النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية - نسخة مكتوبة

Large image

قضى الأب لويس شيخو اليسوعيّ سحابةَ عمره ( 1859 ـ 1927 ) يسعى جاهدًا بعِلمه وعمله، وقوله وقلمه، ليبرز أهميّة الدور الذي قام به المسيحيّون في بلاد العرب على جميع الصُعُد، ولم يترك وجهًا من وجوه الحضارة العربيّة إلاّ تلمّسه، متقفّيـًا آثار المسيحيّة فيه ومساهمتها في سطوع بهائه. ولقد خلّف، بعد سنين طويلة من العطاء الثرّ، بضعة عشر مصنّفـًا ضخمًا وما يربو على ألفي مقالة تمحورت جميعها من بعيد أو قريب حول هدفه المنشود، فعالجت سائر شؤون العرب من لغة وأدب وتأريخ وسياسة وفلسفة وأديان وعلوم على أنواعها. إلاّ أنّ وساطة هذا العِقد الفريد من المؤلّفات كان، ولا شكّ، كتابه الشهير الموسوم بـ (( النصرانيّة وآدابها بين عرب الجاهليّة )) صدر هذا السفر الموسوعيّ على دفعات، وهو عصارة جهود استمرّت نحو أربعين سنة، فظهر أوّل أمره مقالاتٍ متتاليةً في مجلّة (( المشرق )) بدءًا من عام 1910، ثمّ جُمعت تلك الأبحاث وطبعت قسمًا أوّلاً سنة 1912، قسمًا آخر صَدر أوّلُ جزئيه بُعَيد الحرب الكونيّة الأُولى عام 1919، وثانيهما سنة 1923 مزوّدًا بفهارس ضافية وجداول مفصّلة لموادّ الكتاب، وأعلام الرجال والنساء، والقبائل، والبلدان والأمكنة، والمفردات اللغويّة، وأديان العرب، وأخصّ الكتب الطبيعيّة والخطّيّة المعتمد عليها من عربيّة وأوروبيّة. وقد أَودَع شيخو كتابَه مجموعةً نادرةً من الوثائق تحرّاها في بطون عشرات المطبوعات والمخطوطات ممّا لا يَهتدي إليه إلاّ كبار الباحثين والمنقّبين : فلجأ إلى تواريخ اليونانيّين واللاتينيّين والسريان والعرب، واستعان بسائر ما ورد في الكتب المقدّسة العبريّة والمسيحيّة والإسلاميّة، ومحّص أقوال الشعراء والأمثالَ السائرة، وحلّل معاني الأسماء والمفردات، واستند إلى آخر ما أبرزته إلى النور علوم الآثار والمسكوكات، فضلاً عمّا ساد من عوائد القبائل وأعرافها. وخَلَص من كلّ ذلك إلى القول بأهميّة الوجود المسيحيّ وأثره في الجزيرة العربيّة مِن جنوبها اليمنيّ إلى شمالها حتّى ديار بكر، ومِن غربها في ربوع غسّان إلى أقصى شرقها حتّى حدود فارس. ولئن ذهبت الحماسة بشيخو إلى المغالاة في بعض نواحي بحثه، وعلى وجه التحديد في أواخر مصنّفة حين أضفى صفة النصرانيّة على عدد من الشعراء دون الإثبات الجازم اللازم، فإنّه على الرغم من الهنات تلك، قد أسدى إلى التاريخ خدمةً جلّى إذ سلّط الأضواء على ظاهرةٍ طالما أُهمِلتْ قبله وبعده، وهي مساهمة المسيحيّين الفعّالة في تشييد صروح الحضارة العربيّة منذ بداياتهاوعليه، فإنّ (( دار المشرق )) لسعيدة بإعادة طبع كتاب (( النصرانيّة وآدابها بين عرب الجاهليّة )) لنفاده منذ أمد بعيد، ولوفرةٍ في موادّه ومستنداته فريدة من نوعها لم يسبقه إليها أحد، ولم يُؤتَ حتّى الآن بما يتجاوزها جِدّةً، ممّا يجعله أداة بحث وتثقيف تفتخر بها الآداب العربيّة وتباهي.

عدد الزيارات 1325
عدد مرات التحميل 387
تحميل

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل