
تحتل النصوص والتسابيح المريمية مركزا ساميا في ليتورجياتنا، وقد نظمت معانيها الروحية ونغماتها بطريقة جميلة تتفق مع المناسبات المختلفة وفيما يلي أمثلة لمركز النصوص المريمية في بعض الليتورجيات القبطية:
1- ليتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي)
(ا) قبل تقديم الحمل يقال اللحن التالي: "السلام لمريم الملكة،الكرمة غير الشائخة، التي لم يفلحها فلاح،
ووجد فيها عنقود الحياة!ابن الله الحقيقي تجسد من العذراء وجدت نعمة أيتها العروس،كثيرون نطقوا بكرامتك،لأن كلمة الأب تجسد منك!
أنت هي البرج العالي،الذي وجدوا فيها الجوهرة..." يحمل هذا اللحن معاني تتناسب مع الموقف، فإن الكنيسة في هذه اللحظات تستعد لتقديم الحمل، بعد أن يختاره الكاهن وهو واقف عند الباب الملكي أي الباب السماوي، هذا الحمل هو الملك. لهذا فإن القديسة مريم في هذا اللحن تدعى الملكة، لتذكرنا بالملك السماوي، ابنها الذي بذل حياته لنكون واحدا مع هذه الملكة جالسين عن يمين الملك.
دعيت أيضا بالعروس، لأن ليتورجيا الأفخارستيا في الحقيقة تمثل سر اتحاد العريس السماوي والكنيسة، تمثل سر الزيجة الروحية بين المسيح المصلوب ونفوسنا.
لقبت أيضا بالبرج العالي، إذ استطاعت الدخول في الفردوس في استحقاق ابنها، تنتظرنا هناك.
وأخيرا فإن هذا اللحن خاص بسر التجسد الذي تحقق في أحشاء القديسة مريم، السر الذي يقودنا للتناول من جسد الرب ودمه الاقدسين.
(ب) في أثناء تقديم البخور يترنم الشعب باللحن التالي:
"المجمرة الذهب النقي،
الحاملة العنبر،
في يدي هرون الكاهن،
يرفع بخورا فوق المذبح".
وفي أيام الصوم يقال:
"المجمرة الذهب هي العذراء،
وعنبرها هو مخلصنا،
ولدته وخلصنا،
وغفر لنا خطايانا.
وفي أيام الصوم الكبير يقال:
"أنت هي المجمرة الذهب النقي،
الحاملة جمر النار المبارك".
تعلن هذه الألحان أن عملية تقديم البخور هي رمز لسر التجسد،
إذ قدم الإله المتجسد نفسه عنا ذبيحة طيبة، مقبولة لدى الأب.
في الطقس الأثيوبي حين يقدم بخور لأيقونة القديسة مريم، يقول الكاهن:
"أنت هي المجمرة الذهب،
التي حملت جمر النار الحي...
مبارك هو هذا، الذي تجسد منك!
الذي قدم ذاته لأبيه تقدمة بخور مقبولة"،
وخارج الأيقونستارسز (حامل الأيقونات) يقول أيضا:
"المجمرة هي مريم،
والبخور هو هذا الذي في أحشائها،
رائحته ذاكية.
البخور هو هذا الذي حملت به،
أتى وخلصنا،
الدهن الطيب،
يسوع المسيح..."
(ج) عند تقديم البخور أمام أيقونة القديسة مريم، يقول الكاهن القبطي العبارات التالية:
"أفرحي أيتها الحمامة الحسنة،
التي حملت الله الكلمة من أجلنا.
نعطيك السلام مع جبرائيل الملاك قائلين:
الفرح لك، أيتها الممتلئة نعمة،
الرب معك".
"الفرح لك أيتها العذراء، الملكة الحقيقية،
السلام (الفرح) لفخر جنسنا"
ولدت لنا عمانوئيل".
"نسألك أيتها الشفيعة المؤتمنة أن تذكرينا أمام ربنا يسوع المسيح،
لكي يغفر لنا خطايانا".
(د) قبل قراءة الأبراكسيس يقال:
"الفرح لك يا مريم، الحمامة الحسنة،
التي ولدت لنا الله الكلمة!".
يرنم هذا اللحن الذي فيه توصف القديسة مريم كحمامة حسنة قبل قراءة فصل من سفر أعمال الكنيسة (أعمال الرسل)، لأن القديسة هي مثال الكنيسة التي بلا غصن التي تقبلت القداسة من يدي الله خلال يسوع المسيح، الإله المتجسد،
هذا وأننا نلاحظ أن جميع الألحان المريمية التي ترنم خلال القراءات (قداس الكلمة) تركز على التجسد الإلهي، وكأننا لسنا فقط نسمع عن كلمة الله المقروءة بل نتقبل الكلمة كشخص يسكن في نفوسنا كما يسكن في أحشاء القديسة.
(ه) بعد صلاة الصلح، عادة يقال اللحن التالي:
"أفرحي يا مريم العبدة والأم،
لأن الذي في حجرك، الملائكة تسبحه.
والشار وبيم يسجدون له باستحقاق،
والسيرافيم بغير فتور.
ليس لنا دالة، عند ربنا يسوع المسيح،
سوى طلباتك وشفاعتك يا سيدتنا كلنا، يا والدة الإله".
هكذا إذ تمت المصالحة التي تحققت بالمسيح يسوع، صارت مريم مثالا للكنيسة، لها أن تفرح.
كما نطلب شفاعتها عنا، خلال المصالحة التي صنعها يسوع!.
(و) بعد تقديس القرابين إذ تتحد الكنيسة في المسيح يسوع نذكر القديسين لكي يسندوننا بصلواتهم. وكان طبيعيا أن نذكر القديسة مريم في مقدمة كل القديسين:
"وبالأكثر العذراء كل حين، والدة الإله،
المملؤة مجدا،
الطاهرة مريم،
التي ولدت لنا الله الكلمة".
المجمع الباسيلي
(ز) عند التناول من الأسرار المقدسة، يقال لحن (بي أويك) أي "الخبز":
"خبز الحياة الذي نزل إلينا من السماء،
وهب الحياة للعالم.
وأنت أيضا يا مريم،
حملت في بطنك المن العقلي الذي أتى من الأب".
ولدته بغير دنس،
وأعطانا جسده ودمه الكريم،
فحيينا إلى الأبد".
2- سر الزيجة:
خلال سر الزيجة المقدس يلزم أن تتجه أنظار الكاهن والشماس وكل الشعب إلى حفل العرس الأبدي الذي يقوم بين السيد المسيح والكنيسة لهذا فلا عجب أن قدمت الألحان خاصة بتجسد السيد المسيح أي مجيء العريس، كما ركزت على شخص القديسة مريم مع أنها بتول لم تتزوج!
نذكر على سبيل المثال ما ورد في الجزء الأول من هذه الخدمة أي "عقد الأملاك"، إذ يسمع الحاضرون الإنجيل الخاص بتجسد الله الكلمة، أي تجسد عر يسهم السماوي (يو1: 1- 17)يترنم الكل في لحن شعانيني (دخول المسيح أورشليم) المرد التالي، كأنهم يستقبلون العريس الداخل إلى أورشليم الداخلية:
"الفرح للخدر المزين بكل نوع للعريس الحقيقي، الذي أتحد بالبشرية".
هذا وتمدح القديسة مريم كمثال للكنيسة، العروس السماوي، نذكر على سبيل المثال:
(أ) بعد تقديم صلاة الشكر يتقدم الشمامسة باللحن "هذه هي المجمرة..."، وعند الصلاة على الأكاليل يترنمون "العذراء هي المجمرة الذهب..."
(ب) خلال صلوات الزيجة يقول الشمامسة المردات التالية:
"باب المشارق هو مريم العذراء،
الخدر الطاهر الذي للختن النقي".
كل ملوك الأرض يسيرون في نورك،
والأمم في بهائك،
يا مريم أم الله.
سليمان يدعوك في نشيد الأناشيد، قائلا:
أختي، حبيبتي، مدينتي الحقيقية أورشليم".
مضيئة أنت أكثر من الشمس،
أنت هي ناحية المشرق،
التي يتطلع إليها الأبرار بفرح وتهليل: .
يا للعجب، بينما يسأل الكهنة الله ثلاثا أن يهب العروسين مضجعا (خدرا) طاهرا، وحياة مطوبة خلال اتحادهم معا، إذا بالشمامسة والشعب يعلنون فرحهم بالخدر المقدس أي أحشاء البتول، حيث اتحد العريس هناك ببشريتنا. بهذا صارت القديسة مريم "الشرق" الذي يضئ فيه شمس البر على العالم كله، ويأتي كل ملوك (المؤمنين) الأرض بفرح إلى هذا السر.
(ج) في نهاية خدمة سر الزيجة يتغنى الشمامسة بهذا النشيد:
السلام للعروس المضيئة،
أم الذي يضئ،
السلام للتي قبلت إليها الكلمة،
الكائن في أحشائها،
السلام للتي هي أكرم من الشار وبيم،
السلام للتي ولدت لنا مخلص أنفسنا،
المجد للآب والابن والروح القدوس.
هكذا فإن خدمة سر الإكليل في الطقس القبطي_ من بدايته وحتى النهاية يجتذبا نحو القديسة مريم كعروس مضيئة، وكأنه يريدنا أن نتهيأ نحن أيضا لنكون عروس المسيح الأبدية.
3- خدمة سر المعمودية:
قبل تقبل نعمة العماد، يعلن طالب العماد أو اشبينه، أمام الأسقف أو الكاهن ايمانه بالميلاد العذروي للسيد المسيح كجزء أساسي في قانون الإيمان المسيحي.
4- سر مسحة المرضى:
يكرر الكاهن سؤاله أثناء ليتورجية المسحة طالبا صلوات القديسة مريم وشفاعتها عنا لغفران خطايانا، ملقبا إياها" أم الخلاص". أن الكنيسة تسأل أعضائها المنتصرين الصلاة عن الأعضاء المجاهدين حتى يشفي أرواحهم ونفوسهم وأجسادهم.
"...بشفاعة العذراء أم الخلاص،
التي نسبحها قائلين:
مباركة أنت بين النساء،
ومباركة هي ثمرة بطنك..."
"... بشفاعات والدة الإله، وطلبات الملائكة، ودم الشهداء،
وصلوات القديسين..."
"أيتها العذراء القديسة والدة الإله بغير زرع بشر،
اشفعي من أجل خلاص نفوسنا".
5- ليتورجية حميم الطفل:
الكنيسة القبطية كأم تهتم بأطفالها حتى قبل العماد، ففي اليوم الثامن من ميلاد الطفل يشترك الكاهن والشمامسة مع الأسرة في طقس خاص يسمى "حميم الطفل"، فيه يقدمون الشكر للرب من أجل عطية هذا الطفل، ويسألونه أن يعده للميلاد الروحي. في هذه المناسبة تذكر الكنيسة عائلة الطفل بابن الله الوحيد الذي ولد من القديسة مريم، إذ يردد الكل:
"لأن غير المتجسد تجسد،
والكلمة تجسم.
غير المبتدئ صار مبتدأ،
غير الزمني صار تحت الزمن..."
يا مريم سيدتنا، والدة الإله،
يا مريم أم مخلصنا،
اشفعي فينا ليغفر لنا خطايانا".
أخيرا فأنني أحسب أنه يسهل جدا إدراك مركز القديسة مريم في كل الليتورجيات الخاصة بالكنيسة القبطية التي لم أتحدث عنها.
القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مار جرجس سبورتنج
عن كتاب القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي