أنفسهم لكي یحفظوا العید، بینما عملنا في العید وهو تمجید الله، لهذا فأنهم كأشرار یقتحمون متطفلین في دخولهم كنیسة القدیسین. هؤلاء یوبخهم الله معاتبًا كل واحد منهم "مالك تتحدث بفرائضي" مز ١٦:٥٠والروح القدس یوبخهم قائلاً بأنه لیس للتسبیح مكانًا في فم الخاطئ ابن سیراخ ٩:١٥ ، ولا للخطیة وجود في مذبح الله،لأن فم الخاطئ یتكلم في الأمور الجامحة، كقول المثل "فم الأشرار ینبع شروراً" أم ٢٨:١٥ كیف یمكننا أن نسبح الله بفم دنس، إذ لا یمكن أن یتفق النقیضان معًا؟! "لأنه أي خلطة للبر والإثم. وأیة شركة للنور مع الظلمة"٢كو ١٤:٦. هذا ما یعلنه بولس خادم الإنجیل.لهذا لا یمكن للخطاة والغرباء عن الكنیسة الجامعة أي الهراطقة والمنشقین المستبعدین عن أن یمجدوا الله مع القدیسین، أن یستمروا في حفظ العید كما ینبغي. أما البار، فإنه وإن كان یظهر میتًا عن العالم، لكنه یتجاسر فیقول "أنا لا أموت بل أحیا وأحدث بأعمالك العجیبة" راجع مز ١٧:١١٨. فإنه حتى الله لا یخجل من أن یدعى لهم إلهًا، هؤلاء الذین بحق یمیتون أعضاءهم التي على الأرض كو ٥:٣ ، ویحیون في المسیح الذي هو إله أحیاء لا إله أموات. هذا الذي بكلمته ینعش كل البشر، ویعطیهم طعامًا یحیا به القدیسون، كما أعلن الرب قائلاً "أنا هو خبز الحیاة" یو ٤٨:٦ ولما كان الیهود عدیمي الإدراك ولم تكن حواسهم مدربة على الفضیلة، لهذا لم یفهموا أقواله عن "الخبز" فتذمروا ضده لأنه قال عن نفسه أنه الخبز الحي الذي نزل من السماء ویهب حیاة للبشر یو ٥١:٦
بین الخبز الحي وخبز الخطیة
الخطیة لها خبزها الخاص بها، الذي یدعو المحبین لملذاتها لیموتوا بموتها، وتدعو ناقصي الفهم قائلة "المیاه المسروقة حلوة وخبز الخفیة لذیذ" أم ١٧:٩. لأنه حتى من یلمس هذا الخبز لا یعرف أن ما هو مولود من الأرض یبید معها. فعندما یفكر الخاطئ في أن یجد لذة، فإنه في نهایة هذا العام لا یجد فیه بهجة، كما تقول حكمة الله أن خبز الخداع مسر للرجل، لكن فمه بعد ذلك یمتلئ حصاة. وأن العسل یسقط من شفتي المرأة الزانیة التي تكون إلى حین حلوة، ولكن النهایة تجدها أكثر مرارة من المر ذاته، وأكثر حدة من السیف ذي الحدین.هكذا إذ یأكل الخاطئ ویفرح إلى حین، فأنه عندما ترحل نفسه (من هذا العالم) سوف تستخف بهذا الطعام! فالغبي لا یدرك أن من یبتعد عن الله یهلك. مع أنه یوجد صوت نبوي یقول رادعًا "والآن مالك وطریق مصر(تشیر إلى العبادة الوثنیة بما فیها من ملذات وشهوات) لشرب میاه شیمور؟! ومالك طریق أشور لشرب میاه النهر؟! أر ١٨:٢وحكمة الله التي تبني البشریة تمنعهم من هذه الأشیاء (خبز الخطیة)، صارخة أن ینفصلوا عنها ولا یتأخروا في المكان ولا یتطلعوا إلیها، لأنها میاه غریبة سوف تعبر وترحل سریعًا…كذلك تدعونا الحكمة إلى نفسها قائلة "الحكمة بنت بیتها نحتت أعمدتها السبعة. ذبحت ذبحها مزجت خمرها.أیضًا رتبت مائدتها. أرسلت جواریها تنادي على ظهور أعالي المدینة. من هو جاهل فلیمل إلى هنا. والناقص الفهم قالت له: هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها" أم ١:٩-5 وبأي رجاء یأكل خبز الحكمة؟ "اتركوا الجاهلات فتحیوا وسیروا في طریق الفهم" أم ٦:٩ لأن خبز الحكمة محي، إذ یقول الرب "أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن كل أحد من هذا الخبز یحیا إلى الأبد" یو ٥١:٦ ویلمنا الرب قائلاً "أنا هو خبز الحیاة. آباؤكم أكلوا المن في البریة وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي یأكل منه الإنسان ولا یموت" یو ٤٨:٦-51
الأبرار یشبعون والخطاة یفتقرون
أن ألأشرار یفتقرون إلى خبز كهذا… أما الأبرار فهم وحدهم الذین تهیأوا لكي یشبعوا، قائلاً كل واحد منهم أما أنا فالبر أنظر وجهك. أشبع إذا استیقظت بشهبك" مز ١٥:١٧ لأن من یشترك في الخبز الإلهي دائمًا یجوع مشتاقًا، وإذ هو جائع لا یحرم من أن یعطي له كما وعد "الحكمة" ذاته قائلاً "الرب لا یجمع نفس الصدیق" أم ٣:١٠. وكما وعد أیضًا في المزامیر "بطعامها أبارك بركة مساكینها أشبع خبزاً" مز ١٥:١٣٢إننا نسمع مخلصنا یقول "طوبى للجیاع والعطاش إلى البر لأنهم یشبعون" مت ٦:٥ حسنًا إذن ما یفعله القدیسون، إذ یحیون في المسیح، ویبثون في أنفسهم شوقًا نحو هذا الطعام.وقد تفجر شوق أحدهم إذ یقول "كما یشتاق الإیل إلى جداول المیاه هكذا تشتاق نفسي إلیك یا الله" مز ١:٤٢"نفسي عطشت إلى الله الحي متى أجيء وأعاین وجه الله؟!"."یا الله إلهي أنت إلیك أبكر. عطشت إلیك نفسي. یشتاق إلیك جسدي في أرض ناشفة ویابسة لكي أبصر قوتك ومجدك كلما أ ریتك في قدسك" مز ١:٦٣،٢
الإیمان والخبز الحي؟
ما دام الأمر هكذا یا أخوتي، فلیتنا نمیت أعضاءنا التي على الأرض كو ٥:٣ ، ونتقوت بالخبز الحي الإیمان بالله وحب الله، عالمین أنه بدون إیمان لا یمكن أن تكون لنا شركة في خبز كهذا. لأنه عندما دعي ربنا الكل إلیه قال "إن عطش أحد فلیقبل إلي ویشرب" یو ٣٧:٧ وللحال تحدث عن الإیمان الذي بدونه لا یقدر إنسان أن یأخذ من مثل هذا الطعام "ومن آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" یو ٣٨:٧بهذا الهدف كان ینعش تلامیذه المؤمنین بكلماته ویعطیهم الحیاة باقترابهم من لاهوته. أما المرأة الكنعانیة فإذ لم تكن بعد مؤمنة لم یتكرم علیها حتى بمجرد الإجابة علیها رغم احتیاجها الشدید إلى طعام منه.وهو لم یصنع هذا احتقاراً بها. حاشا له، لأنه محب لكل البشر… ولهذا نجده یذهب إلى سواحل صور وصیدا(أي یذهب عند غیر المؤمنین)، ولكن صنع هذا معها لأنها لم تكن آمنت بعد ولا أخذت حكمة.
وبحق صنع هذا یا أخوتي، ما كان لها أن تنتفع شیئًا لو استجاب لطلبتها قبل أن تعلن إیمانها، ولكن بإیمانها یمكنها أن تنال طلبتها إذ یجب أن الذي یأتي إلى الله یؤمن بأنه موجود وأنه یجازي الذین یطلبونه" وأنه "بدون إیمان لا یمكن إرضاؤه" عب ٦:١١ هذا ما یعلم به بولس.فهي إذ كانت إلى تلك اللحظة غیر مؤمنة، الأمر الذي یجعلها دنسة، وهذا یظهر من قوله "لیس حسنًا أن یؤخذ خبز البنین ویطرح للكلاب" مت ٢٦:١٥وعندما وثقت في قوة "الكلمة" وغیرت من طریقها اقتنت أیضًا الإیمان، وبالتالي لم یعد بعد یحدثها كأنها "كلب" إنما غیر طریقة حدیثه عنها على أنها مخلوق بشري قائلاً "یا امرأة عظیم إیمانك" مت ٢٨:١٥ وإذ آمنت وهبها ثمرة إیمانها قائلاً لها "لیكن لك كما تریدین. فشفیت ابنتها من تلك الساعة".
لا تدس دم ابن الله
من یؤهل للدعوة السماویة، بهذه الدعوة یتقدس، لكنه إن سلك في هذه الدعوة بإهمال، فإنه وإن كان قد تنقى لكن(بإهماله هذا) یصیر دنسًا. یقول الرسول "(فكم عقابًا أشر تظنون) أنه یحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" عب ٢٩:١٠أنه سیسمع تلك الكلمات "یا صاحب كیف دخلت إلى هنا ولي علیك لباس العرس؟! مت ١٢:٢٢ لأن ولیمة القدیسین طاهرة بلا دنس "لأن كثیرین یدعون وقلیلین ینتخبون" مت ١٤:٢٢ویشهد بهذا یهوذا، الذي وإن جاء إلى العشاء، لكنه احتقر الولیمة وخرج من حضرة الرب وفقد حیاته خانقًا نفسه. وأما التلامیذ الذین استمروا مع المخلص، فقد صارت لهم سعادة الولیمة.وذاك الشاب الذي ذهب إلى كورة بعیدة وبدد أمواله في عیش مسرف، متى عاد مشتاقًا إلى الولیمة السمائیة ورجع إلى نفسه قائلاً "كم من أجیر لأبي یفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا؟!" لو ١٧:١٥. وللحال قام وذهب إلى أبیه واعترف قائلاً له "أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنا بل اجعلني كأحد أجراك"، فأنه بعدما اعترف هكذا صار مستحقًا لأكثر مما طلب. لأن الآب لم یقبله كعبد أجیر ولا تطلع إلیه كانسان غریب، بل قبله كابن، ورده من الموت إلى الحیاة، واعتبره مستحقًا للولیمة الإلهیة، وأعطاه ثوبه الأول الثمین، حتى أنه بسبب هذا صار غناء وفرح في بیت الأبوة.
الله ینتظرك!
هذا هو عمل الحب الأبوي المترفق وصلاحه، أنه لیس فقط یقیم الإنسان من الأموات بل ویعید إلیه نعمته
العظیمة خلال الروح. وبدل الفساد یلبسه ثوبًا غیر فاسد، وبدل الجوع یذبح العجل المثمن، وعوض المسافة الطویلة التي قطعها في رحلته فأن الآب المنتظر رجوعه یقدم حذاء لقدمیه. وما هو أعجب من هذا یعطیه خاتم الخطبة الإلهي في إصبعه، وفي هذا كله یجعله في صورة مجد المسیح….. هذه هي العطایا المجانیة التي یقدمها الآب، والتي بها یكرم الرب الساكنین معه والراجعین إلیه تائبین، ومنعشًا
.( إیاهم. فأنه یعدنا (یسوع) قائلاً "أنا خبز الحیاة من یقبل إلي لا یجوع. ومن یؤمن بي فلا یعطش أبدًا" یو ٣٥:٦ ونحن أیضًا فسنحسب مستحقین لهذه الأمور، إن كنا في هذا الزمان نلتصق بمخلصنا، وكنا أطهاراً لا في أیام الفصح والسنة (أسبوع البصخة) وحدها، بل ونأخذ في اعتبارنا كل زمان حیاتنا كما لو أنها كانت عیدًا. فنستمرقریبین منه غیر مبتعدین عنه "إذ نقول له "إلى من نذهب وكلام الحیاة الأبدیة عندك؟!" یو ٦٨:٦ لیت الذین هم منا وقد ابتعدوا عنا یرجعون مرة أخرى، معترفین بخطایاهم، ولا یكون في قلبهم شيء ضد أحد، بل بالروح یمیتون أعمال الجسد رو ١٣:٨. لأنه هكذا إذ ینعشون النفس هنا، یشتركون مع الملائكة في المائدة السمائیة الروحیة، ولا یكونوا كالعذارى الخمس الجاهلات مت ١:٢٥-12 اللواتي كن یقرعن ولكنهن رفضن، بل یدخلون مع الرب مثل العذارى الحكیمات المحبات للعریس. وإذ یظهرون إماتة یسوع في أجسادهم٢كو ١٠:٤ فأنهم یقبلون منه الحیاة والملكوت…
القديس البابا أثناسيوس الرسولى
المزيد
28 أغسطس 2021
القديسة مريم والكنيسة
جاء في ثيؤتوكية الخميس:
"كل عجينه البشرية أعطتها بالكمال لله الخالق وكلمة الآب، هذا الذي تجسد منها بغير تغيير، ولدته كإنسان ودعي أسمه عمانوئيل".
ثيؤتوكية الخميس
في لحظات البشارة أظهرت القديسة مريم خضوعها بكامل حريتها، وبذلك حقق الله تدبيره الإلهي للاتحاد بنا. صارت أحشاء القديسة مريم حجال لزيجة الكلمة مع الجسد المجيد. في الأحشاء وحد الكنيسة أي جسده مع ذاته، بهذا تحقق وجود الكنيسة السري بكماله.
الآن نستطيع أن نتفهم كلمات القديس مار أفرام السرياني: "كانت مريم بمثابة الأرض الأم التي أنجبت الكنيسة".
علاوة على هذا كثمرة الاتحاد الأقنومي بين لاهوت الكلمة وناسوته تقبلت مريم نوع أخر من الوحدة الروحية بين الله وبينها، اتحاد الشخص المتمتع بالخلاص مع المخلص نفسه، الوحدة التي دعيت الكنيسة كلها للتمتع بها.
تقبلت القديسة نعمة الاتحاد مع الله هذه كممثلة بطريق ما للكنيسة الجامعة، كعضو أول فيها، العضو الأمثل السامي، لهذا قبلت النعمة في أعلى صورها.
القديسة مريم كنموذج للكنيسة:
التسبحة الرئيسية التي ترنم يوميا في الشهر المريمي شهر كهيك قبل عيد الميلاد تتكون من مختارات من سفر المزامير تمدح الكنيسة كمسكن للإله المتجسد. لم يكن هذا بغير معنى أن تمدح الكنيسة كل الشهر المريمي، لأن ما فبلته القديسة مريم كان لحساب الكنيسة كلها.
فالقديس مار أفرام السرياني ينسب للكنيسة ما هو خاص بالقديسة إذ يقول:
"مباركة أنت أيتها الكنيسة، تحدث أشعياء عنك في تسبحته النبوية المفرحة، قائلا:
هوذا العذراء تحبل وتلد أبنا.
يا لسر الكنيسة المخفي"
ويربط القديس كيرلس بابا الإسكندرية بين القديسة مريم والكنيسة قائلا:
"لنمجد مريم دائمة البتولية بتسابيح الفرح،
التي هي نفسها الكنيسة المقدسة.
لنسبحها مع الابن العريس كلي الطهارة.
المجد لله إلى الأبد".
يؤكد القديس أمبروسيوس أن القديسة مريم هي" نموذج الكنيسة"، كما يقرر القديس أوغسطينوس أن "مريم هي جزء من الكنيسة، عضو مقدس، عضو ممتاز، العضو الاسمي، لكنها تبقى عضوا في الجسد الكلي (أى غير منفصلة عن بقية الأعضاء).
في الحقيقة يمكننا أن نرى كل مراحل حياة القديسة مريم كأيقونة جميلة للكنيسة، فعلى سبيل المثال نذكر:
1- يرى القديس ايريناؤس أن فرح مريم وتسبحتها أثناء البشارة، كانا عملين نبويين صنعا بواسطة القديسة مريم باسم الكنيسة. ويقدم القديس يعقوب السروجي (446م) ذات الفكرة إذ يقول في كلمات متغايرة إذ يقول: "كانت العذراء الحكيمة فيما للكنيسة، سمعت تفسير (التجسد الإلهي) من أجل خلقة العالم كله".
2- زيارة القديسة لنسيبتها اليصابات تحمل رمزا لإرساليات الكنيسة في العالم كله، لأن الكنيسة مثل القديسة مريم هي ابنة صهيون، عذراء فقيرة، أمة الرب، ممتلئة نعمة، تحمل كلمة الله روحيا، يلزمها أن تلتهب بالرغبة في الالتقاء بقريبتها_ أي الالتقاء بالجنس البشري، لتعلن لهم خلاص الله. "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام... القائل لصهيون قد ملك إلهك"
يشير القديس أمبروسيوس إلى هذه الرسالة الإرسالية قائلا عن القديسة مريم أنها ترنمت التسبحة الخاصة ب"تعظم نفس الرب..." وهي مسرعة عبر تلال يهوذا كرمز الكنيسة المسرعة على تلال القرون.
3- عند الصليب يكمل تمثيل القديسة مريم للكنيسة، كقول القديس أمبروسيوس:
"ستكون ابنا للرعد أن كنت ابنا للكنيسة (مريم).
ليقل لك السيد المسيح أيضا من على خشبة الصليب: هوذا أمك ويقول للكنيسة هوذا ابنك. عندئذ تبدأ أن تكون ابنا للكنيسة إذ ترى السيد المسيح منتصرا على الصليب".
التشابه بين القديسة مريم والكنيسة:
1- القديسة مريم الكنيسة كلاهما أم وعذراء في نفس الوقت. كل منهما قد حملت بالروح القدس بغير زرع بشر، معطية ميلادا للابن الذي بلا عيب. فالقديسة مريم هي ام الكلمة الإلهي ولدته حسب الجسد، والكنيسة أم أعضائه ولدتهم بالمعمودية ليشاركوا السيد المسيح حياته.
في هذا يقول القديس أغسطينوس: "كما ولدت مريم ذاك الذي هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة. لأن الكنيسة هي أيضا أم وعذراء، أم في أحشاء حبنا، وعذراء في أيمانها غير المنثلم. هي أم لأمم كثيرة الذين يمثلون جسدا واحدا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفي نفس الوقت هي أم للواحد".
القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، أما الكنيسة فيمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الإيمان بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية.
تحمل الكنيسة ذات لقب القديسة مريم، أي "حواء الجديدة". فإن القديسة مريم قد ولدت" الابن المتجسد" واهب الحياة للمؤمنين، أما الكنيسة فهي أم المؤمنين الذين يتقبلون الحياة خلال اتحادهم بالرأس، الإله المتجسد.
تشابه الكنيسة القديسة بكونها "أمة الرب". فهي كأمة الرب المتضعة ترفض كل المجهودات البشرية الذاتية، وتصير علامة لنعمة الله، الذي يطلبنا في أتضاع طبيعتنا ليقودنا إلى مجد ملكوته!.
دعي كل من القديسة مريم والكنيسة" بالمقدسة أو القديسة". يفسر القديس هيبوليتس التطويب الذي ذكره موسى "مباركة من الرب أرضه، تبقى له وتتبارك بندى السماء" (تث 33: 13) كنبوة عن قداسة مريم، الأرض المباركة إذ تقبلت كلمة الله النازل كندى السماء. يعود فيقرر أنها نبوة تشير إلى قداسة الكنيسة، قائلا: "يمكن أن تقال عن الكنيسة، إذ تباركت بالرب، كأرض مباركة، كفردوس البركة. أما الندى فهو الرب المخلص نفسه".
شفاعة القديسة هي نموذج لعمل الكنيسة، حيث يلتزم أعضاؤها المجاهدون والمنتصرون الإقتداء بالقديسة مريم، مصلين بغير انقطاع من أجل تجديد العالم كله في المسيح يسوع.
القمص تادرس يعقوب ملطى
عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد