مجاني الأدب في حدائق العرب جزء 5

Large image

الباب الأول
في التدين
عظمة الخالق وجبروته والخلاص له تعالى
الحمد لله العظيم شأنه القوي سلطانه. ألظاهر إحسانه. ألباهر حجته وبرهانه. ألمحتجب بالجلال. والمنفرد بالكمال. والمتردي بالعظمة في الآباد والآزال. لا يصوره وهم وخيال. ولا يحصره حد ومثال. ذي العز الدائم السرمدي. والملك القائم الديمومي. والقدرة الممتنع إدراك كنهها. والسطوة المستوعر طريق استيفاء وصفها. نطقت الكائنات بأنه الصانع المبدع. ولاح من صفحات ذرات الوجود بأنه الخالق المخترع. وسم عقل الإنسان بالعجز والنقصان. وألزم فصيحات الألسن وصف الحصر في حلبة البين. وأحرقت سبحات وجهه الكريم أجنحة طائر الفهم. وسدت تعززا وإجلالا. ولم يجد من فرط الهيبة في فضل الجبروت مجالا. فعاد البصر كليلا. والعقل عليلا. ولم ينتهج إلى كنه الكبرياء سبيلا. فسبحان من عز معرفته لولا تعريفه. وتعذر على العقول تحديد هو تكييفه. ثم ألبس قلوب الصفوة من عباده ملابس العرفان. وخصهم من بين عباده بخصائص الإحسان. فصارت ضمائرهم من مواهب الأنس مملؤة. فتهيأت لقبول الأمداد القدسية. واستعدت لورود الأنوار العلوية. واتخذت من الأنفاس العطرة بالأذكار جلاسا. وأقامت على الظاهر والباطن من التقوى حراسا. وأشعلت في ظلم البشرية من اليقين نبراسا. واستحقرت فوائد الدنيا ولذاتها. وأنكرت مصايد الهوى وتبعاتها. وامتطت غوارب الرغبوت والرهبوت. واستفرشت بعلو همتها بساط الملكوت. وامتدت إلى المآل أعناقها. وطمحت إلى اللامع العلوي أحداقها. واتخذت من الملإ الأعلى مسامرا ومحاورا. ومن النور الأغر الأقصى مزاورا ومجاورا. أجساد أرضية بقلوب سماوية وأشباح فرشية. بأرواح عرشية. نفوسهم في منازل الخدمة سيارة. وأرواحهم في فضاء القرب طيارة. مذاهبهم في العبودية مشهورة. وأعلامهم في أقطار الأرض منشورة. يقول الجاهل بهم فقدوا وما فقدوا. ولكن سمت أحوالهم فلم يدركوا. وعلا مقامهم فلم يملكوا. كائنين بالجثمان. بائنين بقلوبهم عن أوطان الحدثان. لأرواحهم حول العرش تطواف. ولقلوبهم من خزائن البر إسعاف. يتنعمون بالخدمة في الدياجر. ويتلذذون من وهج الظمأ بظمأ الهواجر. سلوا بالصلوات عن الشهوات. وتعوضوا بحلاوة التلاوة عن اللذات. يلوح من صفحات وجوههم بشر الوجدان وينم على مكنون سرائرهم نضارة العرفان. لا يزال في كل عصر منهم علامون بالحق. داعون للخلق. منحوا بحسن المتابعة رتبة الدعوة وجعلوا للمتقين قدوة فلا يزال تظهر في الخلق آثارهم. وتزهر في الآفاق أنوارهم. من اقتدى بهم اهتدى. ومن أنكرهم ضل واعتدى. فلله الحمد على ما هيأ للعباد. من بركة خواص حضرته من أهل الوداد (عوارف المعارف للسهروردي)

عدد الزيارات 1312
عدد مرات التحميل 402
تحميل

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل