المقالات
21 أغسطس 2021
القديسة مريم مثال العذارى
يمثل آباء الإسكندرية اتجاهين مريميين: اتجاه لاهوتي وآخر نسكي. ففي كل فترة يهدأ فيها الاضطهاد يلعب الجانب النسكي دورا مرموقا في حياة المصريين، فيفضل الرجال الحياة في الصحراء بينما تكن الفتيات في بيوت خاصة بالمدن. وكان من الطبيعي أن تقدم القديسة مريم لهؤلاء الفتيات كمثال عظيم يقتدين به. وكانت العذارى يصورن إياها كعذراء العذارى ومثالا لهن. وفي القرن الثاني نجد العلامة أوريجين يقول "يبدو أنه من غير اللائق أن نحسب إنسانا آخر غير العذراء كبكر للبتولية المسيحية". وفي خطاب البابا الكسندروس بابا الإسكندرية الذي أورده القديس أثانسيوس يخاطب العذارى قائلا: "سلوك مريم كمثال هو نموذج للحياة اللائقة بالمساء (أي البتولية) وصورة لها"وفي خطاب وجهه القديس أثانسيوس للعذارى، لا يزال محفوظا بالقبطية يتحدث عن القديسة مريم كنموذج العذارى، مقدما وصفا لحياتها لا كما أظهرها الكتاب المقدس بل أقرب إلى مثال لحياة العذراء، إذ يقول"كانت مريم عذراء نقية تحمل تفكيرا منسجما لقد أحبت الأعمال الصالحة لم تكن تريد أن يراها الرجال، بل سألت الله أن يخبرها كانت تلازم بيتها على الدوام، تعيش حياة العزلة مقتدية بالنحلة وزعت على الفقراء بسخاء كل ما تبقى لها من عمل يديها كانت تصلي لله في وحدة لامرين: لكي لا يوجد فكر رديء له أصلا في قلبها، ولكي لا يكون قلبها متجاسرا أو قاسيا حديثها هادئ وصوتها خافت تشتاق أن تتقدم من يوم إلى يوم، وهكذا كان يحدث إذ تستيقظ كل صباح تسعي أن تقدم عملا جديدا عما سبق لم تكن تخاف الموت بالحري كانت تتنهد حزينة كل يوم أنها لم تعبر بعد ألى مواضع السماء" والقديس أمبروسيوس إذ أشار إلى رسالة القديس أثناسيوس للعذارى قدم صورة جميلة للعذراء مريم كمثال للعذارى، في كتابة "de virginibus" فمدح فيها أتضاعها وصمتها واعتدالها في الكلام، خلوتها، غيرتها العذراوية لحفظ سمعتها، وداعتها، مثابرتها في قراءة الكتاب المقدس، احترامها للآخرين، عملها، وبصورة أخص إيمانها ووعها لقد ختم مقاله قائلا: "هوذا أمام أعينكم صورة لحياة مريم البتولية التي تضئ ببهاء العفة وشكل الفضيلة كما من مرآه"ويروي القديس غريغوريوس النزينزي في مقال ألقاه عام 379م بالقسطنطينية كيف أن القديسة الشهيدة والعذراء يوستينة إذ واجهت الموت مع الساحر كبريانوس الذي أعتنق المسيحية على يديها التجأت إلى السيد المسيح عريسها كحامي بتوليتها وتوسلت إلى القديسة مريم "كعذراء في خطر" تتطلع إلى شفيعة العذارى.
القمص تادرس يعقوب ملطى
عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
14 أغسطس 2021
شفيعتنا
مفهوم الشفاعة:
في كنيستنا الأرثوذكسية لا يمكن أن نقبل وسيطا بين الله والناس غير يسوع المسيح، الذي وحده رئيس الكهنة بالسماويات وذبيحة الفداء إذ بدمه ننال المصالحة وغفران الخطايا، وليس أحد آخر تحت السماء غير أسم "يسوع المسيح" به يمكن أن نخلص (أع 4: 12).
تسائل البعض: إن كان هذا هو فكر الكنيسة فكيف نجد في طقوسها المؤمنين يسألون شفاعة العذراء ويطلبون صلوات القديسين؟ هل يوجد نص إنجيلي يتفق مع شفاعة القديسين؟
نجيب قائلين أن الإنجيل في روحه ونصوصه غايته الدخول بالإنسان إلى "الحياة الإلهية" أي حياة الحب الإلهي، حيث يتخلى الإنسان عن ذاتيته لكي يقدم بالروح القدس حياته كلها مبذولة من أجل خلاص اخوته. بمعنى آخر، الحياة الإنجيلية هي حياة وساطة، حيث يشتهي الإنسان أن يعمل ويصلي لكي يرى الكل في أحضان الله ممجدين.هذه هي الشفاعة!! كلما اقتربت النفس إلى الله في اتحاد أعمق مع يسوع المسيح التصقت بالحب نحو الآخرين، تصلي عنهم وتطلب خلاصهم؟
هذا ما عناه القديس مقاريوس الكبير حين قال أنه لا خلاص للإنسان خارج اخوته فعلينا جميعا، كل منا يصلي عن الآخر. الأباء وهم ينصحون أولادهم يستجدون خلاصهم مصلين من أجلهم. وكما قال القديس بولس مرة أننا مساعدو الله، كل منا وسيط بطريقة ما شفيع من أجل النعمة للآخرين إن عدنا لربنا يسوع المسيح نفسه نراه يكرم شفاعة الناس وتوسلاتهم عن الآخرين، فيشفي المفلوج من أجل إيمان حامليه (متى9: 2)، ويبرئ غلام قائد المئة من أجل طلبات القائد، وينقذ ابنة الكنعانية من الأرواح الشريرة من أجل صرخات أمها... أن الرب الذي يحبنا بلا مقابل يود أن يرانا على مثاله نحب الآخرين ونطلب عنهم أكثر مما لأنفسنا.هذا من جانب أما الجانب الآخر الملازم للأول فهو أن الحب الإنجيلي حب عملي يحمل اتضاعا صادقا، فنشعر أننا لسنا أهلا للصلاة عن أخواتنا بل بالحري نطلب نحن صلواتهم عنا. فالقديس بولس وهو يعلم أنه مدعو من الله نفسه لخدمة الكلمة برؤى وإعلانات يطلب صلوات شعبه لكي يعطيه الرب كلمة عند افتتاح فمه... فهل كان الرسول بلا دالة عند الله ليعطيه كلمة الكرازة؟! إنما يطلب ذلك بروح إنجيلي، روح شركة الحب والأتضاع!
مرة أخرى نتسائل: إن كانت الوساطة البشرية في مجمع القديسين قائمة فعلا حتى على الأرض خلال نعمة ربنا يسوع المسيح، كم بالأكثر هؤلاء الذين دخلوا الفردوس لا يكفوا بالحب عن الصلاة من أجل أخوتهم؟! إن كانوا وهم على الأرض في ثقل الجسد يطلبون عن الآخرين كم بالأكثر حين يلتصقون بالحب ذاته تزداد صلواتهم عمقا وقوة، سائلين الله من أجل خلاص العالم!
باختصار، الشفاعة في مفهومنا الأرثوذكسي لا تحمل أى عبادة للقديسين بل بالحري تؤكد عمل الله الخلاصي في كنيسته وفاعليته في حياة كل عضو، إنها كشف عن وحدة الكنيسة كأعضاء جسد واحد يتألم العضو لآلآم الآخرين ويفرح ويسر بمجد أخيه.
سر شفاعتها:-
أن كان حديثنا السابق عن الشفاعة بوجه عام ماذا بالأكثر تكون قوة صلاة والدة الإله من أجل أولادها وأخوتها... طالبة خلاص الجميع.
لقد رأينا العذراء مريم وقد نالت الأمومة لابن الله المتجسد منها، فصارت أما لكل جسده الذي هو الكنيسة... هذه الأمومة ليست لقبا فخريا بل مسئولية عمل دائم. هذا ما أكده الروح القدس كما تنبأ سمعان الشيخ قائلا: "وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف" لو2: 35. أمومة العذراء مريم التي قامت أولا على أساس نعمة الله المجانية التي اختارها من بين البشر والتي تأكدت بإيمانها في كلمة الله ووعوده، وثبتتها باتضاعها وحفظها للوصية الإلهية... جعل منها عضوا يفوق كل عضو في جسد المسيح، يشعر باحتياجات الأعضاء الأخرى ويتجاوب معها، طالبا خلاص الكل!
حدود شفاعتها:-
في قصة عرس قانا الجليل نستطيع أن نتفهم حدود شفاعة الأم العذراء مريم، فقد تقدمت من نفسها تسأل ابنها: "ليس لهم خمر". لم يجهل ربنا أن الخمر قد فرغ ولا تنقصه معرفته إلى من يذكره باحتياجات أولاده، ولا إلى من يحثه على الاهتمام بهم... لكن ربنا يسوع المملوء حبا يسر أن يجد في أمه وكل اخوته مشاعر الحب.لقد توسلت إليه مرة واحدة، أما هو فأجاب "مالي ولك امرأة لم تأت ساعتي بعد" يو2: 4،وهو لم يصدها إنما أراد أن يكشف لنا شفاعتها
أولا: كشف ثقة أمه فيه، فإنها لم تلح في الطلبة، ولا انتظر منه أنه يجيبها بشيء، بل بكل ثقة وتأكيد قالت للمحتاجين "مهما قال لكم فافعلوه"، وكأنها قد تأكدت أنه يعمل عملا لأولاده الذين تطلب عنهم!
ثانيا: بحديثها مع الخدام المحتاجين كشفت لنا عن مفهوم الشفاعة من جانبنا، ليست عبادة لها، إنما إعلان عن قدرتها على توجيه قلبنا بطريقة سرية تنفيذ وصية ابنها بكل دقة، إذ قالت "مهما قال لكم فافعلوه".إذا لنطلب صلواتها عنا وشفاعتها عنا حتى نقدر على تنفيذ وصايا ابنها. هكذا خلال أمومتها للرب نخلص بنعمة دم ابنها.
القمص تادرس يعقوب ملطى
عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
07 أغسطس 2021
القديسة مريم والخطايا الفعلية
اعتقد بعض الآباء مثل ايريناؤس وأوريجينوس ويوحنا الذهبي الفم أن القديسة مريم لم تعش بغير خطايا فعلية، لكن آرائهم لا تمثل التقليد المريمي المتسع في الكنيسة الأولى.
تعتقد الكنيسة في قداسة مريم الفريدة في نوعها التي تفوق الخليقة السماوية، حتى الشاروبيم والسيرافيم. لقد أمضت حياتها في قداسه كتابوت العهد الحقيقي المصنوع من خشبٍ لا يسوس، مغطى بالذهب من الداخل والخارج.
فيما يلي بعض مقتطفات لكتابات بعض الآباء في هذا الشأن:
إكراما للرب لا أقبل سؤالاً واحدًا يمس موضوع الخطية بخصوص القديسة مريم العذراء القديس أغسطينوس
كيف أقدر بالألوان العادية أن أرسم صورة هذه العجيبة الجميلة مكرمة جدا وممجدة هي صورة جمالهاعاشت حكيمة ومملوءة حبا لله لم تتدنس قط بشهوات رديئة، بل صارت في استقامة منذ طفولتها في الطريق الحق بغير خطأ أو تعثر!القديس يعقوب السروجي
جاء كلمة الآب من حضن الآب،وفي حضن آخر لبس جسدًا،جاء من حضن إلى حضن امتلأ الحضنان النقيان به مبارك هو هذا الذي يسكن فينا! القديس أفرام السرياني
القديسة مريم والخطايا الأصلية
إذ تعمقت جذور محبة الكنيسة الأرثوذكسية للقديسة مريم تتطلع إليها بكونها أكثر قداسة من كل الخليقة السماوية لكنها في نفس الوقت هي عضو طبيعي في الجنس البشري. فنحن لا نعزلها عن البشرية، مدعين أنها ولدت بغير الخطية الجدية، كما لو كانت ليست من زرع بشري.هذه هي الحقيقة التي أعلنتها الثيؤتوكية التالية " يا لغنى الله وحكمته،الرحم الذي تحت الحكم أنجب أولادا بغير ألم المخاض،صارت ينبوع الخلود،أنت عمانوئيل بغير زرع بشر،ليحطم فساد طبيعتنا" هكذا تضع الكنيسة حدا فاصلا بين حياة القديسة قبل لحظة التجسد (كابنة آدم الوارثة للحكم)، وبعدها (تقدست بالكمال للتجسد الإلهي)، ففي ثيؤتوكية أخرى نقول"الروح القدس ملآك تمامًا،ملأ كل جزء في جسدك ونفسك،يا مريم والدة الإله!"
أعلنت القديسة مريم بنفسها فرحتها بالله مخلصها، إذ كانت هي أيضا محتاجة للخلاص. في هذا يقول القديس أمبروسيوس"إذ أراد الرب أن يخلص العالم بدأ عمله بمريم، حتى أنه خلال الخلاص الذي أعد للجميع، تكون هي الأولى تنعم بثمرة الخلاص المقدم بواسطة الابن[1]".
ويقول القديس أغسطينوس"من آدم خرجت مريم، التي ماتت بسبب الخطيئة آدم مات بسبب الخطيئة أما جسد الرب النابع عن مريم فمات ليحطم الخطيئة[2]".
أخيرا فإن هذا المفهوم الأرثوذكسي حفظ كنيستنا بعيدا عن كل مبالغة أو خلط بين ما يخص السيد المسيح وأمه. فإننا لا نجد لاهوتي أرثوذكسي يدعو القديسة مريم "شريكة في الخلاص coredemptrix كما لا نقدم لها بعبادة بل تكريمًا ومديحًا بمعنى آخر في الكنيسة الأرثوذكسية يوجد حد فاصل بين المسيح والقديسة مريم أمه، فلا ينسب لها ما يخص السيد المسيح.
القمص تادرس يعقوب ملطى
عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
05 يونيو 2021
الرسالة السادسة عید القیامة
مفهوم العید
أحبائي... لقد جاء بنا الله مرة أخرى إلى موسم العید، وخلال محبته المترفقة جمعنا معًا للتعیید. لأن الله الذي أخرج إسرائیل( ١) من مصر لا يزال حتى الآن یدعونا إلى العید، قائلاً على لسان موسى: احفظ شهر الثمارالجدیدة "واعمل فصحًا للرب إلهك" (تث ١٠:١٦ )، وعلى لسان النبي "عیدي یا یهوذا أعیادك أوفي نذورك"(نا ١٥:١).فإن كان الله نفسه یحب العید ویدعونا إلیه، فلیس محقًا یا إخوتي أن نؤجله أو نستهین به، إنما یلزمنا أن نأتي إلیه بغیرة وسرورٍ ، حتى إذ نبدأ هنا بالفرح تشتاق نفوسنا إلى العید السماوي.إن عیدنا هنا بنشاط، فإننا بلا شك نتقبل الفرح الكامل الذي في السماء، وكما یقول الرب: "شهوة اشتهیت أن، آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى یكمل في ملكوت الله (لو ١٥:٢٢-16).فنحن نأكل منه الآن أن كان یفهمنا سبب العید وبمعرفتنا للمخلص، نسلك حسب نعمته كقول بولس "إذًا لنعید لیس بخمیرة عتیقة، ولا بخمیرة الشر والخبث، بل بفطیر الإخلاص والحق ( ١كو ٧:٥ ). لأنه في هذه الأیام مات الرب، كي لا نعود نشتاق إلى أعمال الموت! لقد بذل حیاته، حتى نحفظ حیاتنا من شباك الشیطان!
فمن لا یستعد هكذا، یفسد الأیام ولا یكون قد حفظ العید، بل یكون إنسانًا جاحدًا یلوم النعمة… ولا یتضرع إلى الرب الذي خلصه في مثل هذه الأیام.لیسمع مثل هذا الذي یتوهم أنه قد حفظ العید، الصوت الرسولي یوبخه قائلاً "أتحفظون أیامًا وشهوراً وأوقاتًا وسنین. أخاف علیكم أن أكون قد تعبت فیكم عبثًا"
الله یرفض أعیاد الیهود الأشرار
فالعید لیس من أجل الأیام بل من أجل الرب. فنحن نعید له لأنه تألم من أجلنا، إذ "فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا" وقد علم موسى الیهود ألا یكون العید لأجل الأیام بل من أجل الرب قائلاً "هو فصح الرب". لكن إذ فكر الیه ود أن یحفظوا العید بطل فصحهم بسبب اضطهادهم للرب، ولم یعد فصحهم بعد منسوبًا للرب، إنما صار منسوبًاإلیهم، لأنهم قد أنكروا یا أخوتي رب الفصح.لأجل هذا حول الرب وجهه عن تعالیمهم قائلاً "رؤوس شهوركم وأعیادكم بغضتها نفسي"
اشكروا المخلص ومجدوه
لهذا من یحفظ الفصح على منوالهم یوبخه الرب، وذلك كما فعل مع أولئك البرص الذین طهرهم. فقد أحب ذاك الذي قدم له الشكر، وغضب من الآخرین ناكري المعروف، لأنهم لم یعرفوا المخلص، بل انشغلوا بتطهرهم من البرص أكثر من ذاك الذي طهرهم.لكن "واحد منهم لما رأى أنه شفي رجع یمجد الله بصوت عظیم. وخر على وجهه عند رجلیه شاكراً له. وكان سامریًا. فأجاب یسوع وقال ألیس العشرة قد طهروا. فأین التسعة. ألم یوجد من یرجع لیعطي مجدًا لله غیر هذا الغریب الجنس؟!
لذلك وهبه شیئًا أعظم مما نال الآخرون، فأنه إذ تطهر من برصه سمع الرب یقول له "قم وامض إیمانك خلصك"فمن یقدم الشكر والتمجید له مشاعر رقیقة، لهذا فأنه یبارك "معینه" (الرب) من أجل ما وهبه من بركات.ویلفت الرسول أنظار كل البشر إلى هذا الأمر قائلاً "مجدوا لله في أجسادكم ویأمر النبي قائلاً: أعط مجدًا لله.
بالصلیب تمجد ابن الله
وبالرغم من تلك الشهادة التي حملها رئیس الكهنة ضد مخلصنا، واحتقار الیهود له، وإدانة بیلاطس له في تلك الأیام لكن صوت الآب الذي جاءه كان مجیدًا وعظیمًا جدًا إذ یقول "مجدت وسأمجد أیضًا"لأن تلك الآلام التي احتملها لأجلنا قد عبرت، لكن ما یخصه كمخلص یبقى إلى الأبد.لننتفع بالذبیحة لكي لا ندان وإذ نحن نذكر هذه الأیام، لیتنا لا ننشغل باللحوم بل بتمجید الله.لیتنا نكون كأغبیاء من أجل ذاك الذي مات من أجلنا. وذلك كقول الرسول "لأننا إن صرنا مختلین فلله أو كناعاقلین فلكم… إذ نحن نحسب هذا أنه إن كان واحد قد مات لأجل الجمیع فالجمیع إذا ماتوا. وهو مات لأجل الجمیع كي یعیش الأحیاء فیما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام"یلزمنا ألا نعیش بعد لأنفسنا بل نعیش كعبید للرب.ولیس باطلاً تقبل النعمة، لأن الوقت مقبول ویوم الخلاص قد تبلج بموت مخلصنا. فمن أجلنا نزل الكلمة، وإذ هو خالد، حمل جسدًا الموت، وذلك من أجل خلاصنا لقد ذبح ربنا حتى یبطل الموت بدمه!
وفي موضع معین، وبخ الرب بحق أولئك الذین اشتركوا في سفك دمه بغیر سبب دون أن یستنیروا "بالكلمة"…قائلاً (على فم النبي) "ما الفائدة من دمي إذا نزلت (الحفرة)؟!". هذا لا یعني أن نزول الرب إلى الجحیم كان بلا نفع، إذ انتفع منه العالم كله. لكن تعني أنه بعد ما تحمل الرب هذا كله، لا زال بعض الأشرار یرفضون الانتفاع من نزوله إلى الجحیم فیخسرون (ویدانون).فهو ینظر إلى خلاصنا كاستنارة وربح عظیم، ویتطلع بالعكس إلى هلاكنا كخسارة.لنتاجر في الوزنات، ولا نسكن كالیهود الأشراركذلك في الإنجیل، مدح الرب أولئك الذین ضاعفوا الوزنات، سواء ذلك الذي صارت وزناته عشرة عوض الخمسة أو أربع وزنات عوض الوزنتین… إذ ربحوا وجاءوا بالحساب حسنًا.أما ذاك الذي ألقى بالوزنة كأنها لیست بذي قیمة، فقال "أیها العبد الشریر!… كان ینبغي أن تضع فضتي عند
الصیارفة فعند مجیئي كنت آخذ الذي لي مع ربا. فخذوا منه الوزنة أعطوا للذي له العشر وزنات. لأن كل من له یعطى فیزداد ومن لیس له فالذي عنده یؤخذ منه. والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجیة هناك یكون البكاء وصریر الأسنان" لأنها هذه لیست إرادته أن تصیر النعمة التي یهبنا إیاها غیر نافعة، بل یطلب منا أن نتحمل آلامًا لكي نأتي بالثمار التي هي له، كقول الطوباوي بولس "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، وإذ له هذا الشرح الصحیح للموقف أنه لا یملك شیئًا من عندیاته، بل كل ما لدى الإنسان هو عطیة من قبل الله، لهذا كان بولس یعلم بمبدأ صحیح، مشابه للسابق، بقوله "أعطوا الجمیع حقوقهم". وفي هذا كان بولس یشبه أولئك الذین أرسلهم رب البیت لیأتوا بثمار كرمه، معلمًا البشر جمیعهم أن یردوا ما نالوه.أما إسرائیل فقد أحتقر (المرسلین) ولم یرد أن یرد (حق الله)، إذ كانت إرادتهم شریرة، بل وأكثر من هذا قتلواالمرسلین، ولم یخجلوا حتى من رب الكرم بل قتلوه هو أیضًا.
حقًا عندما جاء ولم یجد فیهم ثماراً لعنهم في شجرة التین قائلاً "لا یكن منك ثمر بعد إلى الأبد" فیبست ولم تعد مثمرة حتى تعجب التلامیذ من ذلك.
تحقق النبوات عن خراب إسرائیل
عندئذ تحقق ما نطق به الأنبیاء "وأبید منهم صوت الطرب وصوت الفرح، صوت العریس وصوت العروس،صوت الأرحیة ونور السراج وتصیر كل هذه الأرض خرابًا"، إذ بطل عنهم كل خدمة الناموس، وهكذا سیبقون إلى الأبد بغیر عید. وهم لا یحفظون بعد الفصح، لأنهم كیف یستطیعون أن یحفظوه؟! إنه لم یعد لهم بعد موطن إنما قد صاروا مشتتین في كل مكان إنهم (لا) یأكلون الفطیر… حیث أنهم عاجزون عن تقدیم ذبیحة الخروف، إذ أمروا أن یصنعوا هذا عندما یأكلون الفطیر.أنهم یعصون الناموس في كل شيء، وبحسب أحكام الله یحفظون أیامًا للحزن لا للسعادة.هكذا أیضًا یكون حال الهراطقة الأشرار وأصحاب الإنشقاقات الأغبیاء، أحدهما یذبح الرب والآخر یمزق ثوبه.هؤلاء أیضًا محرومون من العید، لأنهم یعیشون بغیر تقوى ولا معرفة، ویتنافسون بنفس التصرف الذي حدث في
أمر بارباس اللص حیث فضله الیهود عن المخلص، لهذا لعنهم الرب في شجرة التین.غیر أنه في محبته المترفقة ترك جذر (الشجرة) ولم یهلكه إذ لم یلعنه، إنما قال بأنه لا یجني منها أحد ثمرة قط.
وبصنعه هذا أبطل الظل… وترك الجذر لكي نتطعم نحن فیه (أما هم ففي عصیانهم یبسوا). "وهم إن لم یثبتوا في عدم الإیمان (أن صاروا مسیحیین ورفضوا تشامخهم وخضعوا للرب) سیطعمون. لأن الله قادر أن یطعمهم أیضًا"إن كان الله قد لعنهم من أجل إهمالهم… فقد نزع عنهم الحمل الحقیقي.
لنفرح بالعید
أما بالنسبة لنا، فقد جاءنا العید.
لقد جاء الیوم المقدس الذي یلزمنا فیه أن نبوق داعین إلى العید. ونفصل أنفسنا للرب بالشكر، ناظرین إلى أن هذا العید هو عیدنا نحن. لأننا قد صار علینا أن نقدسه، لا لأنفسنا بل للرب، وأن نفرح فیه لا في أنفسنا بل في الرب، الذي حمل أحزاننا قائلاً "نفسي حزینة جدًا حتى الموت" فالوثنیین وكل الغرباء عن الإیمان یحفظون الأعیاد لإرادتهم الذاتیة، هؤلاء لیس لهم سلام إذ یرتكبون الشر في حق الله.أما القدیسون فإذ یعیشون للرب یحفظون العید، فیقول كل منهم "مبتهجًا بخلاصك"، "أما نفسي فتفرح بالرب" فالوصیة عامة بأن یفرح الأبرار بالرب، حتى إذ یجتمعون معًا یترنمون بذلك المزمور الخاص بالعید وهو عام للجمیع، قائلین "هلم نرنم للرب"ولیس لأنفسنا.
بین ذبح اسحق وذبح المسیح
هكذا فرح إبراهیم إذ رأى یوم الرب، لا یوم نفسه. تطلع إلى قدام فرأى یوم الرب ففرح وعندما جرب، قدم بالإیمان اسحق جاعلاً من ابنه الوحید الذي نال فیه المواعید ذبیحة. ولما منع من ذبحه تطلع
فرأى المسیا في "الخروف"الذي ذبح لله عوضًا عن ابنه.لقد جرب الأب في ابنه، ولم یكن الذبح أمر بغیر معنى، إنما كان فیه إشارة إلى الرب كما في إشعیاء إذ یقول"كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازیها فلم یفتح فاه"، إنما قد حمل خطایا العالم.على هذا الأساس منع إبراهیم من أن یمد یده على الصبي، حتى لا یستغلها الیهود كفرصة لیزدروا بالصوت النبوي الذي ینطق بخصوص مخلصنا ناسبین إیاه إلى ذبح اسحق، حاسبین أن كل هذا یشیر إلى ابن إبراهیم.
ذبیحة اسحق مجرد رمز
لم تكن الذبیحة (من أجل اسحق)، بل من أجل الذي قدم الذبیحة، إذ بهذا قد جرب. لقد قبل الله إرادة مقدم
الذبیجة، لكنه منع تقدیم الذبیحة. لأن موت اسحق لا یؤدي إلى تحریر العالم، إنما موت مخلصنا وحده الذي بجراحاته شفینا. فقد أقام الساقطین، وشفى المرض، وأشبع الجیاع، وسد أعواز المحتاجین، وما هو أعجب أنه أقامنا نحن الأموات، مبطلاً الموت، محظراً إیانا من الحزن والتنهد إلى الراحة والسعادة كالتي لهذا العید، إلى الفرح الذي هو في السموات. ولسنا نحن وحدنا الذین نتأثر بهذا، بل والسماء أیضًا تفرح معنا مع كل كنیسة الأبكار المكتوبة في السموات الكل یفرح معًا كما یعلن النبي قائلاً "ترنمي أیتها السموات لأن الرب قد فعل رحمة.. اهتفي یا أسافل الأرض.أشیدي أیتها الجبال ترنمًا، الوعر وكل شجرة فیه لأن الرب قد فدى یعقوب…"ومرة أخرى یقول "ترنمي أیتها السموات وابتهجي أیتها الأرض. لنشید الجبال بالترنم لأن الرب قد عزى شعبه وعلى یائسیه یترحم"
فرح في السماء وعلى الأرض
إذًا الخلیقة كلها تحفظ عیدًا یا أخوتي، وكل نسمة تسبح الرب كقول المرتل، وذلك بسبب هلاك الأعداء
(الشیاطین) وخلاصنا.بالحق أن كان في توبة الخاطئ یكون فرح في السماء، فكیف لا یكون فرح بسبب إبطال الخطیة وٕ اقامةالأموات؟!
آه. یا له من عید وفرح في السماء!!
حقًا. كیف تفرح كل الطغمات السمائیة وتبتهج، إذ یفرحوا ویسهروا في اجتماعاتنا ویأتون إلینا فیكونون معنا دائمًا، خاصة في أیام عید القیامة؟!
أنهم یتطلعون إلى الخطاة وهم یتوبون.وإلى الذین یحولون وجوههم (عن الخطیة) ویتغیرون، وإلى الذین كانوا غرقى في الشهوات والترف والآن هم منسحقون بالأصوام والعفة.وأخیراً یتطلعون إلى العدو (الشیطان) وهو مطروح ضعیفًا بلا حیاة، مربوط الأیدي والأقدام، فنسخر منه قائلین:"أین شوكتك یا موت. أین غلبتك یا هاویة" ( ١ كو ٥٥:١٥).فلنترنم الآن للرب بأغنیة النصرة.
من هم الذین یعبدون؟
من هو هذا الذي إذ یأتي مشتاقًا إلى عید سماوي ویوم ملائكي، یقول مثل النبي "فآتي إلى مذبح الله، إلى الله،بهجة فرحي، وأحمدك بالعود یا الله إلهي" والقدیسون یشجعوننا أیضًا للسلوك بهذا المسلك قائلین "هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بیت إله یعقوب" لكن هذا العید لیس لأجل الدنسین، ولا یصعد إلیه الأشرار، بل الصالحین والمجاهدین والذین یسلكون بنفس الهدف الذي هو للقدیسین، لأنه "من یصعد إلى جبل الرب ومن یقوم في موضع قدسه؟! الطاهر الیدین والنقي القلب الذي یحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذبًا". لأنه كما یكمل المزمور قائلاً "یحمل بركة من عند الرب (وبراً من إله خلاصه)".هذا واضح أنه یشیر إلى ما یهبه الرب للذین عن یمینه قائلاً "تعال وإلى یا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسیس العالم"أما الإنسان المخادع، وغیر نقي القلب، والذي لیس فیه شیئًا طاهراً… فهذا بالتأكید غریب عن القدیسین ویحسب غیر مستحقًا لیأكل الفصح، لأن "كل ابن غریب لا یأكل منه"لهذا عندما ظن یهوذا أنه قد حفظ الفصح، بینما كان قد دبر خداعًا ضد المخلص، أصبح غریبًا عن المدینة التي هي من فوق وبعیدًا عن الصحبة الرسولیة، لأن الشریعة أمرت أن یؤكل الفصح بحرص لائق، أما هو بینما كان یأكل نفبه الشیطان ودخل إلى نفسه.
كیف نعبد؟
لیتنا لا نعید العید بطریقة أرضیة، بل كمن یحفظ عیدًا في السماء مع الملائكة!
لنمجد الله بحیاة العفة والبر والفضائل الأخرى!
لتفرح لا في أنفسنا بل في الرب، فنكون مع القدیسین!
لنسهر مع داود الذي قام سبع مرات، وفي نصف اللیل كان یقدم الشكر من أجل أحكام الله العادلة!
لنبكر كقول المرتل "یا رب بالغداة تسمع صوتي، بالغداة أقف أمامك وتراني"! لنصم مثل دانیال!
لنصلي بلا انقطاع كأمر بولس. فكلنا یعرف موعد الصلاة خاصة المتزوجین زواجًا مكرمًا!
فإذ نحمل شهادة بهذه الأمور، حافظین العید بهذه الكیفیة نستطیع أن ندخل إلى فرح المسیح في ملكوت
السموات.وكما أن إسرائیل (في القدیم) عندما صعد إلى أورشلیم تنقى في البریة، متدربًا على نسیان العادات (الوثنیة) المصریة، هكذا فأن الكلمة وضع لنا هذا الصوم المقدس الذي للأربعین یومًا، فنتنقى ونتحرر من الدنس، حتى عندما نرحل من هنا یمكننا بكوننا قد حرصنا على الصوم (هكذا) أن نصعد إلى جمال الرب العالي، ونتعشى منه، ونكون شركاء في الفرح السماوي.فأنه لا یمكنك أن تصعد إلى أورشلیم وتأكل الفصح دون أن تحفظ صوم الأربعین.
الرسائل الفصحیة للقدیس أثناسیوس الكبیر ترجمة وإعداد القمص تادرس یعقوب ملطي
المزيد
29 مايو 2021
الرسالة الخامسة عید القیامة في ٢٠ برمودة ٤٩ ش 15أبریل ٣٣٣ م
لتستنیر أذهانكم بنور الرب
أخوتي….
إننا ننتقل هكذا من أعیاد إلى أعیاد، ونسیر من صلوات إلى صلوات، ونتقدم من أصوام إلى أصوام، ونربط أیامًا مقدسة بأیام مقدسة.لقد جاء مرة أخرى الوقت الذي یجلبنا إلى بدایة جدیدة، تعلن عن الفصح المبارك الذي فیه قدم الرب ذبیحة.إننا نأكله بكونه طعام الحیاة، ونتعطش إلیه مبتهجة نفوسنا به كل الأزمان، كأنه یفیض بدمه الثمین. إننا نشتاق إلیه على الدوام شوقًا عظیمًا، وقد نطق مخلصنا بهذه الكلمات في حنو محبته موجهًا حدیثه إلى العطشى، إذ یرید أن یروي كل عطشان إلیه، قائلاً "إن عطش أحد فلیأت إلي لیشرب" ولا یقف الأمر عند هذا الحد إذا جاءه أحد یروي عطشه فحسب، بل عندما یطلب إنسان یعطیه المخلص بفیض زائد مجانًا. لأن نعمة الولیمة لا یحدها زمن معین ولا ینقص عظمة بهائها، بل هي دائمًا قریبة تضيء أذهان المشتاقین إلیها برغبة صادقة. لأن في هذه الولیمة فضیلة دائمة یتمتع بها ذوي العقول المستنیرة المتأملین في الكتاب المقدس نهاراً ولیلاً، وذلك مثل الرجل الذي وهب نعمة كما جاء في المزامیر "طوبى للرجل الذي لم یسلك في مشورة المنافقین وفي طریق الخطاة لم یقف وفي مجلس المستهزئین لم یجلس. لكن في ناموس الرب یلهج نهاراً ولیلاً"( ٢) لأن مثل هذا لا تضيء له الشمس أو القمر أو مجموعة الكواكب الأخرى، بل یتلألأ ببهاء الله الذي هو فوق الكل.
بركات العید
أعزائي… إن الرب هو الذي سبق فأعد لنا أولا هذا العید، وهو الذي یتعطف بنا ویتحنن علینا بأن نعید به عامًا بعد عام فقد أرسل ابنه للصلیب من أجلنا، ووهبنا بهذا السبب العید المقدس الذي یحمل في طیاته كل عام شهادة بذلك، إذ یتم العید كل عام في نفس الوقت (بنفس المناسبة). وهذا أیضًا ینقلنا من الصلیب الذي قدم للعالم إلى ذاك الذي هو موضوع أمامنا، إذ منه ینشئ لنا الله فرحًا بالخلاص المجید، ویحضرنا إلى نفس الاجتماع، ویوحدنا في كل مكان بالروح،راسمًا لنا صلوات عامة،ونعمة عامة تحل علینا من العید.فإن هذا هو عجب محبته المترفقة، أنه یجمع في نفس المكان من هم على بعد، ویقرب أولئك الذین هم بعیدین
بالجسد لیكونوا بروح واحد.
لنذكر بركات الله لنا
لهذا ألا نعرف یا أحبائي النعمة التي تنبع من قدوم العید!؟
أما نرد شیئًا لذاك الذي هو محسن علینا؟!
حقًا إنه یستحیل أن نرد لله حسناته علینا، لكنه أمر شریر أن نأخذ الهبات ولا نعرفها.والطبیعة نفسها تشهد بعجزنا، لكن إرادتنا توبخ جحودنا. لهذا فأن بولس الطوباوي عندما كان یتعجب من عظم بركات الله قال "من هو كفء لهذه الأمور" لأنه قد تحرر العالم بدم المخلص، وبالموت داس الموت، ممهدًا طریق الأمجاد السماویة بغیر عقبات أو حواجز لهؤلاء الذین ینمون.لهذا عندما أدرك أحد القدیسین النعمة مع عجزه عن أن یرد لله مقابلها قال "ماذا أرد للرب من أجل كثرة حسناته لي"لأنه عوض الموت تقبل حیاة، وبدل العبودیة نال حریة وبدل القبر وهب له ملكوت السموات.لأنه منذ وقت قدیم "تسلط الموت من آدم إلى موسى"، أما الآن فأن الصوت الإلهي قال "الیوم تكون معي في الفردوس". وإذ یشعر الإنسان القدیس بهذه النعمة یقول "لولا أن الرب كان معي، لهلكت نفسي في الهاویة"علاوة على هذا، یشعر الإنسان بعجزه عن أن یرد للرب عن إحساناته، لكنه یعرف عطایا الله كاتبًا في النهایة "كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو… عزیز في عیني الرب موت أتقیائه" أما عن الكأس، فقد قال الرب "أتستطیعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا؟!". ولما قبل التلمیذان هذا، قال لهما "أما كأسي فتشربانها… وأما الجلوس عن یمیني وعن یساري فلیس لي أن أعطیه إلا للذین أعد لهم من أبي"لهذا یلزمنا أیها الأحباء أن تكون لنا حساسیة من جهة العطیة، حتى وإن وجدنا عاجزین عن رد إحسانات الرب،إنما یلزمنا أن ننتهز الفرصة.
فأن كنا بالطبیعة عاجزین عن أن نرد "للكلمة" أمور تلیق به، عن تلك البركات التي أغدق بها علینا فلنشكره إذ نحن محفوظون في التقوى. وكیف یمكننا أن نربط بالتقوى إلا بتعرفنا على الله الذي من أجل حبه للبشر قدم كل هذه البركات؟! (فأننا بهذا نحفظ الشریعة في طاعة لها، سالكین في الوصایا، لأنه بكوننا غیر جاحدین بل شاكرین إیاه لا نكون مخالفین للناموس ولا مرتكبین لأمور مكروهة، لأنه الله یحب الشاكرین).وأیضًا عندما نقدم أنفسنا للرب مثل القدیسین، عندما نصف أنفسنا بأننا لا نحیا لنفوسنا بل للرب الذي مات من أجلنا، كما فعل بولس الطوباوي عندما قال "مع المسیح صلبت فأحیا لا أنا بل المسیح یحیا في"
لنقدم له من الذي له فینا
والآن أیها الأخوة تكمن حیاتنا حقیقة في نبذنا الأمور الجسدیة وتمسكنا بثبات في الأمور الخاصة بمخلصنا
وحدها. فالموسم الحالي لا یتطلب منا مثل هذا الكلام فحسب بل والإقتداء بأعمال القدیسین.لنقتد بهم، ذلك إن عرفنا ذاك الذي مات (عنا) فلا نعود بعد نحیا لأنفسنا بل للمسیح الساكن فینا.وإذ نرد إلى ربنا قدر طاقتنا، إنما نرد إلیه لا من عندیاتنا بل بتلك الأشیاء التي أخذناها منه، التي هي نعمته،فهو یسألنا عطایاه التي وهبنا إیاها. وقد حمل شهادة بذلك بقوله أن الذي تعطوني إیاه إنما هو عطایاي. لأن ما تعطوني كأنه منكم إنما قد نلتموه مني إذ هو عطیة من قبل الله. لنقدم لله كل فضیلة وقداسة صحیحة هي فیه، ولنحفظ العید الذي له في تقوى بهذه الأمور التي قدسها لأجلنا.لنعمل في الأعیاد المقدسة…. مستخدمین نفس الوسائل التي تقودنا إلى طریق نحو الله.ولكن لیتنا لا نكون مثل الوثنیین أو الیهود الجهلاء أو الهراطقة أو المنشقین…فالوثنیین یظنون أن العید یظهر بكثرة الأكل.والیهود إذ یعیشون في الحرف والظلال یحسبون هكذا.والمنشقون یعیدون في أماكن متفرقة بتصورات باطلة.أما نحن یا إخوتي، فلنسمو على الوثنیین حافظین العید بإخلاص روحي وطهارة جسدیة. ولنسمو على الیهود فلا نعید خلال حرف وظلال، بل بكوننا قد تلألأنا مستنیرین بنور الحق، ناظرین إلى شمس البر (مل ٢:٤ ). ولنسموعلى المنشقین فلا نمزق ثوب المسیح بل لنأكل في بیت واحد هو الكنیسة الجامعة فصح الرب الذي بحسب وصایاه المقدسة یقودنا إلى الفضیلة موصیًا بنقاوة هذا العید. لأن الفصح حقًا خالٍ من الشر، للتدرب على الفضیلة والانتقال من الموت إلى الحیاة.هذا ما یعلم به الرمز الذي جاء في العهد القدیم. لأنهم تعبوا كثیراً للعبور من مصر إلى أورشلیم، أما الآن فنحن نخرج من الموت إلى الحیاة.هم عبروا من فرعون إلى موسى، أما نحن فإننا نقوم من الشیطان لنكون مع المخلص.وكما أنه في مثل ذلك الوقت یحملون شهادة سنویة عن رمز الخلاص هكذا فأننا نحن نصنع ذكر خلاصنا.نحن نصوم متأملین في الموت، لكي نكون قادرین على الحیاة.ونحن نسهر لیس كحزانى، بل منتظرین الرب، متى جاء من العرس حتى نعیش مع بعضنا البعض في نصرة،مسرعین في إعلان النصرة على الموت.
كیف نعید؟
لیتنا یا أحبائي، نحكم أنفسنا –كما تتطلب الكلمة- في كل الأوقات ونحكم أنفسنا حكمًا تامًا، وهكذا نعیش دون
أن ننسى قط أعمال الله العظیمة، ولا ننفصل قط عن ممارسة الفضیلة!وكما ینذرنا الصوت الرسولي قائلاً "أذكر یسوع المسیح المقام من الأموات"، دون أن یشار إلى زمن محدود بل أن یكون ذلك في فكرنا في كل الأوقات.ولكن لأجل كسل الكثیرین نحن نؤجل من یوم إلى یوم، فلنبدأ إذًا من هذه الأیام! لقد سمح بوقت التذكر (بقیامة المسیح) لأجل هذا الهدف حتى یظهر للقدیسین جزاء دعوتهم، وینذر المهملین موبخًا إیاهم. لهذا فإنه لیتنا في كل الأیام الباقیة نكون محفوظین في سلوك صالح، ویكون عملنا التوبة عن كل ما نهمل فیه، لأنه لا یوجد إنسان قط معصوم من الخطأ، ولو كانت حیاته یومًا واحدًا على الأرض، كما یشهد بذلك أیوب الرجل البار. وإذ نمتد إلى ما هو قدام لیتنا نصلي ألا نتناول الفصح بغیر استحقاق حتى لا نكون في خطر.لأن الذین یحفظون العید في نقاوة یكون الفصح طعامهم السماوي، أما الذین ینتهكون العید بالدنس والاستهتار،فأنه بالنسبة لهم یكون موبخًا وخطیراً. فأنه مكتوب بأن من یأكله أو یشربه بدون استحقاق یكون مجرمًا في جسد (موت) الرب لذلك لیتنا لا نقف عند مجرد تنفیذ الطقوس الخاصة بالعید، بل نستعد للاقتراب للحمل الإلهي ونلمس الطعام السماوي.لننقي أیدینا ونطهر الجسد.لنحفظ فكرنا كله من الدنس، فلا نسلم أنفسنا للكبریاء والشهوات، بل ننشغل دومًا بربنا وبالتعالیم الإلهیة، حتى نكون بالكلیة طاهرین نستطیع أن نكون شركاء مع الكلمة
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير
القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
22 مايو 2021
الرسالة الرابعة عید القیامة في ٧ برمودة ٤٨ 2 أبریل ٣٣٢ م.
أرسلت هذه الرسالة من البلاط الإمبراطوري بواسطة أحد الجنود
أرسل إلیكم یا أحبائي رسالتي متأخراً ولیس كما اعتدت؛ واثقًا أنكم ستسامحونني على تأخیري وذلك لطول رحلتي وبسبب مرضي. فقد أعاقاني هذان السببان عن الإرسال، هذا مع حدوث عواصف شدیدة على غیر العادة فأرجأت الكتابة إلیكم.وبالرغم من طول مدة السفر مع مرضي الشدید، لكنني لا أنسى أن أقدم لكم تعالیم العید، إذ من واجبي أن أخبركم عن العید.ومع أن هذه الرسالة قد جاءت متأخرة عما اعتدت علیه، لكنني أظن أنه لا زال الوقت مناسبًا، خاصة وأن أعداءنا قد صاروا في عار، ووبختهم الكنیسة لأنهم اضطهدونا بلا سبب فلنرنم الآن بترنیمة العید ناطقین بتسبحة النصرة ضد فرعون قائلین "أرنم للرب فأنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر"
انتعشوا بالغذاء الروحي یوم العید
حسنًا یا أحبائي أن نخرج من عید إلى عید، فأن احتفالات العید والأسهار المقدسة التي ترتفع في عقولنا، تدعونا إلى حفظ السهر على التأمل في الأمور الصالحة. لیتنا لا نترك هذه الأیام تمر علینا مثل تلك التي حزنا فیها، إنما إذ نتمتع بالغذاء الروحي تخمد شهواتنا الجسدیة.بهذه الوسیلة نقدر أن نغلب أعداءنا الشیاطین والشهوات كما صنعت یهودیت المباركة، إذ تدربت أولاً على الأصوام والصلوات، وبهذا غلبت الأعداء وقتلت ألیفاناذ.وعندما كان الخراب سیحیق بكل جنس استیر… لم تفسد ثورة الطاغیة إلا بالصوم والصلاة إلى الله،وهكذا حولت هلاك شعبها إلى حفظهم في سلام وإذ كانت الأیام التي فیها یقتل العدو أو تباد مؤامراته، تعتبر بالنسبة لهم أعیادًا… لذلك أمر موسى المبارك أن یعید بعید الفصح العظیم، لأن فرعون قد قتل والشعب خلص وتحرر من العبودیة…
الیوم قد قتل الشیطان عدونا
والآن یا أحبائي.. قد ذبح الشیطان، ذلك الطاغیة الذي هو ضد العالم كله، فنحن لا نقترب من عید زمني بل عید دائم سمائي. معلنین إیاه لا خلال ظلال (وحرف) بل في الحق لأن أولئك بعد ما شبعوا من جسدالخروف الأبكم تمموا العید، وإذ مسحوا قوائم بیوتهم بالدم نجوا من المهلك. أما الآن فإذ نأكل "كلمة" الآب وتمسح
قلوبنا بدم العهد الجدید نعرف النعمة التي یهبنا إیاها المخلص الذي قال "ها أنا أعطیكم سلطانًا لتدوسوا الحیات والعقارب وكل قوة العدو" (لو ١٩:١٠ ) لأنه لا یعود یملك الموت، بل تتسلط الحیاة عوض الموت، إذ یقول الرب "أنا هو الحیاة" (یو ٦:١٤ )، حتى أن كل شيء امتلأ بالفرح والسعادة، كما هو مكتوب "الرب قد ملك، فلتفرح الأرض". ، لأنه عندما ملك الموت "على أنهار بابل جلسنا فبكینا" (راجع مز ١:٩٧, ١:١٣٧ ) ونحنا، لأننا قد شعرنا بمرارة الأسر. وأما الآن إذ بطل الموت وانهدمت مملكة الشیطان، لذلك امتلأ كل شيء بالفرح والسعادة.ولم یعد الله معروفًا في الیهودیة وحدها بل في كل الأرض "في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة كلماتهم" (مز ١:٧٦ , ٤:١٩) الأمور الباقیة واضحة یا أحبائي. أنه یلزمنا أن نقترب إلى عید كهذا لا بثوب مدنس، بل أن تلتحف نفوسنا بأثواب طاهرة.یلزمنا أن نلبس ربنا یسوع حتى نستطیع أن نعید العید معه.والآن نحن نلبسه عندما نحب الفضیلة ونبغض الشر؛ عندما ندرب أنفسنا على العفة ونمیت شهواتنا،عندما نحب البر الآثم، عندما نكرم القناعة، ویكون لنا عقلاً راسخًا، عندما لا ننسى الفقیر بل نفتح أبوابنا لجمیع البشر، عندما نعین الضعفاء وننبذ الكبریاء.
بین الفصح الحقیقي والفصح الرمزي
لقد كان هذا لإسرائیل القدیم في رموز، محاربین لأجل النصرة، معیدین في ظلال وحرف.أما نحن أیها الأحباء فقد تحقق لنا ما كان ظلالاً، وتم ما كان حرفًا، لذلك یلزمنا ألا ننظر إلى العید كرمز، ولا نذهب إلى أورشلیم التي هي هنا أسفل (في الأرض) لكي نقدس خروف الفصح… لئلا عندما یعبر الوقت(الموسم) ینظر إلینا أننا نصنع أمراً غیر مناسب. ولكن بحسب أمر الرسل یلزمنا أن نتعدى حدود الحرف، ونترنم
بأغنیة التسبیح.فبإدراكنا هذا، مجتمعین مع بعضنا البعض بالحق (المسیح) یقتربون إلینا ویقولون لمخلصنا "أین ترید أن نعد لك لتأكل الفصح؟!" فإنه لا تعود هذه الأمور تصنع في أورشلیم التي هي أسفل ولا هناك فقط بالعید بل أینما یرید الله. إنه یرید الآن أن یكون العید في كل مكان حتى أنه "في كل مكان یقرب لاسمي (لأسمه)" (مل ١١:١) فمع أنه في التاریخ لم یكن یحفظ الفصح إلا في أورشلیم لكن لما جاء ملء الزمان وعبرت الظلال وانتشرت الكرازة بالإنجیل في كل مكان، ونشر التلامیذ الأعیاد في كل الأماكن كأنهم یسألون المخلص "أین ترید أن نعده؟!" والمخلص أیضًا إذ حول الحرف إلى روح، وعدنا أنهم لا یعودون یأكلون جسد الخروف، بل یأكلون جسده هو قائلاً: خذوا كلوا واشربوا هذا هو جسدي ودمي (راجع مت ٢٦:٢٦-28) فإذ ننتعش بهذه الأمور، فأننا بالحق یا أحبائي نحفظ عید الفصح الحقیقي.
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير
القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
15 مايو 2021
الرسالة الثالثةعید القیامة في ١٦ برمودة ٤٧ ش 11 أبریل ٢٣١ م
لنعید رغم ضیقتنا( ١) ووجودي معكم
أخوتي الأحباء
لقد اقترب منا یوم العید مرة أخرى، الذي أن صمتنا فیه نجعله غیر مقدس، إنما یلزم أن یكون مكرسًا للصلاة أكثر من كل الأیام، وفیه نحفظ الوصایا. لأنه وإن كنا في ضیق من أولئك الذین یحزنوننا، وبسببهم سوف لا نخبركم عن هذا الموسم (إذ لا یكون بین شعبه)، لكن شكراً لله الذي یعزي الحزانى، حتى لا ننهزم بشرور أولئك الذین یتهموننا فنصمت، ففي طاعتنا لصوت الحق نصرخ معكم عالیًا في یوم العید، لأن إله الكل قال بأن یتكلما(موسى وهارون) مع الشعب لحفظ الفصح، ویعلن الروح في المزامیر قائلا "انفخوا في رأس الشهر بالبوق عید الهلال كیوم عیدنا" ویصرخ النبي قائلا : "عیدي یا یهوذا أعیادك"(نا ١٥:١) وأنا لا أرسل إلیكم الكلمة كأنكم جاهلین، بل أعلنها للذین یعرفونها، حتى یدركون بأنه وإن كان بعض البعض
یفرقنا، لكن الله یجمعنا، فإننا نعید بنفس العید، ونتعبد لنفس الإله على الدوام.ونحن لسنا نعید كمتفرجین، عالمین أن الرسول یوبخ أمثال أولئك قائلا : "أتحفظون أیامًا وشهوراً وأوقاتًا وسنین"(غل ١٠:٤ )، بل بالحري نكرم هذا الیوم العظیم من أجل العید، حتى نرضي الله – نحن جمیعًا الذین نخدم الله في كل مكان - وذلك بصلواتنا الجماعیة. وقد أعلن بولس الطوباوي عن قرب سرور كهذا، وهو في هذا لم یعلن عن أیامٍ بل عن الرب الذي من أجله نحفظ العید، إذ یقول "المسیح قد ذبح لأجلنا" ( ١ كو ٧:٥ )، فإذ نتأمل أبدیة
الكلمة نقترب منه لخدمته.
تاجروا في الوزنات شاكرین
لأنه ماذا یعني العید سوى خدمة النفس؟! وما هي هذه الخدمة إلا الصلاة الدائمة لله والشكر المستمر؟!
فغیر الشاكرین، البعیدین عن هذا هم بالحق محرومون من الفرح النابع من هذا، لأن الفرح والبهجة
منزوعان عن أفواههم، ولذلك فإن الكلمة (الإلهیة) لا تسمح لهم أن یكونوا في سلام، إذ لا سلام للأشرار
قال الرب (إش ٢٢:٤٨ )، إنما یعملون في ألم وحزن.لهذا، حتى الذي كان مدینًا بعشرة آلاف وزنة لم ینل الصفح في نظر الرب (مت ٢٤:١٨ )، لأنه عندما صفح عنه في الكثیر، عاد فاستحق القصاص حتى عما صفح عنه بسبب نسیانه الرحمة…فإذ اختبر الرحمة، كان یلزم أن یكون هو أیضًا مترفقًا بالعبد زمیله!
والذي أخذ الوزنة الواحدة، ولفها في مندیل وخبأها في الأرض طرد أیضًا لتذمره وعدم شكره، سامعًا تلك الكلمات "أیها العبد الشریر والكسلان عرفت أني أحصد حیث لم أزرع واجمع من حیث لم أبذر. فكان ینبغي أن تضع فضتي عند الصیارفة. فعند مجیئي كنت آخذ الذي لي مع ربا. فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر وزنات(مت ٢٦:٢٥ ). لأنه عندما طلب منه أن یعطي سیده حساب الوزنة كان یلزمه أن یعرف شفقة سیده الذي أعطاه هذه الوزنة ویعرف قیمة هذه العطیة. فالذي أعطاه لیس برجل قاسي، لأنه لو كان كذلك لما أعطى عبیده الوزنات منذ البدایة. ولا العطیة التي قدمها هي بالأمر غیر النافع أو باطلة، إذ لیس فیها خطأ.فالذي أعطى هو صالح، والعطیة كان یمكن أن تأتي بثمار. لذلك ملعون من یخفي القمح في وقت البذار (راجع أم ٢٦:١١ )، إذ یطالبنا المثل الإلهي ألا نهمل العطیة أو نخبئها من غیر إكثارها ومضاعفاتها، وإلا بحق نطرد خارجًا كأشرار متذمرین. على هذا ألأساس مدح الرب أولئك الذین ضاعفوا وزناتهم، قائلا "نعمًا أیها العبد الصالح الأمین كنت أمینًا في القلیل فأقیمك على الكثیر أدخل إلى فرح سیدك (مت ٢٣:٢٥) أضرموا الموهبة التي فیكم
هذا كان صحیحًا وبحق، إذ یعلن الكتاب المقدس أنهم ربحوا قدر ما أخذوا. والآن ینبغي علینا یا أحبائي أن
نخضع إ ا ردتنا حسب لطف الله ولا نقصر عن العمل، لئلا إذا ما تركنا إ ا ردتنا عاطلة ترحل عنا النعمة التي وهبت لنا فینا. وإذ یجدنا العدو (الشیطان) هكذا فارغین وعراة یدخل فینا، فیكون حالنا كتلك الحالة التي وردت في الإنجیل، ذلك الرجل الذي خرج منه الشیطان. فإنه بعد ما خرج الشیطان منه وذهب إلى أماكن جافة، عاد ومعه سبعة أرواح أشر منه إلى المنزل فوجده فارغًا، لذلك سكن هناك، وصارت أواخر ذلك الرجل أشر من أوائله. فعدم التحلي بالفضائل یعطي للأرواح الشریرة فرصة للدخول فینا. وأكثر من هذا توجد وصیة من الرسول إلى تلمیذه یلزمه ألا تكون النعمة المعطاة لنا عاطلة بلا نفع. ویؤكد قائلاً له ألا یهمل الموهبة المعطاة له. لأن الذي یفلح أرضًا یسر بالخبز، وأما طریق الكسلان فمملوء أشواكًا. ویحذرنا الروح ألا نسقط في هذا (الكسل) قائلاً "احرثوا لأنفسكم حرثًا ولا تزرعوا في الأشواك" (إر ٣:٤ )… ویوضح النبي نهایة مثل هذا الكسل قائلا : "ملعون من یعمل عمل الرب برخاء" (إر ١٠:٤٨ ) لأنه یلزم على خادم الله أن یكون مجتهدًا حریصًا. نعم، وبالحري یكون ملتهبًا كالنار، حتى عندما یحطم الشهوات الجسدیة بروح ملتهبة یكون قادراً على الاقتراب من الله الذي یلقبه القدیسون ب "النار الآكلة".
لنضرم نار الروح الذي فینا
لذلك فإن إله الكل هو "الصانع ملائكته ریاحًا وخدامه ناراً ملتهبة" كذلك منع الجمهور عند رحیله عن مصر من أن یلمسوا الجبل الذي فیه یعلن الله الشریعة، لأنه لیس لهم هذه الصفة (ناراً ملتهبة). لكنه نادى موسى الطوباوي إلیه، إذ كان ملتهبًا في الروح ومملوء بالنعمة غیر المنطوق بها، قائلاً "ویقترب موسى وحده" ودخل موسى السحاب أیضًا، وعندما كان الجبل یدخن ولم یصبه أذى بل بالعكس تنقى بفاعلیة كلمات الله التي هي كفضة مختارة منقاة في الأرض لهذا عندما رغب بولس الطوباوي ألاَّ تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: "لا تطفئوا الروح" ( ١ تس19:5)، حتى نبقى شركاء مع المسیح. ذلك إن تمسكنا حتى النهایة بالروح الذي أخذناه، إذ قال: "لا تطفئوا..." لیس من أجل أن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان أو أنه یحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غیر الشاكریرغب في إطفاء الروح علانیة، ویصیر كالأشرار الذین یضایقون الروح بأعمال غیر مقدسة..فإذ هم بلا فهم، مخادعین، ومحبین للخطیة، وما زالوا سائرین في الظلام، فإنه لیس لهم ذلك النور الذي یضيء لكل إنسان آت إلى العالم (یو 9:1) لقد أَمسكت نار كهذه بإرمیا النبي عندما كانت الكلمة فیه كنارٍ، قائلاً إنه لا یمكن أن یحتمل هذه النار ( إر 9:20) وجاء سیِّدنا یسوع المسیح المحب للإنسان لكي یلقي بهذه النار على الأرض، قائلاً: "ماذا أرید لو اضطرمت؟ (لو 49:12) لقد رغب الرب – كما شهد حزقیال (حز23:18, 32) - توبة الإنسان أكثر من موته، حتى ینتزع
الشر عن الإنسان تمامًا، عندئذ یمكن للنفوس التي تنقت أن تأتي بثمر. فتثمر البذار التي بذرها (الرب) البعض بثلاثین والبعض بستین والآخر بمائة.: وكمثال، أولئك الذین مع كلیوباس (لو 32:24) مع أنهم كانوا ضعفاء في بدایة المر بسبب نقص معلوماتهم، لكنهم أصبحوا بعد ذلك ملتهبین بكلمات المخلص، واظهروا ثمار معرفته.وبولس الطوباوي أیضًا عندما أمسك بهذه النار لم ینسبها إلى دم ولحم، ولكن كمختبر للنعمة أصبح
كارزاً بالكلمة (المسیح).
أناس رفضوا النعمة
ولكن لم یكن هكذا التسعة البرص الذین شفوا، لأنهم لم یشكروا الرب الذي طهرهم.ولا یهوذا الذي حصل على الرسولیة ودعي بتلمیذ الرب، ولكن أخیراً بینما كان یأكل مع المخلص رفع عقبه ضده، وصار خائنًا.
( لو24 )
أمثال هؤلاء ینالون جزاءهم عن غباوتهم، حیث أن رجاءهم یصیر باطلاً لعدم اعترافنا بالجمیل، فإن
النار الأخیرة المعدة للشیطان وجنوده تنتظر أولئك الذین أهملوا النور الإلهي. هكذا تكون نهایة الإنسان غیر
الشاكر.
اشكروا الله في كل شيء.
لكن خدام الله الأمناء الحقیقیین، لا یكفوا عن تمجید الله، إذ یعرفون أنه یحب الشاكرین. وهم یقدمون له الشكر في وقت الضیق كما في الفرح یقدمون التسبیح لله بشكر غیر مبالین بهذه الأمور الزمنیة، بل متعبدین لله إله كل الأزمنة.هكذا منذ القدم كان أیوب الذي وهب أكثر من كل رجال عصره یشكر الله عندما كان في نعیم. ولما حلت به الضیقة أحتملها بصبر، وإذ تألم كان یشكر الله.وأیضًا داود المتواضع في وقت الحزن یتغنى قائلاً "أبارك الرب في كل حین"وبولس الطوباوي لم یكف في كل رسائله عن أن یشكر الله ففي وقت الفرح لم یتوقف عن الشكر، وفي وقت الحزن كان یزداد تسبیحه لله عالمًا أن الضیق ینشئ صبراً، والصبر تزكیة والتزكیة رجاء، والرجاء لا یخزى إذن لنقتف آثار هؤلاء الرجال فلا یمر علینا وقت دون أن نشكر الله، خاصة الآن فإذ نحن في شدة بسبب الهراطقة الأریوسیین الذین یضادوننا، نسبح الله وننطق بكلمات القدیسین قائلین "هذا كله جاء علینا وما نسیناك" نعم فإننا حتى وإن كنا نتضایق محزونین فأننا نشكر الله، لأن الرسول الطوباوي الذي یقدم الشكر في كل وقت یحثنا أن نسلك في نفس الطریق على الدوام بقوله "في كل شيء…. مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله" وإ ذ یرغب في أن نثبت على هذ ا الموقف یقول "صلوا بلا انقطاع . اشكروا في ك ل شيء " لأنه عارف أن المؤمنین یكونون أقویاء طالما هم یشكرون، وأنهم یفرحون هادمین حصون الأعداء (الشیاطین) كأولئك القدیسین الذین قالوا "لأني بك اقتحمت جیشًا وبإلهي تسورت أسواراً" إذًا لنثبت في كل الأوقات، خاصة الآن رغم ما یحیق بنا من أحزان وما یثیره الهراطقة ضدنا.دعنا إذن أیها الأخوة الأحباء نعید بشكر ذلك العید المقدس الذي یقترب منا الآن، ممنطقین أحقاء أذهاننا،متشبهین بمخلصنا یسوع المسیح الذي كتب عنه "ویكون البر منطقة متینة والأمانة منطقة حق ویة" لیمسك كل واحد منا بالجذع الذي من یسى، ولیحتذي باستعداد الإنجیل . لنحفظ الرسول –كقول الرسول- "لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث بل بفطیر الإخلاص والمحبة" واثقین أننا قد اصطلحنا خلال المسیح، غیر منفصلین عن الإیمان به، ولا مدنسین أنفسنا مع الهراطقة والغرباء
عن الحق، هؤلاء الذین نشهد مناقشاتهم واردتهم عن خستهم. أما نحن فنفرح في أحزاننا وندخل أتون الحدید ونعبر ذلك البحر الأحمر المرعب دون أن یصیبنا أي أذى.هكذا أیضًا عندما ننظر إلى ارتباك الهراطقة نغني مع موسى بأغنیة المسیح قائلین "أرنم للرب لأنه قد تعظم"خر ١:١٥ . فنسبح مرتلین، إذ نرى الخطیة التي فینا قد طرحت في البحر، وأما نحن فنعبر إلى البریة.وإذ نتنقى بصوم الأربعین مع الصلوات والتداریب والأعمال الصالحة نستطیع أن نعبر إلى أورشلیم لنأكل الفصح المقدس.
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير
القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
08 مايو 2021
الرسالة الثانیة عید القیامة في ٢٤ برمودة سنة ٤٦ ش 19 أبریل سنة ٣٣٠ م
لنقتد بالأولین في حفظ العید
إخوتي… هل جاء عید الفصح وحل السرور، إذ أتى بنا الرب إلى هذا العید مرة أخرى، لكي إذ نتغذى روحیًا – كما هي العادة- نستطیع أن نحفظ العید كما ینبغي؟!
إذًا فلنعید به فرحین فرحًا سماویًا مع القدیسین الذین نادوا قبلاً بمثل هذا العید، وكانوا قدوة لنا في الاهتداء
بالمسیح. لأن هؤلاء لیس فقط أؤتمنوا على الكرازة بالإنجیل فحسب، وإنما حتى فحصنا الأمر نجدهم كما هو
مكتوب أن قوته كانت ظاهرة بهم، لذلك كتب (الرسول) "كونوا ممتلئین بي"هذه الوصیة الرسولیة تنذرنا نحن جمیعًا، لأن الوصایا التي أرسلها (الرسول) إلى أشخاص، إنما یأمر بها في نفس الوقت كل إنسان في كل مكان، إذ كان "معلمًا لكل الأمم في الإیمان والحق"على وجه العموم، تحثنا وصایا كل القدیسین على ذلك بالقدوة، وذلك كما استعمل سلیمان الأمثال قائلا : "اسمعوا أیها البنون تأدیب الرب، أصغوا لأجل معرفة بفهم، لأني أعطیتكم تعلیمًا صالحًا، فلا تتركوا شریعتي. فإن كنت ابنًا لأبي غضًا ووحیدًا عند أمي" (أم ١:٤ ). لأن الأب البار یربي أولاده تربیة حسنة، إذ یجتهد في تعلیم الآخرین بسیرته المستقیمة الفاضلة. حتى إذا ما حدثت مقاومة، لا یخجل من سماعه هذا القول "فأنت الذي تعلم غیرك ألست تعلم نفسك" (رو ٢١:٢ )، إنما یكون بالحري مثل خادم أمین یقدر أن یخلص نفسه ویربح الآخرین. وإذ تتضاعف النعمة المعهو دة إلیه یستطیع أن یسمع ذلك القول "نعمًا أیها العبد الصالح والأمین. كنت أمینًا في القلیل فأقیمك على الكثیر. أدخل إلى فرح سیدك" (مت ٢١:٢٥
لنسكن سامعین عاملین
لیتنا لا نكون سامعین فقط بل وعاملین بوصایا مخلصنا، فأن هذا یلیق بنا في كل الأوقات وبالأخص في أیام
العید، أننا بإقتدائنا بسلوك القدیسین یمكننا أن ندخل معهم إلى فرح ربنا الذي في السموات، هذا الفرح غیر الزائل بل باق بالحقیقة.هذا الفرح یحرم فاعلو الشر أنفسهم منه بأنفسهم، ویتبقى لهم الحزن والغم والتنهدات مع العذابات…لنرى هؤلاء الذین لیس لهم الافتداء باهتداء القدیسین، لیس لهم الفهم الحقیقي الذي به كان الإنسان منذ البدایة عاقلاً وعلى صورة الله… ماذا یشبهون؟!أنهم بسبب عدم نعمتهم یشبهون بالوحوش التي بلا فهم، إذ صاروا في اللذات الدنسة مثل الحیوانات، كفرسان جامحة لقد دعوا "أولاد الأفاعي"كقول یوحنا، بسبب أهوائهم وأخطائهم والخطیة التي تقودهم إلى الموت، إذ لم یرتفعوا
بأذهانهم عن الأمور المنظورة، بل یحسبون أن هذه الأمور المنظورة هي أمور صالحة، ویسرون بها لأجل خدمة شهواتهم لا الله.
الكلمة المكتوبة توبخ الأشرار
أنه لأجل هذا السبب عینه جاءت الكلمة المحبة للإنسان… تبحث لتجد ما قد فقد، وتطلب أن تصدهم عن
غباوتهم هذه، صارخة قائلة "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم بلجام وزمام زینته لكم لئلا یدنو إلیك"
وإذ كان هؤلاء متهاونین ومقتدین بالأشرار، لهذا یصلي النبي في الروح قائلاً بأنهم في نظره كانوا یشبهون تجارفینیقیة ویعترضهم الروح المنتقم ضدهم بهذه الكلمات "یا رب عند التیقظ تحتقر خیالهم"وهكذا إذ یتغیرون إلى شبه الأغبیاء، ینطمس فهمهم… لذلك "بینما یزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء… وكما
لم یستحسنوا أن یبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض لیفعلوا ما لا یلیق". لأنهم لم ینصتوا إلى الصوت النبوي الذي وبخهم قائلاً "فبمن تشبهون الله. وأي شبه تعادلون به؟!"ولا أنصتوا إلى داود الذي صلى من أجل أمثالهم وترنم قائلاً "مثلها یكون صانعوها بل كل من یتكل علیها" إذ صاروا عمي عن التطلع إلى الحق….
لنفرح بالعید بحفظنا الوصایا
والآن فإن أولئك الذین لا یحفظون العید.. هؤلاء مقدمون على أیام حزن لا سعادة، لأنه "لا سلام قال الرب
للأشرار" (إش ٢٢:٤٨ ). وكما تقول الحكمة إن الفرح والسعادة منتزعان عن فمهم. هكذا تكون أفراح الأشرار. أما عبید الرب الحكماء، فقد لبسوا بحق الإنسان الجدید المخلوق بحسب الله( ٢)، هؤلاء یتقبلون كلمات الإنجیل،ویحسبون الوصایا التي أعطیت لتیموثاوس على أنها وصایا عامة إذ جاء فیها "كن قدوة للمؤمنین في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإیمان، في الطهارة" وهكذا یحفظون العید حسنًا، حتى ینظر إلیهم غیر المؤمنین. ویقولون "إن الله بالحقیقة فیكم"فكما أن من یقبل رسولاً إنما یقبل الذي أرسله هكذا من یسلك على منوال القدیسین یجعل الرب هدفه وقصده في كل شيء، لذلك فإن بولس وهو مرتبط بالمسیح یقول "كما أنا بالمسیح".لأنه توجد أولاً كلمات مخلصنا ذاتها، إذ وهو الإله العظیم قال لتلامیذه "تعلموا مني لأني ودیع ومتواضع القلب.فتجدوا راحة لنفوسكم"كذلك عندما صب ماء في مغسل واتزر بمنشفة وغسل أقدام تلامیذه قال لهم "أتفهمون ما قد صنعت بكم. أنتم تدعونني معلمًا وسیدًا وحسنًا تقولون لأني أنا كذلك. فإن كنت أنا السید والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم یجب علیكم أن یغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطیتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أیضًا"
لنقتد بالرب
آه یا أخوتي، ما أعجب حب المخلص المملوء ترفقًا؟!
بأي قوة، وبأي بوق یلزمنا أن نهتف صارخین ممجدین بركاته علینا؟! فلا نحمل صورته فحسب، بل ونأخذ منه مثلاً ونموذجًا للتعیید السماوي. وكما ابتدأ هو هكذا یلزمنا نحن أن نكمل، فلا نرتعب من الآلام، ولا نشتم من یشتمنا، بل نبارك لاعنینا. ونسلم أمورنا في كل شيْ لله الذي یقضي بعدل لأن أولئك الذین طبعوا على هذا، وشكلوا أنفسهم حسب الإنجیل، یكونون شركاء مع المسیح، وممتثلین بالتحول الرسولي، الذي على أساسه یصیرون مستحقین للمدیح منه، ذاك الذي مدح أهل كورنثوس عندما قال فأمدحكم أیها الإخوة على أنكم تذكرونني"
لنتمسك بالتقلید ولیس بتعالیم الناس
هؤلاء الأشرار لا یتخفون فقط من جهة الظاهر حاملین كقول الرب ثیاب الحملان، ظاهرین كقبور مبیضة، بل وینطقون بالكلمات الإلهیة بینما دوافعهم الداخلیة شریرة. وأول من أخذ هذه الصورة هو الحیة، التي نفثت بالشر منذ البدایة، فتحدث الشیطان (عن طریقها) مع حواء خادعًا إیاها. وجاء بعد ذلك أولئك الذین یبعثون بالهرطقات الباطلة، فیستخدمون كلمات الكتاب المقدس، لكنهم لا یتمسكون بما تسلمناه من القدیسین، ناظین إلى أن ما یتسلموه من القدیسین هو من تقالید الناس. هذا خطأ، إذ هم لا یعرفون
من هم القدیسین ولا ما هي قوتهم؟! لذلك بحق مدح بولس أهل كورنثوس، لأن أفكارهم كانت متفقة مع التقالید التي سلمهم إیاها وقد وبخ الرب بحق الیهود قائلاً لهم "وأنتم أیضًا لماذا تتعدون وصیة الله بسبب تقلیدكم؟!. وذلك لأنهم غیروا الوصایا التي استلموها من الله بحسب فهمهم مفضلین إتباع تقالید الناس.
بعد هذا بمدة قصیرة أصدر بولس الطوباوي توجیهاته إلى أهل غلاطیة الذین كانوا في خطر من هذا، كاتبًا لهم یقول "إن كان أحد یبشركم بغیر ما قبلتم فلیكن أناثیما"
الفرق بین التقلید وتعالیم الناس
لا توجد صداقة بین كلمات القدیسین والأوهام التي من خلق البشر، لأن القدیسین هم خدام للحق، كارزین بملكوت السموات، أما هؤلاء الذین یسلكون في اتجاه مضاد، فأنه لیس لهم سوى أن یأكلوا ویفكروا فیما سینتهي، قائلین"لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت"( ٥). لذلك ینتهر لوقا الطوباوي ما هو من خلق الناس مسلمًا إیانا ما هو مروٍ منالقدیسین ذاكراً في بدء الإنجیل "إذ كان كثیرون قد أخذوا بتألیف قصة في الأمور المتیقنة عندنا كما سلمها إلینا الذین كانوا منذ البدء معاینین وخدامًا للكلمة. أ ریت أنا أیضًا إذ تتبعت كل شيء من ألأول بتدقیق أن أكتب على التوالي إلیك أیها العزیز ثاؤفیلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به
فكل قدیس من القدیسین یتسلم التقالید یساهم بغیر تحریف أن یثبت تعالیم الأسرار.لذلك فأن الكلمة الإلهیة تطالبنا بالتلمذة على یدي هؤلاء فهم معلمون لنا بالحق، ولهؤلاء وحدهم یلزمنا أن نصغي، لأن لهم وحدهم "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول" هؤلاء لیسوا تلامیذ لأنهم سمعوا من الآخرین بل هم شهود عیان وخدام للكلمة إذ سمعوا منه ما قد سلموه. فالبعض منهم یتحدث عن الأعمال العجیبة التي صنعها مخلصنا مبشرین بلاهوته السرمدي، والبعض كتب عن میلاده حسب الجسد من العذراء، كما أعلنوا عن میلاده حسب الجسد من العذراء، كما أعلنوا عن عید الفصح المقدس قائلین "لأن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا"حتى أننا نتذكر كأفراد وكجماعة، فتتذكره كنائس العالم جمیعها، كما هو مكتوب أن المسیح قام من الأموات، هذا الذي من نسل داود، كما جاء في الإنجیل. لیتنا لا ننسى ما قد سلمه… أي عن قیامة الرب، إذ یقول عنه أنه أباد الذي له سلطان الموت أي الشیطان وأنه أقامنا معه، إذ حل رباطات الموت، ووهبنا بركة عوض اللعنة، وأعطانا الفرح عوض الحزن، وقدم لنا العید عوض النوح، ذلك في الفرح المقدس الذي لعید القیامة، العید الدائم في قلوبنا، إذ نفرح به على الدوام كأمر بولس"صلوا بلا انقطاع اشكروا في كل شيء" وهكذا لا نتغافل عن أن نقدم التعالیم في هذه المواسم كما تسلمنا من الآباء.
مرة أخرى نكتب لكي نحفظ التقالید الرسولیة، مذكرین بعضنا بعضًا بالصلاة، حافظین العید معًا بفم واحد،
شاكرین الرب بحق.وهكذا إذ نقدم الشكر للرب مقتدین بالقدیسین، فأن لساننا یمجد الله الیوم كله كقول المرتل وإذ نحفظ العید كما ینبغي نتأهل للفرح الذي في السماء.
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير
القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
02 مايو 2021
الرسالة الأولى عید القیامة في ١١ برمودة سنة ٤٥ ش 6 أبریل سنة ٣٢٩ م.
هذا هو الیوم الذي صنعه الرب
هیا بنا یا أحبائي، فالوقت یدعونا إلى حفظ العید. وشمس البرّ (مل ٢:٤ ) إذ یشرق بأشعته الإلهیة علینا یعلن عن موعد العید. لذا یجب الاحتفال به مطیعین إیاه، لئلا إذ فاتنا الوقت قد یفوتنا السرور أیضًا.من أهم واجباتنا هو تمییز الأزمنة والأوقات، حتى نتمكن من ممارسة الفضیلة. كان الطوباوي بولس یعلم تلمیذه أن یلاحظ الوقت، قائلا : "أعكف على ذلك في وقت مناسب وغیر مناسب ( ٢ تي ٢:٤ )، حتى إذا ماعرف الوقتین – المناسب وغیر المناسب – یستطیع أن یصنع الأمور التي تناسب مع الوقت ویتحاشى ما هوغیر مناسب.وهكذا فإن إله الكل نفسه یعطي كل شيء في وقته كقول سلیمان الحكیم (جا ٧:٣ )، مریدًا بذلك أن یعم خلاص البشر في كل مكان في الوقت المناسب.وهكذا "حكمة الله" ( ١ كو ٢٤:١ )، ربنا ومخلصنا یسوع المسیح، أوجد في الأوقات المناسبة، من النفوس المقدسة أنبیاء وأحباء الله (حك ٢٧:٧ ). وبالرغم من أن كثیرین قد قدموا صلوات لأجله (لكي یأتي مسرعًا لیقدم الخلاص) قائلین: "لیأ ت من صهیون خلاص الله" (مز ١٤:٧ )، أو كما جاء في سفر نشید الأناشید على لسان العروس قائلة "لیتك كأخ لي ال ا رضع ثدي أمي" (نش ١:٨ )، أي لیتك كنت كبني البشر تحمل آلام البشریة من أجلنا. بال رغم من كل هذه الصلوات فإن إله الكل، خالق الأزمنة والأوقات، الذي یعرف ما هو لصالحنا أكثر منا، فإنه في الوقت المناسب، في ملء الزمان، ولیس في أي وقت ما اعتباطًا، أعلن كطبیب ماهر طریق شفائنا، إذ أرسل ابنه لكي نطیعه قائلا : "في وقت القبول وفي یوم الخلاص أعنتك". (إش ٨:٤٩)
هتاف أبواق العهد القدیم
قدیمًا دعي الرب بواسطة موسى… إلى حفظ أعیاد اللاویین في المواسم المقررة قائلا : "ثلاث مرات تعید لي في السنة" (خر ١٤:٢٣) . الثلاثة أعیاد هي: عید الفصح أو الفطیر، عید الخمسین أو الأسابیع أو الحصاد،عید المظال أو الجمع. وكانت أبواق الكهنة تهتف حاثة على حفظ العید كأمر المرنم الطوباوي القائل: "انفخوا في أ رس الشهر بالبوق عند الهلال لیوم عیدنا" (مز ٣:٨١)وكما كتب، كانت الأبواق تدعوهم أحیانًا إلى الأعیاد، وتارة إلى الصوم، وثالثة إلى الحرب، ولم یكن ذلك من قبیل المصادفة أو جزافًا، إنما كان الهتاف یتم لكي یتسنى لكل واحدٍ أن یحضر إلى الأمر المعلن عنه.هذه الأمور التي أتحدث عنها لیست من عندیاتي بل جاءت في الكتب المقدسة الإلهیة، إذ كما جاء في سفر العدد، عندما ظهر الله لموسى كلمه قائلاً "اصنع لك بوقین من فضة، مسحولین تعملهما، فیكونان لك لمناداة الجماعة" (عد 1:10-2) وهذا یطابق دعوة الرب الآن للذین یحبونه ههنا أنهم لم یكونوا یهتفون بالأبواق في وقت الحروب فحسب (عد ٩:١٠ )، لكنها كانت هناك أبواق للأعیاد أیضًا كما جاء في الناموس… إذ یقول: "في یوم فرحكم وفي أعیادكم ورؤوس شهوركم تضربون بالأبواق" (عد
١٠:١٠)ومتى سمع أحدكم الناموس یوصي باحت ا رم الأبواق، لا یظن أن هذا أم اً ر تافهًا أو قلیل الأهمیة، إنما هو أمر عجیب ومخیف!
فالأبواق تبعث في الإنسان الیقظة والرهبة أكثر من أي صوت آخر أو آلة أخرى. وكانت هذه الطریقة مستخدمة لتعلیمهم إذ كانوا لا زالوا أطفالا …ولئلا تؤخذ هذه الإعلانات على أنها مجرد إعلانات بشریة، فقد كانت أصواتها تشبه تلك التي حدثت على الجبل (خر ١٦:١٩ ) حینما ارتعدوا هناك ومن ثم أعطیت لهم الشریعة لیحفظوها.
من الرموز إلى الحقائق
و الآن فلنترك الرموز والظلال لننتقل إلى معانیها.هیا بنا إلى الحقائق، لنتطلع إلى الأبواق الكهنوتیة التي لمخلصنا، التي تهتف داعیة إیانا تارة إلى الحرب كقول الطوباوي بولس "فأن مصارعتنا لیست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطین مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحیة في السماویات" وتارة تدعونا إلى العفة وإنكار الذات والوفاق بین الأزواج فنحدث العذارى عن الأمور الخاصة بالعفة، والذین أحبوا حیاة البتولیة عن حیاة الزهد، والمتزوجین عن الأمور الخاصة بالزواج المكرم وهكذا تظهر لكل واحدالفضائل الخاصة به وج ا زءه المكرم.وتارة تدعونا للصوم، وأخرى للعید. وهنا نجد الرسول یهتف بالبوق مرة أخرى لیعلن قائلاً "إن فصحنا أیضًا المسیح قد ذبح لأجلنا. إذًا لنعید لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث" وإن أردت أن تنصت إلى هتاف بوق… فأنصت إلى قول مخلصنا " وفي الیوم الأخیر العظیم من العید وقف یسوع ونادى قائلاً إن عطش أحد فلیقبل إليّ ویشرب" لأن المخلص لا یدعونا إلى مجرد عید بل إلى "العیدالعظیم" ذلك إن كنا مستعدین للاستماع إلى ما یعلنه لنا، والطاعة لندائه.
قدسوا صومًا
وإذ توجد نداءات مختلفة –كما سبق أن قلت- أنصتوا إلى النبي الذي یهتف في البوق معلنًا الحق قائلاً "اضربوابالبوق في صهیون قدسوا صومًا"هذا بوق منذر یوصینا باهتمام عظیم. فنحن حینما نصوم یلزمنا أن نقدس الصوم.لیس كل من یدعو الله یقدس الله، لأنه یوجد من یدنس الله، وهؤلاء لا یدنسون الله ذاته، فحاشا لله أن یتدنس، إنما تدنست أفكارهم من جهة الله. لأن الله القدوس، ومسرته في القدیسین. ولهذا نجد الطوباوي بولس یتهم الذین یهینون الله بأنهم "بتعدي الناموس یهینون الله" ولكي یفرزنا الله عن الذین یدنسون الصوم یقول "قدسوا صومًا"، إذ كثیرین ممن یتسابقون في الصوم یدنسون أنفسهم بأفكار قلوبهم، وذلك أحیانًا بصنعهم الشرور ضد اخوتهم، وأحیانًا أخرى باستخدامهم الغدر والغش…وحسبي أن أذكر أن كثیرین یفتخرون على الغیر بالصوم وهم بهذا یسببون أضرا راً خطیرة. فمع أن الفریسي كان یصوم یومین في الأسبوع إلا أنه لم یستفد شیئًا لأنه افتخر بذلك على العشار. وكأن الكلمة یوبخ شعب بني إسرائیل (الشریر) لصومه هكذا، واعظًا إیاهم بإشعیاء النبي "أمثل هذا یكون صوم أختاره: یومًا یذلل الإنسان فیه نفسه، یحني كالأسلة رأسه ویفرش تحته مسحًا ورمادًا؟! هل تُسمي هذا صومًا ویومًا مقبولاً للرب؟!"ولكي أظهر كیف نصوم، وماذا یكون علیه صومنا، یلزمنا أن ننصت إلى الله وهو یوصي موسى في سفر
اللاویین "وكلم الرب موسى قائلاً. أما العاشر في هذا الشهر السابع فهو یوم الكفارة. محفلاً مقدسًا یكون لكم تذللون نفوسكم وتقربون وقودًا للرب"ولكي تظهر الشریعة ماذا تقصد من هذا یكمل "أن كل نفس لا تتذلل في هذا الیوم عینه تقطع من شعبها"
كیف نصوم؟
أننا مطالبون أن نصوم، لا بالجسد فقط بل بالروح أیضًا. والروح یتضع حینما لا یتبع الأفكار الردیئة بل یغتذي بالشوق. فالفضائل والشرور كلاهما غذاء للروح. فالإنسان له أن یغتذي بأي الغذائین، له أن یمیل إلى أي منهما حسب إ رادته الخاصة.فإن مال الإنسان نحو الفضیلة. أغتذى بالفضیلة، والصلاح، وضبط النفس، والإتضاع، والإحتمال، وذلك كقول الرسول بولس "متربیًا (مغتذیًا) بكلام الإیمان"( ٤) وكما كان الحال مع مخلصنا الذي قال: "طعامي أن أعمل مشیئة أبي الذي في السماوات" فإذا كان حال الروح غیر هذا، بل كان الإنسان یمیل إلى أسفل، فإنه لا یتغذى إلا بالخطیة، وهكذا یصف الروح القدس الخطاة ویتكلم عن غذائهم، وذلك حینما یشیر إلى الشیطان قائلاً عنه "جعلته طعامًا لأهل…" (مز4:74 ) فالشیطان هو طعام الخطاة! وإذ ربنا ومخلصنا هو الخبز السماوي، لهذا فهو غذاء القدیسین، لهذا قال "إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي…." (یو ٥٣:٦) بینما الشیطان هو غذاء الدنسین، الذین لا یصنعون أعمال النور بل أعمال الظلمة. ولكي یجذبهم الله ویردهم عن شرورهم، یوصیهم أن یقتاتوا بالفضیلة وخاصة تواضع العقل، المسكنة، و احتمال الإهانات، والشكر لله.إن صومًا كهذا متى حفظ مقدسًا هكذا، فأنه لا یؤدي إلى التوبة فحسب، بل ویهيء القدیسین ویسمو بهم عن الأرضیات.
نماذج من صوم الأنبیاء
بالتأكید ما سأقوله الآن عجیب جدًا، غیر أنه لیس ببعید عن الحق، إذ أنه من تلك الأمور المعجزیة، كما تعلمون كذلك من الكتب المقدسة.فحینما كان ذلك الرجل العظیم موسى صائمًا، تكلم مع الله واستلم الشریعة.وعندما كان العظیم القدیس إیلیا صائمًا، استحق أن یعاین رؤى إلهیة. وفي النهایة رفع على مثال ذاك (السید
المسیح) الذي صعد إلى السماء.ودانیال عندما كان صائمًا، أؤتمن على الشر، رغم كونه شابًا، وكان هو الوحید الذي یفهم أسرار الملك، واستحق أن یعاین رؤى إلهیة.وقد یساور البعض الشك بسبب طول مدة صوم هؤلاء الرجال، التي تبدو كأمر عجیب. لكن لیؤمن هؤلاء ولیعرفواأن التأمل في الله وكلمة الله كافیًا لتغذیة هؤلاء الصائمین فالملائكة لا یسندهم سوى معاینتهم وجه الله على الدوام.وطالما كان موسى یكلم الله لذلك كان یلزمه أن یصوم جسدیًا، لكنه كان یغتذي بالكلام الإلهي. وغذ نزل إلى الناس شعر بألم الجوع مثل سائر البشر. لأنه لم یذكر عنه أنه صام أكثر من الأربعین یومًا التي كان یحادث فیها الله، وعلى هذا النحو استحق كل أحد من القدیسین لطعام یفوق العقل. لهذا إن اغتذت نفوسنا یا أحبائي بالطعام الإلهي، من الله الكلمة، وسلكنا حسب مشیئته، وصامت أجسادنا عن الأمور الخارجیة، بهذا نحفظ ذلك العید العظیم المخلص.
إبطال الفصح الیهودي بتقدمة الحمل الحقیقي
حتى الیهود الجهلاء، تناولوا من الطعام الإلهي حینما أكلوا الخروف في الفصح كرمز، لكن عدم فهمهم للرمز لا زالوا حتى یومنا هذا مخطئین، لأنهم یأكلون الفصح بعیدًا عن المدینة "أورشلیم" مبتعدین عن الحق… إذ لا یسمح لهم بإقامة تلك الطقوس في أي مدینة أخرى، وحیث أن أورشلیم قد خربت لهذا كان یلزم أن تنتهي تلك الرموز أیضًا.لاحظوا أنه بمجيء مخلصنا قد انتهت هذه المدینة وخربت كل أرض الیهود. ومن شهادة هذه الأمور وما تؤكده لنا عیوننا عن هذه الحقائق لا تحتاج إلى دلیل آخر، لهذا یلزم بالضرورة أن ینتهي الرمز.ولیس كلامي فقط هو الذي یوضح هذه الأمور، بل قد سبق النبي فأنبأ بذلك صارخًا: "هوذا على الجبال قدما مبشر منادِ بالسلام" (نا ١٥:١ ). وما هي رسالته التي بشر بها إلا التي أخذ یعلنها لهم، قائلا : "عیدي یا یهوذا أعیادك، أوفي للرب نذورك. فإنهم لا یعودوا إلى ما هو قدیم. قد انتهى؛ لقد انقرض كله. لقد ارتفع ذاك الذي نفخ على الوجه وخلصك من الغم" ( نا15:1, 2:1 LXX) والآن: من هو هذا الذي ارتفع؟ إن أردتم معرفة الحقیقة والتخلص من ادعاءات الیهود، تطلعوا إلى مخلصنا الذي ارتفع ونفخ في وجه تلامیذه قائلا : "اقبلوا الروح القدس" (یو ٢٢:٢٠ ). فبمجرد أن كمل هذا (الصلب) انتهت الأمور العتیقة، فانشق حجاب الهیكل (مت ٥١:٢٧) وتحطم المذبح (الیهودي)، ومع أن المدینة لم تكن بعد قد خربت، إلا أن رجسة الخراب (مت ١٥:٢٤ ) كانت تستعد للجلوس في وسط الهیكل، فتتلقى أورشلیم وكل تلك الفرائض العتیقة نهایتها.
حمل الله:
منذ ذلك الحین تركنا وراءنا عصر الرموز، فلم نعد نمارس تلك الطقوس في ظلها، بل قد حولناها كلها إلى الرب."وأما الرب فهو الروح. وحیث روح الرب هناك حریة" فأننا متى سمعنا هتاف البوق المقدس، لا نعود نذبح خروفًا عادیًا، بل ذلك الحمل الحقیقي الذي ذبح عنا – ربنا یسوع المسیح- الذي سیق "كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازیها" فقد تطهرنا بدمه الكریم "الذي یتكلم أفضل من هابیل"، واحتذت أرجلنا باستعداد الإنجیل، حاملین في أیدینا سلاح الله الكامل الذي كان موضوع تعزیة الطوباوي الذي قال "عصاك وعكازك هما یعزیانني". وبالإجمال نكون مستعدین في كل شيء، وغیر مهتمین بشيء لأن الرب قریب، وذلك كقول الطوباوي بولس. وكذلك یقول مخلصنا "في ساعة لا تظنون یأتي إبن الإنسان"
كیف نعبد؟
"إذا لنعید لیس بخمیرة عتیقة ولا بخمیرة الشر والخبث بل بفطیر الإخلاص والحق" ( ١ كو ٨:٥) ، وإذ نخلع الإنسان العتیق وأعماله، نلبس الإنسان الجدید المخلوق بحسب الله (أف ٢٢:٤ , 24)، ونلهج في ناموس الله نهاراً ولیلا ، بعقل متواضع وضمیر نقي.لنطرح عنا كل ریاء وغش، مبتعدین عن كل ریاء ومكر.لیتنا نتعهد بحب الله ومحبة القریب، لنصبح خلیقة جدیدة، متناولین خم اً ر جدیدًا...
إذًا لنحفظ العید كما ینبغي.
موعد العبد:
إننا نبدأ الصوم المقدس في الیوم الخامس من برمودة ( ٣١ مارس) وبإضافة تلك الستة أیام المقدسة وبإضافة تلك الستة أیام المقدسة العظیمة التي ترمز إلى أیام خلقة العالم – ینتهي الصیام ونستریح في السبت المقدس للأسبوع في العاشر من برمودة ( ٥ أبریل). وحینما یشرق علینا الیوم الأول من الأسبوع المقدس (الأحد) یكون العید وهو الحادي عشر من نفس الشهر( 6أبریل). ثم نحسب ابتداء منه الأسابیع السبعة( ٥) أسبوعًا أسبوعًا فنعید عید البندیكستي المجید الذي كان یقابل "عید الأسابیع"وقد كان یوم خلاص، فیمنحون فیه الصفح والإبراء من الدیون.
بركات العید
لنحفظ العید في الیوم الأول من الأسبوع العظیم كرمز للحیاة الأخرى، التي نأخذ عنها هنا وعدًا بأنه ستكون لنا حیاة أبدیة بعد الموت.من ثم سنحفظ عیدًا نقیًا مع المسیح، هاتفین قائلین مع القدیسین "لأني سأجوز إلى بیت الله بصوت الإبتهاج والحمد وهتاف المعیدین"حیث هرب الحزن والكآبة والتنهد. وستكلل رؤوسنا البهجة والفرح.لیتنا نستأهل لنوال هذه البركات.فلنتذكر الفقیر، ولا ننس عمل الله للغریب. وفوق الكل فلنحب الله من كل نفوسنا، ومن كل قدرتنا، ومن كل قوتنا، ونحب قریبنا كنفسنا. حتى نحصل على ما لم تره عین وما لم تسمع به أذن وما لم یخطر على قلب بشر، ما أعده الله للذین یحبونه. بنعمة ابنه الوحید ربنا ومخلصنا یسوع المسیح الذي له مع الآب والروح القدس المجد والسلطان إلى أبد الآبدین. آمین.
سلموا على بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة. یسلم علیكم جمیع الإخوة الذین معي.
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير
القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد