المقالات
10 يونيو 2020
ما هي الخدمة روحيًا
ليست الخدمة مجرد تدريس أو تعليم, وإلا كانت عملًا عقليًا بحتًا والخادم ليس هو مجرد مدرس, ولا مجرد حامل معلومات ينقلها إلى آذان وأذهان تلاميذه.. فما هي الخدمةإذن.
الخدمة محبة
1. الخدمة محبة إنها محبة تملأ قلب الخادم نحو الله وملكوته, ونحو الناس وبخاصة الصغار منهم. هو يحب الله, ويريد أن الجميع يحبونه. وهو يحب الناس, ويريد أن يوصلهم إلى الله. وتعبيره عن هذه المحبة التي في قلبه, هو الخدمة.فالخدمة هي نتيجة طبيعية لشيء أعظم من الخدمة, هو المحبة.إذن الخدمة هي حب في القلب, فاض على هيئة خدمة.. هي شهوة في قلب الخادم, أن يوصل الناس إلى الله على قدر ما يستطيع, وبخاصة الذين اؤتمن على خدمتهم.وإذا خلت الخدمة من الحب, تصبح خدمة جافة, وعملًا روتينيًا, أو عملًا آليًا خاليًا من الروح, وتتحول إلى مجرد تدريس معلومات, أو إلى مجرد نشاط علمي أو نشاط اجتماعي أما عندما نحب المخدومين كما يحبهم الله, وعندما نحبهم كما يحبنا الله.. فحينئذ نصل إلى مثالية الخدمة وما دمنا لا نستطيع أن نصل إلى هذه الدرجة من الحب.. فلنحاول أن تمتلئ قلوبنا بالحب نحو المخدومين, على قدر ما تتسع قلوبنا للحب.. وإذا تأملنا خدمة السيد المسيح, نجد دعامتها المحبة. فقد قيل عنه أنه "أحب خاصته الذين في العالم, أحبهم حتى المنتهى" (يو 13: 1). وحتى عمل الفداء, قيل عنه أيضًا "هكذا أحب الله العالم, حتى بذل ابنه الوحيد, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون لهالحياة الأبدية" (يو 3: 16).وأنت: لا تستطيع أن تكون ذا تأثير روحي في إنسان, إلا إذا كانت هناك محبة بينك وبينه. وبهذه المحبة, يثق بك, ويقبل كلامك, ويفتح لك قلبه, فتعرف احتياجاته الروحية. وبكل ذلك يمكنك أن توصله إلى الله وملكوته الخادم إذن في مدارس الأحد, هو إنسان محب ومحبوب.يحب تلاميذه, وتلاميذه يحبونه, ويحب الخدمة, وتسرى محبتها في قلبه وفي كل كيانه.
الخادم الذي يحب مخدوميه, تكون خدمته لهم ممزوجة بالعاطفة:
إذا غاب واحد منهم, يحزن لغيابه, لأنه مشتاق إليه, وقد حُرم منه في ذلك الأسبوع. وإن حضر في فصله 28 تلميذًا من ثلاثين, يكون مشتاقًا إلى الاثنين الباقيين. وعندما يفتقد أحد تلاميذه, تظهر عاطفته في الافتقاد.
ليست خدمته خدمة رسميات ولا شكليات, بل محبة لله وللناس.وهو في كل نشاط خدمته, لا يركز على ذاته, لكي يبدو أمام نفسه خادمًا صالحًا وأمينًا في الخدمة, وليس خوفًا من محاسبة الله له, وإنما يخدم حبًا لمخدوميه.وعندما يحضر درسًا, يكون كل همه أن يعطى تلاميذه كل ما عنده. لذلك يبحث عن القصص التي يسرون بسماعها. بل ويجمع كل الأفكار النافعة لهم, وكل المعلومات المشوقة.. لا لكي يكون الدرس ممتازًا ومثاليًا, وإنما لأن المحبة من طبيعتها إسعاد الآخرين والعمل على منفعتهم, والتعب والبذل لأجل ذلك.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
03 يونيو 2020
عقيدة كنيستنا
السيد المسيح هو الإله الكلمة المتجسد ، له لاهوت كامل ، وناسوت كامل ، لاهوته متحد بناسوته اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ، اتحاداً كاملاً أقنومياً جوهرياً ، تعجز اللغة أن تعبر عنة ، حتى قيل عنه إنه سر عظيم "عظيم هو سر التقوى ، الله ظهر في الجسد" (1 تى 3 : 16) وهذا الاتحاد دائم لا ينفصل مطلقا ولا يفترق . نقول عنه في القداس الإلهي "إن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين" الطبيعة اللاهوتية(الله الكلمة) اتحدت بالطبيعة الناسوتية التي أخذها الكلمة (اللوجوس) من العذراء مريم بعمل الروح القدس . الروح القدس طهر وقدس مستودع العذراء طهارة كاملة حتى لا يرث المولود منها شيئاً من الخطية الأصلية ، وكون من دمائها جسداً اتحد به ابن الله الوحيد وقد تم هذا الاتحاد منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس في رحم السيدة العذراء وباتحاد الطبيعتين الإلهية والبشرية داخل رحم السيدة العذراء تكونت منهما طبيعة واحدة هي طبيعة الله الكلمة المتجسد لم تجد الكنيسة المقدسة تعبيراً أصدق وأعمق وأدق من هذا التعبير . الذي استخدمه القديس كيرلس الكبير (عامود الدين ) والقديس أثناسيوس الرسولى من قبله، وكل منهما قمة في التعليم اللاهوتي على مستوى العالم كله حتى أنني حينما اشتركت في حوار أعدته جماعة Pro Oriente في فيينا بالنمسا في سبتمبر 1971 م بين الكاثوليك الرومانيين والكنائس الأرثوذكسية الشرقية القديمة عن طبيعة المسيح ، كان موضوع هذا الحوار هو قول القديس كيرلس "طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد"وبعد الشقاق الذي حدث سنة 451 م، حيث رفضنا مجمع خلقيدونية و تحديداته اللاهوتية ، عرفنا بأصحاب الطبيعة الواحدة Monophysites وتشترك في هذا الإيمان الكنائس السريانية ، والأرمنية ، والأثيوبية ، والهندية ، وهى الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية بينما الكنائس الخلقيدونية الكاثوليكية واليونانية (الروم الأرثوذكس )فتؤمن بطبيعتين للسيد المسيح وتشترك في هذا الاعتقاد أيضاً الكنائس البروتستانتية ولذلك تعرف كل هذه الكنائس باسم أصحاب الطبيعتين وكنائس الروم الأرثوذكس ، أو الأرثوذكس الخلقيدونيين فتشمل كنائس القسطنطينية واليونان ، وأورشليم ، وقبرص ،وروسيا ، ورومانيا ، والمجر ،والصرب ،وكنائس الروم الأرثوذكس فى مصر ، وفى سوريا ولبنان ، وفى أمريكا ،وفى دير سانت كاترين بسيناء الخ وتعتبر أصحاب الطبيعة الواحدة Monophysites أسئ فهمه عن قصد أو غير قصد خلال فترات التاريخ ، فاضطهدت بالذات الكنيسة القبطية والكنيسة السريانية اضطهادات مروعة بسبب اعتقادها ، وبخاصة في الفترة من مجمع خلقيدونية سنة 451 حتى بدء دخول الإسلام مصر وسوريا (حوالي 641 م) واستمر المفهوم الخاطئ خلال التاريخ ، كما كنا نؤمن بطبيعة واحدة للمسيح وننكر وجود الطبيعة الأخرى فأي الطبيعتين أنكرتها كنيسة الإسكندرية ؟هل هي الطبيعة اللاهوتية . وقد كانت كنيستنا أكثر كنائس العالم دفاعاً عن لاهوت المسيح ضد الأريوسية في مجمع نيقية المسكونى المقدس سنة 325 م وفيما قبله وما بعده . أم هي الطبيعة الناسوتية وأقدم كتاب وأعمق كتاب شرحها هو كتاب "تجسد الكلمة" للقديس أثناسيوس الإسكندري ! إنما عبارة " طبيعة واحدة " المقصود بها ليس الطبيعة اللاهوتية وحدها ، ولا الطبيعة البشرية وحدها ، إنما اتحاد هاتين الطبيعتين في طبيعة واحدة هي (طبيعة الكلمة المتجسد) وذلك مثلما نتحدث عن الطبيعة البشرية وهى عبارة عن اتحاد طبيعتين هما النفس والجسد فالطبيعة البشرية ليست هي النفس وحدها ، ولا الجسد وحدة ، إنما اتحادهما معاً في طبيعة واحدة تسمى الطبيعة البشرية . وسنتحدث عن هذا الموضوع بالتفصيل فيما بعد والقديس كيرلس الكبير علمنا أن لا نتحدث عن طبيعتين بعد الاتحاد فيمكن أن نقول أن الطبيعة اللاهوتية اتحدت أقنومياً بالطبيعة البشرية داخل رحم القديسة العذراء ولكن بعد هذا الاتحاد لا نعود مطلقاً نتكلم عن طبيعتين في المسيح فتعبير الطبيعتين يوحي بالانفصال و الافتراق ومع أن أصحاب الطبيعتين يقولون باتحادهما ، إلا أن نغمة الانفصال كما تبدو واضحة في مجمع خلقيدونية ، مما جعلنا نر فضة ونفى القديس ديسقورس الإسكندري بسبب هذا الرفض وإلى أن نشرح بالتفصيل موضوع الطبيعة الطبيعتين في المسيح ، نود أن نتعرض قبل ذلك لشرح نقطة هامة وهى
أشهر الهرطقات:-
أشهر الهرطقات حول طبيعة المسيح :-
1– هـــــرطقة آريوس :-
كان آريوس ينكر لاهوت المسيح ، ويرى أنه أقل من الآب في الجوهر ، وأنه مخلوق . ومازالت جذور الأريوسية قائمة حتى الآن . حتى بعد أن شجبها مجمع نيقية المسكونى سنة 325 م ، ظل أريوس والأريوريوسيون من بعده سبب تعب وشقاق وشك للكنيسة المقدسة …
2 – هرطقة أبو ليناريوس :
وكان ينادى بلاهوت المسيح ، ولكن لا يؤمن بكمال ناسوته . إذ كان يرى أن ناسوت المسيح لم يكن محتاجاً إلى روح ، فكان بغير روح ، لأن الله اللوجوس كان يقوم بعملها فى منح الحياة. ولما كان هذا يعنى أن ناسوت المسيح كان ناقصاً ، لذلك حكم مجمع القسطنطينية المسكونى المقدس المنعقد سنة 381 م بحرم أبوليناريوس وهرطقته هذه .
3 – هرطقة نسطور :-
وكان نسطور بطريركاً للقسطنطينية من سنة 428 م حتى حرمه مجمع أفسس المسكونى المقدس سنة 431 م وكان يرفض تسمية القديسة العذراء مريم بوالدة الإله OEOTOKOC ، ويرى أنها ولدت إنساناً، وهذا الإنسان حل فيه اللاهوت . لذلك يمكن أن تسمى العذراء أم يسوع . وقد نشر هذا التعليم قسيسه أنسطاسيوس ، وأيد هو تعليم ذلك القس وكتب خمسة كتب ضد تسمية العذراء والدة الإله .
ويعتبر أنه بهذا قد أنكر لاهوت المسيح وحتى قوله أن اللاهوت قد حل فيه لم يكن بمعنى الاتحاد الأقنومى ، وإنما حلول بمعنى المصاحبة أوحلول كما يحدث للقديسين أي أن المسيح صار مسكناً لله ، كما صار في عماده مسكناً للروح القدس . وهو بهذا الوضع يعتبر حامل الله (صفحة 10 ) كاللقب الذي أخذه القديس أغناطيوس الانطاكى وقال أن العذراء لايمكن أن تلد الإله ، فالمخلوق لا يلد الخالق ! وما يولد من الجسد ليس سوى جسد وهكذا يرى أن علاقة طبيعة المسيح البشرية بالطبيعة اللاهوتية بدأت بعد ولادته من العذراء ، ولم تكن اتحاداً وقال صراحة " أنا أفضل بين الطبيعتين" وبهذا الوضع تكون النسطورية ضد عقيدة الكفارة لأنه إن كان المسيح لم يتحد بالطبيعة اللاهوتية ، فلا يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة تكفى لغفران جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العصور والكنيسة حينما تقول أن العذراء والدة الإله ، إنما تعنى أنها ولدت الكلمة المتجسد ، وليس أنها كانت أصلاً للاهوت ،حاشا .
فالله الكلمة هو خالق العذراء ، ولكنه في ملء الزمان حل فيها ،وحبلت به متحداً بالنا سوت وولدته والأثنا عشر حرماً التي وضعها القديس كيرلس Anathemas ، فيها ردود على كل هرطقات نسطور . فقد حرم من قال أن الطبيعتين كانتا بطريق المصاحبة ، ومن قال إن الله الكلمة كان يعمل في الإنسان يسوع ، أو أنه كان ساكناً فيه . كما من فرق بين المسيح وكلمة الله ، وأنه ولد كإنسان فقط من إمرأة .
4 – هرطقة أوطاخى :-
كان أوطاخى (يوطيخوس) أب رهبنة ورئيس دير بالقسطنطينية . وكان ضد هرطقة نسطور . فمن شدة اهتمامه بوحدة الطبيعتين في المسيح – وقد فصلهما نسطور- وقع في بدعة أخرى . فقال إن الطبيعة البشرية ابتلعت وتلاشت في الطبيعة الإلهية ، وكأنها نقطة خل في المحيط . وهو بهذا قد أنكر ناسوت المسيح أوطاخى هذا حرمه القديس ديسقورس . وعاد فتظاهر بالإيمان السليم ، فحالله القديس ديسقورس على أساس رجوعه عن هرطقته . ولكنه بعد ذلك أعلن فساد عقيدته مرة أخرى فحرمه مجمع خلقيدونية سنة 451 م كما حرمته الكنيسة القبطية أيضاً .
مجمع خلقيدونية :-
على الرغم من أن مجمع أفسس المسكونى المقدس قد حرم نسطور ، ألا أن جذور النسطورية قد امتدت إلى مجمع خلقيدونية الذي ظهر فيه انفصال الطبيعتين حيث قيل فيه أن المسيح اثنان إله وإنسان الواحد يبهر بالعجائب والآخر ملقى للشتائم و الإهانات هكذا قال (ليو) Leo أسقف رومه في كتابه المشهور بطومس لاون الذي رفضته الكنيسة القبطية ولكن أخذ به مجمع ما يختص بها ، وطبيعة ناسوتية تعمل ما يختص بها قال نسطور أن هاتين الطبيعتين منفصلتان وقال مجمع قرطا جنة أنهما متحدتان ولكنه فصلهما بهذا الشرح وكما قرر أن المسيح له طبيعتان ، قرر أن له مشيئتين وفعلين ومن هنا نشأت مشكلة الطبيعتين والمشيئتين ، وبدأ صراع لاهوتي ، وانشقاق ضخم في الكنيسة، نحاول حاليا إنهاءه بالوصول إلى صيغة إيمان مشترك يقبله الجميع …
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب طبيعه المسيح
المزيد
27 مايو 2020
بركة القيامة فى حياتنا
البركة الأولي هي أنه لا مستحيل : يبذل الناس جهودهم في كل مجال . فإن وقفوا أمام الله ن كفوا تماماً عن العمل و الجهد ، لأنه لا فائدة . و كان هذا هو شعور مريم و مرثا بعد موت لعازر ، الذي مضي علي موته أربعة أيام ،و قيل ( و قد أنتن ) . فلما أقامه السيد المسيح من الموت ، عرفوا أنه لا مستحيل . و لكن لعازر - بعد أن أقامه المسيح - عاد فمات مرة أخري ، و لم يقم بعد ... أما السيد المسيح - في قيامته - فقد حطم الموت نهائياً . بقيامة أبدية لا موت بعدها ، حتي نظر بولس الرسول إلي قوة هذه القيامة و قال " إين شوكتك يا موت ؟ " لقد تحطم الموت ، و أصبح لا مستحيل ... ولم الناس فقط ، بأن كل شئ مستطاع عند الله ( متي 19 : 26 ) القادر علي كل شئ ، بل أن الرسول يقول " استطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ( في 4 : 13 ) . قال هذا بعد قوله " لأعرفه و قوة قيامته " ( في 3 : 10 ) . بل إن الكتاب في اللا مستحيل ن يعطينا قاعدة عامة هي : " كل شئ مستطاع للمؤمن " ( مر 9 : 23 ) . إن القيامة أعطت الناس قوة جبارة . و إذ تحطم الموت امامهم ، تحطمت أيضاً كل العقبات ، و اصبح لا مستحيل . و ماذا قدمته القيامة أيضاً ؟ و ما هي بركتها الثانية ؟
2-البركة الثانية هي الشوق إلي الحياة الأبدية : " لي اشتهاء أن أنطلق و أكون مع المسيح ، فذال أفضل جداً ، هكذا قال الرسول ... أكون مع المسيح ، الذي قام ،و صعد إلي السماء ، و جلس عن يمين الله . و قال " إن ارتفعت ، اجذب إلي الجميع " . و قال " أنا ماض لأعد لكم مكاناً .و إن أعددت لكم مكاناً اَتي أيضاً و اَخذكم إلي . حتي حيث أكون أنا ، تكونوا أنتم أيضاً " ( يو 14 : 2 ، 3 ) . و حب الأبدية جعل الناس يشتاقون إلي شئ أكبر من العالم ، و أرقي من المادة ، و أعمق من كل رغبة أو شهوة يمكن أن تنال علي الأرض . و نظر القديسون إلي الأرض كمكان غربة ، و اعتبروا أنفسهم غرباء ههنا ، يشتاقون إلي وطن سماوي ، و إلي حياة أخري ، من نوع اَخر ، و روحاني ، و خالد و مضئ ... اشتاق الناس إلي العالم الآخر ، الموضع الذي هرب منه الحزن و الكاَبة و التنهد ، الموضع الذي لا خطية فيه ، و لا كراهية بين الناس ،و لا صراع ، بل يسوده المحبة و الفرح و السلام و الطهارة ، حيث الخير فقط ، و ينتهي الشر نهائياً .و هذا يقودنا إلي البركة الثالثة للقيامة و هي :
البركة الثالثة للقيامة ، هي تجلي الطبيعة البشرية : في القيامة تنجلي الطبيعة البشرية ، جسداً و روحاً . فمن جهة الجسد ، تقوم أجساد نورانية روحانية ، لا فساد فيها ، لا تتعب ، و لا تجوع ، و لا تعطش ، و لا تمرض و لا تنحل . تكون كملائكة الله في السماء ، بل تقوم علي "شبه جسد مجده" . ما أروع هذا التجلي ، الذي تمجد فيه الطبيعة البشرية ، و يعيد إلينا صورة جبل طابور. أما الروح فتدخل في التجلي أيضاً ، و ترجع كما كانت في البدء " صورة الله و مثاله ، في نقاوة لا يعبر عنها .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
20 مايو 2020
حقيقة قيامة المسيح ونتائجها
مقاومة اليهود للقيامة:-
كانت قيامة السيد المسيح من بين الأموات ، هي الحدث الأكبر الذي هز كيان اليهود ، فحاولوا أن يقاوموه بكافة الطرق . حاولوا مقاومة القيامة قبل حدوثها . و حاولوا ذلك بعد أن حدثت أيضاً . كان السيد المسيح قد بشر بقيامته قبل أن يصلب ز فقال للتلاميذ أكثر من مرة إن ابن الإنسان سوف يسلم إلي أيدي الناس الخطاة فيجلدونه و يصلبونه و يقتلونه ، و في اليوم الثالث يقوم . قال لهم ذلك و هم صاعدون إلي أورشليم ( متي 20 : 18 ، 19 ) ؛ ( مر 10 : 33 ، 34 ) ؛ ( لو 18 : 31 - 33 ) . و قال ذلك في مضيهم إلي الجليل ( متي 17 : 22 ) . و قال هذا أيضاً بعد اعتراف بطرس أن المسيح ابن الله الحي ( متي 16 : 21 ) . و بعد التجلي قال لهم أن لا يتحدثوا بما أبصروا " إلا متي قام ابن الإنسان من الأموات " ( مر 9 : 9 ) ز و قال لهم في يوم الخميس الكبير " و لكن بعد قيامي أسبقكم إلي الجليل " ( مر 14 : 28 ) كما ضرب لهم مثل يونان النبي ( متي 12 : 4 ) . و كان رؤساء الكهنة و الفريسيون يعرفون ما تنبأ به الرب عن قيامته . لذلك ذهبوا إلي بيلاطس و قالوا له " تذكرنا أن ذلك المضل قال و هو حي إنني بعد ثلاثة أيام أقوم .. فمر بضبط القبر إلي اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلاً و يسرقوه ، و يقولوا للشعب إنه قام من الأموات ، فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولي " ( متي 27 : 62 - 64 ) . فماذا كان " الشر " الذي يخشونه نم القيامة ، حتي أنها تكون أخطر من تعليم المسيح الذي لقبوه بالضلالة الأولي ؟ كانت قيامة المسيح تدل علي صدقة وصدق نبوءته ، كما كانت تدل أيضاً علي قوته ، و علي أن صلبه لم يكن ضعفاً منه ، إنما كان تدبيراً لأجل خلاص البشر . و كل هذا يقود إلي الإيمان به ، و إلي تثبيت هذا الإيمان بالأكثر . لذلك قاموا بكل الإجراءات التي تضمن في نظرهم منع القيامة . إذ وضعوا علي باب القبر حجراً كبيراً و ختموا الحجر ، و ضبطوا القبر بالحراس ( متي 28 : 66 ) . و لم يخجلوا أن يفعلوا كل ذلك في عشية السبت " بعد الاستعداد " و خم الذين كانوا يتهمون السيد المسيح لأنه فتح عيني المولود أعمي في يوم سبت ( يو 9 : 16 ، 24 ) . و لكن كل احتياطاتهم أصبحت أدلة علي القيامة بالأكثر ، غذ قام المسيح علي الرغم من كل ذلك . و إذا بالإجراءات التي اتخذت ضد القيامة ، اصبحت دليلاً عليها ، و شاهداً لها و إثباتاً . وجود الختم علي القبر ، و وجود الحراس ، مع وجود القبر فارغ ، كلها كانت إثباتات لقيامة المسيح ، لخروجه من القبر وهو مغلق ، كما خرج من بطن العذراء و بتوليتها مختومة ، و كما دخل علي التلاميذ و الأبواب مغلقة . أما الرشوة التي دفعها رؤساء الكهنة للجنود ، ليقولوا إن تلاميذه سرقوه ، و هم نيام ، فإنها كانت حيلة أضعف من أن تقف أمام قوة القيامة ، و قوة الكرازة بها ...
المنديل والأكفان:-
و أيضاً من الإثباتات الواضحة للقيامة ، و جود الأكفان موضوعة ، و المنديل ملفوفاً في ناحية واحدة . فكيف أمكن الخروج من هذه الأكفان التي كانت لاصقة بالجسد تماماً ؟ و إن كان الجسد قد أخذه أحد ، فكيف جرده من أكفانه اللاصقة ؟ و ما الحكمة من نزعها عنه ؟ و ما المصلحة في ذلك ؟! و كيف أمكن تدبير كل ذلك بكل هدوء ، مع وجود الحراس ؟ لذلك ليس عجيباً قول الانجيل إن التلميذ لما رأي المنديل و الأكفان مرتبة هكذا " رأي فاَمن " ( يو 20 : 8 ) .
أكذوبة سرقة الجسد:-
لا يعقل أن يكون تلاميذه قد سرقوه ! لأنه لا توجد مصلحة لهم إطلاقاً في هذه السرقة . و لأنهم كانوا خائفين و قد هربوا وقت القبض عليه .. كما أنه من غير المعقول أن يخترعوا قصة القيامة ، و يجاهدوا حتي الموت و السجن و الجلد من أجل قصة مكذوبة ... و لا يعقل أن يأخذ التلاميذ سيدهم عارياً ، و يجردوه من أكفانه ، فليست في ذلك كرامة له و لا لهم . كما أن في ذلك مضيعة للوقت ، و تعويض الأمر للانكشاف ... و ما مصلحتهم في أن يدعوا قيامته و يموتون من أجل التبشير بها ، و هم لا يؤمنون بها .. و من ناحية التنفيذ توجد استحالة . كيف يخترقون نطاق الحراس ؟ كيف يدحرجون الحجر الضخم دون إحداث ضجيج يلفت النظر إليهم ؟ و يوقظ الحراس إن كانوا قد ناموا ؟ و كيف يحملون جثماناً في يوم سبت ؟ و كيف يفعلون ذلك و الأنظار مركزة علي القبر؟ و كيف يمكن تصديق نوم الحراس مع صرامة القانون الروماني ؟! و إن أرادوا النوم ، لماذا لم يقسموا الوقت بينهم في ذلك ، بحيث ينام البعض في نوبات ، و يكون البعض الآخر مستيقظاً ؟ و إن كانوا قد ناموا كلهم ، فكيف لم توقظهم أو توقظ بعضهم عملية سرقة الجسد ؟ و كيف لم يحاكموا علي ذلك ؟ و كيف لم يجر تحقيق في حادث السرقة ؟ و لم يجر تفتيش ؟ و التلاميذ معروفون ، و كذلك أماكنهم ... و اين تراهم وضعوا الجسد بعد سرقته ؟ و كيف دفنوه في يوم سبت ؟ و إن كان الحراس نياماً ، فكيف عرفوا أثناء نومهم أن تلاميذه أتوا ليلاً و سرقوه ؟ إنها حيلة فكر ضعيف شرير لم تجد قبولاً من أحد ، و دلت علي فساد هؤلاء الكهنة في كذبهم ، و ادعائهم ، و دفعهم الرشوة ، و تضليلهم للناس ، و تمسكهم بالذات . و ماذا عن شهوة القيامة و هم كثيرون ؟ هل كان كل أولئك كاذبين ؟ و كيف أجري الله علي ايديهم معجزات و هم ينشرون خديعة و ضلالاً ، و يدافعون عن الباطل ؟! علي أية الحالات كما حاول رؤساء كهنة اليهود منع القيامة قبل حدوثها حاولوا أيضاً تشويه مجد القيامة بعد تمامها . و بهذا لم يكونوا أهل تدين وصدق . لقد كسروا السبت في ضبط القبر و ختمه . و قد كذبوا في موضوع القيامة و أغروا الحراس أيضاً بالكذب ، كما قدموا رشوة للجند لينشروا الكذب . و كانوا يستخدمون سلطانهم لدي الوالي خادعين الشعب كله . ثم اضطهدوا التلاميذ ظلماً و هم يعملون ... و كما أتوا بشهود زور وقت محاكمتهم للمسيح ، أتوا أيضاً بشهود زور لكي ينكروا قيامته .. كذلك لم يكن رؤساء كهنة اليهود من اهل الإيمان . لم يؤمنوا بمعجزات المسيح أثناء حياته بينهم ،و لم يؤمنوا كذلك بمعجزة القيامة و هي واضحة أمامهم . و لم يؤمنوا بالمعجزات التي حدثت علي أيد التلاميذ و باسم المسيح . كانت قلوبهم مغلقة تماماً أمام الحق الواضح ... و برهنوا تماماً علي أنهم لا يستجيبون إطلاقاً مهما رأوا من معجزات ... كما لم يؤمنوا أيضاً بكرازة التلاميذ. قيامة المسيح كانت ترعبهم ، إذ كان وجوده يتعبهم و يكشفهم ، و قد فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلصوا منه و قتلوه .. عبارة " المسيح الحي " عبارة تتعب الخطاة ، و إن كانت تفرح الأبرار.. كثيرون مثل كهنة اليهود ، يريدون أن يتخلصوا من المسيح ، لأن وجوده يبكتهم و بوجوده ، يزول وجودهم الخاطئ ..
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
13 مايو 2020
رسالة القيامة
رسالة القيامة
يسرني أن أهنئكم جميعاً بعيد القيامة المجيد ، لأننا إذ نفرح بقيامة السيد المسيح ، إنما نفرح أيضاً بالقيامة ذاتها ، قيامة جميع البشر و ما تحمله هذه القيامة من معان روحية عميقة ، ترفع من قيمة الإنسانية ، و تظهر ما اعده الله لها من خير و متع في العالم الآخر إنما نقول أولاً إن القيامة هي دليل الإيمان إنها تدل بلا شك علي إيمان الإنسان بالله ، و إيمانه بالروح و بالخلود و بالحياة الأخري و إيمانه بالدينونة العامة التي بعد القيامة ،بالثواب و العقاب و بالتالي إيمانه بالسماء و السمائيين ، و بملكوت الله لأن الملحدين لا يؤمنون بالقيامة و لا بالعالم الآخر و من هنا كانت حياة الإنسان في نظرهم لا تختلف عن حياة الحيوان ، من جهة فناء كليهما بالموت حقاً ما أتفه فناء كليهما بالموت حقاً ما أتفه حياة الإنسان في نظر الملحدين إن كانت تقتصر علي بضع سنوات يقضيها علي هذا الكوكب ، ثم ينتهي إلي لا شئ ! و ما أقسي الموت و أبشع في نظر الملحدين ، إذ أنه كممحاة يمحو كل ما في البشر من وجود و من ذكاء و علم ، و به يصبحون عدماً و من هذا النوع كان جماعة الصدوقيين الذين قيل عنهم في الإنجيل إنهم كانوالا يؤمنون بالقيامة و لا بالروح و لا بالملائكة ، و كذلك كان الابيقوريون الذين يقولون " لنأكل و نشرب ، لأننا غداً نموت "! و الشيطان بلا شك هو وراء إنكار القيامة إنه هو الذي أوحي بهذا الادعاء إلي الملحدين من فلاسفة وجهلاء حتي إذا ما أقنعهم بأنه لا حياة بعد الموت ، ينغمسون حينئذ في الحياة الدنيا ، و مشاغلها و ملاذها ، غير مفكرين في أبديتهم و لا في الوقوف أمام الله في يوم الدين ، و هكذا يهلكون أما المؤمنون ، ففي إيمانهم بالله يؤمنون بالقيامة و اليوم الآخر فالقيامة تدل علي قدرة الله غير المحدودة عند الموت تقف كل قدرة البشر تقف كل مقدرة الذكاء و كل مقدرة العلم و يظهر الإنسان بكل عقله عاجزاً تمام العجز و لكن الكتاب يعلمنا أن " غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله " ( مر10 : 27 ) إن الله قادر علي كل شئ بيده الحياة و الموت ، هو الذي يحيي و يميت إنه يقدر أن يقيم الإنسان بعد موته ، لانه هو الذي خلق الإنسان من تراب الأرض ، فيستطيع أن يرجعه إلي الحياة بعد أن يندمج جسده بالموت في تراب الأرض إن الذي له القدرة علي الخلق من العدم ، له أيضاً القدرة علي أن يقيم من الموت . و القيامة هي ايضاً دليل علي محبة الله و جوده إنه الله الذي لم يشأ أن يكون في الوجود وحده ، إنما خلق كائنات فوجدت . و منها الإنسان . و لما مات الإنسان لم يسمح الله بأن يفني هذا المخلوق ،و إنما من جوده و محبته و هبه حياة بعد الموت ، ليستمر وجوده ن ليس فقط إلي حين . و إنما إلي البد . و هكذا وهب الله للإنسان المائت حياة أبدية ... إن القيامة شئ مفرح . به يلتقي الناس باحبائهم الذين انتقلوا ... ماذا عن الأحباء الذين ترتبط قلوبهم معاً خلال فترة حياتهم معاً علي الأرض . ثم يفترقون بالموت ؟ أتراه يكون فراقاً أبدياً إلي غير لقاء ؟! يقيناً إن محبة الله لا تسمح بهذا . إنما يلتقي هؤلاء في القيامة . تلتقي أرواحهم بعد الموت . و بالقيامة يلتقون روحاً و جسداً . إنه لقاء عام ، نلتقي ، نلتقي فيه ليس بأحبائنا فقط ، إنما بكل الأجيال عبر التاريخ . و ستكون حفلة تعاف كبري . تلك التي سيقيمها لنا الله بعد القيامة ... تلك الحفلة العجيبة التي نتعرف علي كل شخصيات التاريخ التي قرأنا عنها و لم نرها ، ولم نعرف شكلها ، و لا لهجتها و أسلوبها ز سواء من أحكام أو القادة او الأدباء أو المفكرين ... و لعل الله سيرسل لنا ملائكة يعرفوننا أيضاً بجميع الآباء و الأنبياء : حيث نري أباءنا اَدم و نوحاً و إبراهيم و اسحق و يعقوب و أيوب ... و نري أمهاتنا حواء و سارة و اليصابات و رفقة و راحيل ، و قد تقدمتهن جميعاً أمنا العذراء القديسة مريم ... و تقدم لنا القيامة أفراحاً أخري ، هي أفراح العشرة مع الملائكة و القديسين ، بل المتعة بالله نفسه . التي أمامها يقف العقل مبهوراً في دهشة . لا يستطيع ان يعبر . إنما يكفيه أن يذوق و يتمتع ... القيامة تحمل في داخلها عملية توازن و تعويض ... فالذين لم يأخذوا حقهم علي الأرض ، يأخذونه كاملاً في السماء بعد القيامة . و الذين ظلمتهم البشرية ، ينالون العدل الإلهي كاملاً بعد القيامة . كذلك ينال أجرهم هناك ، الذين عملوا الخير في الخفاء . و لم يشعر بهم احد و لكن الله كان يسجل لهم كل أعمال برهم ليكافئهم عليها . كذلك سيعطي كل الذين لم يكافأوا علي الخير الذين عملوه في الأرض . و لم ينالوا عليه ما ينتظرونه من تقدير ... سيشعر الناس في القيامة أن أحكام الله غير احكام الناس . و أنه سيكمل عدل الله في السماء . و يتمتع بهذا العدل أيضاً منن قد ولدوا بظروف معينة . أو في بيئات معينة لم تكفل لهم الخير و السعادة و التكافؤ الاجتماعي . سيعوضهم الله عن كل ما تنقصهم في الدنيا . كما تشرح لنا قصة الغني و لعازر ( لو 16 ) . و في القيامة يرد الإنسان إلي رتبته الأولي . ترجع إلي روحه هيبتها ، و يرجع إلي الجسد بهاؤه ... ينال الجسد لوناً من التجلي يعطيه مجداً ، و كذلك النفس ... و تخلص الجسد من كل نقائصه . و كذلك النفس ... لذلك حسناً قال الكتاب عن الجسد إنه " يزرع في هوان ، و يقام في مجد . يزرع في ضعف و يقام في قوة ز يزرع جسماً حيوانياً ، و يقام جسماً روحانياً " ( 1 كو 15 : 43 ، 44 ) . بالقيامة يتخلص الجسد من كل أمراضه و عاهاته و تشوهاته ، و يظهر كاملاً في بهاء . و كذلك النفس تتخلص من كل أمراضها ونقائصها : من الخوف و الشك و التردد و القلق و الشهوة و الجبن و مال إلي ذلك . و الفلاسفة الذين كانوا يبحثون عن السوبر مان ، سيجدونه في القيامة . لن يحمل ديوجين مصباحاً فيما بعد ن ليبحث عن إنسان ، فإنسان القيامة سيكون بالصورة المثلي . و لكن كل واحد حسب مستواه الكل منيرون . و لكن نوراً يقوف اَخر في الضياء . و يتحقق حلم البشرية في وجود مجتمع بار كامل ...هناك في مدينة " مدينة الله " التي تشرح شيئاً عنها القديس أوغسطينوس . مجتمع ينتهي فيه الصراع و الشقاق . و لا يوجد فيه خلاف و لا كراهية ، لا أنانية ، و لا تنافس . مجتمع تسوده المحبة و تسوده القداسة . و في القيامة يحيا الناس الحياة البرئية البسيطة ، و يكونون - كما قال الكتاب - " كملائكة الله في السماء " . في القيامة تزول الخطية ، إذ لا يصبح الجسد خاضعاً للخطية و لا للفساد . بل يتطهر منها تماماً تماماً . يغسله الله ، فيبيض أكثر من الثلج ( مز 50 ) . و يحيا في مستوي روحي يليق بالسماء و طهرها ... و في القيامة ينتصر الأصيل علي الدخيل ... ينتصر الحق علي الباطل . لأن الحق هو الأقدم ، هو الأصيل ، و الباطل دخيل علي العالم . و في القيامة تنتصر الحياة علي الموت ، لأن الحياة هي الأصيل ،و الموت دخيل ..الإنسان من روح ومن الجسد . الروح حية بطبيعتها و ستبقي هكذا .أما الجسد الذي كان علي الأرض قابلاً للموت ، يصبح بعد القيامة جسداً حياً روحانياً لا يموت فيما بعد . و تصبح للإنسان بصيرة روحية ، فلا يعتمد كلية علي حواس الجسد ...من أجل هذا كله ، يجاهد الإنسان حالياً للتمتع بأمجاد القيامة هذه ... ذلك لأنه ليس الجميع يتمتعون بكل ما ذكرناه . إنما المتعة هي فقط للمستحقين . إذ أن بعد القيامة الدينونة ، و يقف الناس جميعاً أمام عدل الله . الذي يجازي كل واحد حسب أعماله ( رؤ 22 : 12 ) و طوبي لمن يكون مستحقاً لأمجاد الأبدية و سعادة العشرة مع القديسين . فليبذل كل منا جهده . و ليعمل خيراً علي الأرض . لكي يلقاه هناك ... و ليكن كل واحد أميناً في علاقته مع الناس ، و في واجبه نحو نفسه ، و واجبه نحو المجتمع الذي يعيش فيه ، فيصنع خيراً نحو الكل ، و تكون له ذكري طيبة علي الأرض و مكافأة حسنة في السماء .
كان لابد أن يقوم المسيح:-
1- كان لا بد أن يقوم المسيح ، لأن فيه كانت الحياة . هكذا قال القديس يوحنا الإنجيلي : " فيه كانت الحياة " ( يو 1 : 4 ) ... و الذي فيه الحياة ، لا يمكن أن يبقي ميتاً ، بل إنه قال لمرثا " أنا هو القيامة و الحياة ... من اَمن بي و لو مات فسيحيا " ( يو 11 : 25 ) ، مادام هو الحياة ، فكيف إذن لا يقوم ؟ ... إنه يؤكد نفس المعني بقوله " أنا هو الطريق و الحق و الحياة " ( يو 14 : 6 ) ... نعم كيف لا يقوم ، هذا الذي قال عن نفسه ليوحنا الرائي " أنا هو الأول و الآخر ، و الحي و كنت ميتاً ، و ها أنا حي إلي أبد الآبدين اَمين ... و لي مفاتيح الهاوية و الموت " ( رؤ 1 : 18 ) ... لهذا كله وبخ ملاك القيامة النسوة قائلاً : " لماذا تطلبن الحي من بين الأموات " ( يو 24 : 5 ) .
2- نعم ، كان لا بد أن يقوم من الموت ، لأنه هو نفسه قد أقام غيره من الموت ، بمجرد أمره . لقد أقام إيليا ميتاً ، و لكن بسبع صلوات ... و أقام أليشع ميتاً بصلوات أيضاً ... أما السيد المسيح ، فقد أقام إبنة يايرس ، و إبن أرملة نايين ، و لعازر ، بمجرد كلمة الأمر ، غنه معطي الحياة ... في إقامته إبنة يايرس ، أمسك بيدها و قال لها : " طليثا قومي " الذي تفسيره : " يا صبية لك أقول قومي " و للوقت قامت الصبية و مشت ( مر 5 : 41 ، 42 ) . و في إقامته إبن أرملة نايين ، تقدم و لمس النعش فوقف الحاملون ... فقال " ايها الشاب لك اقول قم ، فجلس الميت و ابتدأ يتكلم ، فدفعه إلي أمه " ( لو 7 : 14 ، 15 ) ... و في إقامته لعازر " صرخ بصوت عظيم : لعازر هلم خارجاً ... فخرج الميت و يداه و رجلاه مربوطات بأقمطة ، و وجهه ملفوف بمنديل .. فقال لهم : حلوه و دعوه يذهب " ( يو 11 : 43 ، 44 ) . هذا الذي أمر الموتي فقاموا ... أكان صعباً عليه أن يقوم ؟! ... كلا ، بل كان لا بد أن يقوم ، لأنه مقيم ، لأنه مقيم الموتي بأمره . نعم ، كان لا بد أن يقوم ، هذا الذي قال عنه الكتاب : " كما أن الرب يقيم الأموات و يحيي ، كذلك الإبن أيضاً يحيي من يشاء " ( يو 5 : 21 ) . فهذا الذي يحيي من يشاء ، ألا يحيي نفسه ؟!
3- و كان لا بد للمسيح أن يقوم ، لأن قيامته نبوءة لا بد أن تتحقق . يقول الكتاب بعد شهادة بطرس للمسيح أنه إبن الله " من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه ، أنه ينبغي أن يذهب غلي أورشليم و يتألم كثيراً من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة ،و يقتل ، و في اليوم الثالث يقوم " ( متي 16 : 21 ) ... و بعد معجزة التجلي " فيما هم نازلون من الجبل ، أوصاهم يسوع قائلاً : لا تعلموا أحداً بما رأيتم حتي يقوم إبن الإنسان من الأموات " ( مت 17 : 19 ) . و بعد أنشفي المصروع و قال " هذا الجنس لا يخرج بشئ إلا بالصلاة و الصوم " ، قال لهم و هم يترددون في الجليل : " إن إبن الإنسان يسلم إلي أيدي الناس ، فيقتلونه ، و في اليوم الثالث يقوم " ( متي 17 : 22 ، 23 ) . و بعد أن شرح مثل الكرم ، و من جاء في الساعة الحادية عشرة ، أخذ تلاميذه علي أنفراد و قال لهم : " ها نحن صاعدون إلي أورشليم ، و ابن الإنسان يسلم إلي رؤساء الكهنة و الكتبة ، فيحكمون عليه بالموت ، ويسلمونه إلي الأمم لكي يهزأوا به و يجلدوه و يصلبوه ، و في اليوم الثالث يقوم " ( متي 20 : 18 ، 19 ) ، ( لو 9 : 31 - 33 ) . لهذا كله حدث تذكير بعد القيامة بذلك قال ملاك القيامة للمرأتين " إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب ... ليس هو ههنا ، لأنه قام كما قال " ( متي 28 : 5 ، 6 ) . و عبارة " كما قال " تعني ما تنبأ به عن نفسه من حيث قيامته في اليوم الثالث . بل أن هناك نبوءات في العهد القديم عن قيامته من الأموات . و لذلك فإن السيد المسيح قال لتلاميذه بعد قيامته " هذا هو الكلام الذي كلمتكم به ، و أنا بعد معكم ، إنه لا بد أن يتم ما هو مكتوب علي في ناموس موسي و الأنبياء و المزامير ... حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب ... و قال لهم هكذا هو مكتوب و هكذا هو مكتوب و هكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم و يقوم من الموات في اليوم الثالث " ( لو 24 : 44 - 46 ) . حقاً ما أكثر النبواءت عن ذلك نتركها الآن لمبحث اَخر ... و لعله بسببها نقول في قانون الإيمان " و قام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب " . و لعل من الرموز لهذه القيامة في العهد القديم : قصة يونان النبي : فعندما طلب منه اليهود اَية ... قال لهم " جيل فاسق و شرير يطلب اَية و لا تعطي له إلا اَية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام و ثلاثة ليال ، هكذا يكون إبن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام و ثلاث ليال " ( متي 12 : 39 ، 40 ) .
4- كان لا بد أن يقوم المسيح ، لأن قيامته كانت في سلطانه هو : لقد مات بارادته ... هو قدم نفسه للموت ، و لم يكن مضغوطاً عليه في ذلك ... و قد قال موضحاً هذا الأمر في عبارته الخالدة " إني أضع نفسي لآخذها أيضاً ، ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها من ذاتي ... لي سلطان أن أضعها ، و لس سلطان أن اَخذها أيضاً " ( يو 10 : 17 ، 18 ) ... حقاً ما أعجب هذه العبارة " و لي سلطان أن اَخذها أيضاً " أي أن استرجع هذه الحياة التي وضعتها من ذاتي ، و لم يكن لأحد سلطان أن يأخذني مني ... إذن كان لا بد أن يقوم ، و يقوم بإرادته ... و لعلنا نسأل : لماذا وضع ذاته ؟ ... و ما فائدة ذلك في القيامة .. ؟
5- كان لا بد أن يقوم ، لأن موته كان مجرد وضع مؤقت ، لأداء رسالة مزوجة . كان ممكناً أنه لا يموت بحسب طبيعته ، و لأن الموت هو أجرة الخطية ( رو 6 : 23 ) . و هو لم تكن له خطيئة تستحق الموت ... و لكنه قبل أن يموت عوضاً عنا ، لكي يفدينا بموته ، كما قال الرسول " متبررين مجاناً بنعمته ، بالفداء الذي بيسوع المسيح ، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه ... من أجل الصفح عن الخطايا السالفة " ( رو 3 : 24 ، 25 ) . كانت هذه هي الرسالة الأساسية للموت ، أي الفداء ... و ماذا أيضاً ..؟ و كان لا بد بعد الفداء ، أن يذهب و يبشر الراقدين علي الرجاء ، و يفتح باب الفردوس ، و ينقل هؤلاء الراقدين من الجحيم إلي الفردوس ... و في هذا يقول القديس بطرس الرسول : " فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا ، البار من أجل الأثمة ، لكي يقربنا إلي الله ، مماتاً في الجسد ، و لكن محيي في الروح ، الذي فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن " ( 1 بط 3 : 18 ، 19 ) .. نعم كرز لتلك الأرواح بالخلاص ، و نقلها إلي الفردوس ، كما نقل اللص اليمين . و يقول القديس بولس الرسول : " و أما أنه صعد ، فما هو إلا أنه نزل أيضاً أولاً إلي أقسام الأرض السفلي ، الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السموات " ( أف 4 : 9 ، 10 ) .
6- و كان لا بد أن يقوم المسيح ، لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة و لا طرفة عين . حتي عندما مات ... تقول القسمة السريانية : انفصلت روحه عن جسده ...و لكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن روحه و لا عن جسده ... روحه المتحدة باللاهوت نزلت إلي أقسام الأرض السفلي ، و كرزت للأرواح التي في السجن ، و أصعدتها إلي الفردوس ...أما جسده فبقي في القبر متحداً بلا هوته أيضاً ... فهو قد مات بشرياً من جهة انفصال الروح عن الجسد ، و لكنه كان "محيي في الروح " .. كانت له الحياة الثابتة في اللاهوت ، و التي من أجلها صرخ نيقوديموس و هو يكفنه " قدوس الله .. قدوس القوس .. قدوس الحي الذي لا يموت . نعم كان لا بد أن يقوم هذا الجسد المتحد باللاهوت .. و ما كان ممكناً أن يستمر في الموت . إن الموت لم ينتصر عليه مطلقاً ، و ما كان ممكناً أن ينتصر عليه ... بل أنه بموته داس الموت ، أي داس علي هذا الموت الذي انتصر علي كافة البشر ، فنجاهم السيد من هذا الموت بموته عنهم ، و دفع ثمن خطاياهم .. و هكذا قضي علي سلطان الموت .
7- و هذا الذي قضي علي سلطان الموت بموته ، كان لا بد أن يقوم . كان لا بد أن يقوم ، ليعلن انتصاره علي الموت بقيامته ، و ليعلن للناس جميعاً أنه لا شوكة للموت ، حسب تسبحة بولس الرسول " أين شوكتك يا موت ؟ ... أين غلبتك يا هاوية ؟" ( 1 كو 15 : 55 ) .
8- و كان لا بد للمسيح أن يقوم ، لكي يعزي التلاميذ و يقويهم . كان لا بد أن يقوم ، لكي يزيل النتائج المرعبة التي نتجت عن صلبه ، حيث خاف التلاميذ و اختفوا في العلية ، و تشتت باقي المؤمنين به خائفين من اليهود و بطشهم ... و أنكر من أنكر ، و شك من شك ... و كان لا بد أن يقوم المسيح لكي يقوم بعملية ترميم لإيمان الناس ، و يشجعهم لكي يستمروا في إيمانهم ،و يصمدوا أمام اضطهادات اليهود ... و هكذا كانت قيامته أكبر دافع لهم علي الكرازة .
9- و كان لا بد له أن يقوم ، ليثبت أنه ليس إنساناً عادياً يموت كباقي الناس . جميع الناس يموتون ، و يستمرون هكذا منتظرين القيامة العامة ، لكي يقوموا .. أما السيد المسيح فكان لا بد أن يقوم مباشرة ، و إلا حسبوه إنساناً عادياً ... إن قيامته قد أثبت لاهوته ، و بخاصة أنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد .
10- و كان لا بد أن يقوم المسيح ، ليكون الباكورة التي علي شبهها يقوم الكل و هكذا قال القديس بولس " اَلان قد قام المسيح من الأموات ، و صار باكورة الراقدين لأنه كما أن في اَدم يموت الجميع ، هكذا أيضاً في المسيح أيضاً سيحيا الجميع المسيح باكورة ، ثم الذين في المسيح في مجيئه " ( 1 كو 15 : 20 - 22 ) . و يتكلم عن أهمية قيامة المسيح ، فيقول " إن لم يكن المسيح قد قام ، فباطل إيمانكم أنتم بعد في خطاياكم إذن الذين رقدوا في المسيح أيضاً قد هلكوا " و يستطرد " إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح ، فإننا أشقي جميع الناس " ( 1 كو 185 : 17 - 19 ) .
11- نعم كان لا بد أن يقوم المسيح ، لكي يؤسس المسيحية و لكي يمكث مع التلاميذ أربعين يوماً يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله ( أع 1 : 3 ) ،و يضع لهم قواعد الإيمان و يسلمهم الأسرار و الطقوس ، و ينفخ في وجوهم قائلاً " اقبلوا الروح القدس من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم ، و من أمسكتموها عليهم أمسكت " ( يو 20 : 22 ، 23 ) ثم يعدهم بحلول الروح القدس عليهم لكي ينالوا قوة ، و يكونوا له شهوداً في أورشليم و كل اليهودية و إلي أقصي الأرض " ( أع 1 : 8 ) ثم بعد ذلك يعهد إليهم بالكرازة قائلاً " اذهبوا إلي العالم اجمع ، و اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها من اَمن و اعتمد خلص " ( مر 16 : 15 ، 16 ) " اذهبوا و تلمذوا جميع الأمم ،و عمدهم باسم الآب و الإبن و الروح القدس و علموهم أن يحفظوا جميع ما اوصيتكم به و ها أنا معكم كل الأيام و إلي انقضاء الدهر " ( متي 28 : 19 ، 20 ) .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
06 مايو 2020
مفهوم القيامة وروحياتها
إن القيامة دخل على البشرية فعندما خلق الله الإنسان خلقه للحياة نفخ فيه نسمة حياة ، فصار نفساً حية و أراد الله له الحياة و الخلود و لكن حرية الإنسان انحرفت إلي الخطيئة ، فجلب لنفسه الموت كنتيجة لخطيئته ، لأن " أجرة الخطية هي موت " ( رو 6 : 23 ) و هكذا دخل الموت إلي العالم . و ساد علي الجميع لذلك نحن نفرح بالقيامة لأنها أنتصار علي الموت و عودة بطبيعة الإنسان إلي الحياة فالله خلق الإنسان ليحيا ن لا ليموت قيامة المسيح هي عربون لقيامتنا جميعاً ، لذلك وصفه القديس بولس الرسول بأنه " باكورة الراقدين " ( 1 كو 15 : 20 ) هو الباكورة ، و نحن من بعده و لعل سائلاً يسأل كيف يكون المسيح هو الباكورة ، بينما قام من قبله كثيرون ؟! إبن ارملة صرفة صيدا اقامة إيليا النبي من الموت ( 1 مل 17 : 22 ) و ابن المرأة الشمونمية اقامة أليشع النبي من بعد أن مات ( 2 مل 4 : 32 - 36 ) كما أن هناك ثلاثة أقامهم السيد المسيح نفسه و هم إبن ارملة نايين ، و ابنة يايرس ، و لعازر حقاً إن هناك اشخاصاً قاموا من الموت قبل المسيح ، و لكنهم بعد قيامتهم عادوا فماتوا ثانية و مازالوا ينتظرون القيامة العامة أما قيامة المسيح فهي القيامة التي لا موت بعدها ، و هي الباكورة ، و الشهوة التي يشتهيها كل مؤمن بحب الخلود القيامة التي نعينها هي الطريق إلي الأبدية التي لا نهاية لها و نحن نعلم أن قصة حياة الإنسان علي الأرض هي قصة قصيرة جداً و إذا ما قيست بالأبدية تعتبر كأنها لا شئ و الخلود هو الحلم الجميل الذي تحلم به البشرية إن القيامة ترفع من قيمة الإنسان ، و تؤكد أن حياته لا تنتهي بموته القيامة تؤكد أن هناك حياة أخري غير هذه الحياة الأرضية ، سوف نحياها بمشيئة الرب بعد القيامة و هكذا نقول في " قانون الإيمان " الذي نتلوه كل يوم في صلواتنا " و ننتظر قيامة الأموات ، و حياة الدهر الآتي اَمين " إذن لعلنا نقول إن أهم ما في القيامة هو ما بعد القيامة فالقيامة تدل علي أن لحياة الإنسان امتداداً في العالم الآخر ، و أن الموت هو مجرد مرحلة في حياة الإنسان ، أو هو مجرد جسر بين حياتين إحداهما أرضية و الأخري سمائية و لا شك أن الحياة الأخري أفضل بكثير ، لأنها حياة في السماء ، مرتفعة عن مستوي المادة كما أنها حياة نقية ، لا توجد فيها أية خطية و فوق كل ذلك فهذه الحياة الأخري هي عشرة مع الله و ملائكته و قديسيه عبر عنها الكتاب بقوله " ما تره عين ، و لم تسمع به أذن ، و لم يخطر علي قلب بشر ، ما أعده الله للذين يحبونه " ( 1 كو 2 : 9 ) و لهذا قال مار اسحق " إن مخافة المكوت تزعج قلب الرجل الجاهل أما الإنسان البار فيشتهي الموت مثلما تشتهي الحياة " و لهذا قال القديس بولس الرسول " لي اشتهاء أن أنطلق ، و أكون مع المسيح ، فذلك أفضل جداً " ( في 1 : 23 ) حقاً أن الموت يصبح شهوة للذين يحبون الله و يحبون الحياة الأخري ، و يرون أنها أفضل جداً من عالمنا هذا الذي فقد نقاوته هؤلاء لإيمانهم بالقيامة - لا يرون الموت نهاية حياة ، إنما هو انتقال لحياة أخري إن القيامة غيرت نظرة الناس لي الموت ، فأصبح مجرد أنتقال ، جسر يعبر إلي حياة أخري ، أو قل هو عملية ارتقاء ، لذلك صار شهوة للأبرار لما حدث أن المسيح داس الموت بقيامته ، سقطت هيبة الموت إلي الأبد ، و لم يعد القديسون يخافون الموت اطلاقاً ، كما أصبحوا لا يخافون مسبباته ، كالمرض مثلاً ، أو مؤامرات الناس الأشرار و اعتدائاتهم إنما يخاف الموت الإنسان الخاطئ ، الذي لم يتب ، فيخشي مصيره بعد الموت ، و الوقوف أمامدينونة الله العادلة أو يخاف الموت الإنسان الخاطئ ، الذي له شهوات يمارسها في هذا العالم و يخشي أن يحرمه الموت منها أما البار فلا يخاف الموت اطلاقاً ، لأنه يؤمن بالقيامة و القيامة ترتبط بالإيمان ، فالملحدون مثلاً لا يؤمنون بالقيامة الإنسان المؤمن يؤمن بقدرة الله علي اقامة الجحسد من الموت ، فالذي خلق البشر من التراب ، و خلق التراب من العدم ، هو قادر علي اعادة الجسد إلي الحياة ليعود فيرتبط بروحه أما الملحدون فلا يؤمنون بوجود الروح أو استمرارها بعد الموت ،و لا يؤمنون بالحياة الأخري ، و لا بالثواب و العقاب لهذا قلت إن القيامة ترتبط بالأيمان و الإيمان بالقيامة يقود إلي حياة البر و الفضيلة فهو يؤمن بأنه بعد القيامة ، سيقف أمام الله في يوم الدينونة الرهيب ، لكي يعطي حساباً عن كل أعماله ، إن خيراً و إن شراً لذلك يقوده هذا الإيمان إلي حياة الحرص و التدقيق خوفاً من دينونة الله العادلة و بالتالي يحاسب نفسه علي كل عمل ، و كل فكر و كل شعور ، و كل كلمة ، و يقوم نفسه ، كما قال القديس مقاريوس " احكم يا أخي علي نفسك ، قبل أن يحكموا عليك " بل إن الإيمان الحقيقي بالقيامة يقود إلي حياة الزهد و النسك القيامة حولت أنظار الناس إلي أمجاد العالم الآخر ، فتصاغرت في أعينهم المتعالزائلة في هذا العالم الفاني و من فرط تفكيرهم في غير المنظور ، ازدادوا بالمحسوسات و المرئيات و أصبحوا كما قال الكتاب " غير ناظرين إلي الأشياء التي تري ، بل إلي التي لا تري لأن التي تري وقتية ، و أما التي لا تري فابدية " ( 2 كو 4 : 18 ) و لو لم تكن القيامة ، لتهالك الناس علي هذه الحياة الرضية ، و غرقوا في شهواتها كالأبيقوريين الذين كان يقولون " لنأكل و نشرب ، لأننا غداً نموت " ( 1 كو 15 : 32 ) أما الذين يؤمنون بالقيامة و يستعدون لها ، فإنهم يضبطون أنفسهم حسناً و يدخلون في تداريب روحية لتقويم ذواتهم و لا ينقادون وراء الجسد و لا المادة بل يحيون بالروح بأسلوب روحي ، و يقمعون أجسادهم و حواسهم و أعصابهم حب الأبدية جعل الأبرار يشتاقون إلي شئ أكبر من العالم و أسمي كل ما في العالم لا يشبعهم ، لأن في داخلهم اشتياقاً إلي السماء و إلي النعيم الروحي الذي يسمو علي الحس و يرتفع فوق كل رغبة أرضية لذلك نظر القديسون إلي الأرض كمكان غربة ، و اعتبروا أنفسهم غرباء ههنا ، يشتاقون إلي وطن سماوي ، إلي حياة أخري ، من نوع اَخر روحاني نوراني سمائي ما لم تره عين اشتاقوا إلي العالم الآخر الذي كله قداسة و طهارة وروحانية ، و سلام و حب و نقاء حيث الله يملأ القلوب فلا تبقي فيها شهوة لشئ اَخر غيره القيامة فيها لون من العزاء و التعويض للناس فالذي لا يجد عدلاً علي الأرض ، عزاؤه أن حقه محفوظ في السماء ، عند الرب الذي يحكم للمظلومين الذي لا يجد خيراً علي الرض مثل لعازر المسكين ، عزاؤه أنه سيجد كل الخير هناك و كما كان علي الأرض يتعذب ، فهو في السماء يتعزي فالقيامة تقيم توازناً في حياة كل إنسان إذ أن محصلة ما يناله علي الرض ، و ما يناله في السماء تشكل توازناً قوامه العدل و القيامة تقدم عزاء حقيقياً لجميع الأصدقاء و المحبين ، إذ تجمعهم ثانية ، بعد أن يفرقهم الموت لو كان الأمر ينتهي عند القبر و لا قيامة ، إذن لكان احباؤنا الذين فارقونا بالموت قد أنتهوا ، و انتهت صلتنا بهم ، و ما عدنا نراهم و هذا لا شك يتعب القلب ، و يسبب فجيعه للمحبين الذين بغير القيامة يفقدون احباءهم إلي غير رجعة إن القيامة تعطينا أيضاً فكرة عن قوة الله و محبته الله القوي الذي يستطيع أن يقيم الأجساد بعد أن تكون قد تحللت و تحولت إلي التراب ، و يعيدها بنفس شكلها الأول ، و لكن بلون من التجلي روحانية و نورانية إنه الله المحب الذي لم يشأ أن يتمتع وحده بالوجود ، فخلق كائنات أخري كما لو يشأ أنه يعيش وحده في الخلود ، فأنعم بالخلود علي الناس و الملائكة ، و وهب البشر حياة أبدية بعد قيامهم من الموت و من متع القيامة زوال الشر و زوال كل ما سببته الخطية ففي النعيم الذي يحياه الأبرار لا يكون هناك شر و لا خطيئة بل مجرد معرفة الخطية ستنتهي و نعود إلي حياة البساطة الكاملة و النقاوة الكاملة كالملائكة ،و كالأطفال في براءتهم و تتخلص النفس من الأمراض التي رسبتها عليها الخطية كالخوف ، و الشك ، و الشهوة ، و القلق ، و ما شابه ذلك ، و عندئذ تلبس النفس اكليل البر ، و تزول منها جميع النقائص نفسية كانت أم جسدية يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل أمجاد القيامة فذلك يحتاج إلي كتب .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
29 أبريل 2020
ضرورة القيامة وإمكانياتها
قيامة الجسد:-
و حينما نتحدث عن القيامة ، إنما نقصد قيامة الأجساد من الموت ، لأن الأرواح حية بطبيعتها ، لا يلحقها موت ، و بالتالي ليست في حاجة إلي قيامة . هذه الأجساد التي تعود إلي التراب الذي خلقها الله منه ، ستعود مرة أخري إلي الوجود ، و تحل فيها الأرواح و تتحد بها ، و يقف الجميع أمام الله في يوم القيامة العامة ، يوم البعث ، لكي يقدموا حساباً أمام الله عن كل ما فعلوه في الحياة الدنيا ن إن خيراً و إن شراً . إنه يوم الدينونة الرهيبة ، يتلوه المصير الأبدي لكل البشر ، إما في النعيم أو العذاب ، حسبما يستحق كل إنسان حسب إيمانه و أعماله .
القيامة ممكنة:-
و إمكانية القيامة تعتمد و لاشك علي قدرة الله غير المحدودة . فكلنا نؤمن أن الله قادر علي كل شئ ، لا حدود لقدرته الإلهية . و مهما كان الأمر يبدو صعباً أمام الملحدين أو غير المؤمنين ، أمام الذين يعتمدون علي الفكر أو العلم وحدهما ، فإن الله قادر علي إقامة الأجساد من الموت بلا شك ... إن عملية قيامة الأجساد ، اسهل بكثير جداً من عملية خلقها من قبل ... الله الذي أعطاها نعمة الوجود ، هو قادر بلا شك علي إعادة وجودها ... هو الذي خلقها من تراب الأرض ، و هو قادر أن تعيدها من تراب الرض مرة أخري ... بل ما هو أعمق من هذا أن الله خلق الكل من العدم . خلق الأرض و ترابها من العدم ، و من تراب الأرض خلق الإنسان . أيهما أصعب إذن : الخلق من عدم ، أم إقامة الجسد من التراب ؟! فالذي يقدر علي العمل الأصعب ، من البديهي أنه يقدر علي العمل الأسهل ... و الذي منح الوجود ، يقدر بالحري أن يحفظ هذا الوجود . نقول هذا ، مهما وضع الملحدون و أنصاف العلماء من عراقيل أمام إمكانية القيامة . و عندما أقول أنصاف العلماء ، إنما ابرئ العلماء الكاملين في معرفتهم . فتصف العالم يعرف صعوبة الأمر من الناحية المادية ، و في نفس الأمر يجهل أو يتجاهل النصف الثاني للحقيقة و هو قدرة الله ... نصف الحقيقة أن الجسد قد يمتص الأرض بعض عناصره ، و يتحلل جزء منه ، و قد يتداخل في أجساد أخري . و النصف الثاني أن المادة لا تفني ، فأينما ذهب الجسد ، فمكوناته موجودة ، و مصيرها إلي الأرض أيضاً ... و الله غير المحدود يعرف تماماً اين توجد عناصر الجسد ، و يقدر علي إعادتها مرة أخري ، بقدرته اللانهايئة ، و بخاصة لأنه يريد هذا ، و لأنه قد وعد به البشرية علي لسان الأنبياء و في كتبه المقدسة . و إذن القيامة في جوهرها تعتمد علي الله تبارك إسمه . تعتمد علي إرادته ، و معرفته و قدرته ... فمن جهة الإرادة ، هو يريد للإنسان أن يقوم من الموت . و قد وعده بحياة الخلود . و تحدث عن القيامة العامة بصراحة كاملة و بكل وضوح . و مادام الله قد وعد ، إذن لا بد أنه ينفذ ما قد وعد به . و من جهة المعرفة و القدرة . فالله يعرف أين توجد عناصر الأجساد التي تحللت و أين توجد عظامها . و يعرف كيفية إعادة تشكيلها و تركيبها . و هو يقدر علي هذا كله ، جل إسمه العظيم ، و تعالت قدرته الإلهية . و بكل إيمان نصدق هذا . إن الذي ينكر إمكانية القيامة ، هو بالضرورة أيضاً ينكر الخلق من العدم ، و ينكر قدرة الله أو ينكر وجوده . أما المؤمنون ، الذين يؤمنون بالله ن و يؤمنون بالمعجزة ن و يؤمنون بعملية الخلق ، و يؤمنون بالقدرة غير المحدودة للخالق العظيم ، فإن موضوع القيامة يبدو أمامهم سهل التصديق إلي أبعد الحدود .
ضرورة القيامة:-
و هناك نقطة أساسية في ضرورة القيامة ، و في فهم معني الخلود : إن الله قد وعد الإنسان بالحياة الأبدية و وعده هو للإنسان كله ، و ليس للروح فقط التي هي جزء من الإنسان . فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود و النعيم الأبدي ، إذن لا يمكن أن نقول إن افنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة ، و إنما جزء واحد منه فقط ، و هو الروح ، إذن لابد بالضرورة أن يقوم الجسد من الموت ، و تتحد به الروح ، لتكون إنساناً كاملاً تصير له الحياة الدائمة . و لولا القيامة لكان مصير الجسد البشري كمصير أجساد الحيوانات !! ما هي إذن الميزة التي لهذا الكائن البشري العاقل الناطق ، الذي وهبه الله من العلم موهبة التفكير و الاختراع و القدرة علي أن يصنع مركبات الفضاء التي توصله غلي القمر ، و تدور به حول الأرض ، و ترجعه إليها سالماً ،و قد جمع معلومات عن أكوان أخري ... ! هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب ، الذي سلطه الله نواح من الطبيعة ، يؤول جسده إلي مصيره كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام ؟! إن العقل لا يمكنه أن يصدق هذا ... إذن قيامة الجسد تتمشي عقلياً مع كرامة الإنسان . الإنسان الذي يتميز عن جميع المخلوقات ذوات الأجساد ، و الذي يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً ،و أن يقوم لها بواجب الرعاية و الاهتمام ، إذا أراد . فكرامة جسد هذا المخلوق العاقل لا بد أن تتميز عن مصير باقي أجساد الكائنات غير العاقلة غير الناطقة . كذلك فإن قيامة الأجساد ضرورة تستلزمها عدالة الله . الإنسان مخلوق عاقل ذو إرادة ، و بالتالي هو مخلوق مسئول عن أعماله ، وسيقف أمام الله ، لينال ثواباً أو عقاباً عما فعل خلال حياته علي هذه الأرض إن خيراً و إن شراً . و هذا الجزاء عن عمل الإنسان ، هل يعقل أن يقع علي الروح فقط ، أم علي الإنسان كله بروحه و جسده ؟ إن الروح والجسد اللذين اشتركا في العمل معاً ، تقتضي العدالة الإلهية أن يتحملا الجزاء معاً أو يتنعما بالمكافأة معاً .
الروح والجسد:-
إن الجسد هو الجهاز التنفيذي للروح أو للنفس أو للعقل . الروح تميل إلي عمل الخير ، و الجسد هو الذي يقوم بعمل الخير . يجري و يتعب و يشقي و يسهر و يحتمل . أفلا تكون له مكافأة عن كل ما اشترك فيه من خير مع الروح ؟! أم تتنعم الروح وحدها ، و كل تعب الجسد يضيع هباء ؟! و هل يتفق هذا مع عدالة الله الكلي العدالة ؟! و لنأخذ الجندي في الميدان مثالاً لنا : الجندي تدفعه روحه إلي أعمال البسالة و البذل و الفداء ، و تشتعل روحه بمحبة وطنه و مواطنيه . و لكن الجسد هو اتلذي يتحمل العبء كله ، و يدفع الثمن كله . الجسد هو الذي يتعب و يسهر و يحارب ، و هو الذي يجرح و يتمزق و تسيل دماؤه . فهل يعد كل هذا تتمتع الروح وحدها ن و الجسد لا يشترك معها في المكافأة ؟! و كأنه لم ينل أرضاً و لا سماء ؟! إن العدل الإلهي لا يوافق إطلاقاً علي هذا . إذن لا بد أن يقوم الجسد من الموت ، ليشترك مع الروح في أفراحها . و نفس الوضع نذكره أيضاً في عمل الشر الذي يشترك فيه الجسد مع الروح ، بل قد يكون نصيب الجسد أوفر ... الجسد هو الذي ينهمك في الملاذ المادية ، من أكل و شرب و سكر و مخدرات و زني و رقص و عبث و مجون ، و يلذذ حواسه باللهو . و هل بعد هذا كله ، تدفع الروح الثمن وحدها في الأبدية ، و لا يلحق بالجسد شئ من العذاب أو من المجازاة ؟! كلا ، فهذا لا يتفق مطلقاً مع العدل الإلهي ، الذي لا بد أن يجازي الإنسان كله روحاً و جسداً . إذن لا بد أن يقوم الجسد من الموت ليشترك في المجازاة . و يكون الحساب لكليهما معاً ، لأنهما اشتركا في العمل معاً ، سواء بدأت الروح ، و أكمل الجسد . أو اشتهي الجسد ، و استسلمت الروح له و اشتركت معه في شهواته ...و لنضرب مثلاً واحداً للشركة بين الروح و الجسد ، و هو العين : الروح تحب أو تشفق ، و يظهر الحب و الاشفاق في نظرة العين . و الروح تغضب أو تميل إلي الانتقام . و تري في العين نظرة الغضب أو نظرة الانتقام . الروح تتجه إلي الله بالصلاة ، و تري في العين نظرة الابتهال ، أو تغرورق العين بالدموع من تأثر الروح ... و الروح الوديعة المتضعة يشترك معها الجسد بنظرات وديعة متضعة . و الروح المتكبرة المتغطرسة المتعالية ن يشترك معها الجسد ايضاً بنظرات التكبر و الغطرس و التعالي . و كما تشترك العين ، تشترك ايضاً كل ملامح الوجه ، كما تشترك دقات القلب ، و مراكز المخ ، و أعضاء أخري من الجسد ... هذه أمثلة من الشركة بين الروح و الجسد .و في مجال الجد و الاجتهاد ، نري هذا أيضاً . و يوضح هذا قول الشاعر:
و إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد
إذن تكون المكافأة في الأبدية للروح الكبيرة التي أرادت الخير و صممت علي عمله ، و أيضاً للجسد الذي حمل عبئ التنفيذ ، و تعب و جاهد و احتمل و صبر ، حتي يحقق للروح رغبتها . و هكذا كما اشترك معها في العمل ، ينبغي ان يقوم ليشترك معها في الجزاء و في حمل المسئولية . فالمجازاة هي للإنسان كله ...و نحن علي الأرض أيضاً نكافئ الجسد ، و نعتبر هذا أيضاً مكافأة للروح في نفس الوقت . ألسنا نمجد أجساد الشهداء و الأبرار ، و نجعل مقابرهم مزاراً ، و نضع عليها الورود ، و نصلي هناك من أجلهم ...؟ و لا نعتبر هذا كله مجرد اكرام للجسد أو للعظام أو للرفات أو التراب ، و إنما للإنسان كله . لأننا فيما نفعل هذا ، إنما نحيي روحه أيضاً . فالإنسان عندنا هو الإنسان كله ، غير متجزئ ... إن كان يستحق الإكرام ، نكرم جسده و نحيي روحه أيضاً . و إن كان لا يستحق ، ينسحب الإهمال علي جسده وروحه معاً . فالمجرمون الذين يحكم عليهم بالإعدام أو بالسجن ، تنال أجسادهم جزاءها . وفي نفس الوقت يلحق بأرواحهم سوء السمعة . و تتأثر أرواحهم بما يحدث لأجسادهم .. فإن كانت عدالتنا الأرضية تفعل هكذا ، فكم بالحري عدالة الله .. عدالة الله تشمل الإنسان كله ، روحاً و جسداً ، لذلك لا بد أن يقوم الجسد الذي عاش علي الأرض مشتركاً مع الروح في أعمالها . ينفعل بحالة الروح ، بفكرها و مشاعرها و نباتها ن الروح تقدم المهابة أو الخشوع ن فينحني الجسد تلقائياً . الروح تحزن فتبكي العين ن و يظهر الحزن علي ملامح الوجه و في حركات الجسد . الروح تفرح ، فتظهر الابتسامة علي الوجه . الروح تخاف فيرتعش الجسد ، و يظهر الخوف في ملامحه ز الروح تخجل ، فيعرق الإنسان ، أو يبدو الخجل في ملامحه ... إنها شركة في كل شئ ، ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها أو الجسد وحده . إنما يتحملها الإثنان معاً ، و هذا يحدث في القيامة . إن بعض الذين ينكرون القيامة ، يبدو في أسلوبهم احتقار الجسد . علي اعتبار أن الجسد هو من المادة ، بينما الروح لها جوهر يسمو بما لا يقاس عن طبيعة الجسد . و لكننا نقول إنه علي الرغم من ا، الإنسان من طبيعتين احدهما روحية و الأخري مادية ، إلا أنهما اتحدا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية . و الجسد ليس شراً ، و إلا ما كان قد خلقه الله ... إنما الشر هو أن يخضع الجسد للمادة و ما يتعلق بها من شهوات . و في هذا الخضوع تشترك معه الروح . لا ننسي أن الجسد له فضائله . فهو الذي يسجد في الصلاة و يركع و يرفع يديه و نظره إلي الله . و هو الذي يصوم ، و هو الذي يتعب في عمل الخير ، وهو الذي يبذلذاته من أجل وطنه ، وهو الذي يمد يده ليعطي للفقير و للمسكين . فلماذا ننظر إليه في إقلال لشأنه ؟! أليست اصابع الفنان هي التي تتحرك علي الَة موسيقية ، فتتحرك معها القلوب ، و يمكنها أن تحركها نحو الخير . أليست أصابع الفنان تتحرك بالرسم أو النحت أو التصوير ، فتقدم فناً - إن أرادت - تحرك به القلوب نحو الخير ... الجسد إذن ليس شراً في ذاته ، إنما يمكن أن يعمل في مجالات الخير و الشر ، و الروح كذلك تعمل في كليهما . و يشتركان معه . كذلك من العدالة أن تقوم الأجساد لتنال تعويضاً عما ينقصها . فالعميان مثلاً ، و المعوقون ، و اصحاب العاهات ، و المشوهون ، و كل الذين لم تنل أجسادهم حظاً من الجمال أو الصحة أو القوة ، من العدالة أن تقوم أجسادهم في اليوم الآخير ، و تقوم بلا عيب ، حتي يعوضها الله عما قاسته علي الرض من نقص . كذلك الذين عاشوا علي الأرض في فقر و عوز و جوع ومرض ، كان له تأثيره علي أجسادهم ، يحتاجون أن يقوموا بأجساد سليمة تعويضهم عما نالوه علي الأرض ، و يتفق هذا الأمر مع عدالة الله ... إننا نفرح بالقيامة ، و نراها لازمة و ضرورية و ممكنة . و نهنئ الكل بعيد القيامة ، الذي كانت فيه قيامة المسيح باكورة لقيامة البشر جميعاً .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
22 أبريل 2020
القيامة وأعماقها الروحية
القيامة لقاء عجيب:-
إنها أولاً لقاء صديقين متحدين هذان الصديقان عاشا معاً العمر كله ، منذ الولادة ، بل و قبلها أيضاً ، أثناء الحمل في بطن الأم ، لم يفترقا لحظة واحدة ، و أعني بهما الجسد و الروح كل منهما طبيعة متميزة تماماً الجسد طبيعة مادية ، و الروح طبيعة روحية ، اتحدا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية ، لا تستطيع أن تفصل بينهما فتقول هنا الجسد و هنا الروح ، عاشا بهذه الوحدة العجيبة ، التي يعبر فيها الجسد عن كل مشاعر الروح إن فرحت الروح ، يبتسم الجسد و يتهلل و إن حزنت الروح ، يظهر حزنها في عينيه و بعد عمر وحياة ، انفصل الاثنان بالموت و أخيراً يلتقيان في القيامة بعد غربة طويلة ، و يتحدان مرة أخري ! تري ما هي مشاعر الروح و هي تلقي بجسدها ، شريك العمر ، ربما بعد اَلاف أو مئات السنين ، مثلما تلتقي أرواح اَدم و نوح و ابراهيم بأجسادها!!تلتقي الروح بجسدها ، بعد أن رأته يتحول إلي حفنة تراب ، ثم يعود ، و في صورة أبهي من الأول ، بلا أي عيب ، و لا نقص ، حتي العيوب التي كانت فيه اثناء ذلك الزمان السحيق نعم ، يقوم بلا عيب ، لأن العيوب لا تتفق مع النعيم الأبدي و أيضاً يعود و هو أكثر صداقة ، فلا يختلف إطلاقاً في الحياة الأخري مع الروح ، إذ يقوم جسداً روحانياً .
اللقاء العجيب الثاني في القيامة ، هو لقاء شعوب و أجناس التاريخ إنها قيامة عامة منذ اَدم ، تجتمع فيها كل الشعوب و الأجناس ، التي عاشت خلال أجيال و قرون ، بكل ملامحها و لغاتها ، بكل أبطالها و قادتها ألعلها تتعارف و تتفاهم ؟! نعم ، بلا شك لأنه ستكون للكل لغة واحدة هي لغة الروح ، أو لغة الملائكة حقاً ما أعجب هذا اللقاء ! إنه قصة القصص ، و حكاية دهور طويلة و أجمل ما فيه موكب المنتصرين ، الذين جاهدوا خلال حياتهم في العالم و غلبوا انتصروا للحق و القيم . يلقتون و وراء كل منهم رواية روتها الأجيال و يعود العالم شعباً واحداً كما كان ، قبل أن يفترق و يتشتت تري كيف سيكون لقاء الشعوب التي كانت متصارعة من قبل ؟ أتري تبدو أمامهم تافهة " جداً " ، تلك الأسباب التي دعتهم من قبل إلي الصراع ؟!
اللقاء الثالث العجيب ، هو لقاء البشر و الملائكة و هم طبيعة أخري أسمي من طبيعتنا ، و لكن اللقاء بهم هو إحدي متع الأبدية و أسمي من هذا كله بما لا يقاس : لقاؤنا مع الله التقاؤنا به تبارك اسمه - هو النعيم الأبدي ، و لا نعيم بدون الله هنا و يقف قلمي في صمت خاشع ، لأني أمام أمر لا تستطيع الألفاظ أن تعبر عنه لأنه فوق مستوي اللغة في التعبير ، و فوق مستوي العقل في التفكير القيامة إذن هي لقاء عجيب و ماذا أيضاً ؟
القيامة هى انتقال عجيب:-
هي انتقال من المحدود إلي اللا محدود انتقال من هذا العمر المحدود بأيام و سنين ، إلي حياة غير محدود ، بل إلي مجال هو فوق الزمن أتري هل توجد هناك أرض تدور حول نفسها و حول شمس ، و تترجم دوراتها إلي أيام و سنين ؟! أم أننا سنرتفع فوق الزمن بدخولنا في عالم اَخر جديد ! مقاييس الزمن ستنتهي لحظة واحدة في الأبدية ، هي أطول و أعمق من حياة الأرض كلها القيامة أيضاً هي انتقال من المرئيات إلي ما لا يري هي دخول فيما قال عنه الكتاب " ما لم تره عين ، و لم تسمع به أذن ، و لم يخطر علي قلب بشر ، ما أعده الله لمحبي إسمه القدوس " ( 1 كو 2 : 9 ) إنه دخول في عالم الأرواح ، و التقاء مع الملائكة ، و هم أرواح ، تري مع أفراح لم تعرف من قبل في هذا العالم المادي المرئي و هنا تكون القيامة سمواً فوق مرتبة ما تدركه الحواس ، بارتفاع إلي ما لا تدكه سوي الروح .
هي إذن انتقال من ععالم الحواس إلي عالم الروح أو هي اقتناء حواس روحية غير الحواس المادية الحالية ، حواس تري الروح و الروحيات ، و تبهر بها و هنا أصمت مرة أخري هنا نوع من التجلي للطبيعة البشرية تدرك فيه ما لم تكن من قبل ، و تكتسب خواصاً روحية لم تكن تمارسها قبلاً ، و تصبح في القيامة في وضع تستطيع به أن تري ما لا يري ، أو بعضاً منه ، أو تتدرج في الرؤية ، منتقلة من شبع روحي ، إلي شبع أسمي و اسمي ، حياة التجلي و القيامة هي انتقال من عالم الباطل إلي عالم الحق . من عالم الفناء إلي عالم البقاء من عالم كل ما فيه يبطل بعد حين ، إلي عالم باق ليس فيه بطلان عالم كل ما فيه حق و ثابت انتهت منه الخطيئة ، و أصبح كل ما فيه براً و فيه أيضاً ينتقل الإنسان من عشرة إلي عشرة ، أنقي و أبقي و أصفي و ماذا عن القيامة أيضاً ؟
القيامة معجزة متعددة الجوانب:-
1- أنها معجزة ممكنة هنا قدرة الله العجيبة ! كيف يجمع الأجساد مرة أخري بعد أن تحولت إلي تراب ؟! أليس هو الذي خلقها من قبل من تراب ، بل من عدم ، فالتراب كان عدماً قبل أن يكون تراباً و الذي يتأمل القيامة من هذه الناحية ، إنما يتأمل القدرة غير المحدودة التي لإلهنا الخالق ، الذي يكفي أن يريد ، فيكون كل ما يريد ، حتي بدون أن يلفظ كلمة واحدة إنها إرادته التي هي في جوهرها أمر فعال قادر علي كل شئ.
2- نسمي القيامة إذن معجزة ليس لأنها صعبة و إنما لأن عقلنا يعجز عن إدراكها كيف تكون و إن كان العقل يعجز عن الفهم ، فالأيمان يستطيع بسهولة أن يفهم لذلك فالقيامة هي عقيدة للمؤمنين الذي يؤمن بالله و قدرته ، يستطيع أن يؤمن بالقيامة و الذي يؤمن بالله كخالق ، يؤمن به أيضاً مقيماً للموتي أما الملحدون ، فلا يصل إدراكهم إلي هذا المستوي إنهم لا يؤمنون بالقيامة ، كما لا يؤمنون بالروح و خلودها ، كما لا يؤمنون بالله نفسه .
3- القيامة معجزة ممكنة و أيضاً هي معجزة لازمة ، لأجل العدل و لأجل التوازن إنها لازمة من أجل العدل من أجل محاسبة كل إنسان عن أفعاله التي عملها خلال حياته علي الرض ، خيراً كانت أم شراً ، فيثاب علي الخير ، و يعاقب علي الشر و لو لم تكن قيامة ، لتهالك الناس علي الحياة الدنيا ، و عاشوا في ملاذها و فسادها ، غير عابئين بما يحدث فيما بعد أما الإيمان بالقيامة ، و ما يعقبها من دينونة و جزاء ، فإنه رادع للناس ، غذ يشعرون أن العدل ل بد أن ياخذ مجراه في العالم الآخر و هذا الجزاء لا بد أن يكون بعد القيامة و اتحاد الأرواح بالأجساد لأنه ليس من العدل أن تجازي الروح وحدها ، و يترك الجسد بلا جزاء علي كل ما فعله في عصيان الروح أو في طاعتها إذن لا بد أن يقوم الجسد ، و تتحد به الروح ، و يقف الإثنان معاً أمام الله لأن كل أعمالهما علي الأرض كانت معاً كشريكين ملتزمين و القيامة لزمة أيضاً من أجل التوازن ففي الأرض لم يكن هناك توازن بين البشر ، ففيها الغني و الفقير ، السعيد و التعيس ، و المنعم و المعذب فإن لم تكن هناك مساواة علي الأرض ، فمن اللائق أن يوجد توازن في السماء و من لم ينل حقه علي الأرض ، يمكنه أن يناله بعد ذلك في السماء ،و يعوضه الرب ما قد فاته في هذه الدنيا ، إن كانت أعماله مرضية الرب . و قصة الغني و لعازر في الإنجيل المقدس ( لو 16 ) تقدم لنا الدليل الأكيد عن التوازن بين الحياة علي الأرض و الحياة في السماء .
القيامة أيضاً هي معجزة جميلة رائعة لأنها تقدم للعالم الآخر الحياة التالية فالإنسان المثالي الذي تحدث عنه الفلاسفة ، و الذي بحث عنه ديوجين و لم يجده ، و الذي فكر العلماء كيف يكون هذا الإنسان المثالي تقدمه لنا القيامة في العالم الآخر ، في عالم ليست فيه خطيئة علي الإطلاق ، و ليس فيه حزن و لا بكاء ، و لا فساد و لا ظلم ، و لا نقص و لا عيب إنها معجزة تقدمها القيامة ، أو هي شهوة في حياة البر تتحقق بالقيامة و لذلك فالقيامة معجزة مفرحة مفرحة لأن بها تكمل الحياة ، و ينتصر الإنسان علي الموت ، و يحيا إلي الأبد إن الحياة الأبدية هي حلم البشرية التي يهددها الموت بين لحظة و أخري ، و التي تحيا حياة قصيرة علي الأرض ، و علي قصرها مملوءة بالمتاعب و الضيقات ، لذلك يكون فرح عظيم للإنسان أن يتخلص من التعب و من الموت ، و يحيا سعيداً في النعيم البدي إنه حلم يتحقق بالقيامة من هنا نصل إلي حقيقة هامة و هي :
القيامة هى باب الأبدية:-
لولا القيامة لكان الموت حكماً بالفناء و الفناء هو أمر مخيف و هو نهاية مؤلمة تعتبر أقسي مأساة و لكن الله عندما خلق الإنسان ، لم يخلقه للفناء ، و إنما للحياة و إن كان الإنسان قد تعرض للموت بسبب خطيئته ، فإن الله رسم له طريق الخلاص و أقامه من هذا الموت بل إن الله عندما خلق الإنسان ، خلق له شيئاً خالداً هو الروح و الروح لا تموت بموت الإنسان ، بل تبقي حية بطبيعنها و بهذا يختلف الإنسان عن باقي المخلوقات الأخري علي الأرض ، التي تنتهي حياتها و تبيد أما الإنسان فإنه بالقيامة يبدأ من جديد حياة أخري لا تنتهي و هنا تبدو قيمة الإنسان و أفضليته علي غيره من المخلوقات الأرضية و لأن الروح وحدها ، لا تكون إنساناً كاملاً ، لذلك لا بد أن يقوم الجسد و يتحد بها و هكذا لا تكون الحياة الأبدية لجزء واحد من الإنسان هو الروح ، بل تكون للإنسان كله روحاً و جسداً فيعود الإنسان كله إلي الحياة و بهذا تكون القيامة يقظة للإنسان بعد نوم طويل و نقصد بها يقظة لهذا الجسد ، أو للإنسان بمعناه الكامل أما الروح فهي في قظة دائمة إن القيامة هي نهاية للموت فلا موت بعدها إنها نهاية لهذا العدو المخيف لقد انتصر الإنسان علي أعداء كثيرة للبشرية ، ما عدا هذا الذي غلب الجميع لأنه كان عقوبة من الله الذي لا راد لحكمه و لكن الله بالقيامة نجي البشرية من هذا العدو ، و قضي عليه إلي الأبد و اصبحنا أمام جسر يفصل بين حياتين علي أوله الموت ، و في نهايته القيامة فالموت هو نهاية الحياة الأولي ، و القيامة هي بداية الحياة الأخري و المسافة بينهما هي فترة انتظار ، تنتظرها أرواح الذين سبقوا ، حتي يكمل أخوتهم علي الرض جهادهم و اختبارهم علي أن الأبدية التي تقدمها القيامة لا بد تسبقها الدينونة بين القيامة و الأبدية يقف يوم الدينونة الرهيب ، حيث يقف الجميع أمام الله ، ليقدموا حساباً عن كل ما فعلوه بالجسد ، خيراً كان أم شراً يقدمون حساباً عن كل عمل ، و كل فكر ، و كل إحساس و شعور ، و كل نية نووها ، و كل كلمة لفظوها و يمضي الأبرار إلي النعيم الأبدي ، و يمضي الأشرار إلي العذاب الأبدي لذلك فكما أن القيامة فرح للأبرار ، هي ايضاً رعب للملحدين و للأشرار و حتي بالنسبة إلي الأبرار يعيد الله ترتيب مراكزهم ، بحسب أعمالهم فيعطي كل إنسان مركزاً جديداً بحسب ما كان له من نقاوة القلب و الفكر ، و بحسب ما كان له من دقة في تنفيذ وصايا الله ، و من جهاد في نشر الخير و محبة الإنسان ، و أيضاً بحسب ما كان في قلبه من حب لله و اشتياق إليه .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب تأملات في القيامة
المزيد
08 أبريل 2020
ما علاقة الله بصومك
ما الذي آخذه الله من صومك ؟ وما الذي أخذته أنت من الله ؟ ماذا أعطيت الله في صومك ، وماذا أعطاك ؟ هل كان صومك فتره غير عادية في حياتك ؟ أياماً 0مقدسة شعرت فيها بيقظه روحية تدعوك أن تذوق وتنظر ما أطيب الرب ؟ هل اختبرت فيها كيف تسلك حسب الروح وليس حسب الجسد ؟
ليس الصوم هو تغيير طعام بطعام وليس هو امتناع فتره معينة عن الطعام كل هذه مجرد وسائل ، ولكنها ليست هي جوهر الصوم فجوهر الصوم هو انطلاق الروح من مطالب هذا الجسد ، لكي يسمو الجسد معها ، ويرتفع الإنسان بعيداً عن ثقل المادة ، متجهين معاً في اتجاه واحد هو محبة الله ، والتمتع بعشرته . هذا هو الصوم المقدس ، أي المخصص لله ثلاثة أشياء لابد أن تخصصها لله في صومك ، إن أردت ان تقدس هذا الصوم لله في الصوم تخصص القلب و الفكر والإرادة لله فلا يكون كل صومك هو انشغال بالأكل والشرب وإنما امتناعك عن الأكل والشرب ، وضبطك فيما تآكل وتشرب ، إنما هو تدريب لهذه الإرادة كيف تقوي ، ولا تكون قاصرة علي موضوع الطعام فحسب ، وغنما إرادتك التي نجحت في السيطرة علي الطعام ، تقدم ذاتها لله في كل شئ فلا تريد إلا ما يريده الله وهذه هي الحكمة من الصوم أن منع النفس عن الكل ، يمتد إلي أن يصير منعاً عاماً عن كل ما يغضب الله فلا يكفي أن تمنع نفسك عن الأطعمة الحيوانية ، أو عن الكل عموماً ، وتبقي بلا ضابط في خطايا معينة ! إنما في صومك قدم إرادتك لله في كل تصرفاتك وقل له " لتكن لا إرادتي بل إرادتك "إبحث إذن أين تشرد إرادتك بعيدا عن الله وركز علي هذه النقطة بالذات لكي تنجح فيها ، وتقدم لله إرادة صالحة ترضيه وهذا التدريب الذي تسلك فيه أثناء الصم ، وف يصحبك بعده أيضاً لأنه من غير المعقول أن تضبط نفسك في البعد عن خطايا معينه أثناء الصوم ، ثم تبيح هذا الأمر لنفسك عندما ينتهي الصوم ! وإلا فما الذي تكون قد استفدته من صومك ؟! أحرص أن يكون الصوم قد غير فيك شيئاً لا تأخذ من الصوم مجرد تغيير الطعام ، إنما تغيير الحياة إلي أفضل تغيير النقائص التي فيك ، والضعفات التي تحسها في علاقتك مع الله و الناس لأنه ماذا تستفيد أن قهرت نفسك خلال خمسة وخمسين يوماً في الصوم الكبير ، وخرجت من الصوم كما كنت تماماً قبله ، دون أن تكون علاقة حب مع الله ، وعلاقة حب مع الله ، وعلاقة ثابت فيه ؟!
تأمل كم صوماً مر عليك ، وأنت كما ! كم هي الأصوام ، التي صمتها ، منذ أن عرفت الله حتي الآن ؟ كم سنة مرت عليك ، وفي كل سنة عدد من الصوام ، مع أربعاء وجمعة في كل أسبوع تأمل لو كنت في كل صوم منها تنجح إرادتك ، ولو في الانتصار علي نقطة ضعف معينه حتي تصطلح مع الله فيها وتذوق حلاوه مشيئته تري لو سلكت هكذا ، كم كنت تري حصاد حياتك وفيراً في الروحيات ، وكم كانت علاقتك بالله تزيد وتتعمق لا تأخذ من الصوم شكلياته ، بل ادخل إلي العمق فليس الصوم مجرد شكليات ورسميات ، ولا هو مجرد فروض أو طقوس ، إنما هو نعمة أعطت لنا من الله ، ونظمتها الكنيسة لخيرنا الروحي . لأجل تنشيط أرواحنا ، وتذكيرنا بالمثالية التي ينبغي أن نسلك فيها ، وتدريبنا علي " القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب "( عب 12: 14) الصوم إذن فترة مقدسة مثالية غير عادية يحتاج إلي تدبير روحي من نوع خاص يتفق مع قدسيتها حالماً يبدأ الصوم نشعر أننا دخلنا في حياة لها سموها ، وفي أيام غير عادية نتدرب فيها علي حياة الكمال ولذلك لا يجوز أن تمر علينا شأنها كباقي الأيام إنها صفحة جديدة في علاقتنا مع الله ، ندخلها بشعور جديد وبروح جديدة حقاً إن كل أيام حياتنا ينبغي أن تكون مقدسة ولكن فترة الصوم هي أيام مقدسة غير عادية وإن سلكنا فيها حسناً ، سنصل غلي قدسية الحياة كلها إنها فتره نتفرغ فيها لله علي قدر إمكاننا ، ونعمق علاقتنا به هل سمعتم عن الصوم الذي يخرج الشياطين ؟ وكيف قال الرب عن الشياطين " هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم ( مت 17: 21) فأي صوم هذا الذي لا تستطيع الشياطين أن تحتمله فتخرج ؟ أهو مجرد الامتناع عن الطعام ؟ كلا بلا شك بل إنها العلاقة القوية التي تربط الصائم بالله ، هذه التي لا يحتملها الشيطان الدالة التي بين الإنسان والله ، دالة الحب وصلة الروح التي حرم منها الشيطان ، ما ان يراها حتي يتعب ويذهب القلب الملتصق بالله في الصوم ، هذا يراه الشيطان فيهرب فهل قلبك ملتصق بالله في الصوم ؟
هل تعطية قلبك كما تعطية إرادتك ؟ وهل تشعر بحبه أثناء الصوم ؟ هل هذا الحب طابع واضح في صلواتك وتاملاتك اثناء الصوم ؟ وهل من أجل محبته نسيت طعامك وشرابك ، ولم تعد تهتم بشيء من هذا ؟
وكأنك تقول لجسدك أثناء صومك أنا لست متفرغاً لك الآن أكلت أو لم تأكل ، هذا موضوع لم يعد يشغلني أو يهمني " لكل شئ تحت السموات وقت " وليس هذا هو وقتك أنا الآن مشغول بعمل روحي مع الله فتعال اشترك معنا ، أن أردت أن يكون لك كيان في هذا الصوم أما الطعام فليس الان مجاله طعامي الآن هو كل كلمة تخرج من فم الله هذه هي مشاعر من يقول في صومه مع القديس يوحنا الرائي كنت في الروح في يوم الرب ( رؤ 1: 10) ولا شك أن يوم الصوم هو يوم للرب . فهل انت " في الروح " أثناء صومك ؟ هل نسيت جسدك تماماً بكل ماله من رغبات ومطالب واحتياجات ، وفضلت أن تحيا في الروح خلال فترة الصوم ؟ ليس للجسد عندك سوي الضروريات التي لا قيام له بدونها وكأنك تقول مع بولس الرسول " في الجسد أم خارج الجسد ، ليست أعلم . الله يعلم "( 2كو 12: 3) هل يكون فكرك منشغلاً بالله في صومك ؟ في أثناء القداس الإلهي ينادي الأب الكاهن قائلاً " أين هي عقولكم "؟ ويجيب الشعب " هي عند الرب " وانا اريد ان أسأل نفس السؤال أثناء الصوم " أين هي عقولكم " ؟ أتستطيع ان تجيب " هي عند الرب "؟ أليس الصوم فترة مقدسة لله ، مخصصة له ، يجب فيها ان ينشغل الفكر بالله وحده ؟ افحص يا أخي نفسك ، وأبحث عن أفكارك اين هي أثناء الصوم .
هل مشاغل الدنيا تملأ فكرك اثناء الصوم ؟
فأنت في دوامه العمل ، وفي دوامة الأخبار ، وفي دوامة الأحاديث مع الناس ، لا تجد وقتاً لله تعطيه فيه فكرك ! وربما تصوم حتى الغروب ، وفكرك ليس مع الله ، قد أرهقه الجولان في الأرض و التمشي فيها! وربما تفكر في التافهات ، وتتكلم عن التافهات ، والله ليس علي فكرك ، ولا تذكره إلا حينما تجلس لتآكل ، فنصلي قبل الأكل ، وتذكر الله وتذكر انك كنت صائماً ! هل هذا صوم روحي يريح ضميرك ؟! ليتك إذن تذكر قول داود النبي جعلت الرب أمامي في كل حين هو امامي في كل عمل أعمله ، وفي كل كلمة أقولها إنه شاهد علي كل شئ وأيضاً جعلته أمامي لأنه هدفي الذي لا أريد أن اتحول عنه لحظه واحدة وهو امامي لأنني من أجله وحده أصوم لكي لا أنشغل عنه بل اجعله أمامي كل حين أن كنت في الأيام العادية ، ينبغي أن تضع الله أمامك في كل حين ، فكم بالأكثر في فترات الصوم التي هي مخصصة لله ومقدسة له ؟ إن كان الله ليس علي فكرك ، فلست صائماً يوم الصوم الذي لاتفكر فيه في الله ، اشطبه من أيام صومك ، إنه لا يمكن أن يدخل تحت عنوان " قدسوا صوماً" ولكن لعل البعض يسأل : كيف يمكنني تنفيذ هذا الأمر ، وأنا أعيش في العالم ، ولي مسئوليات كثيرة ينبغي أن أفكر فيها ؟
إذن إحفظ التوازن ، وأمامك ثلاث قواعد :-
1- لا تجعل مسئولياتك تطغي ، بحيث تستقطب كل أفكارك ، ولا تبقي في ذهنك موضعاً لله .. أجعل لمسئولياتك حدوداً ، وأعط لربك مجالاً .
2- كل فكر لا يرضي الله إبعده عنك ، فهو لا يتفق مع المجال القدسي الذي تعيش فيه . وكما يقول القديس بولس الرسول " مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح "( 2 كو 10: 5) . لذلك لا تنجس صومك بفكر خاطئ . فالفكر الذي يطيع المسيح استبقه معك ، والذي لا يطيع اطرده عنك .
3- إشرك الله معك في أفكارك ، وفي أهداف أفكارك . وقل :
أنا من أجل الله أفكر في هذا الموضوع .
أنت تفكر في مسئولياتك حسناً تفعل ولكن لا تجعلها منفصلة عن الله الله هو الذي أعطاك هذه المسئوليات وأنت من أجل تفكر فيها ولا يكون فكرك فيها منفصلاً عن الله من أجل الله تفكر في شئون عملك ومن أجله تفكر في دروسك ومذكراتك ومن اجله تفكر في خدمتك وفي مسئوليتك العائلية بشرط أن هذا التفكير كله لا يبعدك عن الله الذي هو الأصل والأساس فكر في مسئولياتك العائلية بشرط أن هذا التفكير كله لا يبعد عن الله الذي هو الأصل والأساس فكر في مسئولياتك وقل للرب أثناء ذلك إشترك في العمل مع عبيدك طالب مثلاً يذاكر أثناء الصيام والله يشترك معه هو يذاكر والله يعطيه الفهم ، ويثبت المعلومات في ذهنة وفي ذاكرته وهذا التلميذ يقول للرب " أنا يارب لا أستطيع أن أفهم من ذاتي أنت تجلس معي وتفهمني ،و أشكرك بعد ذلك لأنك كنت معي وأنا أذاكر يارب ، ليس من اجل العلم ، ولا من أجل مستقبلي ، إنما من أجلك أنت ، لكي يعرف الكل أن أولادك ناجحون ، وأن كل عمل يقومون به يكونون أمناء فيه ، ويكون الرب معهم ويأخذ بيدهم ، فيحبك الناس بسببهم " تقول لله من أجلك آكل ، ومن أجلك أصوم من أجلك آكل ، لكي آخذ قوة أقف بها في الصلاة ، وأسهر بها في التأمل ، وأخدم بها أولادك ، ويأخذ بها الناس فكرة أن أولادك أمناء في عملهم وأنا اصوم ، لكي يمكن لروحي أن تلتصق بك دون عائق من الجسد . هكذا تكون في الصوم مع الله في كل عمل تعمله .
وتدخل في شركة مع المسيح الذي صام .
تشترك معه في الصوم ، علي قدر ما تستطيع طبيعتك الضعيفة أن تحتمل هو صام عنك ، فعلي الأقل تصوم عن نفسك وهو قد رفض هذا الخبز المادي ، وأنت تشترك معه في رفض هذا الطعام البائد وهو كان يتغذي بحبه للآب وعشرته معه ، وأنت أيضاً تكون كذلك وهو انتصر علي الشيطان أثناء صومه ، وأنت تطلب إليه ان يقودك في موكب نصرته وبهذا يكون الصوم فترة غذاء روحي لك أخطر ما يتعب البعض في الصوم ، أن يكون الجسد لا يتغذي و الروح أيضاً لا تتغذي وهذا الوضع يجعل الصوم فترة حرمان أو تعذيب ، وليس هذا هو المعني الروحي للصوم بل إن هذا الحرمان يعطي صورة قاتمه للصوم ، إذ يقتصر علي حرمان الجسد ( سلبياً ويترك غذاء الروح من الناحية الإيجابية وغذاء الروح معروف وهو الصلاة ، والتأمل ، وقراءة الكتاب المقدس ، وكل القراءات الروحية كأقوال الآباء وسير القديسين ، والألحان والتسابيح ، والإجتماعات والأحاديث الروحية و المطانيات وما أشبة وغذاء الروح يشمل أيضاً المشاعر الروحية ، ومحبة الله التي تتغذي بها الروح وكل أخبار الأبدية والروح إذا تغذي ، تستطيع أن تحمل الجسد وهذا نراه واضحاً جداً في أسبوع الآلام ، إذ تكون درجة النسك فيه شديدة وفترة الإنقطاع طويلة . ولكن الجسد يحتمل دون تعب ، بسبب الغذاء التي تأخذه الروح خلال هذا الأسبوع من ذكريات آلام المسيح ، ومن القراءات والألحان والطقوس الخاصة بالبصخة ، وتركيز العقل في الرب وآلامه وكثيراً ما يقرأ الإنسان ، ويشبع بالقراءة ولذتها ، ويحين موعد الطعام ، فلا يجد رغبة في أن يكمل القراءة لأن الروح تغذت فحملت الجسد فلم يشعر بجوع إذن اعط الروح غذاءها أثنا الصوم وكن واتقاً إن غذاء الروح سيعطي الجسد قوة يحتمل بها الصوم كما أن صوم الجسد يعطي عمل الروح قوة إذ يكون عملا روحياً بزهد الجسد وزهد الفكر ولذلك نجد صلوات الصوم اعمق ، وقداسات الصوم أعمق هي صلوات خارجة من جسد صائم قد أسلم قيادته للروح وهي صلوات خارجه من قلب صائم عن الماديات ، ومن روح صائمه عن كل شهوة عالمية لذلك تكون صلاة قوية كصلوات الليل ونصف الليل التي يصليها الإنسان بجسد خفيف بعيد عن الأكل آباؤنا في أصوامهم كانوا يهتمون بعمل الروح فماذا عن أكلهم ؟ كانوا أيضاً في تناول الطعام يهتمون بعمل الروح وذلك انهم كانوا يكلفون واحدا منهم يقرأ لهم شيئاً من سير القديسين وأقوال الآباء أثناء تناولهم للطعام ، حتي لا ينشغلون بالأكل المادي ولا يتفرغون له ، وحتي يكون لهم غذاؤهم الروحي أيضاً أثناء تناولهم غذاء الجسد وهكذا تعودوا عدم التفرغ لعمل الجسد ، وتعودوا سيطرة الروح علي كل عمل من أعمال الجسد هناك وصايا تامر بالصوم ولكن آباءنا لم يصوموا بسبب المر لم يصوموا طاعة و للوصية ، إنما محبة للوصية الطاعة درجة المبتدئين ولكن الحب هو درجة الناضجين و الكاملين وآباؤنا لم يكن الصوم بالنسبة إليهم أمراً ولا فرضاً ولا طقساً ، إنما كان لذه روحية ، وجدوا فيها شبعاً ، ووجدوا فيها راحة نفوسهم وأجسادهم وفي الصوم لم يقف آباؤنا عند حدود طاعة الوصية ، وإنما دخلوا في روحانية الوصية وروحانية الوصية الخاصة بالصوم هو لخيرنا ، ولولا ذلك ما أمرنا الله بالصوم وبالأضافة إلي ما قلناه ، سنشرح هذا الأمر بالتفصيل بمشيئة الرب في الفصل المقبل الخاص ( بالفضائل المصاحبه للصوم ) اما ألان فسنتحدث عن أقدس أصوام السنة وهو الصوم الكبير
الصوم الكبير
الصوم الكبير عبارة عن ثلاثة أصوام :-
الأربعين المقدسة في الوسط يسبقها أسبوع إما أن نعتبره تمهيدياً للأربعين المقدسة ، أو تعويضياً عن أيام السبوت التي لا يجوز فيها الإنقطاع عن الطعام يعقب ذلك أسبوع الآلام وكان في بداية العصر الرسولي صوماً قائماً بذاته غير مرتبط بالصوم الكبير .
والصوم الكبير أقدس أصوام السنة وأيامه هي أقدس أيام السنة ، ويمكن أن نقول عنه إنه صوم سيدي ، لأن سيدنا يسوع المسيح قد صامه وهو صوم من الدرجة الأولي ، إن قسمت أصوام الكنيسة إلي درجات هو فترة تخزين روحي للعام كله فالذي لا يستفيد روحياً من الصوم الكبير ، من الصعب أن يستفيد من ايام أخري أقل روحانية والذي يقضي أيام الصوم الكبير باستهانة ، من الصعب عليه يدقق في باقي أيام السنة حاول أن تستفيد من هذا الصوم في ألحانه وقراءاته وطقوسه وروحياته الخاصة وقداساته التي تقام بعد الظهر كان الآباء يتخذون الصوم الكبير مجالاً للوعظ لأن الناس يكونون خلاله في حالة روحية مستعده لقبول الكلمة حقاً عن الوعظ مرتب في كل أيام السنة ولكن عظا الصوم الكبير لها عمق أكثر وهكذا فإن كثيراً من كتب القديس يوحنا ذهبي الفم ، كانت عظات له ألقاها في الصوم الكبير ، وكذلك كثير من كتب القديس أوغسطينوس بل أن الكنيسة كانت تجعل أيام الصوم الكبير فترة لإعداد المقبلين للإيمان فتعدهم بالوعظ في الصوم الكبير ليتقبلوا نعمة المعمودية فكانت تقام فصول للموعوظين خلال هذا الصوم تلقي فيها عليهم عظات لتعليمهم قواعد الإيمان وتثبيتهم فيها وهكذا ينالون العماد في يوم أحد التناصير ، لكي يعيدوا مع المؤمنين الأحد التالي أحد الشعانين ويشتركون معهم في صلوات البصخة وأفراح عيد القيامة ومن أمثلة ذلك عظات القديس كيرلس الأورشليمي إعداد الموعظين للإيمان بشرحه لهم قانون الإيمان في أيام الصوم الكبير ولاهتمام الكنيسة بالصوم الكبير جعلت له طقساً خاصاً فله ألحان خاصة ، فترة إنقطاع أكبر وله قراءات خاصة ، ومردات خاصة ، وطقس خاص في رفع بخور باكر ، ومطانات خاصة في القداس قبل تحليل الخدام نقول فيها ( اكلينومين تاغوناطا )ولهذا يوجد للصوم الكبير قطمارس خاص كما انه تقرأ فيه قراءات من العهد القديم وهكذا يكون له جو روحي خاص وقد علت الكنيسة له أسبوعاً تمهيدياً يسبقة حتي لا يدخل الناس إلي الربعين المقدسة مباشرة بدون استعداد وإنما هذا الأسبوع السابق ، يمهد الناس للدخول في هذا الصوم المقدس ، وفي نفس الوقت يعوض عن إفطارنا في السبوت التي لا يجوز الانقطاع فيها بل الكنيسة مهدت له أيضا بصوم يونان فصوم يونان ، أو صوم نينوي يسبق الصوم الكبير بأسبوعين ، ويكون بنفس الطقس تقريباً وبنفس الألحان ، حتي يتنبه الناس لقدوم الصوم الكبير ويستعدون له بالتوبة التي هي جوهر صوم نينوي وكما اهتمت الكنيسة بإعداد أولادها للصوم الكبير ، هكذا ينبغي علينا نحن أيضا أن نلاقيه بنفس الاهتمام وإن كان السيد المسيح قد صار هذا الصوم عنا ،وهو في غير حاجة إلي الصوم ، فكم ينبغي أن نصوم نحن في مسيس الحاجة إلي الصوم لكي نكمل كل بر ، كما فعل المسيح ومن اهتمام الكنيسة بهذا الصوم أنها اسمته الصوم الكبير فهو الصوم الكبير في مدته ، والكبير في قدسيته إنه اكبر الأصوام في مدته التي هي خمسة وخمسون يوماً وهو اكبرها في قدسيته ، لأنه صوم المسيح له المجد مع تذكاراً آلامه المقدسة لذلك فالخطية في الصوم الكبير شاعة حقاً ان الخطية هي الخطية ولكنها أكثر بشاعة في الصوم الكبير مما في باقي الأيام العادية لأنن الذي يخطئ في الصوم عموماً ، وفي الصوم الكبير خصوصاً ، هو في الواقع يرتكب خطية مزدوجة بشاعة الخطية ذاتها ، يضاف إليها الاستهانة بقدسية هذه الأيام إذن هما خطيئتان وليس واحدة والاستهانة بقدسية الأيام ، دليل علي قساوة القلب فالقلب الذي لا يتأثر بروحانية هذه الأيام المقدسة ، لا شك أنه من الناحية الروحية قلب قاس يخطئ في الصوم ، ينطبق عليه قول السيد المسيح " إن كان النور الذي فيك ظلاماً ، فالظلام كم يكون " ( مت 6:23) أي إن كانت هذه الأيام المقدسة المنيرة فترة للظلام ، فالأيام العادية كم تكون ؟!وقد اهتم الآباء الرهبان القديسون بالصوم الكبير حياتهم كلها كانت صوماً ولكن إيام الصوم الكبير كانت لها قدسية خاصة في الأجيال الأولي ، حيث كانوا يخرجون من الأديرة في الأربعين المقدسة ويتوحدون في الجبال ولعلنا نجد مثالاً لهذا في قصة القديس ولقائه بالقديسة مريم القبطية التائبة وهكذا كان أيضاً نفس الاهتمام في رهبنة القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين ، وفي كثير أثيوبيا .
فلنهتم نحن أيضاً بهذه الأيام المقدسة أن كنا لا نستطيع أن نطوي الأيام كما كان يفعل السيد المسيح له المجد فعلي الأقل فلنسلك بالزهد الممكن ، وبالنسك الذي نستطيع أن نحتمله وأن كنا لا نستطيع أن ننتهر الشيطان ونهزمة بقوة كما فعل الرب ، فعلي الأقل فلنستعد لمقاومته ولنذكر ما قاله القديس بولس الرسول في رسالته إلي العبرانيين معاتباً " لم تقاوموا بعد حتي الدم مجاهدين ضد الخطية "( عب 12: 4) مفروض إذن أن يجاهد الإنسان حتي الدم في مقاومة الخطية . إن كانت ثلاثة أيام صامتها استير وشعبها ، وكان لها مفعولها القوي ن فكم بالأولي خمسة وخمسون هنا واقول لنفسنا في عتاب كم صوم الكبير مر علينا في حياتنا ، بكل ما في الصوم الكبير من روحيات ؟ لو كنا نجني فائدة روحية في كل صوم ، فما حصاد هذه السنين كلها في أصوامها الكبيرة التي صمنها ، وباقي الأصوام الأخري أيضاً ؟ إن المسأله تحتاج إلي جدية في الصوم ، وإلي روحانية في الصوم ، ولا نأخذ الأمر في روتينية أو بلا مبالاة .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب روحانية الصوم
المزيد