خطوات فى طريق القداسة

إِنّ الفِترة التّى مضت كانت مليئة بأعياد القديسين التّى تُعبِّر حياتهُم عَنَ القداسة وَالبِرّ ، وَمِنْ أخِر القديسين الّذين إِحتفلنا بِهُم القديسة العفيفة العظيمة دميانة ، وَالقديسان مكسيموس وَدوُماديوس ، وَبعد ثلاث أيّام سوف نحتفِل بالقديس العظيم الأنبا أنطونيوس وَأوِد أنْ أُحدّثكُم عَنَ الطريق إِلَى القداسة ، كيف نحيا الطريق الّذى يوصّلنا للقداسة ؟ وَكيف نكون قديسين ؟ عشان نمشىِ فِى طريق القداسة محتاجين ثلاث حاجات :-
1- الإِقتناع الذهنِى 0
2- تقديس الطاقة 0
3- تغيير السُلوك 0
وَنجِد مُعلِّمِنا بولس الرسُول يقول فِى رِسالتهُ لأهل تسالونيكِى هذِهِ هى إِرادة الله قداستكُمْ 0 أنْ تمتنِعوا عَنِ الزِّنا ] ( 1 تس 4 : 3 ) 0
1- الإِقتناع الذهنِى:-
إِنّنا لاَ نفعل شىء إِلاّ إِذا كُنّا مُقتنعين بِهِ ، وَمِنَ أول الخطوات فِى حياتنا مَعَ ربِنا هى الإِقتناع بالشىء ، وَأنْ أقتنِع بِعقلِى وَفِكرِى وَكيانِى كُلّه أنّ الحياة مَعَ الله جميلة وَأنّنِى أُريدها حتّى وَإِنْ كان فِيها صِعاب ، إِلاّ أنّنِى أُريدها لأنّها ضروريّة جِدّاً وَيحتاج الإِقتناع لِتفكير وَإِلَى أنْ يكون الشخص مُدرِك لِمصلحتهُ جيِّداً ، وَأنْ يكون الشخص يُفكِّر جيِّداً ، وَلقد عرّف الأنبا أنطونيوس الخطيّة تعريف لَمْ نسمع عنهُ مِنَ قبل وَقال [ إِنّ الخطيّة هى الجُنون لأنّ الخاطىء يُحاوِل أنْ يبعُد عَنَ الله وَ عَنَ مكسب كبير عَنَ طريق فِعل بسيط ردىء ] فالخاطىء شخص يستبدِل شىء غالِى جِدّاً بِشىء رخيص جِدّاً ، وَبِذلِك نستطيع أنْ نقول عنهُ : أنّ عقله مريض ، وَنَفْسَ الشىء ينطبِق على الخطيّة حيثُ يبيع شخص شىء غالِى بِشىء رخيص ، فنجِد الشخص يتكاسل عَنَ الوقوف بعض الوقت للصلاة ،فِى حين أنّ الّذى سيأخُذهُ مِنَ الصلاة شىء كبير جِدّاً 0إِنّ الخاطىء شخص لاَ يستطيع أنْ يقتنِع أنّ الحياة مَعَ الله أجمل جِدّاً ، لِذلِك فهو يعيش فِى الخطيّة لقد كان والِد الأنبا أنطونيوس غنِى وَترك لهُ 300 فدّان ، فإِذا بِهِ يبيع ألـ 300 فدّان وَيُوزّعهُم على الفُقراء ، وَرُبّما يظُن البعض أنّهُ مُختل عقلياً ، وَلكِنّهُ عاقِل لأنّهُ قَدْ إِستبدل مجد الدُنيا بِمجد السّماء ، لقد حاول الأنبا أنطونيوس بدلاً مِنْ أنْ يكون غنِى على الأرض أنْ يكون فقير على الأرض وَلكِن يكون غنِى فِى السّماء ، لقد إِقتنع بِذلِك بِعقلِهِ فكُلّما أقتنِع بأنّ الحياة مَعَ الله أجمل وَأنّ الثمر الّذى سآخُذهُ ألذ وَمُشبِع لِحياتِى أبدأ فِى الحياة مَعَ ربِنا وَلكِنّنِى لستُ مُقتنِع فأتكاسل وَ لاَ أنتظِم على حُضور القُدّاسات ، وَالسبب فِى ذلِك هُوَ أنّنِى غير مُقتنِع أنّنِى سوف أخُذ شىء بِهذا الثمن إِنّ الحياة مَعَ الله تُريد إِقتناع ، وَأنّنِى مَعَ المسيح ذلِك أفضل جِدّاً ، وَلِذا لابُد أنْ أكون مُقتنِعة ، وَيقول الكِتاب المُقدّس [ يُشبِهُ ملكوتُ السَّمواتِ إِنساناً تاجِراً يطلُبُ لآلِىء حسنةً ] ( مت 13 : 45 ) ، وَمِثال ذلِك القديسان مكسيموس وَدُوماديوس الّلذان خلعا لِبس المُلك الّذى لهُم ، القديس دُوماديوس يُقال عنهُ أنّ لحيتهُ لَمْ تنبُت بعد ، أىّ أنّهُ كان صغير السِن ، لقد فضّلوا أنْ يعيشوا مَعَ الله فذلِك أفضل جِدّاً مِنَ أنْ يعيشوا بعيد عَنَ الله ، لقد فضّلوا مُلك الحياة الأبديّة عَنَ مُلك الحياة الحاضِرة ، وَشعروا أنّهُما مَعَ المسيح أغنى وَأجمل وَأقوى إِنّ القديسان مكسيموس وَدُوماديوس عِندما ذهبوا للرهبنة رفض الأب الكاهِن أنْ يُرّهبنهُم لِسببين أولاً : لأنّ أباهُم ملِك وَهُوَ لاَ يقدرهُ ، وَثانياً : لأنّهُم مازالوا أولاد وَلن يتحّملوا الرهبنة حيثُ أنّ الرهبنة فِيها جوع وَنوم على الأرض وَجِهاد وَصلوات وَمطانيات ، وَعِندما تحايلوا عليه ذهب بِهُم لآخر الّذى قبلهُم ، وَقَدْ نندهِش ما الّذى يجعل شخص يقبل أنْ يخلع تاجه وَلِبس الملِك الّذى لهُ وَيتنازل عَنَ لقبه حتّى يعيش حياة مِثل حياة الرهبنة هذِهِ ؟!لقد إِقتنعا بأنّهُ مَعَ المسيح ذاك أفضل جِدّاً ، وَشعرا أنّ مُلك العالم مُلك غير دائِم يزول ، لكِن مُلك المسيح مُلك أبدِى لاَ يزول ، لقد شعرا عِند ذهابهُم للرهبنة أنّهُم قَدْ كسبوا ، وَقام برهبنتهُم القديس أغابيوس وَالّذى ظهر لهُ القديس أبو مقّار فِى رؤيا وَقال لهُ : عِندما تتنيّح إِنصح الولدين لإِستقامِة قلبِهِم أنْ يأتوا يتتلّمذوا عندِى وَلقد كانا وقتِها فِى رومية ، وَحينما أرادوا الذِهاب لِمصر ركبوا مركِب لِمصر ، وَكانوا يُريدون التوّجُه ناحية دير البراموس ، فساروا على أقدامِهِم حتّى نزفت دم ، فأرسل لهُم الله ملاك حملهُم وَذهب بِهُم لأبو مقّار لقد إِقتنعا أنْ يحيا حياة مُعيّنة ، وَإِقتنعا تماماً أنّ هذِهِ أفضل وَأغنى وَأجمل وَتستحِق التعب ، لِذا فَلاَبُد أنْ أشعُر أنّ حياتِى مَعَ الله تستحِق التعب ، وَلابُد أنْ أقتنِع ذهنياً بأنّ مَعَ المسيح أفضل مِنَ مباهِج العالم وَلكِن فِى الحقيقة أنّ الموضوع كثيراً ما ينعكِس لينا ، فإِنْ خُيّرنا أنْ نكون مكان القديسة العفيفة دميانة فهل تُصبِحين بِنت ملِك وَتعيشين فِى قصرٍ أم تكونِى راهِبة وَتعيشِى فِى مكان تتعبّدِى فيه ؟ وَلقد كان السائِد أنْ تُزّوج الفتيات وَهُن صغيرات وَخاصّةً أنّها إِبنة ملِك ،إِلاّ أنّها رفضت العريس وَرفضت المُلك وَفضّلت العريس السّماوِى لأنّها إِقتنعت بأنْ يُغلق عليها باب بينها وَبين حبيبها يسوع فهذا أفضل جِدّاً مِنَ أىّ لون مِنَ ألوان الحياة الأُخرى إِنّ أول نُقطة فِى حياة القداسة هى الإِقتناع العقلِى ، فَلاَبُد أنْ أقتنِع بأنّ حياتِى مَعَ الله هى الأجمل وَالأغنى وَالأبقى ، وَأنّ هذِهِ هى نصيبِى ، وَفرحِى حياتِى مَعَ الله ، وَلابُد أنْ أقتنِع أنّ الفضيلة أجمل مِنَ الرذيلة أحياناً يُقدِّم لنا الشيطان فِى هذِهِ السِن إِغراءات وَخطايا ممّا يؤدى لِتغيير عقلِك ، وَلِذلِك قال مُعلّمِنا بولس الرسول [000بل تغيّروا عَنْ شِكلكُمْ بِتجديد أذهانكُمْ لِتختبِروا ما هى إِرادة الله الصالِحة المرضيَّة الكامِلةُ ] ( رو 12 : 2 ) ، أىّ لابُد أنْ نُغيّر المعلومات التّى مِنَ العالم وَالتّى داخِل أذهانِنا إِلَى معلومات مِنَ الله كى نحيا طريق القداسة ، وَلابُد أنْ أكون مُقتنِعة بأنّ الحياة مَعَ الله أجمل وَنرى مُوسى النبِى الّذى ترّبى فِى بيت فرعون وَكان يُعتبر إِبن بِنت فرعون وَلهُ حق فِى القصر ، إِلاّ أنّهُ عِندما كبر رفض أنْ يعيش فِى القصر وَقال أنّهُ سيعيش مَعَ شعب الله وَمَعَ إِخوتِهِ وَأهلِهِ ، لقد كان يرى الذُل مَعَ الله أجمل مِنَ المُتعة فِى القصر ، فهل تقتنِعِى بِذلِك ؟ لابُد أنْ تكونِى مُقتنِعة بأنّ الحياة مَعَ الله تستحِق التعب ، وَلابُد أنْ أُقدِِّم فِيها وَأُضّحِى وَأُجاهِد لأنّ الّذى سوف آخُذهُ كثير وَليس قليل ، فسوف آخُذ أثمار بِر ، فالطهارة ليست رخيصة وَلن أخُذها بِدون مُقابِل ، كذلِك قداسِة الفِكر وَقداسِة السيرة وَعِفّة السِلوك لن أخُذها دون مُقابِل بل بالتعب لابُد أنْ أقتنِع بأنّ الحياة مَعَ الله أجمل مِنَ الأرض ، وَأنّ حياة القداسة أجمل مِنَ حياة الدنس ، وَأنّ العِفّة تستحِق أنْ أُقدّم لها عربون يُثبِت محبتِى فِيها ، وَيُثبِت للنعمة وَلله أنّنِى أُريدها وَمُستحِق لها وَإِنّنا نقع فِى أول نُقطة حيثُ أنّ إِقتناعكُم غير كافِى بأنّ الحياة مَعَ الله أجمل ، إِنّ الله عِندما يدخُل فِى مُفاضلة وَيشعُر أنّنا نُفضِّل أشياء أُخرى عليه يحزن جِدّاً ، أفَلاَ تستطيعِى أنْ تُبادِلينِى محبّة بِمحبّة ، فليس لدينا الإِقتناع الكافِى فِى أذهاننا بأنّ الحياة مَعَ الله أجمل 0
2- تقديس الطاقة :-
عِندما أقتنِع ذهنياً بالحياة مَعَ الله أشعُر أنّنِى قَدْ أصبحت لله ، فلدى الإِنسان طاقات كثيرة يُمكِن أنْ يُعطيها لله ، وَمِنَ هذِهِ الطاقات :-
طاقِة الفِكرالتّى يُمكِن أنْ يتخيّل الإِنسان بِها وَيكتُب وَيؤلِّف وَيُذاكِر بِها 0
طاقِة حركة حيثُ أنّ الإِنسان يُحِب أنْ يتحرّك 0
طاقِة عاطِفة إِنّ الإِنسان لديهِ طاقِة عاطِفة ، فهو عاطِفِى وَحسّاس 0
طاقات جسديّة وَطاقات فِى الغريزة وَطاقات جنسيّة 0
كُلّ هذِهِ طاقات فِى الإِنسان وَفِى الحياة مَعَ الله تتقدّس طاقاتنا معهُ ، فطاقِة الفِكر بدلاً مِنْ أنْ تتّوجه لأمور رديئة وَتُفكِّر فِى الإِنتقام ، نجِد فِكر مُقدّس ، بِمعنى أنْ أتأمل كثيراً فِى الله ، فإِنْ نظرت لخشبة أقول أنّ هذِهِ شجرة وَالشجرة مِنْ صُنع الله ، وَعظيمة هى أعمالك يارب ، وَإِنْ نظرت لِنبات أقول ما أجملك يارب ، وَبِذلِك يتقدّس فِكرِى وَيثبُت فِى الله وَلقد كان القديس أبو مقّار يُعطِى لِنَفْسَه تدريب يُثّبِت فِكره فِى الله ، فيقول لِفِكره : إِثبت على التفكير فِى الله وَملائكته وَقدّيسيه وَأبديته ، وَكان يستمِر ثابِتاً فِى التفكير فِى الله لِمُدّة أربعة أيّام لاَ يشرِد ذِهنه لحظة وَنجِد القديس يحنِس القصير الّذى كان يأخُذ تدريب الصلوات الدائِمة ، فكان يُفكِّر كثيراً فِى الله وَيقول [ يارب يسُوعَ المسيح إِرحمنِى ] ، وَكان خِلال هذا الوقت يجدِل الخوص ، وَبِذلِك كان يُقدِّس طاقِة فِكره ، حتّى أنّهُ أحياناً كان يُريد أنْ يجدِل قطعة طولها 2 متر لِيصنع قُفّة فيجِد أنّهُ جدل 8 متر وَنسى وَأنّها لاَ تصلُح وَيصنع أُخرى وَينسى ، ففِكره كان يجمعه فِى الله ، حتّى جاءهُ فِى مرّة الرجُل الّذى يشترِى الخوص وَقال لهُ أنْ يحضِر القُفف ، فدخل وَنسى وَغاب ، فقرع عليه مرّة ثانية ، فقال لهُ سوف أُحضِرها وَنسى ، فقرع عليهِ ثالِثةً فقال القديس : يارب يسُوعَ المسيح فكّرنِى بالقُفف للجمّال ، إِنّ فِكره لَمْ يعُد فيهِ مكان لغير الله إِنّ لدينا طاقِة فِكر إِمّا تتعِب أو تبنِى ، وَطاقِة حركة وَهى ليست سيِّئة ، فلتصنعِى بِها محبّة ، وَلقد فعل هذا الأنبا مُوسى حيثُ كان يمتلِك طاقة كبيرة جِدّاً وَعضلات ،فحينما قالوا لهُ أنْ يجلِس فِى الدير رفض ، وَكان يذهب لإِحضار الجِرار وَيملأها ماء للرُهبان ، حيثُ أنّ حياة القداسة تُقدِّس طاقات الإِنسان فلتُقدِّسِى طاقاتِك العاطِفيّة ، فَلاَبُد أنْ تتقدّسِى ، ففِى بعض الأحيان نجِد إِنسانة عاطِفتها تجعلها تتعلّق بأىّ شخص وَتُعجب بِهِ ، إِنّ لديكِ عاطِفة وَلابُد أنْ يكون عِندك عاطِفة ، وَمثلاً طاقِة الحركة لابُد أنْ يكون لديكِ طاقِة حركة وَإِلاّ تصيرين صنم ، فَلاَبُد أنْ يكون لديكِ طاقِة حركة وَطاقِة عاطِفة فهى جميلة جِدّاً ، وَلكِن قدِّسِى بِها نَفْسَكَ 0فما أجمل العاطِفة التّى تتّجِه نحو الله ، وَتقول لهُ مَعَ داوُد النبِى [ أحِبّك ياربُ ياقوّتِى ] ( مز 18 : 1 ) ، فأنت أحببتنِى وَأنا كذلِك أُحِبّك ، فالقلب الّذى يُخرِج محبتهُ لأولاده وَلله وَلكنيستهُ لاَ يكون لديهِ جُزء فارِغ لِيُفكِّر فِى شخص آخر ، فإِشبعِى هذِهِ الطاقة فِى الله وَقدّسِيها إِنّها جميلة وَلكِن الله لَمْ يخلِقها لِذلِك لقد كان لدى مُعلّمِنا بولس الرسول طاقِة عاطِفة جبّارة ، فهو يُحِب كُلّ النّاس وَيخدِم كُلّ النّاس وَيهتّم بِكُلّ النّاس ، فلقد كان عِندهُ طاقة وَلكِن تقدّس بِها ، كما كان لديهِ طاقِة غريزة قويّة جِدّاً وَلكِنّهُ أخرجها فِى إِهتمام بِكُلّ إِنسان ، محبّة غير عاديّة ، إِنّ الحياة مَعَ الله تُقدِّس طاقات الإِنسان ، فِكره وَعقله وَحركته وَغريزته وَحركاته ، كُلّ شىء فِى الإِنسان يتقدّس عِندما يعيش مَعَ الله وَإِنّنا نشعُر فِى التفاسير التّى يكتُبُها الآباء القديسين أنّهُم أعطوا كُلّ فِكرُهُم وَعاطِفتهُم وَطاقِتهُم للإِنجيل ، وَعرفوا فيه أسرار كان مِنَ الصعب جِدّاً أنْ نعرِفها وَلنُبصِر محبّة الأنبا أبرآم للفُقراء وَالنّاس ، فلقد خرجت طاقتهُ مَعَ كُلّ إِخواته وَأولاده ، فلقد أعطى محبّة للكُلّ إِنّ الطاقة التّى لدينا جميلة جِدّاً ، وَهى عطايا مِنَ الله ، وَلكِن المفروض أنْ تتّوجّه بِطريقة صحيحة ، وَ لاَ يوجد إِنسان بِلاَ عاطِفة وَإِلاّ لصحّ أنْ نقول عليهِ أنّهُ صنم وَبارِد ، فَلاَبُد أنْ يكون لدى الإِنسان عاطِفة وَطاقة وَتعبير وَفِكر ، لكِن لابُد أنْ يتقدّس بِهِ ، فهى عطايا مِنَ الله ، وَمِنَ المُفترض أنْ تكون مِنهُ وَلهُ ، وَلقد فعل القديسين هذا ، وَذلِك هُوَ الفرق بيننا وَبين القديسين ، أنّ القديسين بنوا بِها أنّفُسهُم وَصعدوا لأعلى ، فِى حين أنّنا ننزِل بِها لأسفل فالقديسان مكسيموس وَدُوماديوس عِندهُما طاقِة حُب وَحساسية وَرِقّة وَتواضُع وَمؤدبين جِدّاً وَمُثّقفين جِدّاً ، وَلقد وجّهوا كُلّ ذلِك لله وَصاروا منارات وَنماذِج ، وَبالمِثل القديسة دميانة فهى شخصيّة قويّة كانت قائِدة لأربعين فتاة وَعِندما سمعت أنّ أباها بخّر للأوثان وبّخِت أبوها وَقالت لهُ : إِنِّى كُنت أفضّل أنْ يأتِى لىّ خبر موتك عَنَ أنْ تُبخِّر للأصنام ، فلقد إِستبدلت المخلوق بالخالِق فشعر أبوها بِتأنيب الضمير بِسبب قوّة شخصيّة القديسة فلتكونِى شخصيّة قويّة فِى الحق ، فِى البِر ، فِى القداسة ، وَلِذا يجِب تقديس طاقات الإِنسان كى يصير كُلّ شىء فينا مُقدّس ، فطاقاتنا إِمّا تبنينا أو تهدِمنا ، فطاقِة الإِنسان إِنْ إِستغلّها خطأ تُدّمِرهُ وَتتّسبّب فِى تعبه ، وَلكِن إِنْ إِستغلّها بِطريقة صحيحة يُبنى وَيُصبِح قديس وَيكون إِنسان أمين لِربِنا 0
3- تغيير السُلوك :-
إِذا تقدّست فِى طاقتِى وَغيّرت أفكارِى فسوف أجِد فِكرِى وديع هادىء مُتزِن ، وَكلامِى محسوب وَنظراتِى محسوبة ، وَسأمشِى بِعِفّة ، وَأسلُك بِوقار ، وَأتكلّم بأمانة فِى وسط مدرستِى وَبيتِى وَكنيستِى ، وَسوف يكون سُلوكِى مُنضبِط يسود عليكُم يابنات السُلوك غير المُنضبِط سواء مَعَ أصدِقائكُم أو مَعَ بيوتكُم أو مَعَ أنّفُسكُم ، بِمعنى إِنّكِ يُمكِن أنْ تكونِى إِنسانة مُستهتِرة مَعَ جسدِك وَمَعَ عواطفِك وَأفكارِك فلِكى ينضبِط السُلوك يجِب أنْ يُضبط أولاً مَعَ النَفْسَ ، حتّى وَإِنْ أغلقتِ عليكِ حُجرِة تُحِبّين أنْ تجلِسِى مُنضبِطة ، فَلاَبُد أنْ تشعُرِى أنّ خُوف الله قَدْ ملك عليكِ ، فتكون مشيتِك مشية هادِئة فِيها وقار وَعِفّة وَإِتزان ، وَصوتك لاَ يعلو وَ لاَ يُقبِّح وَ لاَ تُحِبّين أحاديث المِزاح ، وَ لاَ تُحِبّين أنْ تقولِى لِزميلتك لفظ خارِج وَ لاَ مُهين ، فعِندما تكونين كذلِك فستضطر مَنَ أمامِك لأنْ تكون كذلِك لأنّكِ مُحترمة فالحياة مَعَ الله تُنتِج وَتُنشِىء سُلوك مُقدّس مُنضبِط عفيف مُتزِن ، فكثيراً ما نجِد فتاة بدأت تذوق نعمِة ربِنا ، فنجِد شكلها بدأ يتغيّر ، فنجِدها لَمْ تعُد ترتدِى الملابِس التّى كانت ترتديِها مِنَ قبل لأنّ الذِهن عِندما بدأ يتغيّر بدأ يُحدِث تقديس مِنَ الداخِل فبدأت لاَ تسمح لِنَفْسَها أنْ ترتدِى هذِهِ الملابِس ، وَيقول الكِتاب المُقدّس[ خطايا شبابِى وَجهلِى يارب لاَ تذكُر ] ( مز 25 : 7 ) ، فلقد كُنت مُخطِئة وَ لاَ أعرِف ، أمّا الآن فلقد عرفت أنّ جسدِى غالِى جِدّاً وَيُساوِى جسد المسيح وَهُوَ هيكل المسيح ، فَلاَبُد أنْ أرتدِى ملابِس تليق بِكرامِة أولاد الملِك لِكى نقول عَنَ الإِنسان أنّهُ يعرِف الله لابُد أنْ يكون سُلوكه بدأ يتغيّر ، فأنا لاَ أرى مِنك غير سُلُوكك ، فعِندما يظهر فيك تغيير سُلوك أُدرِك أنّ الخطوتين الأوليتين قَدْ حدثتا ،فإِنْ لَمْ يظهر تغيير فِى السُلُوك أُدرِك أنّ الخطوتين الأوليتين لَمْ يتِمّا ، فعِندما تتغيّرِى مِنَ الآن وَتشعُرِى بِجمال حياتِك وَتشعُرِى أنّ لكِ قيمة أكبر وَأنّكِ بدأتِ تُرضِى الله وَبدأ سُلُوكِك يُصبِح السُلُوك الصحيح وَأنّكِ تسيرين فيهِ وَتقتنعِى بأنْ يكون مظهرِك خفيف وَبسيط عَنَ أنْ يكون مُلفِت ، فإِنْ إِقتنعتِى بالحياة مَعَ الله ستميلين للمظهر الأبسط لأنّكِ شعرتِ أنّكِ قويّة مِنَ الداخِل وَغنيّة مِنَ الداخِل فَلَمْ تعودِى فِى حاجة للأُمور الخارِجيّة ، وَلَمْ تعُد مُهِمّة بالنسبة لك ، فأنتِ ترتدِى الملابِس لِكى تستُرِى جسدِك وَيكون شكلِك مقبول ليس أكثر ، وَلكِن الملبس ليس هدف بالنسبة لكِ ، فَلاَبُد أنْ تشعُرِى أنّ داخِلِك جمال وَأنّ هذا الجمال هُوَ جمال إِرضاء الله أجمل جمال ستقتنيه هُوَ أنْ تشعُرِى أنّ عينيكِ جميلة لأنّها مُثبّتة تِجاه الله ، وَشفتيكِ جميلة لأنّها تنطِق بإِسمِهِ الحُلو المملوء مجد ، وَلِسانِك مُبارك لأنّهُ يتلو أقوال الله ، وَملامِحك جميلة ، لِذلِك لاَ تندّهِشوا مِنَ أنّ ملامِح الإِنسان تتغيّر عِندما يتعامل مَعَ الله وَيصير فِيها جمال وَبهاء وَعلامات روحانيّة فلنُبصِر أشخاص يحيون فِى الشرّ وَأبصِرِى ملامِحهُم ، إِنّ الله لَمْ يخلِقنا للشرّ ، فالله خلقنا للقداسة [ لأنّ هذِهِ هى إِرادة الله قداستكُمْ 0 أنْ تمتنِعوا عَنِ الزِّنا ] ( 1 تس 4 : 3 ) ، فإِنْ كُنتِ تُريدِى أنْ تحيِى القداسة وَأنْ تكونِى إِبنة للقديسة دميانة وَالقديس الأنبا أنطونيوس وَالقديسان مكسيموس وَدُوماديوس فغيّرِى أفكارِك وَإِقتنعِى مِنَ داخِلِك أنّ الحياة مَعَ الله أجمل وَأغنى ، إِقتنِعِى مِنَ داخِلِك أنّ أىّ أحد مُعجب بالعالم وَمُعجب بِمظاهِر العالم وَإِغراءات العالم فلتقولِى فِى نَفْسِك أنّ هذا مسكين لَمْ يجِد الجوهرة الجميلة الغالية ، فعِندما نجِد الجوهرة التّى هى المسيح فسيكون بالنسبة لنا كُلّ شىء أخذناه بعد ذلِك لأنّ عِندِى المسيح فلقد إِكتفيت ربِنا يثّبِتكُم فِى طريق القداسة وَيسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين .