المقالات
04 ديسمبر 2019
مفهوم الحق والعدل
هو الصدق
أو مفهوم أنه الصدق وكثيرا ما كان السيد المسيح يبدأ كلامه بقوله ( الحق أقول لكم ) ( مت 5 : 18 ) ( مت 8 : 10 ) وأحيانا كان يكرر كلمة الحق ، فيقول ( الحق الحق أقول لكم ) ( يو 5 : 19 ، 24 ، 25 )( يو 8 : 34 ، 51 ، 58 ) وفى المحاكم يقسم الشاهد قائلا ( أقول الحق ، كل الحق ، ولا شئ غير الحق ) ذلك لأن هناك قاعدة هامة وهى ( أنصاف الحقائق ليست كلها حقائق ) 0
خطورة أنصاف الحقائق:-
أو كما يقال ( أنصاف الحقائق ليست إنصافا للحقائق ) فقد تأتى إمرأة تشكو زوجها ، وتشرح أنه ضربها أو اهانها وتترك النصف الآخر من الحقيقة وهو إغاظتها له بطريقة أثارته ، فخرج عن وعيه أو فقد أعصابه ، فضربها 00 وهكذا تذكر ما حدث لها كأنه تصرف من الزوج ، وليس مجرد رد فعل لتصرفها أو يذكر إنسان أن الكنيسة قد عاقبته ، أو أن إرادة عمله قد فصلته ، دون أن يذكر السبب الذى من أجله قد عوقب أو فصل المهم أن كلامه لا يعطى صورة حقيقية عما حدث لذلك فى القضايا يحدث تحقيق والمقصود به الوصول إلى الحقيقة وتتكامل الحقيقة حينما يبحث الأمر من جميع جوانبه ويسمع الرأى ، والرأى الآخر ويبحث السبب والنتيجة وأيهما الفعل وأيهما رد الفعل أما الذى يسمع من جانب واحد ، فلا تتضح له الصورة الحقيقية ولهذا يلجأ المحقق إلى مواجهة ، أى يقف كل جانب فى مواجهة الآخر فى كل قضية تعرض عليك ، يمكنك أن تسأل : لماذا ؟ وعلى رأى المثل ( إذا عرف السبب ، بطل العجب ) فإن قال لك شخص مثلا ( أب إعترافى منعنى أن أكلم فلانا ) فلا تقل فى نفسك عجبا ، هل أب الإعتراف يدعو إلى الخصام ؟! ) ربما لو أدركت السبب لعرفت مثلا أن هذا الشخص عثرة له وسبب خطيئة ، أو أنه كل مرة يلتقى به يحدثه عن أمور تتعب ضميره ، وتسبب له أفكار متعبة أو أن يثيره ويغضبه ، وخلاصة القول إنه ينطبق عليه عبارة ( المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ) ( 1كو 15 : 33 ) أو تنطبق عليه عبارة ( اعزلوا الخبيث من وسطكم ) ( 1كو 5 : 13 ) أو طوبى للرجل الذى طريق الخطاة لا يقف وفى مجلس المستهزئين لا يجلس ) ( مز 1 )أنصاف الحقائق التى ليست هى حقائق ، تنطبق أيضا فى اللاهوتيات مثال ذلك من يستخدم آية واحدة ، ويترك باقى الآيات المتعلقة بالموضوع والتى بها يتكامل فهم العقيدة كأن يتكلم إنسان على الإيمان وحده فيقول لك مكتوب ( آمن بالرب يسوع ، فتخلص أنت وأهل بيتك ) ( أع 16 : 13 ) مثل هذا نقول له ضع إلى جوارها قول الرب ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) وأيضا قول القديس بطرس الرسول لليهود الذين فى يوم الخمسين
( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس ) ( أع 2 : 38 )نعم ، إن قال لك أحد : مكتوب ، قل له ( مكتوب أيضا ) فهكذا فعل السيد المسيح فى التجربة على الجبل ، مقدما الطريقة المثلى للحوار وللرد على الأفكار وهكذا يكون الحق معناه الحقيقة كاملة فإخفاء شئ منها قد يعطى فهما خاطئا 0
حقوق الناس:-
معنى الحق أيضا هو حقوق الإنسان his rights ومن هنا جاء المثل ( اعط لكل ذى حق حقه ) ومن هنا جاءت أيضا عبارة ( حقوق الإنسان human rights ) وهكذا كانت وزارة العدل تسمى قديما ( وزارة الحقانية ) وكلية القانون تسمى ( كلية الحقوق ) أى تدرس فيها القوانين الخاصة بحقوق الناس ، ما لهم وما عليهم هنا كلمة حق ليست بمعنى صدق وليس عكسها الكذب أو شهادة الزور ، إنما عكسها هنا الظلم الذى تضيع فيه الحقوق ولعل من اشتقاقها هنا عبارة يستحق أولا يستحق أى من حقه كذا ، أو ليس من حقه وبنفس المعنى وبخ اللص اليمين عل الصليب زميله اللص الآخر قائلا : ( أما نحن فبعدل جوزينا ، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا ) ( لو 23 : 41 ) ومن هنا أيضا تأتى عبارة ( يتناول باستحقاق من الأسرار المقدسة ) أو يتناول بغير استحقاق ( 1كو 11 : 27 ) أى ليس من حقه أن يتناول ، فمناولة الأسرار تأخذ حقها من التوبة ونقاوة القلب لعله بنفس المعنى قال الإبن الضال لأبيه ( لست مستحقا أن أدعى لك إبنا ) ( لو 15 : 21 ) وقيل أيضا ( الفاعل مستحق أجرته ) ( مت 10 : 10 ) ( لو 10 : 7 ) 0
الحق ضد الباطل:-
معنى آخر للحق ، وهو أنه ضد الزيف أو ضد الباطل فالذهب الحقيقى غير الذهب الزائف والزواج الحقيقى ( أى الشرعى ) عكس الزواج الباطل أى غير الشرعى وهكذا يقال عن السيد المسيح إنه ( النور الحقيقى ) ( يو 1 : 9 ) وقيل عن يوحنا المعمدان ( لم يكن هو النور ، بل ليشهد للنور ) ( يو 1 : 8 ) قال السيد المسيح عن نفسه ( أنا هو نور العالم من يتبعنى لا يسلك فى الظلمة ) ( يو 8 : 12 ) وقال لنا ( أنتم نور العالم ) ( مت 5 : 14 ) ولكنه هو النور الحقيقى ، لأنه نور فى ذاته أما نحن فلسنا كذلك ، وإنما بنوره نعاين النور نور الشمس نور حقيقى أما نور القمر فليس كذلك ، بل هو مجرد إنعكاس نور الشمس عليه ، وبدون نورها يصبح مظلما هنا كلمة حق أو حقيقى بمعنى True أو Genuine تدخل فى أمور عديدة قد يقول شخص إنه إبن فى الإعتراف لكاهن معين ، ولا يكون إبنا بالحقيقة لأنه لا يطيعه ولا يستشيره وقد يقول شخص إنه قد تاب ، ولا يكون تائبا بالحقيقة لأنه فى كل مرة يترك الخطية ، يرجع إليها مرة أخرى وقد يقول شخص إنه يصلى ، وهو ليس مصليا بالحقيقة لأنه يكلم الرب بشفتيه ، وقلبه مبتعد عنى بعيدا وقد يقول شخص إنه صائم ، وليس هو صائم بالحقيقة ، إنما هو مجرد إنسان نباتى ، يتناول الأطعمة النباتية ويحرص أن تكون شهية وليس له ضبط نفس أثناء الصوم ، ولا ينطبق عليه قواعده الروحية هكذا بالنسبة إلى الله ، هو الإله الحقيقى وحده ( يو 17 : 3 )لأن كثيرين دعوا آلهة ، كمجرد لقب ، ولم يكونوا آلهة بالحقيقة كما ورد فى المزمور ( الله قائم فى مجمع الله فى وسط الآلهة يقضى ) ( مز 82 : 1 ) ( ألم أقل أنكم آلهة ، وبنى العلى تدعون ولكنكم مثل البشر تموتون ، وكأحد الرؤساء تسقطون ) ( مز 82 : 6 ، 7 ) قال الرب لموسى ( جعلتك إلها لفرعون ) خر 7 : 1 ) ولكن بمعنى ( سيد ) وليس بمعنى خالق ، أو كلى القدرة أو موجود فى كل مكان وقيل أيضا أن آلهة الأمم شياطين ( أو أصنام )( مز 96 : 5 ) هنا الفرق بين الحق والزيف وبنفس الوضع تكلم بولس الرسول عن الأرامل فقال ( ولا يثقل على الكنيسة ، لكى تساعد هى اللواتى هن بالحقيقة أرامل ) ( 1تى 5 : 16 ) وبنفس الوضع أيضا يمكن التكلم عن المؤمن الحقيقى ، وأبناء الله بالحقيقة كثيرون لهم إسم أبناء الله ، ويصلون قائلين ( أبانا الذى فى السموات ) ولكنهم ليسوا أبناء بالحقيقة ولا ينطبق عليهم قول القديس يوحنا الرسول ( المولود من الله لا يخطئ ، والشرير لا يمسه ولا يستطيع أن يخطئ ، لأنه مولود من الله ) ( 1يو 3 : 9 ) ( 1يو 5 : 8 1 ) ولا ينطبق عليه قول الرسول عن الرب ( إن علمتم أنه باتر هو فأعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه )( 1يو 2 : 29 ) كذلك من يقول إنه مؤمن ، ولا يبرهن على إنه بأعماله 0 يقول القديس يعقوب عنه ( هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت ) ( يع 2 : 20 ) بل أن القديس بولس الرسول يقول عبارة خطيرة هى ( جربوا أنفسكم هل أنتم فى الإيمان امتحنوا أنفسكم ) ( 2كو 13 : 5 ) بل ما أصعب تلك العبارة التى قالها الرب لملاك كنيسة ساردس إن لك إسما حى ، وأنت ميت ) (رؤ 3 : 1 ) كلمة حى هنا ليست إسما حقيقيا يستحقه ذلك الراعى لأنه ليس حيا بالحقيقة ، إنما هو ميت روحيا إنما يبدأ الحق بالقيم التى يراعيها الإنسان فى حياته كل ما يتمشى مع القيم الروحية هو حق وكل ما يتفق والعقائد اللاهوتية السليمة هو حق وغير ذلك زائف وزائل 0
ضياع الحق:-
والحق أيضا ضد الرياء ذلك لأن الرياء ضد الحقيقة لأن فيه زيفا ، إذ أن الداخل عكس الظاهر من الخارج ولهذا السبب وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين المرائين ، لأنهم كانوا مثل القبور المبيضة من الخارج وفى الداخل عظام نتنه ( مت 23 : 27 ) فالمرائى يتظاهر بما ليس فيه يعطى صورة جميلة عن نفسه ، وحقيقته غير ذلك تماما 0
النفاق أيضا ضد الحق :-
لأنه مديح باطل للغير ، أو دفاع عنه 0 بينما الحقيقة غير ذلك وما يعتقده وما يوجد فى قلبه عكس ما يقوله بلسانه ويضيع الحق أيضا تحت ستار المجاملة أو ( الحب ) أو تحت ستار الحب الزائف وقد يدعى أنه صديق لشخص آخر ، بينما يجره معه إلى الهاوية ، أو يشجعه على الخطأ ، ويكون هذا التشجيع ضد الحق ، يجعله يستمر فيما هو فيه من خطأ وقد يدعى أنه يحبه ، بينما هو بهذا ( الحب ) الزائف يضيعه تماما كالأم التى تظن أنها تحب إبنها ، فتدلله تدليلا يفسده ولا يكون حبها له حبا حقيقيا له القيم الحقيقية للحب وقد يدعى شاب أنه يحب فتاة ، بينما تكون علاقته بها شهوة وليست حبا وتحت ستار ما يسميه ( حبا ) يضيع أخلاقها وسمعتها ومستقبلها ولا يمكن أن يكون ما بينهما حبا بالمعنى الحقيقى للحب مادام قد خلا من القيم وفى هذا المجال، نذكر أيضا من يدافعون دفاعا باطلا عن المخطئين ، وينسون قول الكتاب مبرئ المذنب ، ومذنب البرئ ، كلاهما مكرهة للرب ( أم 17 : 15 ) لماذا ؟ لأن كليهما ضد الحق 0 وقد ينفر البعض من عبارة ( مذنب البرئ ) إذ يرى فيها ظلما ولكن ما أكثر ما يوجد مبرئ المذنب ، ظانا أن هذا لونا من الإشفاق والرحمة ولكن هذا الإشفاق ضد الحق من جهة ومن جهة أخرى لأنه ليس إشفاقا حقيقيا فالمشفق الحقيقى هو الذى يقود المذنب إلى التوبة ، ومن شروط التوبة الإعتراف بالذنب ، والإقلاع عنه أما تبرئة المذنب فإنها تشعره بأنه لم يفعل خطأ ، فسيتمر فيما هو فيه ، ويفقد الندم وإنسحاق القلب ويكون من برأه قد أضر به وقد يبرئ إنسان شخصا مذنبا ، ويكون ذلك عن جهل ويكون هو أيضا مكرهة للرب ، لأنه لم يبحث عن الحقيقة ، أو على الأقل فعل ما هو ضد الحقيقة ولو عن جهل وربما فيما يكون مبرئا لشخص مذنب ، يكون مذنبا لشخص آخر برئ ، يكون قد ظلمه بهذا وأساء إليه وفى كل الحالات هو بعيد عن الحق ، أو ظالم للحقيقة ونصيحتى لمثل هؤلاء دافع عن الحق ، بدلا من أن تدافع عن شخص وقد يكون دفاعك عنه ضد الحق ولكى تدافع عن الحق ، ينبغى أن تعرف الحق وكثيرون ليست لهم هذه المعرفة وقد يسيرون فى جو من الشائعات 0 وقد يتلقون المعلومات عن أشخاص هم أيضا ليست لهم المعرفة الحقيقية وما أكثر ما نجد أشخاصا يقول الواحد منهم ( أنا أدافع عن الحق ، بينما يكون ما يدافع عنه بعيدا عن الحق تماما أو قد يوجد إنسان يدافع عن الحق ، أو عما يظنه حقا ، بأسلوب بعيد عن الحق تماما أو يتجاوز حقه فى الكلام ، أو يقول كلاما ليس من حقه أن يقوله ، أو يلجأ إلى طرق التشهير والإدانة والإيذاء وجرح شعور الآخرين ، أو نشر المعلومات خاطئة ويكون بذلك قد أساء إلى غيره إساءة كبيرة ، ووقع فى أخطاء عديدة يدينه الله عليها ويبدو أنه يدافع عن ( الحق ) بطريقة غير قانونية ! ويمكن أن يسأله البعض ( وهل من حقك أن تفعل هكذا ؟! ) ويكون الحق قد ضاع فى دفاعه عن ( الحق ) أو عما يظنه أنه حقا إّذا أردتم أن تتمسكوا بالحق ، ابعدوا عن الشائعات ، ولا تصدقوا كل خبر يصل إليكم وتذكروا أن الذى ضد الحق ، هو ضد الله نفسه فلماذا ؟ لأن الله هو الحق هو الحق المطلق 0
الحق هو الله:-
قال السيد المسيح له المجد ( تعرفون الحق ، والحق يحرركم ) ( يو 8 : 32 ) وقال أيضا ( أنا هو الطريق والحق والحياة ) ( يو 14 : 6 ) فالذى يبعد عن الحق ، إنما يبعد عن الله وهنا الخطورة والإنسان الحقانى هو إنسان عادل وإنسان له قيم فى الحياة يسير بموجبها والإنسان الحقانى فيه روح الله ، لأنه روح الحق ( يو 14 : 17 ) ( يو 15 : 26 )إذن البعيد عن الحق ، بعيد عن روح الله الذى ينفصل عن الحق ، ينفصل عن الله كذلك الإنسان الحقانى لا يكيل بكيلين لمحبيه بكيل ، ولغيرهم بكيل آخرويكون فى ذلك قد إنفصل أيضا عن الحق لما انفصل الشيطان عن عشرة الله ، قال عنه الرب ( إنه كذاب وأب لكل كذاب )( يو 8 : 44 ) وقال عنه ( ذاك كان قتالا للناس منذ البدء ، ولم يثبت فى الحق ، وليس فيه الحق )( يو 8 : 44 ) انظروا أية عقوبة عوقب بها حنانيا وسفيرا لأنهما لم يقولا الحق وقال القديس بطرس لحنانيا ( أنت لم تكذب على الناس ، بل على الله ) أع 5 : 4 )
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
27 نوفمبر 2019
مفهوم الوداعة
أهمية الوداعة :-
من أبرز الآيات عن أهمية الوداعة قول السيد المسيح له المجد ( تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم ) (مت 11 : 29 ) كل الكمالات موجودة فيه ، ولكنه ركز على الوداعة أولا وجعلها سببا لراحة النفس والقديس بولس الرسول وضع الوداعة ضمن ثمار الروح ( غل 5 : 23 ) ويقول القديس يعقوب الرسول( من هو حكيم وعالم بينكم،فليرأعماله بالتصرف الحسن فى وداعة الحكمة ) ( يع 3 : 13 ) وحينما ذكر الرب التطوبيات ، جعل الوداعة فى أوئلها 0 فقال ( طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ) ( مت 5 : 5 ) ويوجد تطويب كثير للوداعة فى سفر المزامير ، إذ يقول ( يسمع الودعاء فى الحق ) ( مز 25 : 9 ) وعندما تكلم القديس بطرس الرسول عن زينة النساء ، قال ( زينة الوديع الهادئ الذى هو قدام الله كثير الثمن ( 1بط 3 : 4 )
إن كانت الوداعة بهذا المقدار ، يقف أمامنا سؤال مهم ما هى الوداعة إذن ؟ وما هى صفات الوديع ؟
ما هى الوداعة؟
الإنسان الوديع هو إنسان هادئ طيب ، ومسالم ، وبشوش هو إنسان هادئ ، لا يغضب ولا يثور ، ولا ينفعل بسرعة لا يحتد فى كلامه ، بل الصوت المنخفض الخفيف هو بعيد عن النرفزة أعصابه هادئة قيل عن السيد المسيح فى وداعته ، إنه ( لا يخاصم ولا يصيح ، ولا يسمع أحد فى الشوراع صوته قصبة مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة مدخنة لا يطفئ ) ( مت 12 : 19 ، 20 ) ( أش 42 : 2 ، 3 ) هدوء الوديع ، هدوء من الداخل ومن الخارج يملك السلام على قلبه فى الداخل ، فلا يقلق ولا يضطرب ومن الخارج هو مسالم لجميع لا يهاجم أحدا ، ولا يجرح شعور أحد هو بعيد عن العنف حتى إذا هوجم ، لا ينتقم لنفسه إنه لا يتدخل فى شئون الناس ، ولا يقيم لنفسه رقيبا على أعمالهم ، وبالتالى لا يدين أحدا وإن تدخل فى إصلاح غيره ، يكون ذلك فى هدوء ، حسبما قال الرسول ( أيها الأخوة ، إن إنسيق إنسان فأخذ فى زلة ، فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ، ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا ) ( غل 6 : 1 ) يصلحه بالأقناع بالهدوء ، وبالإتضاع ناظرا إلى نفسه لئلا يجرب هو أيضا الإنسان الوديع يحتمل الآخرين ، بطول الروح بطول بال يضع أمامه قول الكتاب ( الجواب اللين يصرف الغضب ) ( أم 15 : 1 ) هو على صورة الله الذى يحتمل الخطاة ، ويطيل أنته عليهم الإنسان الوديع بعيد عن التذمر سواء فى علاقته مع الله أو الناس بل بلعكس يكون على الدوام بشوشا مبتسما والوديع غالبا ما يكون خجولا يتميز بشئ من الحياء بلل كما قال أحد الآباء ( لا يملأ عينيه من وجه إنسان ) لا يفحص ملامح الناس ، ولا يغوص فى أعماقهم ، ليعرف ما فى داخلهم لا يحلل الناس ومشاعرهم إنما نظراته بسيطة هو إنسان حيى لا يفارقه حياؤه الوديع شخص سهل التعامل بسيط ، ليس عنده دهاء ولا مكر ولا خبث واضح فى تعامله ، يبطن غير ما يظهر ، ولا يعقد الأمور يتعامل فى وضوح ، بلا لف ولا دوران ، ولا يدبر خططا يمكنك أن تستريح إليه ، لأنه واضح ، صريح ، ومريح إنه رقيق ، لطيف ، حلو الطبع لذلك تجده محبوبا من الكل لأنه إنسان طيب حتى لو ظلمه البعض ، تجد الكثيرين يدافعون عنه ويقولون لمن ظلمه ( ألم تجد سوى هذا الإنسان الطيب ، لكى تظلمه ؟! ) حتى الذى ظلمه ، يأتى إليه بعد حين ويعتذر له والكل يدافع عنه ، لأنه لا يؤذى أحدا ولأجل محبة الناس للوداعة ، يقول الرب طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ) ( مت 5 : 5 ) هذا بالأضافة إلى السماء ونعمة الله باستمرار تكون عليه والإنسان الوديع ، إنسان ( مهاود ) يميل إلى إراحة الناس ، وعدم العناد معهم لا يكثر من الجدل والنقاش والملاججة والتحقيق إنما الخير الذى يستطيع أن يعمله ، يعمله بهدوء وسرعة وبدون تأجيل مناقشة 0 إنه لا يتشبث برأيه فى كل شئ ، كما يفعل البعض إنما يمرر الأمور مادامت لا تكسر وصية 0 ولذلك فإنه لا يتحزب ، إنما يحب الكل 0
فقد الوداعة:-
الإنسان الوديع يحتفظ بوداعته باستمرار لا يفقد وداعته إن نال مركزا كبيرا ، أو تمتع بسلطة فمهما كان مركزه عاليا ، تستمر وداعته كما هى ولا يرتفع قلبه فى أمر ونهى والوديع أيضا لا يفقد وداعته بسبب اصلاح الآخرين فإن كان فى وضع يسمح بهذا ، لا يصلح الناس بالعنف أو بالشدة ، أو بحدة الصوت أو حدة التصرف إنه لا يفقد وداعته أيضا ، إن دافع عن الحق إنما يدافع عنه فى هدوء ، دون أن يجرح شعور أحد كذلك إن تكلم بصراحة ، لا تكون صراحته جارحة وإنما يعبر عما يريد قوله بأسلوب رقيق وفى هذه المناسبة نذكر أسلوب السيد المسيح مع المرأة السامرية كشف لها كل شئ ، بغير أن يخدش حياءها ، أو يجرح شعورها ( يو4 ) والوديع الحقيقى لا يفقد وداعته بحجة الحزم أو الشجاعة ، أو بالفهم الخاطئ للقوة وللكرامة الشخصية ولا يحتج أحد بفقد الوداعة بحجة أنه مولود النارى فموسى الأسود كان من هذا النوع ، ولكنه اكتسب الوداعة بحياة التوبة ، على الرغم من أنه بدأ حياته شديدا ولكنه درب نفسه حتى تحول إلى إنسان طيب القلب جدا 0
الوداعة والشجاعة:-
البعض يخطئ فى فهم الوداعة ، فيتصور الوديع كشخصية خاملة ، بلا تأثير ولا فاعلية ويظن الوداعة رخاوة فى الطبع !! كأن يتحول الوديع – بسبب طبيعته – إلى أضحوكة وسط الناس ، يلهون به ويدوسون على كرامته أو أنه بسبب احتماله للآخرين وعدم تذمره ، يصبح مهزأة أو أيضا بسبب عدم إدانته للناس ، لا يفعل شيئا متى رأى الشر مسيطرا على الخير ! كلا فليست هذه هى الوداعة إنما المفهوم الصحيح للوداعة ، لا يمنع مطلقا من أن ترتبط بالرجولة والنخوة والشجاعة والشهامة فنحن نتحدث عن الوداعة بأسلوب الحقائق ! ونقول إن الوديع هو إنسان طيب ومسالم ومهاود ، ونتغافل أن يكون ذا شجاعة ونخوة وشهامة وأيضا هناك كلمة عميقة قيلت فى سفر الجامعة ، تنطبق على تصرف الوديع فى مختلف المواقف والأحداث ، وهى ( لكل شئ زمان ، ولكل أمر تحت السموات وقت للسكوت وقت وللتكلم وقت ) ( جا 3 : 1 ، 7 ) فنع أن الطيبة هى الطابع العام فى حياة الوديع ، إلا أنه للشجاعة فى حياته وقت وللشهامة وقت ، ولكن فى غير عنف 0
أمثلة :
1- السيد المسيح فى وداعته وحزمه هذا المثل الأعلى الذى قيل عنه ( لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته ) نراه حازما قويا فى تطهيره للهيكل ، حينما طرد الباعة ، وقال لهم ( مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى ، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص ) ( مت 12 : 12 ، 13 ) وكان قويا وحازما أيضا فى توبيخه للكتبة والفريسين ) ( مت 23 ) وكان حازما فى شرح شريعة السبت وفعل الخير فيه ، على الرغم من كل المعارضة التى لاقاها 00
2- مثال موسى النبى المشهور بحلمه العجيب حتى أنه قيل عنه ( وكان الرجل موسى حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض ) ( عد 12 : 3 ) موسى هذا الذى نزل من الجليل ومعه لوحا الشريعة ، ووجد الشعب يعبد عجلا ذهبيا ويغنى ويرقص لم يقف موقفا سلبيا باسم الحلم والوداعة ، بل حمى غضبه وطرح لوحى الشريعة من يديه وكسرهما ثم أخذ العجل الذى صنعوه ، وأحرقه بالنار ، وطحنه حتى صار ناعما وذاره على وجه الماء ( خر 32 : 19 ، 20 ) وانتهر هرون رئيس هرون رئيس الكهنة ، حتى اضطرب بين يديه 0
3- مثال آخر هو داود النبى هذا الذى قيل عنه فى المزمور ( اذكر يارب داود وكل دعته ) ( مز 132 : 1 ) كان موقفه جريئا وشجاعا ، لما رأى جليات يعير صفوف الله الحى ، بينما كان كل الجيش واقفا فى خوف أمام ذلك الجبار أما داود الوديع فقال من هو هذا الأغلف حتى يعير شعب الله ؟! وظل يكلم الناس بشأنه ، ولم يهمه إستهزاء أخيه الأكبر به وأخيرا قال لشاول الملك ( لا يسقط قلب أحد بسببه ) ( 1صم 17 : 32 ) وذهب وحاربه ولم يخف منه ، بل قال له ( أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ، وأنا آتى باسم رب الجنود اليوم يحبسك الرب فى يدى ( 1صم 17 : 45 ، 46 ) هذا هو داود الشاب الهادئ الأشقر ، صاحب المزمار والقيثار ، وفى نفس الوقت صاحب الغيرة ، ورجل الحرب جبار البأس 0
4- مثال ثالث هو بولس الرسول 0
إنه إنسان طيب هادئ ، يقول لأهل كورنثوس فى توبيخه لهم ( أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه ، أنا نفسى بولس الذى هو فى الحضرة ذليل بينكم ، وأما فى الغيبة فمتجاسر عليكم )( 2كو 10 : 1 ) ويقول لشيوخ أفسس ( متذكرين أنى ثلاث سنين ليلا ونهارا ، لم افتر أن أنذر بدموع كل أحد ) ( أع 20 : 31 ) إنه رسول ، من حقه أن ينذر ، ولكنه بوداعة ينذر ، ولكنه بوداعة ينذر بدموع بولس هذا فى الكرازة والتبشير ، كان أسدا إنه حينما يتكلم عن البر والدينونة والتعفف أمام فيلكس الوالى ، يقول الكتاب ( ارتعد فيلكس وقال له إذهب الآن ، ومتى حصلت على وقت أستدعيك ) ( أع 24 : 25 ) ولما وقف أمام اغريباس الملك ، قال له الملك ( بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا ) ( أع 26 : 28 ) وبولس هذا الوديع ، لم يمتنع عن توبيخ بطرس الرسول 0 وقال ( لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل ، قلت لبطرس قدام الجميع : إن كنت وأنت يهودى تعيش أمميا لا يهوديا ، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا ) ( غل 2 : 14 )
5- مثال خامس هو أليهو بن برخئيل كان الرابع بين أصدقاء أيوب ومن وداعته ظل صامتا بينما كان يتكلم أصحاب أيوب الثلاثة معه على مدى 28 إصحاحا ولم يفتح أليهو فمه من فرط وداعته ، لأنهم كانوا أكبر منه سنا وأخيرا لم يستطع أن يصبر هذا الوديع أكثر من هذا ، لما رأى أن الجميع قد أخطأوا وفى ذلك يقول الكتاب ( فحمى غضب أليهو بن برخئيل البوزى من عشيرة رام على أيوب حمى غضبه ، لأنه حسب نفسه أبر من الله وعلى أصحابه الثلاثة حمى غضبه ، لأنهم لم يجدوا كلاما واستذنبوا وأيوب فقال لهم ( أنا صغير فى الأيام ، وأنتم شيوخ ، لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدى لكم رأيى ) ( أى 32 : 2 _ 7 ) ثم بدأ رسالته فى التوبيخ حقا لكل شئ تحت السموات وقت لسكوت الوديع وقت ، ولكلامه وقت لطيبته وقت ، ولحزمه وقت 0
ملاحظات:-
هل تجد أحد أقربائك على وشك أن يتزوج مطلقة ، أو أية إنسانة لم تأخذ تصريحا من الكنيسة ، أو زيجة بقرابة خاطئة لا يجوز فيها الزواج هى ترى كل هذا ، وتسكت باسم الوداعة والهدوء ، دون أن تحذر قريبك ليبعد عن الزيجة الخاطئة ؟ كلا ، ليست هذه وداعة إنما يجب أن تحذره من الموقف الخاطئ ، وتشرح له فى هدوء خطأ موقفه ولا تكون ضد الوداعة فى موقفك ، لأنك وضحت الموقف دون أن تشتم أو تجرح أو تخطئ إنما عبارة القديس يوحنا المعمدان على فمك ( لا يحل لك أن تأخذ ( هذه ) زوجة لك أو تجد أحد معارفك يريد أن يتزوج إمرأة زواجا عرفيا ، وتقف صامتا باسم الوداعة ؟! كلا قل له إن هذا أمر خاطئ لا يباركه الله ، يقودك إلى حياة خاطئة وليس فى هذا ضد الوداعة إننا لا نقول لك لا نقول لك أن تثور وتضج وتملأ الدنيا صياحا بل أن تنذر فى هدوء إن الله يحب الحق ، ويحب أن يرى من يدافع عنه ، بأسلوب لا يخطئ فيه وفى ذلك يقول الرب فى سفر أرميا النبى ( طوفوا فى شوراع أورشليم ، وفتشوا فى ساحاتها ، هل تجدون إنسانا أو يوجد عامل بالعدل ، طالب الحق ، فاصفح عنه ) ( أر 5 :1 ) إذن الدفاع عن الحق فضيلة يطلبها الله إن سلكت فيها تسلك فى الحق ولا يتنافى هذا مع الوداعة ما دام الأسلوب سليما 0
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
20 نوفمبر 2019
مفهوم العثرة
ما هى العثرة
ما هى العثرة ، التى قال عنها السيد المسيح له المجد ( ويل للعالم من العثرات ويل لذلك الإنسان الذى به تأتى العثرة ) ( مت 18 : 7 ) ( من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بى ، فخير له أن يعلق فى عنقه حجر الرحى ويغرق فى لجة البحر )( مت 18 : 6 )إن كانت العثرة بهذه الخطورة فى عقوبتها ، فما هى العثرة ؟
العثرة هى أن يتسبب إنسان فى إسقاط غيره وقد تكون العثرة بقصد ، أى أن يتعمد الإنسان ويقصد أن يسقط غيره وهذه عقوبتها أخطر من حالة الإنسان الذى يعثر أحدا بغير قصد أول عثرة فى تاريخ البشرية ، جاءت عن طريق الشيطان فهو الذى أسقط أبوينا الأولين وكانا بسيطين لا يعرفان شرا وفقد أسقطهما بقصد 0 وذلك عن طريق الخداع والإغواء وبهذه العثرة دخل الموت إلى العالم وتسبب الشيطان فى إفساد الطبيعة البشرية وعموما طرق العثرة هى إما أن يعثر الشخص غيره بمعرفة الخطية ، أو بتسهيل الخطية ، أو بمذاقة الخطية أو بإعطاء مفهوم مخادع الخطية ، كأن يقدمها باسم فضيلة ، أو أن يحدثه عن ( منافع ) الخطية وفوائدها !!
معرفة الخطية:-
يعنى أن بعرف الإنسان أمورا تضره روحيا ، ما كان يعرفها من قبل وهكذا تدخل فى ذهنه معارف تدنس فكره أو تجلب له شهوات ، وتسقطه فى الخطية ولعله عن هذه قال سليمان الحكيم ( الذى يزيد علما ، يزيد حزنا ) (جا 1 : 18 ) وبهذه المعرفة سقطت حواء ، مع أنها كانت معرفة ديع سليمة ، قال لها الشيطان وهو يكذب ( تنفخ أعينكما وتصيران مثل الله ( تك 3 : 5 ) فما الذى أحدثته هذه العبارة ؟ لقد غيرت نظرة حواء وتفكيرها وشعورها ( فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون ، وأن الشجرة شهية للنظر 0 فأخذت من ثمرها وأكلت ) فالذى يصب فى أذن زميل أو صديق معلومات تضره ، إنما يعثره كأن يعطيه معلومات تدين شخصا معينا ، أو تجعله يأخذ فكرة سيئة عنه أو يقدم له معارف معينة تتعبه اخلاقيا ، أو شكوكا تتعبه عقيديا بحيث يخرج صاحبه من هذا اللقاء ليقول ليتنى ما قابلت فلان ، أو ليتنى ما سمعت 0
مثال ذلك أيضا البيئة الشريرة ، وما تقدمه من أفكار هذه التى قال عنها الرسول ( المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ) ( 1كو 15 : 33 ) وهكذا بالعثرة من جانب ، وبالانقياد للعثرة من جانب آخر ، يتعلم منهم التحايل ، أو طرق المكر أو طالب يتعلم التزويغ من الدارسة ، أو الغش فى الامتحان وأطفال تستخدمهم عصابات فتعثرهم وتعلمهم النشل أو شباب يجتمعون معا ،والجديد فيهم يعلمونه تعاطى المخدرات أو لعب القمار كلها عثرات ، ولتفاديها قال عنها المرتل فى المزمور الأول ( طوبى للإنسان الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار وفى طريق الخطاة لم يقف ، وفى المستهزئين لم يجلس ) كذلك يعتبر عثرة من يقدم لك الفكر الخاطئ ، دون أن يرد عليه يقدم لك كل أدلة الفكر الخاطئ وبراهينه ، ويقف عند هذا الحد ، دون أن يذكر تعليقاته على كل ذلك دون ذكر الردود التى تحطم ذلك الفكر الخاطئ وإذا هوجم فلا يورده من أفكار ، يرد قائلا
( أنا لم أقل إن هذا رأيى ، وإنما ذكرت كل ذلك من باب العلم !! )والخطير أيضا أن يكون وراء هذا الشخص تابعوه وتلامذته ومريدوه ، الذين يكررون نفس الكلام ويعملون به ، ويكونون هم أيضا عثرة البعد عن هؤلاء طهارة ، وليس خصومة إنه بعد عن أسباب العثرات ، أو البعد عن معرفة العثرة فالذى يسبب العثرة يفقد صاحبه البساطة والبراءة التى كان يحياها وكأنه يقول له ما قاله الشيطان لحواء ( تنفتح أعينكما ) تنفتح العين ، فتعرف الخطية النقطة الأخرى غير معرفة الخطية ، هى تسهيل الخطية 0
تسهيل الخطية:-
إنه نوع آخر من العثرة لأنه ربما يعرف إنسان الخطية ، ولكنه لا يمارسها لأن الباب مغلق أمامه لذلك يعثره من يسهل الأمر عليه فيعرفه أماكن الخطية ووسائلها ، ويقودها إليها ، ويزيل الخوف من قلبه ، كما يزيل العوائق من أمامه مثال ذلك ما فعلته إيزابل مع الملك آخاب فى الاستيلاء على حقل نابوت اليزرعيلى ( 1ما 21 ) وما كان ينويه اخيتوفل فى نصيحته لأبشالوم ليمكنه من القضاء على أبيه داود ( 2صم 17 ) كل هذا أعمق وأخطر بكثير من مجرد معرفة الخطية ، التى علاجها أسهل من علاج مذاقة الخطية
مذاقة الخطية:-
هى الخطوة العملية الأولى فى ارتكاب الخطية كالذى يقدم لشخص سيجارة ليدخنها ، أو وردة فيها مسحوق الهيروين ليشمها أو يجعله يذوق مكسبا فى لعب القمار ، أو يذوق كأسا من الخمر ، أو يفتح له مجالا عمليا لممارسة الخطايا الشبابية
اسم أخر للخطية:-
من العثرة أيضا تسمية باسم فضيلة أو باسم آخر يسهل قبوله فالذى ينشر هرطقة مثلا ، يقول عنها إنها المفهوم السليم للدين والذى يعلم زميله لعب القمار ، يسميها تسلية ، أو تحلية للعب والذى يدعو لممارسة الزنى ، يسمى ذلك معالجة للكبت وأضراره والذى يساعد على التهرب من الضرائب ، يقول إن ذلك مجرد تخلص من مغالاة وظلم اللجان التى تقدر قيمة الضريبة وهكذا فإن الشيطان – فى العثرة – لا يحارب بوجه مكشوف 0
أنواع من العثرات:-
ليست كلها فى الأمور الشبابية كما يظن البعض فهناك عثرات فى الدين ، كهراطقة ، والذين ينشرون الشكوك فى الدين ، أو الذين ينشرون الإلحاد والذين ينكرون القيامة والمعجزات وهناك عثرات فى الفلسفة والفكر وزعزعة الفكر فى كثير من المبادئ والقيم كأصحاب البدع الذين يأتون بشئ جديد لتحطيم ما تسلمه الناس من قبل ويقدمون ذلك باسم العلم والتجديد إن الأريوسيين كانوا أكثر خطرا من أريوس ، وأكثر إيذاء لأثناسيوس لذلك حسنا قال معلمنا يعقوب الرسول لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتى ، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم ( يع 3 : 1 ) لماذا ؟ ( لأننا فى أشياء كثيرة نعثر جميعنا ) إنها العثرة فى التعليم يعثر نفسه إذ يظن أنه على حق ، ويكون ( حكيما فى عينى نفسه ) ( أم 3 : 7 ) وأيضا يعثر غيره بنشر تعليمه الخاطئ لذلك لا تقبلوا كل فكر جديد يحطم ما تسلمتموه ويكون لكم عثرة ذلك لأن البعض يحاولون أن يقدموا شيئا جديدا ، يلفون به المسلمات القديمة ، ليثبتوا أنهم أكثر علما ومنهم بعض المشتغلين بالنقد الكتابى Biblical Criticism وهم فى الجامعات الأجنبية من رجال الدين ومن أساتذة اللاهوت ، ولكنهم عثرة ، وحسب قول الرسول يأخذون دينونة أعظم دينونة بسبب أخطائهم ، ودينونة بسبب نشرها 0
القدوة السيئة:-
هى أيضا عثرة ، إذ يقع الغير فى أخطاء بسبب تقليدهم لتلك القدوة وهؤلاء المخطئون – إن كانوا من القادة أو الرؤساء أو الزملاء – لم يقصدوا أن يجعلوا غيرهم يخطئون 0 ولكنهم كانوا سببا فى ذلك فقد يعلمونهم الروتين ، أو الحضور متأخرين إلى مكان العمل ، أو محاولة تبرير كل خطأ ، أو سوء معاملة الناس وتعطيل مصالحهم ، أو يعلموهم قلة الإنتاج ، أو كتابة تقارير وهمية أو مزورة إلخ فالإنسان فى المجتمع يمتص منه أشياء كثيرة يمتص عادات وعثرات ويدخل فى هذا المجال أيضا الآباء والأمهات بالنسبة إلى أبنائهم فالأنباء ينظرون إلى آبائهم وأمهاتهم كقدوة ويقلدونهم ويدخل فى مجال العثرة أيضا ما يتعرض له البسطاء الذين ليست لديهم القدرة على تحليل تصرفات من هم أكثر منهم خبرة وعلما ومركزا فيعثرون بهم – ليس من جهة انتقادهم – إنما من جهة تقليدهم كذلك الموظف الأدنى مركزا ، إذا توقى إلى مركز أعلى ، قد يسير على نفس نهج من سبقه ، ويكون ذلك له عثرة 0
الثقافة والإعلام:-
كل أجهزة الوسائل السمعية والبصرية قد تكون عثرة ، إذا قدمت برامج معثرة للسامعين أو المشاهدين فلها تأثير على شخصياتهم ، من حيث تفكيرهم وأساليبهم ، وما تتركه فى نفوسهم من مشاعر وأحاسيس وبالمثل كل مصادر الفكر من كتب ومجلات وجرائد ونبذات ومنشورات ، هى أيضا قد تكون عثرة ، إن أثرت على أفكار الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم تأثيرا خاطئا وقادتهم فى طريق يضرهم أو يضر المجتمع قال أحد المفكرين قل لى ماذا تقرأ ، لأقول لك من أنت وأريد أن أضيف إلى ذلك ليس الأمر يقتصر فقط على ما تقرأ ، وإنما أيضا ماذا ترى وماذا تسمع فالكاسيتات ، وأجهزة التليفزيون و الفيديو ، لها خطورتها فى التأثير على الناس ، وكذلك الأفلام السينمائية والمسرحية وكثير من هذه كلها قد تكون عثرة وعلينا أن نكون حريصين فى كل ذلك بالنسبة إلى أنفسنا وإلى أولادنا 0
الكبير والصغير:-
على الكبير أن يكون حريصا جدا ، فى أقواله وتصرفاته ، حتى لا يعثر الصغير ، أو الضعيف وهكذا يقول الرسول ( أنظروا لئلا يصير 00 هذا معثرة للضعفاء ) ( 1كو 8 : 9 ) ويكرر عبارة ( الأخ الضعيف الذى مات المسيح لأجله ) ( 1كو 8 : 11 ) ثم يقول أخيرا ( إن كان طعام يعثر أخى ، فلن آكل لحما إلى الأبد ، لئلا أعثر أخى ) ( 1كو 8 : 13 ) وهو من جهة العثرة يقول عن الضمير ( ليس ضميرك أنت بل ضمير الآخر غير طالب ما يوافق نفسى ، بل الكثيرين لكى يخلصوا ) ( 1كو 10 : 29 – 33 ) والسيد المسيح – من جهة العثرة – اهتم بالصغار فقال
( من أعثر أحد هؤلاء الصغار ) ( مت 18 : 6 ) إن أسباب العثرة قد يقاومها القوى ولكن ما ذنب الضعيف ؟ ونقصد بالقوى ، القوى فى روحياته ، والقوى فى إرادته ، والناضج فى تفكيره هذا القوى يمكنه أن يدرك الخطأ ويقدر على مقاومته ولو أنه من الجائز أن يقع فى إدانة صاحبه ولكن المشكلة فى عثرة الضعيف أو البسيط والضعيف أيضا قد يقول إن الكبار هكذا يسقطون ، فماذا أفعل أنا الضعيف ؟! وقد يسستلم للخطأ ، أو يقع فيه يأسا ، أو انقبادا وربما من عثرة الضعيف أن تسقط المثل العليا أمامه وهكذا فإن القديس بولس الرسول لما وبخ القديس بطرس الرسول ، قال له قدام الجميع ( إن كنت وأنت يهودى ، تعيش أمميا لا يهوديا ، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا ؟! )( غل 2 : 14 ) قال ذلك لأنه وجد ( أن برنابا أيضا انقاد إلى ريائهم ) ( غل 2 : 13 ) أى أعثر منهم فليحترس الكبار إذن فى تصرفاتهم 0 ونقصد الأبوين فى محيط الأسرة ، والمدرسين بالنسبة إلى التلاميذ ، والخدام بالنسبة إلى مخدوميهم والكهنة بالنسبة إلى شعبهم والمرشدين بالنسبة إلى من يسترشد بهم يحرصون ألا يكونوا عثرة فى كلامهم وتصرفاتهم وحركاتهم وملامحهم وكذلك فى حفظهم للنظام ، وفى طاعتهم للقانون ، وفى حفظهم للوصية فإذا كان الشماسة مثلا لا يتكلمون فى الكنيسة ، يحرصون على احترام الهيكل والصلوات قد يقتدى بهم الشعب وإن أخطأوا قد يكونون عثرة للشعب ، الذى قد يفعل المثل والذى يتكلم أثناء الصلاة فى الكنيسة يقع فى عدة أخطاء :-
أولا : عدم احترام الكنيسة ، وعدم احترام الصلاة ، وعدم وجود مخافة الله فى قلبه0
والخطية الثانية : يكون عثرة لغيره : إما فى أن يفعلوا مثله ، أو أن يقعوا فى إدانته وبالمثل الذى يداوم النظر إلى ساعته ، أثناء الاجتماع أو العظة وكذلك الذى يخرج من الكنيسة قبل البركة أو التسريح على الشخص أن يتنافى العثرة ، حتى لو لم يكن فى تصرفه خطأ إن السيد المسيح عندما طلبت منه الجزية ، وكان يعرف أن الجزية لا تطلب من بنى البلد بل من الغرباء ، قال لبطرس ولكن لكى نعثرهم ، اذهب إلى البحر وألق صنارة ) ( مت 17 : 27 )ولكى لا يعثرهم أيضا ، تقدم إلى معمودية يوحنا التى للتوبة ، مع أنه غير محتاج إلى توبة وإن السيد المسيح أطاع الناموس فى أمور كثيرة لا تلزمه ، وكذلك القديسة العذراء ، لكى لا يعثرهم أحد 0
الضمير:-
يوجد ضمير ضيق يتشكك فى كل شئ ، ويظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ وضمير واسع يبرر تصرفات كثيرة وموضوع الضمير يدخل فى موضوع العثرة0 والأمثلة كثيرة
هل الجمال مثلا يعثر ؟ فتاة جميلة 0 ينظر إليها البعض ويشتهونها فهل هى عثرة لهؤلاء ؟ وما ذنبها ؟ كلا ، إنها ليست عثرة العثرة هى فى قلوب الذين يشتهونها الخطأ فيهم وليس فيها القديسة يوستينا مثلا كانت جميلة جدا وقد اشتهاها شخص لدرجة أنه لجأ إلى السحر ليحصل عليها فهل كانت هذه القديسة عثرة ؟ كلا ، وإنما العثرة فى قلب ذلك الإنسان غير النقى 0
ما رأيكم فى ملاكين اشتهاهما أهل سادوم ؟!
هل الملاكان كانا سبب عثرة ؟! حاشا 0 إنما الخطأ فى انحراف ذلك الشعب الشاذ ، لذلك ضربهم الملاكان بالعمى عقابا لهم عل شهوتهم النجسة ( تك 19 : 4 – 11 ) الكتبة والفريسيون انتقدوا السيد المسيح ، لأنه صنع معجزات فى يوم سبت – فهل كان السيد المسيح عثرة لهم ؟! بل عدم فهمهم أو عدم نقاوة قلوبهم كان هو السبب العثرة أتتهم من داخلهم ، وليس من سبب خارجى وما أكثر القديسين الذين أتهموا من الناس ظلما ، مثل القديس مكاريوس الكبير، والقديسة مارينا والقديس افرام السريانى ، ولم يكونوا عثرة ، وأظهر الله براءتهم وهنا ليتنا نتأمل قول الرسول ( كل شئ طاهر للطاهرين ) ( تى 1 : 15 ) غير الطاهرين إذن ، تكون كثير من الأمور عثرة لهم ، بسبب عدم طهارتهم إذ يفكرون بطريقة فيها دنس أما الطاهرون فيفكرون بنقاوة لذلك لا تعثرهم أشياء تعثر غيرهم الأمر إذن يحتاج إلى ضمير نقى يحكم بعدل لقد أمرنا السيد الرب أن نخفى فضائلنا فهل إذا خفينا صلواتنا وأصوامنا وصدقاتنا حسب أمر الرب ( مت 6 ) أيعثر الناس فينا ويظنوننا لا نصلى ولا نصوم ؟!أم نطهر فضائلنا لكى لا يعثروا ونخالف وصية الرب ؟!ّ المسألة إذن مسألة ضميرالمهم أننا نقدم مادة للعثرة أما إن أعثر غيرنا لسبب فيه ، ولا قصد منا فى إعثاره ، فالذنب ذنبه هل كان داود النبى سبب عثرة لشاول الملك ، حينما انتصر على جليات ؟!
كلا ، بلا شك وما كان بإمكان داود أن يترك جليات يعير صفوف الرب وداود نفسه نسب الإنتصار للرب وقال لجليات ( اليوم يحسبك الرب فى يدى ) ( لأن الحرب للرب ، وهو يدفعكم ليدنا )
( 1صم 17 : 46 ، 47 ) ولكن الذى أعثر شاول هو الغيرة التى فى قلبه ، وتعبه من قول النساء
( ضرب شاول ألوفه ، وداود ربواته ) ( 1صم 18 : 7 ) داود النبى قال أيضا فى المزمور ( أكثر من شعر رأسى الذين يبغضونى بلا سبب ) ( مز 69 : 4 ) فهل هو أعثرهم حتى أبغضوه ؟!كلا ، بل هم أبغضوه بلا سبب منه إنما السبب هو حقد قلوبهم ، وغيرتهم من تقواه وانتصاراته ، أو شهواتهم فى أن يغتصبوا سلطانه كما فعل أبشالوم 0
الرياء:-
هناك أشخاص لكى لا يجلبوا العثرة ، يقعون فى الرياء يتظاهرون بالبر ، لكى لا يعثر الناس ، بينما هم غير صائمين وهكذا يكونون قد وقعوا فى خطيتين هما عدم الصوم ، والرياء ليس لكى يتفادى الإنسان العثرة ، يتظاهر بالبر ! بل الوضع السليم هو أن يسلك حسنا ، ويكون بارا بالحقيقة ، حتى لا يعثر الناس 0
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
13 نوفمبر 2019
مفهوم الحب والصداقة
الحب أولا لله
إن أردنا أن نفهم المحبة على أساسها الحقيقى ، الكتابى ، فينبغى أن نضع أمامنا هذه الحقيقة وهى المفروض أن المحبة موجهة أولا وقبل كل شئ إلى تبارك إسمه وهذا ما يقوله لنا الرب فى سفر التثنية ( تحب الرب إلهك من كل قلبك 0 ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ) ( تث 6 : 5 ) فمادامت هذه المحبة من كل القلب ، إذن كيف تكون باقى المحبات ؟ ما الذى نعطيه وكل القلب لله ؟ الحل الوحيد هو محبتنا لكل أحد ، ولكل شئ ، تكون من داخل محبتنا لله فالقلب كله قد أعطيناه لله 0 وفى داخل المحبة لله ، نحب كل أحد 0 لذلك قال الرب ( والثانية مثلها : تحب قريبك كنفسك ) ( مت 22 : 39 ) ولماذا قال ( مثلها ) ؟ ذلك لأنها من داخل محبة الله ، جزء منها ، ولا تفترق عنها إذن كل محبة خارج محبة الله ، هى محبة خاطئة ماذا إذن لو كانت هذه المحبة أكثر من محبتنا لله ؟! هنا يقول الرب ( من أحب أبا أو أما أكثر منى فلا يستحقنى 0 ومن أحب إبنا أو إبنة أكثر منى فلا يستحقنى ) ( مت 10 : 37 ) المحبة التى هى أكثر من محبة الله ، هى التى تفضل فيها إنسانا أو شيئا على الله نفسه ونستطيع أن نقول عنها إنها محبة خاطئة تتعارض مع محبة الله ، ولكنها تكون فى القلب أقوى من المحبة لله وهنا لا يكون القلب ملكا لله 0 وتكون هذه المحبة الخاطئة غريبة عليه ، ودخلية عليه ، أخرجت من النطاق الإلهى 00 !!
أنواع من المحبة:-
توجد محبة طبيعية مثل المحبة بين البنوة والأبوة ، لذلك شبه الله محبته لنا بمحبة الأب للأبناء وتوجد محبة مكتسبة كمحبة الأصدقاء والأقرباء والزملاء ، أو المحبة بين خطيب وخطيبته ، أو بين زوج وزوجته والمحبة قد تسلك فى درجات ربما تبدأ بزمالة ، تتدرج إلى تعاون أو صداقة والزمالة هى علاقة بين إثنين أو أكثر فى رابطة بعمل مشترك أو مصلحة مشتركة وقد تؤدى إلى فكر مشترك وربما تؤدى الزمالة إلى صداقة وربما يوجد فى العلاقات لون من الإعجاب والإعجاب غير الحب فربما تتعجب ببطل من أبطال الرياضة ولكن ليس معنى هذا أنك تحبه كذلك قد تعجب بكاتب من الكتاب يعجبك فكره ، دون أن تكون هناك صلة بينك وبين شخصه وقد تنشأ بينكما رابطة فكرية ، ولكن ليست هى الحب وإن تدرجت إلى المحبة ، فإنها تكون محبة لفكره أو لأسلوبه ، ولكن ليس لشخصه المحبة هى إلتقاء بين قلبين ، أو اتحاد قلبين ، بمشاعر واحدة ، أو عواطف واحدة ولكن تكون محبة مقدسة ، من المفروض أن تكون هذه المشاعر داخل محبة الله ،لا تتعارض معها ، ولا تزيد عليها ومن المشاكل أن توجد محبة من جانب واحد لابد أن يكون هناك شئ من الخطأ ، أو عدم التوافق فالمفروض أن المحبة تولد محبة ومن شروط المحبة أن تكون عاقلة وحكيمة وروحية ، لأن هناك أنواعا من المحبة قد تسبب ضررا والمحبة الحقيقية ينبغى أن تكون محبة طاهرة وهنا نفرق بين المحبة والشهوة وأتذكر أننى قلت مرة فى التمييز بينهما المحبة تريد دائما أن تعطى والشهوة تريد أن تأخذ والشهوة التى تريد دائما أن تأخذ ، وتتصف دائما بالأنانية وقد تضيع الطرف الآخر الذى تدعى أنها تحبه وقد تحبسه داخلها ، وتحد حريته فى الاتصال بالآخرين وقد تتحول أحيانا إلى غيرة مدمرة!! إنها فى الواقع ليست محبة حقيقية فالمحبة الحقيقية تتصف بالعطاء والبذل وقد تصل إلى التضحية بالذات فانظر إلى نفسك ، فى علاقتك مع الجنس الآخر ، أهى علاقة حب أم شهوة ؟ الشاب الذى ( يحب ) فتاة ، فيضيع سمعتها ، أو يفقدها عفتها هل تسمى هذا حبا أم شهوة ؟! لو كان يحبها حقا ، لكان يحرص عليها يحرص على سمعتها ، كما يحرص على سمعة أخته ويحرص على بتوليتها ويحرص على مشاعرها ، فلا يشغلها به ، ويعلقها بشخصه ، وقد يتركها بعد ذلك حيرى ، لا تجد طريقها فى الحياة ، أو تجده مظلما أمامها أنسطيع أن نسمى هذا حبا قد يسميه البعض مجرد تسلية فى حياة الشباب !! ولكن ما هو ثمن هذه التسلية من الناحية الروحية ، ومن الناحية الاجتماعية هذه التسلية التى تشغل الفكر ، ومن تضيع المستقبل ! وقد تفقد الشاب والشابة نجاحهما فى الدراسة أو تفوقهما وليس فى هذا أى حب لأحد منهما وما معنى هذه التسلية التى تفقد فيها العفة والسمعة ؟ وتفقد فيها روحيات الاثنين أيضا الحب الحقيقى لابد أن يرتبط بنقاوة القلب والحب بين الشابين لا يجوز أن يلغى محبتهما لله فقد قال الرب إن أحب أحدا أكثر منه ، فلا يستحقنى ( مت 10 : 37 ) فهل يجوز لشاب أن يحب فتاة أكثر من الله ؟!ّ وهل يجوز لشابه أن تحب فتى أكثر من الله ؟! وهل يجوز أن تدخل فى هذه المحبة مشاعر تتعارض مع نقاوة القلب التى بدونها لا يعاين أحد الرب ؟!الذى يحبك حقا ، لا يمكن أن يفقدك روحياتك الذى يحبك حقا ، لا يغتصب لنفسه حبك نحو الله ، ولا يقلل من مقداره ، ولا يهز داخل قلبك محبتك نحو الله ولا يتركك فى صراع بين محبتين محبة روحية ، ومحبة جسدية ، أو محبة نحو الله ، ومحبة نحو إنسان 00
المحبة ليست متعة على حساب الغير !
بل هى إنكار للذات ، وبذل للذات ، فى محبة الغير كما فعل يوناثان من أجل صديقة داود وتعرض لغضب أبيه فى دفاعه عنه وأعظم مثل للحب هو ذبيحة الصليب لأجلنا ، التى قيل فيها ( هكذا أحب الله العالم ، حتى بذل ابنه الوحيد ) ( يو 3 : 16 )إذن ماذا عن الحب الذى يقود إلى الزواج المهم فى ذلك ما هو الضمان أنه يقود إلى الزواج ؟وما هى حدود هذا الحب ، أو ماهى حدود العلاقة التى يسمونها حبا يقود إلى زواج ؟ هل هو حب يشترط أن يكون بين خطبين ؟ أم هو حب بدون أية رابطة شرعية ؟ ! وما مصيره ؟ وما مدى الحرص الذى يكون حافظا له من الإنحراف والمحبة الحقيقية هى محبة دائمة أى أنها تستمر ، لا تسقط أبدا ( 1كو 13 : 8 ) وإذا كان إثنان يحبان بعضهما البعض محبة قوية ، فإنهما يريدان ليس فقط أن تدوم هذه المحبة بينهما طول عمرهما على الأرض ، بل هما يريدان أن تستمر هذه المحبة بينهما فى الأبدية ، فيوجدان معا فى العالم الآخر ولا يتوفر لهما ذلك ، إلا لو كانت محبتهما طاهرة ، بحيث يذهبان معا إلى الملكوت ، فى النعيم الأبدى لكن لو ضاع أحدهما فى الطريق ، فلن يوجدا معا فى الملكوت لابد إذن أن يسند بعضهما البعض فى الطريق الروحى لنفرض أنهما عاشا معا فى خطية !! وتاب أحدهما ، ولم يتب الآخر إذن سوف يفترقان بعد الموت أحدهما إلى الفردوس ، والآخر إلى الجحيم ولن يلتقيا فى الحياة الأبدية ولا تكون محبتهما دائمة فالمحبة الدائمة هى المحبة الروحية 0
إن الحب له أنواع عديدة تتنوع فى مجالاتها الحب فى أفراد الأسرة الواحدة ، بين الآباء والأبناء ، وبين الأخوة والأخوات ، وبين الأزواج ، وكله حب يوافق عليه الكتاب ، وتوافق عليه الطبيعة 0
الصداقة:-
وهناك أيضا الحب بين الأصدقاء ، كالحب بين داود ويوناثان قال فيه داود عن يوناثان بعد وفاته ( قد تضايقت عليك يا أخى يوناثان كنت حلوا لى جدا محبتك لى أعجب من محبة النساء )
( 2صم 1 : 26 ) ذلك لأنها محبة خالصة بين روح وروح لا دخل لمشاعر الجسد فيها أما المحبة التى يتدخل فيها الجسد ، كالمحبة التى بين زوجين ، لا يبيحها الكتاب لفتى وفتاة وخارج حدود الزواج وهنا ونتطرق لموضوع الصداقة 0 ما مفهومها وما حدودها ؟
الصداقة هى مشاعر مودة ، يمكن أن تكون بين رجل ورجل ، أو بين إمرأة وإمرأة ، أو بين عائلة بكل أفرادها رجالا ونساء ، مع عائلة أخرى بكل أفرادها رجالا ونساء ويمكن أن تكون بين الجنسين فى حدود المودة الروحية ، بشرط أن لا يكون للجسد تدخل فيها والصديق ينبغى أن يكون صادقا فى صداقته ويكون أيضا أى بارا يقود صديق إلى الخير فالصديق الذى يدافع عنك فى أخطائك ، ويثبتك فيها ، ليس هو صديقا بالحقيقة لأنه فيما يفعل ليس صادقا ، ولا صديقا ومحبته لك هى لون من المحبة الضارة لذلك عليك أن تنتقى أصدقاءك من النوع الذى لا يشترك معك إلا فى عمل البر ، ولا يجاملك على حساب الحق ، ولا يشجعك على خطأ 0
المحبة الخاطئة:-
أما المحبة الخاطئة ، فتوجد أنواع منها إما أنها خاطئة فى ذاتها ، أو فى الوسيلة والأسلوب ، أو فى النتيجة فمن أمثلة الخطأ فى الوسيلة :
محبة رفقة لإبنها يعقوب أرادت له أن ينال البركة ولكنها لجأت إلى وسيلة خاطئة ، وهى خداع أبيه ، وبهذا عرضته لعقوبة من الله ، فلم يفارقه الخداع 0 خدعه لابان بتزويجه ليئة بدلا من راحيل وخدعه أبناؤه بادعائهم أن ابنه يوسف افترسه وحش ردئ وعاش يعقوب فى حياة كلها تعب كذلك أخطأت رفقة فى أن محبتها لم تكن شاملة فلم تحب عيسو كما كانت تحب يعقوب وبالمثل يعقوب لما كبر ، لم تكن محبته لابنائه شاملة أيضا فاحب يوسف أكثر من الباقين مما سبب لهم غيرة قادتهم إلى إيذائه إن الرب أرادنا أن نحب الكل ، حتى الأعداء والمسيئين إلينا 0 وقال الكتاب ( إن جاع عدوك فاطعمه ، وإن عطش فاسقه ) ( رو 12 : 20 ) الذى يحب البعض ، على حساب البعض الآخر يكون فى قلبه عدم محبة لهذا الآخرومن أمثلة ذلك أن ايزابل كانت تحب وزوجها الملك آخاب وفى هذا الحب ساعدته أن يغتصب حقل نابوت اليزرعيلى 0 ودبرت فى ذلك تهمة باطلة لتابوت بشهود زور ، انتهت بها قتله وهكذا كانت محبتها لزوجها محبة خاطئة قادته إلى الظلم والقتل وإلى انتقام الرب منه ( 1مل 21 )
هناك محبة خاطئة من حيث نتائجها :
مثل النسوة اللائى اعجبن بانتصار داود على جليات ، فهتفن له قائلات ( ضرب شاول ألوفه ، وداود ربواته ) ( 1صم 18 : 7 ) وبهذا غرسن الغيرة فى قلب شاول فاضطهد داود إضطهادا مرا ، وسعى إلى قتله وإيذائه 0
وبالمثل أولئك الرجال الذين هتفوا لهيرودس الملك قائلين عنه لما خاطبهم ( هذا صوت إله صوت إنسان ) ( أع 12 : 22 ) ففى الحال ضربه الرب فمات ، لأنه لم يعط مجدا لله 0
هناك محبة أخرى خاطئة ، بتشجيع الخاطئين 0
ومن أمثلة الذين تبعوا الهراطقة على مدى الأجيال ، وشجوعهم وكونوا لهم شعبية تؤيدهم فى أخطائهم اللاهوتية ، مما جعلهم يستمرون فى بدعهم وهرطقاتهم ، فحرمتهم الكنيسة ، وفقدوا أبديتهم أيضا 0 بينما لو لم يكن هؤلاء التابعون قد شجوعهم ، لكان ممكنا أن يرجعوا عن الهراطقة بسبب عدم التأييد بل أن كثيرا من هؤلاء التابعين استمروا ينادون بآراء أساتذتهم الهراطقة حتى بعد موتهم ليست محبة أن يشجع إنسان أحد الخطاه على خطيئته وليست محبة أن يدافع عنه ، أو حتى يساعده ماليا أو ماديا إنما المحبة الحقيقية هى أن يقوده إلى التوبة ، بأن يشرح له الخطأ ، ويبكته عليه ، ويدعوه إلى تركه حقا إن هذه ليست محبة ، بل هى ضرر والكتاب يقول ( مبرئ المذنب ومذنب البرئ ، كلاهما مكرهة للرب ) ( أم 17 : 15 ) فهذا الذى يبرئ المذنب ، إنما بسبب محبته له ، يفقد محبة الله ، ويصير مكرهة له 0 وحتى محبته الخاطئة للمذنب تتسبب فى هلاكه الأبدى ويعتبر مشجعه مشتركا معه فى الخطية ، وفى مسئولية الخطأ ونتائجه وعقوبته فحينما يهلك هذا المخطئ ، يكون من شجعه أحد الأسباب التى أوصلته إلى الهلاك 0 وفى نفس الوقت يكون ضد الحق الذى هو الله الأم التى تغطى على أخطاء ابنها ، حتى لا يعرفها أبوه ، فينجو من عقابه هذه لا تحب ابنها على وجه الحق ، بل تضره وتفسده وتضيع مستقبله وعلاقته بالله وكذلك الأم التى تدلل ابنها تدليلا يتلفه لهذا كله يقول أحد الأمثال
( الذى يبكيك يبكى عليك ، والذى يضحكك ، يضحك عليك ) إن أحببت إنسانا ، لا تدافع عنه فى خطئه ، إنما انقذه من خطئه وذلك بقيادته إلى التوبة وهكذا تخلص نفسه ، وأيضا تنقذ نفسك من الاشتراك معه فى الدينونة ، إن استمر فى الخطأ بسبب تشجعيك المحبة الحقيقية هى أن تنجيه من أغلاطه ، لا أن تبرر أخطاءه أمام الناس لذلك كان التوبيخ لونا من المحبة وكان التأديب ممن له سلطان التأديب ، دليلا على الحب 0 وفى ذلك قيل عن الله تبارك إسمه
( الذى يحبه الرب يؤدبه ) بعض الناس – للأسف – يظن أن العقوبة ضد المحبة !! كلا ، فهذا خطأ 0 لأن العقوبة تكون رادعة عن الاستمرار فى الخطأ 0 وإن لم يستفد بها المخطئ ، يستفيد بها الآخرون 0 كما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس ( الذين يخطئون ، وبخهم أمام الجميع ، لكى يكون عند الباقين خوف )( 1تى 5 : 20 )أحيانا يظن البعض أن المحبة تدعوهم إلى مساعدة الآخرين ، ولو فى الخطأ ومن أمثلة ذلك تلميذ يساعد زميله على الغش فى الامتحان محبة له !! أو أب كاهن يساعد طالب زواج فى زيجة غير شرعية زعما بأنه يساعده على الزواج بمن يحب أو طبيب يساعد فتاة أخطأت بأن يجهضها لتنجو من الفضيحة ومن أمثلة المحبة الخاطئة ، زوج يحبس زوجته فى البيت لتكون له وحده الحبي ليس هو الأسلوب السليم ، بل تعميق بينه وبين زوجته هو الذى يجعلها تتمسك به وحده كذلك محبتها لله ، تجعلها لا تخون زوجها أبدا كما أن حبس الزوجة فى البيت هو نوع من الأنانية يحرمها فيه من التمتع بالحياة بلا خطأ 0
هناك محبة أخرى تخطئ فى الأسلوب والوسيلة 0
مثل محبة بطرس للمسيح التى جعلته يستل سيفه ويضرب عبد رئيس الكهنة فيقطع أذنه ، فوبخه السيد على ذلك ( يو 18 : 10 ، 11 ) ومن أمثلة هذه المحبة الخاطئة الأم التى من حرصها على صحة ابنها تمنعه عن الصوم بكافة الطرق بل تذهب إلى أب اعترافه وترجوه أن يمنعه هو أيضا عكس ذلك الأم القديسة التى فى أيام الاستشهاد ، ذبحوا أبناءها على حجرها ، وهى تشجعهم على الاستشهاد إننا حينما نتكلم عن المحبة ، إنما نتكلم عن المحبة الحقيقة ، التى تهدف إلى خلاص نفس الإنسان ، وإلى نجاحه بطريقة روحية 0
المحبة العملية:-
والمحبة الحقيقية هى محبة عملية وفى ذلك قال القديس يوحنا الرسول ( لا نحب بالكلام ولا باللسان ، بل بالعمل والحق ) ( 1يو 3 : 18 ) محبة الأسرة لطفلها هى محبة عملية ، فيها الاهتمام بغذائه وصحته ونظافته وتعليمه وكذلك الاهتمام بروحياته ، وتلقينه الدين ، وتدريبه على الفضيلة وفى حديث سفر النشيد عن الحب ، يقول ( اجعلنى كخاتم على قلبك ، كخاتم على ساعدك ) ( نش 8 : 6 ) عبارة ( خاتم على قلبك ، تعنى عواطفك ومشاعرك القلبية أما عبارة (خاتم فى ساعدك ) فتعنى مد ساعدك للعمل إن بطرس الرسول حينما قال ( لو أنكرك الجميع لا أنكرك ) كان خاتما على القلب وحينما أنكر ، لم يكن خاتما على الساعد خاتما على القلب تعنى الإيمان ، وخاتما على الساعد تعنى الأعمال والمحبة نحو الله تتطلب الإثنين معا والمحبة نحو الناس تتطلب المشاعر والعمل أيضا هذه هى المحبة العملية ومن جهة الرعاية يقول الكتاب ( الراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف ) ( يو 10 : 11 ) وبذل النفس هو المحبة العملية والله – كراع صالح – يقول عنه الكتاب إنه ( بين محبته لنا لأننا ونحن بعد خطأة ، مات المسيح لأجلنا ) رو 5 : 8 ) إنها محبة عملية ، فيها التجسد والصلب والفداء المحبة عاطفة ، تترجم ذاتها إلى عمل يقول الرب ( يا ابنى اعطنى قلبك ) ( أم 23 : 26 ) فهل هذا يعنى مجرد العاطفة ؟ كلا ، لأنه يقول بعدها مباشرة ( ولتلاحظ عيناى طرقى ) هنا الحب والعمل معا 0 وهكذا نرى الرب يقول فى ذلك ( إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ) ( يو 14 : 23 ) إن حفظتم وصاياى ، تثبتون فى محبتى )( يو 15 : 10 ) فالمحبة لله ، ليست محبة نظرية ، ولا هى مجرد عواطف محبتك لله تتجلى فى طاعته وحفظ وصاياه كما تظهر فى نشر ملكوته على الأرض فى خدمته ، وخدمة كنيسته ، وخدمة أولاده أما أن تقول إنك تحب الله ، وأنت جالس فى خمول لا تعمل شيئا ، فهذا كلام نظرى لا يقبل منك وهنا أذكر بإعجاب ، أولئك الذين بشروا بكلمة الله فى بلاد تأكل لحوم البشر هذه هى المحبة العملية الباذلة محبة الشخص الذى يعطى الناس كلمة الله لكى يتغذوا ، حتى لو أن بعضهم تغذى به هو !
العلاقة مع الله:-
حينما نتكلم عن المحبة ، لا نتكلم فقط عن المعاملات المتبادلة مع الناس ، بل بالأكثر العلاقة مع اله وحينما تكلم السيد المسيح مع الآب عن علاقته بتلاميذه ، فى الإصحاح المشهور ( يو 17 ) ، قال ( الكلام الذى أعطيتني قد أعطيتهم )( عرفتهم اسمك ، وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم ) ( يو 17 : 8 ، 26 ) علاقة معرفة وحب وكمثال للبذل فيها يقول بولس الرسول عن خدمته لله بأسفار مرارا كثيرة ، بأخطار فى البر ، بأخطار فى البحر ، بأخطار من جنسى ، بأخطار من الأمم ، بأخطار من أخوة كذبة فى برد وعرى ، فى جوع وعطش فى تعب وكمد ) ( 2كو 11 : 26 ، 27 ) وتسأله أهذه هى الخدمة ؟ وكأنه يجيب بل هذا هو الحب وأنت هل حبك لله كلام أم عمل ؟ هل فيه بذل وعطاء ، ونشر لكلمة الله ؟ هل فيه ضبط للسانك ، وضبط للسانك ، وضبط لفكرك ، وضبط لشهواتك ؟ هل الحب يظهر فى صلواتك ، وفى خدمتك ، وفى احتمالك ؟ هل فى صلاتك تقول مع المرتل فى المزمور ( باسمك ارفع يدى ، فتشبع نفسى كما من لحم ودسم ) ( مز 63 : 4 ) هل خدمتك حب ؟ كما كانت خدمة السيد المسيح الذى قيل عنه إنه أحب خاصته الذين فى العالم ، أحبهم حتى المنتهى ) ( يو 13 : 1 ) المحبة الحقيقية هى أيضا محبة بلا رياء ( رو 12 : 9 ) سواء كانت تجاه الله أو تجاه الناس لا تكون قلوبنا غير ألسنتنا ولا تكون ألسنتنا غير مشاعرنا 0
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
06 نوفمبر 2019
مفهوم الخطية
كثيرون يقولون كلمة ( أخطأت ) بسهولة عجيبة !ّ دون أن يدركوا مفهومها ، ولا عمق معناها ونحن جميعا نكرر هذه العبارة فى الصلاة الربانية ( إغفر لنا خطايانا ) ونقولها أيضا فى المزمور الخمسين ( إليك وحدك أخطأت واشر قدامك صنعت ) ونفس العبارات نقولها فى صلاة الثلاثة تقديسات ( إغفر لنا خطايانا ، وآثامنا ، وزلاتنا ) نقول هذا كله فى هدوء ، دون أن ندرك خطورة مدلولاته !! فما هى الخطية إذن ؟
الخطية ضد الله:-
خطورة الخطية إنها أولا موجهة ضد الله لذلك فإن داود يقول للرب فى مزمور التوبة ( إليك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت ) ( مز 50 ) ويقول عن الخطاة ( لم يسبقوا أن يجعلوك أمامهم ) أى لم يفكروا أنك أمامهم ، تراهم وتسمعهم فالخاطئ كأنه فى غيبوبة لا يدرى ماذا يفعل يحتاج إلى من يوقظه ويجعله يفيق ، لكى يدرى ما يفعل تدل الخطية على أنك لا تشعر بوجود الله فلو كنت تشعر بوجود الله ، ما كنت ترتكبها قدامه ، بدون خجل !! ولعل هذا ما كان يجول بذهن يوسف الصديق وهو يقول ( كيف أفعل هذا الشر العظيم ، وأخطئ إلى الله ) ( تك 39 : 10 ) إذن أنت فى الخطية ، إنما تخطئ إلى الله قبل كل شئ : تقاومه وتعصاه وتتحداه ، تحزن روحه القدوس تدنس سكناه فى قلبك إلخ هل تشعر بكل هذا ، وأنت تخطئ ، أو وأنت تعترف بخطيتك ؟ أم أنت تذكر الخطية ببساطة ، دون أن تشعر بخطورتها وبشاعتها ! كإنسان مريض تسأله عن صحته ، فيقول لك ( شئ بسيط 0 مجرد سرطان مجرد إيدز ) !! وهو لا يدرى سرطان أو معنى إيدز !!
أولا : الخطية هى التعدى ( 1يو 3 : 4 ) هى التعدى على وصايا الله ، كسر الوصايا ، عدم الإهتمام بها أو هى التعدى على حقوق الله ، وعلى كرامته وعلى أبوته معنى الخطية يؤخذ من ناحتين من جهة الله ، ومن جهة الناس الخطية من جهة الله ، هى تمرد عليه ثورة على الله ، وعصيان ، وتمرد تصوروا حينما يثور التراب والرماد ، ويتمرد على الله خالق السماء والأرض لاشك أنه لون من الكبرياء ، أن يتمرد التراب أمام الله إنه قبل أن يكسر الوصية ، تكون الكبرياء قد كسرت قلبه من الداخل 0
الخطية إذن هى كبرياء وتشامخ :-
ولذلك حسنا قيل فى سفر الأمثال ( قبل الكسر الكبرياء ، وقبل السقوط تشامخ الروح )( أم 16 : 18 ) وبهذا الكبرياء يسقط الإنسان إن المتضع الذى لصقت بالتراب نفسه ، لا يسقط أما المتكبر ، فإنه يرتفع إلى فوق ثم يسقط 0
الخطية أيضا هى عدم محبة لله :-
وفى هذا يقول القديس يوحنا الرسول ( إن أحب أحد العالم ، فليست فيه محبة الآب )( 1يو 3 : 15 ) إذن فالإنسان أمامه أحد طريقين إما محبة العالم ، أو محبة الله وواضح أن الخاطئ يفضل محبة العالم على محبة الله ، أو قل يحب ذاته أكثر من محبته لله ( وطبعا ذاته بطريقة تهلكها ) 0
وطبيعى أن الخطية عدم محبة لله ، لأن الخاطئ يعصى الله ويتمرد عليه 0
الخطية عداوة لله ، أو خصومة معه :-
وواضح هذا من قول القديس يعقوب الرسول ( أما تعلمون أن محبة العلم عداوة لله ؟! )( يع 4 : 4 ) فإن كانت كلمة( عداوة ) صعبة فلنستخدم على الأقل كلمة خصومة ولهذا فإن حال الخطاة يحتاج إلى مصالحة وهكذا يقول القديس بولس الرسول إن الله ( أعطانا المصالحة ) لذلك ( نسعى كسفراء عن المسيح نطلب تصالحوا مع الله ) ( 2كو 5 : 18 ، 20 ) لذلك إن كنت إنسانا خاطئا ، فأنت محتاج أن تتصالح مع الله0
وكخصومة ، الخطية هى انفصال عن الله :-
لأنه ( أية شركة للنور مع الظلمة ؟! ) ( 2كو 16 : 14 ) فالله نور ، والخطاة يعيشون فى الظلمة الخارجية ، إذا قد أحبوا الظلمة أكثر من النور ، لأن أعمالهم كانت شريرة )( لأن كل من يحب السيئات يبغض النور ، ولا يأتى إلى النور ، لئلا توبخ أعماله )( يو 3 : 19 ، 20 )الإبن الضال ، حينما أحب الخطية ، ترك بيت أبيه ، وانفصل عنه ، وذهب إلى كورة بعيدة( لو 15 : 13 ) هكذا ينفصل عن الله ، بقلبه وبفكره وبأعماله وعن هذا الإنفصال يقول الرب( أما قلبهم فمبتعد عنى بعيدا ) ( مر 7 : 6 ) وبقاء الخاطئ فى هذا الإنفصال ، وفى هذا البعد معناه أن عشرة الله لا تهمه ولا تروق له !! وهكذا فإنه يفض شركته مع الله ، وينهى علاقته به ، ولا تكون له بعد شركة مع الروح القدس ، طالما هو يحيا فى الخطية 0
وبالخطية نحزن روح الله القدوس ( أف 4 : 30 ):-
وهكذا حال الخطية منذ البدء ففى قصة الطوفان يقول الكتاب( فحزن الله وتأسف فى قلبه )
( تك 6 :6 ) إن الله يحزن إذ يجد خليقته التى صنعها على صورته ومثاله ، تتحطم أمامه ، وتتدنس أمامه وفى الخطية لا نحزن فقط روح الله ، إنما أيضا نقاومه ونعانده كما قال القديس اسطفانوس الشماس لليهود فى وقت استشهاده أنتم دائما تقاومون الروح القدس كما كان آباؤكم
( أع 7 : 51 ) بل قد يصل الخاطئ إلى حد يفارقه فيه روح الله كما قال الكتاب عن شاول الملك ( وفارق روح الرب شاول ، وبغته روح ردئ من قبل الله )( 1صم 16 : 14 ) ما أصعب هذا الأمر ، أن يفارق روح الرب إنسانا !!وإن كان هذا الكلام صعبا عليك ، وتقول فى احتجاج ( كيف هذا : إن روح الله يفارقنى ؟! ) سأورد لك الأمر بطريقة أسهل فبدلا من عبارة ( روح الله يفارقك ) نقول أنت الذى تفارق روح الله وفى كلا الحالتين حدثت مفارقة ، انفصال ، بعد بينك وبين روح الله إن القديس بولس الرسول يتكلم كلاما صعبا جدا ، وبخاصة من جهة خطية الزنا يقول ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح أفآخذ أعضاء المسيح ، وأجعلها زانية ؟! حاشا ) ( 1كو 6 : 15 ) إذن الإنسان فى هذه الخطية يدنس هيكل الله وهكذا يقول الرسول( أما تعلمون أنكم هيكل الله ، وروح الله يسكن فيكم ! إن كان أحد يفسد هيكل الله ، فسيفسده الله ، لأن هيكل الله مقدس ، الذى أنتم هو ) ( 1كو 3 : 16 ، 17 ) إذن حينما تقول ( أخطأت ) حلل هذه العبارة ، لتعرف ماذا تحوى داخلها أتراها تحمل كل ما ذكرناه من خطايا ، أم تراها تحمل أكثر وأكثر ، وبخاصة ما تحويه من تفاصيل بشعة 00 والإضافة إلى هذا ، فإن الخطية تدل على معنى آخر .
الخطية هى استهانة بالبنوة لله :-
فإن كنت حقا إبنا لله ، وعلى صورته ومثاله ، فإنك لا يمكن أن تخطئ كما يقول القديس يوحنا الرسول إن ( المولود من الله لا يخطئ ، بل لا يستطيع أن يخطئ والشرير لا يمسه )( 1يو 3 : 9 ) ( 1يو 5 : 18 ) ويقول عن الرب ( إن علمتم أنه بار هو ، فاعلموا أن كل من يفعل البر مولود منه ) ( 1يو 2 : 29 )هل الخاطئ – وهو يخطئ – يكون متذكرا أنه إبن الله وصورة الله ؟! أم يكون وقتذاك متنازلا عن هذه البنوة وصفاتها هذه التى يقول عنها الرسول ( بهذا أولا الله ظاهرون ، وأولاد ابليس ظاهرون ) ( 1يو 3 : 10 ) لهذا وبخ القديس بولس المخطئين ، بأنهم ( نغول لا بنون )( عب 12 : 8 ) 0
الخطية هى أيضا خيانة لله :-
لأن الخاطئ أثناء خطيته يكون منضما لأعداء الله ضده ، أى لإبليس وجنوده بل للأسف يكون قد صار واحدا منهم 0 كما قال الرب موبخا اليهود ( لو كنتم أولاد إبراهيم ، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم أنتم من أب هو إبليس ، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا )( يو 8 : 39 ، 44 ) ويوحنا المعمدان وبخهم قائلا ( يا أولاد الأفاعى ) ( مت 3 : 7 ) أى أولاد الشيطان 0
الخطية هى أيضا صلب للسيد المسيح :-
وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول ( لأن الذين استنيروا مرة ، وذاقوا الموهبة السمائية ، صاروا شركاء الروح القدس وسقطوا ، لا يمكن تجديدهم أيضا للتوبة ، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه ) ( عب 6 : 4 – 6 ) على الأقل ، فإن كل خطاياك لا تغفر إلا إذا حملها المسيح على صليبه 0 كأنك بخطاياك تضيف ثقلا عل صليب المسيح ، وتضيف قطرات مرة فى الكأس التى شربها وبخطاياك تضع رجاسات على المسيح فى صلبه ! فهو الذى حمل خطايا العالم كله ليمحوها بدمه ويكون كفارة عنها ( 1يو 2 : 2 ، 2 ) ومن ضمن هذه الخطايا ، ما ارتكبته وما ترتكبه من خطايا إستمع إذن فى خوف إلى القديس بولس الرسول ( من خالف ناموس موسى ، فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة 0 فكم عقابا تظنون أنه يحسب مستحقا ، من داس ابن الله ، وحسب دم العهد الذى قدس به دنسا ، وازدرى بروح النعمة ) ؟! ( عب 10 : 28 ، 29 ) تأمل إذن هذه العبارات ، لتعرف مقدار بشاعة الخطية داس ابن الله حسب دم العهد الذى قدس به دنسا أزدرى بروح النعمة يصلبون ابن الله ثانية ويشهرونه حقا إنها خيانة لله ، وخيانة للنعمة التى نلناها فى المعمودية ، حيث يقول الرسول ( لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ، قد لبستم المسيح ) ( غل 3 : 27 ) هل تظنون أن يهوذا وحده هو الذى خان المسيح ؟!
كلا ، بل أن كل من يخطئ ، يخون المسيح 0 يخون معموديته وميرونه ، ويخزن الدم الكريم الذى طهرنا من كل خطية ( 1يو 1 : 7 ) 0
الخطية من حهة الإنسان:-
الخطية أيضا هى فقدان للصورة الإلهية خلقنا الله على صورته ومثاله وفقدنا هذه الصورة بسقوط أبوينا الأولين ثم اعيدت إلينا فى نعم العهد الجديدولكننا نعود فنفقدها كلما أخطأنا فالخاطئ لا يمكن أن يكون على صورة الله ، لأن الله قدوس 0
والخطية هى كذلك حرمان من الله :-
أنت غصن فى الكرمة ، طالما أنت ثابت فيها ، تجرى فيك عصارة الكرمة ، فتحيا وتثمر والله ينقيك لتأتى بثمر أكثر أما الغصن الذى ينفصل عن الكرمة بحياته فى الخطية ، فإنه يقطع ويجف ويلقى فى النار ( يو 15 : 1 – 6 ) وفى حالة الخطية تتعرض لتلك العبارة المخيفة التى قالها السيد الرب لفاعلى الإثم ( إنى لا أعرفكم قط ، اذهبوا عنى ) ( مت 7 : 23 ) والعجيب أنه قال هذه العبارة لأشخاص قالوا ( يارب ، أليس تنبأنا ، وباسمك أخرجنا شياطين ، وباسم صنعنا قوات كثيرة )! أمر مؤلم ، أن يتبرأ الرب من معرفتنا !! نفس العبارة قالها للعذارى الجاهلات ( الحق أقول لكن إنى لا أعرفكن ) ( مت 25 : 12 ) وأغلق الباب ، وبقيت هؤلاء خارجا ، منفصلات عن القديسات اللائى حضرن العرس 0
الخطية فساد للطبيعة البشرية :-
تصورا حالة آدم وحواء قبل السقوط ، البراءة العجيبة ، والبساطة والنقاوة 00ولكن الخطية غيرت القلب ، وغيرت النظرة ( رأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل ، وأنها بهجة للعيون ، وأن الشجرة شهية للنظر ) ( تك 3 : 6 ) وكانت أمامها الشجرة من قبل ، ولكن لم تكن تنظر إليها هكذا الخطية غيرت النظرة ، وأوجدت الشهوة ففسدت الطبيعة دخل الإنسان فى ثنائية الخير والشر ، والحلال والحرام ، وفقد بساطته ، وعرف شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة ( 1يو 2 : 16 ) وأصبح الجسد يشتهى ضد الروح والروح تشتهى ضد الجسد ، ويقاوم أحدهما الآخر ) ( غل 5 : 7 ) صدقنى ، حتى ملامح الوجه تتغير بالخطية نوع النظرة ، والإبتسامة ، ولهجة الصوت ، وشكل الإنسان جملة يتغير حتى أن الرسول ينصحنا فيقول ( تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم ) ( رو 12 : 2 ) فإن عاش صديق لك فى الخطية ، ورأيته بعد مدة ، تكاد تقول ليس هذا هو الإنسان الذى كنت أعرفه من قبل الآن كل شئ فيه قد تغير حتى ملامحه !!
الخطية هى هزيمة وسقوط وضعف :-
مهما ظن الخاطئ أنه نال من العالم شيئا إن شاول الملك لم يكن قويا وهو يطارد داود من برية إلى برية بل كان مهزوما من ذاته ومن غيرته 0 وأخيرا أحس بهزيمته ، فرفع صوته وبكى وقال لداود ( أنت أبر منى ، لأنك جازيتنى خيرا ، وأنا جازيتك شرا ) ( 1صم 24 : 16 ، 17 )
الإنسان الخاطئ إنسان ضعيف ، لم يستطع أن يقاوم الخطية فغلبه الشر ، وغلبته شهوته فسقط وانهزم أمامها وأصبح غير مستحق لوعود الله للغالبين ، كما ذكرها الرب فى رسالته للكنائس السبع ( رؤ 2 : 3 ) إنه إنسان مهزوم ، ليس فقط من الخطية التى تحاربه من الخارج ، بل بالأكثر من الخطية التى تسكن فى أعماقه 0
أخيرا ، الخطية هى موت :-
لست أجد فى وصفها أروع من قول الرب لراعى كنيسة ساردس( إن لك إسما أنك حى ، وأنت ميت ) ( رؤ 3 : 1 ) وهكذا قال الآب عن توبة إبنه الضال ( إبنى هذا كان ميتا فعاش ، وكان ضالا فوجد ) ( لو 15 : 24 )
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
30 أكتوبر 2019
مفهوم الطموح
الطموح
الطموح هو الرغبة فى الازدياد ، والتطلع باستمرار إلى قدام هو حالة إنسان لا يكتفى ، ولا يحب أن يقف عند حد فهل هذا خطأ أم صواب ؟ هل هو وضع روحى أم غير روحى ، طبيعى أم غير طبيعى ؟ يستمر فيه الإنسان أم يقاومه ؟ إنه سؤال هام نجيب عليه الآن ، من حيث نوعية الطموح واتجاه مساره الطموح هو شئ طبيعى جزء من طبيعة الإنسان فكيف ذلك ؟ نقول إن الإنسان قد خلق على صورة الله ومثاله 0 والله غير محدود فكيف يكون الإنسان على صورة الله فى هذه الصفة بالذات ، بينما الله هو الوحيد غير المحدود ؟ الإجابة هى لقد وجد الله فى الإنسان اشتياقا إلى غير المحدود مادام الإنسان لا يمكن أنت يكون غير محدود فى ذاته ، لأن هذه صفة الله وحده ، لذلك أصبحت عدم المحدودية يمكن أن تكون فى رغباته وفى طموحاته كلما يصل إلى وضع ، يشتاق إلى ما هو لأعلى ، وما هو أفضل ، فى النطاق المسموح به لإنسانيته ، بحيث ( لا يرتئى فوق ما ينبغى بل يرتئى إلى التعقل ) (رو 12 : 3 ) مادام الإنسان على صورة الله ، إذن فالطموح شئ طبيعى ولكن يختلف الطموح من شخص لآخر وحسب نوع الطموح عليه بأنه خير أو شر لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله ) ( أف 4 : 18 : 19 ) صدقونى يا أخوتى أننى أقف مبهوتا ومنذهلا ، أمام هذه العبارة الأخيرة ( لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله ) 0 ! مادام طريق الكمال طويلا جدا إلى هذا الحد ، وإلى هذا المفهوم العميق ، إذن ينبغى علينا أن لا نسير فيه ببطء أو تكاسل ، بل نستمع إلى القديس المختبر وهو يقول ( أركضوا لكى تنالوا 00 )( 1كو 19 : 24 ) ويطبق هذا على نفسه فيقول ( إذن أنا أركض هكذا ) ( 1كو 9 : 26 ) عجبا على هذا القديس ، الذى كان مازال يركض ، حتى بعد أن صعد إلى السماء الثالثة الطموح المقدس إذن هو طموح روحى نحو الهدف الروحى ، وبأسلوب روحى ومع ذلك هناك طموح آخر ، عالمى وخاطئ ، فما هو ؟
الطموح الخاطئ
إنه طموح مركز على الذات ، ولأهداف عالمية ، وربما بوسائل خاطئة مثل الطموح فى الغنى ، فى اللذة ، فى الشهوة ، فى المال ، فى الألقاب ، فى العظمة فى المجد الباطل ، وما أشبه مثال ذلك الغنى الغبى هذا الذى ( أخصبت كورته ) فقال ( أهدم مخازنى ، وابنى أعظم منها ، وأجمع هناك جميع غلاتى وخيراتى 0 وأقول لنفسى : يا نفسى لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة 0 استريحى وكلى وأشربي وأفرحي ) ( لو 12 : 18 ، 19 ) وهكذا كان مركزا فى المادة وحول ذاته 0 ولم تدخل علاقته بالله فى طموحه لذلك سمع ذلك الحكم الإلهى ( يا غبى ، فى هذه الليلة ، تؤخذ نفسك منك 0 فهذه التى أعددتها ، لمن تكون ؟! ) ( لو 12 : 20 ) مثال آخر هو سليمان الحكيم كانت طموحاته فى العظمة والرفاهية ، وفى اللذة والنساء 0 وهكذا قال عن نفسه ( عظمت عملى 0 بنيت لنفسى بيوتا ، غرست لنفسى كروما ، عملت لنفسى جنات وفراديس قنيت عبيدا وجوارى جمعت لنفسى أيضا فضة وذهبا ، وخصوصيات الملوك والبلدان 0 اتخذت لنفسى مغنين 0ومغنيات ، وكل تنعمات البشر سيدة وسيدات 0 فعظمت وازدادت أكثر من جميع الذين كانوا قبلى فى أورشليم ومهما اشتهته عيناى لم أمسكه عنهما ) ( جا 2 : 4 – 10 ) وماذا كانت نتيجة كل هذه الطموحات العالمية ؟ يقول سليمان ( ثم التفت أنا إلى كل أعمالى التى عملتها يداى ، وإلى التعب الذى تعبته فى عمله ، فإذ الكل باطل وقبض الريح ، ولا منفعة تحت الشمس ) ( جا 2 : 11 ) نعم ، هذا هو الطموح العالمى الباطل 00 وكيف أنه قاد سليمان إلى الخطية وإلى عقوبة الله 0 وقال عنه الوحى الإلهى ( إن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى 0 ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه ) ( 1مل 11 : 4 ) من الطموحات العالمية أيضا : الذين بنوا برج بابل أرادوا العظمة والعلو 0 وقالوا ( هلم نبن لأنفسنا مدينة ، وبرجا رأسه فى السماء ونصنع لأنفسنا إسما ) ( تك 11 : 4 ) فكانت النتيجة أن الله بلبل ألسنتهم ، وبددهم على وجه الأرض( تك 11 : 7 ، 8 ) لأن الله لم يوافق على هذا الطموح الممتزج بحب العظمة والكبرياء ولكن أسوا طموح ، كان طموح الشيطان !!هذا الذى كان ملاكا ورئيس ملائكة ، هذا الذى لقبه الكتاب بالكاروب المنبسط المظلل 0 وكان كاملا فى طرقه يوم خلق ( حز 28 : 14 ، 15 ) وعلى الرغم من سقوطه استمر فى طموحاته الشريرة حتى وصل به الأمر أنه من على جبل التجربة قال للسيد المسيح له المجد ، وهو يشير إلى جميع ممالك الأرض ومجدها ( أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لى ) ( مت 4 : 8 ، 9 ) فانتهره الرب قائلا أذهب يا شيطان واستمر فى طموحاته ، يريد أن ينافس الله ، ويضل الأمم الذين فى أربع زوايا الأرض ( رؤ 20 : 8 ) ويسبب الارتداد العظيم الذى يسبق المجئ الثانى ( 2تس 3 ، 9 ) وبنفس هذا الطموح الخاطئ عمل على إسقاط أبوينا الأولين ، فى الإغراء على الأكل من شجرة معرفة الخير والشر ، قائلا ( تصيران مثل الله عارفين الخير والشر ) ( تك 3 : 5 )هناك نوع من الطموح يمتزج بالغرور غرور سابق للطموح ، وغرور لاحق له أما عن الغرور السابق ، فهو أن يظن الشخص فى نفسه فوق ما يستطيع ويرتئى فوق ما ينبغى ( رو 12 : 2 ) وربما يقفز إلى درجات روحية فوق إمكانياته ، فلا يحسن منها شيئا بل يهبط إلى أسفل 0 أو يطمح إلى مسئوليات فوق قدراته فيفشل وإن نجح فى شئ ، يلحقه غرور آخر فيطلب المزيد إن كثير من القادة السياسين أضاعهم الطموح الزائد فى الاتساع ومواصلة الانتصار ، حتى انتهوا إلى الفشل والضياع ، مثلما حدث لهتلر ولنابوليون أيضا إن شهوة الاتساع والامتداد كثيرا ما أتعبت الطامحين وأوصلتهم إلى الطمع وعدم الاكتفاء 0 كما يقول سليمان الحكيم ( كل الأنهار تجرى إلى البحر ، والبحر ليس بملآن ) ( جا 1 : 7 ) وأيضا ( العين لا تشبع من النظر ، والأذن لا تمتلئ من السمع ) وهكذا تجد كثيرا من المحاربين بالطموح العالمى ، نفوسهم فى تعب مهما نالوا ومهما أخذوا بسبب الإتساع والطمع التى لا يشبعها شئ 0
الفرق بين النوعين:-
الطموح الخاطئ كلما يصل ينتفخ ويتكبر أما الطموح الروحى ، فيفرح بالرب فى إتضاع إن عمل الإثنان فى المجال الدينى 0 فصاحب الطموح الخاطئ يحب أن يصل إلى مواهب الروح التى ينال بها مجدا من الناس 0 أما صاحب الطموح الروحى ، فيسعى إلى نوال ثمار الروح ( غل 5 : 22 ، 23 ) التى يتمتع فيها بمحبة الله وبالفضائل الخفية إنه يجاهد فى الروحيات لا ليفتخر بما وصل إليه ، بل لأنه لذة روحية فى الالتصاق بالرب 0 وكلما يزداد إتضاعا ، عارفا أن طريق الكمال لا يزال بعيدا 0 وينظر إلى المثل العليا فى حياة القديسين ، فيرى أنه لم يفعل شيئا ! ومهما وصل طموحه يتذكر قول الرب ( متى فعلتم كل ما أمرتم به ، فقولوا إننا عبيد بطالون ) ( لو 17 : 10 ) لذلك فإن قديسين كثيرين وصلوا إلى مستويات عالية جدا ، ومع ذلك كانوا يبكون على خطاياهم 0 لأنهم كانوا فى طموحهم الروحى ، كانوا فى طموحهم الروحى ، كانوا يرون درجات أعلى وأعلى ، لم يصلوا إليها بعد إن المقاييس تتغير بين الروحيين وأهل العالم فى طموحهم الذى عنده طموح عالمى يحب مثلا أن يزداد فى الغنى ، وتكثر أمواله وأرصدته يوما بعد يوما حتى أنه يصاب بالتجلى أما الإنسان الروحى ، فإن طموحه هو فى توزيع ماله على الفقراء ، حتى يكون له كنز فى السماء الإنسان الذى عنده طموح عالمى ، يجب أن يكون الأول باستمرار ، بل الوحيد ويحب المتكئات الأولى 0 أما الإنسان الروحى فإن طموحه فى أن يكتسب فضيلة الإتضاع ، وأن يأخذ المتكأ الأخير ويضع أمامه قول الرسول ( مقدمين بعضكم بعضا فى الكرامة ) ( رو 12 : 10 ) وهكذا يجتهد أن يكون آخر الكل وخادما للكل ( مر 9 : 35 ) وهكذا يتحول إلى إنسان خدوم ، يحب الخدمة وينمو فيها 0 ويحبه كل الناس لخدمته لهم الطموح العالمى ينافس الناس ليحل محلهم أما الطموح الروحى فيساعدهم على الوصول إنه لا يزاحم الناس فى طريق الحياة ، بل بمحبته يفسح الطريق لهم ليسيروا 0 إنه من كل قلبه يريد أن يصل إلى الله 0 ولكنه فى طموحه يحب أن يسبق غيره ، أو أن يعطل غيره ليصل قبله لما يشوع بن نون رأى اثنين يتنبآن ، أراد أن يردعهما ، حيث أن النبوة هى لمعلمه موسى النبى 0 فوبخه موسى بقوله ( هل تغار لى أنت يا ليت كل الشعب كانوا أنبياء ، إذا جعل الرب روحه عليهم ) ( عد 11 : 26 – 29 ) الذى عنده طموح روحى يهدف أن يصل إلى قمة الروحيات ، من أجل محبته لله ، ولكنه لا يفكر أبدأ أن يسبق غيره ، أو ينافس غيره ، أو يتفوق عليه فى الروحيات الطموح الذى يريد التفوق على الغير ، هذا قد انتصرت عليه الذات إن طريق الله يتسع لجميعنا ، وقمم الروحيات معروضة على الكل 0 والنعمة مستعدة أن تساعد كل أحد على الوصول 0 فلماذا التنافس والتزاحم إذن فى طريق الطموح ، بينما فيه متسع للجميع ؟! أتريد فى طموحك أن تنتصر على غيرك فى الروحيات ؟! لماذا ؟! وهل فى هذا الإنتصار ، تجد روح المحبة التى تسعى إليها فى طموحك ؟!أما طموح الإنسان الذى لا يحب فقط أن يكون الأول ، وإنما الوحيد فهو بلا شك طموح شرير لأنه فى طموحه ، لا يريد لغيره الخير 0 وهذا شر 0 إنه طموح قد انحرف ، وتحول إلى محبة الذات أو تحول إلى الأنانية الطموح الروحى يسعى إلى الأرتفاع فوق مستويات معينة ، وليس فوق أشخاص معينين فمن الجائز أن ترتفع فوق أشخاص معينين ، ويبقى مستواك منخفضا 0 كما أن رغبة الأرتفاع فوق الغير ، قد تعصف بك إلى نطاق الحسد والغيرة ، مما يتعارض مع روح المحبة الحقيقية 0 وتظل ترقب هذا الذى ينافسك ، وقد تفرح بفشله لأن هذا يعطيك فرصة التفوق عليه 0 وهكذا تفقد نقاوة قلبك إسع إلى الامتياز ، وليس إلى الأنتصار على الغير 0 وإن صرت الأول ، فهذا حسن جدا 0 وإن لم تصر 0 فلا تحسد من صار الأول ، بل افرح بتفوقه الإنسان الروحى طموحه فى أن ينتصر على نفسه ، لا على الآخرين وليكن هدفك من السعى إلى الكمال هو إرضاء الله وليس المجد الباطل إنها وصية إلهية أن تصير كاملا ( مت 5 : 48 ) فإن صرت هكذا ، تفرح بإرضاء الله الذى نفذت وصيته 0 ويكون فرحا بغير افتخار ، وبغير مقارنة بالآخرين الإنسان الروحى فى الطموح ، ينمو باستمرار فالنمو صفة عملية للطموح 0 ولكنه فى نفس الوقت يفرح حينما يرى غيره ينمو أيضا الطموح الروحى ينمو فى الروحيات : فى الصلاة ، فى التأمل ، فى معرفة الله ، فى محبته ، فى خدمته ، فى محبة الآخرين وكلها ليست مجالا للتنافس إذا صلى ، يحب أن ينمو فى الصلاة من جهة الوقت الذى يقضيه مع الله ، ومن جهة ما فى الصلاة من حرارة ومن عمق وتأمل ، ومن حب وإيمان وهكذا مع باقى الفضائل باستمرار يمتد إلى قدام أما غير الطموح ، فقد يتوقف عند وضع معين ، ويتجمد وهذا التوقف قد يؤدى إلى الفتور وفى الحياة العملية ينبغى أن يكون الإنسان طموحا يهدف إلى النجاح فى كل ما تمتد إيه يده ، كما قيل عن يوسف الصديق إنه كان رجلا ناجحا 0 وكان الرب معه 0 وكل ما كان يصنع ، كان الرب ينجحه بيده ( تك 39 : 2 ، 3 ) وهناك ولعل البعض يسأل هل يتناقص الطموح مع القناعة ؟! كلا فالقناعة تكون فى الماديات ، والطموح فى الروحيات ويتمشى الإثنان معا 0 يقويان بعضهما البعض يسأل البعض كيف يكون طموحى نحو الكمال ، بينما الكمال لله وحده 0 فأقول له المطلوب منك هو الكمال النسبى ، وليس الكمال المطلق وإن لم تصل إلى الكمال ، فعلى الأقل أن ينمو ويجدك الله سائرا فى الطريق ، متقدما كل يوم كن كالشجرة التى كل يوم تنمو فالصديق كالنخلة يعلو ولا تجعل طموحك فى أمانتك فى عملك ، يعطل طموحك فى روحياتك 0
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
عن كتاب عشرة مفاهيم
المزيد
23 أكتوبر 2019
مفهوم الراحة والتعب
أنواع من الراحة
موضوع الراحة ورد فى أول الكتاب المقدس ، فى قصة الخليقة ، حيث قيل ( وبارك الله اليوم السابع وقدسه ، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل الله خالقا ) ( تك 2 : 12 ) إنها الراحة الخاصة بإتمام العمل أو إكمال العمل إن كل شخص يكمل عمله ، يشعر براحة والرب الإله استراح فى اليوم السابع من عمله خالقا واستراح فى يوم الأحد يوم القيامة ، لإتمامه عمله فى الخلاص ، وفى تخليص الناس من الخطية والموت وتوجد راحة أخرى ينتظرها العالم ، وهى الراحة الأبدية هذه التى سوف لا يكون بعدها تعب ولا مرض ولا شقاء إلى الأبد وكل الأسباب التى كانت تدعو إلى التعب تزول أيضا وهناك راحة أخرى تسبقها ، وهى راحة الإنسان بعد الموت حيث يستريح الإنسان من تعب هذا العالم ويستريح من شغب الجسد وثقله ومن الجو الشرير الموجود فى البيئة والمجتمع 0 وكما يقول الكتاب (لكى يستريحوا من أتعابهم ، وأعمالهم تتبعهم ) ( رؤ 14 : 13 ) لذلك عندما يموت إنسان ، نقول إنه تنيح ، أى استراح 0
هناك أنواع أخرى من الراحة ، أثناء حياتنا على الأرض فالتعب بلا شك له أنواع ، والراحة لها أنواع فهناك راحة للجسد ، وراحة للفكر ، وراحة للنفس ، وراحة للقلب وللشعور 0 وأيضا هناك راحة الضمير 0 وتوجد راحة نفسية ، وراحة روحية 0 ونود أن نتكلم عن كل هذه بالتفصيل 0 ولنبدأ براحة الجسد 0
راحة الجسد:-
إن الله نفسه أراد للجسد أن يستريح هو الذى خلق الجسد ، ويعرف أن طبيعته تحتاج إلى راحة لذلك منحه اليوم السابع من الأسبوع لكى يستريح فيه عملا من الأعمال لا يعمل فيه وقال عن راحة السبت ( السبت إنما جعل لأجل الإنسان ، وليس الإنسان لأجل السبت ) ( مر 2 : 27 ) وكذلك مواسم الرب وأعياده ، قال عنها ( عملا ما تعملوا ) ( لا 23 : 3 ، 7 ) إذن لابد أن نعطى الجسد ما يحتاج إليه من راحة راحة الجسد ليست خطية ، إنما هى وصية إلهية بحيث يتصرف الإنسان بعقل 0 لا يرهق الجسد بحيث يتعب فوق الطاقة 0 ولا يريحه أزيد مما يحتاج بحيث يصل إلى الكسل أو الخمول 0
أتذكر أن أحد أساتذة الطب فى لندن قال لى ( أنا لا أستطيع أن أمنعك عن ال Hard Workفطبيعة مسئوليتك تستدعى ذلك 0 ولكنى أمنعك عن ال Over Work ويقصد بهذا أن العمل الذى يعمله الإنسان بعد أن يصل إلى الإرهاق فيجب حينئذ أن يقف ولا يستمر 0 وإن استمر بعد الإرهاق أو الإعياء ، يكون هذا Over Work 0 كما قال لى أيضا البروفسور إن العمل الذى تعمله بفرح ورضى ، لا يؤذى قلبك 0 أما العمل الذى تعمله وأنت متضايق ومتبرم ، فهو الذى يتعب صحتك 0 فالعمل بلذة لا يرهق إذن هناك علاقة بين راحة النفس وراحة الجسد لو كانت النفس مستريحة ، تستطيع أن تحمل الجسد 0 ولو تعبت النفس ، لا يحتمل الجسد أقل مجهود 0 وفى راحة الجسد ، يقول بعض العلماء ، لا تترك الجسد يعمل مدة طويلة بلا راحة ، إنما وسط العمل الطويل أعطه فترات راحة ولو دقائق 0 وهذه يسمونها بالإنجليزية Break أى تكسر حدة العمل الطويل ، بشئ من الراحة الجسد أيضا يتعبه المرض ، ويجعله فى حالة عدم احتمال وكثيرا ما يكون المريض فى حاجة إلى راحة كاملة 0 يتعبه الكلام إذا هو تحدث ويتعبه الإصغاء إلى كلام كثير 0 ويتعبه الصوت ، والحركة 0 ويتعبه التفكير ، والإلحاح من غيره لذلك فإن غالبية المستشفيات تمنع زيارة المرضى إلا فى مواعيد محدودة 0 فلا تظنوا أنكم تريحون المريض زيارته أو كثرة الحديث معه !!
وراحة الجسد غير الكسل الكسل معناه أن الإنسان لديه قدرة على العمل ، ولا يرغب فى ذلك 0 والكسل له نتائج كثيرة سيئة ، سواء فى عدم قيام الشخص بمسئولياته 0 أو من الناحية الصحية قد يصل إلى الوخم أو البلادة 0 ويفقد الجسد نشاطه الطبيعى الذى يلزمه 0 كما يؤدى به هذا إلى السمنة والترهل والمعروف أن الجو الحار المشبع بالرطوبة يساعد على الكسل ، بينما الجو البارد يساعد على النشاط والحركة 0 والحركة تولد فيه حرارة ولذلك فإن الذين يحالون إلى المعاش ، ويقضون بقية حياتهم فى المقهى أو البيت أو النادى ، يصيبهم الخمول 0 بينما الذين يستمرون فى العمل والنشاط ، تقوى صحتهم وبالمثل السيدات اللائى يعملن ويتحركن ، غير اللائى يجلسن فى البيت بلا عمل ويتارهلن ونحن لا نقصد براحة الجسد ، راحة مطلقة فالجسد قد يكون فى عمق النوم ، ومع ذلك يكون قلبه يعمل فى انتظام ، كذلك جهازه التفسى ، وكذلك المخ ، وباقى أجهزة الجسد المتعددة 0 كلها تعمل أثناء نومه ، وأثناء راحته 0 وتعمل بكل ٍانتظام ، ولكن فى هدوء ، وبغير إرهاق 0 فتعب القلب هو فى إرهاقه ، وليس فى توقفه عن العمل وكذلك المخ لذلك ليست الراحة معناها عدم العمل إطلاقا 0 ربما معناها أحيانا تغيير نوع العمل 0 وكما يسمون الراحة بالفرنسية Recreation ( أى خلق آخر ) فينتقل العقل من صنع فكر إلى صنع آخر لأنه مما يرهق العقل التركيز على فكر واحد فإن تعب الإنسان من هذا التركيز ، ينتقل إلى فكر آخر 0 والعقل دائم التفكير 0 ولكنه قد يتعب من التفكير العميق إذا استمر فى موضوع واحد مدة طويلة 0 فيحتاج أن يترك هذا الموضوع إلى حين ثم يعود إليه بعد أن يجدد نشاطه وأحيانا ترتبط الراحة مع التعب ( بتعقل ) .
فالإنسان ليستكمل صحته ، قد يحتاج إلى تداريب رياضية ، يحرك فيها جسده 0 والعض قد يلجأ إلى المشى أو الجرى 0 وقد يتعب ويحتمل التعب لفائدته الصحية 0 ونقول التعب وليس الإرهاق 0 وهذا ما يحدث أيضا فى تمرينات العلاج الطبيعى 0
التعب بين النفس والروح:-
هناك مريض إن قيل له إن حالته خطيرة ، قد تتعب نفسه ، ولكنه يستعد لأبديته فتستريح روحه 0 بينما لو خدعوه وصورا له الأمر بسيطا لراحة نفسه وشغلوه بمسليات عالمية ، لا يهتم بروحه وأبديته ، ويهلك !مثال آخر هو مجاملة إنسان خاطئ بأنه على حق فى تصرفه ، تريح بهذا نفسه وتهلك روحه ، فلا يلوم نفسه ولا يتوب 0 وبنفس الوضع النفاق فى معاملة الرؤساء وأيضا تدليل الأطفال 0 وهنا نضع قاعدة روحية هامة إن لم تستطع تبكيت الخطية ، فلا تبررها فإنك بتبريرك تصرفات المخطئين ، تشترك معهم فى المسئولية إيزابل ساعدت آخاب فى ظلم نابوت اليزرعيلى وأخذ حقله 0 فأراحت زوجها نفسيا ، ولكنها اتعبته روحيا ، واشتركت معه فى العقوبة ( 1مل 21 )
إن من يكذب ليخرج من مأزق ، يريح نفسه ويتعب روحه وبالمثل من يلجأ إلى خدعة توصله إلى غرضه كذلك من لا يحاسب نفسه ويلومها على خطاياها بل ويعاقبها أيضا ، هذا يريح نفسه ، ولكنه يهلك روحه وأسوأ من هذا الذى يحاول أن يبرر نفسه ليستريح 00 إنها راحة زائفة خاطئة !! ومن الأخطاء فى الراحة أيضا : أن شخصا يبنى راحته على تعب الآخرين وتكون ، هذه الراحة لونا من الأنانية ومحبة الذات ، وعدم محبة الآخرين 0 إنه يريح نفسه ، ويتعب روحه بالأخطاء 0
التعب الداخلى:-
هناك أشخاص لا يوجد سبب خارجى يتعبهم ، وإنما تعبهم من الداخل 0 مما فى قلوبهم من الاضطراب والقلق والشك والخوف والتشاؤم 0 فكل شئ من الخارج يتعبهم بدون سبب هؤلاء يتعبون أنفسهم ، دون أن يتعبهم أحد 0
راحة الضمير:-
قد يقبل الإنسان تعب جسده من أجل راحة ضميره ، أو راحة روحه كالشهداء مثلا والمعترفين ، الذين تحملوا عذابات كثيرة احتملها الجسد ، من أجل راحة ضمائرهم بالثبات فى الإيمان 0
مثال آخر ما احتمله القديس يوحنا المعمدان من سجن 0 وأخيرا قطع رأسه ، لكى يشهد للحق ، ويقول للملك المخطئ ( لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك ) مر 6 : 18 ) ومثال آخر ما احتمله القديس أثناسيوس الرسولى من نفى وتشريد ومن أجل الدفاع عن الإيمان ضد الأريوسيين 0 كذلك ما أحتمله يوسف الصديق من سجن فى سبيل راحة ضميره العفيف ، وقوله ( كيف أفعل هذا الشر العظيم ، واخطئ إلى الله ) ( تك 38 : 9 ) كذلك ما يحمله الرعاة من تعب فى الجسد لكى يريحوا الشعب من جهة ، ولكى تستريح ضمائرهم من جهة أدائهم لواجبهم الرعوى وينطبق على هذا أيضا كل من يسلك فى أسلوب البذل والعطاء والأمانة فى العمل يتعب جسديا ، لكى يستريح ضميره ، وتستريح روحه فى أداء الواجب إنه لا يبحث عن راحته الشخصية ، إنما عن راحة غيره أيضا طالب العلم الذى يتعب ، فيريح ضميره من جهة مستقبله 0 ويكون مبتهجا بتعبه ، لأنه أراح نفسه 0 وبنفس الوضع كل الذين يجاهدون ، فى تعب وكد ، من أجل هدف كبير يسعون إليه وكما قال الشاعر إذا كانت النفوس كبارا تعبت فى مرادها الأجساد حتى فى الجهاد الروحى أيضا لابد أن يتعب الإنسان ، ويجاهد الجهاد الحسن ، ليريح ضميره الروحى ، ولكى تستريح روحه فى الله – وقد قال الرسول موبخا ( لم تقاوموا بعد حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية ) ( عب 12 : 4 )
وهناك من يتعب جسده ، وفى نفس الوقت يتعب روحه فلا هو أدرك سماء ، ولا أرضا كالذى يتعب أعصابه بالغضب ، ويتعب صحته بالتدخين وبالخطايا الشبابية وبينما الإنسان الروحى يتعب من أجل البر ، يتعب الخاطئ تعبا باطلا ومن هذا التعب الباطل ، تعب الشياطين فى إغراء البشر 0
فى الخدمة:-
الخادم يتعب ، فيريح ضميره ، ويريح غيره 0
وكما قال الرسول ( كل واحد سينال أجرته بحسب تعبه ) ( 1كو 3 : 8 ) وهكذا تعب القديس بولس فى الخدمة ، لبناء الملكوت وخلاص أرواح الناس والخادم الذى يتعب جسديا لأجل الخدمة ، لن يستريح روحيا ، ولا تستريح الخدمة
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
عن كتاب عشرة مفاهيم
المزيد
16 أكتوبر 2019
مفهوم الحرية
نود فى هذا الباب أن نعرض على التوالى بعض المفاهيم ، لأمور معينة فى الحياة الروحية ، والحياة الاجتماعية وسنبدأ بموضوع الحرية ونناقشه معا ، مع أبنائنا الشباب :
أولا : إن الله يحب لكل إنسان أن يكون حرا 0
وقد خلق الإنسان بإرادة حرة وقال له فى آخر سفر التثنية ( انظر قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير ، والموت والشر أشهد عليكم اليوم السماء والأرض قد جعلت قدامك الحياة والموت ، البركة واللعنة فاختر الحياة ، لكى تحيا أنت ونسلك إذ تحب الرب إلهك ، وتسمع لصوته وتلتصق به ، لأنه هو حياتك) ( تث 30 : 15 –20 )
ثانيا : يقابل الحرية حساب ومسئولية 0
فالإنسان أو الكائن غير الحر ، لا يحاسب على أفعاله أما مع الحرية فيوجد حساب على كل ما يفعله الإنسان خيرا أو شرا فينال المكافأة على أعماله الخيرة كما توقع عليه العقوبة فى أعماله الخاطئة أو الشريرة آدم وحواء كانا حرين وأمامهما وصية الله يمكن أن يطيعاها أو يخالفاها 0 وقد خالفا الوصية0 وأوقع الله على كل منهما عقوبة مسببة ( تك 3 : 9 – 19 ) والعقوبة على الخطأ الذى يفعله الإنسان بحريته ، هى عقوبة مزدوجة : على الأرض وفى السماء وقد ينجو الإنسان من العقوبة على الأرض ولكن تبقى العقوبة فى العالم الآخر قائمة ، لا تمحى إلا بالتوبة ( لو 13 : 3 ، 5 ) كما أن الخير الذى يفعله الإنسان بحرية إرادته ، له مكافأة مزدوجة أيضا 0 وإن لم ينل الإنسان مكافأة على الأرض ، فأجره محفوظ فى السماء ( أبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك على علانية ) ( مت 6 : 4 ، 6 ) 0
ثالثا : ليس من حقك إطلاقا أن تنال حرية مطلقة 0
فأنت حر فى كل ما تفعله ، بحيث أنك لا تعتدى على حقوق أو حريات الآخرين 0وبحيث أنك لا تكسر وصايا الله ، ولا تخالف القانون والنظام العام الذى جعل من أجل سلامة وراحة الآخرين فليس من حقك مثلا أن تركب سيارة وتخالف قواعد المرور ، وتقول أنا حر ، أسير حيثما أشاء !! وليس من حقك أن ترفع صوتك فى ضوضاء تزعج بها الآخرين ، وتقول أنا حر أرفع صوتى كما أشاء !! وليس من حقك أن تأخذ معك ورقة تغش بها فى الامتحان ، وتقول أنا حر ، استعمل ما أشاء من أوراق !! كذلك كما تستخدم حريتك ، بحيث لا تضر الآخرين ولا تخالف النظام العام 0 فأنت أيضا من حقك أن تستخدم حريتك ، بحيث لا تضر نفسك لأن نفسك ليست ملكا لك إنها ملك لله الذى خلقها وفداها ، وملك أيضا للمجتمع الذى رعاك ورباك وله عليك حقوق يجب أن تؤديها ولذلك فقتل الإنسان لنفسه بالانتحار ، جريمة يعاقب عليها الله ولا يوافق عليها القانون 0 ونفس الوضع ينطبق على من يضر نفسه عن طريق التدخين أو المخدرات 0 فليس من حقه أن يقول أنا حر ، أدخن كما أشاء ، وأتعاطى المخدرات كما أشاء !! لأنه ليس من حقه أن يهلك نفسه 0 وليس من حقه أن يحرم المجتمع من وجوده مؤديا واجبه نحو
المجتمع 0
رابعا : الضوابط التى توضع على الحرية ، هى لفائدتك وليست لتقييدك 0
ومن فائدتها أنها تمنعك عن الإضرار بنفسك ، ومن الإضرار بغيرك ، ومن الإضرار بالمجتمع ، ومن مخالفة وصايا الله النهر له شاطئان ، لا يقيدان مجراه ، وإنما يحفظانه وإذا لم تكن للنهر شواطئ ، فإنه سينسكب ويفيض على الجانبين ، ويغرق الأرض ، ويحولها إلى مستنقعات 0 أترى يستطيع أى نهر أن يحتج على وجود شاطئين له ، ويقول إنهما يقيدان حريتى ؟!كذلك أنت الشاطئان بالنسبة إليك ، هما وصايا الله ، وقوانين أو تقاليد المجتمع 0 أو الشاطئان هما الدين والتربية 0 وكلاهما لفائدتك فالطفل الذى يرفض التربية ، ويحسبها تقييدا لحريته ، والشاب الذى يرفض نصيحة أبويه أو معلميه أو مرشديه ، ويرى ذلك تقييدا لحريته ، لابد أنه سيفسد ، ويفقد الطريق السليم السوى ، ويضل فهو الضلال هو إسم آخر للحرية ، أو نتيجة لها ؟!
خامسا : الحرية الحقيقية هى أن يتحرر الإنسان من الأخطاء 0
فيتحرر من الخطايا والسقطات ، ويتحرر من العادات الرديئة يتحرر من كل المشاعر الرديئة ، ويتحرر عقله من الأفكار المنحرفة ومن كل خطأ فكرى يتحرر أيضا من الخضوع للشيطان وكل أعوانه 0 ويتحرر من كل قيادة تفرض سلطانها على إرادته ، لتقوده حسب هواها فى مسيرة منحرفة هذه هى الحرية ، التى قال عنها الكتاب ( إن حرركم الإبن ، فبالحقيقة تكونون أحرارا ) ( يو 8 : 36 )
سادسا : الذى يتحرر داخله من الخطيئة ، يمكنه أن يستخدم الحرية الخارجية بطريق سليم 0
فمثلا الذى يتحرر من الكراهية والقسوة والعنف والظلم ، يستطيع أن يستخدم حريته فى التعامل مع الناس بطريق سليم أما إن كان ظالما أو قاسيا ، وقال أريد أن استخدم حريتى فى التعامل كما أشاء فإنه سوف يؤذى غيره بقسوته وبظلمه ، أو بعدم تحرره من القسوة والظلم كذلك الذى لم تتحرر عفته من الشهوات الجسدية ، فإنه ، حينما يستخدم حريته لتنفيذ شهواته ، لابد سيؤذى نفسه وغيره وفيما يظن أنه يستخدم حريته ، يكون قد أضاف قيودا جديدة على عفته ونقاوته وأيضا الفتاة التى تقول ألبس كما أشاء ، وأضحك وألهو كما أشاء وبهذا الأسلوب تعثر غيرها وتسقطه ، وتسقط هى أيضا معه هذه الفتاة لم تتحرر بعد من الداخل لذلك تستخدم حريتها الخارجية بطريقة ضارة لها ولغيرها والطالب الذى يلعب طول العام ويهمل دروسه ، ويقول أنا حر !! إنما يضر نفسه باسم الحرية الخاطئة ويفقد مستقبله 0 لأنه لم يتحرر فى الداخل من سيطرة اللهو عليه إذن نصيحتنا لك استخدم حريتك لفائدتك وفائدة غيرك وتحرر أولا من الداخل ، قبل أن تمارس الحرية الخارجية 0
سابعا : يضغط على نفسه ، ليصل إلى حرية الحقيقة 0
فلا يعطى ذاته كل ما تطلب ، لئلا يصل إلى تدليل النفس ، ويفقد سيطرته على نفسه ، وبالتالى يفقد حريته الحقيقية وهكذا يدخل هذا الإنسان فى تداريب روحية لضبط النفس ، لضبط اللسان فلا يقع فى أخطاء 0 لضبط الأعصاب حتى لا يثور ويفقد غضبه معارفه وأصدقاءه وأيضا تداريب لضبط الفكر ، حتى لا يسرح فى أمور تضره 0 بل يدخل فى تداريب لضبط الحواس ، ولضبط الجسد بالصوم والسهر ، وضبطه فى البعد عن الشهوات حتى لا ينساب فى الملاهى والملاذ الجسدية ويفقد روحياته هل يجوز أن يقول أحد أسلك حسب هواى ، بحريتى ، ولا بضبط نفسه ويغصبها على عمل الخير ؟! وإن سلك هكذا ، أيكون حرا أم مقيدا بشهواته ؟!
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
عن كتاب عشرة مفاهيم
المزيد
09 أكتوبر 2019
ما هى إذن عناصر القوة التى يجب أن تتصفوا بها ؟
قوة الروح
يظن بعض الشباب أن القوة تعنى القوة الجسدية ، التى يظهر بها أبطال الملاكمة والمصارعة والكاراتيه 0 قوة من نوع قوة شمشون الجبار ( قض 13 : 16 ) ولكن ليست القوة الجسدية هى كل شئ بل أن كثيرين من الأقوياء بالجسد ، كانوا ضعفاء إن شمشون الجبار الذى أنتصر بالجسد على كثيرين ، كان ضعيفا أمام إغراء دليلة وحبه لها 0 وقد ضعف أمام إلحاحها ، فكشف لها سره ، فحلقت شعره ، وسلمته لأيدى أعدائه ، ففقأوا عينيه ، وأوثقوه بسلاسل ، وجعلوه يطحن فى بيت السجن ( قض 16 : 19 – 21 ) وداود الذى هزم جليات الجبار ( 1صم 17 ) وكان منذ صباه ( جبار بأس ورجل حرب ) ( 1صم 16 : 18 ) هذا الجبار كان ضعيفا أمام جمال بثشبع ، فسقط وأخطأ واستحق أن يعاقبه الرب ، وقد جعل أعداء الرب يشمتون ( 2صم 12 : 7 – 14 ) هنا نقرأ ما قال القديس يوحنا الحبيب للشباب فى رسالته الأولى ( كتبت إليكم أيها الشباب ( الأحداث ) لأنكم أقوياء ، وكلمة الله ثابتة فيكم 0 وقد غلبتم الشرير ) ( 1يو 2 : 14 ) هنا نوع آخر من القوة وهو أن تغلب الشرير ( أى الشيطان ) إذن القوى هو الذى يغلب الخطية ويغلبها لأن كلمة الله ثابتة فيه 0 لأن وصية الله ثابتة فى قلبه 0 أما الإنسان المغلوب من الخطية ، فلا نستطيع أن نقول عنه إنه قوى 0 توجد نقطة ضعف فيه ، يستطيع الشيطان أن يدخل منها ويهزمه الروح القوية تنتصر على الجسد ، وعلى المادة والشيطان مهما تعرضت لحروب روحية قوية ، تقاوم حتى الدم ( عب 12 : 14 ) وتجاهد وتطلب معونة من الله ، ولا تستلم مطلقا ، حتى تنتصر ، كما فعل يوسف الصديق ( تك 39 ) الروح القوية لا تسمح لنفسها أن تستعبد لعادة من العادات ولا تقبل أن تنهزم مهما كانت الحرب عنيفة ومهما كانت كان خداع الشيطان ، ومهما كانت حيله إنها أقوى من إغرائه ومن كل خدعه وحيله كذلك المغلوب من إحدى العادات ، هو إنسان ضعيف المغلوب مثلا من عادة التدخين ، أو من المسكرات ، أو الواقع تحت سلطان إدمان المخدرات ، ليس هو قويا ، لأنه ضعيف أمام كل هذه العادات 0 وهو أمامها لا يمكن أن يملكك السلطان على إرادته 0 بل العادة أو الإدمان لهما السلطان على إرادته وتصرفاته ، وقد يقودانه إلى الجريمة 0
قوة النفس :-
النفس القوية لا تقلق ، ولا تضطرب ، ولا تخاف ، ولا تنهار ، ولا تتردد إنها كالجنادل فى النهر ، تصدمها المياه والأمواج ، على مدى السنين والقرون ، وهى ثابتة فى مكانها 0 وكالجبال تصدمها الرياح والأمطار والسيول ، دون أن تتأثر هكذا الإنسان القوى فى نفسيته : يقول مع داود النبى ( إن يحاربنى جيش ، فلن يخاف قلبى ، وإن قام على قتال ، ففى ذلك أنا مطمئن ) ( مز 27 : 1 ) الإنسان القوى هو إنسان صامد ، أمام المشاكل العويصة ، وأمام التهديدات 0 هو قوى من الداخل ، مهما كان الضغط من الخارج أما الضعيف ، فإنه يتخيل مخاوف ، وينزعج بسببها وربما لا يكون لها وجود ! ولكنه بسبب خوفه الداخلى ، يتوقع أن تأتيه المتاعب فيتعب بدون سبب !
الإنسان القوى لا يضع أمامه احتمال الفشل أو الإنهزام 0 كما قال القديس بولس الرسول( إن الله لم يعطنا روح الفشل ، بل روح الفشل ، بل روح القوة ) ( 2تى 1 : 7 ) ( لذلك لا نفشل ) ( 2كو 4 : 16 ) مهما كانت المحاربات والمتاعب والضيقات كل هذه لا تدخل إلى القلب فتتعبه الإنسان القوى يتعامل مع الضيقات وهى خارجه أما الضعيف فيدخلها إلى قلبه وأعصابه فتتعبه هذه هى قوة النفس التى اتصف بها الناجحون فى حياتهم 0
الطالب الضعيف يدخل إلى الامتحان 0 فإن وجد سؤالا صعبا ، يعرق ويتصبب ويدوخ ، وينسى كل ما كان قد حفظه !! أما الطالب القوى فيفكر فى الحل ، ويبدأ بالسهل فيتقوى ، ويعود إلى الصعب ليحله فى الواقع إن المفهوم الحقيقى للقوة ، ينبغى أن يتركز على القوة الداخلية فقد يبدو البعض قويا من الخارج ، بينما هو ضائع تماما من الداخل 0 قد يسمع كلمة إهانة ، فيقول من الخارج ( الله يسامحك ) 000 بينما فى الداخل يتقد غضبا وحقدا 000 إن تحويل الخد الآخر ( مت 5 : 39 ) كما قال أحد القديسين – هو الخد الداخلى ، أعنى الأحتمال فى الداخل ، والمسامحة الداخلية ، ولوم النفس أيضا القوة الداخلية هى الانتصار على النفس من الداخل فليس القوى هو الذى ينتصر على الآخرين ، إنما هو الذى ينتصر على نفسه وكما قال أحد القديسين : إن القوة الغضبية قد وضعت فى الإنسان ، لا لكى يغضب على الآخرين ، إنما لكى يغضب على نفسه إذا أخطأ 0
وحسنا قيل فى المزمور ( كل مجد إبنة الملك من داخل ) ( مز 45 ) فإذا انتصرت على نفسك من الداخل ، يمكنك أن تنتصر على كل الأمور الخارجية 000 حينئذ يمكنك أن تغلب كل الأعداء الخارجيين 0 وصدق القديس يوحنا ذهبى الفم حينما قال ( لا يستطيع أحد أن يؤذى إنسانا ، ، ما لم يؤذ هذا الإنسان نفسه ) إذن من عناصر القوة ضبط النفس الذى يضبط لسانه هو إنسان قوى ، حسب شهادة القديس يعقوب الرسول ( يع 3 : 2 ) وما أكثر الأشخاص الذين نقطة الضعف فيهم هى أخطاء اللسان 0 ويدفعوا ثمن ذلك غاليا كذلك الإنسان القوى هو الذى يستطيع أن يضبط أفكاره 0 فلا تهزمه الأفكار وتسرح به حيثما تشاء ، وتوقعه فى خطايا كثيرة 0
والإنسان القوى هو الذى يضبط نفسه وقت الغضب 0 ويضبط نفسه وقت الصوم ، من جهة الطعام والشراب 0 ويضبط نفسه من جهة الوقت ، فلا يضيعه فى المتعة واللهو ، ويفشل فى مسئولياته
قوة الأعصاب
هناك لونان آخر من القوة ، هو قوة الأعصاب الإنسان الضعيف الأعصاب : أقل كلمة تثيره وتهيجه ، وتجعله يفقد هدوءه ، ويفقد سيطرته على نفسه ، ويخطئ فى تصرفاته وفى ألفاظه ، ويكون موضوع نقد من الآخرين لأن أعصابه ضعيفة لم تحتمل ، مهما كان قويا فى نواح أخرى حقا إن الأعصاب مسألة جسدية ، ولكن العامل النفسانى يؤثر عليها 0فالإنسان الواقع فى خطية الغضب ، تجد أن أعصابه تلتهب بسرعة ، كذلك الإنسان الواقع فى محبة الذات ، وفى الكرامة الشخصية : أقل كلمة تلمس كرامته ، أو يظن أنها تلمس كرامته ، تتعب أعصابه لا تستطيع أن تحتمل مسألة الأعصاب هى نقطة ضعف فيه لذلك قال الرسول : يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء ( رو 15 : 1 ) فالذى يعتدى على غيره هو الشخص الضعيف ، بينما الذى يحتمل القوى 0 هو الجبل الراسخ الذى تثيره أخطاء غيره ضده هذا الجبل مهما ألقى أحد عليه طوبا ، يبقى راسخا لا يتزعزع أما الذى يثور ويحاول أن ينتقم ويسئ إلى غيره ، هو إنسان مغلوب من ذاته ، وليس مغلوبا من غيره 0 أقل كلمة تتعبه وتفقده هدوءه وتتلف أعصابه أما القوى ، فهو قوى فى أعصابه ، وقوى فى احتماله إذن الذى يحتمل هو القوى 0 والذى يهين غيره هو الضعيف ليتك إذن تمتحن نفسك ، وترى ما هى ضعفاتك ، وتبذل كل جهدك فى الإنتصار عليها إن القوى ليس هو الشخص الذى ينتصر على غيره ، إنما هو الذى يستطيع إن ينتصر على نفسه 0 لأن البعض يظن أنه منتصر وقوى من الخارج 0 بينما هو فى داخله ضعيف ومهزوم ليس فقط يحتمل إساءات الناس ، إنما أيضا يحتمل الأحداث والمشاكل يحتمل المتاعب التى تتعب غيره 0 يحتمل الأمراض والضيقات والحوادث لقد كان السيد المسيح قويا فى احتماله 0 كان قويا فى احتماله التحدى وهو على الصليب ، وقولهم له ( إن كنت ابن الله انزل من على الصليب ) وهكذا نقول له فى القداس الإلهى ( احتملت ظلم الأشرار ) إن الاعتداء سهل 0 يمكن لأى إنسان ضعيف النفسية أو ضعيف الخلق أن يعتدى على غيره 0 أما القوى فهو الذى يحتمل فى الحياة الزوجية : إن كان الطرفان ضعيفين لا يحتملان ، قد يخرب البيت ! أما إذا كان أحدهما على الأقل قويا ، يمكنه أن يحتمل الطرف الآخر ، حينئذ يمكن أن يستمر السلام بينهما قد يوجد إنسان ضعيف ، لا يحتمل 0 ممكن أن خبرا معينا ينهار : يؤثر على أعصابه ، وعلى نفسيته ، على أفكاره 0 صحته لا تحتمل ، يرتفع ضغط دمه ، أو قلبه لا يحتمل 0 وربما يقع على الأرض لم تكن له القوة التى يحتمل بها ذلك الخبر !! ننتقل إلى نقطة أخرى :
قوة المحبة :-
يقول الكتاب ( المحبة قوية كالموت مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها ) ( نش 8 : 6 ، 7 ) المحبة قوية من الناحية الإيجابية ، فيما تقدمه من بذل وعطاء ، وتصل إلى بذل الذات من أجل من تحبه وهى قوية – من الناحية السلبية – فى احتمالها لأخطاء من تحبه ، مهما فعل ولذلك قال عنها الرسول ( المحبة لا تسقط أبدا ) ( 1كو 3 : 8 ) أما الإنسان الذى يفقد محبته لصديق أو حبيب ، بسبب كلمة قيلت أو تصرف مخطئ ، فقد تكون محبته ضعيفة المحبة استطاعت أن تصعد على الصليب ، لكى تخلص وتفدى المحبة القوية احتملت إنكار بطرس ، وشك توما ، وهروب التلاميذ وقت القبض على المعلم الصالح المحبة القوية يمكن أن تشمل الأعداء والمسيئين ، وتبارك لاعنيها ( مت 5 )
قوة الشخصية:-
من أبرز ما يميزها قوة العقل والفكر إنسان قوى فى ذكائه ، فى سرعة البديهة ، فى قوة الإقناع ، فى روعة الفهم والاستنتاج 0له قوة الأسلوب ، وقوة الذاكرة لذلك إذا دخل فى أى موضوع ، يسنده بالفكر القوى ، الذى يمكن أن يجذب الآخرين فيخضعون لمنطقه لا يسير وراء كل شائعة ، ولا وراء كل مذهب 0 بل يفكر ويفحص الأمور جيدا ، فى ذكاء ويتمسك بما هو أفضل وبذكائه وفهمه ، يكون ناجحا فى كل مسئولية تعهد إليه 0 ويقف قويا أمام المشكلة ، لا تهزمه ، بل يحلها ، أو يحتملها إلى أن تحل أما الذى ينهار أمام المشاكل ، فليس هو قويا الشخصية القوية التى لا تنقاد إلى مشورة خاطئة 0 هى التى تؤثر فى غيره ، دون أن تكون تحت تأثير الغير ، إلا مشورة الروحيين وليس معنى القوة فى الشخصية أن يكون الإنسان عنيدا صلب الرأى ، بل أن يكون قويا فى الخير 0 سهلا فى التفاهم ، ولكن ليس ألعوبة فى أيدى الغير هناك أشخاص لهم القوة التى تؤثر فى الغير 0 وهؤلاء هم الذين يصلحون للخدمة وللقيادة 0 بعكس الإنسان الضعيف فى تفكيره ، فإنه مهما كان قويا فى جسده ، أو عظيما فى مركزه ، يمكن أن يقوده شخص آخر إلى جواره ، يكون أذكى منه وأعمق فكرا قد تحدث مشكلة لإنسان ، ويرفض كل نصيحة ، ومهما قيل له لا يقتنع إلى أن يحدثه شخص آخر ، فيؤثر عليه 0 ويستمع لنصيحته 0 كلماته قوية وفعالة ، ولها تأثيرها ، ولا ترجع فارغة قوة التأثير هذه تنفع فى الإرشاد الروحى وخدمة الكلمة وجذب الآخرين بل تنفع أيضا فى محيط الصداقة ، وفى مجال العمل الإجتماعى ، ولكل من يتولى إرادة وقيادة 0 وتنفع أيضا الكاتب والصحفى 0 إذ تكون للشخصية قوة وجاذبية وتأثير هناك إنسان آخر قوى فى خدمته وكرازته له قوة الكلمة ، وقوة التأثير على الغير ، ويستطيع أن يجذب النفوس إلى الله وكلمته لا ترجع فارغة ( أش 55 : 11 ) بل باستمرار تأتى بثمر 0 من أمثلة هذا النوع ، كان القديس بولس الرسول ، ومارمرقس ، والقديس أثناسيوس الرسولى الذى وقف ضد الأريوسيين ، ونشر الإيمان السليم وكذلك كل أب كاهن روحى عميق فى تأثيره الروحى ، وكل واعظ وخادم ناجح فى خدمته ونريد أن نقول إن الوداعة لا تتعارض مع القوة فقد كان السيد المسيح قويا ووديعا فى نفس الوقت كان ( لا يخاصم ولا يصيح ) وفى نفس الوقت كانت له قوة الإقناع وقوة الشخصية 0 وكان يفحم مقاوميه فى كل حوار 0
قوة الإرادة:-
من مظاهر القوة أن تكونت للشخص قوة إرادة ، قوة عزيمة 0 يستطيع إن أراد ، أن ينفذ 000 فإذا دخل فى تدريب مثلا : يمكنه إذ بدأ ، أن يستمر وينفذ 0 أمال الإنسان الضعيف ، فقد يريد ولا يستطيع 0 وقد يبدأ ولا يستمر 0
ومن مظاهر الإرادة ، ضبط النفس فالإنسان القوى يمكنه أن يضبط نفسه ، سواء فى وقت الغضب ، أو رغبة الأنتقام كذلك يضبط نفسه أما الشهوة ، وعندما يحارب بأية خطية القوى يمكنه أن يضبط لسانه ، وأن يضبط حواسه ، ويضبط فكره إن كان مريضا بالسكر مثلا ، يمكنه أن يضبط نفسه من جهة الأطعمة الممنوعة وهنا أقول : إن الإنسان الذى لا يستطيع أن يضبط عن الطعام – فى مرض أو صوم – كيف يمكنه أن يضبط نفسه أمام أية شهوة أو أية خطية ؟! هناك إنسان قد يكون ضعيفا أمام إغراء معين أمام إغراء وظيفى ، أو إغراء مالى ، أو إغراء شهوانى لا يستطيع أن يحتمل 0يغلبه ضعفه ، أو تغلبه شهوته ، فيسقط وقد يرتد !!آخرون يضعفون أمام المجد الباطل ، أمام كلمات المديح والإطراء أما الشهداء والمعترفون فكانوا فى منتهى القوة أمام كل الإغراءات0
قوتا الصلاة والإيمان:-
نوع آخر من القوة ، هو قوة الصلاة الصلاة القوية فى إيمانها ، وفى حرارتها ، وفى انسحاقها وفى روحياتها ، التى يمكن أن تصعد إلى السماء وتأتى بالاستجابة كثيرون يشعرون بقوة الشخص الذى له مثل هذه الصلاة ، ويلجأون إليه فى مشاكلهم لكى يحلها الله لهم على يديه صلاة الآباء الرسل كانت قوية جدا ، لدرجة أنه قيل عنهم ( ولما وصلوا ، تزعزع المكان الذى كانوا مجتمعين فيه ، وامتلأ الجميع من الروح القدس ) (أع 4 : 31 ) إنها الصلاة القوية التى تصعد إلى فوق ، وتستطيع أن تدخل إلى عرش الله ، وتأخذ منه ما تريد أترى هل لك مثل هذه الصلاة ، التى قد يلجأ إليها الآخرون 000 يمكنك أن تقرأ عن مثل هذه الصلاة فى سير القديسين ، الذين ائتمنوا على مخازن الله ، فكانوا يأخذون منها بصلواتهم ويمنحون الناس الصلاة القوية ، صلاة حارة ، مملوءة بالإيمان إن الإيمان القوى يمنح الصلاة قوة وقوة الصلاة مع قوة الإيمان ، تعملان معا بقوة الإيمان مشى بطرس على الماء 0 ولما ضعف إيمانه بدأ يغرق 0 فأنقذه الرب ووبخه قائلا ( يا قليل الإيمان ، لماذا شككت ؟ ) ( مت 14 : 31 ) الإيمان القوى يستطيع أن يصنع المعجزات 0 يكفى قول الكتاب ( كل شئ مستطاع للمؤمن ) ( مر 9 : 23 ) أليشع ذهب مع المرأة الشونمية ، وهو واثق أنه سيقيم ابنها ( 2مل 4 : 35 ) وهكذا فعل إيليا مع أرملة صرفة صيدا وأقام ابنها ( 1مل 17 : 22 ) الإيمان القوى يؤمن أن الرب سيأتى ، ولو فى الهزيع الرابع من الليل 0 ولابد سيعمل عملا إنه يؤمن أن لعازر سيقوم ، ولو بعد أربعة أيام من دفنه إنه إيمان لا يتزعزع مهما ( تأخر ) الله عليه ، أو خيل إليه أن صلواته لم تستجب 0 إيمان لا يشك فى محبة الله ، معهما أحاطت به الضيقات واستمرت ، ومهما ( على ظهره جلده الخطاة وأطالوا إثمهم ) ( مز 129 ) قوة الإيمان ليست فقط من جهة الثقة بعمل الله بل تظهر قوة الإيمان فى مواجهة الهراطقة مثل قوة إيمان القديس أثناسيوس الذى وقف ضد أفكار الأريوسيين ، وكل ما قدموه من شكوك 0 ولكن الإيمان الذى كان فى قلبه ، كان أقوى من كل شكوكهم بعكس الإيمان الضعيف الذى يصمد أمام الشك ، ولا يصمد أمام البدع والهرطقات 0
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
عن كتاب عشرة مفاهيم
المزيد