
ويبدأ بعد ذلك الكلام عن الابن وأول ذلك نؤمن برب واحد يسوع المسيح كلمه رب معناها سيد، ومعناها إله، مثلما نقول في صلواتنا يا رب بمعنى "يا الله"وقد استخدمت كلمه رب في قانون الإيمان بمعنى إله والسيد المسيح أطلقت عليه كلمه (رب)، في الإنجيل المقدس بتعبير يدل على لاهوته مثال ذلك قوله عن يوم الدينونة الرهيب: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟! فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت7: 22-23) واستخدم نفس اللقب (يا رب) في الدينونة واضح في (مت25: 37، 44). قيل له ذلك وهو جالس على كرسي مجده ليدين (مت25: 31) كذلك قال له القديس اسطفانوس في وقت استشهاده أيها الرب يسوع اقبل روحي (أع7: 59). وكذلك استخدم لقب (رب) في مجال الخلق تعبيرًا عن لاهوته. فقال الرسول "ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به" (1كو 8: 6). وقيل أيضًا إنه "رب السبت" (مت 12: 8) وقيل أيضًا أنه "رب المجد" (1كو 2: 8) واستخدم لقب (رب) بالنسبة إلى السيد المسيح في مجالات المعجزة ومن أجمل ما يقال في هذا المجال أن ربنا يسوع المسيح لم يلقب بكلمة رب فقط، إنما أيضًا رب الأرباب (رؤ 19: 16) وتكرر ذلك أيضًا في (رؤ17: 4) "رب الأرباب وملك الملوك" وهذا اللقب خاص بالله وحده كما قيل في سفر التثنية "لأن الرب إلهكم، هو إله الآلهة، ورب الأرباب، الإله العظيم الجبار المهوب" (تث10: 17) ولئلا يظن البعض أن استخدام كلمة (رب) بدلا من كلمة (إله) هو أن السيد المسيح أقل من الآب!! نرد قائلين:
1- قانون الإيمان ذكر اللقبين بالنسبة إلى السيد المسيح رب وإله فكما قيل "نؤمن برب واحد يسوع المسيح" قيل بعدها "إله حق من إله حق" وهذا يذكرنا بقول القديس توما له بعد القيامة "ربي وإلهي" (يو 20: 28).
2- كما أن كلمة (رب) أطلقت على كل من الأقانيم الثلاثة كما أطلقت على الابن أطلقت أيضًا على الآب وعلى الروح القدس فعن الآب قيل "فدخل الملك داود وجلس أمام الرب وقال يا رب من أجل عبدك داود وحسب قلبك فعلت كل هذه العظائم يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك" (1 أي 17: 16، 19، 20) وقيل عن شاول الملك "وذهب روح الرب من عند شاول وبغتهُ روح رديء من قبل الرب" (1صم 16: 4) أنظر أيضًا (أش 61: 1) وفي قانون الإيمان قيل أيضًا عن الروح القدس "الرب المحيي" إن كل واحد من الأقانيم الثلاثة رب وإله.
3- عبارة "نؤمن بإله واحد الله الآب" يمكن أن تفهم بأننا نؤمن بإله واحد، الذي هو الثالوث القدوس ثم بعد ذلك يدخل قانون الإيمان في تفاصيل الثالوث فيقول الله الآب، ثم بعد ذلك رب واحد يسوع المسيح
نؤمن برب واحد يسوع المسيح كلمه يسوع معناها مخلص وقد قيل في البشارة بميلاده "وتدعو أسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت 1: 21) أما كلمه المسيح فتعني رسالته باعتباره ملكًا وكاهنًا ونبيًّا وقد ورد عنه في نبوءة أشعياء "روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلوب لأنادى للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق" (أش 61: 1) وكلمة (مسيح) كانت تُطْلَق على كل من يُمْسَح بالزيت المقدس بواسطة الأنبياء سواءً كان كاهنًا أو ملكًا أو نبيًا
فهارون رئيس الكهنة مسح كاهنا بواسطة موسى النبي حسب أمر الرب له "وتلبس هرون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة، وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي" (خر 40: 13-14) وهكذا فعل موسى "صب من دهن المسحة على رأس هرون ومسحه لتقديسه" (لا8: 12) وكان الملوك أيضًا يمسحون بدهن المسحة كما مسح صموئيل شاول ملكا، فحل عليه روح الرب" (1صم 10: 1، 10) وكما مسح أيضًا داود ملكًا، فحل عليه روح الرب كذلك (1 صم 16: 13 ) ومن أمثله مسح الأنبياء أمر الرب لإيليا النبي "وامسح أليشع نبيًّا عوضًا عنك" (1مل 19: 16) وكان كذلك وكل من هؤلاء الممسوحين كان يدعى مسيح الرب ولما اضطهد شاول الملك داود وأراد أن يقتله ثم وقع في يد داود وأشار أصحاب داود عليه أن يقتل شاول، امتنع عن ذلك وقال "حاشا لي من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب فأمد يدي إليه لأنه مسيح الرب هو" (1صم 24: 6) والسيد الرب لقب هؤلاء بكلمة (مسحائي) وهكذا قال الرب "لا تمسوا مسحائي، ولا تسيئوا إلى أنبيائي" (مز105: 15) أما ربنا يسوع المسيح، فلم يكن مجرد مسيح، أي أحد المُسَحَاء بل كان المسيح وكانوا يسمونه أيضًا (المسيا) وهكذا قالت المرأة السامرية "أنا أعلم أن المسيا الذي يقال له المسيح يأتي فمتي جاء ذاك يخبرنا بكل شيء ( فقال لها: أنا الذي أكلمك هو) (يو4: 25-26) ثم قالت المرأة لأهل السامرة "هلموا انظروا إنسان قال لي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح" (يو4: 29) ولما استمع إليه أهل السامرة قالوا "نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم" (يو4: 42) والسيد المسيح تميز عن كل أولئك المسحاء بأنه "مسح بزيت البهجة أفضل من رفقاءه" (عب 1: 9) وبأنه جمع الوظائف الثلاثة الخاصة بالمسحاء فكان ملكًا وكاهنًا ونبيًا في نفس الوقت كما أنه كان المسيح يسوع أي مخلص العالم اليهود كانوا ينتظرون المسيا (المسيح المخلص) وهكذا أراد القديس يوحنا الرسول بمعجزاته التي انفرد بها أن يثبت أن يسوع هو المسيح فقال في أواخر إنجيله "وآيات آخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو 20: 30-31) وطبعًا هذا المسيح الذي ينتظرونه هو الذي تتركز فيه كل نبوءات العهد القديم ورموزه نلاحظ أن السيد المسيح لم يلقب نفسه باسم يسوع المسيح، إلا في يوم خميس العهد، في حديثه الطويل مع الآب قبل ذهابه إلى بستان جثسيماني (يو 17: 3) أما الآباء الرسل، فقد كرروا هذا اللقب كثيرا في الحديث عنه فكانوا يقولون "يسوع المسيح ربنا" (رو1: 4) "نعمه ربنا يسوع المسيح تكون مع جميعكم" (2كو 13: 14) "يسوع المسيح له المجد إلى الأبد آمين" (رو16: 27 ) "بولس الرسول يسوع المسيح" (2كو 1: 1) والأمثلة كثيرة جدا، لا داعي لحصرها عجيب أن البعض لا يدعو السيد الرب إلا بكلمة (يسوع) ناسيا لاهوته وأمجاده كلها، وربوبيته، وأنه المسيح ولكن الرسل كرروا كثيرًا عبارة "ربنا يسوع المسيح" ونحن نقول في مقدمة قراءة الإنجيل في الكنيسة "ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا ربنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى الأبد، آمين لذلك نرجو إجلالا للرب أننا لا نستخدم مجرد كلمة يسوع نتابع قانون الإيمان إذ يقول نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد.
يسوع المسيح ابن الله الوحيد
عبارة (الوحيد) لتمييزه عن بنوتنا نحن لله. فهو الوحيد الذي هو ابن الله من نفس طبيعته وجوهره ولاهوته وقد وردت عبارة ابن الله الوحيد في الآيات الآتية (يو 1: 18) "الآب لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر" أي أعطَى خبرًا عنه أي عرفنا به، إذ يقول "مَنْ رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9) (يو 3: 16) "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد. لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 18) "الذي يؤمن به لا يدان. والذي لا يؤمن به قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (1 يو 4: 9) "بهذا أظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به (يو 1: 14) "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا. ورأينا مجده كما لوحيد من الأب مملوءًا نعمة وحقًا"، أي باعتباره وحيدًا للآب عبارة (ابن الله الوحيد) تميزه عن جميع البشر الذين دعوا أبناء الله، وهم ليسوا من طبيعته فنحن أبناء الله بمعنى المؤمنين به كما قيل في بدء إنجيل يوحنا "وأما كل الذين قبلوه، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه" (يو 1: 12) أو دعانا الله أبناء له، من فيض محبته لنا وهكذا يقول القديس يوحنا الرسول "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (1 يو 3: 1) أو أن بنوتنا لله هي نوع من التبني. كما قال القديس بولس الرسول "ولما جاء ملء الزمان، أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة، مولودا تحت الناموس، ليفتدى الذين تحت الناموس، لننال التبني" (غل4: 3، 5) أنظر أيضًا (رو8: 23) ولكننا لسنا أبناء من طبيعة الله ولسنا من جوهره الوحيد الذي هو من طبيعة الله ومن جوهره ومن لاهوته هو ربنا يسوع المسيح لذلك دعي أيضًا (الابن) مجرد كلمة (الابن) تعني ابن الله الوحيد وهكذا قيل في إنجيل يوحنا "الله يحب الابن، وقد دفع كل شي في يده الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن، لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 35-36) وقيل في نفس المعنى "لأن الأب لا يدين أحدًا بل قد أعطَى كل الدينونة للابن لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (يو 5: 22-23) وقيل أيضًا "كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضًا يحيي من يشاء" (يو 5: 2) وكلها -كما هو واضح- آيات تدل على لاهوت الابن يؤكد نفس المعنى بلاهوته (عن طريق عبارة الابن) قول الرب في حواره مع اليهود "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو 8: 36 ) وقيل أيضًا "من له الابن، فله الحياة ومن ليس له ابن الله، فليست له الحياة" (1 يو 5: 12) وهكذا قال الرب عن نفسه "كل شيء دفع إليَّ من أبي ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن، ومَنْ أراد الابن أن يعلن له" (لو 10: 22) وبهذا استخدمت عبارة (ابن الله) للدلالة على ربنا يسوع المسيح وحده كما ورد في (1 يو 5: 12). وكما ورد في سؤال السيد المسيح للمولود أعمي "أتؤمن بابن الله؟" فأجاب "مَنْ هو يا سيد لأؤمن به؟" فقال له "قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو" فقال الرجل "أؤمن يا سيد وسجد له" (يو 9: 35 -38) هذه إذن بنوة تستدعي الإيمان والسجود، وليست بنوة عادية كباقي المؤمنين إنها بنوة من جوهره، بنوة الابن الوحيد وكان الجميع يفهمون وصفه ابن الله بهذا المعنى ولذلك في معجزات الصلب، من حيث أن "حجاب الهيكل انشق، والأرض تزلزلت والصخور تشققت قيل" وأما قائد المئة والذين معه فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدًا وقالوا حقًا كان هذا ابن الله" (مت 27: 51 -54) وطبعًا ما كانوا يقصدون بنوة عامة كسائر البشر، إنما بنوة إلهية، تعني أيضًا ابن الله الوحيد وبسبب هذا طوب الرب اعتراف بطرس الرسول لما سأل الرب تلاميذه قائلًا "وأنتم من تقولون إني أنا؟" فأجاب سمعان بطرس وقال "أنت هو المسيح ابن الله الحي" فطوبه الرب قائلًا "طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحمًا ودمًا لم يُعْلَن لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني بيعتي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت 16: 13-18) أي على صخرة الإيمان بأنني ابن الله حتى الشيطان نفسه كان يعرف معني عبارة (ابن الله) وكان يدرك تمامًا أنها لا تدل مطلقًا على بنوة عامة كبنوة سائر المؤمنين، إنما هي بنوة فيها قوة المعجزات لذلك قال له في التجربة على الجبل "إن كنت ابن الله، فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا" (مت 4: 3) ونفس أعوان الشيطان من الأشرار كانوا يفهمون عبارة (ابن الله) بنفس هذا المعنى اللاهوتي المعجزي وهكذا قيل له أثناء صلبه "إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب" (مت 27: 40) ونفس هذه الحقيقة هي التي قصدها مجمع السنهدريم حيث أجتمع رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله في محاكمة الرب وقال له رئيس الكهنة "استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله" (مت 26: 59 -63) فلو يقصد بنوة لله بالمعنى العام، ما كان يستحلفه ليجيب ولما أجاب الرب بالإيجاب وقال له أنت قلت "حينئذ مزق رئيس الكهنة ثيابه قائلًا قد جَدَّف ما حاجتنا بعد إلى شهود" (مت 27: 65) إن الإيمان بأن السيد المسيح ابن الله، يعني ليس فقط أنه أن نتبع هذا الأمر بشيء من التبسيط فتقول إنه قال لليهود "قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن" (يو 8: 56) فهو لاهوتيًا كان قبل إبراهيم من جهة الزمن ومع إنه قد قيل عنه بالجسد إنه "ابن إبراهيم بن داود" الابن الوحيد، بل يحمل صفات أخرى إنها بنوة أزليه، لا ترتبط بزمن، وليس فيها فارق زمني، كما يحدث في البنوة البشرية ولا يعني ما يقوله شهود يهوه وأمثالهم من الأريوسيين إنها بنوة أخذها مكافأة على طاعته، أو أخذها فقط وقت العماد!!
كلا، بل هي بنوة طبيعية، كما يولد الشعاع من الشمس، وكما يولد النور من النار إنها لا ترتبط بزمن، بل كما نقول في قانون الإيمان (المولود من الآب قبل الدهور) هو ابن الله بمعنى أنه اللوجوس أي عقل الله الناطق، ونطق الله العاقل. وعقل الله هو موجود في الله - بطبيعة الله منذ الأزل وبولادة العقل الإلهي من الذات الإلهية، سمي الآب أبًا وهذه البنوة كانت قبل كل الدهور.
المولود من الآب قبل كل الدهور
سنحاول أن نتبع هذا الأمر بشيء من التبسيط فنقول إنه قال لليهود " قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن" (يو 8: 56) فهو لاهوتيًا كان قبل إبراهيم من جهة الزمن ومع أنه قد قيل عنه بالجسد إنه ابن إبراهيم بن داود"، إلا إنه قال "أنا أصل وذرية داود" (رؤ 22: 16) فهو أصله من جهة لاهوته وهو ذريته من جهة الناسوت إذن لاهوتيًّا كان قبله بل أنه قال للآب في مناجاته معه التي سجلت في (يو 17) "مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 5) وكونه كان قبل كون العالم، هو أمر طبيعي، لأن "العالم به كُوِّن" (يو 1: 10) بل إن "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3) وقال عنه بولس الرسول إن الآب "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي به أيضًا عمل العالمين" (عب 1: 2) فخالق العالمين (أي السماء والأرض)، لا بُد أنه كان قبل كل الدهور أي كان منذ الأزل وعن ذلك قال الرب في سفر ميخا النبي عن بيت لحم أفراته "منك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل (مي 5: 2) يخرج من بيت لحم في ميلاده الجسدي ولكنه مولود من الآب قبل كل الدهور، منذ أيام الأزل وهو الذي قال عنه دانيال النبي "تتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان أبدي، ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 14).
نور من نور
نور بالمعنى اللاهوتي، وليس بالمعنى المادي قال عن نفسه "أنا نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة" وطبعًا المقصود بالنور هنا تعبير غير مادي وقيل عن الله "أن الله نور" (1 يو 1: 5) وقيل أيضًا عن الآب "ملك الملوك ورب الأرباب ساكنًا في نور لا يُدني منه، الذي لم يره أحد من الناس.." (1 تي 6: 15-16) إذن الآب نور والابن المولود منه نور من نور ولعل البعض يسأل لقد قال الرب "أنتم نور العالم" (مت 5: 14)، كما قال عن نفسه "أنا نور العالم" (يو 8: 12) فما الفرق إذن في المعنى؟ الفرق يظهر كما في مثال الشمس والقمر وقيل عنهما في قصة الخليقة "فعمل الله النورين العظيمين النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل" (تك 1: 16) هما الشمس والقمر ولكن الشمس نور بذاتها والقمر ليس له نور في ذاته إنما هو ينير بانعكاس نور الشمس عليه هكذا السيد المسيح هو "النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان" (يو 1: 9) أما نحن فنصير نورًا بقدر ما نأخذ منه بنوره نعاين النور هو ينيرنا فننير وهكذا قيل عن يوحنا المعمدان "هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، ليؤمن الكل بواسطته لم يكن هو النور بل ليشهد للنور" (يو1: 7-8) ونحن -في صلاة باكر- نقول للرب "أيها النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان آتٍ إلى العالم"، ونقول أيضًا "أنر عقولنا وقلوبنا وأفهامنا يا سيد الكل" الرب بطبيعته "نور لا يُدني منه" ولكنه لما أخذ جسدا وحل بيننا، استطعنا أن نقترب إليه ماذا يقول عنه أيضًا قانون الإيمان؟ يقول إله حق من إله حق.
إله حق من إله حق
إله حق، أي له طبيعة الله بالحق وليس مثل الذين دعوا آلهة بمعنى سادة، وليسوا هم آلهة بالحقيقة مثل موسى النبي الذي قال له الله "جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) كلمة إله هنا لا تعني أنه خالق، أو أنه أزلي، أو أنه قادر على كل شيء!! كلا، بل إن موسى قال عن نفسه "لست أنا صاحب كلام، لا اليوم ولا أمس ولا أول من أمس أنا ثقيل الفم واللسان" (خر 4: 10) وقال "أنا أغلف الشفتين فكيف يسمع لي فرعون؟!" (خر 6: 30) فقال له الرب "جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) بمعنى سيدًا له ومتسلطا عليه وليس بمعنى أنه إله حقيقي وبنفس الوضع قال الرب لموسى الثقيل الفم واللسان إنه قد أعطاه هرون أخاه، ليكون له فما فقال له "تكلمه وتضع الكلمات في فمه وأنا أكون مع فمك ومع فمه هو يكلم الشعب عنك هو يكون لك فما وأنت تكون له إلها" (خر 4: 15-16) تكون له إلها، بمعنى أن توحي إليه بما تريد أن تقول وليس بمعنى إله حقيقي يخلق فهرون كان أكبر سنا من موسى وكان موجودا قبل موسى
كذلك استخدمت كلمة (آلهة) عن آلهة الأمم، وعن كثير من البشر الذين دعوا أبناء الله فقيل في مزمور 82 "الله قائم في مجمع الآلهة في وسط الآلهة يقضى إلى متى تقضون ظلمًا وترفعون وجه الأشرار"؟! ولا شك أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا آلهة حقيقيين!! ولكنهم تصرفوا كما لو كانوا آلهة! ويقول في نفس الإصحاح "ألم أقل إنكم آلهة وبني العلي تدعون ولكنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون" (مز 82: 6-7) وطبعًا الذين يموتون ويسقطون، ليسوا هم آلهة بالحقيقة، ولكنهم دعوا كذلك أيضًا قيل في المزامير "الرب إله عظيم، ملك كبير على كل الآلهة" (مز95: 3) أي من يسميهم الأمم آلهة، وهم ليسوا آلهة حقيقيين وأيضًا قيل "الرب عظيم وممجد جدًا، مهوب من كل الآلهة لأن كل آلهة الأمم شياطين" (مز 96: 4-5) وقيل في ترجمه أخرى "لأن كل آلهة الشعوب أصنام"، ومع ذلك أخذوا لقب آلهة ليسوا آلهة حقيقيين ولكن السيد المسيح هو إله حق، أي له كل صفات الألوهية فهو أزلي خالق، قادر على كل شيء، موجود في كل مكان، غير محدود فاحص القلوب والكلى، قدوس، رب الأرباب، غافر الخطايا إلى آخر كل تلك الصفات الخاصة بالله وحده وذلك حتى لا أكرر الكلام وحيث تثبت للسيد كل هذه الصفات الإلهية، سواء ما ذكر عنها الإنجيل، أو ما برهنت عنه أعماله إلهية انظر كمثال ( رو9: 5)، (يو 1: 1)، (1تي 3: 16)، (أع 20: 28) وما قيل عنه من حيث هو الأول والأخر (رؤ 1: 8، 11، 17) إلخ.
إله حق من إله حق.
أي أنه إله حق، مولود من الآب الذي هو أيضًا إله حق فكلًا من الآب والابن إله حقيقي له كل صفات الألوهية، وكل قدراتها، وكل المجد والقدرة، إلى أبد الآبدين وليست كلمة (إله) هنا مجرد لقب كما قيل عن آلهة الأمم أو كما قيل عن بعض البشر.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان