راعى الخراف الجمعة الثانية من شهر هاتور

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين ، فلتحل علينا نعمته وبركته الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور كلها آمين .
تقرأ علينا يا أحبائي الكنيسة في تذكار نياحة الآباء البطاركة إنجيل الراعي الصالح وهو فصل من بشارة معلمنا يوحنا الإصحاح العاشر.
نريد أن نتحدث قليلاً في شعورنا بأن ربنا يسوع هو الراعي الصالح بالنسبة لنا، يؤكد علينا حقيقة أنه هو الراعي الصالح، نحن خراف في القطيع المقدس، وهو الراعي لنا، هو الذي عينه علينا، يهتم بكل أحد، هو الذي يطلب، هو الذي يغذي، هو الذي يرشد، هو المسئول، لذلك نلاحظ أنه في مثل الخروف الضال عندما ضاع الخروف لم ينسب ضياع الخروف للخروف ولكن نسب ضياع الخروف للراعي، قال لك راع أضاع خروف، الخروف الذي ضاع يعتبره مسئولية الراعي، أنا هو الراعي الصالح شعور جميل أنني أشعر أنني خروف في القطيع المقدس هو الذي يرعاني، يقودني، يهذبني، يوجهني، يغذيني، يشبعني، جميل جداً أني أثق في هذا الراعي، أثق في صلاحه، أثق في محبته، أثق في توجيهه، أشعر أن هناك أمان، يقول لك أن الرعاة لكي تنتبه على أغنامها تظل ترعاهم نهارا وليلا، لكن كيف يرعونهم ليلا فهم يحتاجوا إلى أن يناموا؟! لكي ينام الراعي لابد أن تنام الخراف أولا، لنفترض أن الذئب جاء ليلاً يقول لك كان الراعي ينام عند باب الحظيرة، يضع جسده على الباب لكي إذا جاء ذئب يمر عليه فيستيقظ، لذلك قال لك أنا هو باب الخراف، باب الخراف تعني أنني أنا الجالس علي الباب والمسئول على حراستك، أي نام أنت وأنا أبذل نفسي عنك، جميل أنني أثق في هذه الرعاية، إحساسي أنني لي راع صالح مهتم بي، معتني بي، معتني بشئوني، أمور كثيرة يمنعها عني وأنا لا أشعر، مخاطر كثيرة يحميني منها وأنا لا أدري، أنا هو الراعي الصالح، وانتبه من كلمة صالح هذه الكلمة تحب الكنيسة أن تطلقها علي شخص ربنا يسوع المسيح أننا نقول مخلصنا الصالح، الصالح لها معاني كثيرة، الصالح أي الإنسان الذي يفعل الخير لأنه خير، وهناك إنسان آخر يفعل الخير من أجل ذاته ومن أجل مديح الناس، وهناك إنسان يفعل الخير من أجل أن يأخذ مقابله خيراً، كل هؤلاء من الممكن أن نقول عليهم رجل صالح، نجد إنسان يظل يوزع مال على الفقراء من الممكن أن يكون صالح ولكن يمكن أن يكون يفعل هذا لذاته، يمكن أن يفعل هذا من أجل تبادل المصالح، لكن كلمة راعي صالح كلمة صالح التي تطلق علي ربنا يسوع المسيح التي هي "أغاثو"، الأغاثو هذه معناها الصلاح من أجل الصلاح، العطاء الذي بلا شروط، الذي لا يتوقف على شخصية المعطي إليه، لا يتوقف عليه أبدا، أي لا يختار أشخاص يستحقوا أن يعطيهم، لا فكون أنه صالح هو يعطي للكل وبسخاء، نحن نقول "المشرق شمسه على الأبرار والأشرار"، الله لا يختار فئة معينة ويقول هؤلاء الناس أنا أعطي لهم طعام، كسوة، أما الناس الآخرين الأشرار لا أعطيهم ماء، كسوة، هواء، حياة، وأنتقم منهم، وأفنيهم، أبدا، فقد رأينا أن الله يتأنى علي الكل، أن الله يعطي الجميع بسخاء، حتى وإن كان الإنسان الذي أمامه لا يستحق، لأنه صالح، كيف أختبر في حياتي أنه صالح؟، لماذا صالح؟، لأنه يرعاني ويقودني في كل مراحل حياتي حتى في مراحل اضطهادي هو يرعاني، يقودني، يعتني بي، حتي إذا ابتعدت هو لا يبتعد لأنه راعي صالح، يبذل نفسه عن الخراف.
اختبارنا لرعاية الله لنا يا أحبائي تعطي لي ثقة، فرح، سلام، ... إلخ، إحساس الإنسان المسئول عن نفسه هذا قوي جداً، كل شيء يقول أنا، لا بل أنا أثق في الراعي الذي يقودني، ما سر سلام الإنسان؟ من أين جاء سلام الإنسان؟ جاء من الراعي الصالح الذي يعتني به.
نري اليوم في قصة البابا زخارياس جاء شخص يحاول يهدده لكنه لم يستجب، فقال له سوف ألقيك للسباع، فعندما ألقاه للسباع وجد أن السباع لا تؤذيه، ولأنه مقتنع أنه لا يوجد إله يعتني لهذه الدرجة، فقال لك من المؤكد أن هذا الرجل أعطى رشوة إلى حارس السباع ليأكلهم ويشبعهم، وعندما ألقينا هذا البطريرك لن يقتربوا إليه، فأحضر حارس السباع وعاقبه وطرده، وأحضر حارس غيره، ولم يطعم السباع أيام كثيرة ولكي يزيد من شراسة السباع أحضر خروف وذبحه، وأتى بدم الخروف ولطخ ثياب البطريرك به وألقاه للسباع، سباع جائعة، شئ مثير بالنسبة لهم جداً، فلم تؤذيه.
أنا هو الراعي الصالح، من هذا؟، من الذي يرعى إلى هذه الدرجة؟،أنا وأنت لابد أن نطمئن أن لنا راعي صالح، يقول لك المعتني بكل أحد، من معتني بكل أحد، حتى وإن كان هذا الإنسان لا يستحق هذه الرعاية لكن الله يتعامل من منظوره الإلهي الأبوي، أنه مسئول عن كل نفس، يا لفرح الإنسان الذي يعيش مطمئن أن له راعي صالح، يا لفرح الإنسان الذي يشعر أن الأخطار تحاوطه وهو مطمئن، يقول لك "إن قام علي قتال ففي هذا أنا مطمئن"، لماذا يكون مطمئن؟ لأنه يرعاه، راعي صالح، يرعاني، يقودني، يهتم بشئوني، يهتم بنفسي، يهتم بخلاص نفسي، يهتم بالأمور التي من الممكن أن تقلقني، يهتم بمشاكلي، راعي صالح، أنظر في تاريخ الكنيسة عن رعاية الله، أنظر إلى أي درجة العذابات والاضطهادات، وأنظر إلى أي درجة هناك ملوك وأباطرة فرغوا أنفسهم تماماً لمقاومة المسيحيين، أنظر كم من ملك أقسم ألا يبقي مسيحي على وجه الأرض، هناك ملوك تفرغوا تماماً لهذه القضية، لكن هناك راعي صالح، نعم هناك أعداد استشهدت لكنهم كانوا بالنسبة للكنيسة لم تحسب أنفسهم أنهم خسارة، ولكن كانوا بالنسبة للكنيسة هم مكسب، كانوا سر ثبات الكنيسة، لدرجة أن الآباء يقولوا لنا أن دماء الشهداء هي بذار للكنيسة، هم كانوا البذرة، هؤلاء نحن نعيش علي إيمانهم إلى الآن، عندما أشعر بالضعف، أو نفسي تشعر بالضعف، اقرأ سيرة شهيد فأقول أنا بالفعل ليس لدي حق كيف أخاف، مضغوط، إنني ليس لدي استعداد أقبل أي ألم من أجل سيدي، أنظر ماذا فعل آبائي قد صاروا بذار للكنيسة، صاروا سر قوة ليس سر هزيمة، راعي صالح، أنظر كم من حاكم مختل العقل، حاكم مفتري، حاكم ظالم، كم من حاكم وضع في قلبه ألا يبقي مكان للعبادة، هدم كنائس، حرق كنائس، هاجم أديرة، إذن ماذا بعد ذلك؟ يقول لك أنا هو الراعي الصالح، راعي يرعى شعبه، يرعى قطيعه، يعتني، يهتم، يحيط.
جميل الإنسان الذي يثق في هذا الراعي، أنظر إلى شعبه في العهد القديم من كان يرعاهم، تخيل أنت عندما يكون من اثنين مليون إلى ثلاثة مليون فرد يريدون أن يأكلوا، يشربوا لمدة 40 عام، من يرعاهم؟ أنا الراعي الصالح، من يقودهم؟ أنا أقودهم، أنا أشبعهم، أنا أغذيهم، كيف تغذيهم؟ يقول لك أنا راعي صالح هذا موضوعي أنا، عندما يغيب الإنسان عن وعيه الروحي، يغيب عن ضميره، وعن عقله، ويشعر أنه ليس هناك راعي صالح يبدأ في القلق، والخوف، لكن طالما تشعر أنه هناك راعي صالح كن مطمئن، يقول لك "لأنه هو سلامنا"، يقول لك "أنا أرعي غنمي وأربضها"، يقول السيد الرب "أنا أطلب الضال، أسترد المطرود، أجبر الكسير، أعصب الجريح، أنا أرعي غنمي وأربضها يقول الرب"، يقول لك "يكمن الحملان إلي حضنه، ويقود المرضعات"، أي أنه حتى المبتدئين، المرضعات هم الذين لازالوا في البداية، يقول لك يقودهم، يحملهم، يقوتهم، كل فرد فينا عند الله غالي، كل فرد عند الله معروف، له طريقة خلاص، وله اهتمامات الله يعرفها جيداً، من التدريبات الجميلة التي يعطيها للإنسان أن تزداد عليه التجارب فيقول لك الله تركني، الله لا يتذكرني، ماذا أكون أنا في وسط هذا الكون كله؟!، أقول لك عندما تأتي إليك مثل هذه الأفكار فكر في حياتك كلها، كم أعتني بك الله، أرجع للماضي قليلاً، راجع في حياتك، أبحث عن أعمال حسنة فعلها الله معك، بارك عمل الله في حياتك، لا تنكر، لا تجحد، لا ترفض، تأمل في رعاية الله لك، كل شخص فينا من الممكن أن يكتب كتاب عن ذكرياته مع الله، وكم فعل الله معه ووقف معه في مواقف عديدة، نحن كآباء كهنة نسمع أمور كثيرة من الناس يقول لك هذا الموضوع كان صعب جداً لكن نشكر الله أنه لم يتركنا، أنا لا أعرف هذا الموضوع كيف انقضى بيد الله، كثيراً ما نسمع عن أمور صعبة جداً ليس لها حلول لكن نجد الله رفعها، تأمل في حياتك الشخصية انت، في رعاية الله لك على مستواك الشخصي، كم أعتني بك الله، كم أهتم بك، كم أنقذك، كم دبر لك، تأمل، تأمل عمل الله في حياتك.
أحياناً نعطي تدريب بسيط ونقول أكتب خمسة أشياء فعلها الله معك، تذكر خمسة أشياء فقط، تذكر أعمال صالحة أعطاها الله لك، تذكر عطاياه لك، كون أن الله اختارك أنك تكون مسيحي هل هي ليست عطية؟!، فهو أعطاك ميراث ملكوت السموات، كون أن الله أعطاك حق أن تأكل من جسده ودمه، كون أن الله أعطاك معرفة روحية، كون أن الله يجلسك الآن داخل بيته، كون أن الله يحتملك رغم زيغانك، كون أن الله يغفر لك، كون أن الله أعطاك عقل، يعطيك قوة، صحة، بيت، أولاد، عطايا كثيرة جداً الإنسان كثيراً ما ينساها، يقول لك أنا هو الراعي الصالح، تذكر صلاحي، تذكر عطاياي، تذكر أعمالي معك، أن الإنسان ينسى عطايا الله معه فهي علامة جحود، ثبت أن إحساس الأنسان تجاه الله لا يتوقف على الله أكثر ما يتوقف على الإنسان نفسه، بمعنى إذا شعرت أنا أن الله بعيد جداً عني فهذا الشعور ناتج من أنني أنا الذي بعيد عن الله، أذا شعرت أن الله قريب جداً مني فهذا ناتج من أنني أنا قريب من الله، وإذا شعرت أن الله قاسي جداً فهو ناتج من قساوتي أنا، إذا شعرت أن الله حنين جداً فهذا ناتج من حناني أنا، أذن معرفتي عن الله هي مرآه من واقعي أنا، لذلك يمكن أن تجد أنسان متكبر يقول لك الله هذا من يكون؟!، أما الإنسان المتضع يظل يشكر في الله وعطاياه، تجد الإنسان معرفته عن الله جاءت منه هو، نتاج لحالته هو، نرى شخص مثل القديس أوغسطينوس في بداية حياته كان متحدي لله، متحدي، وكان يسخر من أمه، عندما يجدها تصلي يقول لها لمن تصلي؟!، تقول له لله، يقول لها أين هو؟!، أثبتي لي من هو الله الذي تتكلمي عنه هذا؟!، ألا تظلي تعيشين في هذا الوهم؟!، فما الذي تفعليه هذا؟!، تأتي له ذات مرة وتقول له يا ابني لقد حلمت بحلم جميل، فيقول لها بماذا حلمت؟!، تقول له حلمت بأنني وأنت واقفين معا في مكان واحد فهذا يعني أنك ستأتي إلى الله، أنا مطمئنة بهذا الحلم، لكنه من قساوة قلبه قال لها ومن قال لك أني انا الذي أتي إليك، أنا من المستحيل أن آتي إليك، وبما أنك حلمتي هذا الحلم فأنتي تأتي إلي، بمعنى أنك أنتي سوف تبتعدي عن الله ليس أنا الذي أقترب إليه، أليس أنا وأنتي أصبحنا في مكان واحد لا يمكن أن يكون مكانك أنتي سيكون مكاني أنا، لاحظ كم كانت قساوته؟!، شاهد القديس أوغسطينوس عندما أختبر عمل الله في حياته، شاهد إحساسه بأمه في حياته، أصبح يكرمها جداً، الذي كان يحتقرها جداً، من الذي تغير أمه أم هو الذي تغير؟!، هو الذي تغير، احساسه بالله تغير تماماً، من أين جاء؟، هل الله الذي تغير؟ لا بل أوغسطينوس هو الذي تغير، شعر أن له راعي صالح، أنا هو الراعي الصالح، يحتويني، يتأنى علي، يحدثني، يصبر علي إلى الزمن المحدد، لدرجة أنه كان يخاطب الله ويقول له يارب أنا شاعر أنك كنت تارك الدنيا كلها ومتفرغ لي أنا فقط، هل وصل لهذه الدرجة؟ أقول لك نعم، وصلت به الدرجة إلى أن الله ينشغل به ويدبر له كل شيء من أجل خلاصه، كان يقول لله أنت اختبر وجودي برعايتك وكأنه لا يوجد في الكون آخر سواي، لا يوجد إلا أنا، اختبر وجودي برعايتك، راعي صالح وكأنه لا يوجد في الكون آخر سواي، تسهر علي وكأنك نسيت الخليقة كلها، نسيتهم، أصبح لا يوجد عندك غيري، تهبني عطاياك وكأني أنا وحدي ينبوع حبك، ما هذا؟! أنت كنت في البداية تقول أنه لا يوجد إله، يقول لك لا هذا كان أولا، لا تذكرني بجهلي، فأنا شعرت أن الله هو لي أنا فقط، شعرت أن الله هو الراعي الصالح لي أنا فقط، يهتم بي، انا شاعر أنه يضعني علي ركبتيه ويحتضني ويترك الباقيين، هذا احساس الرعاية عندما يدخل داخل كيان الإنسان، تشعر أن الله يهتم بك انت فقط بصفة خاصة جداً، أنا هو الراعي الصالح أبذل نفسي عن الخراف، تأمل رعاية الله لك، تأمل احتضان الله لك، تأمل احتمال الله لك، تأمل احتواء الله لك، هو الضامن لك، هو الساتر عليك، هو الذي أعانك وأعالك في الفترة الماضية كلها، هو الذي يقوت بالخير عمرك، هو الذي يشبع بالخير عمرك، فلماذا تشعر بالقلق؟ إذا كان لك راعي صالح مثل هذا، طالما لك راعي صالح مثل هذا اطمئن، اطمئن وعندما يأتي عدو الخير يحاول أن يحاربك بقلق أو خوف لا تفكر في نفسك لكن فكر في الراعي الصالح، فهو لم يرعى فقط فرد أو اثنين بل يرعى الخليقة كلها، فهو دبر أمور الكون كله.
يقول لك عن شيخ وتلميذه كانوا ذاهبون لقضاء مهمه معينه فكان الشيخ يشعر بالقلق لا يستطيع أن ينام ظل يسير في الحجرة وتلميذه نائم، فتلميذه استيقظ وجده يظل يسير، فظل يفكر ماذا يفعلون في مهمتهم، فتلميذه قال له هل تثق أن الله دبر العالم كله منذ الخليقة إلى الآن قال له أثق، قال له هل تثق أن الله سيدبر العالم كله من الآن حتي المجيء الثاني قال له أثق، قال له دعه يدبر الأمور الآن، الذي دبر الأمر الذي مضى هذا كله أتظن انه لا يستطيع أن يدبر الآن؟!، قال له دعه يدبر الأمر الآن ، فقال له أنا تعلمت منك، فمن الآن أنت المعلم وأنا التلميذ.
دعه يدبر أمرك، الذي دبر القديم والجديد، الذي احتوى والذي احتمل، والذي تأنى والذي دافع، لا تظن أن هذه قصص لكي نفتخر بها بإله غير موجود لا، هذه ليست قصص لكنها تسليم حياة، لكي تقول الله الذي أعبده بروحي في الإنجيل، الله إلهي أنا، ليس إله الثلاثة فتية فقط، ليس إله يوسف فقط الذي حفظه في الغربة، ليس إله شعب العهد القديم فقط الذي عالهم في البرية القفرة أربعين سنة، ليس إله مار جرجس فقط، لا هو إلهي أنا، إلهي أنا الذي أثق في محبته، أثق في أبوته، أثق في رعايته، أنا هو الراعي الصالح.ربنا يعطينا أن نختبر صلاح الله في حياتنا، نختبر رعاية الله في حياتنا.يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين.