المقالات

30 ديسمبر 2020

لوم النفس ج1

هوذا نحن علي أبواب عام جديد ، ومن المعروف أن كل إنسان يحب أن يبدأ عامه الجديد بالتوبة و النقاوة ، وطبعاً يبدأه بالاعتراف . وهذا الأمر يحتاج منه إلي جلسة مع نفسه لكي يحاسبها ويلومها علي أخطائها . لذلك أحب أن أقول لكم كلمة مختصرة عن فضيلة لوم النفس . لأن الذي ليست له فضيلة لوم النفس ، لا يعرف أن يجلس مع نفسه وإن جلس مع نفسه لا يستفيد . ومادام لا يلوم نفسه ، إذن فسوف لا يعترف بخطاياه ، وبالتالي سوف لا يتوب ، ويظل العام الجديد كسابقه ، بنفس أخطائه ! لذلك أود أن أكلمكم عن أهمية لوم النفس ، وعن الفضائل التي يحصل عليها الإنسان من لومه لنفسه . 1- معرفة حقيقة النفس:- الذي يلوم نفسه ، يستطيع أن يعرف حقيقة نفسه كثير من الناس نفوسهم مغلقة بالتبريرات والعذار والفهم الخاطئ . وهم لا يلومون أنفسهم ، لأنهم يدللون أنفسهم ، ويعذرون أنفسهم في كل شئ . أنهم لا يقبلون إطلاقاً أن يأتوا باللائمة علي أنفسهم ، لذلك لا يعرفون حقيقة ذواتهم . وقد تبقي ذات كل منهم جميلة في عينيه ، علي الرغم من كل نقائصها ! مثل هذا الإنسان ، الذي لا يلوم نفسه ، وبالتالي لا يعرف حقيقة نفسه ، هو محتاج أن ياتية اللوم من الخارج هو في مسيس الحاجة إلي إنسان من الخارج يلومه ، ويعرفه حقيقة نفسه ويفهمه أخطاءه ومواضع الزلل في تصرفه ، بل ويعرفه مقدار عمق خطيئته ، ويبكته عليها مادام ضميره لم يبكته . وقد فعل الله مع داود ، حينما أرسل إليه ناثان ، ليلومه ويعرفه كم هو مخطئ ، ويقنعه أن يقول " أخطأت إلي الي الرب "( 2صم 12: 13 ) . وفي مرة أخري ، لم يكن داود يلوم نفسه ايضاً ، فأرسل له الله أبيجابل لتعرفه مقدار الخطأ الذي كان هو مزمعاً أن يقع فيه ، لكي تمنعه عن ذلك . وفعلاً .استجاب داود وقال لها " مبارك عقلك ، ومباركة أنت ، لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء وانتقام يدي نفسي "( 1صم 25: 23) . إذن إن الإنسان لا يلوم نفسه علي أخطائه ، بعد فعلها ، أو علي أخطائه التي هو مزمع أن يفعلها ، فقد يرسل له الله من يلومه ، كما أرسل أبيجايل وكما أرسل ناثان . ولكن الأفضل أن يكون القلب من الداخل سليماً ؟، فيلوم الإنسان نفسه . ولذلك قال القدس مقاريوس الكبير أحكم يا أخي علي نفسك ، قبل أن يحكموا عليك . إن حكمت علي نفسك ، فأنك سوف تعرف حقيقتها وكم هي خاطئة . وإن عرفت حقيقة نفسك ، فإنك سوف تدينها وتحكم عليها . هذه توصل إلي تلك كل إنسان لم يحكم علي نفسه ، ولم يلم نفسه ، هو إنسان لم يعرف نفسه بعد : لم يفحصها ، لم يحاسبها ، لم يكن صريحاً معها . هناك فائدة أخري للوم النفس ، وهي : 2- عدم إدانة الآخرين:- إن الذي يلوم نفسه ، ينشغل ، ينشغل بها وبتقويمها وفي خجله . وفي أخطائها ، لا ينظر إلي خطايا غيره . وفي ذلك قال القديسون الذي ينشغل بخطاياه ، لا يكون له وقت يدين فيه خطايا أخيه إن استطاع أن يبصر الخشبة التي في عينيه ، يخجل من التحدث عن القذي التي في عين أخيه ... وغنما كلما تحدث عن غيره ، ويقول : هذا أفضل ، وهذا أبر مني ومهما كانت خطايا فلان ، فإن خطاياي أنا أكثر وأبشع ... أما الشخص البار في عيني نفسه ، فإن يجلس ويلوم الآخرين ! وربما في نقائصه وعيوبه ، يأتي باللائمة علي غيره فإذا أخطأ يأتي باللائمة علي الناس ، وعلي الظروف ، وعلي البيئة ... علي الناس الذين أوقعوه في الخطيئة ، كما حدث لآدم إذ ألصق السبب في خطيئة بحواء ... وقد يلصق الإنسان السبب ، بالظروف المحيطة ، كما برر إيليا هروبه بقوله للرب " قتلوا أنبياءك بالسيف ... وهم يطلبون نفسي ليأخذوها "( 1مل 19: 14 ) ... وقد يلصق السبب بالبيئة ، كما حدث أن آبانا إبراهيم قال عن زوجته سارة إنها أخته ! ثم حاول أن يغطي ذلك بقوله " أني قلت : ليس في هذا الموضع خوف الله البتة ، فيقتلوني لأجل إمراتي "( تك 20: 11) . ولوم كان إبراهيم يلوم نفسه ما قال هذا . وكذلك لو كان أبونا آدم يلوم نفسه ، ما لام حواء ، ولو كان إيليا النبي يلوم نفسه ، ما لام الظروف ولكن الإنسان يلوم غيره ويدينه ، لكي يبرر نفسه لأنه لا يريد أن يلوم نفسه ، ولا يريد ان يلومه الناس ، فيلصق خطيئته بغيره ليخرج هو بريئاً ...!كثيرون يغسلون أيديهم بالماء ، كما فعل بيلاطس ؟! خير للأنسان أن يلوم نفسه ، من أن يبرر نفسه والذي يلوم نفسه ضعفه ، فيعذر غيرة ولا يدينه حدث للقديس موسى السود ، الذي رفض أن يدين راهباً مخطئاً عقد له مجمع لإدانته . حمل هذا القديس علي ظهره كيساً مملوءاً بالرمل ومثقوباً . ولما سئل في ذلك قال " هذه خطاياي وراء ظهري تجري وقد جئت لإدانة خطايا أخي .." ! الذي يلوم نفسه ، إن سئل عن خطايا شخص آخر ، يقول لسائله : اسألني عني خطاياي أنا . أما ذلك الإنسان فهو أبر مني . أخاطئ هو ؟ لست أعلم ( يو 9: 25). الذي يلوم نفسه ، لا يقسو في الحكم علي خطايا الآخرين ، كما فعل الفريسيون الذين طلبوا رجم المرأة الخاطئة ، فقال لهم السيد المسيح من كان منكم بلا خطية ، فليقذفها أولاً بحجر ( يو 8 : 7) ذلك لأن الذي يقذف بالحجارة ، إنما يظن في نفسه أنه بلا خطية ، أو علي الأقل يكون في ذلك الحين ناسياً لخطاياه ، وليس في وضع من يلوم نفسه . اما الذي الأقل يكون في ذلك الحين ناسياً لخطاياه ، وليس في وضع من يلوم نفسه . اما الذي يلوم نفسه ، فإنه يقول في فكره " من أنا حتي ألوم الناس ؟ أنا الذي فعلت كذا وكذا ... الأولي بي أن أصمت مادام الله قد سترني ... تري لو سمح الله أن أنكشف ، أكنت أستطيع أن أتكلم . هذا عور من يضع خطيئته أمامه في كل حين ( مز50) . ولكن للأسف فإن كثيرين ، من أجل راحة نفسية زائفة ، أو من اجل كبرياء داخلية ومجد باطل ، وليس من أجل أبدتهم ، لا يحبون أن يتذكروا خطاياهم ،ولا أن يلوموا أنفسهم ، كما لا يقبلون أن يأتيهم اللوم من آخرين ! ... يحبون أن ينسوا خطاياهم ، وفي نفس الوقت يذكرون خطايا الناس ...! وما الفائدة لهم من كل هذا ، سواء في السماء أو علي الأرض ؟! لا شئ . حقاً ما أجمل قول القديسين إن دنا أنفسنا ، رضي الديان عنا . من فوائد لوم النفس أيضاً : إصلاح الذات وتنقيتها . 3- إصلاح الذات وتنقيتها:- الذي يلوم نفسه ، يكون مستعداً لإصلاح ذاته ما دمت أعرف أن هذه خطية ، يكون عندي إذن استعداد لكي أتركها . ولكن كيف يمكن لإنسان أن يترك شيئاً ، مادام لا يلوم نفسه إطلاقاً علي عمله ؟! إذن لوم النفس يسبق بلا شك تنقية النفس من أخطائها . هو خطوة أولي التوبة أما تبرير الذات ، فهو الذات ، فهو شيطان يلتهم التوبة ويفترسها .إن وجد الشيطان إنساناً يلوم نفسه ، ويريد أن يترك الخطية ويتوب ، يحاول الشيطان أن يخرجه من هذا النطاق الروحي ، ويقول له : لا تظلم نفسك بلا داع . في أي شئ أخطأت ؟ إن الموقف كان طبيعاً جداً . لك عذرك في هذا الأمر . والمسئولية تقع علي فلان وفلان . أو أن الظروف كانت ضاغطة . و الضغوط الخارجية نفسك بلا سبب ...! هذا هو كلام الشيطان ، أسلوب تبرير الذات . أما القديسون فيقولون في كل ضيقة تحدث لك ، قل هذا بسبب خطاياي إنك لن تخسر شيئاً إذا لمت نفسك . بل إن هذا يقودك إلي التوبة إن كنت مخطئاً ، وينميك روحياً إن كنت بريئاً . في إحدى المرات زار القديس الباب ثاوفيلس جبل نتريا ، والتقي بأب الرهبان المتوحدين في هذا الجبل ، وسأله كأب عن أعظم الفضائل التي أتقنوها طول ذلك الزمان في الوحدة القديس أب رهبان نتريا صدقني يا أبي لا يوجد أفضل من أن يرجع الإنسان باللائمة علي نفسه في كل شئ ... فائدة أخري للوم النفس ، وهي أنه يساعد علي الاعتراف : 4- المساعدة على الإعتراف:- ما هو الاعتراف في معناه الروحي ؟ الاعتراف هم أن يدين الإنسان نفسه يدين الإنسان نفسه أمام الله ، في سمع الأب الكاهن ، لينال المغفرة فإن كان الإنسان يلوم نفسه ، كيف سيعترف إذن وكيف ينال المغفرة ؟ الخطوة الأولي هي بلا شك ، أن يدين نفسه فيما بينه وبين نفسه ، في داخل قلبه وداخل فكره . حينئذ يمكنه أن يعترف بهذه الخطية أمام الله في صلواته ، ثم يمكنه أن يعترف بها أمام الكاهن ... أما الذي يفقد الخطوة الأولي ، التي هي لوم النفس ، فمن الطبيعي أنه سيفقد باقي الخطوات ... ولذلك ، فالذي لا يلوم نفسه ، لا يعترف ... علي الأقل لا يعترف بالنقط التي لا يلوم نفسه عليها ... وقد يجلس مع أب الاعتراف وقتاً طويلاً ، ومع ذلك لا يعترف ... وكيف ذلك ؟ بعض الناس تتحول اعترافاتهم إلي شكوي ، ضد غيرهم ! هم يشكون ظروفهم ، في البيت أو في العمل ، أو في الكنيسة ... مثل زوجه تجلس مع الأب الكاهن لتعترف ، فتحكي سوء معاملة زوجها لها . فتعترف بخطايا زوجها ، وليس بخطاياها هي . أو تعترف بمشاكل ومتاعب تحيط بها . أما نفسها فلا تقول عنها شيئاً ، لأنها لم تجلس أولاً لكي تلوم نفسها قبل الاعتراف ! وهناك من في اعترافه ، يدين أب الاعتراف نفسه ! يقول له : أنت يا أبانا مقصر في حقي ، لا تفتقدني ، لا تهتم بي ، لا تعطيني تداريب روحية ، لا تحل مشاكلي ، لا تتابع حياتي الروحية ، لا تصلي لأن خطاياي ومشاكلي مازالت كما هي باقية ... أنت يا أبي لا تسأل عني ..! فهل هذا يمكن أن نسميه اعترافا ؟! حيث ينسي الإنسان نفسه ونقائصها ، ولا يلوم نفسه ... بل يجعل سبب ضعفاته ، عدم اهتمام أب الاعتراف به . فيلوم أب الاعتراف ، بدلاً من أن يلوم نفسه ...ثم بعد ذلك يطلب تحليلاً ... ! تحليلاً عن ماذا ؟! إننا نريد أن تبدأوا هذا العام بالاعتراف السيلم بلوم النفس أمام الله ، في اقتناع كامل بكل أخطائها ونقائصها ، وبدون تقديم أعذار أو تبريرات للتخفيف من ثقل خطاياها ... ولا نقف أمام الله لنشكو غيرنا ، إنما لنشكو أنفسنا التي تعدت كثيراً علي وصاياه لذلك أجلسوا إلي أنفسكم وحاسبو ، وفتشوا علي نقائصكم حاولوا أن تبصروا كل ما فيكم من عيوب ، لكي تستطيعوا أن تتخلصوا منها وتتنقوا ... فالجلوس مع النفس هو تمهيد للوم النفس . ولوم النفس هو تمهيد للاعتراف والتوبة . وهذا ما نريد أن نبدأ به عامنا الجديد ...نلوم أنفسنا أمام ذواتنا ، أمام الله ، وأمام الأب الكاهن ... وهكذا لوم النفس يقودنا إلي المغفرة . وهذه فائده أخري . 5- يقود إلى المغفرة:- ما الذي يغفره لك الله ؟ هو ما تعترف بأنك أخطأت فيه أما الذي تقول انك لم تخطئ فيه ، طبيعي إنك لا تطلب عنه المغفرة ، وبالتالي لا تنال مغفرة عنه إن كان في واقعه خطأ . إن كنت تعرف أنك مريض ، فسوف تسعي إلي الطبيب لكي تشفي ... وأما إن أصررت علي أنك سليم وصحيح ، فحينئذ ستسمع قول الرب لا يحتاج الإصحاح إلي طيبي ، بل المرضي ( مت 9: 12) إن العشار الذي لام نفسه وقال " إني خاطئ " أسحق أن يخرج من الهيكل مبرراً ، بعكس الفريسى الذي لم يجد شيئاً يلوم عليه نفسه فقال : أشكرك يارب إني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاضعين الزناة ( لو 18: 11) حقاً ما الذي يمكن ان يغفره الله لهذا الفريسى ( البار ) ؟! آيه خطيئة يغفرها لهذا البار في عيني نفسه ، الذي لم يعرض خطيئة واحدة أمام الله طالباً عنها مغفرة ... لو كان خاطئاً مثل العشار ، لكان يطلب الرحمة مثله . ولكنه يفتخر قائلاً إنني " لست مثل هذا العشار ". لم يعترف بخطايا تحتاج بخطايا تحتاج غلي غفران ، ولم يطلب غفراناً . فأبعد نفسه عن المغفرة وعن التبرير بدم المسيح . كذلك لم يقل الكتاب إن الله قد برر الابن الأكبر ، الذي هو أيضاً لم يجد شيئاً يلوم عليه نفسه ، بل أكثر من هذا غضب وألقي اللوم علي أخيه وعلي أبيه فقال له " أنا أخدمك سنين هذا عددها ، وقط لم أخالف وصيتك . وجدياً لم تعطني قط لأخرج مع أصدقائي ..." ( لو 15: 29) . حقاً أية مغفرة تعطي لمن يقول : قط لم أخالف وصيتك ونفس هذا الابن لم يطلب مغفرة ، لأنه لم يجد في تصرفاته خطأ واحداً يحتاج إلي مغفرة !! أما أخوه الأصغر فقد تبرر لأنه لام نفسه وقال لأبيه " أخطأت إلي السماء وقدامك . وليست مستحقاً أن أدعي لك أن تدعي لك أبناً .." إذن أن كنت لا تدين نفسك فأنت تبدو باراً في عيني نفسك ، بينما السيد المسيح قد قال ما جئت لأدعوا أبراراً ، بل خطاة إلي التوبة ( مت 9: 13) . وبهذا تكون خارج نطاق المسيح / ولم يأت لأخلك إنه جاء من أجل الخطاة . جاء يطلب ويخلص ما قد هلك ( لو 19: 10 ) . جاء من أجل المرضي ليشفيهم . جاء ليبشر المنكسري القلوب ... فهل أنت من هؤلاء ؟ إنك تكون منهم في حالة ما تلوم نفسك وتدينها . أما أن كنت تري نفسك باراً ومحقاً ولا عيب فيك فكأنك تقول لا شأن لي بدم المسيح وكفارته إن دم المسيح هو لمحو الخطايا . أعترف إذن بخطاياك ، لكي يكون لك نصيب فيه ولكي ينضح عليك بزوفاه فتطهر ، وتنال المغفرة . لماذا تبعد نفسك عن دم المسيح وفاعليته ؟! علي أنني أقول لكم في هذا المجال ملاحظة مؤلمة وهي كثيرون يقولون إنهم خطاة . وداخلهم لا يعترف بهذا كلمة " خاطئ " قد يقولها الواحد منهم عن نفسه ، بشفيته فقط ، ليبدو متضعاً . ولكنه في داخل نفسه غير مقتنع بأنه مخطئ . وأن قلت له إنك مخطئ ، يثور عليك ، ويدافع بشدة عن نفسه ونحن لا نقصد ان يلوم الإنسان ملامة باطلة زائفة فهذه الملامة الشكلية الباطلة ، هي غير مقبولة أمام فاحص القلوب و الكلي .. إنما حينما نقول لك أن تلوم نفسك . نقصد أن تكون مقتنعاً في أعماقك اقتناعا كاملاً بأنك مخطئ . وهذا اللوم الحقيقي للنفس هو الذي به تستحق المغفرة ... لوم النفس يقود إلي المغفرة . ويقود إيضاً إلي الإتضاع ... قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كيف نبدأ عاما ً جديداً وللحديث بقية
المزيد
29 ديسمبر 2020

محاسبة النفس

نحن الآن في آخر العام ، ونريد أن نبدأ عاماً جديداً . ما تزال أمامنا بضعة أيام ، نريد أن نختم بها عامنا هذا ، الذي إن لم نكن قد جعلنا سيرته صالحة ، فعلي الأقل : ليتنا ننتهي من هذا العام بنهاية صالحة . فكيف إذن ننهي عامنا هذا ونبدأ آخر ؟ يحتاج كا منا إلي جلسة هادئة مع نفسه ما أكثر ما ينشغل الناس بحفلات رأس السنة وبرامجها والإعداد لها ، بحيث يكونون في مشغولية وزحام ، وفي لقاءات واهتمامات ، لا تعطيهم فرصة علي الإطلاق للجلوس مع أنفسهم . وربما في هذه البرامج يسمعون محاضرات عن أهمية الجلوس مع النفس ، دون أن يكون لهم وقت للجلوس مع النفس . أما أنتم فليتكم تجدون وقتاً أو ترتبون وقتاً ، في خلوة وهدوء ، تنفردون فيه بأنفسكم تفتشون هذه النفس ، وتفحصونها ، هي وظروفها كلها تكون جلسة حساب ، وربما جلسة عتاب ، أو جلسه عقاب ... وتكون جلسة تخطيط للمستقبل ، تفكير فيما يجب أن تكونوا عليه في العام المقبل ، في جو من الصلاة ، وعرض الأمر علي الله ، لكي تأخذوا منه معونة وإرشاداً ... جلسة يناقش فيها الإنسان كل علاقاته ، سواء مع نفسه أو مع الآخرين أو مع الله ، بكل صراحة ووضوح ويحاول أن يخرج من كل هذا بخطة جديدة للعام الجديد خطة عمل ، أو خطة عملية ، ومنهج حياة ... كما حدث للابن الضال : إذ جلس إلي نفسه ، وفحص حالته ، وخرج بقرار حاسم لما ينبغي عليه أن يعمله . أقول هذا ، لأن كثيراً من الناس يعيشون في دوامة ، لا يعرفون فيها كيف يسيرون أو إلي أين يسيرون يسلمهم الأمس إلي اليوم ، ويسلمهم اليوم إلي غد ، وهم في متاهة الأمس و اليوم و الغد ، لا يعرفون إجابة من يقول لهم : إلي أين ؟أناس يعيشون في غيبوبة عن روحياتهم وابديتهم ‍ وخط سيرهم ليس واضحاً أمامهم . وربما يهتمون بتفاصيل كثيرة ودقيقة . وكلن الهدف تائه من أمامهم . والخيوط التي تشدهم إلي واقعهم هي خيوط قوية ، كأنها سلاسل لا ينفكون منها لذلك هم في حاجة إلي جلسة هادئة مع النفس ، يفحصون فيها كل شئ ، بكل صراحة ، ويصلون إلي حل ... إني اعجب من أشخاص يأخذون عطلات من أعمالهم لأسباب كثيرة ، وربما لزيارة أو مقابلة أو لسفر أو رحلة ، أو لمجرد الراحة أو الترفيه عن النفس .... بينما لم أسمع عن أحد أنه أخذ عطلة من عمله ، لكي يجلس مع نفسه و يفحصها ..‍ ولكي يحاسبها علي عام طويل : ماذا فعلت فيه مما يرضي الله ، وماذا فعلت مما يغضبه ؟ إن بداية عام هي مناسبة هامة لمحاسبة النفس كثيرون من الروحيين يحاسبون أنفسهم في مناسبات معينة : قبل الإعتراف و التناول مثلاً ، أو في نهاية كل يوم ، أو بعد عمل معين يحتاج إلي فحص من الضمير . أما جلسة الإنسان في نهاية العام ، فهي حساب إجمالي أو حساب عام ، يتناول فيه الحياة كلها ربما يفحص الخطايا المتكررة و المسيطرة في حياته الخطايا التي تكاد تكون عنصراً ثابتاً في اعترافاته ، ونقطة ضعف مستمرة في حياته . ويفحص ما هي أسبابها ودوافعها ، وكيف يمكن أن يتخلص من هذه الأسباب ، وكيف يحيا بلا عثرة . إن الله عليه العمل الأكبر في تخليصه ، ولكن لا شك أن هناك عملاً من جانبه كإنسان لابد يعمله ، ليكون في شركة مع الله وقد يفحص الإنسان صفاته الشخصية التي يتميز بها وماذا ينبغي من هذه الصفات أو يستبدل بغيره ؟ وهل تحولت بعض الخطايا إلي هادات له ، أو إلي طباع أو صفات ثابتة... كإنسان مثلاً ، أصبحت في صفاته حساسية زائدة نحو كرامته ، فهو يغضب بسرعة لأي سبب يحس أنه يمس هذه الكرامة ... وصار هذا فيه ، أو صفة ثابتة ... وهو محتاج أن يغير هذا الطبع ، ويتخلص من هذه الحساسية ، ويصير واسع لطيفاً ومحتملاً ... هنا يفحص الصفة كلها مجرد عارضة من قصص غضبه ... ليت جلستك مع نفسك تكون مرآة روحية لك ... تعطيك صورة عن نفسك ، صورة طبيعية تماماً بغير رتوش ، بغير دفاعا بغير تبرير ، بغير مجاملة للذات ، بغير تدليل للذات . إنك قد تتأثر إذا كشفك إنسان وأظهر لك حقيقتك ، التي قد يجرحك معرفة الناس لها . ولكن لا تكون في مثل هذا التأثر ، إذا ما كشفت نفسك بنفسك ، لكي تعرفها فتصلحها . ولكي تكشف أمراضها فتعالجها . لذلك فلتكن جلستك مع نفسك ، مثل أشعة تعطي صورة حقيقة للداخل ، وتكشف ما يوجد فيه . لتكن جلستك مع نفسك ، جلسة ضمير نزيه أو جلسة قاض عادل ، يحكم بالحق ، جلسة صريحة ، حاسمة ، وحازمة . وحاسب نفسك في صراحة ، علي كل شئ : خطايا الفكر خطايا القلب و الرغبات و المشاعر ، خطايا اللسان ، خطايا الجسد ، خطاياك من جهة نفسك ومن جهة الآخرين ... علاقتك مع الله ، وتقصيراتك في الوسائط الروحية ... الخطايا الخاصة بوجوب النمو : هل أنت تنمو روحياً أم حياتك واقفة ؟ لا تترك شيئاً في حياتك دون أن تكشفه لتعرفه ، فتتخذ موقفاً تجاهه أجلس إلي نفسك لتقيمها ، وتعيد تشكيلها من جديد أهتم بروحك ، وراجع حياتك كلها . لا تقل " هكذا هي طباعي " أو هكذا هي طبيعتي " . كلا . فالذي يحتاج فيك إلي يتغير ، ينبغي أن يتغير . وليست طباعك شيئاً ثابتاً ، فكما اكتسبتها يمكن أن تكتسب عكسها . أما طبيعتك فهي صورة الله ومثاله . وكل ما فيك من أخطاء ، عبارة عن أشيئا عارضة . فارجع إلي صورتك الإلهية ، فهي طبيعتك الحقيقية . أمسك شخصيتك ، وأعد تشكيلها من جديد ، في هذه الجلسة المصرية التي تجلسها مع نفسك . والصفات الجديدة التي تلزمك ، أبحث كيف تقتنيها ، ولو بتداريب تغضب عليها إرادتك ، وتصارع فيها مع الله ليعينك وليكن العام الجديد ، عاماً جديداً في كل شئ أحرص في جلستك مع نفسك ، التي تجلس فيها مع الله ، أن تخرج منها وقد تغير فيك كل ما يجب تغييره من أخطاء ونقائض . تخرج منها بخط سير جديد في الحياة ، وبطباع جديدة ، يحس بها كل من يختلط بك وحاول أن توجه كل طاقاتك توجيهاً سليماً ...فمثلاً توجد في داخل نفسك طاقة عصيبة ، يمكن أن توجهها نحو نفسك في أخطائها ، ويمكن أن توجهها نحو الناس . فاحرص أن يكون توجيهها سليماً ، بعيداً عن الذاتية ، خالصاً من أجل الله ، وبأسلوب روحي لا أخطاء فيه . وفي داخلك أيضاً توجد طاقة حب ، حاول أن تجعلها تسير بتوجيه سليم ، فتكون لك أولاً ، وللخير ثانياً ، وللناس في نطاق حب الله وحب الخير . وأحرص في جلستك مع نفسك أن تجعل هذه الطاقة لا تنحرف . ولا تجعل حباً علي حساب حب ... كذلك كل مواهبك التي منحك الله إياها ، فلتكن موجهة توجيهاً سليماً لله والخير . كالذكاء مثلاً ، هو موهبة من الله . لا تتخذه للأضرار بغيرك ، أو للفخر والكبرياء ، أو لمجرد الانتصار في الجدل و المناقشة ، أو لتنفيذ رغباتك الخاطئة وليكن العام الجديد عاماً منتصراً في حياتك أستعرض في جلستك مع نفسك النواحي التي تنهزم فيها روحياً . وقل لنفسك ينبغي أن أحيا حياة النصرة ظن فلا أنهزم في كذا وكذا ، بل يقودني الرب في موكب نصرته ، ويعطيني الوعود التي وعد بها الغالبين ( رؤ2،3) . ليكن عاماً فيه نمو روحي ، وتقدم وصعود إلي فوق ولذلك قرر في جلستك ، أن تبعد عن العثرات وكل إنسان له في حياته ما يعثره شخصياً ، فالفحص ما هي عثراتك ، وابعد عنها " إن كانت عينك اليمين تعثرك ، فاقلعها والقها عنك ... وإن كانت يدك اليمني تعثرك ، فاقطعها والقها عنك ..." ( مت 5: 29، 30 ) . إلي هذا الحدة يريدنا الرب أن نبعد عن العثرات . فكن حاسماً في هذا الأمر . وكما تبعد عن العثرات ، أحرص أيضاً أنك لا تكون عثرة لغيرك وتذكر قول الرب أذكر من أين سقطت وتب ( رؤ2: 5) وفي ذلك لا تتساهل مطلقاً ، ولا تسامح نفسك ولا تدللها . وإن احتاج القيام من سقطتك ، أن تؤدب نفسك وتعاقبها حتي لا تعود إلي أخطائها ، فكن شديداً في تأديبك لنفسك . وخذ حق الله كاملاً منها . لأنه ينبغي أن تحب الله أكثر من نفسك . لأنه قال : من ضيع نفسه من أجلي يجدها ( مت 10 : 39) وقال إنه من أجله ينبغي أن تبغض حتي نفسك (لو 14: 26) . فبذلك تحفظها لحياة أبدية حاسب نفسك وبكتها . ولكن إحترس من شيطان اليأس كن حكيماً في محاسبتك لنفسك ، وحيكماً في تبكيتها وتأديبها . وإن وجدت في محاسبتك لنفسك أن الكآبة القاتلة ستملك عليك ، وتدفعك إلي اليأس ، تذكر حينئذ مراحم الله ، ووعود ، وتحويله الخطاة إلي قديسين ... حينئذ يمتلئ قلبك بالفرح الروحاني ، كما قال الرسول : " فرحين في الرجاء "( رو12: 12) . وفي جلستك مع نفسك ، لا تركز فقط علي التوبة ، إنما تذكر أيضاً أنه مطلوب منا القداسة والكمال ، فقد أوصانا الكتاب قائلاً كونوا قديسين كونوا كاملين " نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أياً قديسين ... لأنه مكتوب : كونوا قديسين لأني أنا قدوس " ( 1بط 1: 15، 16) . وقال الرب أيضا " فكونوا أنتم كاملين ، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل "( مت 5: 48) . إن التوبة هي مجرد الخطوة الأولي إلي الله . وهناك خطوات أخري كثيرة بعدها ، لنصل إلي حياة الكمال . فيجب ألا نركز علي التوبة وحدها ، وإلا كان جهادنا كله في التخلص من السلبيات ، دون أن ننتقل علمياً إلي الإيجابيات إن ترك الخطية هو نقطة الابتداء وعمل المبتدئين فلا نقف إذن عند هذه النقطة ، وإنما - نتجاوزها سائرين نحو القداسة . اما إن كنا لم نصل بعد إلي عمل المبتدئين هذا ، فنحن إذن لسنا أعضاء في جسد الرب كما أراد لنا أن نكون ... إن كنا ما نزال نقع ونقوم ، وبعد أن نقوم ، نقع مرة أخري ، فنحن لم نصل إلي التوبة بعد . لا يا أخوتي لا يجوز أن تسير الأمور هكذا لا يجوز أن نقضي حياتنا في مرحلة التوبة ليس من صالحنا ان نقضي عمرنا كله ، صراعاً ضد الخطية ، وجهاداً للوصول إلي التوبة . إنما علينا أن نسرع في الطريق لنصل إلي الله ، ونتمتع بعشرة الملائكة و القديسين ... وننمو في درجات القداسة وفي طريق الكمال وليكن هذا العام مباركاً عليكم ... يعطيكم الرب نعمة فيه ، توصلكم إليه . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
23 ديسمبر 2020

غلطة العمر

كل إنسان معرض للخطأ, وقد يخطئ. وجلَّ من لا يخطئ ولكن غلطة معينة قد يرتكبها شخص, وتظل محفورة في ذهنه, لا ينساها, وقد لا ينساها له الآخرون... هي غلطة لا علاج لها, وتستمر نتائجها إلى مدى طويل. إنها غلطة العمر خيانة يهوذا مثلًا: لا شك أن ذلك الشخص كانت له أخطاء كثيرة في حياته. ولكن خيانته كانت هي الحدث الأكبر في كل حياته. ولم ينسَ له التاريخ تلك الخيانة, بل صارت مثلًا يُضرب, وقد هلك بسببها... كانت هي غلطة العمر بالنسبة إليه... مثل آخر: فتاة لها العديد من الأخطاء ومن العلاقات. ولكنها في إحدى المرات استسلمت للشهوة, وفقدت بكوريتها وحملت سفاحًا, سواء احتفظت بالجنين أو أجهضته... تظل هذه الغلطة تلاحقها طول حياتها, لا تنمحي من ذاكرتها مهما حاولت أن تخفى معالم الخطأ بطرق ملتوية. وإذا عُرفت عنها سقطتها, لا تغفرها لها أسرتها, ولا يغفرها لها المجتمع. إنها غلطة العمر. أو تلميذ في الجامعة, غش في الامتحان النهائي, وضُبط وتم فصله عامًا. وتخرّج أخيرًا. ولكن واقعة فصله بسبب الغش, تظل تلاحقه وتطارده في مستقبل حياته, وتصبح سبّة في تاريخه يتذكرونها له في كل وظيفة يتولاها ويعايرونه بها إن حدث منه خطأ آخر.. لقد كانت غلطة العمر. رئيس دولة كبيرة هو كلنتون Bill Clinton. كانت له مواهبه, ونجح في الانتخابات, وصار رئيسًا لأمريكا. وكان له محبون ومعجبون كثيرون به, وبدأ بنجاح في سياسته. ثم وقع في خطيئة مع مونيكا, وأمكن التشهير به, وأنكر واعتبرت المحكمة إنكاره كذبًا على القضاء. وانتهى الأمر بأن ترك رئاسة أمريكا, ولكن السمعة الرديئة لم تتركه, بل مُنع من ممارسة المحاماة. وكانت خطيئته مع مونيكا وإنكاره لذلك, هي غلطة العمر. وصارت درسًا للأجيال... مثل آخر في عالم الرياضة, هو مارادونا Diego Armando Maradona لاعب الكرة الشهيرة الذي كاد أن يصبح أسطورة في تاريخ كرة القدم بسبب فنه وتوالى انتصاراته... وقع في غلطة واحدة وهى أنه صار يتعاطى منشطات ثم مخدرات... وكانت النتيجة أنه أوقف مسيرة تاريخه, وفقد بطولته على الرغم من ملايين المعجبين به... وكانت غلطة العمر.أو شاب في منتهى القوة, وفي قمة نجاحه وتفوقه في كل مجال يعمل فيه, حتى صار موضع إعجاب كثيرين وكثيرات... حدث في مرة أنه سقط مع إحدى المعجبات في خطية جنسية. ولم يكن يدرى أنها مصابة بالإيدز, وانتقل المرض منها إليه. وأخذت صحته تتدهور ولم ينفع معه علاج. وفقد شبابه وقوته وعمله ومستقبله, بسبب هذه الغلطة الواحدة. ولكنها كانت غلطة العمر.رجل أعمال ناجح جدًا, واستطاع أن يكوّن ثروة كبيرة, وصارت له سمعة ممتازة واسم مرموق, بفضل مواهبه العديدة وإخلاص في عمله, وحزمه في الإدارة. ثم حدث أنه جرب القمار وكسب, وأعاد الكرّة ولكنه على مائدة الميسر خسر كل شيء... خسر ماله وسمعته ورهن أملاكه ثم باعها. وهكذا فقد كل ما كانت له من ثروة. وذلك بسبب غلطة واحده هي لعب القمار, ولكنها كانت غلطة العمر. وأبً كان يبذل كل جهده من أجل راحة أسرته ورفاهية كل أعضائه, ويسهر الليل والنهار في سبيل ذلك. ولكنه للأسف الشديد لم يكن له وقت يقضيه مع أولاده, ليشرف على تربيتهم بنفسه. وشرد الأبناء بعيدًا. الابن انضم إلى أصدقاء السوء, وابنته وقعت في حب شاب وتزوجته زيجة غير شرعية, إذ لم تجد الحنان الكافي من أبيها. وخسر الأب أسرته التي تعب كثيرًا من أجلها. وكان ذلك كله بسبب غلطة واحدة هي عدم تفرغه لتربية الأولاد. وكانت هذه بالنسبة إليه هي غلطة العمر. وفي مجال السياسة والحرب, ما أكثر الملوك والقادة والزعماء الذين أضاعوا تاريخهم كله من أجل غلطة رئيسية في سياستهم, لم يحسبوا حسابًا لنتائجها الخطيرة, ولكنها كانت غلطة العمر, مع إنهم كانوا في مجد وعظمة, ولكنهم فقدوا كل شيء... فلنابليون العظيم Napoléon Bonaparte غلطة حرب سببت له الهزيمة بل أيضًا انتهت بالقبض عليه وإذلاله. وهتلر Adolf Hitler الذي كاد في وقت من الأوقات أن يصبح أسطورة... وشاوشسكي في حكمه وقلة حكمته... كل هؤلاء أضاعتهم غلطة العمر إن فشل الإنسان عمومًا لا يرجع إلى أن حياته كلها كانت أخطاء. وإنما غلطة واحدة خطيرة يمكن أن تضيعه...!إن كوبًا مملوءًا بالماء, تكفى لتعكيره نقطة واحدة من الحبر تسقط فيه. وكذلك صحة قوية يكفى ميكروب واحد خطير أن يقضى عليها... لذلك يجب على كل إنسان أن يكون حريصًا جدًا في حياته ويبتعد عن مثل هذه الأخطاء. لأن ثقبًا واحدًا في سفينة الحياة قد يؤدى إلى غرقها... ومن الله الرحمة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
16 ديسمبر 2020

نساء خسرن أزواجهن!

الزوجة الحكيمة تكون مصدر سعادته لزوجها, كواحة يانعة مملوءة بالزهر والثمر يرجع إليها من صحراء العمل ومشقته غير أن بعض النساء للأسف الشديد لم يعرفن الهدف السليم من الحياة الزوجية, وكيف تكون مجالًا للسعادة المشتركة..! وأخطأن الوسائل فكانت النتيجة أنهن خسرن أزواجهن!! ومن بين هؤلاء ثلاثة أو أربعة أنواع سوف نذكرها:- 1- المرأة الشديدة الغيرة:- ما أشد هول تلك المرأة العنيفة في غيرتها, التي تعتمد في ذلك على حساسية شاذة غير طبيعية. فتغار على زوجها إن كان وسيمًا جدًا وناجحًا بدرجة يحيطه المعجبون والمعجبات. أو إن كان لطيفًا ومرحًا, ينظر إليه الجميع في حب وبشاشة. فتغار هذه الزوجة إن رأته يكلّم امرأة في لطف, أو يبتسم في وجهها, أو أن ابتسمت تلك المرأة أو ضحكت في مرح أثناء الحديث معه حينئذ تحارب الظنون والأفكار هذه الزوجة, فتحطمها من الداخل. وهى تتولى بدورها تحطيم الزوج. فتفرض عليه رقابة وحظرًا, وتوبخه على بشاشته مع امرأة أخرى, وتسئ فيه الظنون.هي تريده عصفورًا جميلًا تحبسه في قفص, لا يراه أحد. يكفى أن تراه هي! ولا يكلّم أحدًا غيرهًا, ولا يبتسم لغيرها, ولا يكون بشوشًا مع أحد!! وهكذا يفقد الزوج كل علاقاته الاجتماعية, لترضى هي عن تصرفاته.. وإلا صار البيت جحيمًا تسوده الشكوك والظنون, والمناقشات كل يوم, والتحقيقات ومحاولة الانتقام أو الشكوى. وقد يكون الرجل بريئًا جدًا. وقد تكون طبيعة عمله من النوع الذي يستلزم لقاءات مع كثيرين وكثيرات ولا ينجح فيه إلا باللياقة والبشاشة. ولكن زوجته تتعبها الغيرة فتتعبه!وقد تأخذ الغيرة عند الزوجة مظهر آخر, فقد تغار من جهة حبه لأمه أو أخته أو بعض أفراد أسرته. أو من إنفاقه على أخ أو قريب. وتظن أنه يحب أهله أكثر منها, أو أنه يخضع لمشورتهم أكثر منها. وتلهبها الغيرة حتى تريد أن تحرمه من كل أحبائه. فلا يحب أحد سواها!!وفى وقت الغيرة لا تفكر فيه ولا راحته. إنما تفكر في ذاتها فقط. وما على الرجل إلا أن يخضع لمشاعرها, ولا تهمها النتائج ولا الإحراجات التي يقع فيها... وإلا فإنها تتهمه بعدم محبته لها وبالخيانة وعدم الإخلاص..!ويحاول الرجل أن يجد حلًا ولا يستطيع. ويشرح الأمور ولا تقبل منه. ويتحرج الجو, ويتهدد البيت بالانهيار. إذ يشعر الزوج أن ثمن إرضائها هو أن يخسر الكل بسبب ظنون لا وجود لها في عالم الحقيقة. ولكنها موجودة في أتون الغيرة!! 2- المرأة المسرفة في التحقيق:- وهى الزوجة الدائمة التحقيق مع زوجها, حتى في صميم خصوصياته! فقد تحقق معه في الأمور المالية: ماذا يدخل إلى جيبه وكيف يصرفه؟ ولمن يعطى؟ ولماذا؟ وهل من اللائق أن يصرف هكذا؟ وأين الحكمة؟ وتحقق معه في تفاصيل مواعيده: لماذا يخرج الآن؟ ولمَ لا يتغير الميعاد؟ وأين يقضى الوقت كله؟ ولماذا يرجع متأخرًا؟ وما أهمية هذا الموعد؟ ولماذا لا يلغيه؟ وماذا ولماذا إلى غير حد..! وتحقق معه في علاقاته: كل علاقاته, مع كل أحد. ما نوعها؟ وما محصولها؟ وماذا حدث؟ وماذا قالوا لك؟ وماذا فعلوا؟ وماذا فعلت؟ ولماذا؟ بل قد تحقق معه في أكله وشربه, وفي ملبسه, وفي كلامه, وفي عمله! ويشعر الزوج أنه قد تزوج "وكيل نيابة" أو "أمن دولة"! ويشعر بأنه مضغوط عليه في حريته. وأنه محتاج أن يهرب من الأسئلة ومن الإجابة. وإن ضيّقت عليه الخناق, يرى أنه محتاج أن يهرب من البيت كله, ومن هذه المرأة البوليسية التي تطارده بتحقيقاتهاأما المرأة التي تحب زوجها, فإنها تتركه ليخبرها بنفسه دون أن تضغط عليه بالسؤال. وما يقوله, تقابله بقلب محب مفتوح. وما لا يريد أن يقوله, تتركه إلى حريته بدون إحراج, وبدون تطفل, وبدون ضغط أو تحقيق. 3- المرأة النكدية:- إن الرجل ينتظر من زوجته أن تستقبله في البيت بوجه بشوش يفرحه, ويدخل السعادة إلى قلبه وينسيه ما يُقاسيه في العمل من تعب وصدامات... أما إن قابلته زوجته بوجه عابس أو بالدموع والبكاء, وملأت البيت حزنًا ونكدًا, فإنها بدلًا من أن تحمل عن زوجها متاعبه, فإنها تضيف إليه تعبًا جديدًا! وللأسف يوجد نوع من النساء يمكن أن يُسمىّ بالمرأة النكدية, التي يمكنها بسهولة أن تحوّل البيت إلى نكد. والتي تغضب لأتفه الأسباب, أو بلا سبب. ويشعر الزوج أن من الصعب إرضاءها! وأنها تخلق مشاكل, وتعقد الأمور, أو تثير نقاشًا حادًا حول أبسط المسائل. وأنها دائمًا غاضبة, دائمًا حزينة وكئيبة, دائمًا ساخطة!! هذه الزوجة لا تبدو في الصورة التي خلق بها الله المرأة, في لطفها ورقتها, وإشاعتها السرور, وفي رسالتها كمُعين للرجل وكثير من الرجال يتبرمون بالمرأة النكدية ولا يحتملونها. أو يحتملونها إلى حين ثم لا يستمرون. وكثيرون منهم يخرجون من البيت, ويبحثون عن السعادة خارجه, في المقهى, أو في النادي, أو بين الأصدقاء والمحبين والمعارف, أو في أي نشاط آخر... بعيدًا عن النكد وهكذا شيئًا فشيئًا تخسر المرأة زوجها, إذ لا يجد سعادته إلى جوارها!! نقول كل هذا, لكي تتعظ أولئك الزوجات اللائي يتصفن بالغيرة الزائدة, وبالرغبة في التحقيق, ودوام النكد, ويبدأن في تغيير ذلك الأسلوب الذي نتيجته أن يخسرن الزوج.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
09 ديسمبر 2020

قالوا في العلم والحكمة وفي الحب والصداقة

في العلم سئل عالم "ما أفضل العلم؟" فأجاب: هو معرفة الإنسان لنفسه. وقيل: اليوم الذي يمرّ من عمرك دون أن تتعلم فيه شيئًا جديدًا, هو يوم ضائع. سواء كان هذا التعلم بالقراءة أو الملاحظة أو السماع أو التأمل, أو الخبرة أو المعاناة. قال الشيطان ذات يوم: كنت من قبل أعلّم الناس الشر, فصرت الآن أتعلم منهم. قيل: أكثر الناس علمًا في العالم كله, يكون على جهل تام بعدد كبير من الأمور. وقيل: العاقل يتعلم من أخطاء الآخرين. وقيل: الفنان العظيم كان يومًا فنانًا مبتدئًا. وقيل: تعرف الإنسان من أسئلته أكثر مما تعرفه من إجاباته. وقيل: أتريد أن تعرف حقيقة إنسان؟ استمع إليه في مشاجرة. في العقل والقلب قيل: كن أعقل من غيرك, ولكن لا تصرّح له بذلك. وقيل: فقر العاقل خير من ثراء الأحمق. وقيل: العقل له أحكام, والقلب له أحلام. وقيل: من شاور الحكماء, شاركهم في عقولهم. وقيل: رجل واحد يحمل رأسًا فوق كتفيه, خير من مائة رجل بلا رؤوس. وقيل: المشروعات الواسعة لا يمكن تنفيذها بأفكار ضيقة. وقال فرانس بيكون: إن قليلًا من الفلسفة قد يقرّب الإنسان من الإلحاد. أما التعمق في الفلسفة فيردّه إلى الله. وقيل: القراءة هي أن تفكر بعقل غير عقلك. وقيل: عندما تفكر, فإنك تجرى حوارًا مع نفسك. وقيل: للقلب منطق هيهات للعقل أن يفهمه. في العمل قيل: إن الأماني هي بضاعة الضعفاء. أما العمل هو بضاعة الأقوياء. وقيل: من لا عمل له, يُوجد الشيطان له عملًا. وقيل: فكّر ببطء, ولكن اعمل بسرعة. وقيل: لا تطلب, ولكن اعمل. وقيل: إذا أجّلت عملًا ثقيلًا إلى الغد, ضاعفت ثقله. وقيل: إن التجربة هي أعظم أستاذ في العمل, ولكن نفقاتها باهظة. وقيل عن شخص: عنده مواهب كثيرة, ولكن تنقصه موهبة واحدة, وهى استخدام مواهبه! وقيل: إذا أردت أن تتحاشى النقد, لا تعمل شيئًا, ولا تقل شيئًا, ولا تكن شيئًا! فى الحكمة قيل: الملوك حكّام على الناس. والحكماء هم حكّام على الملوك. وقال أحدهم: نحن ألف رجل, وفينا حكيم واحد, ونحن نستشيره ونطيعه. فكأننا ألف حكيم. وقال الآباء: الذين بلا مرشد يسقطون مثل أوراق الشجر. وقال حكيم: الرؤوس تكون أكثر حكمة إن كانت هادئة. والقلوب تكون أكثر قوة, إن نبضت تعاطفًا مع القضايا النبيلة. وقيل: يلجأ الإنسان إلى الخبث, حين لا يسعفه الذكاء. وقيل: لا تشرب السّم, اعتمادًا على ما عندك من الترياق. وقيل: الجاهل يكون دائمًا أكثر إصرارًا على رأيه من العالم. ومن الأمثال الصينية: إذا أعطيت إنسانًا سمكة, فسوف يأكل وجبة واحدة. ولكن إن علمته الصيد, فسوف يأكل طول حياته. في الحب والصداقة قال حكيم: اهتم بالرفيق قبل الطريق. وقال آخر: من شروط المرافقة, الموافقة. وقال ثالث: حياة بلا أصدقاء, هي جنازة بلا مشيعين. وقيل: من عاش بغير حب, مات في يوم مولده. وقال أحدهم: ليس صديقًا مَنْ "يبلع لك الظلط" (الحجارة). إنما صديقك هو من يحذرك من الغلط. وقيل: الصديقان الحميمان إذا اتفقا على موعد, ذهب كلّ منهما إليه قبل الآخر. وقيل: الحب هو أن تفّضل شخصًا آخر على نفسك. وقال حكيم: إن قلت لي من هم أصدقاؤك, أقول لك من أنت. وقيل في الصداقة: زهرة واحدة لا تصنع حديقة. في الحب والعداوة قال القديس ذهبي الفم: من لا توافقك صداقته, لا تتخذه لك عدوًا. وقال أيضًا: هناك طريقة مثلى تستطيع بها أن تقضى على عدوك, وهى أن تحوّل العدو إلى صديق. وقيل: الناس أعداء ما جهلوا. قيل: المحبة تبنى, والعداوة تهدم.والذي يبنى يصعد دائمًا إلى فوق،والذي يهدم, يهبط إلى أسفل. وقيل: كل عداوة تُرجى إزالتها, إلا عداوة من عاداك عن حسد. وقال: ميخائيل نعيمة: هناك مبالغة في قولهم "الحب أعمى". والحقيقة أن الحب بعين واحدة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
02 ديسمبر 2020

الفضيلة تعريفات ومستويات

تعريفات ما أكثر الأسماء أو الصفات التي نطلقها على الفضيلة. وهى في مجموعها تعطينا فكرة عن كنه الفضيلة وتفاصيلها وطريقة السلوك فيها وسنحاول أن نذكر هنا بعضًا من هذه التعريفات: 1- الفضيلة هي محبة الخير: إنها ليست في مجرد عمل الخير, إنما بالأكثر في محبة الخير. ذلك لأن الفضيلة التي تمارس من الخارج فقط, وليست صادرة من القلب, قد تكون رياءً. أو أن البعض يعملون الخير خوفًا من انتقاد الناس, أو خوفًا من عقوبة المجتمع أو عقوبة القانون, أو يفعلون ذلك خجلًا, أو من أجل المنفعة, أو لمجرد كسب مديح الآخر وليست حبًا في الخير ولا حبًا في الغير, أو رغبة في نوال مكافأة, أو مجاراة لتيار معين, أو تقليدًا لغيرهم. كل ذلك بغير اقتناع من الداخل, وبغير رغبة! وربما يفعل الشخص ذلك وهو محرَج, لا يستطيع أن يمتنع أو يقول لا!! وعمل الخير لشيء من هذه الأسباب لا يمكن أن يُحسب فضيلة الفضيلة هي إذن حب الخير, حتى لو كان الإنسان لا يستطيع أن يفعله لسبب خارج عن إرادته, لوجود موانع تمنع التنفيذ عمليًا... ولكن إن وُجدت إمكانية لعمل الخير, فلابد أن يعمله. لأنه حينذاك تجتمع نية القلب مع العمل والإرادة, لأن النية وحدها لا تفيد الآخرين فالفضيلة تبدأ في داخل القلب, وتنبع منه, في المشاعر والنيات والأحاسيس. ويكون عمل الخير هو التعبير عما في القلب من مشاعر طيبة.. 2- الفضيلة هي السلوك الفاضل إنها تبدأ في الداخل, في القلب والفكر والروح. ولكنها تظهر في الخارج عن طريق الممارسة العملية. فالحب مثلًا هو فضيلة في القلب, ولكن لابد أن يتحول إلى عمل محبة في الخارج. فلا نحب بالكلام ولا باللسان, بل بالعمل والحق. هنا تظهر المحبة عن طريق العطاء والبذل والتضحية فضيلتك التي في فكرك لا يشعر بها أحد. ولكنك تعبر عنها بعملك. وكذلك محبتك لابنك التي في داخل قلبك, تعبر عنها بالعطايا والاهتمام وبالحنو. وأيضًا لا يكفى أن تقول إن محبتك لله هي في قلبك, بل تعبر عنها بطاعتك لوصاياه.وبالمثل: خشوع العابد في داخل قلبه, يعبر عنه بخشوع الجسد من الخارج. بالسجود والركوع في الصلاة. وحفظ الجسد أثناءها من طياشة الفكر والحواس. وبهذا يشترك الجسد مع الروح. وتكون الفضيلة من الداخل والخارج معًا إن حياة الشجرة في داخلها. ولكنها تعبر عن وجود الحياة فيها بالخضرة وبالزهر والثمر. ونحن نريد الفضيلة المثمرة, بالعمل الصالح, بالكلمة الطيبة, بالسلوك الحسن, بالمحبة العملية, بالقدوة المؤثرة في الغير... 3- الفضيلة هي في الشخصية المتكاملة: بحيث لا يوجد في من يمارسها أي نقص في سلوكه. وهذا واضح عمليًا: فإن سلك في فضيلة ما, لابد ستقوده إلى فضائل أخرى كثيرة. كما أنه أذا فقد إحدى الفضائل, ما أسهل أن يجره السقوط إلى فضائل أخرى عديدة.. إنها سلسلة مترابطة إن انفك عقد أحدها, انفرط الباقي أيضًا فطالب العلم الذي يهمه مستقبله, يقوده هذا إلى الاجتهاد والعمل على التفوق. وهذا الاجتهاد يحثه على البعد عن اللهو. والبعد عن اللهو يبعده أيضًا عن أصدقاء السوء. والبعد عنهم ينجيه من القدوة السيئة. وهذا أيضًا يساعده على حياة الفضيلة... وهكذا تتعاون الفضائل معًا, ويؤدى بعضها إلى البعض الآخر. وبالمثل فإن الخطية تجر إلى خطايا أخرى. 4- الفضيلة وضع متوسط بين رذيلتين: أو هي وضع متكامل بين نقصين. ومن أمثلة ذلك: الشجاعة هي الوضع المتوسط بين الخوف والتهور والتربية السليمة هي الوضع المتوسط بين التدليل والقسوة والتدبير الحسن لما تملكه هو الوضع المتوسط بين البخل والتبذيرويمكننا أن نذكر أمثلة عديدة لهذا الوضع المتوسط مستويات فيوجد نوعان من الفضيلة: وذلك من الناحية السلبية, والناحية الإيجابية. فالناحية السلبية هي مقاومة الخطيئة ورفضها. أما من جهة الناحية الإيجابية فهي عمل الخير. وليست الفضيلة هي فقط البعد عن الخطيئة, إنما يجب الارتفاع عن المستوى السلبي, وذلك إيجابيًا بالسلوك في حياة البر: لا يكفى فقط إنك لا تكره إنسانًا, إنما يجب أن تحب الكل لا يكفى أن تمتنع عن اللفظ بأية كلمة خاطئة, إنما يجب أيضًا أن تقول كلامًا للبنيان ينفع الآخرين ولذلك فإن الفضيلة ليست فقط أنك لا تضر الناس, إنما هي بالأكثر أن تعينهم بقدر إمكانك, وتعمل على راحتهم أو إسعادهم.. ومستويات الفضيلة تشمل الحسّ، والفكر, والقلب, والعمل فهناك المستوى الجسدي للفضيلة, والمستوى النفسي, والمستوى الروحي وعلى الإنسان أن يحفظ نفسه في كل مستوى, ويحترس من السقوط في غيره فمثلًا الحواس هي أبواب الفكر, وما تراه أو تسمعه أو تلمسه, قد يجلب لك أفكارًا. فلكي تحفظ فكرك, أحفظ حواسك. وإن أخطأت بالحواس, لا تجعل الخطأ يتطور إلى فكرك. وإن وصل الخطأ إلى الفكر, اطرده بسرعة, وحذار أن تجعله يتحول إلى مشاعر في قلبك. وإن تحوّل إلى مشاعر, لا تجعله يتطور إلى العمل بالضغط على إرادتك واعلم أن جميع المستويات تتجاوب مع بعضها البعض. وقد يصير الواحد منها سببًا ونتيجة... فخطأ القلب يسبب خطأ الفكر. كما أن خطأ الفكر يسبب مشاعر للقلب. وربما الاثنان يدفعان إلى العمل. وكذلك المشاعر والعمل يقودان إلى خطأ الحواس إنها دائرة متصلة. أية نقطة فيها توصل إلى باقي النقاط وكما في الشر, كذلك في الخير تتعاون كل المستويات معًا على أن أعلى مستوى في الفضيلة هو السعي إلى الكمال.إن الذي يسلك في الفضيلة, يودى أن ينمو فيها. ويستمر في النمو حتى يصل إلى الكمال الممكن له كإنسان. وأعني الكمال النسبي, نسبة إلى ما عنده من إمكانيات, وما يُوهب له من عمل النعمة فيه والسعي إلى الكمال يحتاج إلى التدرج. والآباء الروحيون كثيرًا ما كانوا يدربون أولادهم في نطاق هذا التدرج. لأن الطفرات السريعة في الفضيلة قد تؤدى إلى ارتفاع القلب والكبرياء، وأحيانًا تكون لها نتائج عكسية. لكن القادة الروحيين كانوا يعملون على تثبيت أبنائهم في كل خطوة يخطونها. حتى إذا ما صارت شبه طبيعة عندهم, يتدرجون منها إلى خطوة أعلى, ولا يصبحون في خطر من أية نكسة ترجعهم إلى الوراء أما إذا أرادت نعمة الله أن ترفع الإنسان إلى فوق مرة واحدة, فهذه هبة إلهية غير عادية. والسعي إلى الكمال يحتاج إلى جهاد: لأنه كما أن نعمة الله تساعد الإنسان على الارتفاع إلى فوق, فإن قوى الشر لا تريد أن تتركه في راحة, إنما تحاول أن تجذبه إلى أسفل. ومن هنا كانت محاولة الوصول إلى الكمال الروحي, هي صراع ضد الخطية وضد العقبات الروحية. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
25 نوفمبر 2020

الأعذار و التبريرات

إن كنت يا أخي تريد أن تحيا في حياة التوبة الحقيقية, فلا تحاول أن تقدم أعذارًا وتبريرات عن كل خطية تقع فيها. فالتبريرات تعنى أن الإنسان يخطئ, ولا يريد أن يتحمل مسئولية أخطائه. ويعتبر كأنما كان الخطأ شيئًا طبيعيًا هناك أسباب دعت إليه, أو كأن لا خطأ في الأمر! فإن كان يجد لخطيئته ما يبررها, فكيف يتوب إذن عنها؟!التبريرات هي محاولة لتغطية الأخطاء, بإيجاد مبرر لها! وهكذا ما أسهل أن يستمر المخطئ فيها, وعذره معه ويظن بهذا أنه يخرج بلا لوم ولا عيب أمام الناس, وربما أمام نفسه أيضًا, لكي يريح ضميره إذا احتج عليه... ولكن حتى لو قبل الناس منه ما يقدمه من أعذار, وحتى لو استطاع هذا المخطئ أن يخدع نفسه ويخدّر ضميره ليقبل منه تلك التبريرات, فإن الله لا يقبلها, لأنه عالم بكل شيء وفاحص القلوب والنيات.حقًا ما أصدق الذي قال إن طريق جهنم مفروش بالأعذار والحجج والتبريرات إن الإنسان المتواضع- إذا أخطأ- يعترف بما ارتكبه من خطأ. أما غير المتواضع وغير التائب, فإنه يحاول أن يجد تبريرًا عند ارتكاب الخطيئة, وبعد ارتكابها أيضًا, وكلما دام الحديث عنها بصفة عامة ويؤسفني أن أقول إن توالى الأعذار والتبريرات عند مثل هذا الشخص تجعل القيم والمبادئ عنده تهتز... ومادام كل خطأ يمكن له تغطيته. فلا توجد إذن مثل يسير على مناهجها أو روحيات يتمسك بها وسنحاول هنا أن نذكر بعض الأعذار التي يعتذر بها البعض ممن لا يسلكون حسنًا في حياتهم. 1- يقولون كل الناس هكذا (الكل كده), فهل نشذ عن المجتمع؟وكأنهم بهذا يعتبرون أن الخطأ إذا صار عامًا, لا يلام عليه الفرد! أي صار الخطأ العام مبررًا لخطأ الفرد. وكأن نقائص المجتمع كله لم تعد تناقص! كلا, فالخطأ هو خطأ, عامًا كان أو خاصًا. ومن أجل هذا, يقوم المصلحون الاجتماعيون بإصلاح أخطاء مجتمعاتهم. وكذلك يهاجم تلك الأخطاء: أصحاب المبادئ من رجال القلم ومن الوعاظ.إن أبانا نوحًا البار لم يندمج مطلقًا في أخطاء وفساد المجتمع في أيامه, وهكذا نجا في الفلك مع أسرته. ويوسف الصديق كان يعبد الله, بينما كانت كل العبادات التي حوله فرعونية. والأبرار باستمرار يحتفظون بمبادئهم السامية مهما كان الخطأ عامًا. وعلى العكس- يمكن أن يقال- إن الخطأ إذا كان منتشرًا, فهذا يحتاج إلى حرص أكبر لتفاديه.وهكذا أنت, عش بروحياتك السليمة, حتى لو عشت بها وحدك وإن لم تستطع أن تؤثر على المجتمع وترفعه إلى مستوى أعلى فعلى الأقل لا تندمج في الأخطاء المنتشرة, ولا تجعلها تؤثر عليك.والمفروض في الإنسان البار أن يطيع ضميره ولا ينجرف مع التيار الخاطئ. 2- البعض يعتذر بالعوائق, بينما يليق بالأقوياء أن ينتصروا على العوائق إن القلب القوى يمكنه أن يجد وسائل عديدة لتنفيذ الغرض النبيل الذي يهدف إليه, مهما صادفته عقبات وعوائق.. يقول الآباء الروحيون "إن الفضيلة تريدك أن تريدها لا غير". نعم, يكفى أن تريد, وحينئذ تجد النعمة تفتح أمامك أبوابًا كانت مغلقة إذن لا تعتذر بالعوائق, إنما ضع أمامك أن تنتصر عليها.. ولا تكن دوافعك الداخلية إلى عمل الخير ضعيفة بحيث تمنعها العوائق. 3- يعتذر البعض بشدة الضغوط الخارجية, أو بعنف الإغراء الخارجي.ولكن القلب الثابت من الداخل, لا يقبل أن يخضع لأي ضغوط خارجية, ولا يسقط بسببها, ولا يتخذها تبريرًا لسقوطه. إنما يبرر سقطته بسبب الضغوط الخارجية, ذلك الشخص الذي ليست محبته للفضيلة قوية.وخذوا يوسف الصديق كمثال رائع للانتصار على الضغط الخارجي الذي وقع عليه من امرأة سيده. فهي التي كانت تطلب منه الخطيئة, وتلح عليه, وهو تحت سلطانها تسئ إلى سمعته في حالة رفضه لها. ولكنه كان أقوى من الأغراء, وانتصر ولم يبالِ بما يحدث له... 4- قد يعتذر البعض بأنه ضعيف, والوصية صعبة!ربما تقول بأنك ضعيف, إم لم تضع معونة الله في اعتبارك. فأنت لست وحدك, إنما معك النعمة الإلهية التي تسند الضعفاء. ثم لا تقل عن وصية الله إنها صعبة لأنها لو كانت صعبة, ما كان الله أمر بها. كيف يأمر بما لا يمكن تنفيذه؟! إنه لا يأمرنا بالمستحيل. بل عندما يعطى الله وصية, إنما يمنح في نفس الوقت القدرة على تنفيذها طوباهم أولئك الجبابرة الذين انتصروا على قلوبهم من الداخل, ولم يعتذروا بصعوبة الوصية كما نفعل نحن في تبرير أنفسنا..! 5- هناك من يقصّر في أمور العبادة من صلاة وتسبيح وصوم وقراءات مقدسة, معتذرًا بأن نقاوة القلب تكفى, والله هو أله قلوب!فمن الذي قال إن نقاوة القلب تغنى عن هذه الممارسات الروحية؟!إن الإنسان البار يجمع بين الأمرين معًا: نقاوة القلب وكل الممارسات الروحية التي هي ثمرة طبيعية لنقاوة القلب.وما أعمق عبارة "افعلوا هذه, ولا تتركوا تلك". قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
18 نوفمبر 2020

العولمة مرة أخرى، ومناقشة تأثيراتها

نتابع ما ذكرناه في المقال السابق فنقول من أهم عناصر العولمة: الحضارة وانتقالها من بلد إلى بلد: وكلمة الحضارة واسعة جدًا في معناها, فهي تشمل الثقافة والرقى وسائر القيم والعادات السائدة. أما عن الثقافة, فلا ننسى مطلقًا فضل العولمة في نشر العلم والمعرفة, مع الوضع في الاعتبار بعض أنواع المعرفة المبنية على الشك كالفلسفات الملحدة وكالأفكار الاقتصادية التي تميل إلى الشيوعية أو إلى التطرف بوجه عام. أما من جهة العادات والطباع والقيم, وأمثال ذلك مما يسمونه في الغرب Culture, فإن فيه اختلافًا كثيرًا بيننا وبينهم. ونحن نلاحظ أن الذين يقيمون فترة طويلة في بلاد الغرب متغربين عن أوطانهم, يعودون بشخصيات وعادات مختلفة عما كان لهم من قبل, بل حتى لكنة ولهجة صوتهم تتغير, وكذلك طريقة تفكيرهم أيضًا... وهنا نسأل ماذا يكون وضع المرأة الشرقية في ظل العولمة, حيث وصلت المرأة في بعض بلاد الغرب إلى منصب رئيس الوزراء, وتنافس على منصب رئيس الدولة أيضًا. ونحن نشكر الله أن بلادنا مصر قد أفسحت المجال السياسي والإداري والاجتماعي أمام المرأة. فيوجد لدينا أكثر من وزيرة, وكذلك وكيلة مجلس الشعب امرأة. وعدد كبير من النساء في رتبة وكيل وزارة, ورتبة مدير عام. كما تم تعيين ثلاثين امرأة في القضاء... ولكن هل ستقبل بلاد الشرق العربي أن تصل المرأة إلى هذا المستوى أو أكثر؟ بينما في بعض البلدان العربية تجاهد النساء لكي يكون لهن مجرد حق الانتخاب في بعض المجالس! ثم في ظل انتشار العولمة ستعود مناقشة موضوع الحجاب والنقاب بالنسبة إلى المرأة. وكذلك ربما تظهر مشكلة الزواج المشترك ما بين طرفين مختلفين في المذهب. تدخل مشكلة أخرى في محيط الأسرة وهى مدى احترام وطاعة الوالدين والكبار عمومًا. فنحن في الشرق نوقّر الكبار غاية التوقير, ونطلب رضى وبركة الوالدين, بينما في الغرب توجد الاستقلالية في الشخصية كلما وصل السن إلى مرحلة الشباب, ولا يجد الأبوان الفرصة الكافية لتأديب أبنائهم. ويمكن للابن أن يطلب تدخل الشرطة رسميًا للحد من سلطان أبيه أو تدخله في شئونه الخاصة...!وعلى الرغم من اعترافنا بفضل العولمة في انتشار العلوم ورقيها, إلا إننا نجد بعض نواحي العلم- وبخاصة في موضوع الإنجاب- قد سارت في تيار لا يتفق كثيرًا مع قيمنا ومع بعض مبادئنا الدينية من ذلك وجود بنوك البويضات المخصبة...حيث يمكن للمرأة أن تختار النوع الذي تريد أن يُولد به ابن لها: من جهة طوله أو لون بشرته أو لون شعره أو درجة ذكائه. وتختار البويضة المخصبة التي تناسب طلبها, بغض النظر عن كيف أخصبت, وما شرعية ذلك, وما مدى تحكم علماء تلك البنوك في الجينات البشرية وتوفيقها بأسلوب خاص لتأتى بالنتيجة المطلوبة يضاف إلى هذا التطور الواسع في موضوع الاستنساخ, الذي بدأ بتطبيقه على الحيوانات, ثم تطور إلى مجال البشر أيضًا. نحن لا نقف ضد العلم, ولكن من المفروض أيضًا أن تكون للعلم حدود لا يتعداها إلى الدخول في المشيئة الإلهية!نحن لا ندعى إطلاقًا بتدخل العلماء في القدرة على الخلق, وهم لا يدّعون ذلك, لأن الخلق هو الإيجاد من العدم, وهذا خارج نطاق العلم, ولكن تصرفهم في الخليقة حسب هواهم أو فكرهم الخاص هو موضوع من المفروض أن تكون له ضوابط وحدود. نقطة أخرى وهى استئجار الأرحام, حيث يمكن نقل بويضة لأم معينة إلى رحم امرأة أخرى. ثم يُولد طفل له أم طبيعية وأم استأجروها ليولد منها!! وإلى أيهما ينتسب؟! العولمة أيضًا لها تأثيرها في محيط التجارة والصناعة:- إذ توجد بلاد يمكن أن تقدم صناعات بسعر أقل, وتسوّقها في بلاد أخرى, فتؤثر على ميزانها الاقتصادي, وعلى صناعتها المحلية, وبالتالي على وضع العمالة فيها. وربما هذا الأمر يوجد جوًا من التنافس في مجال الإنتاج ووفرته وجودته وسعره. ولكن ليست كل الدول تقدر على مثل هذا التنافس وكمثال واضح اختبرناه في مصر, انتشار الصناعة الصينية في نواح متعددة, وبأسعار أقل من السوق. بل عن طريق العولمة انتشرت صناعاتها أيضًا في بلاد أخرى غربًا وشرقًا. لا ننسى أيضًا تأثير العولمة على اللغة:- ويظهر هذا واضحًا في كثير من العلوم. فنحن نستعمل العديد من الألفاظ اليونانية, مثل كلمات: فلسفة, جغرافيا, جيولوجيا, إستراتيجية, تليفون, تلغراف تكنولوجيا. ونستخدم أيضًا عبارات في الطب والدواء ليست عربية مثل الكوليسترول, والفيتامينات. وعمومًا فإن تعريب الطب غير ممكن من جهة, وضار من جهة أخرى, إذ يوقف الصلة بالبحوث العلمية, والمؤتمرات العلمية, والمجلات والكتب التي عن الطب والصيدلة. وغالبيتها بلغات أجنبية.إننا تعودنا أن نستخدم عبارات ليست عربية), مثل درجة الماجستير وهى كلمة لاتينية, ومثل كلمة (مايسترو) عن معلم الموسيقى, وهى كلمة إيطالية, ومثل كلمة كيمياء وهى هيروغليفية الأصل أو قبطية. بل أن كلمة (لغة) نفسها ليست عربية, وإنما أصلها يوناني.أما في العربية فنستخدم عبارة (لسانًا عربيًا فصيحًا). ومن أقدم وأشهر القواميس في العربية كتاب لسان العرب لابن منظور وليس لغة العرب. ختامًا, لا خوف من العولمة على ثوابتنا العقيدية, فهي أعمق من العولمة, أما الحضارة والثقافة فهي ملك الجميع. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
11 نوفمبر 2020

العولمة: فوائدها وتأثيرها وأضرارها

العولمة هي انفتاحنا على باقي بلاد العالم, وانفتاحها هي علينا, وكسر الحواجز الفاصلة مع احتفاظنا على قدر الإمكان بما للشرق من مبادئ وقيم وطبيعي إننا لا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن العالم ونصبح كجزيرة منفردة بذاتها في المحيط. فالعالم الآن قد صار مختلطًا وممتزجًا, بحيث أنه في تفصيلات حياته يأخذ ويعطى وليس العولمة جديدة عليه, بحيث يمكن قبولها أو رفضها. فقدت بدأت فعلًا. والمهم الآن هو ما مدى الانتشار الذي يُسمح به لها؟ وما مدى الفائدة العائدة منه أو الضرر. أول انتشار هو عالمية الأخبار: فقد أصبحت أخبار كل جهات العالم متداولة, وفي معرفة كل ما يريد. وذلك عن طريق الصحف والإذاعة والتلفزيون وكثرة الفضائيات التي انتشرت وباقي وسائل الإعلام. بحيث يمكن لأي شخص أن يستخدم الانترنت مثلًا, ويستخرج ما يشاء من المعلومات والأخبار, عن أي بلد, أو أي شخص, أو أي علم. ويعرف بذلك تفاصيل التفاصيل, بلا مانع ومع ما في هذا الأمر من فائدة, إلا أن له أضرارًا فالانترنت ينشر كل شيء, ما ينفع وما يضر, ينشر الصدق وكذلك الكذب والأخبار المبالغ فيها. وكل من يريد أن يسجل فيه منهجه وفكره. فتجد فيه الهجوم والدفاع, والهجوم المضاد. ومن يأخذ كل تسجيلات الانترنت كقضية ثابتة, إنما يشوش أفكاره. فيحتاج الأمر إلى فحص وإلى تحقيق, ومقارنة الأخبار. وليس هذا بإمكان الكل. الأمر الثاني في العولمة هو انتشار العلم بكل فروعه: لم يعد العلم حكرًا على بلد معين, أو عالم محدد بالاسم, إنما هو للكل. فعلوم الطب والصيدلة والدواء وطرق العلاج أصبحت متداولة بين باقي الشعوب, سواء عن طريق البعثات العلمية, أو ما ينشر عنها في الكتب أو المجلات العلمية. وينطبق هذا أيضًا على ما ينشر عنها في الكتب أو المجلات العلمية. وينطبق هذا أيضًا على كافة العلوم من هندسة وزراعة واقتصاد وغير ذلك وكل هذا مفيد ونافع. وعلى كل دولة أن تنتفع بما وصلت إليه باقي الدول من حضارة ورقي وتقدم. ولا تتخلف عن الركب. من الأمور النافعة في العولمة أيضًا كافة المخترعات المفيدة: فبعد أن تخطينا زمن اختراع الطائرات ووسائل الميديا Media, بدأ انتشار الريكوردر, والكمبيوتر, وتليفون السيارة, والتليفون المحمول, وأدوات التصوير الحديثة, والفاكس, وغير ذلك من المخترعات في مجال الهندسة, والنقل, والريّ بالرش, وأنواع من الماكينات, ووسائل البناء الحديثة. وكل ذلك لم يكن معروفًا من قبل. ونشرته العولمة, حتى إننا نجد في أمريكا نفسها سيارات يابانية, وصناعات دقيقة من الصين ومن وكوريا.وعن طريق العولمة بدأ أيضًا استخدام الذرة, وتخصيب اليورانيوم Uranium. وهنا تبدو الخطورة في تنافس كثير من الدول على إنتاج القنبلة الذرية, والصواريخ الموجهة البعيدة المدى, وباقي أصناف الأسلحة الفتاكة, المهلكة للشعوب والحضارات وإن كانت العولمة باختراعاتها, كان من نتائج ذلك تسهيل كل أنواع الاتصالات. فلعل من أضرار ذلك سوء الاستخدام سواء من جهة الأسرار أو الأخبار أو بعض أمور الأمن. وحتى الأطفال حاليًا ينشغلون بالكمبيوتر والانترنت كلون من التسلية وحب الاستطلاع. ويكون لذلك ثأثيره على تحصيلهم الدراسي, بل وعلى أخلاقهم أيضًا, إذ يفتح أذهانهم على أمور تضرهم, أو ينشغلون بروايات وأفلام جنسية تثيرهم وتتعبهم. أو عن طريق هذه الاتصالات السهلة يقعون في علاقات معينة وتتفتح أمامهم أبواب للانحراف ويرى جيل الانترنت والكمبيوتر أن آبائهم على درجة من الأمية إذ ليست لهم نفس معرفتهم ومقدار معلوماتهم. وهكذا لا يوجد تواصل بين الأجيال المتتابعة وإن كان العلم حاليًا في تطور للوصول إلى التليفون الذي ينقل الصورة أيضًا بين المتخاطبين, فما أسهل أن يكون لهذا الأمر ضرره أيضًا من حيث الخوض في خصوصيات من الخطر أن تُعرف... ومن تأثير العولمة أيضًا تطور الآلات: وعلى الرغم من فوائد النمو في صناعة الآلات, إلا أن القاعدة المعروفة هي أنه كلما ازداد استخدام الآلة, كلما ازدادت البطالة, إذ أن الآلة توفر عددًا كبيرًا من العمالة. وهذا له ضرره من الناحية الاجتماعية, وإن كان يفيد من جهة سرعة ووفرة الإنتاج. ولكنه يفيد الرأسمالية بوجه خاص..! وكمثال لذلك: بعد أن كان ريّ فدان من الأرض الزراعية يحتاج إلى ستة من الفلاحين, أصبح استخدام الري بالرش يلزمه حوالي ثلاثة عمال فقط لري عشرين فدانًا. ونفس الأمر في وسائل البناء والنقل... كان استخدام الآلة هو بدء الانقلاب الصناعي في أوروبا. وبكثرة استخدام الآلات انتشرت البطالة في أجزاء كثيرة من العالم. وبدأت تقوم الاصطدامات بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال بقى أن نتكلم عن تأثير العولمة على الحضارة, وتفاعل الحضارات أو اصطدامها. وتأثيرها على الثقافة واللغة, وعلى المبادئ والأخلاقيات والقيم. وتأثيرها على الحرية والديموقراطية, وعلى الأسرة والمجتمع ووضع المرأة سياسيًا واجتماعيًا. وثأثيرها من جهة الإنجاب وبنوك الأعضاء, وموضوع الاستنساخ وتطوره, وموضوع الاستثمار, وكل ما يتعلق بالهجرة فإلى اللقاء في المقال المقبل, لنكمل حديثنا هذا, إن أحبت نعمة الرب وعشنا. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل