المقالات
11 يونيو 2025
جهاد الخادم
الخادم الروحي هو مغناطيس شديد الجاذبية:
كل من يدخل في مجاله، ينجذب إلى حياة الروح، وتكون له القدرة على جذب غيره أيضًا إلى نفس المجال الروحي إنه يجذب الناس إلى أبوة الله وأمومة الكنيسة، بكل ما تحمل من مشاعر الحنان والعطف وكل أساليب الرعاية والاهتمام.. وهكذا يلتصقون بالله المحب، ويرتوون بلبن التعليم من الكنيسة..
الخادم الروحي له كلمة الله الحية الفعالة (عب12:4)
هذه التي تترك تأثيرها في السامعين، ولا ترجع فارغة (أش11:55) إنه يشع على الآخرين نورًا وكل من يختلط به يستنير، ويأخذ شيئًا إلهيًا إنه بركة تتدفق على كل أحد، ليس في الكنيسة فقط، وإنما أيضًا في البيت ومكان العمل وفي الطريق هو خادم أينما وُجد الخدمة عنده لا يحدها مكان ولا زمان (2تي 5:4) ولا رسميات إنما روح الخدمة عنده تجعله يخدم كل من يصادفه أو يختلط به ليس هدفه أن يكون مدرسًا ناجحًا، فربما يكون هذا تركيزًا على الذات.
إنما كل اهتمامه هو خلاص أنفس مخدوميه:
إنه ينسى ذاته من فرط تفكيره فيهم. ويقول كما قال القديس بولس الرسول "كنت أود لو أكون أنا نفسي مرفوضًا من المسيح، من أجل أخوتي وأنسبائي حسب الجسد" (رو3:9).
الخادم الروحي يجاهد باستمرار مع الله من أجل أولاده.
يسكب نفسه أمام الله في خدمته، لكي يقود الله الخدمة لكي يعطيه الرب الغذاء الروحي اللازم له ولمخدوميه، ويعطيهم القوة للسير في طريق الرب ويظل يبلل قدمي الله بدموعه، إلى أن ينال منه استجابة صلواته لخير هؤلاء وفي كل ذلك هو إنسان فدائي، يفتدي غيره بنفسه وبراحته.
الخادم الروحي هو إنسان أمين، يتعب بكل جهده في الخدمة:
يضع أمامه باستمرار قول الكتاب "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (أر10:48).
فهو يتعب لكي يستحق أن يعمل الله معه يتعب لكي ينظر الله إلى ذله وتعبه، فيعمل عنه العمل كله وهكذا يستجيب الرب صلوات الآباء الكهنة، وهم يقولون له متضرعين "اشترك في العمل مع عبيدك "
الخادم الروحي لا يعمل بقدارته الخاصة، إنما بمواهب الروح القدس العامل فيه:
هو مجرد أداة يحركها الروح في خدمة الملكوت إنه يعيش على الدوام في شركة الروح القدس الروح القدس يعمل فيه، ويعمل به، ويعمل معه إنه إنسان امتلاء بالروح. إن تكلّم لا يكون هو المتكلم، وإنما روح أبيه يتكلم فيه (مت20:10)هكذا عمل تلاميذ المسيح كخدام للكلمة فكانت لكلماتهم قوتها وثمارها
الخادم الروحي ينمو باستمرار في محبة ربنا يسوع المسيح وباستمرار يكون مستواه أعلى من تلاميذه بكثير بل فيما هو ينمو في حياة الروح، ينمو تلاميذه معه في المعرفة وفي المحبة والارتباط بالله.
إنه ليس إنسانًا يتدرب على حياة التوبة، بل هو يتدرب على حياة الكمال:
وكلما ينمو يزداد اتضاعًا، شاعرًا أن الطريق طويل قدامه، أطول بكثير من قدرة خطواته لذلك يشعر في كل حين باحتياجه المستمر إلى الله.
الخادم الروحي يهدف إلى روحانية أولاده:
ولذلك فدروسه دسمة وعملية وتقربهم إلى الله وهم يثقون بكلامه، كأنه كلام الله لأنهم يوقنون أنه يأخذ من الله ويعطيهم بعكس الخدام الذي فقدوا روحياتهم، وأصبحت لهم مجرد صورة التقوى لا قوتها.
الخادم الروحي لا يترك أمور العالم تشغله عن روحياته:
وإذا استمر في التركيز على ما فيه خلاص نفسه، فقد ينتهي به الأمر إلى التفرغ الكامل لخدمة الرب، أعني حياة التكريس.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
04 يونيو 2025
صفات الخادم الروحي
الخادم الروحي هو حركة دائبة دائمة متجهة نحو الله:-
أو هو حركة داخل قلب الله، بسبب حركة إلهية داخل قلبه إن يتعب دائمًا لأجل راحة الآخرين وراحته الحقيقية في أن يوصل كل إنسان إلى قلب الله هو شمعة تنير لكل من هو في مجال نورها وقد تذوب حرارة وحبًا لكي يستضئ الناس بها، ولكي يتحقق قول الرب "أنتم نور العالم" (مت14:5).
الخادم الروحي هو إنسان دائم الصراع مع الله
يجاهد مع الثالوث القدوس، من أجل نفسه ومن أجل الناس لكي يأخذ منه وعدًا لأجل المخدومين، حتى تصير أنفسهم ناجحة (3يو2) ومقبولة أمام الله.
الخادم الروحي هو روح، وليس مجرد عقل.
ليس مجرد مدرس، ولا مجرد حامل معلومات ينقلها إلى الناس بل هو روح كبيرة اتحدت مع الله، واختبرت الحياة معه، وذاقت ما أطيب الرب وتريد أن تنقل هذه الحياة إلى غيرها تنقلها بالمشاعر، بالمثال الحي، بالقدوة الصالحة، بالصلاة والابتهال لأجل المخدومين.
إنه لا يلقي دروسًا، بل هو نفسه الدرس:
إنه العظة قبل أن يكون واعظًا إنه يدرك أن تحضير الدرس أو العظة ليس مجرد تحضير المعلومات، إنما هو تحضير ذاته، لتكون صالحة لعمل الروح فيه يذكر باستمرار قول الرب "من أجلهم أقدس أنا ذاتي، لكي يكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق" (يو19:17) ويضع أمامه العبارة التي قالها القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف "لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك لأنك إن فعلت ذلك تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا" (1 تي16:4).
الخادم الروحي لا يتحاج تلاميذه إلى افتقاد:
لأنهم من تلقاء ذاتهم يشتهون درسه اشتهاء. وعندما يرونه في الكنيسة، يكونون كمن وجد غنائم كثيرة أنهم ينتفعون من منظره ومن معاملاته، كما ينتفعون من كلامه وربما أكثر كما أنه يستطيع أن يربطهم بالحب برباط قوي يجذبهم بشدة إلى الله وإلى الكنيسة إن درسه شهوة لنفوسهم ولأرواحهم ولقلوبهم ولعقولهم.
الخادم الروحي يحب تلاميذه، ويحب خلاص نفوسهم:
محبته لهم هي جزء من محبته لله وملكوته وهو يحبهم كما أحب المسيح تلاميذه وقيل عنه إنه "أحب خاصته الذي في العالم. أحب حتى المنتهى" (يو1:13).
الخادم الروحي يحب الله من كل قلبه ويريد أن تلاميذه يحبون الله مثله فإن أحبوا الله تزداد محبته لهم إعجابًا بروحهم وإن سقط بعضهم، تزداد محبته لهم إشفاقًا عليهم وسعيًا لإنقاذهم وبهذا الحب كله، يعطيهم صورة مشرقة عن الدين وعن الله.
الخادم الروحي، أولاده روحيون مثله:
لأنه يربيهم في حياة الروح، فيكونون على شبه ومثاله.
وعلى نفس القياس: الخادم الاجتماعي أولاده اجتماعيين والخادم العقلاني الذي لا يهتم إلا بالعِلم، يكون أولاده مجرد كتب تحمل معلومات ما أصدق قول الكتاب في قصة الخليقة، إن الله خلق "شجرًا ذا ثمر، يعمل ثمرًا كجنسه شجرًا يعلم ثمرًا، بذره فيه كجنسه" (تك11:1، 12) إن كان الأمر هكذا، فلنحترس نحن كيف نكون لأنه على شبهنا ومثالنا سيكون أولادنا.
الخادم الروحي يشعر أن أولاده أمانه في عنقه:
سيعطي عنهم حسابًا أمام الله في يوم الدين أنهم أولاد الله وقد تركهم في يديه ليقوم بخدمتهم "ويعطيهم طعامهم في حينه" (لو42:12) لذلك هو يعمل على الدوام بخوف الله، شاعرًا بمسئوليته.
أريد من كل خادم أن يسأل نفسه عن ثلاثة أمور: روحانية خدمته، وروحانية حياته، وروحانية أولاده روحانية حياته من أجل أبديته وخلاص نفسه، وبسبب تأثير حياته على مخدوميه وروحانية خدمته حتى تكون ذات تأثير مثمر في إيجاد جيل روحاني. أما عن روحانية أولاده فتحتاج منه إلى جهد وصبر وطول أناة.
الخادم الروحي يطيل باله جدًا، حتى تنبت بذوره وتنمو:
وحتى تخضر وتزهر وتثمر ولا يضيق صدره ولا ييأس إن تأخر إنباتها أو إثمارها إنما يجاهد على قدر ما يستطيع، ويشرك الله معه، ويضع أمامه قول الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضفعاء" (رو1:15) إن بعض النفوس لا تعطي ثمرًا سريعًا وبعضها لا يستطيع أن يتخلص من أخطائه بسرعة وهؤلاء وأولئك يحتاجون إلى من يطيل روحه عليهم حتى يخلصوا كما يطيل الله أناته علينا، ليقتادنا إلى التوبة (رو4:2) قال القديس يوحنا ذهبي الفم إن كان الجنين الجسدي يحتاج إلى شهور طويلة إلى أن يتكامل نموه ويخرج، فلنصبر إذن على الجنين الروحي حتى يكمل نموه.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
29 مايو 2025
الصعود
تحتفل الكنيسة بعيد الصعود المجيد،إذ صعد المسيح إلى السماء،وجلس عن يمين الآب صعد في مجد متحديًا كل قوانين الجاذبية الأرضية وأعطانا أيضًا أن نصعد مثله،ونتحدى جاذبية الأرض، وننضم إلى جاذبيته هو بقوله "وأنا إن ارتفعت، أجذب إلى الجميع" أخذته سحابة،واختفى عن أعينهم وسيأتي ثانية على سحاب السماء،مع ملائكته وقديسيه،لكي يرفعنا معه على السحاب، ونكون مع الرب في كل حين وكما جلس عن يمين الآب، سيجلسنا معه في مجده هذا الذي صلبوه في الجلجثة،وأحصى وسط أَثَمَة،مع كثيرين من التعيير والإهانات، قام من الأموات في مجد،وصعد إلى السموات في مجد وجلس عن يمين الآب في مجد ولم تكن الجلجثة نهاية محزنة لحياته،إنما كانت بداية لكل أمجاده وهكذا كل من يتألم معه، لابد سيتمجد معه كانت آخر صورة رآها له الاثنا عشر،هي هذا الصعود،الذي رفع كل أنظارهم إلى فوق، حيث المسيح جالس،والتي قال عنها الرسول "رفع في المجد" (1تى 3: 16) ولم يعد ألم المسيحية منفصلًا عن أمجاده
هذا المسيح الذي تألم من أجلنا ظهر للقديس اسطفانوس في آلام استشهاده، فرأى السماء مفتوحة،وأبصر مجد الله، ورأى يسوع قائمًا عن يمين الله (أع 7: 55، 56) فصرخ أيها الرب يسوع اقبل روحي إن الذي نزل،هو الذي صعد أيضًا ونحن لا يمكن أن نصعد،إن لم ننزل أولًا.
ندخل مثله في إخلاء الذات،وفي تحمل الآلام،وفي الصعود إلى الصليب، قبل الصعود إلى يمين الآب وإذ صعد المسيح إلى فوق، فإننا باستمرار نرفع أبصارنا إلى فوق، حيث جلس المسيح عن يمين أبيه،وحيث يرجع إلينا مرة أخرى على السحاب ليأخذنا إليه فنصعد حينئذ صعودًا لا نزول بعده مرة أخرى آمين.
مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
28 مايو 2025
الكتَابُ المقَدّس فـــــي الكَنيسَة القبْطيّة
أهميَة الكتاب:
أهميته في تأثيره، وفي خطورة البُعد عنه يقول داود النبي في (مز119) «لو لم تكن شريعتك هي تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي» كما يقول «اذكر لعبدك كلامك الذي جعلتني عليه أتكل هذا الذي عزّاني في مذلتي» ويقول في (المزمور 19) «ناموس الرب كامل يرد النفس شهادات الرب صادقة تصيّر الجاهل حكيمًا» ويقول في المزمور الأول عن الرجل البار «في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً» وتصوروا رجلاً مثل يشوع، كان قائدًا لجيش من 400 ألفًا أي مشغول جدًا، ويقول له الرب «لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهارًا وليلاً، لكى تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه حينئذ تُصلح طريقك وحينئذ تفلح» (يش1: 8) ومن أهمية الكتاب ما تعمله دار الكتاب المقدس، وتأسيس جمعيات باسم "أصدقاء الكتاب المقدس" ومن أهميته أن الوصايا العشر كُتِبت بأصبع الله وكذلك قول الرب بعدها «لتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصّها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم» (تث6:6، 7) ومن أهمية الكتاب قول القديس الأنبا أنطونيوس "كل ما تقوله أو تفعله، ليكن لك عليه شاهد من الكتب" وهذا مبدأ نسير عليه.
عَلاقتنا بالكتاب:
هي محبة الكتاب اقتناؤه قراءته، التأمل فيه، حفظه، العمل به.
فمن جهة محبته: قول الرب «لتكن على قلبك» (تث6) وقول داود النبي في (مز119) «أحببت وصاياك أفضل من الذهب والجوهر» وأيضًا «إن كلماتك حلوة في حلقي أفضل من العسل والشهد في فمي»، «أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة».
ومن جهة قراءاته: تكرار عبارات داود النبي عنه «تلاوتي، درسي، ألهج فيه النهار والليل». أما عن اقتنائه: فلا يكفي أن يكون في مكتبك، بل أيضًا في جيبك ومن جهة المرأة تحتفظ به في حقيبتها.
أما عن العمل به، فيقول ربنا يسوع المسيح «الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة» (يو6: 63) أي تعرف روح الوصية (وليس حرفيتها) وتحوّلها إلى حياة، إذ تتدرب عليها وهناك فائدة ذكرها القديس مار أوغريس "إن كل خطية تحاربك، ترد عليها بآية من الكتاب".
احترام الكتاب
من جهة قراءة الإنجيل عندنا في الكنيسة، نوقد الشموع كقول الكتاب «مصباح لرجلى كلامك ونور لسبيلي» ويصلي قبلها الآب الكاهن قائلاً"أجعلنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة، بصلوات قديسيك" ويصيح الشماس قائلاً "قفوا بخوف من الله احترامًا للإنجيل المقدس" ونحن نُقبّل الكتاب، ونضعه فوق رؤوسنا وفي بيوتنا لا نضع شيئًا فوق الكتاب المقدس، إلا كتابًا مثله، أو صليبًا، أو أجبية، لأن كلها من الكتاب تقريبًا.
استخدامه:في القداس الإلهي نستمع إلى المزمور، وفصل من الإنجيل وفصول من رسائل بولس الرسول، ومن الرسائل الجامعة، ومن أعمال الرسل. وهكذا فالذي لا يقرأ، يستفيد من السماع وفي صلوات الساعات (الأجبية) نقرأ في كل ساعة فصلاً من الإنجيل ونصلي عددًا من المزامير، كلها أكثر من 50 مزمورًا.وفي أسبوع الآلام: نقرأ في كل ساعة مزمورًا، وفصلاً من الإنجيل، وبعض فصول من العهد القديم وفي يوم الجمعة الكبيرة نقرأ كل مراثي أرميا وفي ليلة أبو غالمسيس (مساء السبت) نقرأ كل سفر الرؤيا وخلال الأسبوع نقرأ الأناجيل الأربعة.
ملاحظات: قبل معرفة الطباعة، حين كان الكتاب المقدس بالنساخة، كانت نسخه قليلة، واقتناؤه صعبًا. أما الآن فقد أصبح الكتاب متوفرًا عن طريق الطباعة فلم يعد لأحد عذر في اقتنائه.
توجد نسخ من الكتاب بطريقة برايل، يستخدمهَا المكفوفون في فهم الكتاب يخطئ من يستخدم آية في غير موضعها كذلك ينبغي الاهتمام بروحانية الوصية وليس بحرفيتها فالرسول يقول «الروح يُحيي، والحرف يقتل» (2كو3: 6) وقراءة الكتاب لا تكون لمجرد المعرفة، بل للحياة. كما قال الرب: إن كلامه روح وحياة (يو6: 63) حينما نتكلم عن الكتاب نقصد كله وهكذا يقول الرسول «كل الكتاب موحي به من الله ونافع للتعليم» (2تي3: 16) أقول هذا لأن بعض طبعات الكتاب تستخدم اللون الأحمر لكلام الرب، واللون الأسود للباقي بما في ذلك كلام الرسل، كما لو كان هناك تفريق! أقول ذلك لأنه في إحدى المرات زارني في الدير أسقف إنجليزي، وتناقشنا من جهة تصريحهم بكهنوت المرأة، مما لا نوافق عليه فأوردت له بعض آيات من أقوال القديس بولس الرسول فقال لي "ولكن هذا ما قاله بولس" (على فكرة هم يتحدثون عن الرسل بأسمائهم المجردة!) فقلت له: "وما قاله القديس بولس موحى به من الله أم لا؟"، فصمت لحظة ثم قال "نعم موحى به" فقلت "إذًا هو تعليم إلهي".
خطورة الاعتماد علىَ آية واحدة:سواء من جهة العقيدة أو السلوك والمعاملات وهذا مبدأ تعلمناه من السيد المسيح له المجد ففي التجربة على الجبل (مت4) قيل له «مكتوب» فقال «مكتوب أيضًا» مثال ذلك كتاب أصدره السبتيون الأدفنتست عنوانه (الكتاب يتكلم) يقدمون كل سؤال وإجابته آية من الكتاب بينما المفروض أن نعرف كل الآيات المختصة بالموضوع!مثال ذلك: كيف تخلص؟ والإجابة «آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك» (أع16: 31) هذه الآية يجب أن نضع إلى جوارها (مر16:16) «من آمن واعتمد، خلص» وأيضًا (يع2، 17، 19) «إيمان بدون أعمال ميت» وأنواعًا من الإيمان: إيمان مثمر، إيمان عامل بالمحبة (غلا5: 6). ثم هل يخلص الإنسان بدون توبة؟! هوذا الرب يقول «إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لو13: 3، 5) ونضع كذلك قول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف «لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا» (1تي4: 16) من جهة السلوك والمعاملات لا نستخدم الآية الواحدة: فإلى جوار «أيها الأبناء أطيعوا والديكم في الرب» (أف6: 1) نضع «أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم لئلا يفشلوا» (أف6: 2) كذلك الآية التي تقول «أيها النساء أخضعن لرجالكن» (أف5: 22) نضع إلى جوارها «أيها الرجال أحبوا نساءكم، كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها» (أف5: 25) فالرجل الذي يحب امرأته ويبذل ذاته عنها، ستخضع له زوجته ليس خضوع السلطة، إنما خضوع الحب نحن لا نستخدم الآية الواحدة فقط ومع ذلك حتى الآية الواحدة لها معانٍ كثيرة وكما يقول داود النبي للرب «لكل كمال رأيت منتهى أما وصاياك فواسعة جدًا» (مز119)
الكتاب في العقيدة واللاهوت:
قانون الإيمان عندنا، كل عبارة فيه تسندها آية أو آيات وكذلك كل أسرار الكنيسة وكل الطقوس ولنأخذ المعمودية كمثال لزومها (من يو3: 5) «كل أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله» ولهذا نعمد الأطفال. ما هى؟ إنها موت مع المسيح وحياة (رو6) وأيضًا (كو2: 12) «مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه» وهي أيضًا الميلاد الثاني (يو3: 5) وأيضًا (تيطس 3: 5) «بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس» مفعولها: الخلاص (مر16:16) «مَنْ آمن واعتمد خلص».وأيضًا لغفران الخطايا كما قال القديس بطرس يوم الخمسين «توبوا وليعتمد كل واحد منكم لمغفرة الخطايا» (أع2: 38) وبها نلبس المسيح، أي نلبس البر الذي للمسيح، كما في (غلا3: 27) «لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح».طريقتها: بالتغطيس كما قيل في عماد الخصى الحبشي «ولما صعدا من الماء» (أع8: 39) وباسم الآب والابن والروح القدس (مت28: 19) وهي معمودية واحدة: كما ورد في (أف4: 5) «رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة» ولذلك فالذين اعتمدوا بالماء والروح، كيف يعتمدون مرة أخرى بمعمودية يسمونها (معمودية الروح)؟!
الكتاب في الحَياة العـَــامة:في الرعاية: كما ورد في (حز3: 17-19) «اسمع الكلمة من فمي وأنذرهم من قبلي إذا قلت للشرير موتًا تموت، وما أنذرته أنت يموت الشرير بإثمه وأما دمه فمن يدك أطلبه».
في الأحوال الشخصية: الطلاق لعلة الزنى كما في (مت5: 32)، (مت19: 9)، (مر10: 11)، (لو16: 18) وأيضًا للخلاف في الدين، كما في (1كو7: 15) «ليس الأخ أو الأخت مستعبدًا في مثل هذه الحالة إن أراد أن يفارق فيفارق».في التوبة: (أر31: 18) «توّبني يارب فأتوب». وأيضًا في مزمور الراعي (23: 3) «يرد نفسي يهدني إلى سُبل البر».في الحفظ: مزمور 121 «الرب يحفظك من كل سوء، الرب يحفظ نفسك، الرب يحفظ خروجك ودخولك من الآن وإلى الابد».
مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
21 مايو 2025
مِنَ الأعوَاز
مبدأ أهمية العطاء من الأعواز يتضح بصورة عميقة في قصة الأرملة التي وضعت فلسين في الصندوق (حوالي مليمين) فامتدحها الرب وقال«الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع، لأن هؤلاء من فضلتهم ألقوا في قرابين الله وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل المعيشة التي لها» (لو21: 2-4) إن الرب يعلمنا أن أعظم عطاء هو العطاء من الأعواز فالذي يعطي من أعوازه (من احتياجاته) يدل على أن عطاءه فيه الكثير من الحب والبذل، ومن تفضيل غيره على نفسه بعكس الذي يعطي مما فاض عنه من سعة، دون أن يشعر باحتياج وفي هذا الموضوع أود أن أتأمل معكم فيمن يعطي من أعوازه سواء من جهة المال، أو أعوازه من جهة الوقت، أو من جهة الراحة والصحة كذلك من يعطي من أعوازه، من جهة الأولاد والأقارب أول مثل لذلك أبونا إبراهيم أبو الآباء في تقديمه إسحق لقد أنجب أبونا إبراهيم ابنًا بعد طول انتظار، وبعد وعود إلهية وعقم من زوجته، وكان قد شاخ وفرح بهذا الابن جدًا، وإذا بالأمر الإلهي يصل إليه «خذ ابنك، وحيدك، الذي تحبه وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال » (تك22: 2) وذهب إبراهيم ليقدم للرب هذا الابن من أعوازه وكانت هذه التقدمة عزيزة جدًا في عيني الرب، فمنعه عنها بعد أن جهّز المذبح والحبل والسكين وقال له «من أجل أنك لم تمسك ابنك وحيدك عني، أباركك مباركة، وأكثر نسلك تكثيرًا كنجوم السماء، وكالرمل الذي على شاطيء البحر» (تك22: 16، 17) مثال آخر هو حنة أم صموئيل كانت عاقرًا، وكانت ضُرّتها تعايرها وتغيظها حتي أبكتها فصامت، وصلت صلاة في الهيكل، وبكت بكاءً ونذرت نذرًا إن أعطاها الرب نسلاً أن تقدمه لخدمة الرب (1صم1) وقد كان فلما أعطاها الرب صموئيل، ما أن شبّ عن الأرض، حتى أخذته وقدمته ليخدم الرب في الهيكل في شيلوه أعطته للرب من أعوازها، فباركه الرب، وجعله نبيًا له، وأعطاها أن يمسح شاول ملكًا (1صم10) ويمسح داود ملكًا (1صم16) كما أعطى الرب حنة أم صموئيل ثلاثة بنين وبنتين (1صم2: 22) إنها أعطت للرب ابنًا من أعوازها، فلم يدعها معوزة للبنين للأسف بعض النساء حاليًا يبخلن بأزواجهن في سيامة الكهنوت! وأيضًا يبخلن بأبنائهن أو بناتهن في التقدم للرهبنة وقد حدث هذا معنا أكثر من مرة الشعب وافق بالإجماع علي ترشيح أحد الخدام للكهنوت ولكن الزوجة رفضت، فلم تتم الرسامة!! لأن الكتاب يقول «المعطي بسرور يحبه الرب» (2كو 9: 7) إعطاء الزوج للكهنوت قد يكون عطاء من الأعواز، قد ترى فيه الزوجة أنه سيتحول إلى (قطاع عام) بعد أن كان خاصًا بها !مثال آخر ممن يعطي من أعوازه وهو من يعطي نفسه للرب أقصد من يكرس ذاته للرب، ويعطيه هذه الذات التي لا يملك غيرها، ويترك الكل من أجله أحباء ومقتنيات ننتقل إلى نقطة أخرى، وهي عطاء المال من الأعواز.قد يوجد إنسان له مال كثير ويعطي منه للرب. ولكن هذا العطاء لا يكون له العمق مثل من يعطي وهو محتاج إلي ما يعطيه كإنسان يقول مرتبي كله لا يكفيني فكيف أدفع عشوره؟ حقًا، إنك ستعطي من أعوازك لذلك سيبارك الله الباقي فيكون أكثر من المرتب كاملاً مثال آخر، قول الرب «قدِّس لي كل بكر، كل فاتح رحم» (خر 13: 2) وهذه هي وصية البكور وكانت قديمًا من الإنتاج النباتي أو الحيواني إنسان مثلاً يزرع شجرة، وينتظر أن تعطي ثمرًا فتعطي ثمرها بعد ثلاث أو أربع سنوات فيأخذ هذا الثمر كله (باكورة طرحها) ويقدمه للرب إنه أيضًا عطاء من الأعواز كان ينتظره ولم يأخذ منه لنفسه وهكذا إن كانت عنده بهيمة أو شاة وينتظر أن تلد، فأول مولود لها يقدمه للرب ولكن ماذا عن الوضع الآن؟ غالبية الخريجين يشكون من البطالة فإن حدث أن أحدهم نال وظيفة معينة، طالما كان ينتظرها ويأخذ منها أول مرتب، فيقدمه لله لأنه باكورة إيراده هذا أيضًا عطاء من الأعواز وبالمثل أول عملية جراحية يجريها طبيب، أو أول كشف أو علاج، يقدمها أيضًا للرب وبالمثل يفعل كل مهندس، أو مدرس، أو محاسب، أو محام، أو صاحب أيّة مهنة، يقدم أول مكسب له لله فهل تحاسبون أنفسكم على البكور القديمة التي لم تقدموها للرب؟لا أقصد بمقدارها القديم الذي كان منذ عشر سنوات أو أكثر، وإنما بما يوازي ذلك القدر حاليًا لأنك إذا دفعت حاليًا بنفس القيمة القديمة لا تكون قد أعطيت من أعوازك !إن الأمر يدل باختصار على مدى محبة الإنسان للمال أم ارتفاعه عن مستوى ذلك لذلك مال الفقير المقدم لله أكثر قيمة من مال الغني الموسر إنه يمثل لونًا من العملة الصعبة إنه يذكرني بقصة أولوجيوس قاطع الأحجار، الذي كان يكسب في اليوم درهمًا واحدًا فيجلس في الغروب على مدخل بلدته، ليرى أي غريب فيستضيفه من درهمه الوحيد وقد روى القديس الأنبا دانيال قمص شيهيت قصة هذا الرجل يذكرني هذا أيضًا بقصة القمص يوسف مجلي، وكان أقدم كهنة الإسكندرية قابله في الطريق إنسان محتاج يطلب منه صدقة. ولم يكن في جيبه شيء من المال، فاقترض من (بقّال) قرب البطريركية، وأعطي ذلك المحتال منفّذًا وصية «من سألك فأعطه»، حتى لو كنت لا تملك شيئًا من الأمثلة الأخرى، ذلك الأب الفقير الذي يعلم أولاده من أعوازه أو ذلك الأب المريض الذي يفضل عدم شراء الدواء اللازم له، ويقدم ثمن الدواء ليغطي احتياجات أولاده هل يذكر الأبناء عطاء آبائهم – من فقرهم – حتى أمكن تربيتهم؟!هنا وأتذكر الكنائس التي تقصر في إعطاء الفقراء احتياجاتهم معتذرة بأنها تحتاج المال لمشروعات بناء أو أنشطة أخرى!!هذه أيضًا كان يجب أن تعطي من أعوازها لتنفذ وصية الرب، ولكي تكون عنايتها بالفقراء عملية مهما كان الاحتياج أعطوا الفقراء ولو من مال المشروعات المعتازة إننا جربنا هذا العطاء في بعض كنائس مصر الجديدة، فكانت النتيجة أن الإيرادات زادت جدًا عن ذي قبل مع أن الكنيسة عندها مشروعات، ولكنها تعطي مع أن المشروعات محتاجة أنتقل إلى نقطة أخرى، وهي العطاء من أعواز الوقت من جهة وقت العمل، أو وقت الراحة والصحة ترجع البيت وأنت في غاية التعب،ولسان حالك يقول "ثِقَل النهار وحرّه لم احتمل لضعف بشريتي" وتريد أن تنام وتستريح. ولكن ماذا عن الصلاة؟! تقول: ليس لديّ لها وقت الآن بكل صراحة أنا في غاية التعب، والنوم ضاغط علىّ إذًا أنت لا تريد أن تعطي من أعوازك!فلو أنت قاومت التعب، وأعطيت من أعوازك إلى الراحة، وصلّيت، حينئذ صلاتك تقتدر كثيرًا في فعلها والرب يعطيك نعمة لتكمل أو أحيانًا تتقدم للصلاة، وفي ذهنك موضوعات كثيرة تشغلك وتريد أن تفكر فيها ومعني ذلك أن تحلّ نفسك من كل تلك الموضوعات المهمة لكي تعرف كيف تصلي فإن فعلت هذا تكون قد أعطيت من أعوازك لا تقل أنتهي من هذا الفكر أولاً ثم أصلي أو انتهي من الحديث مع هذا الضيف الذي عندي ثم أصلي أو أتعشى أولاً وبعد ذلك أصلي وهكذا تجعل الله في آخر القائمة ثم تذهب أخيرًا إلى الصلاة وأنت في غاية الإرهاق فتقول أنام الآن،وعندما يأتي الصباح سوف أصلي!!وكأنك تقول لله – كما قيل لبولس الرسول – «أذهب الآن ومتي حصل لي وقت استدعيك» (أع24: 25) لا يصحّ أن تكون الأمور هكذا أعطِ إذًا من أعواز وقتك سواء لعمل الصلاة أو التأمل أو القراءة الروحية وأعطِ قلبك لذلك والله سوف لا ينسى لك تعبك، وبَذلك لراحتك نفس الوضع بالنسبة إلى الوقت اللازم للخدمة، الذي تقدمه لله على الرغم من كثرة مشغولياتك وعبء المسئوليات الأخرى لا تحاول أن تعتذر عن الخدمة، مبرِّرًا بأنه ليس لديك وقت بل أعطِ للخدمة من أعوازك إلى الوقت أقول ذلك لخدام اجتماعات الشباب والأسرات الجامعية والوعظ. كما أقول نفس الكلام للآباء الكهنة ولزوم تخصيصهم وقتًا للافتقاد، وتلقّي الاعترافات، وزيارة المرضى، وحلّ مشاكل العلائلات لا تعتذروا عن أداء هذه الخدمات، مبرّرين ذلك بأعذار، بل تذكروا تلك العبارة "إن طريق جهنم مفروش بالأعذار والتبريرات"حاول أن تنتصر على مشغولياتك، وأعطِ لله وقتًا من أعوازك عندما تعطي الله وقتًا في تعبك، هو يعوضك ويرفع عنك التعب كمان قيل إنه «يعطي المعيي قدرة، ولعديم القدرة يكثر شدة» (إش40: 29) أعرف أن عبارة "ليس عندي وقت" ربما يكون تفسيرها "ليس عندي اهتمام"فالأمر الذي تعطيه أهمية سوف تجد له وقتًا أتكلم أيضًا من جهة واجبات التربية المنزلية الأب والأم مسئولان عن تربية ابنهما روحيًا، وليس فقط من جهة الصحة والتغذية والملبس والتعليم.فهل يعتذر كل منهما بأنه ليس لديه وقت يقضيه في جلسة روحية مع أولاده؟ هوذا الله يقول «لتكن الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك» (تث6:6) في حضوري العيد الألفي لمعمودية روسيا، شكرت الكنيسة لحفظها الإيمان خلال 70 سنة من الشيوعية وشكرت أيضًا الأمهات والجدات اللاتي كن يهتممن بالأطفال ويقمن بتقلينهم الإيمان وأعدادهم للمعمودية.أعطو إذًا وقتًا – ولو من أعوازكم – لتعليم أولادكم دينهم.
مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
14 مايو 2025
البَركَــة
كلنا نطلب البركة في حياتنا ونفرح بها. فما هي البركة؟ وما هي فاعليتها؟ وما تاريخها؟ وما أنواعها؟ هذا ما سوف نتحدث عنه.تبدأ البركة منذ خلق الإنسان الأول، آدم وحواء.خلقهما الله على صورته ومثاله. «وباركهم الله. وقال لهم: أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض» (تك1: 28). ونفس البركة كانت لنوح وبنيه. إذ يقول الكتاب «وبارك الله نوحًا وبنيه، وقال لهم: أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض. ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض، وكل طيور السماء، مع كل ما يدب على الأرض، وكل أسماك البحر قد دفعت إلى أيديكم» (تك9: 1، 2).وهكذا كانت البركة الأولى هي الكثرة والسلطة. وبها أصبح الإنسان وكيلاً لله على الأرض وتطور الأمر إلى أن الله جعل البعض بركة.وظهر هذا الأمر في مباركته لأبينا أبرآم أبي الآباء، إذ قال له «أجعلك أمة عظيمة، وأباركك، وأعظّم أسمك، وتكون بركة. وأبارك مُبارِكَك، ولاعنك ألعنة. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض» (تك12: 2، 3).حقًا ما أجمل هذا الأمر وما أسماه، أن يصبح الإنسان بركة. بنفس الوضع كان إيليا النبي بركة في بيت أرملة صرفة صيدا في وقت المجاعة: كوار الدقيق لم يفرغ، وكوز الزيت لم ينقص (1مل17: 16). ومن بركته أيضًا أنه أقام ابنها من الموت (1مل17: 22).وبنفس الوضع كان يوسف الصديق بركة في بيت فوطيفار «فبارك الرب هذا البيت بسبب يوسف. وكانت بركة الرب على كل ما كان له في البيت وفي الحقل» (تك39: 5، 6).إن كان الرب قد جعل أبانا أبرآم بركة، فقد منحه أيضًا الكثرة. فقال له «لا يُدعى اسمك بعد أبرآم، بل يكون اسمك إبراهيم، لأني أجعلك أبًا لجمهور من الأمم، وأثمرك كثيرًا جدًا، وأجعلك أممًا، وملوك منك يخرجون» (تك17: 5، 6)، وهكذا وعد الله أن نسل إبراهيم يكونون في الكثرة مثل نجوم السماء ورمل البحر، لا يُحصى لهم عدد.وهناك أنواع كثيرة من البركة وردت في (تث28: 1-11).وكلها تتوقف على طاعة الرب والعمل بوصاياه.هكذا ورد في سفر التثنية: «إن سمعت سمعًا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه.. يجعلك الرب مستعليًا على جميع قبائل الأرض، وتأتي عليك جميع هذه البركات وتدركك.مباركًا تكون في المدينة، ومباركًا تكون في الحقل.مباركة تكون ثمرة بطنك، وثمرة أرضك، وثمرة بهائمك،.. نتاج بقرك وإناث غنمك. مباركة تكون سلَتك ومعجنك.مباركًا تكون في دخولك، ومباركًا تكون في خروجك.يجعل الرب أعداءك القائمين عليك منهزمين أمامك. في طريق واحدة يخرجون عليك، وفي سبع طرق يهربون أمامك.يأمر لك الرب بالبركة في خزائنك، وفي كل ما تمتد إليه يدك.. يقيمك الرب لنفسه شعبًا مقدسًا.. ويزيدك الرب خيرًا» من أجل هذا، يسعى الكل للبركة ويطلبونها يعقوب أبو الآباء سعى إلى نوال بركة أبيه ولو بحيلة خاطئة وصارع مع الرب قائلاً له «لا أطلقك إن لم تباركني» (تك32: 26).وعيسو أخوه صرخ وبكى طالبًا البركة من أبيه (تك27).نلاحظ أيضًا بركة يعقوب لأولاده (تك48)، وكما قال، هكذا كان. ومباركته لأفرايم ومنسى ابنى يوسف. وكيف في مباركتهما وضع يديه عليهما بحكمة وترتيب.وبركة الوالدين تظهر أيضًا في الوصايا العشر (خر20، تث6) إذ يقول «أكرم أباك وأمك، لكي تطول أيامك على الأرض». فوراء إكرامهما بركة. وهكذا قال بولس الرسول إنها أول وصية بوعد (أف6: 2).مصادر البركة إذًا كثيرة: منها حفظ الوصايا، ومنها إكرام الوالدين. ومنها دفع العشور. وفي هذا ورد في الأصحاح الثالث من سفر ملاخي «هاتوا العشور وجرّبوني – يقول الرب – إن كنت لا أفتح لكم كوى السماء، وأفيض لكم..». إنك بالعطاء تأخذ بركة الذين يتلقون عطاءك، فيدعون لك. ويكون لك – بعطائك – كنز في السماء، ويكون لك أيضًا "بركة في ذريتك" (إش44: 3). وأيضًا تحل البركة على بيتك (حز44: 3). وأيضًا إن تعرض إنسان للهلاك وأنقذته، تنال بركة. وفي ذلك قال أيوب الصديق «بركة الهالك حلَت عليّ» (أي29: 13). أي الشخص الذي كاد يهلك، وأنقذته، بركته حلّت عليّ.إن كل عمل طيب تقوم به، تنال بركته إن هناك بركات مادية يهبها الله، وبركات روحية.وعن البركات الروحية، قال القديس بولس الرسول «باركنا بكل بركة روحية» (أف1: 3). وكل خيرات الأرض بركات مادية. ويقول الكتاب إن العنقود الذي تتبقّى فيه حبة واحدة، فيه بركة.هناك بركة الكهنوت. فالكاهن يبارك الشعب أو الأفراد بالرشم، أو بوضع يده، أو بكلمة بركة. وكان الله في العهد القديم يأمر الكهنة بمباركة الشعب. وقال لهم هكذا «تباركون بني إسرائيل» (عد6: 3). نلاحظ أن سليمان – كمسيح للرب – بارك الشعب في يوم تدشين الهيكل (1مل8).والكنيسة المقدسة تبارك الشعب بقول الكاهن "محبة الله الآب، ونعمة الابن الوحيد، وشركة وموهبة الروح القدس، تكون مع جميعكم. امضوا بسلام، سلام الله يكون معكم". مع ذكر بركات القديسين قبل ذلك.توجد أيضًا مباركة البيوت الجديدة، ولها طقس خاص.أيضًا الكاهن حينما يزور أي بيت، يباركه بصلاة معينة. وأنا حينما كنت أزور أي بيت في المهجر، كنت حالما أدخله أقول: "قال الرب يسوع: أي بيت دخلتموه، قولوا سلام لأهل هذا البيت"، ثم أصلي صلاة على كوب من الماء، وأرش الماء على الجدران (لكي لا يقع الماء المُصلّى عليه على الأرض)، وأقول: "بيوت صلاة، بيوت طهارة، بيوت بركة، أنعم بها يا رب علينا وعلى عبيدك الآتين بعدنا إلى الأبد".وكما يبارك الكهنة البيوت، يقومون بمباركة المائدة قبل تناول الطعام. بل كل شخص – قبل أن يأكل – عليه أن يبارك الطعام. وأنا شخصيًا أرشم الطعام أولاً، وأقول: "بارك يا ربنا يسوع طعامًا لأرواحنا كما أعطيتنا لأجسادنا". ثم بعد ذلك الصلاة الربية نذكر في البركة أيضًا بركة الهيكل والمذبح، وبركة التناول، إذ ننال فيه بركة عظيمة، لأنه "طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا" كما نقول في القداس الإلهي.كذلك هناك بركة نأخذها من المواضع المقدسة، مثل الأديرة والمغارات، وبعض الكنائس. وبركة أخرى نأخذها من رفات القديسين ومن أيقوناتهم. فلتكن بركتهم معنا من الآن وإلى الأبد، آمين.
مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
المزيد
07 مايو 2025
حَيـــَـــاة السَّـــلام الدَائــِــم
أولاد الله يعيشون دائمًا في سلام، مطمئنين إلى عمل الله معهم، مهما كانت الظروف المحيطة بهم.بل يقول الكتاب إنه «سلام يفوق كل عقل». ليس هو سلامًا عالميًا أو نفسيًا، أو سلامًا مخادعًا، ولا هو تخدير للأعصاب، إنما هو سلام من الروح القدس.هذا السلام هو ثمر من ثمار الروح القدس (غل5: 22).الذي يسكن الروح القدس في قلبه، يعيش في سلام..ليس هو سلامًا ناتجًا من اعتداد بالذات، أو بالنفس، أو بقوة الشخصية، إنما هو سلام داخلي من الروح القدس.لما تجسد رب المجد غنّت الملائكة «.. وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة»، مُبشِّرة بالسلام والفرح. وقبل صعود الرب قال لتلاميذه: «سلامي أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع».ما كان أولاد الله يضطربون إطلاقـــًـا، بل كان أعداؤهم يضطربون حينما يرونهم في سلام، على الرغم من كل متاعبهم.وأكثر عبارة يكررها الكاهن في الكنيسة هي "السلام لجميعكم" لأن الكنيسة تريد أن تزود أولادها بالسلام في كل وقت.ولما أرسل المسيح تلاميذه السبعين، قال لهم: «وأي بيت دخلتموه فقولوا سلام لهذا البيت. فإن كان ابنًا للسلام، يحل سلامكم عليه». من هنا حينما يتقابل الناس، يبدأون بعبارة السلام.هذا السلام، إذا فقده الناس، يتعبون روحيًا ونفسيًا وجسديًا.. ويقعون في الخوف والاضطراب والانزعاج والقلق والشك، وفي أمراض عصبية وجسدية كثيرة.ولهذا تريدنا الكنيسة أن نمتلئ بالسلام الداخلي، ونعيش في فرح تملك علينا البشاشة «افرحوا في الرب كل حين».الشهداء في السجون، كانوا يرتلون ويغنون. بولس الرسول كان يسبّح الله، ورجلاه في المقطرة، في السجن الداخلي. بطرس وهو مسجون، كان نائمًا إلى أعماقه، في سلام كامل.. السلام الذي لم يفارق الشهداء، حتى وهم ذاهبون إلى الموت، وحتى في أماكن آلات التعذيب الرهيبة.كذلك في البرية، وسط الوحوش والدبيب وحروب الشياطين، كان القديسون يعيشون في سلام وفرح. قال القديس أثناسيوس الرسولي عن الأنبا أنطونيوس "مَن كان مضطربًا أو مُرّ النفس، ويرى وجه الأنبا أنطونيوس، إلا ويمتلئ بالسلام"!الممتلئون بالسلام تجدهم دائمًا أشخاصًا مريحين، يريحون الآخرين. إن جاءهم شخص متعب، يخرج وهو مبتهج القلب، وقد ملأ السلام قلبه، دون أن يتملقوه أو يخدعوه، قد يتبكت على على خطيته، ومع ذلك يمتلئ بالسلام.سلام لأنه عرف نفسه، وسلام في الله المحب الذي يغفر.ما أجمل أن يعيش الإنسان في سلام، وسط المتاعب..كان داود يطارده شاول الملك، ومع ذلك كان سعيدًا بمزماره، يغني للرب أغنية جديدة، في وسط متاعبه وآلامه.شاول الملك يحاول قتله، وهو يغني للرب، دون أن يفقد سلامه، إنه يقول عن أعدائه «أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد والتهبوا كنار في شوك». فهل فقدت بذلك سلامك؟ يجيب داود: كلّا! «دُفِعت لأسقط، والرب عضدني... قوتي وتسبحتي هو الرب، وقد صار لي خلاصًا»، إنها خبرة السلام التي جعلته يقول: «يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك، بل يعينك تتأمل، ومجازاة الخطاة تبصر». إن داود لا ينظر إلى الأخطار، إنما إلى الله. وفي سلسلة اختباراته يقول «نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا»، «لولا أن الرب كان معنا، حيث قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء».إن ذكر اسم الرب في وسط الضيق، يمنح سلامًا «اسم الرب برج حصين، يركض إليه الصديق، ويتمنّع» (أم18: 10). لا جليات الجبار يفقده سلامه، ولا شاول الذي يطارده بالموت.أولاد الله في حياة السلام، لا يعرفون خوفـــًـا على الإطلاق. «إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف».. لماذا؟ لأن «الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت»، ينجيه الرب من سهم الصياد، ومن أمر يسلك في الظلمة. لا تضربه الشمس بالنهار، ولا القمر بالليل.. يحيا في الحفظ الإلهي.القلب المملوء سلامًا، يقول في كل ضيقة، "كله للخير".أما الفاقد السلام فيتخيل متاعب، حيث لا توجد متاعب..هناك قوة تحيط به، ومشكلته الكبرى أنه لا يراها.جيحزي رأى جيوش الأعداء فقط، تحيط بالمدينة، ففقد سلامه. أمّا أليشع فكان يرى القوة الإلهية تدافع عن المدينة، فقال عبارته الخالدة: «إن الذين معنا، أكثر من الذين علينا». وهكذا امتلأ سلامًا. وطلب من الرب أن يفتح عينى الغلام جيحزي، ليرى فيطمئن.إن كنت ترى فقط الذين عليك، دون أن ترى الذين معك وجند الرب المدافعة عنك، حينئذ تفقد سلامك. آمن أن الله معك، وأنه لا يتركك، فتمتلئ سلامًا.إن الذي يفقد إيمانه، يفقد سلامه، والمؤمن يعيش في سلام بإيمانه أن الله موجود: وأنه يعمل، وأنه "يحكم للمظلومين" وأن الرب يحفظ الأطفال، وأنه ضابط للكل، يرى كل شيء، ويدبر كل شيء.آمن أن حياتك في يد الله، تمتلئ سلامًا، أما إن شعرت أن حياتك في أيدى الناس، فحينئذ ستفقد سلامك.إن الله وحده هو الذي يملك حياتنا ومصائرنا، هو الذي بيده مفاتيح الموت والحياة. هو الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح. أما الناس فلا يملكون شيئـــًـا.نحن إن عشنا، فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت، إن عشنا أو متنا، فللرب نحن. لا سلطان للناس علينا.إبراهيم أبو الآباء، لم يفقد سلامه حينما أمره الرب بتقديم ابنه وحيده إسحق محرقة للرب، ولا إسحق فقد سلامه. إن أولاد الله لا يفقدون سلامهم. حتى إن وُضِع إسحق فوق الحطب، وارتفعت فوق رأسه السكين، مادام الله يمسك باليد التي تمسك السكين. حينئذ نطمئن ولا نفقد سلامنا.. لابد أن الله سيقول «لا تمس الغلام، ولا تصنع به شرًا».أهل العالم عندما يرون سلام أولاد الله، يقولون: هؤلاء الناس فيهم سر. يُعجبون من سلامهم، ولا يدركون أن مصدره هو الروح المعزي، مصدر كل عزاء.المهم، لكى نحتفظ بسلامنا، أن تكون قلوبنا بلا لوم أمام الله. لأنه «لا سلام، قال الرب للأشرار».إن اهتزت علاقتك بالله، تفقد سلامك. إن سيطرت عليك الرغبات والشهوات، تفقد سلامك أيضًا، وتظل عبدًا للرغبة، متى تتحقق؟ وكيف؟ وتتعب بالرغبة والانتظار، وتحتك بالناس بسبب اصطدام مصلحتك بمصالحهم، وقد صدق القديس الذي قال: "ازهد في ما في أيدي الناس، يحبك الناس".لكي تعيش في السلام. لا تحمل هموم الغد.. لا تقل ماذا يحدث في الغد؟ إن الغد له إله، هو يهتم به «لا تهتموا بما للغد. فالغد يهتم بما لنفسه». إن أردت أن تعيش في سلام، لا تحمل همومك، إنما ألقها على الله الذي قال «تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم».حياتك إن وضعتها في يدك ستتعب، وإن وضعتها في أيدي الناس ستتعب. وإن وضعتها في يد الله فإنك تستريح.لا تقف وحدك، بعيدًا عن الله. لا تحاول أن تحل مشاكلك بنفسك، ناسيًا أن الله هو الذي يحل المشاكل.. قل له أنا يا رب تعبت الليل كله ولم أصطد شيئـــًـا. أو قل له كما قال القديس أوغسطينوس: "ستظل قلوبنا مضطربة إلى أن تجد راحتها فيك".إنك لا يمكن أن تجد سلامك، إلا إذا عرفت الله، ومشيت معه، وألقيت عليه كل همومك، ولم تفكر في الغد، ولا في المتاعب، وإنما حصرت فكرك في الله.إن أولاد الله لا يقلقون أبدًا. القلق كلمة لا توجد مطلقــًـا في قاموسهم الروحي. لا يعرفونه، ولم يختبروه.. ولا في أحلك اللحظات، ولا في أتعب الأمور.. إنهم يعيشون حياة الفرح الدائم، وحياة السلام الدائم، اليوم وغدًا، وبعد غد، وإلى أبد الآبدين آمين.
مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
المزيد
30 أبريل 2025
يعمل بين الصلب والقيامة
إن الله في قيامته، قدس الطبيعة البشرية القابلة للموت، وجعلها قابلة للقيامة وقبل القيامة، كان الرب يعمل من أجلنا أيضًا، حتى حينما كان جسده في القبر بالموت انفصلت روحه عن جسده ولكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن روحه ولا عن جسده. واستطاعت روحه المتحدة بلاهوته أن تعمل عملًا خلاصيًا عجيبًا من أجل الراقدين على رجاء كان بموته قد دفع ثمن الخطية، واشترانا بدمه، لذلك كان من حقه وقد فدي البشرية، أن ينقل الراقدين من الجحيم إلى الفردوس. وقد كان بروحه المتحدة باللاهوت، ذهب إلى الجحيم، ليبشر الراقدين هناك على رجاء لقد نزل إلى أقسام الأرض السفلى، وسبي سبيًا (أف 4: 8، 9). وفتح باب الفردوس، ونقل إليه الأبرار المنتظرين في الجحيم، وادخل معهم في الفردوس اللص اليمين أيضًا حقًا ما اصدق قوله للقديس يوحنا الرائي إن "بيده مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 18) وإن كان قد فتح باب الفردوس، فهو كما قال أيضًا "أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ تأسيس العالم" (رؤ 17: 8) (في 4: 3) حقًا طوبى لهؤلاء الذين أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة. إذ لا سلطان للموت عليهم قد يقيمون فيه حينًا، كما أقام يونان في بطن الحوت، ثم أخرجه الرب بسلام، دون أن يكون للحوت سلطان على أذيته..!
هكذا أخرج الرب الذين في الجحيم، وبسلطانه على الفردوس أدخلهم إليه وهذا العمل العظيم عمله الرب في الخفاء وتهللت له السماء، وتحققت به أقوال الأنبياء،وفي الخفاء أيضًا قام الرب من بين الأموات أتت روحه المتحدة بلاهوته، واتحدت بجسده المتحد بلاهوته وقام بقوة لاهوته، وخرج من القبر المغلق.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
23 أبريل 2025
قوة القيامة
قيامة السيد المسيح من الأموات، كانت الحدث الأكبر، الذي هز كيان اليهود فحاولوا أن يقاوموه بكافة الطرق، حتى أنهم قالوا عن القيامة إن هذه الضلالة الأخيرة، ستكون أقوى من الضلالة الأولى، التي هي كرازة المسيح.
فماذا كانت قوة القيامة، وماذا كان مفعولها؟
1- لقد خرج المسيح من القبر وهو مغلق ولم يكن ذلك غريبًا عليه، أو على القوة المعجزية التي له فقد خرج أيضًا من بطن القديسة العذراء وبتوليتها مختومة. وكذلك في ظهوراته لتلاميذه بعد القيامة، دخل على التلاميذ وهم مجتمعون في العلية "والأبواب مغلقة" (يو 20: 19).
2- ومن قوة القيامة، أن المسيح قام بذاته لم يقمه أحد كل الذين قاموا من قبل، أقامهم غيرهم: فابن أرملة صرفة صيدا أقامة إيليا النبي (1 مل 17: 22) وابن الشونمية أقامة أليشع النبي (2 مل: 36) وأما ابنة يايرس وابن أرملة نايين، ولعازر، فهؤلاء أقامهم المسيح. ولكن المسيح نفسه قام بذاته، لأن قوة القيامة كانت فيه، وما كان ممكنًا أن يمسك من الموت، إذ أن فيه كانت الحياة (يو 1: 4).
3- وقد قام المسيح على الرغم من كل الحراسة المشددة، وضبط القبر، والحراس، والأختام والحجر الكبير الذي على باب القبر القوة العالمية بذلت كل جهدها، ولكنه كان أقوى منها ودلت قيامته على أنه كان أقوى من كل العوائق كانت قيامته انتصارًا على كل معارضيه ومقاوميه، وانتصار على الموت وعلى الهاوية وعلى القبر وعلى الحجر الكبير وعلى الأختام وعلى الأكفان اللاصقة لذلك لما عرفه القديس بولس، قال "لأعرفه وقوة قيامته" (في 3: 10) إنه عرف قوة قيامته، إذ رآه بعد هذه القيامة حينما ظهر له نور عظيم في طريق دمشق (أع 9). لذلك وثق هذا الرسول بقوة قيامة المسيح، أمكنه أن يدخل في شركة آلامه متشبهًا بموته ونفس هذه القوة في القيامة، اختبرها القديس يوحنا الحبيب بالنسبة إلى المسيح، حينما ظهر له "ووجهه يضيء كالشمس في قوتها" (رؤ 1:16) كانت قوته وهو داخل القبر، أعظم من كل قوة تقف خارج قبره لقد ترك القبر في وقت لم يعرفه أحد، في فجر الأحد وبقي الحجر الكبير في موضعه، إلى أن أتى ملاك ودحرجه لإعلان القيامة التي كانت قد تمت وبذلك أمكن للنسوة أن يرين القبر فارغًا...
4- مظاهر قوته بعد القيامة:
هذه بعض نواحي القوة التي رآها الناس على الأرض، إلى جوار قوة الظهورات المتعددة، وقوة الصعود إلى السماء والجلوس عن يمين الآب وقوة دخوله إلى العلية والبواب مغلقة وقوة تحويله للتلاميذ من قوم ضعفاء خائفين إلى أبطال ينشرون الكرازة بكل قوة وبلا مانع وكما كانت قيامته قوية، هناك قوة أخرى سبقت قيامته.
5- قوته ما بين الموت والقيامة:
تلك قوته بعد موته، التي استطاع بها أن يفتح أبواب الجحيم، ويخرج الأرواح التي في السجن بعد أن كرز لها بالخلاص (1 بط 3: 19) استطاع بهذه القوة أن ينزل إلى أقسام الأرض السفلي، وأن يسبي سبيًا، ويعطي الناس عطايا الفداء، ثم يصعد أيضًا بعد القيامة فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 4: 8-10).
6- أما السيد المسيح فقد دل بقيامته على أنه كان أقوى من الموت، وعلى أن موته لم يكن ضعفًا منه،ولا كان صمته أثناء محاكمته ضعفًا منه لو كان قد تكلم، لأفحم سامعيه وأقنعهم. ولكن هذا لم يكن هدفه، إنما هدفه كان أن يفدينا ولذلك عندما طلبوا إليه أن ينزل من على الصليب لم يفعل مع أنه كان يستطيع إذ كان هدفه أن يموت عنا ويتألم نيابة عنا، ويدفع ثمن الخطية كفارة لنا وفداء القيامة دلَّت على أن صمت المسيح لم يكن ضعفًا فقوة القيامة أقوى رد على من يتهمون المسيح بالضعف، أو من يظنون صلب المسيح دليلًا على معجزة!!
بالقيامة، ثبت أن صمت المسيح، كانت له أهدافه السامية لقد صمت، لأنه كان يريد أن يبذل نفسه عنا لو أنه تكلم لأفحم سامعيه وأقنعهم ولو أنه دافع عن نفسه، لكان سيكسب القضية بلا شك. وكم من مرة رد على رؤساء اليهود وشيوخهم وكهنتهم، فلم يجدوا جوابًا بل أنهم شاهدوا قوة كلامه وهو بعد صبي في الثانية عشر من عمره والشعب الذي سمعه، شهد أنه كان يتكلم بسلطان إن صمت المسيح في محاكمته، دليل على أنه مات بإرادته ولقد قال عن نفسه، إنه يضعها من ذاته، لا يستطيع أحد أن يأخذها منه. له سلطان أن يضعها، وسلطان أن يأخذها ولقد قدمها ساعة الصلب، وأخذها ساعة القيامة لقد أسلم المسيح روحه حبًا وبذلًا، وليس ضعفًا وعجزًا وكما قام في قوة لا ننسى أنه مات في قوة لقد صرخ بصوت عظيم عندما أسلم الروح، بينما كان الجسد في عمق الإنهاك، وقد تصفي ماؤه ودمه، وأرهقه الجلد والمشي والضرب والنزيف، والتعليق على الصليب وهو قد مات بالجسد ولكنه بلاهوته كان حيًا لا يموت استطاع في موته أن يبشر الراقدين في الجحيم على رجاء، واستطاع أيضًا أن يفتح الفردوس المغلق، ويدخل فيه اللص مع آدم وبنيه من قديسي العهد القديم واستطاع أيضًا أن يقوم، وتسخر قيامته من الحراس ومن الأختام، ومن الحجر الكبير الموضوع على القبر لم يحد أن أحدًا -غير المسيح- هزم الموت بسلطانه وحده، وقام بإرادته، وخرج من قبر مغلق، عليه حجر ضخم ويحرسه جنود مسلحون.
7- وقوة قيامة المسيح كانت تحطيمًا لرؤساء كهنة اليهود ولكل الصدوقيين.
كان دليلًا على جريمتهم في محاكمته وتقديمه للصلب وكان دليلًا على كذب كل إدعاءاتهم السابقة. وبالقيامة يصبحون مدانين أمام الشعب لذلك لما نادي التلاميذ بالقيامة في كل مناسبة، قال لهم رؤساء الكهنة "أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع 5: 28) وكانت قوة القيامة ترعب رؤساء اليهود لأنها كانت تدل على بره فلو كان مدانًا، ما كان ممكنًا له أن يقوم وكما كانت القيامة دليلًا على بره، كانت في نفس الوقت دليلًا على ظلم هؤلاء الرؤساء، وعلى تلفيقهم للتهم ضده، هؤلاء الذين كانوا فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلصوا منه وقتلوه إن الحديث عن ظهوره بعد قتلهم له، كان يرعبهم والرسل القديسون لم يكفوا مطلقًا عن توبيخهم في هذه النقطة بالذات وهكذا قال لهم القديس بطرس الرسول بعد معجزة شفاء الأعرج "إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم، وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه! ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل! ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود على ذلك" (أ ع 3: 13-15).
8- أما الصدوقيون فلا يؤمنون بالقيامة عمومًا. لذلك كانت قيامة المسيح برهانًا عمليًا خطيرًا على مسار عقائدهم وتعليمهم ولذلك قاوموا القيامة بكل قواهم، وقاوموا التلاميذ في مناداتهم بالقيامة وهكذا يقول الكتاب "فقام رئيس الكهنة، وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين، وامتلأوا غيرة فألقوا أيديهم على الرسل، ووضعوهم في حبس العامة" (أ ع 5: 17، 18) ولكن قوة القيامة، كانت أقوى من هؤلاء جميعهم ومن مقاوماتهم حقًا إن قيامته من الموت كانت أقوى من نزوله عن الصليب، كما أن قيامته كانت دليلًا على أنه مات بإرادته وليس مرغمًا وبخاصة لأنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد وخرج من القبر بذاته والقبر مغلق، كما خرج من بطن العذراء وبتوليتها مختومة حقًا كما قال عن نفسه إن له سلطان أن يضعها، وله سلطان أن يأخذها (يو 10: 18).
9- كانت قيامته دليلًا على أنه أقوى من الموت، وبالتالي فهو أيضًا أقوى من كل قوة البشر التي تقتل وتميت كان أقوى من ظلم الأشرار، ومن كل مؤامرتهم وسلطتهم عملوا كل ما يستطيعونه، حتى حكموا عليه، وسمروه على الصيب، وتحدوه مستهزئين به وظنوا أنهم قد انتصروا، وبخاصة لأن المسيح ظل طوال فترة محاكمته وتحدياتهم صامتًا "وكشاة تساق إلى الذبح، كنعجة صامته أمام جازيها" قيامته دلت على أن موته كان بذلًا، ولم يكن قهرًا وكان الإيمان بقيامته يعني الإيمان بحبه وبذله وفدائه للبشرية وكان يعني الإيمان بقوته وبكل ما قاله من قبل عن نفسه وعلاقته بالآب هذه قوة الذي مات بالجسد، وكان بلاهوته حيًا لا يموت إنها قوة ذلك الذي قال ليوحنا في سفر الرؤيا "أنا الأول والآخر، والحى وكنت ميتًا وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 17، 18) هذا القوي الذي قام "ناقضًا أوجاع الموت "إذ لم يكن ممكنًا أن يمسك منه (أع 2: 24).
10- وقوة قيامة المسيح التي تمتاز بها عن كل قيامة سابقة إنها قيامة لا موت بعدها، قيامة دائمة أبدية فكل الذين أقيموا من الموت، عادوا فماتوا ثانية، ولا يزالون حتى الآن تحت سلطان الموت، ينتظرون القيامة العامة أما المسيح فقد قام حيًا إلى أبد الآبدين، لا سلطان للموت عليه وبهذا لقبه الكتاب بأنه "باكورة الراقدين" (1 كو 15: 20).
11- ومن قوة قيامة المسيح، أنها قيامة ممجدة...
لقد قام بجسد ممجد: لا يتعب، ولا يمرض ولا ينحل، ولا يجوع ولا يعطش جسد أمكنه أن يخرج من القبر المغلق، وأن يدخل والأبواب مغلقة، كما أمكنه أن يصعد إلى السماء ونحن ننتظر في القيامة العامة أن نقوم هكذا أيضًا وكما قال الرسول "ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 21).
12- وكما كانت قيامة المسيح قوية في ذاتها كذلك كانت قوية في تأثيرها على الكنيسة والجميع استطاعت أن تغير مجري الأمور تمامًا من كل ناحية: فالتلاميذ الذين كانوا خائفين لا يجرأون على المجاهرة بانتسابهم للمسيح، أخذوا من القيامة قوة عجيبة على الكرازة وبطرس الذي سبق فأنكر المسيح أمام جارية، استطاع بكل شجاعة أن يقول لرؤساء الكهنة "ينبغي أن يُطَاع الله أكثر من الناس" (أ ع 5: 29) "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 4: 19).
13- ولعل القوة التي أخذها التلاميذ من القيامة تتركز في نقطتين:
(أ) عرفوا تمامًا أن السيد المسيح أقوى من الموت.
لقد انتصر على الموت وكما نقول في صلوات الكنيسة "بالموت داس الموت "أي أنه لما مات، أمكنه أن يدوس هذا الموت حينما قام ومعرفة التلاميذ بهذه الحقيقة، تثبت إيمانهم، وتذكروا قول الرب "إني أضع نفسي لآخذها أيضًا ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضًا" (يو 1: 17، 18).
(ب) وعرفوا أيضًا بقيامة المسيح أنهم سيقومون مثله إن ماتوا.
وبهذا ما عادوا يخافون مطلقًا من الموت، إذ تحطمت كل هيبة الموت أمامهم لما داسه المسيح وخرج من القبر حيًا وبكل مجد وظل عدم الخوف من الموت صفة ملازمة لهم، وضفة ملازمة لكل أعضاء الكنيسة بل أن بولس الرسول يقول أكثر من هذا "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فذاك أفصل جدًا" (في 1: 23).
14- ومن قوة قيامة المسيح تثبيت الإيمان: أربعين يومًا قضاها المسيح مع تلاميذه يحدثهم عن الأمور المختصة بالملكوت (أع 1: 3) في هذه الفترة ثبتهم في الإيمان، وشرح لهم جميع التفاصيل الخاصة به ووضع لهم كل نظم الكنيسة وطقوسها وكل قواعد الإيمان وعقائده فخرج من الفترة التي قضاها معهم المسيح بعد القيامة،وهم في منتهى القوة الروحية والإيمانية، استطاعوا بها أن يواجهوا العالم كله، ثابتين راسخين وأصبحوا يتكلمون عن القيامة بخبرة قوية كما يقول القديس يوحنا الحبيب "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1 يو 1: 1) فلم تعد القيامة مجرد عقيدة نظرية، بل صارت شيئًا رأوه بأنفسهم وعاينوه ومنحتهم هذه الخبرة قوة في الإيمان أمكنهم أن ينقلوها إلى العالم بأسره في ثقة وفي يقين.
15- قوة القيامة تظهر في القيامة ذاتها، وفي ملابساتها، وفي نتائجها وما حدث بعدها أيضًا فهي لم تكن قيامة فردية للسيد المسيح فحسب، إنما كانت قيامة لنا جميعًا كانت عربونًا للقيامة العامة، ولأورشليم السمائية، وللأبدية بكل ما فيها من نعيم حسب الوعود الإلهية وكانت قوية في الدلالة على طبيعة المسيح ما هي ومَن هو هذا الذي يستطيع أن يقوم هكذا وكانت مقدمة أيضًا لمعجزة الصعود وكانت ردًا مفحمًا على الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالأرواح ولا بالملائكة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد