
قانون الإيمان (دستور الإيمان) هو أساس عقيدتنا المسيحية وتؤمن به كل الكنائس المسيحية في العالم أجمع والذين لا يؤمنون به لا يعتبرون مسيحيين كشهود يهوه والسبتين ومن اهتمام الكنيسة بقانون الإيمان، جعلته جزءًا في كل صلوات الأجبية بالنهار والليل لأن الإيمان هو عنصر أساسي في حياتنا الروحية وليس فقط في معتقداتنا لذلك رأينا أن نصدر هذا الكتاب، ليكون تفسيرًا موجزًا ومركزًا لقانون الإيمان يدرس في الكلية الإكليريكية بكل فروعها في مصر والمهجر، ويدرس في مدارس اجتماعات الشباب وقانون الإيمان يشمل عقائد متعددة: مثل التثليث والتوحيد ولاهوت الابن ولاهوت الروح القدس، والتجسد والفداء، المعمودية، وحياة الدهر الآتي وبهذا فإن الدارس له يكون مستوعب عددًا كبيرًا من العقائد الإيمانية وكانوا يدرسونه قديمًا لفصول قبل عمادهم.
الحقائق الإيمانية الأساسية في قانون الإيمان موجودة من قديم الزمان عاش المسيحيون بها في الأجيال الثلاثة الأولى ووجدت صيغ منها في قوانين الرسل أبوليدس وبعض أقوال الآباء الأول وأهمية قانون الأيمان هو أن جميع كنائس العالم المسيحي تؤمن بقانون إيمان واحد تقره جميع الكنائس ولذلك كان لا بُد أن يضعه مجمع مسكوني يضم ممثلي كل الكنائس المسكونة.
القانون الذي بين أيدينا صيغ في مجمع نيقية المسكوني سنة 325 م وهو أول المجامع المسكونية وذلك ردًّا على البدعة الأريوسية التي أنكرت لاهوت المسيح وكان يمثل الكنيسة القبطية في ذلك المجمع البابا ألكسندروس بابا الإسكندرية التاسع عشر ومعه شماسه أثناسيوس الذي قام بصياغة كل بنود القانون وَأُضيفَ الجزء الخاص بلاهوت الروح القدس في مجمع القسطنطينية المسكوني الذي عقد سنة 381 م. ردًا على مقدونيوس الذي أنكر لاهوت الروح كل كنائس العالم -وإن اختلفت في بعض العقائد- تؤمن بكل بنود قانون الإيمان هذا وأية طائفة لا تؤمن بكل ما في قانون الإيمان لا تعتبر مسيحية مثل شهود يهوه والسبتيين الذين يؤمنون بالكتاب المقدس بعهديه (حسب ترجمه خاصة بهم) ولكنهم لا يؤمنون بكل العقائد المسيحية التي وردت في قانون الإيمان ويشمل قانون الإيمان الحقائق الإيمانية الأساسية وهي:
1 - وحدانية الله، إذ يبدأ بعبارة "بالحقيقة نؤمن بإله واحد".
2- عقيدة الثالوث القدوس. ولاهوت كل أقنوم وعمله.
3- عقيدة التجسد والفداء والخلاص.
4- عقيدة المعمودية لمغفرة الخطايا.
5- عقيدة قيامة الأموات، والحياة الأخرى في الدهر الآتي.
6- عقيدة المجيء الثاني للمسيح، حيث تتم الدينونة.
7- الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية.
وسوف نتناول كل فقرات قانون الإيمان لشرحها واحدة فواحدة.
بالحقيقة نؤمن
والإيمان يشمل الاعتقاد والثقة والاقتناع القلبي والتسليم الكامل عقلا وقلبًا وقد عرفه القديس بولس الرسول " بأنه الثقة بما يُرْجَى، والإيقان بأمور لا ترى" (عب 11: 10) فنحن نؤمن مثلا بالمعجزة وليست هي ضد العقل بل هي مستوى أعلى من مستوى العقل وسميت معجزة لأن العقل يعجز عن تفسيرها إلا بأن الله صانعها إنه يقبلها حتى إن كان لا يفهمها وفي حياتنا العملية من جهة العلم مثلا ومخترعاته الحديثة توجد أشياء يقبلها العقل وإن كانت كثير من عقول الناس لا تفهمها ولا تستوعبها. ليس كل إنسان يفهم مثلًا ما هي الكهرباء واللاسلكي. ولكنة يقبل ذلك دون أن يفهمه. ولا كل إنسان يفهم كيف يعمل على الكومبيوتر. ولكنه يقبله..
الإيمان لا يتعارض مع العقل. ولكنه مستوى أعلى منه.
فنحن جميعًا نؤمن بوجود الروح كسبب لحياة الإنسان، دون أن نراها. فإذا حدث أن إنسانًا فارقته روحه يموت. العقل يقبل هذا، ولكنه لا يدرك كنه الروح. ولا يستطيع أن يعرف كل التفاصيل الخاصة بها. مثل شكلها ومعرفتها ومصيرها. ولكنه يقبل ما يقوله الإيمان عنها قيامة الأجساد نقبلها بالإيمان. دون أن يدرك العقل كيف تتم؟ وكيف تعود الأجساد بعد أن تتحول إلى تراب. لا نفهم ذلك. وليس من المهم أن نفهم. إنما المهم أن نقبل ذلك بالإيمان.
العقل يقبل ما يسلمه الإيمان لنا.
الإيمان يوصلنا إلى مرحلة أعلى من العقل. ثم يأخذ العقل هذه المرحلة ويشرحها. والأمور التي هي فوق العقل، يتسلمها الإيمان من الوحي، من الكتب المقدسة، حسبما كلم الله الأنبياء.
نؤمن
أي أنه ليس مجرد إيمان ورثناه عن آبائنا لأنهم كانوا مؤمنين، ولا عن أمهاتنا. وإنما نحن نؤمن بالحقيقة، باقتناع قلوبنا. بكل حق وبكل صدق. والإيمان يحتاج إلى تسليم، وبساطة. بعض الناس كبرت عقلياتهم ففقدوا بساطة الإيمان! الطفل يؤمن، لأنه لم يصل إلى مرحلة الشك التي تسأل عن كل شيء، وتجادل في كل شيء. تعلمه الصلاة فيصلي معك، ويكلم الله في صلاته، دون أن يسألك: من هو هذا الإله الذي أكلمه وأنا لا أراه لذلك أنا أتعجب من البروتستانت الذين يقولون: لا نعمد الطفل لأنه غير مؤمن. ليتكم لكم إيمان الأطفال!! عجيب أن ينمو العقل على حساب الإيمان. وكلما ينمو، يشك ويناقش.. لذلك من الأفضل أن نغرس كل قواعد الإيمان في نفس الطفل منذ حداثته. الطفل الذي يكون الإيمان عنده أقوى من العقل، أو الإيمان عنده يسبق العقل في درجاته.
مسكين العقل الذي يعيش بدون إيمان.
في إحدى المرات كان أحد الفلاسفة الملحدين سائرًا، فمر على مزرعة، ورأى فلاحًا راكعا على الأرض ورافعا يديه إلى فوق، يصلي بكل حرارة. فتعجب الفيلسوف وقال: أنا مستعد أن أتنازل عن فلسفتي، لمن يعطيني إيمان هذا الفلاح البسيط، الذي يكلم كائنا لا يراه..! وبكل حرارة ومن كل قلبه..
بالحقيقة نؤمن.. نؤمن بماذا؟
نؤمن بإله واحد.
نؤمن بإله واحد
إننا نؤمن بالثالوث القدوس، ومع ذلك نؤمن بإله واحد. وحينما نقول "باسم الأب والابن والروح القدس، نقول بعدها "إلهٌ واحد أمين" والإيمان بإله واحد، هو في أول وصية من الوصايا العشر، إذ يقول الرب "أنا الرب إلهك.. لا تكن لك آلهة أخرى أمامي" (خر20:3) (تث5: 6-7). وما أكثر الآيات الخاصة بوحدانية الله في سفر أشعياء النبي، إذ يقول "أنا الرب وليس غيري. قبلي لم يصور إله، وبعدى لا يكون" (أش 44: 6، 9) (أش 46: 9) (أش 48: 12).
والعهد الجديد يتحدث أيضًا عن التوحيد.
فيقول "الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ." (1 يو 5: 7). وفي رسالة يعقوب الرسول "أنت تؤمن بإله واحد. حسنا تفعل، والشياطين أيضًا يؤمنون ويقشعرون" (يع 2: 19). ويقصد هنا الإيمان العقلي وليس القلبي والفعلي. فالذي لا يؤمن بإله واحد هو في مستوى من الإيمان أقل من الشياطين! والسيد المسيح حينما قال ".. وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدوس" (مت 28: 19)، قال باسم وليس بأسماء..
نحن لا نؤمن بتعدد الآلهة، إنما بإله واحد.
فإن قال أحد كيف يكون الثلاثة واحدًا؟! أليس الحساب يقول إن 1+1+1=3 وليس واحدًا. نقول: ولكن 1 ×1×1 =1 وليس ثلاثة. فالابن مثلًا يقول أنا في الآب والآب في (يو10: 14) ويقول "أنا والآب واحد" (يو10: 30) نحن لا نشرك بالله. لا نجعل له شريكا في لاهوته
والثالوث القدوس لا يعني تعدد الآلهة. وإنما يعني فهم التفاصيل في الذات الإلهية الواحدة.
فالله له ذات إلهية، وعقل، وروح. والله بعقله وروحه كيان واحد. كما أن الإنسان الذي خلق على صورة الله، له ذات بشرية وعقل وروح، والثلاثة واحد. كذلك النار: نلاحظ فيه ذات النار، وما يتولد منها حرارة وما ينبثق منها من نور. والنار وحرارتها ونورها كيان واحد. وكذلك الشمس بحرارتها ونورها كيان واحد. الآب هو الذات الإلهية، والابن هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل، هو حكمة الله (1كو23، 24). والروح القدس هو روح الله. وواضح أن الله وروحه كيان واحد. والله وعقله كيان واحد..
والذي يؤمن بتعدد الآلهة، يتعارض مع المنطق في فهم اللاهوت.
فإن كان هناك عدد من الآلهة، فمن منهم الأقوى. إن كان واحد منهم أقوى يكون هو الله، والباقيان ليسا إلهين وإن كان الكل في قوة واحدة، يكون كل منهم محدود بقوة الآخرين. أي يقوى على كل الكائنات، ما عدا من يشاركه في الألوهية. وهكذا لا يكون أحد من هذه الآلهة إلهًا، لأنه لا يوجد واحد منهم قادرًا على كل شيء ونفس الوضع بالنسبة إلى الخلق: إن وجد عدد من الآلهة، فمن منهم الخالق؟ إن كان واحد منهم هو الخالق وحده، يكون هو الله، والخليقة كلها تتبعه لأنه هو خالقها، ولا تكون الآلهة الأخرى آلهة.. وإن كان هذا الخالق هو خالق الكل، فهل خلق باقي الآلهة؟ إن كان قد خلقهم، لا يكون آلهة. وإن كان لم يخلقهم، تكون قدرته على الخلق محدودة بباقي الآلهة. وإن كان هو محدودًا، لا يكون إلهًا. وهكذا في تطبيق باقي الصفات الإلهية.. ونخرج بنتيجة منطقية حتمية، وهي الإيمان بإله واحد. بالحقيقة نؤمن بإله واحد، الله الأب:
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان