الله ضابط الكل

13 أغسطس 2025
Large image

أي أنه يضبط كل الكائنات لا يخرج شيء عن رقابته وعن تدبيره وعبارة (الكل) تشمل السمائيين والأرضيين، سواء كانت الكائنات العاقلة أو الجامدة، الكل تحت ضبطه كما تشمل أيضًا الملائكة والشياطين ولكن الله من فرط رحمته وحنانه، وهبنا حرية الإرادة وبحرية الإرادة يمكننا أن نطيع أو نعصى وصاياه ولكن أعمالنا كلها تحت ضبطه، مكتوبة أمامه في سفر التذكرة (مل 3: 16) وسوف يحاسبنا عليها يوم يأتي ليجازي كل واحد حسب أعماله (مت16:27) وقد يجازى عليها على الأرض أيضًا، كما سجل لنا الكتاب عقوبات كثيرة لله، منها عقوبة الطوفان (تك6) وعقوبة سادوم وعمورة (تك 19). ومعاقبة قورح وداثان وأبيرام (عد16) ومعاقبته لفرعون مصر بضربات كثيرة، ثم بالغرق في البحر الأحمر (خر16) بل ذكر الكتاب أيضًا معاقبة الله لأحبائه الذين أخطأوا مثل عقوبته لداود (2صم12) الشيطان أيضًا ليس إلها للشر، بل هو مخلوق تحت سيطرة ضابط الكل Pantocrator إن أراد الله أن يوقفه عن العمل، أو يضع له حدودًا لا يتجاوزها فإنه يستطيع ذلك وفي قصه أيوب الصديق، نجد الشيطان يأخذ إذنا بتجربة أيوب ولا يجرب أيوب إلا في الحدود التي يسمح بها الله ففي التجربة الأولى سمح له الله أن يمد يده إلى مال أيوب وبيته، فلم يتجاوز ذلك (أي1) وفي التجربة الثانية سمح له أن يمد يده إلى جسد أيوب، ولكن لا يمس نفسه (أي 2: 6) وكان كذلك في قصه لجيئون، طلب الشياطين من الرب أن يأذن لهم بالدخول في الخنازير "فأذن لهم" (مر 5: 12-13) إذن لم يكن في سلطانهم حتى أن يدخلوا في الخنازير إلا بإذنه ويحكي لنا سفر الرؤيا أن الله أرسل ملاكه فقيد الشيطان ألف سنة وبعدها حله من سجنه (رؤ20: 2، 7) ونرى أن الرب أعطى تلاميذه السلطان أن يخرجوا الشياطين (مت 10:1) وفرح التلاميذ قائلين له "حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (لو 10:17) وقد أعطانا الرب "السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19) والمقصود بالعدو هنا الشيطان إذن لا نخاف من الشيطان، ما دام تحت سيطرة ضابط الكل ولكن لعل إنسانًا يسأل إن كان الله ضابط الكل، فلماذا تحدث كل المتاعب والأضرار في الكون؟! ولقد سأل ارميا النبي سؤالًا مشابهًا، فقال للرب "أبر أنت يا رب من أن لأخاصمك ولكني أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تنجح طريق الأشرار؟! اطمأن كل الغادرين غدرًا" (أر 12: 1) أو كما قال جدعون للملاك "أسألك يا سيدي إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟!" (قض6: 13) نقول إنه ربما تكون للرب حكمة في ذلك، ليعطي البعض بركة من التجربة أو نعمة الاحتمال فيسمح بالتجربة ويكون معنا فيها، كما حدث ليوسف الصديق هنا ونقول إن هناك فرقًا بين إرادة الله وسماحه إرادة الله هي خير مطلق ومع ذلك فهو يسمح للكائنات العاقلة بحرية التصرف في حدود وقد يخطئون ويسببون أضرارا، وهذا كله بسماح من الله وفي كل ذلك فإن الرب يرقب كل تصرفاتهم،ويحاسب ويعاقب كضابط للكل ويصحح وقد يطيل أناته عليهم وقد يتدخل الله، ويوقف عمل الأشرار فحرية الإرادة الممنوحة لهم ليست حرية مطلقة بل هي حرية تحت رقابة ضابط الكل الذي صرخ إليه داود وأصحابه مرة قائلين "حمق يا رب مشورة أخيتوفل" (2صم 15: 31) وفعلا بطلت مشورة أخيتوفل وقد تدخل الرب مرارًا فأنقذ قديسيه من مؤامرات الأشرار وقد تغني داود بهذا فقال "لولا أن الرب كان معنا -حين قام الناس علينا- لابتلعونا ونحن أحياء نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين الفخ أنكسر ونحن نجونا عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز124) لقد تدخل الرب ونجي داود من مؤامرات شاول الملك، ونجي مردخاي من مؤامرة هامان (أش 7: 10) ونجي الكنيسة كلها من الدولة الرومانية وأمثلة تدخل الله لإيقاف مؤامرات الأشرار كثيرة، سواء في الكتاب أو التاريخ.
الله يسمح للظالم أن يظلم ومع ذلك لا يفلت الظالم من يده والرب يحكم للمظلومين سمح الله لشاول الملك أن يظلم داود ولم يفلت شاول من قضاء الله فمات هو وبنوه في جبل جلبوع وقطعوا رأسه، ونزعوا سلاحه. وسمروا جسده على سور بيت شان (1صم 31: 8- 10) وأبشالوم ظلم داود أباه ولم يفلت أبشالوم من قضاء الله ففي الحرب تعلق شعره بالبطمة وضربه موآب بثلاثة سهام في قلبه وهو بعد حي وأحاط به عشرة غلمان حاملوا سلاح يوآب بثلاثة وضربوا أبشالوم ومات (2صم 18: 9- 15) لقد سمح الله أن يقوم قايين على أخيه هابيل ويقتله ومع ذلك لم يترك الله قايين بدون عقاب، فلعنه وتركه تائهًا وهاربًا في الأرض كل من وجده يقتله (تك 4: 10-14) لو قرأنا عن نهاية مضطهدي الكنيسة، لرأينا عجبًا الله ضابط الكل،لا يفلت أحد من مراقبته ومن معرفته ولا يفلت أحد من سلطانه ومن دينونته ومعاقبته ومن معرفته ولا يفلت أحد من سلطان ومن دينونته ومعاقبته..
إنه يضبط كل شيء، ليس الأفعال فقط، بل أيضًا الأفكار والنيات يضبط حتى الجنين في بطن أمه يضبط الخفيات والظاهرات، ما يري وما لا يري فلا تحزن لأجل ضيقات حلت بك الله لا بُد سيتدخل ويقيم العدل على الأرض ويحكم للمظلومين أنه هو الذي عاقب آخاب وايزابل على قتل نابوت اليزرعيلي (1مل 21) ومع ذلك فإن ضيقات كثيرة وبلايا وتجارب وأضرارًا، منعها الله عنا قبل وصولها إلينا، ونحن لا ندري إننا للأسف نشكر فقط على المتاعب المرئية التي ينقذنا الله منها ولكننا لا نشكر على منعه للمتاعب غير المرئية قبل وصولها إلينا، وربما تكون أكثر منعها عنا ضابط الكل أما التجارب والمتاعب التي يسمح بها، فلعله ينطبق عليها قول الكتاب (كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الله) (رو 8: 28) أو قول الكتاب أيضًا "احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2) فإن عرفت أن الله ضابط الكل، اعرف أنه ليس فقط يضبط ما يحدث لك، وإنما أيضًا ما يحدث منك إنه يقرأ أفكارك ويفحص قلبك، يعرف نياتك، وكل مشاعرك وليس شيء خافيًا عليه الذي قال لكل واحد من ملائكة (رعاة) الكنائس السبع (أنا عارف أعمالك) (رؤ 2، 3) إن عرفت هذا، لا بُد أن يدركك الاستيحاء من كل عمل خاطئ تعمله، ومن كل فكر في قلبك الله عالم به وهكذا تخجل من الله ضابط الكل، خالق السماء والأرض.
الله خالق السماء والأرض
كلمه (خالق) هي صفه لله وحده وتعني أنه يوجد مخلوقات من العدم، من اللاموجود أقصى ما يصل إليه العقل البشري أن يكون صانعًا لا خالقًا نعم، هذا الإنسان في قمة ذكائه وعمله ومعرفته هذا الذي صنع سفن الفضاء ووصل بها إلى القمر، والذي نبغ في التكنولوجيا إلى أبعد الحدود إنه مجرد صانع لا خالق صنع كل ما اخترعه، من المادة التي خلقها الله وصنع الإنسان كل ما صنع، بعقل خلقه الله لذلك إن أثبتنا أن السيد المسيح خلق أشياء، إنما بهذا نثبت لاهوته لأنه لا يوجد خالق إلا الله وحده وهنا نسأل حتى في بدء قصه الخلق (في تك1، 2) من الذي خلق هذا الكون؟ هل هو الآب أم الابن؟ ونجيب الآب خلق كل شيء بالابن ما دام الابن هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل، وما دام هو حكمه الله وقوه الله (1كو1: 23،24) إذن الله قد خلق كل شيء بعقله بنطقه بكلمته بحكمته، أي بالابن وهكذا يقول القديس بولس الرسول عن الابن "الذي به أيضًا عمل العاملين" (عب 1:2) "الكل به وله قد خلق" (كو1: 16) ويقول القديس يوحنا في بدء إنجيله "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيئًا مما كان" (يو1: 3) أليس هو عقل الله الناطق والله وعقله كيان واحد فأنت مثلا إن حللت مشكله، هل تكون أنت الذي حللت أم عقلك؟ أنت حللت المشكلة، وعقلك حلها وأنت حللتها بعقلك مادام الله قد خلق كل شيء فكل شيء تحت سلطانه وطبعا الذي خلق من العدم يمكنه أن يقيم من الموت لقد خلق الله السماء والأرض منذ البدء (تك 1: 1).
السماء والأرض
السماء لغة هي كل ما يسمو، أي ما يرتفع وقد أطلقت اصطلاحًا على أعلى ما ترتفع إليه أبصارنا وهنا نسأل هل هناك سماء واحدة أم عدة سماوات؟ ورد في أول آية في الكتاب المقدس "في البدء خلق الله السماوات والأرض" (تك 1: 1) أي أن هناك سموات ونحن نصلي ونقول" أبانا الذي في السموات" (مت6: 9) ويحكي لنا القديس بولس الرسول إنه "أختطف إلى السماء الثالثة" (2كو12: 2) وذكر أن هذه السماء الثالثة هي الفردوس (2كو12: 4) إن كانت الفردوس هي السماء الثالثة، فما هي السماء الأولى والثانية؟ السماء الأولى هي هذا الغلاف الجوى المحيط بالأرض نسميها سماء الطيور أي التي تسبح فيها الطيور كما قيل "كالنسر يطير نحو السماء "(أم23:5) وكذالك الطائرات التي تمخر عباب السماء أما السماء الثانية فهي الفلك الذي توجد فيها الشمس والقمر والنجوم والمجرات وسائر الكواكب ولا تستطيع طائره أن تقترب من الشمس، وإلا فإنها تحترق وإن كانت سفن الفضاء استطاعت أن تصل إلى القمر، فإن مناطق عديدة جدًا في الفلك لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها والحديث عن النجوم والشهب والمجرات، هو حديث مذهل ومبهر، مع أن الإنسان لم يصل إلا إلى قليل من المعرفة في هذا المجال فوق هذه السماوات الثلاث توجد "سماء السموات" وهي التي يوجد فيها عرش الله وعنها قال السيد الرب "لا تحلفوا ألبته لا بالسماء لأنها كرسي الله" (مت5: 34) أي عرشه وهي التي قال عنها لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13) لقد صعد إيليا إلى السماء ولكن ليس إلى هذه "سماء السموات "، الخاصة بالله وحده وقد ذكر سليمان الملك سماء السموات في صلاته يوم تدشين الهيكل فقال للرب "هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت" (1مل 8: 27) وهنا نذكر سماء السموات في التسبحة فنقول مع داود النبي في المزمور "سبحوا الرب من السموات، سبحوه في الأعالي سبحيه يا سماء السموات" (مز148: 1، 4) ومع كل هذه، أطلق على كل هذه السموات، لقب سماء لسموها كلها وارتفاعها. وهكذا قيل في الوصايا العشر عن الراحة في اليوم السابع "لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع" (خر 20: 11) وقيل عنها (صنع) لأنه خلق أولا المادة ومنها صنع هذه السماء التي نراها،وهذه الأرض التي نسكنها وعبارة "خلق الله السموات والأرض" تعني خلقها وكل سكانها تعني أنه خلق السماء وكل الملائكة والأجناد السماوية، وكل صفوفها وطبقاتها وطغماتها الملائكة، ورؤساء الملائكة، والأرباب والعروش والسلاطين" (كو1: 16) والشاروبيم والسارافيم وكل الجمع غير المحصي الذي للقوات السمائية. (وخلق الأرض) تعني أيضًا كل ما عليها خلق الكل: "ما يُرى وما لا يُرى" (كو 1: 16).
الله خالق ما يُرى وما لا يُرى
عبارة "ما يُرى" سهلة الفهم. فماذا تعني عبارة ما لا يرى"؟
المقصود بعبارة ما لا يرى، الذي لا يرى بواسطتنا نحن، بحواسنا البشرية. لذلك لأن حواسنا البشرية ترى المادة فقط أما ما يخرج عن نطاق المادة فلا نراه.
1- فمثلًا من ضمن "ما لا يُرى" الأرواح.
ومن الأرواح: الملائكة (مز104: 4). فملائكة كثيرون يحيطون بنا ونحن لا نراهم. ولكن إذا اتخذ الملاك شكلًا، فنحن نرى هذا الشكل. أما الملاك من حيث طبيعته كروح، فإننا لا نراه. وبنفس الوضع: الشياطين لأنها هي أيضًا أرواح، أرواح شريرة، أو أرواح نجسة (مت10: 1، 8). فهي تحاربنا ولكننا لا نراها. أما إذا ظهر الشيطان في شكل معين، فإننا نراه في هذا الشكل. ولكننا لا نراها بطبيعته كروح أنت أيضًا كإنسان: فيك ما يرى وهو الجسد، وما لا يرى أي الروح التي لا نراها وهي تخرج من الجسد وقت الموت. أما إذا ظهرت لنا روح قديس (في معجزه مثلًا). فلا بُد أن يتخذ القديس شكلًا تدركه حواسنا المادية..
2-هناك أيضًا أشياء دقيقة جدا أو بعيدة جدا، لا تستطيع أبصارنا المادية أن تراها، ولكنها ترى بأجهزة.
مثال ذلك الميكروبات التي لا ترى بالعين المجردة، ولكن يمكن أن نراها بالميكروسكوب أو بأجهزة أخرى. نشكر الله أن بصائرنا لا تراها، وإلا ما كنا نستطيع أن نعيش، وبخاصة في أجواء يكثر فيها التلوث. حتى الهواء مملوء بذرات. من حسن حظنا أننا لا نراها. أشياء أخرى بعيدة، لا نراها بسبب بعدها. ولكن يمكن رؤيتها بأنواع من التيلسكوبات telescopes. وبخاصة بالنسبة إلى الأجرام السماوية وما فيها. ومركبات الفضاء استطاعت أن ترى في رحلاتها ما لم يكن يرى من قبل ولكن ما رأته الأقمار الصناعية ومكوكات الفضاء هو شيء ضئيل جدًا جدًا من عالم الفلك الذي تدخل تفاصيله في نطاق ما لا يرى.
3- هناك أشياء أخرى لا ترى حاليا، لأنها مخفاة. ولكن بعضها يمكن أن نراه بطرق الكشف:
مثال ذلك كل ما يوجد في باطن الأرض من المعادن، التي بعض منها أمكننا أن نراه بوسائل الاستكشاف العديدة والحفروهكذا أمكننا أن نستخرج من باطن الأرض ومن صخورها الذهب والنحاس والمنجنيز والماس، وما إلى ذلك مما كان لا يرى من قبل. يضاف إلى ذلك ما كشف عنه البحث من آبار البترول والغاز الطبيعي. كذلك ما لم يكن يرى في أعماق البحار، وأمكن استخراجه. وأصبح الآن يرى. وكان قبل ذلك لا يرى. يمكننا أن نضيف إلى هذا البند أيضًا أشياء كانت في جوف الإنسان لا ترى. أصبحت ترى بواسطة الأشعة والكاتسكان والـMRI وغير ذلك من الأجهزة الطبية.
4- هناك خواص أوجدها الله في طبيعة الإنسان، وهي لا ترى. ولكن عملها يظهر.
مثال ذلك العقل: أنت لا تراه، ولكن عمله يظهر ويدل عليه. والضمير أيضًا لا نراه، ولكن عمله يدل عليه.
5- كذلك المواهب التي يمنحها الله للإنسان.
أنت لا ترى الموهبة، ولكنك ترى عملها.. فالله قد يهب بعض الناس الحكمة أو الإيمان (1كو 12) ونحن لا نرى الحكمة ولا الإيمان. ولكن نرى عملهما الذي يدل على وجود كل منهما إلى هنا ينتهي الجزء الخاص بالآب في قانون الإيمان.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان

عدد الزيارات 34

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل