
التهود ليس مرحلة تاريخية فقط، ولكنه مرحلة سيكولوجية وروحية فجبل سيناء يمثل بالنسبة للبشرية غطا من العلاقة بين الانسان والله ، الانسان ونفسه ، الانسان والآخرين تبنى أسس هذه العلاقة على خوف الانسان من الله ،وفشل الانسان في تحقيق الارتباط بينه وبين الله ،وعجزه عن المحبة الأصيلة التي توطد علاقته مع الآخرين بسيده لقد عاش شعب إسرائيل فى العهد القديم لا يتواجه مع الله إلا من خلال موسى والأنبياء وكانت العلاقة التي تربط الشعب بالله منحصرة في عدة وصايا أدبية وطقسية ( الناموس ) يلزم ممارستها بكل دقة وخوف والذي يخالف واحدة منها موتاً يموت قال الشعب لموسى "تكلم أنت معنا فنسمع ولا يتكلم الله معنا لئلا نموت" فقال موسى للشعب "لا تخافوا ، لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم ،ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم ، حتى لا تخطئوا فوقف الشعب من بعيد وأما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله " ( خر ۲۰ : ١٩- ٢١)
على أن الناموس لم يستطع أن يمنح الانسان قوة بها يغلب ذاته ويتجاوزها ، بل كل ما فعله هو أنه كشف خطيئة الانسان وأدانه " لما جاءت الوصية ، عاشت الخطية فمت أنا " (رو ٧ : ٧ - ٩ ) فللناموس دور يتشابه مع المربى الذى يؤدب الطفل لينضج ويصبح رجلا إنه يهذب النفس وبعدها لتتقبل الحياة حسب الروح ، الحياة
الجديدة التي يحيا فيها سر المسيح ، وليس بر الانسان
سمات الحياة حسب الناموس :
الخوف من الله وممارسة العبادة لا عن حب بل عن خوف
ورعب .
إتباع مستوى الحرام والحلال . تماماً مثلما كان يعمل اليهودي عندما يلجأ إلى الفريسي في مجتمعه، ليعطيه فتاوى تحلل له، أو تحرم عليه .
فالحياة حسب الناموس هي حياة أولاد الجارية العبدة، وليس أولاد الأم الحرة - على حد تعبير المغبوط بولس - فالجارية والحرة هما العهدان، أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية، والآخر هو أورشليم العليا التي هي أمنا جميعاً فهي حرة ونحن لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة
( غلا ٤ : ٢١ - ٣١ ) .
والتدين حسب الناموس غالبا ما يكون سطحيا وشكليا في نوعيته يخلو كثيرا من المضمون والجوهر والعمق الروحي حقيقة أنه في العهد القديم كان هناك رجال الله الأنبياء الجبابرة ولكن هؤلاء كانوا مشاعل على الطريق ،وإشراقات إلهية لظلمة الحياة المغلقة ،ولكنهم لا يمثلون الشعب في أبعاد تدينه وكثيراً ما نجد فى كنائسنا أناساً يعيشون على هذا المستوى، يؤدون الممارسات ، ويحضرون العبادة، ويتممون الطقسيات ، ولكن القلب بعيد عن الله ، والخوف يملأ الداخل وليس من سلام ، مثل هذه العبادة مكروهة عند الرب وليس العيب هنا في الطقس والشكل ،وانما العيب كل العيب في ان الانسان يتحجر عند الشكل، ويتجمد ويتوقف عند الظاهر ،ويفرغ الشكل من المضمون والجوهر والعمق الذي هو النعمة والحق والرحمة .
سمات الحياة حسب المسيح :
الله بعد تجسد ابنه يسوع المسيح لم يعد قطباً خارجاً عن الإنسان، بل ملكوتاً فى قلبه ،ونوراً في حياته الباطنية "و أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد " ( يو ۱۷ : ۲۳ ) فالرب يسوع نقل الانسان من المستوى الموسوى ، الى الحياة حسب النعمة والحق ( لأن الناموس بموسى أعطى ، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا ، ( يو ۱۷:۱ ) فالمؤمن بالنعمة يتبرر من الخطية ، ويتقدس بالروح ، ويصبح ابنا ووريثاً للملكوت "إذ سبق فعيننا للتبنى بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته ، لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب ، الذي فيه لنا الفداء ، بدمه غفران الخطايا ، حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا ، بكل حكمة وفطنة إذ عرفنا بسر مشيئته، حسب مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملء الأزمنة ، ليجمع كل شيء في المسيح ، ما في السموات وما على الأرض لنكون لمدح مجده نحن الذين سبق رجاؤنا في المسيح " ( ١ تس ۱ : ۳ - ۱۲ ) فإن قدرة الله قد وهبت لنا كل ما للحياة والتقوى بمعرفة الذى دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة ، لكى نصير بها شركاء الطبيعة الإلهية (١ بط ٣:١ و ٤ ) ويمكن تركيز سمات الحياة الجديدة حسب الروح فيما يلى : الحياة على مستوى النعمة والحق ، وليس وفقاً للتهود والحرام والحلال . كذلك الحياة بالحرية ، وليس بعبودية الجسد والناموس .
الحياة وفقاً لبشارة نعمة إنجيل ربنا يسوع ، وليس حسب فرائض ووصايا خارجية ، تمثل عبئاً على كاهل الإنسان .
الحياة من خلال الشركة مع المؤمنين ، وليس على مستوى الانفرادية وكان الجمهور الذين آمنوا قلب واحد ، ونفس واحدة ، ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له ، بل كان عندهم كل شيء مشتركاً .
أيها القاري العزيز :
ان كنت لا تزال تعيش حسب الناموس : لا تمس ، لا تجس ، لا تدق فهذا التهود لا يصلح لشيء سوى أن يبرر ذاتك أمام نفسك ولكنه لا يمنحك البر الذي في المسيح وإن كنت قد اختبرت فاعلية الولادة الثانية [ المعمودية ] ، وقوة التثبيت [ الميرون ] ، وشركة الافخارستيا ، فتمسك بالذي عندك، وجاهد وثابر ، واحتمل مع أخوتك ،مجاهدين معاً بنفس واحدة .
نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين
عن مجلة الكرازة العدد الثانى والثلاثون عام ١٩٧٥