مقدمة علمية للنظرية التربوية عند العلامة اكليمنضس الاسكندري

23 سبتمبر 2024
Large image

١ - البعد اللاهوتي لنظرية « المربى »
عند الآباء ليست هناك نظرية إلا إذا كانت متأصلة وواضحة ومؤسسة على قواعد لاهوتية سليمة .
فاللاهوت عندهم ليس علما منفصلا وانما هو حياة نابضة وقوة دينامية تبعث الحيوية في كل فكر وعمل ومن الصعب أن تفصل اللاهوت عن الأنجيل، عن الكنسيات عن التربويات في نظرية « المربى » ( إلا من جهة الدراسة الأكاديمية ) لان هذه الأبعاد كلها متكاملة ومرتبطة كارتباط أضلاع المربع الواحد اللاهوت يعطى للنظرية بعدها الإلهى والاسكاتولوجي (الاخروى) والكنسيات والتربويات تعطى للنظرية مجال التطبيق العملى
والخبرة المعاشة والأمر عندى أن مناهجنا ونظرياتنا ودروسنا في التربية الكنسية تحتاج إلى مزيد من الاتجاه الآبائي هذا يصعب أن تفصل ما هو لاهوتى عما هو كنسى عما هو إنجيلي عما هو تربوى اجتماعي وتعلمنا خبرة كليات اللاهوت الأجنبية خطوره التركيز على الجانب
الفكرى في الدراسة اللاهوتية فاللاهوت لا يعرفه الا الودعاء المتضعون كم أتعب الكنيسة أريوس الهرطوقي؟ ! ولكن اثناسيوس الرسولى الذي تتلمذ على يد أنطونيوس كان لاهوتياً نموذجياً لأن سيرته خلت من التعالى والغطرسة والحديث عن الذات واحتقار مؤلفات الآخرين .
اللاهوت عند الآباء الأوائل لاهوت ثالوثي تقليدي آبائي ، وهو لاهوت نسکی باطنی mystical .. هو لاهوت حي صالح الحياة اليومية ومواجهة مشكلات الانسان وتحدياته فهو لاهوت لا يغلق عليه في خزائن المعاهد الدينية ولا يستخدم للاستعراض في المؤتمرات والدراسات إنه حياة الثالوث الأقدس فينا إنه فاعلية الأسرار وحياة الشركة في طبيعتنا وإنسانيتنا إنه خبرة عمل النعمة السرى في جهادنا ونسكنا المتواضع يؤمن اكليمنضس أن الله فوق كل علم و تصور وتفكير وعنده أن هناك فارقاً جذرياً بين السعى نحو الله والسعي نحو أشياء عن الله الله لا يعيش فى حيز المكان إنما هو فوق المكان والزمان وملكية الأشياء الله فى ذاته هو وحده الذي يعرف نفسه وهو وحده الذي يعرف حب الله فى ملئه و تمامه نحن نتحدث عما هو في الله بواسطة ما هو كائن من الله نحونا ، فليس هناك مصفوفة أو قائمة تحتوى وترسم حدوداً تصف الله ليس هناك انسان يستطيع أن يعرف ويصف جوهر الله يؤكد اكلمنيضس حقيقة تسامى الله وتعاليه. فهو يقول اننا لا نقرأ في الكتب المقدسة عن يد وفم وقدم وأعين الله ،وان الله يغضب ويهدد وحينما توجد مثل هذه التعبيرات في الكتب المقدسة فانما هي تعبيرات مجازية بسبب القصور والضعف البشرى .لقد وجدنا ان اكليمنضس في تركيزه على تسامى الله المطلق متأثرتأثرا كبيرا بفيلو الفيلسوف اليهودي الشهير والأفلاطونية الحديثة لا تؤمن بوجود وسيط بين الواحد ( الله ) وبين الانسان ، هذا الوسيط الذى ينقل المعرفة من الواحد إلى الشخص البشرى ولكن اكليمنضس لم يكن هكذا والا خرج من دائرة اللاهوت المسيحى فهو يؤمن بأن الابن الكلمة هو الوسيط الحقيقي وانه شخص تاريخي لا جدال في ذلك وعند اكليمنضس أن الله عادل وطيب ،وأن طيبته مرتبطة بعدله وعدله مرتبط بحسنه وجوده ، فقصاص الله ليس مرتبطاً فقط بعدله بل وبإحسانه فهو كالدواء الذى يعطى من الطبيب للمريض الله من شأنه أن يربى الانسان كما يربى الأب الجسدى أولاده ويصلح أخطائهم وقبل ان تستكمل أراء اكليمنضس اللاهوتية في نظريته التربوية لابد لنا أن نعلق على تأثير ما ذكرناه على المجال التربوي .
١- لابد أن ندعو إلى تعميق الجذور اللاهوتية في التعليم الديني.
٢- حقا ان الآب فى نور لا يدنى منه ولكننا لا نوافق على أن الله في تساميه وعلوه يتباعد عنا . فالاب يحبنا وبذل ابنه والابن يخبرنا ان نطلب من الآب ،والمنهج التربوى يهدف إلى شركتنا مع الآب وابنه بالروح القدس الساكن فينا .
٣- ان ارتباط عدل الله ورحمته في مفهوم واحد يصحح لنا ما نقرأه في بعض الكتب التي تصور التناقض - الى حد ما - بين العدل والرحمة فالله جماع المتناقضات ولكن ليس فيه تناقض .. فهو عادل وطيب دون أن تكون طيبته ضعفا ولا عدله وجزمه قسوة لهذا يلزم مراجعة اتجاهات التعليم الديني بحيث أن تكون خبرتنا التربوية متجهة نحو تكامل الجانبين منذ المراحل الأولى التعليمية فلا يصح أن نجعل درسا له هدف ابراز عدل الله دون أن يكون الحديث متكاملا عن الرحمة، ولا يصح أن نصور الله طيباً بطريقة تجعل الأطفال يستهينون بلطف الله فعند نظرية اكليمنضس الرحمة والحق تقابلا . ( يتبع )
نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين
عن مجلة الكرازة العدد الثامن والعشرون عام 1975

عدد الزيارات 204

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل