
يصعب علي جدا أن أقدم عرضا كاملا لمركز القديسة مريم السامي في الكنيسة القبطية في هذا المقال المختصر فالقديسة مريم تذكر في كل تسبحة يومية وفي كل ليتورجية وفي كل "صلوات السواعي" النهارية والليلية كما نحتفل بأعياد مريمية مختلفة سنوية وشهرية هذا بجانب تكريما لها في بعض الأعياد السيدية مثل البشارة والميلاد ودخول السيد المسيح الهيكل وهروب العائلة المقدسة إلى مصر وتذكار أول معجزة صنها يسوع بقانا الجليل الخ أما أيقونتها فلها سمات خاصة، وتحتل مركزا معينا في مبنى الكنيسة القبطية الأيقونات ونغمات التسبيح المريمية مدهشة جدا، خاصة ألحان الشهر المريمي (شهر كيهك) الذي يسبق عيد الميلاد.
1- القديسة مريم في التسبحة اليومية:
تعطي الكنيسة القبطية اهتماما خاصا بالتسبيح بكونه تعبيرا عن طبيعة الكنيسة السماوية تتقبلها خلال اتحادها بالسيد المسيح المقام من الأموات فمن القرون الأولى وضعت تسابيح خاصة بكل يوم من أيام الأسبوع تقدمها الكنيسة ذبيحة حب يرفعها المؤمنون من أجل انطلاق قلوبهم للسماء استعدادا مستمرا خلال الأسبوع للتمتع بالشركة في لتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي) هذه التسابيح البسيطة العذبة استخدمت أيضا لتعليم الشعب المعتقدات الأرثوذكسية وحمايتهم من الهرطقات هذا بجانب ما للاجتماع الكنسي اليومي للتسبيح من فاعلية لحفظ روح وحدة الكنيسة.
كل تسبحة يومية تضم الصلاة الربانية صلاة الشكر مجموعة من المزامير مقتطفات من الكتاب المقدس أربع هوسات (تسابيح) ولبش (تفسير) كما تتضمن ثيؤتوكية خاصة باليوم أي تسبحة خاصة بتمجيد الثيؤتوكوس (والدة الإله) إلخ...
ملامح الثيؤتوكيات:
1- في الثيؤتوكيات يكرر الشعب اسم"مريم" كعلامة على الصداقة الوثيقة التي تربط بينهما والرغبة الأكيدة في دعوتها باسمها في العهد القديم لم يحمل هذا الاسم إلا أخت موسى وهرون (خر 15: 20)، (عدد 12: 1-5) ومريم من نسل يهوذا (1أخ 4: 17) وقد وجدت تفاسير متابينة لمعنى هذا الاسم من الجانب اللغوي نذكر منها:
(أ) كما أن اسمي موسى وهرون مصريان أصيلان فانه يحتمل أن يكون اسم أختهما أيضا مصريا"مريام" مشتقا عن كلمتين "ميري" مأخوذة من فعل (مر) أي يحب، فتعني "محبوبة" "يام" كان مستخدما لدى المصريين للإشارة إلى الاسم الإلهي العبري "يهوه" بهذا فان ميريام تعني "المحبوبة لدي الله".
(ب) يرى الحاخامات القدامى أن اسم مريم يحمل رمزا لمرارة العبودية التي عانى منها إسرائيل في مصر كلمة "مريم في نظرهم مأخوذة عن العبريةMerur جاءت عن قسوة معاملة المصرين لهم.
(ج) يرى بعض الكتاب المصرين الأوائل أن الكلمة العبرية "مريام"، جاءت مشتقة عن كلمتين:
"مار" يعني "مر" "يم" يعني "بحر" فكلمة "مريم" تعني "مرارة البحر".
(د) يرى بعض أن كلمة "مريم" هي مؤنث الكلمة الآرامية "مار" (سيد)، فتعني "سيدة".
2- استخدمت الثيؤتوكيات عددا كبيرا من ألقاب القديسة مريم مأخوذة عن أعمالها المتباينة وامتيازاتها المختلفة، مثل: "القبة الثانية"، قدس الأقداس، وعاء المن الذهبي، المنارة الذهبية، المجمرة الذهب.
سيدتي، القديسة، غير الدنسة، العذراء الحقيقية، الحمامة الحسنة، الزهرة القديسة، الحجر الثمين الثيؤتوكوس، والدة عمانوئيل، أم الملجأ، أم القدوس، والدة الإله، والدة السيد، والدة الحبيب، أم يسوع المسيح، أم ابن الله فرح حواء، بهجة الأجيال فخر يهوذا، كرازة موسى، صديقة سليمان، ابنة يواقيم" "عليقة موسى المشتعلة، الحقل غير المفلح الذي انتج ثمرة الحياة، الكنز الذي اشتراه يوسف ووجد فيه اللؤلؤة المختفية، مرضعة ذاك الذي يقوت كل جسد، جبل (سيناء) العاقل، الجبل الذي رآه دانيال، الكاملة، الطاهرة، فرح الملائكة أم المسيح، أم كل حي" "السماء الثانية، الباب الشرقي، أورشليم مدينة ربنا، الفردوس العاقل العروس الطاهرة للعريس الطاهر، غير الفاسدة التي بلا عيب، الإناء المختار، العبدة.
معمل الاتحاد غير المنفصل (بين اللاهوت والناسوت) "فخر كل العذارى، سماء جديدة، المرأة (الواردة في رؤ 12)، "الشفيعة".
3- الثيؤتوكيات غنية جدا بالرموز الخاصة بالقديسة مريم مقتبسة من الكتاب المقدس مع عرض لاهوتي بسيط وعميق لأعمال القديسة وامتيازاتها وعلاقتها بالثالوث القدوس والسمائيين والمؤمنين وكل الجنس البشري.
4- خلال هذه التسابيح توضح الكنيسة سر التجسد وسر خلاصنا مع جوانب كثيرة من لاهوت السيد المسيح من أمثلة ذلك: الله الكلمة الذي صار إنسانا بغير افتراق، واحد من اثنين: اللاهوت القدوس غير الفاسد، والناسوت الطاهر من غير زرع بشر مساو لنا كالتدبير. ثيؤتوكية الأحد
لم يزل إلها، أتي وصار ابن بشر، لكنه هو الإله الحقيقي، أتي وخلصنا. ثيؤتوكية الخميس
5- لا حاجة لنا أن نشير إلى الثيؤتوكيات وما تحمله من اتجاه اسخاتولوجي (أخروي)إذ فيها تعبر الكنيسة القبطية عن حياتها فالثيؤتوكيات تشرح طقوس العهد القديم كرموز وإشارات لسر التجسد من جانب الملكوت السماوي نعطي مثالا لهذا الاتجاه الأخروي بما ورد في ختام الثيؤتوكيات الواطس (من الأربعاء إلى السبت)، إذ جاء فيها: "يا ربنا يسوع المسيح حامل خطية العالم،احسبنا مع خرافك الذين عن يمينك عند ظهورك الثاني، المخوف، لا نسمع برعدة أنني لست أعرفكم، بل تكون مستحقين لسماع الصوت، الممتلئ فرحا، الذي لرأفتك، يصرخ قائلا: "تعالوا إلي يا مباركي أبي،رثوا الحياة الدائمة إلى الأبد يأتي الشهداء حاملين عذابا تهم،ويأتي الصديقون حاملين فضائلهم يأتي ابن الله في مجده ومجد أبيه،ويجازي كل واحد كأعماله التي صنعها..."
6- هذه الثيؤتوكيات في الواقع هي تسابيح لتورجيا تهيئنا روحيا للشركة في لتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي) للتمتع بالتناول من المن الحقيقي جسد ودم يسوع المسيح ابن القديسة مريم.
7- تلقيبها بالثيؤتوكيات يكشف لنا عن الأساس اللاهوتي الرئيسي في تكريم الأقباط للقديسة مريم ألا وهو أنها "ثيؤتوكوس" أي والدة الإله هذا بجانب الجوانب الأخرى مثل دوام بتوليتها وصداقتها القوية لاخوتها أي الجنس البشري كله.
8- في النصوص والتسابيح المريمية الأصلية تضع الكنيسة خطأ واضحا بين شخص يسوع المسيح الذي يلزم له العبادة، والقديسة مريم التي يليق بها التكريم كما يقول القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص: "لنكرم مريم وليعبد المسيح".
كما يحزرنا القديس أمبروسيوس في هذا الشأن قائلا "بلا شك يلزم أن يعبد الروح القدس حين نعبد ذاك الذي تسجد بالروح القدس لكنه يلزم ألا يطبق أحد هذا على مريم فهي هيكل الله لا إله الهيكل أننا نعبد ذاك الذي عمل في الهيكل وحده".
9- تحثنا الثيؤتوكيات على التوبة.
مراحمك يا إلهي غير محصاة...الخطايا التي صنعتها ياربي لا تذكرها،ولا تحسب آثامي، فان العشار اخترته،والزانية خلصتها،واللص اليمين يا سيدي ذكرته وأيضا الخاطي يا يسدي علمني أن أصنع توبة.
ختام ثيؤتوكيات آدام
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مار جرجس سبورتنج
عن كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي