المقالات
20 أغسطس 2025
نؤمن برب واحد
ويبدأ بعد ذلك الكلام عن الابن وأول ذلك نؤمن برب واحد يسوع المسيح كلمه رب معناها سيد، ومعناها إله، مثلما نقول في صلواتنا يا رب بمعنى "يا الله"وقد استخدمت كلمه رب في قانون الإيمان بمعنى إله والسيد المسيح أطلقت عليه كلمه (رب)، في الإنجيل المقدس بتعبير يدل على لاهوته مثال ذلك قوله عن يوم الدينونة الرهيب: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟! فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت7: 22-23) واستخدم نفس اللقب (يا رب) في الدينونة واضح في (مت25: 37، 44). قيل له ذلك وهو جالس على كرسي مجده ليدين (مت25: 31) كذلك قال له القديس اسطفانوس في وقت استشهاده أيها الرب يسوع اقبل روحي (أع7: 59). وكذلك استخدم لقب (رب) في مجال الخلق تعبيرًا عن لاهوته. فقال الرسول "ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به" (1كو 8: 6). وقيل أيضًا إنه "رب السبت" (مت 12: 8) وقيل أيضًا أنه "رب المجد" (1كو 2: 8) واستخدم لقب (رب) بالنسبة إلى السيد المسيح في مجالات المعجزة ومن أجمل ما يقال في هذا المجال أن ربنا يسوع المسيح لم يلقب بكلمة رب فقط، إنما أيضًا رب الأرباب (رؤ 19: 16) وتكرر ذلك أيضًا في (رؤ17: 4) "رب الأرباب وملك الملوك" وهذا اللقب خاص بالله وحده كما قيل في سفر التثنية "لأن الرب إلهكم، هو إله الآلهة، ورب الأرباب، الإله العظيم الجبار المهوب" (تث10: 17) ولئلا يظن البعض أن استخدام كلمة (رب) بدلا من كلمة (إله) هو أن السيد المسيح أقل من الآب!! نرد قائلين:
1- قانون الإيمان ذكر اللقبين بالنسبة إلى السيد المسيح رب وإله فكما قيل "نؤمن برب واحد يسوع المسيح" قيل بعدها "إله حق من إله حق" وهذا يذكرنا بقول القديس توما له بعد القيامة "ربي وإلهي" (يو 20: 28).
2- كما أن كلمة (رب) أطلقت على كل من الأقانيم الثلاثة كما أطلقت على الابن أطلقت أيضًا على الآب وعلى الروح القدس فعن الآب قيل "فدخل الملك داود وجلس أمام الرب وقال يا رب من أجل عبدك داود وحسب قلبك فعلت كل هذه العظائم يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك" (1 أي 17: 16، 19، 20) وقيل عن شاول الملك "وذهب روح الرب من عند شاول وبغتهُ روح رديء من قبل الرب" (1صم 16: 4) أنظر أيضًا (أش 61: 1) وفي قانون الإيمان قيل أيضًا عن الروح القدس "الرب المحيي" إن كل واحد من الأقانيم الثلاثة رب وإله.
3- عبارة "نؤمن بإله واحد الله الآب" يمكن أن تفهم بأننا نؤمن بإله واحد، الذي هو الثالوث القدوس ثم بعد ذلك يدخل قانون الإيمان في تفاصيل الثالوث فيقول الله الآب، ثم بعد ذلك رب واحد يسوع المسيح
نؤمن برب واحد يسوع المسيح كلمه يسوع معناها مخلص وقد قيل في البشارة بميلاده "وتدعو أسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت 1: 21) أما كلمه المسيح فتعني رسالته باعتباره ملكًا وكاهنًا ونبيًّا وقد ورد عنه في نبوءة أشعياء "روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلوب لأنادى للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق" (أش 61: 1) وكلمة (مسيح) كانت تُطْلَق على كل من يُمْسَح بالزيت المقدس بواسطة الأنبياء سواءً كان كاهنًا أو ملكًا أو نبيًا
فهارون رئيس الكهنة مسح كاهنا بواسطة موسى النبي حسب أمر الرب له "وتلبس هرون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة، وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي" (خر 40: 13-14) وهكذا فعل موسى "صب من دهن المسحة على رأس هرون ومسحه لتقديسه" (لا8: 12) وكان الملوك أيضًا يمسحون بدهن المسحة كما مسح صموئيل شاول ملكا، فحل عليه روح الرب" (1صم 10: 1، 10) وكما مسح أيضًا داود ملكًا، فحل عليه روح الرب كذلك (1 صم 16: 13 ) ومن أمثله مسح الأنبياء أمر الرب لإيليا النبي "وامسح أليشع نبيًّا عوضًا عنك" (1مل 19: 16) وكان كذلك وكل من هؤلاء الممسوحين كان يدعى مسيح الرب ولما اضطهد شاول الملك داود وأراد أن يقتله ثم وقع في يد داود وأشار أصحاب داود عليه أن يقتل شاول، امتنع عن ذلك وقال "حاشا لي من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب فأمد يدي إليه لأنه مسيح الرب هو" (1صم 24: 6) والسيد الرب لقب هؤلاء بكلمة (مسحائي) وهكذا قال الرب "لا تمسوا مسحائي، ولا تسيئوا إلى أنبيائي" (مز105: 15) أما ربنا يسوع المسيح، فلم يكن مجرد مسيح، أي أحد المُسَحَاء بل كان المسيح وكانوا يسمونه أيضًا (المسيا) وهكذا قالت المرأة السامرية "أنا أعلم أن المسيا الذي يقال له المسيح يأتي فمتي جاء ذاك يخبرنا بكل شيء ( فقال لها: أنا الذي أكلمك هو) (يو4: 25-26) ثم قالت المرأة لأهل السامرة "هلموا انظروا إنسان قال لي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح" (يو4: 29) ولما استمع إليه أهل السامرة قالوا "نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم" (يو4: 42) والسيد المسيح تميز عن كل أولئك المسحاء بأنه "مسح بزيت البهجة أفضل من رفقاءه" (عب 1: 9) وبأنه جمع الوظائف الثلاثة الخاصة بالمسحاء فكان ملكًا وكاهنًا ونبيًا في نفس الوقت كما أنه كان المسيح يسوع أي مخلص العالم اليهود كانوا ينتظرون المسيا (المسيح المخلص) وهكذا أراد القديس يوحنا الرسول بمعجزاته التي انفرد بها أن يثبت أن يسوع هو المسيح فقال في أواخر إنجيله "وآيات آخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو 20: 30-31) وطبعًا هذا المسيح الذي ينتظرونه هو الذي تتركز فيه كل نبوءات العهد القديم ورموزه نلاحظ أن السيد المسيح لم يلقب نفسه باسم يسوع المسيح، إلا في يوم خميس العهد، في حديثه الطويل مع الآب قبل ذهابه إلى بستان جثسيماني (يو 17: 3) أما الآباء الرسل، فقد كرروا هذا اللقب كثيرا في الحديث عنه فكانوا يقولون "يسوع المسيح ربنا" (رو1: 4) "نعمه ربنا يسوع المسيح تكون مع جميعكم" (2كو 13: 14) "يسوع المسيح له المجد إلى الأبد آمين" (رو16: 27 ) "بولس الرسول يسوع المسيح" (2كو 1: 1) والأمثلة كثيرة جدا، لا داعي لحصرها عجيب أن البعض لا يدعو السيد الرب إلا بكلمة (يسوع) ناسيا لاهوته وأمجاده كلها، وربوبيته، وأنه المسيح ولكن الرسل كرروا كثيرًا عبارة "ربنا يسوع المسيح" ونحن نقول في مقدمة قراءة الإنجيل في الكنيسة "ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا ربنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى الأبد، آمين لذلك نرجو إجلالا للرب أننا لا نستخدم مجرد كلمة يسوع نتابع قانون الإيمان إذ يقول نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد.
يسوع المسيح ابن الله الوحيد
عبارة (الوحيد) لتمييزه عن بنوتنا نحن لله. فهو الوحيد الذي هو ابن الله من نفس طبيعته وجوهره ولاهوته وقد وردت عبارة ابن الله الوحيد في الآيات الآتية (يو 1: 18) "الآب لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر" أي أعطَى خبرًا عنه أي عرفنا به، إذ يقول "مَنْ رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9) (يو 3: 16) "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد. لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 18) "الذي يؤمن به لا يدان. والذي لا يؤمن به قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (1 يو 4: 9) "بهذا أظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به (يو 1: 14) "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا. ورأينا مجده كما لوحيد من الأب مملوءًا نعمة وحقًا"، أي باعتباره وحيدًا للآب عبارة (ابن الله الوحيد) تميزه عن جميع البشر الذين دعوا أبناء الله، وهم ليسوا من طبيعته فنحن أبناء الله بمعنى المؤمنين به كما قيل في بدء إنجيل يوحنا "وأما كل الذين قبلوه، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه" (يو 1: 12) أو دعانا الله أبناء له، من فيض محبته لنا وهكذا يقول القديس يوحنا الرسول "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (1 يو 3: 1) أو أن بنوتنا لله هي نوع من التبني. كما قال القديس بولس الرسول "ولما جاء ملء الزمان، أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة، مولودا تحت الناموس، ليفتدى الذين تحت الناموس، لننال التبني" (غل4: 3، 5) أنظر أيضًا (رو8: 23) ولكننا لسنا أبناء من طبيعة الله ولسنا من جوهره الوحيد الذي هو من طبيعة الله ومن جوهره ومن لاهوته هو ربنا يسوع المسيح لذلك دعي أيضًا (الابن) مجرد كلمة (الابن) تعني ابن الله الوحيد وهكذا قيل في إنجيل يوحنا "الله يحب الابن، وقد دفع كل شي في يده الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن، لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 35-36) وقيل في نفس المعنى "لأن الأب لا يدين أحدًا بل قد أعطَى كل الدينونة للابن لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (يو 5: 22-23) وقيل أيضًا "كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضًا يحيي من يشاء" (يو 5: 2) وكلها -كما هو واضح- آيات تدل على لاهوت الابن يؤكد نفس المعنى بلاهوته (عن طريق عبارة الابن) قول الرب في حواره مع اليهود "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو 8: 36 ) وقيل أيضًا "من له الابن، فله الحياة ومن ليس له ابن الله، فليست له الحياة" (1 يو 5: 12) وهكذا قال الرب عن نفسه "كل شيء دفع إليَّ من أبي ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن، ومَنْ أراد الابن أن يعلن له" (لو 10: 22) وبهذا استخدمت عبارة (ابن الله) للدلالة على ربنا يسوع المسيح وحده كما ورد في (1 يو 5: 12). وكما ورد في سؤال السيد المسيح للمولود أعمي "أتؤمن بابن الله؟" فأجاب "مَنْ هو يا سيد لأؤمن به؟" فقال له "قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو" فقال الرجل "أؤمن يا سيد وسجد له" (يو 9: 35 -38) هذه إذن بنوة تستدعي الإيمان والسجود، وليست بنوة عادية كباقي المؤمنين إنها بنوة من جوهره، بنوة الابن الوحيد وكان الجميع يفهمون وصفه ابن الله بهذا المعنى ولذلك في معجزات الصلب، من حيث أن "حجاب الهيكل انشق، والأرض تزلزلت والصخور تشققت قيل" وأما قائد المئة والذين معه فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدًا وقالوا حقًا كان هذا ابن الله" (مت 27: 51 -54) وطبعًا ما كانوا يقصدون بنوة عامة كسائر البشر، إنما بنوة إلهية، تعني أيضًا ابن الله الوحيد وبسبب هذا طوب الرب اعتراف بطرس الرسول لما سأل الرب تلاميذه قائلًا "وأنتم من تقولون إني أنا؟" فأجاب سمعان بطرس وقال "أنت هو المسيح ابن الله الحي" فطوبه الرب قائلًا "طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحمًا ودمًا لم يُعْلَن لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني بيعتي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت 16: 13-18) أي على صخرة الإيمان بأنني ابن الله حتى الشيطان نفسه كان يعرف معني عبارة (ابن الله) وكان يدرك تمامًا أنها لا تدل مطلقًا على بنوة عامة كبنوة سائر المؤمنين، إنما هي بنوة فيها قوة المعجزات لذلك قال له في التجربة على الجبل "إن كنت ابن الله، فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا" (مت 4: 3) ونفس أعوان الشيطان من الأشرار كانوا يفهمون عبارة (ابن الله) بنفس هذا المعنى اللاهوتي المعجزي وهكذا قيل له أثناء صلبه "إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب" (مت 27: 40) ونفس هذه الحقيقة هي التي قصدها مجمع السنهدريم حيث أجتمع رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله في محاكمة الرب وقال له رئيس الكهنة "استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله" (مت 26: 59 -63) فلو يقصد بنوة لله بالمعنى العام، ما كان يستحلفه ليجيب ولما أجاب الرب بالإيجاب وقال له أنت قلت "حينئذ مزق رئيس الكهنة ثيابه قائلًا قد جَدَّف ما حاجتنا بعد إلى شهود" (مت 27: 65) إن الإيمان بأن السيد المسيح ابن الله، يعني ليس فقط أنه أن نتبع هذا الأمر بشيء من التبسيط فتقول إنه قال لليهود "قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن" (يو 8: 56) فهو لاهوتيًا كان قبل إبراهيم من جهة الزمن ومع إنه قد قيل عنه بالجسد إنه "ابن إبراهيم بن داود" الابن الوحيد، بل يحمل صفات أخرى إنها بنوة أزليه، لا ترتبط بزمن، وليس فيها فارق زمني، كما يحدث في البنوة البشرية ولا يعني ما يقوله شهود يهوه وأمثالهم من الأريوسيين إنها بنوة أخذها مكافأة على طاعته، أو أخذها فقط وقت العماد!!
كلا، بل هي بنوة طبيعية، كما يولد الشعاع من الشمس، وكما يولد النور من النار إنها لا ترتبط بزمن، بل كما نقول في قانون الإيمان (المولود من الآب قبل الدهور) هو ابن الله بمعنى أنه اللوجوس أي عقل الله الناطق، ونطق الله العاقل. وعقل الله هو موجود في الله - بطبيعة الله منذ الأزل وبولادة العقل الإلهي من الذات الإلهية، سمي الآب أبًا وهذه البنوة كانت قبل كل الدهور.
المولود من الآب قبل كل الدهور
سنحاول أن نتبع هذا الأمر بشيء من التبسيط فنقول إنه قال لليهود " قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن" (يو 8: 56) فهو لاهوتيًا كان قبل إبراهيم من جهة الزمن ومع أنه قد قيل عنه بالجسد إنه ابن إبراهيم بن داود"، إلا إنه قال "أنا أصل وذرية داود" (رؤ 22: 16) فهو أصله من جهة لاهوته وهو ذريته من جهة الناسوت إذن لاهوتيًّا كان قبله بل أنه قال للآب في مناجاته معه التي سجلت في (يو 17) "مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 5) وكونه كان قبل كون العالم، هو أمر طبيعي، لأن "العالم به كُوِّن" (يو 1: 10) بل إن "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3) وقال عنه بولس الرسول إن الآب "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي به أيضًا عمل العالمين" (عب 1: 2) فخالق العالمين (أي السماء والأرض)، لا بُد أنه كان قبل كل الدهور أي كان منذ الأزل وعن ذلك قال الرب في سفر ميخا النبي عن بيت لحم أفراته "منك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل (مي 5: 2) يخرج من بيت لحم في ميلاده الجسدي ولكنه مولود من الآب قبل كل الدهور، منذ أيام الأزل وهو الذي قال عنه دانيال النبي "تتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان أبدي، ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 14).
نور من نور
نور بالمعنى اللاهوتي، وليس بالمعنى المادي قال عن نفسه "أنا نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة" وطبعًا المقصود بالنور هنا تعبير غير مادي وقيل عن الله "أن الله نور" (1 يو 1: 5) وقيل أيضًا عن الآب "ملك الملوك ورب الأرباب ساكنًا في نور لا يُدني منه، الذي لم يره أحد من الناس.." (1 تي 6: 15-16) إذن الآب نور والابن المولود منه نور من نور ولعل البعض يسأل لقد قال الرب "أنتم نور العالم" (مت 5: 14)، كما قال عن نفسه "أنا نور العالم" (يو 8: 12) فما الفرق إذن في المعنى؟ الفرق يظهر كما في مثال الشمس والقمر وقيل عنهما في قصة الخليقة "فعمل الله النورين العظيمين النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل" (تك 1: 16) هما الشمس والقمر ولكن الشمس نور بذاتها والقمر ليس له نور في ذاته إنما هو ينير بانعكاس نور الشمس عليه هكذا السيد المسيح هو "النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان" (يو 1: 9) أما نحن فنصير نورًا بقدر ما نأخذ منه بنوره نعاين النور هو ينيرنا فننير وهكذا قيل عن يوحنا المعمدان "هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، ليؤمن الكل بواسطته لم يكن هو النور بل ليشهد للنور" (يو1: 7-8) ونحن -في صلاة باكر- نقول للرب "أيها النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان آتٍ إلى العالم"، ونقول أيضًا "أنر عقولنا وقلوبنا وأفهامنا يا سيد الكل" الرب بطبيعته "نور لا يُدني منه" ولكنه لما أخذ جسدا وحل بيننا، استطعنا أن نقترب إليه ماذا يقول عنه أيضًا قانون الإيمان؟ يقول إله حق من إله حق.
إله حق من إله حق
إله حق، أي له طبيعة الله بالحق وليس مثل الذين دعوا آلهة بمعنى سادة، وليسوا هم آلهة بالحقيقة مثل موسى النبي الذي قال له الله "جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) كلمة إله هنا لا تعني أنه خالق، أو أنه أزلي، أو أنه قادر على كل شيء!! كلا، بل إن موسى قال عن نفسه "لست أنا صاحب كلام، لا اليوم ولا أمس ولا أول من أمس أنا ثقيل الفم واللسان" (خر 4: 10) وقال "أنا أغلف الشفتين فكيف يسمع لي فرعون؟!" (خر 6: 30) فقال له الرب "جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) بمعنى سيدًا له ومتسلطا عليه وليس بمعنى أنه إله حقيقي وبنفس الوضع قال الرب لموسى الثقيل الفم واللسان إنه قد أعطاه هرون أخاه، ليكون له فما فقال له "تكلمه وتضع الكلمات في فمه وأنا أكون مع فمك ومع فمه هو يكلم الشعب عنك هو يكون لك فما وأنت تكون له إلها" (خر 4: 15-16) تكون له إلها، بمعنى أن توحي إليه بما تريد أن تقول وليس بمعنى إله حقيقي يخلق فهرون كان أكبر سنا من موسى وكان موجودا قبل موسى
كذلك استخدمت كلمة (آلهة) عن آلهة الأمم، وعن كثير من البشر الذين دعوا أبناء الله فقيل في مزمور 82 "الله قائم في مجمع الآلهة في وسط الآلهة يقضى إلى متى تقضون ظلمًا وترفعون وجه الأشرار"؟! ولا شك أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا آلهة حقيقيين!! ولكنهم تصرفوا كما لو كانوا آلهة! ويقول في نفس الإصحاح "ألم أقل إنكم آلهة وبني العلي تدعون ولكنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون" (مز 82: 6-7) وطبعًا الذين يموتون ويسقطون، ليسوا هم آلهة بالحقيقة، ولكنهم دعوا كذلك أيضًا قيل في المزامير "الرب إله عظيم، ملك كبير على كل الآلهة" (مز95: 3) أي من يسميهم الأمم آلهة، وهم ليسوا آلهة حقيقيين وأيضًا قيل "الرب عظيم وممجد جدًا، مهوب من كل الآلهة لأن كل آلهة الأمم شياطين" (مز 96: 4-5) وقيل في ترجمه أخرى "لأن كل آلهة الشعوب أصنام"، ومع ذلك أخذوا لقب آلهة ليسوا آلهة حقيقيين ولكن السيد المسيح هو إله حق، أي له كل صفات الألوهية فهو أزلي خالق، قادر على كل شيء، موجود في كل مكان، غير محدود فاحص القلوب والكلى، قدوس، رب الأرباب، غافر الخطايا إلى آخر كل تلك الصفات الخاصة بالله وحده وذلك حتى لا أكرر الكلام وحيث تثبت للسيد كل هذه الصفات الإلهية، سواء ما ذكر عنها الإنجيل، أو ما برهنت عنه أعماله إلهية انظر كمثال ( رو9: 5)، (يو 1: 1)، (1تي 3: 16)، (أع 20: 28) وما قيل عنه من حيث هو الأول والأخر (رؤ 1: 8، 11، 17) إلخ.
إله حق من إله حق.
أي أنه إله حق، مولود من الآب الذي هو أيضًا إله حق فكلًا من الآب والابن إله حقيقي له كل صفات الألوهية، وكل قدراتها، وكل المجد والقدرة، إلى أبد الآبدين وليست كلمة (إله) هنا مجرد لقب كما قيل عن آلهة الأمم أو كما قيل عن بعض البشر.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
13 أغسطس 2025
الله ضابط الكل
أي أنه يضبط كل الكائنات لا يخرج شيء عن رقابته وعن تدبيره وعبارة (الكل) تشمل السمائيين والأرضيين، سواء كانت الكائنات العاقلة أو الجامدة، الكل تحت ضبطه كما تشمل أيضًا الملائكة والشياطين ولكن الله من فرط رحمته وحنانه، وهبنا حرية الإرادة وبحرية الإرادة يمكننا أن نطيع أو نعصى وصاياه ولكن أعمالنا كلها تحت ضبطه، مكتوبة أمامه في سفر التذكرة (مل 3: 16) وسوف يحاسبنا عليها يوم يأتي ليجازي كل واحد حسب أعماله (مت16:27) وقد يجازى عليها على الأرض أيضًا، كما سجل لنا الكتاب عقوبات كثيرة لله، منها عقوبة الطوفان (تك6) وعقوبة سادوم وعمورة (تك 19). ومعاقبة قورح وداثان وأبيرام (عد16) ومعاقبته لفرعون مصر بضربات كثيرة، ثم بالغرق في البحر الأحمر (خر16) بل ذكر الكتاب أيضًا معاقبة الله لأحبائه الذين أخطأوا مثل عقوبته لداود (2صم12) الشيطان أيضًا ليس إلها للشر، بل هو مخلوق تحت سيطرة ضابط الكل Pantocrator إن أراد الله أن يوقفه عن العمل، أو يضع له حدودًا لا يتجاوزها فإنه يستطيع ذلك وفي قصه أيوب الصديق، نجد الشيطان يأخذ إذنا بتجربة أيوب ولا يجرب أيوب إلا في الحدود التي يسمح بها الله ففي التجربة الأولى سمح له الله أن يمد يده إلى مال أيوب وبيته، فلم يتجاوز ذلك (أي1) وفي التجربة الثانية سمح له أن يمد يده إلى جسد أيوب، ولكن لا يمس نفسه (أي 2: 6) وكان كذلك في قصه لجيئون، طلب الشياطين من الرب أن يأذن لهم بالدخول في الخنازير "فأذن لهم" (مر 5: 12-13) إذن لم يكن في سلطانهم حتى أن يدخلوا في الخنازير إلا بإذنه ويحكي لنا سفر الرؤيا أن الله أرسل ملاكه فقيد الشيطان ألف سنة وبعدها حله من سجنه (رؤ20: 2، 7) ونرى أن الرب أعطى تلاميذه السلطان أن يخرجوا الشياطين (مت 10:1) وفرح التلاميذ قائلين له "حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (لو 10:17) وقد أعطانا الرب "السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19) والمقصود بالعدو هنا الشيطان إذن لا نخاف من الشيطان، ما دام تحت سيطرة ضابط الكل ولكن لعل إنسانًا يسأل إن كان الله ضابط الكل، فلماذا تحدث كل المتاعب والأضرار في الكون؟! ولقد سأل ارميا النبي سؤالًا مشابهًا، فقال للرب "أبر أنت يا رب من أن لأخاصمك ولكني أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تنجح طريق الأشرار؟! اطمأن كل الغادرين غدرًا" (أر 12: 1) أو كما قال جدعون للملاك "أسألك يا سيدي إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟!" (قض6: 13) نقول إنه ربما تكون للرب حكمة في ذلك، ليعطي البعض بركة من التجربة أو نعمة الاحتمال فيسمح بالتجربة ويكون معنا فيها، كما حدث ليوسف الصديق هنا ونقول إن هناك فرقًا بين إرادة الله وسماحه إرادة الله هي خير مطلق ومع ذلك فهو يسمح للكائنات العاقلة بحرية التصرف في حدود وقد يخطئون ويسببون أضرارا، وهذا كله بسماح من الله وفي كل ذلك فإن الرب يرقب كل تصرفاتهم،ويحاسب ويعاقب كضابط للكل ويصحح وقد يطيل أناته عليهم وقد يتدخل الله، ويوقف عمل الأشرار فحرية الإرادة الممنوحة لهم ليست حرية مطلقة بل هي حرية تحت رقابة ضابط الكل الذي صرخ إليه داود وأصحابه مرة قائلين "حمق يا رب مشورة أخيتوفل" (2صم 15: 31) وفعلا بطلت مشورة أخيتوفل وقد تدخل الرب مرارًا فأنقذ قديسيه من مؤامرات الأشرار وقد تغني داود بهذا فقال "لولا أن الرب كان معنا -حين قام الناس علينا- لابتلعونا ونحن أحياء نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين الفخ أنكسر ونحن نجونا عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز124) لقد تدخل الرب ونجي داود من مؤامرات شاول الملك، ونجي مردخاي من مؤامرة هامان (أش 7: 10) ونجي الكنيسة كلها من الدولة الرومانية وأمثلة تدخل الله لإيقاف مؤامرات الأشرار كثيرة، سواء في الكتاب أو التاريخ.
الله يسمح للظالم أن يظلم ومع ذلك لا يفلت الظالم من يده والرب يحكم للمظلومين سمح الله لشاول الملك أن يظلم داود ولم يفلت شاول من قضاء الله فمات هو وبنوه في جبل جلبوع وقطعوا رأسه، ونزعوا سلاحه. وسمروا جسده على سور بيت شان (1صم 31: 8- 10) وأبشالوم ظلم داود أباه ولم يفلت أبشالوم من قضاء الله ففي الحرب تعلق شعره بالبطمة وضربه موآب بثلاثة سهام في قلبه وهو بعد حي وأحاط به عشرة غلمان حاملوا سلاح يوآب بثلاثة وضربوا أبشالوم ومات (2صم 18: 9- 15) لقد سمح الله أن يقوم قايين على أخيه هابيل ويقتله ومع ذلك لم يترك الله قايين بدون عقاب، فلعنه وتركه تائهًا وهاربًا في الأرض كل من وجده يقتله (تك 4: 10-14) لو قرأنا عن نهاية مضطهدي الكنيسة، لرأينا عجبًا الله ضابط الكل،لا يفلت أحد من مراقبته ومن معرفته ولا يفلت أحد من سلطانه ومن دينونته ومعاقبته ومن معرفته ولا يفلت أحد من سلطان ومن دينونته ومعاقبته..
إنه يضبط كل شيء، ليس الأفعال فقط، بل أيضًا الأفكار والنيات يضبط حتى الجنين في بطن أمه يضبط الخفيات والظاهرات، ما يري وما لا يري فلا تحزن لأجل ضيقات حلت بك الله لا بُد سيتدخل ويقيم العدل على الأرض ويحكم للمظلومين أنه هو الذي عاقب آخاب وايزابل على قتل نابوت اليزرعيلي (1مل 21) ومع ذلك فإن ضيقات كثيرة وبلايا وتجارب وأضرارًا، منعها الله عنا قبل وصولها إلينا، ونحن لا ندري إننا للأسف نشكر فقط على المتاعب المرئية التي ينقذنا الله منها ولكننا لا نشكر على منعه للمتاعب غير المرئية قبل وصولها إلينا، وربما تكون أكثر منعها عنا ضابط الكل أما التجارب والمتاعب التي يسمح بها، فلعله ينطبق عليها قول الكتاب (كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الله) (رو 8: 28) أو قول الكتاب أيضًا "احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2) فإن عرفت أن الله ضابط الكل، اعرف أنه ليس فقط يضبط ما يحدث لك، وإنما أيضًا ما يحدث منك إنه يقرأ أفكارك ويفحص قلبك، يعرف نياتك، وكل مشاعرك وليس شيء خافيًا عليه الذي قال لكل واحد من ملائكة (رعاة) الكنائس السبع (أنا عارف أعمالك) (رؤ 2، 3) إن عرفت هذا، لا بُد أن يدركك الاستيحاء من كل عمل خاطئ تعمله، ومن كل فكر في قلبك الله عالم به وهكذا تخجل من الله ضابط الكل، خالق السماء والأرض.
الله خالق السماء والأرض
كلمه (خالق) هي صفه لله وحده وتعني أنه يوجد مخلوقات من العدم، من اللاموجود أقصى ما يصل إليه العقل البشري أن يكون صانعًا لا خالقًا نعم، هذا الإنسان في قمة ذكائه وعمله ومعرفته هذا الذي صنع سفن الفضاء ووصل بها إلى القمر، والذي نبغ في التكنولوجيا إلى أبعد الحدود إنه مجرد صانع لا خالق صنع كل ما اخترعه، من المادة التي خلقها الله وصنع الإنسان كل ما صنع، بعقل خلقه الله لذلك إن أثبتنا أن السيد المسيح خلق أشياء، إنما بهذا نثبت لاهوته لأنه لا يوجد خالق إلا الله وحده وهنا نسأل حتى في بدء قصه الخلق (في تك1، 2) من الذي خلق هذا الكون؟ هل هو الآب أم الابن؟ ونجيب الآب خلق كل شيء بالابن ما دام الابن هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل، وما دام هو حكمه الله وقوه الله (1كو1: 23،24) إذن الله قد خلق كل شيء بعقله بنطقه بكلمته بحكمته، أي بالابن وهكذا يقول القديس بولس الرسول عن الابن "الذي به أيضًا عمل العاملين" (عب 1:2) "الكل به وله قد خلق" (كو1: 16) ويقول القديس يوحنا في بدء إنجيله "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيئًا مما كان" (يو1: 3) أليس هو عقل الله الناطق والله وعقله كيان واحد فأنت مثلا إن حللت مشكله، هل تكون أنت الذي حللت أم عقلك؟ أنت حللت المشكلة، وعقلك حلها وأنت حللتها بعقلك مادام الله قد خلق كل شيء فكل شيء تحت سلطانه وطبعا الذي خلق من العدم يمكنه أن يقيم من الموت لقد خلق الله السماء والأرض منذ البدء (تك 1: 1).
السماء والأرض
السماء لغة هي كل ما يسمو، أي ما يرتفع وقد أطلقت اصطلاحًا على أعلى ما ترتفع إليه أبصارنا وهنا نسأل هل هناك سماء واحدة أم عدة سماوات؟ ورد في أول آية في الكتاب المقدس "في البدء خلق الله السماوات والأرض" (تك 1: 1) أي أن هناك سموات ونحن نصلي ونقول" أبانا الذي في السموات" (مت6: 9) ويحكي لنا القديس بولس الرسول إنه "أختطف إلى السماء الثالثة" (2كو12: 2) وذكر أن هذه السماء الثالثة هي الفردوس (2كو12: 4) إن كانت الفردوس هي السماء الثالثة، فما هي السماء الأولى والثانية؟ السماء الأولى هي هذا الغلاف الجوى المحيط بالأرض نسميها سماء الطيور أي التي تسبح فيها الطيور كما قيل "كالنسر يطير نحو السماء "(أم23:5) وكذالك الطائرات التي تمخر عباب السماء أما السماء الثانية فهي الفلك الذي توجد فيها الشمس والقمر والنجوم والمجرات وسائر الكواكب ولا تستطيع طائره أن تقترب من الشمس، وإلا فإنها تحترق وإن كانت سفن الفضاء استطاعت أن تصل إلى القمر، فإن مناطق عديدة جدًا في الفلك لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها والحديث عن النجوم والشهب والمجرات، هو حديث مذهل ومبهر، مع أن الإنسان لم يصل إلا إلى قليل من المعرفة في هذا المجال فوق هذه السماوات الثلاث توجد "سماء السموات" وهي التي يوجد فيها عرش الله وعنها قال السيد الرب "لا تحلفوا ألبته لا بالسماء لأنها كرسي الله" (مت5: 34) أي عرشه وهي التي قال عنها لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13) لقد صعد إيليا إلى السماء ولكن ليس إلى هذه "سماء السموات "، الخاصة بالله وحده وقد ذكر سليمان الملك سماء السموات في صلاته يوم تدشين الهيكل فقال للرب "هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت" (1مل 8: 27) وهنا نذكر سماء السموات في التسبحة فنقول مع داود النبي في المزمور "سبحوا الرب من السموات، سبحوه في الأعالي سبحيه يا سماء السموات" (مز148: 1، 4) ومع كل هذه، أطلق على كل هذه السموات، لقب سماء لسموها كلها وارتفاعها. وهكذا قيل في الوصايا العشر عن الراحة في اليوم السابع "لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع" (خر 20: 11) وقيل عنها (صنع) لأنه خلق أولا المادة ومنها صنع هذه السماء التي نراها،وهذه الأرض التي نسكنها وعبارة "خلق الله السموات والأرض" تعني خلقها وكل سكانها تعني أنه خلق السماء وكل الملائكة والأجناد السماوية، وكل صفوفها وطبقاتها وطغماتها الملائكة، ورؤساء الملائكة، والأرباب والعروش والسلاطين" (كو1: 16) والشاروبيم والسارافيم وكل الجمع غير المحصي الذي للقوات السمائية. (وخلق الأرض) تعني أيضًا كل ما عليها خلق الكل: "ما يُرى وما لا يُرى" (كو 1: 16).
الله خالق ما يُرى وما لا يُرى
عبارة "ما يُرى" سهلة الفهم. فماذا تعني عبارة ما لا يرى"؟
المقصود بعبارة ما لا يرى، الذي لا يرى بواسطتنا نحن، بحواسنا البشرية. لذلك لأن حواسنا البشرية ترى المادة فقط أما ما يخرج عن نطاق المادة فلا نراه.
1- فمثلًا من ضمن "ما لا يُرى" الأرواح.
ومن الأرواح: الملائكة (مز104: 4). فملائكة كثيرون يحيطون بنا ونحن لا نراهم. ولكن إذا اتخذ الملاك شكلًا، فنحن نرى هذا الشكل. أما الملاك من حيث طبيعته كروح، فإننا لا نراه. وبنفس الوضع: الشياطين لأنها هي أيضًا أرواح، أرواح شريرة، أو أرواح نجسة (مت10: 1، 8). فهي تحاربنا ولكننا لا نراها. أما إذا ظهر الشيطان في شكل معين، فإننا نراه في هذا الشكل. ولكننا لا نراها بطبيعته كروح أنت أيضًا كإنسان: فيك ما يرى وهو الجسد، وما لا يرى أي الروح التي لا نراها وهي تخرج من الجسد وقت الموت. أما إذا ظهرت لنا روح قديس (في معجزه مثلًا). فلا بُد أن يتخذ القديس شكلًا تدركه حواسنا المادية..
2-هناك أيضًا أشياء دقيقة جدا أو بعيدة جدا، لا تستطيع أبصارنا المادية أن تراها، ولكنها ترى بأجهزة.
مثال ذلك الميكروبات التي لا ترى بالعين المجردة، ولكن يمكن أن نراها بالميكروسكوب أو بأجهزة أخرى. نشكر الله أن بصائرنا لا تراها، وإلا ما كنا نستطيع أن نعيش، وبخاصة في أجواء يكثر فيها التلوث. حتى الهواء مملوء بذرات. من حسن حظنا أننا لا نراها. أشياء أخرى بعيدة، لا نراها بسبب بعدها. ولكن يمكن رؤيتها بأنواع من التيلسكوبات telescopes. وبخاصة بالنسبة إلى الأجرام السماوية وما فيها. ومركبات الفضاء استطاعت أن ترى في رحلاتها ما لم يكن يرى من قبل ولكن ما رأته الأقمار الصناعية ومكوكات الفضاء هو شيء ضئيل جدًا جدًا من عالم الفلك الذي تدخل تفاصيله في نطاق ما لا يرى.
3- هناك أشياء أخرى لا ترى حاليا، لأنها مخفاة. ولكن بعضها يمكن أن نراه بطرق الكشف:
مثال ذلك كل ما يوجد في باطن الأرض من المعادن، التي بعض منها أمكننا أن نراه بوسائل الاستكشاف العديدة والحفروهكذا أمكننا أن نستخرج من باطن الأرض ومن صخورها الذهب والنحاس والمنجنيز والماس، وما إلى ذلك مما كان لا يرى من قبل. يضاف إلى ذلك ما كشف عنه البحث من آبار البترول والغاز الطبيعي. كذلك ما لم يكن يرى في أعماق البحار، وأمكن استخراجه. وأصبح الآن يرى. وكان قبل ذلك لا يرى. يمكننا أن نضيف إلى هذا البند أيضًا أشياء كانت في جوف الإنسان لا ترى. أصبحت ترى بواسطة الأشعة والكاتسكان والـMRI وغير ذلك من الأجهزة الطبية.
4- هناك خواص أوجدها الله في طبيعة الإنسان، وهي لا ترى. ولكن عملها يظهر.
مثال ذلك العقل: أنت لا تراه، ولكن عمله يظهر ويدل عليه. والضمير أيضًا لا نراه، ولكن عمله يدل عليه.
5- كذلك المواهب التي يمنحها الله للإنسان.
أنت لا ترى الموهبة، ولكنك ترى عملها.. فالله قد يهب بعض الناس الحكمة أو الإيمان (1كو 12) ونحن لا نرى الحكمة ولا الإيمان. ولكن نرى عملهما الذي يدل على وجود كل منهما إلى هنا ينتهي الجزء الخاص بالآب في قانون الإيمان.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
06 أغسطس 2025
قانون الإيمان
قانون الإيمان (دستور الإيمان) هو أساس عقيدتنا المسيحية وتؤمن به كل الكنائس المسيحية في العالم أجمع والذين لا يؤمنون به لا يعتبرون مسيحيين كشهود يهوه والسبتين ومن اهتمام الكنيسة بقانون الإيمان، جعلته جزءًا في كل صلوات الأجبية بالنهار والليل لأن الإيمان هو عنصر أساسي في حياتنا الروحية وليس فقط في معتقداتنا لذلك رأينا أن نصدر هذا الكتاب، ليكون تفسيرًا موجزًا ومركزًا لقانون الإيمان يدرس في الكلية الإكليريكية بكل فروعها في مصر والمهجر، ويدرس في مدارس اجتماعات الشباب وقانون الإيمان يشمل عقائد متعددة: مثل التثليث والتوحيد ولاهوت الابن ولاهوت الروح القدس، والتجسد والفداء، المعمودية، وحياة الدهر الآتي وبهذا فإن الدارس له يكون مستوعب عددًا كبيرًا من العقائد الإيمانية وكانوا يدرسونه قديمًا لفصول قبل عمادهم.
الحقائق الإيمانية الأساسية في قانون الإيمان موجودة من قديم الزمان عاش المسيحيون بها في الأجيال الثلاثة الأولى ووجدت صيغ منها في قوانين الرسل أبوليدس وبعض أقوال الآباء الأول وأهمية قانون الأيمان هو أن جميع كنائس العالم المسيحي تؤمن بقانون إيمان واحد تقره جميع الكنائس ولذلك كان لا بُد أن يضعه مجمع مسكوني يضم ممثلي كل الكنائس المسكونة.
القانون الذي بين أيدينا صيغ في مجمع نيقية المسكوني سنة 325 م وهو أول المجامع المسكونية وذلك ردًّا على البدعة الأريوسية التي أنكرت لاهوت المسيح وكان يمثل الكنيسة القبطية في ذلك المجمع البابا ألكسندروس بابا الإسكندرية التاسع عشر ومعه شماسه أثناسيوس الذي قام بصياغة كل بنود القانون وَأُضيفَ الجزء الخاص بلاهوت الروح القدس في مجمع القسطنطينية المسكوني الذي عقد سنة 381 م. ردًا على مقدونيوس الذي أنكر لاهوت الروح كل كنائس العالم -وإن اختلفت في بعض العقائد- تؤمن بكل بنود قانون الإيمان هذا وأية طائفة لا تؤمن بكل ما في قانون الإيمان لا تعتبر مسيحية مثل شهود يهوه والسبتيين الذين يؤمنون بالكتاب المقدس بعهديه (حسب ترجمه خاصة بهم) ولكنهم لا يؤمنون بكل العقائد المسيحية التي وردت في قانون الإيمان ويشمل قانون الإيمان الحقائق الإيمانية الأساسية وهي:
1 - وحدانية الله، إذ يبدأ بعبارة "بالحقيقة نؤمن بإله واحد".
2- عقيدة الثالوث القدوس. ولاهوت كل أقنوم وعمله.
3- عقيدة التجسد والفداء والخلاص.
4- عقيدة المعمودية لمغفرة الخطايا.
5- عقيدة قيامة الأموات، والحياة الأخرى في الدهر الآتي.
6- عقيدة المجيء الثاني للمسيح، حيث تتم الدينونة.
7- الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية.
وسوف نتناول كل فقرات قانون الإيمان لشرحها واحدة فواحدة.
بالحقيقة نؤمن
والإيمان يشمل الاعتقاد والثقة والاقتناع القلبي والتسليم الكامل عقلا وقلبًا وقد عرفه القديس بولس الرسول " بأنه الثقة بما يُرْجَى، والإيقان بأمور لا ترى" (عب 11: 10) فنحن نؤمن مثلا بالمعجزة وليست هي ضد العقل بل هي مستوى أعلى من مستوى العقل وسميت معجزة لأن العقل يعجز عن تفسيرها إلا بأن الله صانعها إنه يقبلها حتى إن كان لا يفهمها وفي حياتنا العملية من جهة العلم مثلا ومخترعاته الحديثة توجد أشياء يقبلها العقل وإن كانت كثير من عقول الناس لا تفهمها ولا تستوعبها. ليس كل إنسان يفهم مثلًا ما هي الكهرباء واللاسلكي. ولكنة يقبل ذلك دون أن يفهمه. ولا كل إنسان يفهم كيف يعمل على الكومبيوتر. ولكنه يقبله..
الإيمان لا يتعارض مع العقل. ولكنه مستوى أعلى منه.
فنحن جميعًا نؤمن بوجود الروح كسبب لحياة الإنسان، دون أن نراها. فإذا حدث أن إنسانًا فارقته روحه يموت. العقل يقبل هذا، ولكنه لا يدرك كنه الروح. ولا يستطيع أن يعرف كل التفاصيل الخاصة بها. مثل شكلها ومعرفتها ومصيرها. ولكنه يقبل ما يقوله الإيمان عنها قيامة الأجساد نقبلها بالإيمان. دون أن يدرك العقل كيف تتم؟ وكيف تعود الأجساد بعد أن تتحول إلى تراب. لا نفهم ذلك. وليس من المهم أن نفهم. إنما المهم أن نقبل ذلك بالإيمان.
العقل يقبل ما يسلمه الإيمان لنا.
الإيمان يوصلنا إلى مرحلة أعلى من العقل. ثم يأخذ العقل هذه المرحلة ويشرحها. والأمور التي هي فوق العقل، يتسلمها الإيمان من الوحي، من الكتب المقدسة، حسبما كلم الله الأنبياء.
نؤمن
أي أنه ليس مجرد إيمان ورثناه عن آبائنا لأنهم كانوا مؤمنين، ولا عن أمهاتنا. وإنما نحن نؤمن بالحقيقة، باقتناع قلوبنا. بكل حق وبكل صدق. والإيمان يحتاج إلى تسليم، وبساطة. بعض الناس كبرت عقلياتهم ففقدوا بساطة الإيمان! الطفل يؤمن، لأنه لم يصل إلى مرحلة الشك التي تسأل عن كل شيء، وتجادل في كل شيء. تعلمه الصلاة فيصلي معك، ويكلم الله في صلاته، دون أن يسألك: من هو هذا الإله الذي أكلمه وأنا لا أراه لذلك أنا أتعجب من البروتستانت الذين يقولون: لا نعمد الطفل لأنه غير مؤمن. ليتكم لكم إيمان الأطفال!! عجيب أن ينمو العقل على حساب الإيمان. وكلما ينمو، يشك ويناقش.. لذلك من الأفضل أن نغرس كل قواعد الإيمان في نفس الطفل منذ حداثته. الطفل الذي يكون الإيمان عنده أقوى من العقل، أو الإيمان عنده يسبق العقل في درجاته.
مسكين العقل الذي يعيش بدون إيمان.
في إحدى المرات كان أحد الفلاسفة الملحدين سائرًا، فمر على مزرعة، ورأى فلاحًا راكعا على الأرض ورافعا يديه إلى فوق، يصلي بكل حرارة. فتعجب الفيلسوف وقال: أنا مستعد أن أتنازل عن فلسفتي، لمن يعطيني إيمان هذا الفلاح البسيط، الذي يكلم كائنا لا يراه..! وبكل حرارة ومن كل قلبه..
بالحقيقة نؤمن.. نؤمن بماذا؟
نؤمن بإله واحد.
نؤمن بإله واحد
إننا نؤمن بالثالوث القدوس، ومع ذلك نؤمن بإله واحد. وحينما نقول "باسم الأب والابن والروح القدس، نقول بعدها "إلهٌ واحد أمين" والإيمان بإله واحد، هو في أول وصية من الوصايا العشر، إذ يقول الرب "أنا الرب إلهك.. لا تكن لك آلهة أخرى أمامي" (خر20:3) (تث5: 6-7). وما أكثر الآيات الخاصة بوحدانية الله في سفر أشعياء النبي، إذ يقول "أنا الرب وليس غيري. قبلي لم يصور إله، وبعدى لا يكون" (أش 44: 6، 9) (أش 46: 9) (أش 48: 12).
والعهد الجديد يتحدث أيضًا عن التوحيد.
فيقول "الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ." (1 يو 5: 7). وفي رسالة يعقوب الرسول "أنت تؤمن بإله واحد. حسنا تفعل، والشياطين أيضًا يؤمنون ويقشعرون" (يع 2: 19). ويقصد هنا الإيمان العقلي وليس القلبي والفعلي. فالذي لا يؤمن بإله واحد هو في مستوى من الإيمان أقل من الشياطين! والسيد المسيح حينما قال ".. وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدوس" (مت 28: 19)، قال باسم وليس بأسماء..
نحن لا نؤمن بتعدد الآلهة، إنما بإله واحد.
فإن قال أحد كيف يكون الثلاثة واحدًا؟! أليس الحساب يقول إن 1+1+1=3 وليس واحدًا. نقول: ولكن 1 ×1×1 =1 وليس ثلاثة. فالابن مثلًا يقول أنا في الآب والآب في (يو10: 14) ويقول "أنا والآب واحد" (يو10: 30) نحن لا نشرك بالله. لا نجعل له شريكا في لاهوته
والثالوث القدوس لا يعني تعدد الآلهة. وإنما يعني فهم التفاصيل في الذات الإلهية الواحدة.
فالله له ذات إلهية، وعقل، وروح. والله بعقله وروحه كيان واحد. كما أن الإنسان الذي خلق على صورة الله، له ذات بشرية وعقل وروح، والثلاثة واحد. كذلك النار: نلاحظ فيه ذات النار، وما يتولد منها حرارة وما ينبثق منها من نور. والنار وحرارتها ونورها كيان واحد. وكذلك الشمس بحرارتها ونورها كيان واحد. الآب هو الذات الإلهية، والابن هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل، هو حكمة الله (1كو23، 24). والروح القدس هو روح الله. وواضح أن الله وروحه كيان واحد. والله وعقله كيان واحد..
والذي يؤمن بتعدد الآلهة، يتعارض مع المنطق في فهم اللاهوت.
فإن كان هناك عدد من الآلهة، فمن منهم الأقوى. إن كان واحد منهم أقوى يكون هو الله، والباقيان ليسا إلهين وإن كان الكل في قوة واحدة، يكون كل منهم محدود بقوة الآخرين. أي يقوى على كل الكائنات، ما عدا من يشاركه في الألوهية. وهكذا لا يكون أحد من هذه الآلهة إلهًا، لأنه لا يوجد واحد منهم قادرًا على كل شيء ونفس الوضع بالنسبة إلى الخلق: إن وجد عدد من الآلهة، فمن منهم الخالق؟ إن كان واحد منهم هو الخالق وحده، يكون هو الله، والخليقة كلها تتبعه لأنه هو خالقها، ولا تكون الآلهة الأخرى آلهة.. وإن كان هذا الخالق هو خالق الكل، فهل خلق باقي الآلهة؟ إن كان قد خلقهم، لا يكون آلهة. وإن كان لم يخلقهم، تكون قدرته على الخلق محدودة بباقي الآلهة. وإن كان هو محدودًا، لا يكون إلهًا. وهكذا في تطبيق باقي الصفات الإلهية.. ونخرج بنتيجة منطقية حتمية، وهي الإيمان بإله واحد. بالحقيقة نؤمن بإله واحد، الله الأب:
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
30 يوليو 2025
أبانا الذي
إن الصلاة الربية هي صلاة مثالية نموذجية تحمل الكثير من المعاني الروحية:
لو دخل المصلي إلي أعماقها،وأدخلها إلي أعماقه لأمكنه أن يكتفي بها دون أية صلاة أخري هذا إذا صلاها بفهم وتأمل وعمق أما إذا صلاها بسرعة روتينية،ولم يشعر بروحانية الصلاة يكون العيب في السرعة والروتينية، وليس في هذه الصلاة يكفي أنها تسمي الصلاة الربية، لأن الرب علمنا إياها ففي عظته علي الجبل التي تعتبر دستورًا للمسيحية، قال "صلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات" (مت 6: 9- 13) وفي إحدى المرات سأله واحد من تلاميذه قائلًا "علمنا يا رب أن نصلي، كما علم يوحنا تلاميذه. ولاشك أن التلاميذ كانوا يصلون، ويعرفون كيف تكون الصلاة. ولكن السؤال كان يحمل معني معرفة الصلاة المثالية. فقال لهم الرب "متى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السموات.." (لو 11: 1 –4) وعبارة "متى صليتم فقولوا" جعلتنا نقول هذه الصلاة باستمرار بها نفتتح كل صلاة طقسية، وكل صلاة من صلوات الأجبية، وكل صلواتنا الخاصة وبها نبدأ كل اجتماع، وبها نختمه ولسنا نحن فقط الذين نستخدم صلاة "أبانا الذي"، بل كل كنائس العالم أيضًا مادام الله قد علمنا هذه الصلاة، إذن فهي توافق مشيئته كثيرًا ما نصلي صلوات نعبر فيها عن أفكارنا ورغباتنا ومشيئتنا الخاصة، ولا ندري هل توافق مشيئة الله أم لا أما في الصلاة الربية، فإننا نخاطب الله بكلماته هو، بطلبات علمنا هو أن نقدمها. فهي موافقة تمامًا لمشيئته الإلهية وهكذا نصليها ونحن مطمئنون وواثقون أننا لا نطلب من الله إلا ما يريد هو أن نطلبه هذه الصلاة تشتمل علي سبع طلبات الثلاثة الأولي خاصة بالله، والباقية خاصة بنا وكما أنه في الوصايا العشر التي كتبها الله بإصبعه (خر 31: 18) كان اللوح الأول خاصًا بالوصايا تجاه الله، وكان اللوح الثاني خاصًا بالوصايا المتعلقة بمعاملات البشر والبشر ذلك لأن العلاقة بالله أهم وإن استطعنا أن نكون في علاقة طيبة مع الله فإننا سنكون بالتالي وبالضرورة في علاقة طيبة مع الناس وهكذا الصلاة التي علمنا إياها الطلبات الثلاث الأولي منها خاصة بالله ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك أما الطلبات الأربع الأخيرة فهي خاصة بنا "خبزنا أعطنا" اغفر لنا ذنوبنا لا تدخلنا في تجربة نجنا من الشرير.
تعلمنا هذه الصلاة، أن الله ينبغي أن يكون أولًا.
نحن نطلب قبل كل شيء من أجل أن يكون اسم الله مقدسًا بين الناس، وأن تكون مشيئته نافذة، وملكوته قائمًا فهذا هو المهم بغض النظر كانت طلباتنا أو لم تكن نطلب أولًا ملكوت الله وبره (مت 6: 33) إننا إن أحببنا اسم الله ومشيئته وملكوته، فلابد أن أمورنا الخاصة ستتحسن، وباقي طلباتنا تستجاب وكل هذه تُزاد لنا، حتى دون أن نطلب.. إن الله هو الأول في الوصايا العشر، والأول في الصلاة الربية وكذلك هو الأول في الطاعة، لأنه " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29) وإن كان هناك ما يرضي الناس علي حساب طاعة الله، فالله يفضل حتى لو غضب الناس وفي ذلك يقول الرسول " إن كنت بعد أرضي الناس، فلست عبدًا للمسيح" (غل 1: 10) هذا الذي قال "مَن أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني" (مت 10: 37) والله أيضاَ الأول في الحب فقد قال " تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك هذه هي الوصية الأولي والعظمي" (مت 22: 37-38) وطبيعي إن كان الإنسان يحب الله من كل قلبه، فلابد أنه بالتالي سيحب قريبه نحب الله ومشيئته وملكوته، ثم بعد ذلك نطلب لأنفسنا.
ونحن في الصلاة، نطلب من الله وليس من البشر فقد قال الكتاب [ملعون مَن يتكل علي ذراع بشر] (أر 17: 5) ويقول المزمور "الاتكال علي الله خير من الاتكال علي البشر الرجاء بالرب خير من الرجاء بالرؤساء (مز 117) في كل احتياجاتنا نتجه إلي الله نرفع إليه قلوبنا قبل أيدينا "لأن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة، إنما هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار" (يع 1: 17) الله مصدر كل خير هو يريد أن يعطي، وهو قادر أن يعطي وهو وحده الذي يعطي وليس البشر وفي بعض صلوات الكنيسة نكرر عبارة "من الرب نطلب" حتى العطايا التي نأخذها من الناس، إنما نأخذها من الله عن طريقهم هو الأصل هو الذي أعطاهم ما يعطونه لغيرهم. وهو الذي وضع في قلوبهم أن يعطوا لذلك فنحن نطلب منه كل طلباتنا كذلك فإن العطية التي نأخذها من الله، نضمن أنها سليمة وصالحة ثم نقول بعد طلباتنا "بالمسيح يسوع ربنا" ذلك لأن الرب قال لتلاميذه "كل ما طلبتموه من الآب باسمي يعطيكم إلي الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو 6: 23-24) وقال أيضًا" لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي" (يو 15: 16) وكرر عبارة "تطلبون باسمي" في (يو 16: 26) فنحن لذلك نقدم كل طلباتنا باسمه ونختم هذه الصلاة الربية بتمجيد لائق بالله هذا الله المعطي، نتجه إليه كأب ونقول له: "يا أبانا"..
أبانا إننا نكلم الله في هذه الصلاة ليس كملك أو خالق إنما نكلمه كأب لقد بدأ السيد المسيح يدخل الناس في عاطفية الصلاة ومشاعر الصلاة الابن يكلم أباه وليس المخلوق يكلم خالقه أو العبد يكلم سيده نحن نكلم الله كأب ومن هنا كانت الصلاة حديثًا عاطفيًا بين ابن وأبيه في غير استجداء أو توسل فإذا خرجت صلواتكم عن هذا المستوي تكونون قد خرجتم عن روحانية الصلاة الربانية لقد علمنا السيد أن نخاطب الله كأب ونتذكر أن علاقتنا بالله ليست علاقة عبودية أو مجرد علاقة مخلوقات بخالقها، إنما هي علاقة أبناء بأبيهم والله نفسه يفضل أن يدعي أبًا، ويسمينا أبناء ونحن في صلاتنا إنما نطلب من الله، بدالة البنين.
وأبوة الله لنا معرفة منذ القدم.
فقد قيل في مقدمة قصة الطوفان "أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ" (تك 6: 2) بنات الناس من نسل قايين القاتل أما أبناء الله فهم نسل شيث الذي أنجبه آدم بعد مقتل هابيل (تك 4: 25-26) "حينئذ ابتدئ أن يدعي باسم الرب"، أم أبناء قايين فلم يدخلوا في النسب الإلهي وفي سلسة أنساب السيد المسيح قيل " ابن أنوش بن آدم ابن الله" (لو 3: 38). وهذا يدل علي أن آدم دعي ابن الله كل مؤمن بالله، يسميه الله ابنًا (يو 1: 12) وهكذا يوجه إليه الوصية قائلًا "يا ابني أعطني قلبك" (أم 23: 26) وفي سفر أشعياء النبي يكرر هذه العبارة فيقول لله "فإنك أنت أبونا أنت يا رب أبونا" (أش 63: 16) والآن يا رب أنت أبونا وكلنا عمل يديك (إش 64: 8).
العجيب أنه حتى الخطاة، لا يتخلَّى الله عن أبوته لهم هكذا يقول في أول سفر أشعياء النبي "ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا عليَّ" (أش 1: 2) أنهم بنون، علي الرغم من كونهم عصاه! ولعل هذا يذكرنا بقول الرب "ابني هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالًا فوجد" (لو 15: 24) كان ميتًا وكان ضالًا ومع ذلك كان لا يزال ابنًا! وأبوة الله لنا، ركز عليها السيد المسيح كثيرًا في العهد الجديد وقال لنا الله " أبوكم السماوي".
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب أبانا الذي في السموات
المزيد
23 يوليو 2025
روحانية الصلاة
ما أجمل أن يصلي الإنسان إنه يشعر في صلاته إنه قد انتقل من مستوى الأرضيين إلي مستوي السمائيين، لكي يشارك الملائكة في طقسهم إن الصلاة شرف عظيم لا نستحقه فنحن بها ندخل في عشرة مع الله، ونذوق وننظر ما أطيب الرب وفيها تكون أذنا الرب ملتصقة بأفواهنا ما هي الصلاة أذن..؟
1 - الصلاة في معناها البسيط هي حديث الله؟
ولكن هل هي حديث اللسان، أم هي حديث القلب؟ لاشك أنها حديث القلب ولذلك فإن السيد المسيح وبخ الذين يصلون بشفاههم فقط، وذكرهم بقول الكتاب "هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مر 6:7) إذن الصلاة ليست مجرد كلام، ولا مجرد محفوظات أو تلاوات.
2- أنما الصلاة -من الناحية الروحية- اشتياق إلي الله.
وفي هذا يقول داود النبي "كما يشتاق الإيل إلي جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله عطشت نفسي إلي الله، إلي الإله الحي متى أجيء وأتراءى قدام الله" (مز 42: 1،2) ويقول أيضًا "يا الله أنت إلهي، إليك أبكرعطشت نفسي إليك" (مز 63: 1) كلما تشتاق نفسك إلي الله، وتكلمه عن شوق، تشعر أنك تكلمه من قلبك، وتستفيد من الصلاة.
3 - لآن الصلاة ليست مجرد اشتياق، إنما اشتياق صادر عن حب.
فالصلاة تبدأ أولًا في القلب حبًا، ثم ترتفع إلي الذهن أفكارًا، ثم ينطق بها اللسان ألفاظا هي أصلا حب يقول فيه المرتل "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119) من محبته لله، اسم الله لاصق بعقله، لاصق بقلبه، هو طول النهار تلاوته بل يقول له أيضًا "باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما شحم ودسم" (مز 4:63).
4 - فالصلاة هي إذن شبع روحي بالله:
كما يتغذى الجسد بالطعام، تتغذى الروح بالوجود في حضرة الله وبالحديث مع الله، وبالصلة القلبية مع الله إن كنت تصلي ولا تشعر بشبع، فأنت في الواقع لا تصلي كما تسري نقطة الماء في النهر إلي أن تصب في البحر الكبير وتندمج فيه، هكذا قلب الإنسان يسري في الصلاة إلي أن يتحد بقلب الله،و أول وسيلة لذلك هي الصلاة لذلك قيل:
5 - ان الصلاة هي جسر ذهبي، يصل بين المخلوق والخالق.
أنها تذكرنا بسلم يعقوب الواصل بين السماء والأرض، يصعد عليه الملائكة، يوصلون الصلوات، وينزلون باستجابة الله.
6 - قيل أن الصلاة هي عمل الملائكة، أو هي أنشودة الملائكة.
تصوروا السارافيم وقوفًا أمام العرش الإلهي يقولون "قدوس قدوس قدوس" (أش 6) وترتوي بهذا نفوسهم هذه هي الصلاة. صدقوني إن كثيرين يقولون إنهم يتحدثون إلي الله، بينما في الواقع هم لا يصلون لأنه حديث لا مشاعر فيه ولا عواطف، ولا صلة.
7 - لذلك الصلاة هي صلة مع الله:
وهكذا تشعر بالوجود في الحضرة الإلهية تشعر بوجود الله، وبوجودك مع الله، وبالصلة بينكما البعض يظنون الصلاة مجرد ألفاظ ينتقونها وينمقونها، بينما لا توجد بينهم وبين الله صلة أريد أن اضرب لكم مثلا لنفرض أن أمامنا لمبات كهربائية قوية جدًا، ونجفات جميلة، وكشافات، ومع ذلك هي ليست متصلة بالتيار الكهربائي فما قيمتها إذن؟ وما فائدتها للإنارة؟! لا شيء كذلك في صلاتك لابد أن تشعر بهذا التيار يجري في عروقك..
8 - تشعر بلذة في الوجود مع الله. تري الصلاة متعة روحية.
وهكذا إن بدأت الصلاة، لا توجد قدرة علي إنهائها كلما تريد أن تختم صلاتك، لا تستطيع بل تقول له "دعني أبقي معك فترة أخري يا رب لا أريد أن أفارقك لا أريد أن اقطع حديثي معك" وتتشبه بعذراء النشيد التي قالت "أمْسَكْته ولم أرخه" (نش 4:3).
9 - هذه الصلاة هي تنقية للقلب..
مع الصلة مع الله يتطهر القلب، ويستحي الذهن أن يتقبل أية فكرة خاطئة أو يتعامل معها يقول لنفسه "كيف أفكر في هذا الأمر، وأنا الذي كان كل فكري مع الله؟! "وهكذا تراه يصد كل فكر خاطئ يأتي إليه بل أن الصلاة تجعله يزهد هذا العالم وكل ما فيه كما قال الشيخ الروحاني "إن محبة الله غربتني عن البشر والبشريات" أي جعلتني غريبا عنها، لأني صرت من وطن آخر سمائي سئل القديس يوحنا الأسيوطي مرة "ما هي الصلاة الطاهرة؟!" فقال " هي الموت عن العالم " أي أن الإنسان الذي ينشغل قلبه مع الله بالتمام في الصلاة، يكون العالم ميتًا بالنسبة إليه لا يحيا فيه هو يصلي والعالم لا وجود له في زمنه لا يحس بهذه الدنيا وما فيها..
10 - الصلاة شرف بالنسبة إلي الإنسان، وتواضع بالنسبة إلي الله:
فمن نحن التراب والرماد، حتى نتحدث إلي الله ملك الملوك ورب الأرباب؟! حقًا إن هذا شرف عظيم بالنسبة إلينا، لا نستحقه وهو تواضع من الله إذ يتحدث إلينا بينما قد نجد صعوبة في التحدث إلي بعض عبيده من البشر!!
11- الصلاة هي اخذ وليست عطاء..
احذر من أن تفكر في وقت من الأوقات، أنك حينما تصلي، إنما تعطي الله وقتًا، وتعطيه مشاعر! ولذلك تعتذر عن الصلاة أحيانًا وتقول "ليس لدي وقت !" كلا، بل أنت في الصلاة تأخذ من الله الكثير، تأخذ بركة، وعشرة طيبة، ومتعة روحية، وهبات لا تحصي وهكذا نقول لله في القداس "لست أنت محتاجًا إلي عبوديتي، بل أنا المحتاج إلي ربوبيتك" أنا المحتاج أن أخذ منك حينما أصلي يريحني ويسعدني مجرد الشعور بأنني في حضرتك الشعور بالأمان في حضرة الله القوي والمتحنن والرحيم في حضرة الآب الذي يحب أولاده، ويمنحهم من قلبه ومن عطفه.
12 - الصلاة هي أغنية نقدمها إلي الله من قلوب سعيدة به.
داود النبي حينما كان يغني مزاميره، لم يكن يصلي بالمزمار فقط بل أحيانًا بالعود، وبالقيثارة، والعشرة الأوتار وأحيانًا معه جوقة عجيبة من المغنين والموسيقيين، يستخدمون هذه الآلات الموسيقية، وأيضا البوق والصنج والصفوف والدفوف وباقي آلات العزف الكل معًا يغنون للرب أغنية جديدة، في فرح بالرب كما حدث مع مريم النبية أخت موسى وهرون، إذ أخذت الدف في يديها، وخرجت وراءها النساء بدفوف ورقص، وهي تقول "رنموا للرب، فإنه قد تعظم.." (خر 15: 20،21) حقًا ما أجمل أن تكون الصلاة أغنية يقول الرسول "بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب" (أف 5: 19)..
13 - إذن فالصلاة هي وقت فرح بالرب:
وهكذا نجد غالبية صلواتنا ملحنة ومنغمة ولها موسيقاها، تغني بها للرب أغنية جديدة وبالمثل صلاة القداس الإلهي، هي أيضا أغنية روحية مرتلة وكذلك صلوات الإبصلمودية وكل التسابيح حتى قراءة المزمور والإنجيل أثناء القداس الإلهي هو أغنية نقدمها إلي الله إنها قلوب فرحة بالرب،تقف أمامه وتغني لا نضرب علي أوتار عود، بقدر ما نضرب علي أوتار قلوبنا فالألحان عندنا هي صلاة، والصلاة هي لحن، هي أغنية كلما نوجد في حضرة الله، تمتلئ قلوبنا فرحًا بالرب، ونغنى له في كل المناسبات بكل عواطفنا حتى في مناسبات الحزن، نغني أيضًا في حضرة الرب بأسلوب الحزن، إنما هي عواطف مقدمة لله قديمًا كان كل مزمور له لحن، مثل المزامير الأخيرة التي تكون الهوسات الثاني والثالث والرابع هذا هو العنصر العاطفي في الصلاة وهنا نذكر ان الصلوات المقبولة لها صفات:
صفات الصلاة المقبولة
ليست كل صلاة مقبولة أمام الله فهناك صلوات رفضها، مثل صلوات المرائين، وصلوات قساة القلوب الذين قال لهم "حين تبسطون أيديكم، أستر عيني عنكم، وإن أكثرتم الصلاة، لا أسمع أيديكم ملآنة دمًا" (أش 1: 15) فما هي صفات الصلاة المقبولة إذن؟
1 - ينبغي أولًا أن نصلي بفهم:
بحيث كل كلمة تقولها في الصلاة، تكون فاهما لمعناها، كل كلمة تقولها لها عمقها عندك كل كلمة في صلاتك، يشترك فيها اللسان مع العقل، والقلب، والمشاعر، والجسد يشترك فيها الإنسان كله كما نقول في بعض صلواتنا " قلبي ولساني، يسبحان القدوس" فالصلاة ليست مجرد كلام بل لسانك يتحدث، وعقلك مركز في الكلام ومعانيه،وتشترك بمشاعرك وكل قلبك،وروحك تقود العملية كلها
2 – وأيضا يشترك جسدك وتشترك حواسك في الصلاة:
جسدك يشترك بالركوع، بالسجود، بالخشوع، برفع اليدين، ورفع النظر إلي فوق وجمع الحواس، فلا يتشتت السمع والبصر هنا وهناك، ولا تتشتت الحركات، بل يكون الإنسان ثابتًا، باحترام شديد في صلاته يعرف أمام من هو واقف إن الشاروبيم والسارافيم وهم يقفون أمام الله، بجناحين يغطون وجوههم، وبجناحين يغطون أرجلهم، من هيبة الله الذي يقفون أمامه فكم بالأولي نحن إن الأب الكاهن في صلاة الصلح في القداس، يمسك لفافة أمام وجهه، رمزًا لهيبة الله الذي هو يقف أمام عظمته.
3 – وهكذا ينبغي أن تكون الصلاة أيضا بفكر مجتمع، غير مشتت:
فلا يصح أن تتكلم مع الله،وأفكارك شاردة في موضوعات أخري بل حاول أن تجمع أفكارك وتركزها في الصلاة ويحسن أن تمهد لذلك بقراءة روحية أو بترتيلة أو تأمل ولا تقف للصلاة وعقلك مشغول بشتى الموضوعات البعض يغمض عينيه أثناء الصلاة حتى لا ينشغل بصره بأمور تجلب له أفكارًا المصلي الحقيقي لا يحس بكل ما حواليه هو مع الله فقط، وحده كما أن الإنسان إذا صلي بفهم، سيصلي حتما بتركيز وعمق كما يقول داود "من الأعماق صرخت إليك يا رب" (مز130: 1) من عمق قلبي من عمق مشاعري من عمق احتياجي من عمق مشاكلي وسقطاتي أريد أن أرتفع إليك.
4 – مثل هذه الصلاة لابد أنها تكون بحرارة:
لأن الإنسان يسكب نفسه أمام الله، انظروا إلي حنة التي صارت أمًّا لصموئيل النبي، يقول الكتاب عنها إنها "صلت إلي الرب، وبكت بكاءً،ونذرت نذرًا" وإنها كانت تتكلم في قلبها، وشفتاها فقط تتحركان، وصوتها لا يسمع حتى أن عالي الكاهن ظنها سكري" (1صم 1: 10-13) بكل عواطفها كانت تصلي، بكل حرارة، بنفس منسكبة أمام الله وما أجمل ما قيل عن إيليا النبي أيضا إنه "صلي صلاة" (يع 5: 17) ماذا تعني عبارة "صلي صلاة".؟ تعني أنها ليست أي كلام بل صلاة لها عمقها ولها حرارتها يصلي صلاة، أي يصلي بالمعني العميق لهذه الكلمة فقد يقف كاهن أمام المذبح، وتشعر في أعماقك أنه يصلي بينما يقول كاهن آخر نفس القطعة من القداس، فتلحظ أنه يتلو كلامًا ولا يصلي وقد تسمع لحنًا واحدًا من اثنين من المرتلين، فتحس أن أحدهما يصلي، أما الآخر فيقدم نغمات وألحانًا بلا روح، بلا صلاة هناك إنسان يزعم انه يصلي، ولا يصل إلي السموات من صلاته شيء بينما آخر يصلي، فإذا واحد من الأربعة والعشرين كاهنًا الذين تحدث عنهم سفر الرؤيا، يأتي ومعه مجمرته الذهبية، فيحمل فيها هذه الصلاة لتصعد كرائحة بخور أمام الله إنه صلي صلاة بعض الملائكة في السماء يشتمون رائحة بخور زكية، فيبحثون عن سببها، ويكون أن (فلانًا) قد وقف يصلي الصلاة بحرارة، قد تظهر في ألفاظ الصلاة أو في قوتها، أو في لهجتها، وقد تظهر في دموع تصاحب الصلاة أما عبارة أن الإنسان يسكب نفسه في الصلاة، فلست أجد ألفاظًا في اللغة يمكن أن تعبر عنها أتركها لكم لتفهموها بأنفسكم. ولكن علي الأقل أقول إن الإنسان يعصر نفسه عصرًا، ويسكبها أمام الله.
5 – تصلي أيضًا بتأمل..
فمثلًا إن صليت الصلاة الربية، ووصلت إلي عبارة ليأت ملكوتك، يمكن أن تدخل إلي عمق مفهوم هذا الملكوت، كأن يملك الله علي قلوب الناس وأفكارهم،وعلي أهدافهم ووسائلهم أو أن تتأمل ملكوت الله علي الأمم والشعوب والممالك إلى لا تعرفه أو تسرح في الملكوت الأبدي في أورشليم السمائية وهكذا تجد نفسك -في تأملاتك- وأنت داخل في عمق أعماق هذا الملكوت.
6 – صفات أخري كثيرة:
هناك صفات أخري كثيرة للصلاة المقبولة، كأن تكون صلاة بحب كما سبق أن قلنا، وكذلك صلاة بخشوع، وصلاة بإيمان يؤمن المصلي أن الله سيستجيب صلاته، أو علي الأقل يؤمن أن الله سيعمل ما فيه الخير له.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب أبانا الذي في السموات
المزيد
16 يوليو 2025
الخادم الروحي دائمًا يعمل والخدمة ضرورة موضوعة عليه
الله دائما يعمل، وعلينا أيضا أن نعمل، وفي ذلك قال السيد المسيح له المجد في (يو 5: 17) "أبي يعمل حتى الآن وأنا أيضا أعمل" وهو بهذا يعطينا القدوة الصالحة في العمل الدائم المستمر، العمل بلا انقطاع من أجل ملكوت الله. هذا الذي قال عنه القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: "اكرز بالكلمة، اعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب" (2تي 4:2) أي كل حين وهكذا كان السيد المسيح يعمل باستمرار كان يعمل طول اليوم، حتى يميل النهار كما في وعظه قبل معجزة الخمس خبزات والسمكتين، إلى أن"ابتدأ النهار يميل" (لو 9: 12)، ثم أخذ يهتم بعد ذلك بطعامهم الجسداني وكان يعمل بالليل، كما تقابل مع نيقوديموس ليلًا (يو 3: 2)، وكما جاء إلى التلاميذ في الهزيع الرابع من الليل (مت 14: 25)، أو قد يأتي إليهم في الهزيع الثاني أو الثالث (مت 12: 38) أو في نصف الليل وأيضا هو يعمل مادام نهار (يو 9: 4).
والسيد المسيح كان يعمل أيضا في كل مكان:
كان يعمل وهو ماش في الطريق (لو 19: 1 – 5) كما في هداية زكا وكان يعمل وهو جالس عند البئر كما فعل في هداية المرأة السامرية (يو 4: 6 – 7) ويعمل وهو في بستان جثسيماني مع الثلاثة تلاميذ (مت 26)،ويعمل وهو ماش على الماء كما فعل في تدريب بطرس وفي إنقاذه من الغرق (مت 14: 28 – 31) كان يعمل في البرية ووسط الحقول، وعلى شاطئ النهر وشاطئ البحيرة، وفي البيوت كما في بيت مرثا ومريم (لو 10: 38)،وعلى الجبل كما في عظته المشهورة (مت 5: 1-2) كان يعمل في كل وقت ومكان ومع كل أحد.
وكان يلقى بِذاره في كل موضع يلقيها على الأرض الجيدة التي تنتج ثلاثين وستين ومائة، ويلقيها حتى بين الأشواك، وعلى الأرض الحجرية، والتي ليس لها عمق، وعلى الطريق معطيا فرصة لكل أحد.. ويلقى خبزه على وجه المياه ليجد بعد حين (جا 11: 1) وكما قال الرسول عنه كان يجول يصنع خيرا (أع 10: 38).
حتى وهو على الصليب كان يعمل:
ليس فقط عمل الفداء وهو عمله الأساسي، وإنما عمل أيضًا أعمالًا كثيرة، طلب المغفرة للذين صلبوه (لو 23: 34) وعهد بأمه العذراء إلى يوحنا ليهتم بها ومنح يوحنا بركة أمومة العذراء له (يو 12: 26-27) ومنح اللص التائب بركة الذهاب إلى الفردوس (لو 23: 43) بل كان يعمل خيرا في وقت القبض عليه لأنه أثناء ذلك شفى العبد (ملخس) الذي ضربه بطرس فقطع أذنه (لو 22: 50-51) وأيضا دافع عن تلاميذه فقال للذين قبضوا عليه "دعوا هؤلاء يذهبون" (يو 18: 8) ليتم القول الذي قاله "أن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدا" (يو 18: 9) وفى أثناء ذلك كله وخلال محاكمته، كان يطلب من أجل بطرس لكي لا يفنى إيمانه (لو 22: 31) والله كثيرا ما يعمل في صمت، ودون أن تطلب الله الذي يحكم للمظلومين، والذي يحفظ الأطفال.. الذي نجى الفتية من أتون النار (دا3) وخلص دانيال من جب الأسود (دا6) وأرسل ملاكه لينقذ بطرس من السجن (أع 12) وأظهر ليوحنا عجائب في الرؤيا ما كان يفكر فيها ولا يطلبها (رؤ 4-5) واختطف بولس إلى السماء الثالثة (2 كو 12) وما كان يفكر في هذا ولا طلبه. وكما يعمل الله باستمرار، ملائكته أيضا تعمل:
هؤلاء الذين قال عنهم داود النبي في المزمور "يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مز 103: 20) وقال عنهم القديس بولس الرسول "أليسوا جميعهم أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14). إنهم يعملون في البشارة ونقل أوامر الله إلى الناس وتنفيذ أمره سواء بالإنقاذ أو العقوبة ويقول الكتاب "ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مز 34: 7).
ونحن البشر يريدنا الله أن نعمل، وعملنا على أنواع منه: العمل الجواني.
العمل الجواني هو عمل داخل النفس، مع النفس، تحاسبها، تؤدبها، وتصلح ما فيها، وعمل آخر داخل النفس مع الله، عمل حب، مناجاة، مشاعر في ناموسه تلهج النهار والليل كل هذا عمل جواني ولذلك فإن الراهب المنشغل بهذا العمل الجواني يسمونه (الراهب العمال)
هناك عمل آخر يمكننا القيام به، وهو عمل المصالحة:
وهو عمل روحي، هدفه مصالحة الناس مع الله.. وفي ذلك قال القديس بولس الرسول "وأعطانا خدمة المصالحة.. نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 18، 20).
عمل في الخدمة نعمله، ونشترك فيه مع الله الله يعمل معنا، ويعمل بنا. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولوس "نحن عاملان مع الله" (1 كو 3: 9) يشترك روح الله القدوس معنا في العمل، ونصير نحن شركاء الروح القدس ونقول لله في الأوشية "اشترك في العمل مع عبيدك، في كل عمل صالح" لقد قال الرب لتلميذيه: "هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس" (مت 4: 9) معنى هذا أننا نسير وراءه فيجعلنا صيادين وكيف؟ نحن نرمى الشبكة، وهو يدعو السمك للدخول فيها وهكذا يعمل معنا ولا نقوم بالصيد وحدنا فإن بطرس لما عمل في الصيد وحده، بدون المسيح، قال له أخيرا "تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئًا" (لو 5: 5) نعمل مع الله – والله سيرى عملنا وسوف يكافئنا عن كل عملنا أليس هو القائل لكل راع من رعاة الكنائس "أنا عارف أعمالك" (رؤ 2-3) والذي كان له تعب في الخدمة، قال له الرب "أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك وقد احتملت ولك صبر، وتعبت من أجل اسمي ولم تكل" (رؤ 2: 2-3) من أجل هذا يقول الرسول "كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلا في الرب" (1كو 15: 58) "إن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه، إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم" (عب 6: 10) حتى كأس ماء بارد تسقون به أحد هؤلاء الصغار، لا يضيع أجره" (مت 10: 42) حتى الذي يأتي إلى الرب في الساعة الحادية عشرة من النهار ليخدم في كرمه، سيأخذ أجرته كالآخرين هناك كلمة خطيرة أذكرها في وجوب العمل وأهميته، وهي قول الرسول [مَنْ يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل، فتلك خطية له] (يع 4: 17) إذن الخطية ليست فقط في السلبيات، أي في عمل الشر. وإنما أيضا إهمال الإيجابيات، أو عدم عمل الخير هو أيضًا خطية. دفن الوزنة في التراب خطية (مت 25: 24).
قد يعتذر إنسان ويقول: أنا لا أعرف أن أخدم!!
مثل هذا الإنسان يذكرني بإرميا النبي الذي قال في طفولته للرب "لا أعرف أن أتكلم، لأني ولد" فانتهره الرب وقال له "لا تقل إني ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب ويذكرني أيضًا بموسى النبي الذي قال "لست أنا صاحب كلام بل أنا ثقيل الفم واللسان" (خر 4: 10). ها أنا أغلف الشفتين" (خر 6: 30) ولم يقبل الله منه كل هذا الاعتذار عن الخدمة إن الله يعرف تماما مقدار ما أعطاك من قدرات يعرف العقل الذي أعطاه لك، ويعرف الوقت الذي منحك إياه، ومقدار المعرفة التي لك، ونوع المواهب، ويعرف الظروف المتاحة لك للخدمة فكيف يمكنك أن تهرب أو تعتذر؟! كيف تهرب من قول (الكتاب) من يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل، فتلك خطية له" والمعروف أن "أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23) إن الله سيحاسبك على كل معرفة وهبك إياها ولم تستخدمها أنه هو القائل "كل من أعطى كثيرا، يطلب منه كثير" (لو 12: 48) فإن قلت "ليست لي مواهب" يقول لك أعمل على قدر ما لك من مواهب على قدر ما أعطيت من وزنات واحدة أو اثنتين أو خمس (مت 25) لكن لا تقف مطلقا في ملكوت الله خاملا بلا عمل!! إذن لماذا خلقك الله وأوجدك؟! ولماذا جعلك عضوًا في جسده؟! هل يوجد عضو بلا عمل؟! إذن لابد أن تعمل، مهما كانت مواهبك محدودة فإن كنت أمينا في هذه المواهب المحدودة، يقول لك "كنت أمينا في القليل، سأقيمك على الكثير" (مت 25: 21) وسيقول لك أيضًا "أدخل إلى فرح سيدك الله لا يهمه القليل أو الكثير، إنما يهمه أن تكون أمينا فيما عندك تعمل في خدمته على قدر طاقتك لكن لا بُد أن تعمل وهو يكمل تقول له "ليس عندي سوى دقائق معدودة في اليوم يقول لك اعمل عملي فيها بأمانة وسأباركها وأجعلها تثمر تقول له ليس معي سوى خمس حصوات في حربي مع جليات!! يقول لك تكفيني منها حصاه واحدة ضعها في مقلاعك، وأنا سأجعلها تصل إلى رأس الجبار والباقي أحتفظ به لأي جليات آخر يقابلك في المستقبل
هنا ونتكلم عن صفات العمل الذي يعمله الخادم الروحي:
أولا: يجب أن يتصف بالأمانة لأن الرب يقول "ترى من هو الوكيل الأمين الحكيم، الذي يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه" (لو 12: 42) وإن سألت عن حدود هذه الأمانة، يقول "كن أمينا إلى الموت، فأعطيك إكليل الحياة" (رؤ 2: 10) إلى الموت، إلى حد بذل الذات، إلى حد الاستشهاد. تكون أمينا في نوعية العمل، وفي كميته، أمينا من جهة الموضوع، ومن جهة الأشخاص مهما كلفتك تلك الأمانة من جهد، ومن ثمن أيضا.
2. ولذلك تعمل عمل الرب بلا رخاوة، بلا كسل لأن الكتاب يقول "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (أر 48: 10) أعمل بكل حماس، وأستخدم الإمكانيات التي عندك مهما كانت قليلة وتذكر أن الله اشتغل بإمكانيات بشرية كانت قليلة أيضا "اختار جُهَّال العالم، وضعفاء العالم، والمزدرى وغير الموجود" (1كو 1: 27-28) واستطاع بها أن يخزي الحكماء والأقوياء اعمل إذن، والله سيعمل فيك ومعك أن حصاة داود التي هزمت سيف ورمح جليات، تذكرنا بأولئك الصيادين الذين وقفوا ضد فلاسفة العالم، وقادة الرومان، وشيوخ اليهود، وكل الكتبة دارسي الناموس المهم أن تعمل، وتستخدم كل إمكانياتك مهما بدت أمامك ضعيفة وثق أن الله يعمل بها.
3. أخدم بروحك وقلبك. ليس كمجرد رسميات.
ليس كمجرد واجب عهدت به إليك الكنيسة بل ضع كل قلبك في الخدمة متذكرا قول الرب" يا ابني أعطني قلبك" (أم 23: 26) وهكذا بكل مشاعرك تحب الخدمة وتحب المخدومين، تحب الملكوت وقبل الكل تحب الله الذي تخدمه.
4- ولتكن خدمتك بأسلوب روحي.
لأن كثيرين أخذوا مسئوليات ضخمة في الكنيسة وفشلوا لأنهم لم يسلكوا في خدمتهم بأسلوب روحي وإنما سلكوا بأسلوب إداري أو اجتماعي أو عقلاني وتحولت الخدمة عندهم إلى مجرد أنشطة وتحولت الدروس إلى مجرد معلومات أما أنت فلتكن خدمتك بعيدة عن الذات. تقول فيها مع المرتل في المزمور"ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز 115: 1).
5 – ولتكن خدمتك مملوءة بالرجاء مهما تأخر الثمر، ومهما قامت عقبات.. لا تفشل إطلاقا. ولا تيأس. بل الق خبزك على وجه المياه. فإنك تجده بعد أيام كثيرة" (جا 11: 1).
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
09 يوليو 2025
الخادم الروحي الذي يعمل الله به
إن الله يعمل باستمرار من أجل خلاص البشر وهدايتهم.. وهو يعمل من خلال خدامه الروحيين وبواسطتهم. فمن هو الخادم الروحي الذي يعمل الله فيه وبه، ويعمل الله معه؟
إنه الخادم الذي يهتم جدا بأبديته، ولا ينسى نفسه في محيط الخدمة ولا تصبح الخدمة بالنسبة إليه هي كل شيء، وفي سبيلها يضحى حتى بروحياته!
والكتاب يعلمنا أهمية وضع خلاص النفس أولا، في قول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف "لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك فإنك إن فعلت ذلك تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1تي 4: 16) وهكذا وضع ملاحظة النفس قبل التعليم، وخلاص نفسك قبل الذين يسمعونك وهذا واضح لأن الخادم المهتم بخلاصه هو الذي يستطيع أن يخلص الآخرين أيضًا والعكس صحيح لأن الخادم الذي لا يهتم بروحياته. لا يمكن أن يقدم الروحيات لغيره، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. كما أن الخدمة هي تعبير عن الحب الذي فيك نحو الله والآخرين والذي يفقد هذا الحب، لا يكون خادمًا. وهناك عبارة أخرى مخيفة نضعها أمامنا في خدمتنا وهي قول القديس بولس الرسول أيضًا:
"أخضع جسدي واستعبده، حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو 9: 27) عجبا هذا القديس العظيم الذي صعد إلى السماء الثالثة (2 كو 12: 2، 4) والذي تعب أكثر من جميع الرسل (1كو 15: 10) وصنع آيات وقوات وعجائب يقول لئلا بعد ما كرزت لآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا!!
إن الاهتمام بخلاص النفس شيء هام، وقد دعا إليه الرب في رسائله إلى رعاة الكنائس التي في آسيا ما أعجب قوله لملاك ساردس "إن لك اسمًا أنك حي وأنت ميت"!!
ويقول أيضا "كن ساهرا.. وتب. فإني إن لم تسهر، أقدم عليك كلص، ولا تعرف في أي ساعة أقدم عليك" (رؤ 3: 1 – 3) وكذلك يقول لملاك كنيسة لاوديكية "لأنك فاتر ولست باردًا ولا حارًا، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" (رؤ 3: 16) ويقول لملاك كنيسة أفسس "عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى فأذكر من أين سقطت وتب.. وإلا فإني آتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها إن لم تتب" رؤ 1: 4-5) فإن كان الرب قد قال هذا عن الذين دعاهم ملائكة وكواكب، وكانوا في يده اليمنى (رؤ 2: 1) فماذا نقول نحن عن أنفسنا. ألا نهتم بخلاصنا؟!
أقول هذا لئلا تتملكنا الكبرياء فنظن أننا حقا خدام. وربما يحاربنا المجد الباطل، لأن لنا أولادا في الخدمة، لنا تلاميذ ولنا فصول، ولنا اسم الكنيسة إننا من جماعة الخدام أو جماعة الكارزين!! والرسول يقول "حتى بعد ما كرزت لآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" فإن كان بولس العظيم يحتاج إلى تدقيق وإحتراس وإلى أن يضبط نفسه ويقمع جسده ويستعبده فكم بالأولى نحترس نحن ونهتم بخلاصنا لهذا يحتاج الخادم إلى اتضاع كبير في قلبه لئلا تأخذه الكبرياء، ويظن أنه شيء ويسقط.. صدقوني يا إخوتي، إنني أتعجب كثيرا كلما أتأمل قديسًا عظيمًا مثل بطرس الرسول الذي كان واحدًا من الثلاثة الكبار الذين كان ينفرد بهم السيد المسيح في جلساته الخاصة، والذين قال عنهم القديس بولس الرسول أنهم أعمده الكنيسة (غل 2: 9) بطرس هذا يقول له السيد المسيح "ولكنني طلبت من أجلك لكيلا يفنى إيمانك؟!" (لو 22: 22) يفنى إيمانك؟! ما أخطر هذه العبارة ليتك تقول يا رب "لكيلا يضعف إيمانك"! أما أن عبارة يفنى إيمانك تقال لبطرس الرسول، ويحتاج إلى صلاة من السيد المسيح نفسه، فهذا أمر خطير أو هو درس لنا لنسهر ونحترس نعم نحترس لأن الخطية قيل عنها أنها "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26) والخادم الروحي يحترس ليس فقط من الخطايا الدقيقة كالهفوات والسهوات، وإنما حتى من النجاسات التي تحارب المبتدئين!! وهو مهما نما في الروحيات يعامل نفسه كمبتدئ، ولا يتحدث عن نفسه كخادم يدرس البعض على يديه إن القديس أرسانيوس الكبير، معلم أولاد الملوك، رجل الوحدة والصمت والصلاة والدموع، يقول عن نفسه "إنني لم أبدأ بعد، هبني يا رب أن أبدأ "ليتنا نتمثل بهذا القديس في خدمتنا.
الخادم الروحي ينظر لنفسه كمبتدئ، ليس فقط في الخدمة، بل كمبتدئ أيضا في الحياة الروحية الكلام الذي يقوله في الدرس يرى إنه موجه إلى نفسه هو، قبل أن يوجه إلى تلاميذه وإن وعظ يرى أنه يعظ نفسه والناس. بل يعظ نفسه قبل أن يعظ الناس. إنه لا يظن في نفسه أنه قد بلغ شيئًا، ولا يظن أن الكلام الذي يقوله قد صار حياة عند سامعيه بل يصلي أن يعطيهم الرب نعمة أن يستفيدوا من كلامه، أو يستفيدوا من النعمة التي يعطيهم الرب إياها يصلي أن يعطيهم الرب شيئًا عن طريقه ولا أقول يأخذوا منه، بل يأخذوا عن طريقه، إنه يخلط درسه بالصلاة لكي لا يكون هو وحده الذي يتكلم، بل ليتكلم الرب، ويكون هو أيضًا سامعًا مع تلاميذه.
الخادم الروحي لا يحسب نفسه أنه قد صار قديما في الخدمة أو قائدًا أو أمينًا بل يضع أمامه باستمرار قول السيد المسيح: "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15:5) إذن لابد أن يأخذ من الله، لكي يعطي إنه يقول للرب أنا يا رب لا أعرف. لقد أخذوني وجعلوني خادمًا من غير استحقاق ومن غير إعداد بل جعلوني خادمًا وهم لا يعرفون دواخلي ولا ضعفاتي. أنت الذي تعرف. أنا يا رب لم أصل بعد إلى القدوة التي أفيد بها آخرين، ولم أنفذ بعد هذه الوصايا التي أقولها للناس أو التي ينبغي أن أقولها وأخشى أن تنطبق على عبارة: "أيها الطبيب اشف نفسك" (لو 4: 23).
الخادم الروحي يلتقي بالله قبل أن يلتقي بالمخدومين. ويقول له: "ليس يا رب من أجل ضعفاتي تمنع نعمتك عن هؤلاء. ليس بسبب أخطائي الشخصية وبعدى عن روحك القدوس. تمنع روحك عن هؤلاء وما ذنبهم؟! ليس من أجلي تعطيهم. بل من أجل محبتك لهم أعطهم من أجل أنك أبوهم من أجل أنه تهمك أبديتهم. من أجل حاجة هؤلاء الصغار إليك أعطهم عن طريقي، أو عن طريق غيري، ليس الخادم هو المهم. إنما المهم أن تعطيهم أعمل في قلوبهم حينما أكلمهم وأعمل في قلوبهم حتى دون أن أكلمهم لتكن خدمتي لهم صلاة إن لم تكن حياة فليست لي حياة، أعطيهم منها قدوة،وليست لي صلاة أعطيهم منها قدرة ولكنني في ضعفي أطلب إليك من أجلهم أطلب أن تعمل أنت فيهم من أجل محبتك لهم أنا لست أحسب أن لي معرفة أقدمها لهم. وحتى إن كان لي، فالمعرفة وحدها لا تكفي ولا تخلص. أمنا حواء كانت لها معرفة بالوصية وسقطت (تك 3: 2-6) المهم هو الروح الموجود في الكلام كما قال السيد الرب "الكلام الذي أقوله لكم هو روح وحياة" (يو 6: 63) إن كانت الخدمة كلاما فما أكثر الكلام.. المهم هو الروح الذي يؤثر ويعطي على قوة العمل والكلام لا يخلص، إن كان منا، أما إن كان من الرب، فكلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح" (عب 4: 12) ووظيفتنا كخدام أن نأخذ من الله كلامًا لكي نعطيه للناس وليس أن نعطيهم من فراغنا. إنما نأخذ ملئا من الله، نفيض به عليهم. وما أجمل قول الإنجيل عن السيد المسيح "ومن ملئه، نحن جميعا أخذنا" (يو 1: 16) الخادم الروحي ليس مجرد بوق يحدث صوتا إنما هو حياة روحية تنتقل إلى الغير. والتلاميذ يأخذون من حياة المدرس من أسلوبه ومعاملاته وسلوكه، ويمتصون منه شيئا كان الكتبة والفريسيون يعلمون وقد جلسوا على كرسي موسى (مت 23: 2) وكان السيد المسيح يعلم، فيبهت الناس من تعليمه لأنه يعلمهم بسلطان (مر 1: 27) كلماته كانت لها قوة وتأثير وسلطان كانت كلمات من نوع آخر، لذلك قالوا ما سمعنا من قبل كلامًا مثل هذا ولما تكلم السيد المسيح عن التناول من جسده ودمه، وتحير البعض وتركوه فقال لتلاميذه: "ألعلكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا؟!". أجابه بطرس "يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية هو عندك" (يو 6: 68) جميلة هذه العبارة "كلام الحياة الأبدية" هذا هو المطلوب من الخادم. يذكرنا بعبارة الملاك الذي قالها لكرنيليوس عن طريق بولس الرسول "وهو يكلمك كلاما به تخلص.." (أع 11: 14) نعم، هذا هو الفرق بين خادم وخادم: أحدهم يقول كلاما، بلا تأثير بلا قوة بلا فاعلية.
أما الخادم الروحي فيكلمك كلامًا به تَخْلُص كلاما يغير الحياة كلها، ويشعر سامعه أنه قد نخس في قلبه، كما حدث لليهود في يوم الخمسين حينما سمعوا عظة من بطرس (أع 2: 37). وحينما ينخس في قلبه لا يستطيع أن يرفس مناخس (أع 9: 5) حتى لو قاوم الكلمة حينا، يعود إليها مرة أخرى أو تعود هي إليه. ويجد مناخسًا في قلبه يذكره بها. وهكذا قال الرب عن كلمته: "هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إلى فارغة. بل تعمل ما سررت به، وتنجح فيما أرسلتها له" (أش 55: 11) حقا إن كلمة الرب لا ترجع فارغة إن لم تأت بنتيجة الآن، تأتي بها فيما بعد صدقوني، حتى الكلام الذي قاله الرب ليهوذا الإسخريوطي، لم يرجع فارغا بل ندم يهوذا بعد تسليمه للرب، وأرجع المال الذي أخذه ثمنا له. وقال "أخطأت إذ أسلمت دما بريئا" (مت 27: 4) لكن مشكلته إنه يأس من شدة تأنيب ضميره له، فمضى وخنق نفسه الخادم الروحي ينبغي أن تكون كلمته هي كلمة الرب ولكي يأخذ هذه الكلمة من الله يلزمه أن تكون حياته ثابتة في الله تكون له علاقة بالله، يستطيع بها أن يأخذ منه وتكون له دالة مع الله، يمكنه بها أن يقول له "لا أتركك إن لم تباركني" (تك 32: 26) أو يقول له "لا أتركك حتى آخذ منك ما أعطيه لهؤلاء" هذه هي الخدمة الروحية التي يعمل فيها الله. وليست هي مجرد كلمات يقرأها الخادم في كتاب ثم يرددها بدون تأثير في آذان غيره وينتهي الأمر لقد أمر السيد تلاميذه أن لا يبرحوا أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالي (لو 24: 49) الخدمة الروحية يلزمها هذه القوة، قوة الله العامل فينا بروحه القدوس.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
02 يوليو 2025
الخادم الروحي قدوة وبركة وحياته كلها خدمة
إن الخدمة ليست كلاما إنما هي "روح وحياة" (يو 6: 63) والخادم الروحي له الروح التي يحولها في تلاميذه إلى حياة هذه الحياة يلتقطونها منه يتعلمون من حياته،ويقلدون شخصيته فتتخلل نفوسهم وقلوبهم وأفكارهم إن الصغار قد لا يفهمون كل الكلام الذي يقوله الخادم وما يفهمونه كثيرا ما ينسونه لكنهم يأخذون منه الحياة ويتعلمون من طريقة معاملته،وطريقة كلامه بل يتعلمون من أسلوبه من نظراته من إشاراته من تصرفاته يلتقطون كل ذلك المعلومات قد ينسونها ولكن أسلوب الحياة يظل راسخا فيهم فإن كان كل ما تملكه هو المعلومات سوف لا يأخذون منك سوى معلومات بلا روح بلا حياة! فابحث إذن ما هو نوع الحياة التي فيك التي يمكن أن يمتصها منك أولادك؟ والتي تترك فيهم انطباعًا من نوع خاص أخشى أن بعض الخدام تكون في حياتهم عثرات وهذه العثرات تؤثر في تلاميذه تأثيرًا سلبيًّا وويل لمن تأتي من قبله العثرات كما قال الرب (مت 18: 7) هذه العثرات إما أن يقلدها المخدومون فتضيع روحياتهم،وتهبط مثالياتهم،ويطالب الخدام بدمهم أمام الله (حز 33: 6-8) وأما أن تكون أخطاء الخادم سببا في انتقادهم له بل أيضا وقوعهم في خطية الإدانة أو قد تكون تلك الأخطاء سببا في تركهم محيط هذه الخدمة كلها، وما يتبع ذلك من نتائج.
الخادم هو ملح للأرض فماذا يحدث إن فسد الملح؟!
ما أصعب قول الرب في ذلك!!! يقول "إن فسد الملح لا يصلح بعد لشيء إلا أن يُطْرَح خارجًا ويُداس من الناس" (مت 5: 13) إذن يجب أن تلوم نفسك وتقول "إنني حينما كنت بعيدا" عن الخدمة كانت خطاياي ونقائصي من نصيبي أنا وحدي وتأثيرها واقعا على وحدي،وكذلك عقوبتها أما الآن فإن خطاياي تعثر الآخرين،وتوقعهم في خطايا وتضيعهم فإن لم يكن من أجل نفسي فعلى الأقل من أجلهم أقدس أنا ذاتي لكي يكونوا هم أيضا مقدسين في الحق (يو 17: 19) من هنا ينبغي على كل خادم أن يفحص نفسه،ويصلح ذاته،ويكون بلا عثرة بل ينبغي أن يكون قدوة ومثالا يعكس الخادم الروحي الذي تترك حياته في نفس كل من يقابله أثرا طيبًا وانطباعًا روحيًا يدوم لمدة طويلة دون أن يلقى عظة أو يتحدث في موضوع روحي بل مجرد مقابلته البشوشة الحلوة الطيبة،وملامحه الهادئة المملوءة سلاما،ووداعته وطيبته وحسن لقائه للآخرين وحسن معاملته هذا يجعل من يقابله يتأثر روحيا،ويقول في نفسه مباركة تلك اللحظات التي تقابلت فيها مع فلان عجيب هذا الشخص الروحي ليتني أكون مثله في شخصيته الروحية،وفي بشاشاته ومعاملته الطيبة التي تبكتني على خطاياي،وتذكرني بأني في أحيان كثيرة كنت أقابل البعض بعدم اكتراث أو بغير حماس بدون ود وبدون بشاشة ليتني أغير حياتي وأصير مثله ودودا بشوشا وديعا وهكذا مجرد اللقاء به يقود الآخرين إلى التوبة.
لذلك فالخادم الروحي ليس مجرد مدرس، بل حياته كلها خدمة:
إن عبارة (مدرس في مدارس الأحد) تعني قصورًا في أمرين:
أ- فكلمة مدرس تعني مجرد التعليم،وليس الحياة وتأثيرها.
ب- وعبارة (في مدارس الأحد) تعني محدودية الخدمة في هذا النطاق بينما ينبغي أن يكون الخادم خادما في كل مجال يقابله فلا يحدها مكان هو الكنيسة،ولا زمان هو ساعة في الأسبوع!!
إن كانت الخدمة هي عمل من أعمال المحبة فلا يجوز أن تكون محبتنا قاصرة على فصل من فصول مدارس الأحد!! فالإنسان المحب أينما يوجد تفيض محبته على غيره كل إنسان يقابله ينال نصيبا من حبه إنه كسيده "يريد أن الجميع يخلصون،وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تي 2: 4)..
حقا إن مدارس الأحد قد تكون مجال تخصصه ولكن هذا لا يمنع عمومية خدمته فكل شخص يدفعه الله إلى طريقه،وكل من يقابله في غربة هذا العمل لابد أن يدخل في مجال تأثيره الروحي ليس كمدرس،وإنما كحياة روحية تتحرك في عمق،وتؤثر روحيا في غيرها تلقائيا وإن أتيح له الكلام يجعل الله هو محور حديثه بطريقة مشوقة غير مصطنعة ويكون اسم الرب حلوا في فم الخادم يجب أن يتحدث عنه بطريقة تجذب الناس إليه إن اسم الله على فمه، ليس في الكنيسة فقط، بل في كل مكان، يُحَدِّث الناس عنه في شغف وينتهز كل فرصة مناسبة، ليحكى قصصًا عن معاملات الله المملوءة حبًا وحكمة وحتى إن لم يتكلم، فإنه يقدم للناس نموذجًا طيبًا عن الحياة المرتبطة بالله بعض الناس يظنون المبادئ المسيحية مثاليات من يستطيع تنفيذها؟! أما الخادم الروحي، فيقدم هذه المثاليات منفذة عمليًا في حياته وبتأمل حياته، يتيقن الناس أن الحياة مع الله ممكنة وسهلة ويرون أن الذي يسير مع الله، تكون حياته موفقة وناجحة،ويكون محبوبًا من الكل فيشتاقون إلى حياة مثل حياته التي تجول تصنع خيرا تعطي هذا كلمة منفعة،وتعطي ذاك حبًا وبشاشة وتعطي ثالثًا أمثولة طيبة المهم أنها تعطي باستمرار خيرًا ونفعًا إنه كالشمس، أينما ظهرت تنير هي منيرة بطبيعتها وبحكم طبيعتها تعطي نورًا وحرارة وحياة، للكل والخدام الروحيون هكذا بالنسبة إلى الآخرين، هم نور للعالم (مت 5: 14) كل إنسان يراهم، يستنير ولا يسلك في الظلمة فهل أنت نور في حياتك، وبالتالي في خدمتك، هل كل من يراك، يمجد الله بسببك؟ وكل من يتحدث معك، يخرج بكلمة منفعة؟ وكل من يجتمع بك، يشكر الله على إنه جلس معك في ذلك اليوم، وعلى النعمة التي حلت عليه عن طريقك؟
الخادم الروحي بركة للوسط الذي يعيش فيه:
انظر ماذا قال الرب في دعوته لإبرآم إلى الآباء قال له "أجعلك أمة عظيمة،وأباركك وأعظم أسمك وتكون بركة" (تك 12: 2) فالمطلوب من الخادم الروحي ليس فقط أن يكون مباركًا من الرب بل بالأكثر يكون بركة كان إيليا بركة في بيت أرملة صرفة صيدا وكان يوسف الصديق بركة في كل أرض مصر وكان أبونا نوح بركة للعالم كله. به حفظت الحياة في العالم ولم يفن الرب الأرض كلها ومن عليها من أجل نوح البار به بقيت الحياة البشرية،وتنسم الله رائحة الرضا (تك 8: 21) وأصبحنا كلنا أولاد نوح كما نحن أولاد آدم فهل أنت هكذا: أينما حللت تحل البركة؟
وتكون خدمتك بركة للناس في كل مكان تخدم فيه. ويبارك الله خدمتك، ويجعلها مثمرة وذات تأثير. ويبارك أيضا كل من تخدمهم، ويشعرون أنك كنت بركة في حياتهم، وأنه من نعم الله عليهم، أنك كنت الخادم الذي قام برعايتهم؟
الخادم الروحي يشعر من يخدمهم أنه رجل الله.
فهكذا كان إيليا،وبهذا اللقب كانوا يدعونه (1مل 17: 24) فهل يراك الناس بهذه الصورة أنك صوت الله في آذانهم،وأنك مرسل منه إليهم،وإنك صورة الله أمامهم؟
يذكرهم وجودك معهم بالله ووصاياه وبقدسية الحياة وهل - كرجل الله - يرون فيك ثمار الروح (غل 5: 22 – 23)؟ ويرون تأثير الروح في كلماتك،ويختبرون أنك بركة لحياتهم لا تظن أنك بمجرد إلقائك بعض الدروس في الكنيسة قد صرت خادِمًا بل تفهم ما معنى كلمة (خادم) وما صفاته.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
25 يونيو 2025
الخادم الروحي قدوة وبركة وحياته كلها خدمة
إن الخدمة ليست كلاما، إنما هي "روح وحياة" (يو 6: 63) والخادم الروحي له الروح التي يحولها في تلاميذه إلى حياة هذه الحياة يلتقطونها منه، يتعلمون من حياته، ويقلدون شخصيته، فتتخلل نفوسهم وقلوبهم وأفكارهم إن الصغار قد لا يفهمون كل الكلام الذي يقوله الخادم وما يفهمونه، كثيرا ما ينسونه لكنهم يأخذون منه الحياة. ويتعلمون من طريقة معاملته، وطريقة كلامه، بل يتعلمون من أسلوبه، من نظراته، من إشاراته، من تصرفاته يلتقطون كل ذلك المعلومات قد ينسونها ولكن أسلوب الحياة يظل راسخا فيهم فإن كان كل ما تملكه هو المعلومات، سوف لا يأخذون منك سوى معلومات، بلا روح بلا حياة ! فابحث إذن ما هو نوع الحياة التي فيك، التي يمكن أن يمتصها منك أولادك؟ والتي تترك فيهم انطباعًا من نوع خاص أخشى أن بعض الخدام تكون في حياتهم عثرات وهذه العثرات تؤثر في تلاميذه تأثيرًا سلبيًّا وويل لمن تأتي من قبله العثرات، كما قال الرب (مت 18: 7) هذه العثرات إما أن يقلدها المخدومون، فتضيع روحياتهم، وتهبط مثالياتهم، ويطالب الخدام بدمهم أمام الله (حز 33: 6-8) وأما أن تكون أخطاء الخادم سببا في انتقادهم له، بل أيضا وقوعهم في خطية الإدانة أو قد تكون تلك الأخطاء سببا في تركهم محيط هذه الخدمة كلها، وما يتبع ذلك من نتائج.
الخادم هو ملح للأرض فماذا يحدث إن فسد الملح؟!
ما أصعب قول الرب في ذلك!!! يقول "إن فسد الملح، لا يصلح بعد لشيء، إلا أن يُطْرَح خارجًا ويُداس من الناس" (مت 5: 13) إذن يجب أن تلوم نفسك وتقول"إنني حينما كنت بعيدا" عن الخدمة، كانت خطاياي ونقائصي من نصيبي أنا وحدي وتأثيرها واقعا على وحدي، وكذلك عقوبتها أما الآن فإن خطاياي تعثر الآخرين، وتوقعهم في خطايا وتضيعهم فإن لم يكن من أجل نفسي فعلى الأقل من أجلهم أقدس أنا ذاتي لكي يكونوا هم أيضا مقدسين في الحق (يو 17: 19) من هنا ينبغي على كل خادم أن يفحص نفسه، ويصلح ذاته، ويكون بلا عثرة بل ينبغي أن يكون قدوة ومثالا يعكس الخادم الروحي الذي تترك حياته في نفس كل من يقابله أثرا طيبًا وانطباعًا روحيًا يدوم لمدة طويلة دون أن يلقى عظة أو يتحدث في موضوع روحي بل مجرد مقابلته البشوشة الحلوة الطيبة، وملامحه الهادئة المملوءة سلاما، ووداعته وطيبته وحسن لقائه للآخرين وحسن معاملته، هذا يجعل من يقابله يتأثر روحيا، ويقول في نفسه مباركة تلك اللحظات التي تقابلت فيها مع فلان عجيب هذا الشخص الروحي ليتني أكون مثله في شخصيته الروحية، وفي بشاشاته ومعاملته الطيبة التي تبكتني على خطاياي، وتذكرني بأني في أحيان كثيرة كنت أقابل البعض بعدم اكتراث، أو بغير حماس، بدون ود وبدون بشاشة ليتني أغير حياتي وأصير مثله ودودا بشوشا وديعا وهكذا مجرد اللقاء به يقود الآخرين إلى التوبة لذلك فالخادم الروحي ليس مجرد مدرس، بل حياته كلها خدمة:
إن عبارة (مدرس في مدارس الأحد) تعني قصورًا في أمرين:
أ- فكلمة مدرس تعني مجرد التعليم، وليس الحياة وتأثيرها.
ب- وعبارة (في مدارس الأحد) تعني محدودية الخدمة في هذا النطاق، بينما ينبغي أن يكون الخادم خادما في كل مجال يقابله فلا يحدها مكان هو الكنيسة، ولا زمان هو ساعة في الأسبوع!!
إن كانت الخدمة هي عمل من أعمال المحبة، فلا يجوز أن تكون محبتنا قاصرة على فصل من فصول مدارس الأحد !! فالإنسان المحب أينما يوجد، تفيض محبته على غيره كل إنسان يقابله، ينال نصيبا من حبه إنه كسيده "يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تي 2: 4) حقا إن مدارس الأحد قد تكون مجال تخصصه. ولكن هذا لا يمنع عمومية خدمته فكل شخص يدفعه الله إلى طريقه، وكل من يقابله في غربة هذا العمل، لابد أن يدخل في مجال تأثيره الروحي ليس كمدرس، وإنما كحياة روحية تتحرك في عمق، وتؤثر روحيا في غيرها، تلقائيا وإن أتيح له الكلام، يجعل الله هو محور حديثه، بطريقة مشوقة غير مصطنعة ويكون اسم الرب حلوا في فم الخادم يجب أن يتحدث عنه، بطريقة تجذب الناس إليه إن اسم الله على فمه، ليس في الكنيسة فقط، بل في كل مكان، يُحَدِّث الناس عنه في شغف وينتهز كل فرصة مناسبة، ليحكى قصصًا عن معاملات الله المملوءة حبًا وحكمة وحتى إن لم يتكلم، فإنه يقدم للناس نموذجًا طيبًا عن الحياة المرتبطة بالله بعض الناس يظنون المبادئ المسيحية مثاليات من يستطيع تنفيذها؟! أما الخادم الروحي، فيقدم هذه المثاليات منفذة عمليًا في حياته وبتأمل حياته، يتيقن الناس أن الحياة مع الله ممكنة وسهلة ويرون أن الذي يسير مع الله، تكون حياته موفقة وناجحة، ويكون محبوبًا من الكل، فيشتاقون إلى حياة مثل حياته، التي تجول تصنع خيرا تعطي هذا كلمة منفعة، وتعطي ذاك حبًا وبشاشة وتعطي ثالثًا أمثولة طيبة المهم أنها تعطي باستمرار خيرًا ونفعًا إنه كالشمس، أينما ظهرت تنير هي منيرة بطبيعتها وبحكم طبيعتها تعطي نورًا وحرارة وحياة، للكل والخدام الروحيون هكذا بالنسبة إلى الآخرين، هم نور للعالم (مت 5: 14) كل إنسان يراهم، يستنير ولا يسلك في الظلمة فهل أنت نور في حياتك، وبالتالي في خدمتك، هل كل من يراك، يمجد الله بسببك؟ وكل من يتحدث معك، يخرج بكلمة منفعة؟ وكل من يجتمع بك، يشكر الله على إنه جلس معك في ذلك اليوم، وعلى النعمة التي حلت عليه عن طريقك؟
الخادم الروحي بركة للوسط الذي يعيش فيه انظر ماذا قال الرب في دعوته لإبرآم إلى الآباء قال له "أجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم أسمك وتكون بركة" (تك 12: 2) فالمطلوب من الخادم الروحي، ليس فقط أن يكون مباركًا من الرب، بل بالأكثر يكون بركة كان إيليا بركة في بيت أرملة صرفة صيدا وكان يوسف الصديق بركة في كل أرض مصر وكان أبونا نوح بركة للعالم كله به حفظت الحياة في العالم ولم يفن الرب الأرض كلها ومن عليها، من أجل نوح البار به بقيت الحياة البشرية، وتنسم الله رائحة الرضا (تك 8: 21) وأصبحنا كلنا أولاد نوح، كما نحن أولاد آدم فهل أنت هكذا أينما حللت تحل البركة؟
وتكون خدمتك بركة للناس في كل مكان تخدم فيه. ويبارك الله خدمتك، ويجعلها مثمرة وذات تأثير ويبارك أيضا كل من تخدمهم، ويشعرون أنك كنت بركة في حياتهم، وأنه من نعم الله عليهم، أنك كنت الخادم الذي قام برعايتهم؟
الخادم الروحي يشعر من يخدمهم أنه رجل الله فهكذا كان إيليا، وبهذا اللقب كانوا يدعونه (1مل 17: 24) فهل يراك الناس بهذه الصورة، أنك صوت الله في آذانهم، وأنك مرسل منه إليهم، وإنك صورة الله أمامهم؟
يذكرهم وجودك معهم بالله ووصاياه وبقدسية الحياة وهل -كرجل الله- يرون فيك ثمار الروح (غل 5: 22 – 23)؟ ويرون تأثير الروح في كلماتك، ويختبرون أنك بركة لحياتهم لا تظن أنك بمجرد إلقائك بعض الدروس في الكنيسة، قد صرت خادِمًا بل تفهم ما معنى كلمة (خادم) وما صفاته.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد