المقالات
31 ديسمبر 2021
اتركها هذه السنة ايضا
فحص الذات ...
وتجرى الأيام ويعبر العام بما فيه من أحداث جسام من حولنا ونتأثر بها وتؤثر فى حياتنا بلا شك لكن الانسان المؤمن يثق فى الله الذى يقود سفينة حياتنا ويجعل كل الاشياء تحدث من أجل خيرنا ولمنفعتنا الروحية { ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده} (رو 8 : 28). الانسان الذى يبنى بيته على صخرة الإيمان الواثق لا يتزعزع حتى مع شدة الرياح او العواصف { فكل من يسمع اقوالي هذه ويعمل بها اشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لانه كان مؤسسا على الصخر} مت 24:7-25وكما ان كل مؤسسة ناجحة تعمل حساب ختامى لنهاية العام تبين فيها مدى ربحها أو خسارتها وما هى مواضع القوة والضعف فيها هكذا نحن أيضا نحتاج لوقفة صادقة مع النفس لنعالج عوامل الخلل ونقوى الحلقات الضعيفة ونستثمر مواطن القوة فى شخصيتنا وحياتنا ونتميز ونتفوق فيها. ميزان الحق والصدق مع الرحمة ... نفحص ذواتنا بروح الصلاة وبالتواضع ونتجنب الكبرياء كمن يتجنب النوباء ، نحاسب انفسنا بدون محاباة وبصدق وحق فلا يعرف الانسان الا روح الانسان الساكن فيه الذى ، وفى نور الانجيل وعمل الروح القدس وايضا فى ضوء مراحم الرب الذى صبر علينا هذا العام ززهبنا نعمة البقاء والحياة لنأتى بثمر ويدوم ثمرنا { وقال هذا المثل كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه فاتى يطلب فيها ثمرا ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاثة سنين اتي اطلب ثمرا في هذه التينة ولم اجد اقطعها لماذا تبطل الارض ايضا. فاجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة ايضا حتى انقب حولها واضع زبلا .فان صنعت ثمرا والا ففيما بعد تقطعها} لو 6:13-9. نجلس مع ذواتنا ونحاسبها أو نعتبها او حتى نعاقبها ونعرف فيما اخطانا او تاجرنا وربحنا فى علاقتنا بانفسنا وبالله وبالاخرين من حولنا ونصلى ونعمل مع الله طالبين عمل نعمته معنا فى كل أيام غربتنا على الارض لننجح فى طرقنا ونعمل من أجل خلاص نفوسنا ومن معنا . فلا أحد معصوم من الأخطاء أو كامل ومنزه عن العيوب والضعفات ولكى نتقدم الى الامام فى بناء شخصيتنا الروحية الناجحة يجب ان نتصالح مع انفسنا ونقبلها كما هى فيما لا نستطيع تغييره من سمات ولكن فى مجال السلوك أو العلاقات فانه فى مقدورنا ان نتصالح بروح الود والاعتراف بالخطاء لمن أخطانا اليه ثم نصنع خيرا وبرا مع من حولنا . لا يجب ان نكتفى فقط ان لا نؤذى انفسنا أو الغير بل يجب ان نحب الناس ونحسن اليهم ونتفانى فى مساعدتهم قدر طاقتنا { لا تمنع الخير عن اهله حين يكون في طاقة يدك ان تفعله }(ام 3 : 27). كما يجب ان نقبل الاخرين بضعفاتهم ونقائصهم وبالمحبة والصبر يأتى التغيير الذى فى استطاعتهم ايضا { لذلك اقبلوا بعضكم بعضا كما ان المسيح ايضا قبلنا لمجد الله }(رو 15 : 7).
أعداد النفس للأثمار ... اذ طلب صاحب الحقل من الكرام ان يقطع الشجرة غير المثمرة من الارض لانها لم تصنع ثمراً على مدى عدة سنوات فطلب الكرام ان يصبر عليها سنة أخرى لتثمر ثمراً جيداً وفى سبيل ذلك فان الكرام سيقوم بكل ما هو ضرورى لكى تثمر بان ينقب حولها وينظف الارض من الاحجار وينزع من حولها الحشائش الضارة ويسمد الارض ويتعهدها بالرى والرعاية .
نحن نشكر الله على محبته وصبره وطول اناته علينا وفى ذات الوقت يجب ان ننقب ونفحص ذواتنا ونتوب ونعترف بخطايانا ونطلب المغفرة من الله ونقوم من الكسل الروحى ونشمر على سواعد الجهاد ،علينا ان نهتم بخلاص أنفسنا { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه} (مت 16 : 26). يجب ان نبتعد عن كل ما هو ضار بالروح والنفس والجسد ونتخلص من العادات الضارة وننتصر على الرغبات والشهوات والخطايا ولا ندع شئ أو أحد يفصلنا عن محبة الله .
نتعهد شجرة حياتنا بالرعاية ... وحتى ما تثمر شجرة حياتنا يجب ان نتعهدها بالرعاية اللازمة ونحميها حتى من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم التى هى الخطايا الصغيرة لكى لا تتأصل فى النفس ،ونرويها بمياة نقيه التى هى محبة الله والخير والغير ونغذيها باسمدة الخلاص والتقوى ووسائط النعمة . علينا ان لا ننام وقت الزرع والرعايته حتى ما نجنى الثمار فى أوان الحصاد وعندما يحين الميعاد نسمع من رب العباد { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21) استثمار الوقت وتنظيمه اذاً عامل هام فى حياة كل انسان منا فلا يجب ان نهدر أوقاتنا فيما لا يبنى أو لا يفيد فان الوقت من ذهب ان لم تستثمره ذهب ولم يعد . وما لا ينبغى ان تعمله فلا تفكر فيه ولا تتذكره وعاتب نفسك على أخطائها خير لك من ان تعاتب غيرك مبتعدا عن نظر وسماع ما لا يفيد لكى ما تتخلص من فعل ما هو ضار لهذا يوصينا الإنجيل ان نكون حكماء { لذلك يقول استيقظ ايها النائم وقم من الاموات فيضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لان الايام شريرة. من اجل ذلك لا تكونوا اغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب} أف 14:5-17.
علينا ان نستيقظ اذا من نوم الغفله وننسئ ما هو وراء ونمتد الى ماهو قدام .
وفى مجال علاقتنا بالله .. يجب ان ننمو فى محبته ونعطيه قلوبنا بكل ثقة ورجاء{ ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك} (تث 10 : 12) .نخصص الوقت المناسب للصلاة بل تكون حياتنا كلها عشرة محبة وصداقة فيها نسير مع الله ونصلى اليه بالروح والحق ، نصلى اليه ان يقوى ايماننا به ويذيد محبتنا ورجائنا فيه ونطيعه ونعمل على السير تبعاً لارشاده طالبين خلاص انفسنا واهلنا وكنيستنا وبلادنا نخصص وقتا للقراءة فى الإنجيل والكتب الروحية لننمو فى المعرفة والمحبة والعشرة بالله فالقراءة الجيدة ينبوع للصلاة النقية وتنقى الفكر وتبعد عنه العثرات .ونلتصق بالكنيسة ونشارك فى صلواتها واجتماعاتها وتكون امنا روحية لنا . ويكون لنا صداقة روحية بالملائكة والقديسين ورجال الله الاتقياء واصدقاء روحيين ننموا نحن واهل بيتنا فى روح التلمذة للكتاب المقدس والله والكنيسة .
علاقتنا بالاخرين.. كلما كنا ناجحين فى علاقتنا بالله طائعين لوصاياه فان ذلك يدفعنا الى محبته وخدمة الناس على كل المستويات . فان الوصية تعلمنا ان المحبة لا تتجزء بل تتكامل ومحبة الله تكتمل بمحبة القريب { يا معلم اية وصية هي العظمى في الناموس. فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء} مت 36:22-40. علينا ان ننمى علاقتنا ونبادر الى صنع الخير مع اهل بيتنا ومن حولنا فى العمل والسكن وحتى نصل بمحبتنا للاعداء والبعيدين فلعاز البلايا يحتاج منا الى البسمة والكلمة الطيبة ومد يد العون فى مجتمع يعج بالفقراء والمحزونين والمساكين والضالين والمحرومين وهذا هو مقياس الدخول للسماء { ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم. لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني. عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك. ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك. ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك. فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم} مت 34:25-40ان مقياس كمال المحبة هو محبة الاعداء كما قال لنا السيد المسيح { سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت 43:5-48.
أما صفات هذه المحبة كثمرة رئيسية فى حياة المؤمنين فقد ذكرها لنا القديس بولس الرسول قائلاً { المحبة تتانى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق . وتحتمل كل شيء و تصدق كل شيء و رجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابدا } 1كو 4:13-8.
بسبب كثرة الاثم فى المجتمع من حولنا نجد الكراهية ونتائجها المرة تنتشر كما قال لنا المخلص الصالح { ولكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين (مت 24 : 12). فدعونا نعمل بقلوب صادقة فى العام القادم ان نطفأ الكراهية بالمحبة والصلاة وصنع الخير ، وبدلا من ان نلعن الظلام فاننا نضئ شموع المحبة الصادقة والتعاون المثمر مع الكل ونقدم المحبة للجميع لاسيما للذين أظلمت حياتهم واختفت منها المحبة { ونحن قد عرفنا و صدقنا المحبة التي لله فينا الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه }(1يو 4 : 16).ان الحصاد كثير والفعلة قليلون وكل واحد منا مدعو للعمل الروحى كسفير للسماء ونورا فى العالم وملحاُ يعطى مذاقة روحية فى مجتمعه . فهل نلب النداء الالهى ونثمر ونقوم برسالتنا وتكون هذه السنة سنة عطاء ونجاح فحياتنا ستنتهى ولكن ليتها تنتهى من أجل عمل صالح وللخير والصالح ولحياة ابدية .
دعوة لضبط وقوة النفس... ان الكتاب يوصينا ان نحب قريبنا كنفوسنا . فاعلى مقياس لمحبة للقريب هى ان تحبه كنفسك ولكن يجب ان نحب ذواتنا محبة روحية تخلصها وتنميها وتربطها بفاديها . نهتم باجسادنا كوزنة من الله فلا نهمله او ندمره فى عيش مسرف فما أقسى اضرار التدخين والشهوات ، التى يأذى بها الكثيرين انفسهم . الانسان القوى هو الذى ينتصر على عاداته الخاطئة ويقوى ارادته وعزيمته بلا تردد او خنوع أو خضوع للضعف او الخوف لنعمل على ضبط فكرنا والسنتنا ووزن كل كلمة قبل ان تخرج من السنتنا . ونغذى فكرنا بما هو مفيد وقلبنا بمحبة الله محبة والغيرننمى ارواحنا ونقويها بوسائط الخلاص ونطلب من روح الله ان يقودنا ويهدينا وعندما نعمل على ان نأتى بثمر فان الله ينقينا لنأتى بثمر أكثر { كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه و كل ما ياتي بثمر ينقيه لياتي بثمر اكثر }(يو 15 : 2) نصلى ونعمل ليدوم ثمرنا ويبارك الله حياتنا واهلنا وبيوتنا وكنيستنا وشعبها وبلادنا ومن فيها ، أمين
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
25 ديسمبر 2021
فكرة روحية لكل يوم - زيارة القديسة مريم لاليصابات
عندما نقرأ ما جاء فى بشارة القديس لوقا الأنجيلي ما كتبه بالروح القدس عن زيارة القديسة مريم العذراء لاليصابات، نتأمل كيف تكون لقاءات القديسات مملؤة إيمان وسلام وفرح وتسبيح وشكر لله.
1- تقويه الإيمان... عندما أعلن رئيس الملائكة غبريال بشري الميلاد للقديسة مريم وقبلتها وحل الأبن الكلمة وأخذ منها جسداً، أعلن لها أن اليصابات قريبتها المتقدمة فى الأيام هي ايضا حبلي بيوحنا فى الشهر السادس وهي فى شيخوختها، لأنه ليس شئ غير مستطاع لدي الله. قامت القديسة مريم مسرعة تحمل مسيحيها ومخلصها وأبنها وبشري الخلاص وذهبت من الناصرة الي " عين كارم" غربي القدس قاطعة ما يقرب من مائة وستين كيلومتر، وعندما تقابلت مع اليصابات وسلمت عليها أمتلات اليصابات من الروح القدس وسبحت وباركت الله وأعلنت إيمانها بامومة العذراء للكلمة المتجسد " وقالت من أين لي هذا أن تأتي أم ربي اليّ" بل أن يوحنا المعمدان أرتكض فرحا بقدوم العذراء وأبنها الحبيب جنين فى بطنها. وأعطت اليصابات الطوبي للعذراء التي أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب. هذا ما جاء فى الكتاب المقدس { فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا،وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ،وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي،لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي،لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ،وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ،وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ.} ( لو 39:1-49). لقد أسرعت القديسة مريم وهى تحمل رسالة الخلاص وذهبت فى تواضع قلب تخدم اليصابات وتقوي إيمانها وتهبها سلام الله وتفرح معها باعلان قدوم يوحنا المعمدان كجنين فى بطن أمه، فما أحلي وأطيب أن نجتمع معا نفرح مع الفرحين ونحزن مع الحزاني، ونعطي الشكر لله العامل فينا ومعنا من أجل مجد أسمه القدوس علينا أن نعي دورنا فى نشر وتقوية الإيمان، نحن نحمل نور المسيح الي العالم المتعب، وعلينا أن نكون موصل جيد للنور وبقدر أقترابنا من نور المسيح فاننا ننير ونحمل بشري الخلاص لجميع الناس لاسيما فى لقائتنا الأسرية والأجتماعية وفى كل مكان نحل فيه، فلا يمكن أن تخفي مدينة كائنة علي جبل ولا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال، بل يضعونه على المنارة ليضئ لكل من فى البيت، فليضئ نوركم أمام الناس ليروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات.
بشرى السلام والفرح .. ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام { ما اجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك الهك} (اش 52 : 7). هكذا علمنا ملك السلام أن نحمل بشرى السلام لكل بيت نذهب فيه { واي بيت دخلتموه فقولوا اولا سلام لهذا البيت. فان كان هناك ابن السلام يحل سلامكم عليه و الا فيرجع اليكم.} (لو 5:10-11). لقد حملت العذراء مريم ملك السلام ومعطيه فكان سلامها من القلب ودخل الي قلب اليصابات واحشائها ففرح يوحنا وأرتكض فى بطن أمه وأمتلأت اليصابات بالروح القدس، وسبحت الله فرحه بعمله الخلاصي ورحمته.
أننا نتعلم من لقاءات القديسين كيف نقوي إيمان بعضنا البعض ونهب السلام والفرح لمن حولنا. فما أحوجنا فى عالم اليوم الي من يحمل لنا الأخبار السارة ويطمئننا في ثقة بعمل الله العجيب في مختلف الظروف والأحداث. علينا أن لا نعاتب فى خصام ولا ننشر المذمة والأنقسام بل نكون دعاة وحدة ووئام. فمسيحنا ملك السلام يقول لنا {طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون} (مت 5 : 9). أن أبناء الله وبناته عليهم أن يحملوا بشري السلام والفرح لكل أحد { فلنعكف اذا على ما هو للسلام و ما هو للبنيان بعضنا لبعض }(رو 14 : 19). فلا تخافوا مهما تعقدت الأمور فلها عند الله حلول كثيرة، وثقوا في المسيح الغالب وتمسكوا بوعده الصادق{ فان الجبال تزول و الاكام تتزعزع اما احساني فلا يزول عنك وعهد سلامي لا يتزعزع قال راحمك الرب} (اش 54 : 10). {وليملاكم اله الرجاء كل سرور وسلام في الايمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس }(رو 15 : 13).
الشكر لله علي خلاصه ... قام أحد الأطباء بعمليه تغيير قلب لمريض فى حالة مئيوس منها وتعافى الرجل وكتب يشكر الطبيب الشهير ويمتدحه ويقول له أنه سيظل مديون له بالشكر ما بقي علي قيد الحياة. ونحن كم يا أحبائي مديونين بتقديم الشكر والتسبيح لمن مات وبذل ذاته عنا ونحن خطاه وببرنا ووهبنا الحياة الأبدية السعيدة. هكذا سبحت القديسة مريم العذراء الله شاكرة خلاص الله العظيم وقدمت له المجد والتعظيم لانه نظر الي تواضع أمته وتجسد منها ووهبنا الخلاص. لقد أعترفت بقداسة الله ورحمته وأستحقت التطويب من المؤمنين فى كل الأجيال فهي بالحقيقة أرفع من الشاروبيم وأجل قدراً من السيرافيم فقد صارت سماء ثانية ووالدة الله المتجسد ، ومع القديسة مريم نعظم من تواضع وجاء وخلاصنا ووهبنا الخلاص ونقدم الشكر والتسبيح لله ومع الغالبين نسبح { قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح ان ياخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة} (رؤ 5 : 12)، أمين.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
21 ديسمبر 2021
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح(33) حياة الكمال المسيحى
{كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم السماوي كامل } (متى 5: 48).
مفهوم الكمال المسيحى وأهميته ودرجاته...
الله يدعونا إلى حياة الكمال...
إن الله يدعونا الى الكمال ويريد منا ان نتشبه به في كماله {كونوا أنتم كاملين ، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل} (مت5: 48).فالله كامل لاعيب فيه وجميع سبله عدل وامانه ولا يوجد فيه ظلم أو ظلمة البته {هو الصخر الكامل صنيعه ان جميع سبله عدلاله امانة لا جور فيه صديق وعادل هو} (تث 32 : 4) وبالتاكيد فان الله الرحوم لنيطلب منا شئ مستحيل علينا ان نقوم به. فماذا يقصد رب المجد من هذه الدعوة الروحية العالية المستوى عن الجنس البشري الضعيف بطبيعته بعد السقوط. وما هو هذا الكمال؟ وكيف يصل الإنسان إليه؟
لقد كلم الله قديما ابو الاباء ابراهيم ودعاه لحياة الكمال {ظهر الرب لابرام وقال له انا الله القدير سر امامي وكن كاملا } (تك 17 : 1) كما شهد الكتاب قديما لنوح البار بانه كان كاملا فى جيله { كان نوح رجلا بارا كاملا في اجياله وسار نوح مع الله} (تك 6 :9).لقد راينا فى حياة ابينا ابراهيم كيف اطاع الله وذهب من بين ارضه وعشيرته واهله وهو لا يعلم الى اين يذهب، وعاش متغرباً على الارض بين الخيمة ومذبح الصلاة، بل وقدم ابنه وحيده على مذبح الحب الإلهى والطاعة لله فى إيمان بان الله قادر ان يقيمه من بين الاموات ، وفى تجرد من الماديات رفض ان ياخذ شئ من الممتلكات التى استردها من سالبيها وردها لاصحابها بعد معركة كسرة كدر لعومر{ وقال ملك سدوم لابرام اعطنى النفوس واما الاملاك فخذها لنفسك. فقال ابرام لملك سدوم رفعت يدي الى الرب الاله العلي مالك السماء والارض. لا اخذن لا خيطا ولا شراك نعل ولا من كل ما هو لك فلا تقول انا اغنيت ابرام} تك 21:14-23. من أجل هذا استحق ان يكون بركة { فاجعلك امة عظيمة واباركك واعظم اسمك وتكونبركة} (تك 12 : 2). وان يكون الله ترس وحمايةً له { بعد هذه الامور صار كلام الربالى ابرام في الرؤيا قائلا لا تخف يا ابرام انا ترس لك اجرك كثير جدا} تك 15:1.هكذا عاش نوح حياة الايمان عندما امره الله ببناء فلك وسط اليابسة وانتظر الكثيرمن السنين لياتى الله بالطوفان ويغرق الذين استهزأو به ونجا هو واهل بيته من اجل طاعته وإيمانه بصدق مواعيد الله .
الكمال المطلق والنسبي ... الكمال المطلق هو لله وحده، ولا يمكن أن يصل إليه إنسان، لأننا كلنا فى الموازين إلي فوق اى ناقصين أما الكمال الذى نصل اليه فهو الكمال الممكن والنسبى على قدر طاقتنا وعمل نعمة الله فينا وسعينا فى الجهاد الروحى وقدراتنا البشرية وامكانيتنا . ولقد ذكر لنا الكتاب أناس وصفهم بالكمال رغم اننا نعلم ان لهم ضعفات فى حياتهم ، لكن الله كان ينظر ايضا الى توبتهم ونموهم والى ما وصلوا اليه فى نهاية رحلة غربتهم على الارض ولا شك ايضا اننا سننمو فى الابدية وباتحادنا بالله الحى الكامل لنصل الى الكمال المطلوب منا. لقد شهد الله عن أيوب البار بانه كامل { كان رجل في ارض عوص اسمه ايوب وكان هذا الرجل كاملا ومستقيما يتقي الله ويحيد عن الشر} (اي 1 : 1).واستحق ان يدافع الرب عنه أمام حروب الشيطان{ فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدي ايوب لانه ليس مثله في الارض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر} (اي 1 :8). ومع أنه كانت له بعض الضعفات ولكن الله يحكم علي كل إنسان بالنسبة إلي إمكانياته وإلي عصره ومستواه وإلي عمل الروح القدس معه. وقد يكون الكمال صفة نصل اليها بالوصول الى تنفيذ وصية معينة، كما فى مثال الشاب الغنى فان كمال الترك وتنفيذ الوصايا ان نعطى ما لنا للفقراء ونتبع السيد المسيح {إن أردت أن تكون كاملاً، اذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء} (مت 21:19).
وواجبنا أن نسعى إلي الكمال، وليس لنا أن نقول إننا وصلنا إليه، فالكمال درجات كلما يصل الإنسان إلي واحدة منها، يجد كمالاً آخر أعلي وأبعد فى انتظاره ويكون كمن يطارد الأفق أو السراب .ان القديس بولس الرسول كمثال وهو الذي صعد إلي السماء الثالثة، والذي تعب أكثر منجميع الرسل، نجده يقول {لست أحسب إني قد أدركت أو قد صرت كاملاً، ولكن أسعى لعلي أدرك. افعل شيئاً واحداً، أنسى ما هو وراء، وأمتد إلي ما هو قدام} (في 15,12:3)فإن كان القديس بولس العظيم لا يحسب انه قد صار كاملاً، إنما يسعى لعله يدرك، فماذا نقول نحن؟ ومع ذلك فإن بولس يقول بعد ذلك مباشرة {فليفتكر هذا جميع الكاملين منا} أي جميع من يحسبون أنهم قد صاروا كاملين، أو جميع الذين يحسبهم الناس أنهم كاملين. إن طالباً في الابتدائي قد يأخذ الدرجة النهائية في الرياضيات فيقولون أنه كامل بالنسبة إلي هذا المستوي، وقد لايفقه شيئاً في المستوي الأعلى. وهكذا قد يرتقي من مستوي الكمال في الابتدائية إليمستوي الكمال في الإعدادية، ثم في الثانوية ثم في الجامعة. وكله كمال نسبي، ومعذلك لا يحسب أنه قد صار كاملاً في الرياضيات فهناك مستويات ما تزال أعلي منه.إن الله يدعونا للنمو الروحي المستمر، باستخدام كل وسائط النعمة لكي يصل المؤمن إلى {قياس (مستوى) قامة ملء المسيح} (أف4: 13). وليس هذا الوضع الروحي المرتفع إلاَ بعمل النعمة في النفس المجاهدة، كمال وصلت إليه قامات روحية رفيعة، مثل القديس الأنبا أنطونيوس والأنبا مكاريوس الكبير والأنبا باخوميوس والقديس أثناسيوس الرسولى وليس هؤلاء فقط بل فى كل جيل راينا أناس متزوجين وبتوليين وصلوا الى قامات روحيه عاليه بأمانتهم واستجابتهم لعمل الروح القدس . انالله لا يريد لنا ان نحيا فى الخطية بل ان نتوب ونقلع عنها ولا نعود اليها ثم ننموفى معرفته لنصل الى المحبة الكاملة وننمو الى ان نصل الى القداسة والكمال وقال لنا{عيناي على امناء الارض لكي اجلسهم معي، السالك طريقا كاملا هو يخدمني} (مز 101 :6) {طوبى للكاملين طريقا السالكين في شريعة الرب}(مز 119 : 1). ان الله يدعونا ويحثنا الى السير فى طريق الكمال فى خدمته ونسلك فى وصاياه مشجعا ايانا على النمو المستمر. وكمثال للسعى الى الكمال فقد أشتهر احد المهندسين المعماريين فى أمريكا ببراعته ونظرياته الرائعة فى التصميم وعندما ساله احد المعجبين بعلمه : أية بناية تعتبرها رائعتك الفنية؟ أجاب اود ان تكون البناية القادمة انشالله ! فرد عليه أحد مساعديه ، ولكنك تقول دائما "البناية القادمة" فمتى فرغنا منها لا تعود تهتم وتعكف على التخطيط لغيرها! قال له لانى عندما اراها فانى اكتشف ان هناك ما هوأفضل وأحسن وأكمل فى فكرى فلا يعود الحسن يعجبنى !. فان كان ذلك يحدث فى مجالا لهندسة المعمارية فان النفوس الفاضلة تسعى الى الوصول الى الكمال وتنظر دائما الى الأفضل وتحتفظ بثباتها وتواضعها فى تقدمها .
المحبة رباط الكمال ... يمكن أن يصل المؤمن إلىالكمال النسبي بالنمو في الفضائل وعمل الخير والخدمة، مبتدئاً بالنمو في المحبة الباذلة { وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال }(كو 3 : 14).الله محبة ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه. ان بنائنا الروحى يجب ان يقوم على المحبة التى شبهها الاباء القديسين مع التواضع بانهاء المادة الاساسية التى تربط البناء الروحى كله متماسك معا كالمؤنه بالنسبة للحائط تجعله متماسك وحدة واحده ولقد اكد السيد المسيح على أهمية المحبة لانها لب وجوهر كلام الناموس والانبياء { وساله واحد منهم وهو ناموسي ليجربه قائلا. يا معلم اية وصية هي العظمى في الناموس. فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء} مت 35:22-40.اننا بالتقدّم في الفضيلة نتشبّه بالله، حيث يمنحنا الرب نعمة المحبة كثمرة من ثمار الروح القدس لنحب اعدائنا ككمال لوصية المحبة {سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت43:5-48.
لم تأمر الشريعة ببغض العدوّ كوصيّة يلتزم بها المؤمن، في كسرها كسرللناموس وإنما كان ذلك سماحًا أُعطى لهم من أجل قسوة قلوبهم. لقد ألزمت بحب القريب وسمحت بمقابلة العداوة بعداوة مساوية، لكي تمهد لطريقٍ أكمل، أن يحب الإنسان قريبه على مستوى عام، أي كل بشر. يظهر ذلك بوضوح من الشريعة نفسها التي قدّمت نصيبًا منمحبّة الأعداء ولو بنصيب قليل، فقيل {إذا رأيت حمار مبغضك واقعًا تحت حمله وعدلتعن حلّه فلابد أن تحلّ معه} (خر 23: 5). وقيل أيضًا {لا تكره أدوميًا لأنه أخوك،ولا تكره مصريًا لأنك كنت نزيلاً في أرضه} (تث 23: 7). مع ان الادوميين والمصريين كانوا بمثابة أعداء لهم . لقد طالب السيّد المسيح المؤمنين أن يصعدوا بروحه القدّوس على سلّم الحب فيحبّون حتى الأعداء، ويحسنون إلى المبغضين لهم، ويصلّون لأجل المسيئين إليهم.وبهذا يحملون مثال أبيهم السماوي وشبهه. ويرى القدّيس يوحنا الذهبي الفم أن السيّد المسيح قد جاء ليرفعنا إلى كمال الحب، الذي في نظره يبلغ الدرجة التاسعة، مقدّمًا لنا هذه الدرجات هكذا .
الدرجة الأولى: ألا يبدأ الإنسان بظلم أخيه.
الدرجة الثانية: إذا أصيب الإنسان بظلم فلا يثأر لنفسه بظلم أشد، وإنما يكتفي بمقابلة العين بالعين والسن بالسن (المستوى الناموسى الموسوي).
الدرجة الثالثة: ألا يقابل الإنسان من يسيء إليه بشريماثله، إنّما يقابله بروح هادئ.
الدرجة الرابعة: يتخلّى الإنسان عن ذاته، فيكون مستعدًا لاحتمال الألم الذي أصابه ظلمًا وعدوانًا.
الدرجة الخامسة: في هذه المرحلة ليس فقط يحتمل الألم، وإنما يكون مستعدًا في الداخل أن يقبل الآلام أكثر مما يودّ الظالم أن يفعل به،فإن اغتصب ثوبه يترك له الرداء، وإن سخّره ميلاً يسير معه ميلين.
الدرجة السادسة: أنه يحتمل الظلم الأكثر ممّا يودّه الظالم دون أن يحمل في داخله كراهيّة نحو العالم.
الدرجة السابعة: لا يقف الأمر عند عدم الكراهيّة وإنما يمتد إلى الحب. "أحبّوا أعداءكم".
الدرجة الثامنة: يتحوّل الحب للأعداء إلى عمل، وذلك بصنع الخير "أحسنوا إلى مبغضيكم"، فنقابل الشرّ بعمل خير.
الدرجة التاسعة والأخيرة: يصلّي المؤمن من أجل المسيئين إليه وطارديه.
هكذا إذ يبلغ الإنسان إلى هذه الدرجة، يقدّم عن الكراهية والعداوة عوضها حبًا عمليًا ويقف كأب مترفّق بكل البشريّة، يصلّي عن الجميع طالبًا الصفح عن أعدائه والمسيئين إليه وطارديه، يكون متشبِّهًا بالله نفسه أب البشريّة كلها. وقد أخبرنا القديس بطرس المختبر، أن الله قادر {أن يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم (1بط5: 10). فهلنثق في وعد الله في أنه يسندنا في سيرنا في طريق الكمال الروحي؟ . اننا اذ نسيرعلى خطى يسوع المسيح المحب فاننا نختبر قول الرب {إن قوتي في الضعف تكمل} (2كو12:9). ان هذه المحبة العملية للاعداء ظهرت على الصليب عندما طلب الحبيب من الآب السماوى الغفران لصالبيه قائلاً { ياابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون} (لو 23 : 34). ومن المعلم الصالح تعلم القديس استفانوس ان يغفر حتى لراجميه وهم يرجمونه بالحجارة { ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية واذ قال هذا رقد} (اع 7 : 60).
الكمال نمو روحى فى عدم أكتفاء ... والمعنى المقصود بالكمال أيضا قد يكون عدم الإكتفاء بالوضع الروحي الذي يكون فيه المؤمن المجاهد الآن، لأن الطموح الروحي بلا حدود، فمع أن الرسول بولس قد نال بركات روحية عظيمة، لكنه لم يشبع من المسيح أبداً، بل أعلن أنهظل يسعى للمزيد باستمرار، حتى نال اكليله. وعلَمنا أن نقول دائماً {أستطيع كلشيء في المسيح الذي يقويني}(في 4: 13).
والجهاد الروحي يكون في كل المجالات الروحية، وضد كل الخطايا، فقد يترك انسان خطية ما، فيظن أنه بذلك قد ارتفع مستواه الروحي كثيراً، ولعل الشيطان قد توقف عن محاربته في تلك الخطية بالذات، ليعطيها حساساً بالغرور، والميل للإفتخار بالإنتصار على خطية واحدة. وكذلك يجب عدم التهاون مع الخطايا التي يظنها البعض صغيرة أو تافهة لأن من حفظ كل الناموس(وصايا الله)، وانما أُعثر في واحدة فقط، فقد صار متعديا و{مجرماً في الكل} (يع2:10). { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان }(2كو 2 : 14).
اننا لكى نصل إلى الكمال الروحى المطلوب منا ينبغيان نشعر بوجود الله الدائم معنا ومعرفته لافكارنا وتصرفاتنا ومحاسبتنا لانفسنا على كل فكر وقول وسلوك ، وذلك للنمو في النعمة والحكمة. كما يقول صاحب المزمور { جعلت الرب امامي في كل حين.لانه عنيميني فلا اتزعزع} (مز 16 : 8).تخيل مثلاً أن يجلس بجوارك في سيارتك أحد القديسين . فهلتتفوه بكلمة صعبة لمن يضايقك في طريقك؟! عدم تفوهك بذلك يرجع إلى أنك تشعر أن أبمبارك يجلس بجوارك وعلى هذا المنوال ينبغي أن تشعر دائماً أن الله يجوارك ويراقبكفي كلامك وكل تصرفاتك، وبذلك تستطيع أن تبتعد عن العثرة الضارة للنفس وللناس.
الاهتمام بتقديس القلب وحياة الكمال.. ان القلب فى هو مركزالحياة الروحية ويقصد به الانسان الداخلى بما فيه من عواطف ومشاعر وانفعالات ودوافع وارادة وهو الموجهه للانسان نحو الخير ومحبة الله او الشر والبعد عنه لهذا يوصينا الانجيل بان يكون قلبنا كاملاً فى محبته لله { فليكن قلبكم كاملا لدى الرب الهنا اذ تسيرون في فرائضه وتحفظون وصاياه كهذا اليوم} (1مل 8 : 61). ولهذا اوصى داود النى ابنه سليمان ان يحب الله بقلب كامل { وانت ياسليمان ابني اعرف اله ابيك واعبده بقلب كامل ونفس راغبة لان الرب يفحص جميع القلوب و يفهم كل تصورات الافكار فاذا طلبته يوجد منك واذا تركته يرفضك الى الابد} (1اخ28 : 9). ولقد بدأ سليمان بداية حسنه لكنه تغير قلبه بسبب محبة للنساء { وكانفي زمان شيخوخة سليمان ان نساءه املن قلبه وراء الهة اخرى ولم يكن قلبه كاملا معالرب الهه كقلب داود ابيه} (1مل 11 : 4). ان الله يريد ان نعطيه قلوبنا ونسير فى طريقه وهو فى امانته يقوى هؤلاء السائرين فى طريق الكمال معطيا لهم سعادة وبركة { لانعيني الرب تجولان في كل الارض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه} (2اخ 16 : 9). فعليناان نعطى قلوبنا ومحبتنا لله ونحب الغير حبا فى الله محبة روحية طاهره تبنيهم ولاتذيد محبتنا لهم عن محبتنا لله أو تنحرف فتتحول الى شهوة خاطئه تبعدنا عن دائرةمحبة الله .
تشجيع الله لنا للسير فى طريق الكمال
أن الكمال والقداسة صفة ينسبها الله لأولاده، حتى ولو لم يكونوا كذلك لأنه يحبهم جداً، فلنحاول أن نجاهد لنصل للكمال الذي يريده الله لنا. وتمسك بوسائط الخلاص كلها التي هي طريق للكمال المنشود. فان قالت النفس {أنا سوداء كخيام قيدار} يقول الرب المحب {كلك جميلة ياحبيبتي وليس فيك عيب} (نش1: 5، 4: 7).ان الله يريد ويسعى الى خلاصنا وقداستنا ولهذا يجب علينا ان ننمو ونسعى فى طريق الخلاص والقداسة كما دعانا الكتاب { فاطلب اليكم ايها الاخوة برافة الله ان تقدموا اجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية . ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة. فاني اقول بالنعمة المعطاة لكل من هو بينكم ان لا يرتئي فوق ما ينبغي ان يرتئي بل يرتئي الى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الايمان. فانه كما في جسد واحد لنا اعضاء كثيرة ولكن ليسجميع الاعضاء لها عمل واحد. هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح واعضاء بعض البعض كل واحد للاخر. ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا} رو 1:12-6.نحن نشكر الله على قبوله وتشجيعه لنا لنسير معه فى طريق الكمال كاطفال نحبو يمسك بايدينا لئلا نسقط وعندما نتعثر نجده يسرع الينا كما بطرس الرسول منتشلاً ايانا من الغرق ، ومقويا لنا فى الضعف واهبا لنا كل امكانيات النمو فى حياة القداسة والكمال المسيحى فهو رئيس إيماننا ومكمله وهو الطريق والحق والحياة لكل السائرين فى طريق الكمال .
الكمال فى حياة وتعاليم السيد المسيح
كمال الله وقداسته ... الله وحده له الكمال المطلق فى ذاته وفى كل شريعته وأعماله وطرقه { هو الصخر الكامل صنيعه ان جميع سبله عدل اله امانة لا جور فيه صديق وعادل هو} (تث 32 : 4). { الله طريقه كامل وقول الرب نقي ترس هو لجميع المحتمين به} (2صم 22 : 31). {ناموس الرب كامل يرد النفس. شهادات الرب صادفة تصير الجاهل حكيما}(مز 19 : 7).وعندما يختار الله الكامل العادل والقدوس له شعباً، يجب ان يصبح هذاالشعب بدوره قدوساً، أي مفروزاً عمَا هو دنيوي، ومكرساً لله، فيفرض عليه بذالك حتماً مطلب الكمال. فما هو مكرّس لله ينبغي أن يكون سليماً صحيحاً لا عيب فيه.فهذه السلامة مطلوبة حتى بالنسبة إلى الحيوانات التي تقرب للذبيحة {لا تقربوا للرب حيواناً أعمى أو مكسوراً أو مجروحاً } (لا 22: 22). وتسري هذه الشريعة ذاتها بالنسبة إلى الكهنة خدام الله فيجب ان لا يكون لديهم عيوب جسدية اوأدبية أو روحيه تعيق خدمتهم (لا 21: 17-23).ثم تصل لتكون مطلب من كل مؤمن ومؤمنة فى المسيح يسوع، وتوصَي القواعد الخاصة بالطاهر والنجس الشروط المقررة في هذا الصدد (لا 11 إلى15). وعندما يتعلّق الأمر بالأشخاص، ينبغي أن يضاف إلى السلامة الطبيعية السلامة الأدبية،فيجب خدمة الله " بقلب كامل "وبكل إخلاص وأمانة (1 ملوك 8: 61، تث 6: 5، 10: 12)، وأن هذه الخدمة تشمل الطاعةللوصايا والكفاح ضد الشر. ولذا فإن الانحرافات في المفهوم الديني كانت موضع محاربه شديدة من جانب الأنبياء فى العهد القديم فاى قداسة وبر يجب ان نسير عليه نحن الذين أخذنا نعمة الروح القدس؟ . أن ما ينبغي البحث عنه هو البر الحقيقي، مع تجنَب العنف والأنانية، ومع العيش في الإيمان بالله، وعمل الحق والإحسان والرحمة وهذا هو مفهوم لصوم الروحى حتى فى العهد القديم { اليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر فك عقد النير واطلاق المسحوقين احرارا وقطع كل نير. اليس ان تكسر للجائع خبزك وان تدخل المساكين التائهين الى بيتك اذا رايت عريانا ان تكسوه وان لا تتغاضى عن لحمك.حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك امامك ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هانذا ان نزعت من وسطك النير والايماء بالاصبع وكلام الاثم. وانفقت نفسك للجائع واشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر. ويقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه. ومنك تبنى الخرب القديمة تقيم اساسات دور فدور فيسمونك مرمم الثغرة مرجع المسالك للسكنى} اش 6:58-12. انالكمال فى السعى لحفظ وصايا الله يجب ان يمتد الى الأمام بحسب عمل النعمة فينا معا لشعور بالضعف وعدم الوصول بعد الى الكمال بل وهذا ما يدعونا اليه الرب { كذلكانتم ايضا متى فعلتم كل ما امرتم به فقولوا اننا عبيد بطالون لاننا انما عملنا ماكان يجب علينا} (لو17 : 10).
السيد المسيح ودعوته للكمال
ان السيد المسيح فى تجسده على الارض وخدمته تحلى بكل خصال الصلاح والعدل والرحمة وان كان هو الابن الكلمة المتجسد والواحد مع الآب فى الجوهر فانه القدوس والكامل وهو الذى دعانا الى الكمال كما ان الله قدوس وكامل { فكونوا انتم كاملين كما اناباكم الذي في السماوات هو كامل} (مت 5 : 48) .وهو يريد لنا ان نتحد بكماله سائلا الآب من أجلنا { لست اسال ان تاخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير. ليسوا من العالم كما اني انا لست من العالم. قدسهم في حقك كلامك هو حق. كما ارسلتني الى العالم ارسلتهم انا الى العالم. ولاجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم ايضا مقدسين فى الحق. ولست اسال من اجل هؤلاء فقط بل ايضا من اجل الذين يؤمنون بي بكلامهم. ليكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الاب في وانا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني. وانا قد اعطيتهم المجد الذي اعطيتني ليكونوا واحدا كما اننانحن واحد.انا فيهم وانت في ليكونوا مكملين الى واحد وليعلم العالم انك ارسلتنيواحببتهم كما احببتني} يو 15:17-23.
أعلن لنا السيد المسيح بأن الإله القدوس هو إله المحبة، يضفي على مطلب الكمال الناشئ عن العلاقة بالله، توجهاً جديدا فى علاقتنا بالله وهى ان الله محبة ويريد ان يهبنا محبته ويضفى علينا كماله { وخرج لك اسم في الامم لجمالك لانه كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد الرب} حز 14:16. لقد جاء من أجل خلاص الخاطئين (متى 9: 12- 13). أجل، إنه{الحمل الذي بلا عيب}(1 بط 1: 19)،
الذي أشار عليه سفر اللاويين ليقدم محرقة عن خطايانا، وفي سبيل غفرانها يسفك دمه على عود الصليب وهذا ما قاله القديس يوحناالمعمدان عندما نظر السيد المسيح مقبلاً اليه (هوذا حمل الله ، الذى يرفع خطية العالم )، فهكذا يصير كاهننا " الكامل " (عبرانيين 5: 9- 10)، القادر أنيجعلنا بدورنا كاملين (عبر 10: 14). { وكما رفع موسى الحية في البرية هكذ اينبغي ان يرفع ابن الانسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن بهبل تكون له الحياة الابدية.لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم} يو14:3-17.
السيد المسيح وكمال الوصايا
إن كان السيد المسيح يطالبنا أن نعلن النور الإلهي الساكن فينا خلال حياتنا العمليّة، فتصبح حياتنا كسراجٍ على منارة يضيء لكل من في البيت، ويتمجّد أبونا السماوي أمام الجميع، فما هي الوصايا التي نلتزم بها في حياتنا؟ هل هي وصايا غيرالشريعة الموسويّة؟ وهل تتعارض معها؟ يجيب السيّد مؤكدًا: {لا تظنّوا إنيجئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل} مت 17:5 فقد جاء ليكمّل الناموس والأنبياء بطرق متنوّعة
أولاً: تحقّقت النبوّات في شخص المسيّا فلقد أكمل الأنبياء بقدر ما أكّد بأعماله كل ما قيل عنه، فقد اعتاد الإنجيل أن يقول في كلحالة: {لكي يتم ما قيل بالنبي} (مت 1: 22-23)، وذلك عندما وُلد، وعندما ترنم له الأطفال بالتسبحة العجيبة، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة. لقد حقّق هذه الأمور التيما كان يمكن تحقيقها لو لم يأتِ)
ثانيًا: أكمل السيّد الناموس بخضوعه للوصايا دون أن يكسرو صيّة واحدة. يقول ليوحنا المعمدان: {لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل له كل برّ} (مت3: 15)، ويقول لليهود: {من منكم يبكّتني على خطيّة}(يو 8: 46)،
كما يقول لتلاميذه:{رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء}(يو 14: 30). هذا وقد شهد عنه النبي،قائلاً{إنه لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غش}(إش 53: 9).
ثالثًا: أنالسيّد المسيح لم يكمّل الناموس في نفسه فحسب، وإنما يكمّله أيضًا فينا، قائلاً: هذاهو العجب ليس أنه هو حقّق الناموس، بل وهبنا نحن أيضًا أن نكون مثله، الأمر الذيأعلنه بولس بقوله: {لأن غاية الناموس هي المسيح للبرّ لكل من يؤمن}(رو 10: 4)، كماقال: {دان الخطيّة في الجسد، لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد}(رو8: 3-4)( أنظر ستجد المزيد من عظات القمص افرايم الأنبا بيشوى هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين). وأيضًا: {أفنُبطل الناموس بالإيمان؟! حاشا! بل نثبِّت الناموس} (رو 3:31). فإنه مادام الناموس كان عاملاً لكي يبرّر الإنسان، لكنّه عجز عن تحقيق ذلك.جاء (المسيح) ودخل بالإنسان إلى طريق البرّ بالإيمان مثبتًا غاية الناموس. ما لميستطع الناموس أن يتمّمه بالحروف تحقّق بالإيمان، لهذا يقول{ما جئت لأنقض بل لأكمل}
رابعًا: أكمل أيضًا السيّد الناموس بتكميل نصوصه كروحوحياة وليس بعبادة حرفيه وبالدخول إلى أعماق وكمال الوصية. ففي القديم أمر الناموس بعدم القتل، فجاء السيّد ليؤكّد الوصيّة لا بمنع القتل فحسب، وإنما بمنع الغضب باطلاً، أي نزع الجذر، فتبقى الوصيّة في أكثر أمان، إنه بهذا لم ينقضها، بل قدّمها في أكثر حيويّة وقوّة. هكذا فى خطية الزنا يريد لنا ان ننتصر عليها بقداسة الحواسوالفكر {قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها ، فقد زنى بها في قلبه} مت 27:5-28. إن هذه الخطيّة تكمل على مراحل إثارتها ثم التلذّذ بها، ثم إرضائها فإن كان الناموس قد حرّم إرضاء الخطيّة أيتنفيذها، فإن السيّد المسيح جاء ليقتلع جذورها بمنع الخطيّة من المرحلة الأولى. إنكانت الخطيّة تبدأ بالإثارة خلال النظرة الشرّيرة، ليتقبّلها الفكر ويتلذذ بها ثم تدخل إلى الإرضاء بالتنفيذ العملي، فإنه يسهل على المؤمن أن يواجهها في مرحلتها الأولى قبل أن يكونلها موضع في الذهن أو لذّة خلال الممارسة للخطأ.
المسيحى وحياةالكمال
أمكانيات الكمال للمؤمن ... لقد طلب منا الله ان نكون كاملين ، ويظن الكثيرين ان هذه الغاية صعبة المنال بل تبدوا مستحيلة فى ظل متغيرات العصر الحديث وصرعاته المتلاحقة . الا انها تبدو متيسرة لنا لو عرفنا واستخدمنا كلا لامكانيات المتاحة لنا من الله ووسائط الخلاص ولو عرفنا ان وصايا السيد المسيح تتجه بالمؤمن لا الى الارض بل للسماء ، عندما يتجه الانسان الى الإرض وشهواتها تتجه سيرته الى أسفل ويهبط فى تصوراته وأفكاره الى سلم المادة والفساد والفناء ولكن اذ يولد الانسان فوق بالماء والروح ويصير مسكنا لروح الله القدوس ويجعل وجهته السماء ورسالته على الارض ان يكون سفيرا لها فان مسيرة حياته تتجه الى أعلى ويعلوفى تصوراته وافكاره وسلوكه وروحياته حتى يصل الى الله الذى هو روح وقدسة وكمال .
اننا لا نقفز الى الكمال دفعة واحدة وانما كسلم روحىنصعد درجة ت ويعلوفى تصوراته وافكاره وسلوكه وروحياته حتى يصل الى الله الذى هو روح وقدسة وكمال .
اننا لا نقفز الى الكمال دفعة واحدة وانما كسلم روحىنصعد درجة تلو الاخرى فى نمو ويسر . ان فى الروح البشرية من القدرات المخبؤة والامكانيات الخلاقة ما قد لا يخطر على بال بشر . وما يبدوا لنا صعبا ومحال مع العزيمة والصدق والاستجابة لعمل نعمة الله الغنية نصل اليه فى فرح ويسر . كما ان السعى نحو الكمال المسيحى هو راحة للنفس وسعادة للروح .
ان كمال الإنسان هو الغاية التى هدفت اليها الحكمة الالهية منذ الازل { فان الذين يحفظون بقداسة ما هو مقدس يقدسون والذين يتعلمون هذه يجدون ما يحتجون به. فابتغوا كلامي واحرصوا عليه فتتادبوا. فان الحكمة ذاتبهاء ونضرة لا تذبل ومشاهدتها متيسرة للذين يحبونها ووجدانها سهل على الذين يلتمسونها. فهي تسبق فتتجلى للذين يبتغونها. ومن ابتكر في طلبها لا يتعب لانه يجدها جالسة عند ابوابه. فالتامل فيها كمال الفطنة ومن سهر لاجلها فلا يلبث له هم.لانها تجول في طلب الذين هم اهل لها وتتمثل لهم في الطرق باسمة وتتلقاهم كلما تاملوا فيها. فاولها الخلوص في ابتغاء التاديب. وتطلب التاديب هو المحبة والمحبة حفظ الشرائع ومراعاة الشرائع ثبات الطهارة. والطهارة تقرب الى الله. فابتغاء الحكمة يبلغ الى الملكوت} حك 11:6-21.
التواضع والكمال المسيحى
التوضع يحفظ من السقوط ويمنع عنا الكبرياء والسقوط وادانه للغير { وقال لقوم واثقين بانفسهم انهم ابرار ويحتقرون الاخرين هذا المثل. انسانان صعدا الى الهيكل ليصليا واحد فريسي والاخرعشار. اما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا اللهم انا اشكرك اني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. اصوم مرتين في الاسبوع واعشر كل مااقتنيه. واما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ. اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاكلان كل من يرفع نفسه يتضع و من يضع نفسه يرتفع}(لو 9:18-14)
فمن أراد أن يستفيد من الخلاص المقدم لنا من الله ، عليه أن يعترف بأنه خاطئ (1 يو1: 8)، وأن يبتعد عن الكبرياء ولا يتكل على ذاته أو أمواله أو على ذراع بشر، لكنعلى نعمة الله وكما قال القديس بولس الرسول { لكن ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته مناجل المسيح خسارة. بل اني احسب كل شيء ايضا خسارة من اجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من اجله خسرت كل الاشياء وانا احسبها نفاية لكي اربح المسيح. واوجد فيه وليس لي بري الذي من الناموس بل الذي بايمان المسيح البر الذي من اللهب الايمان.لاعرفه و قوة قيامته وشركة الامه متشبها بموته. لعلي ابلغ الى قيامة الاموات.(في 3: 7- 11). فبدون التواضع ، لا يمكن اتباع السيد { وقال للجميع ان اراد احد انياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني. فان من اراد ان يخلص نفهسه يهلكها ومن يهلك نفسه من اجلي فهذا يخلصها.لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله واهلك نفسه او خسرها} لو23:9-25 ف من أراد أن يتقدّم في الكمال، عليه أن يسلك هذا الطريق بسخاء. إن الكلمة الموجهة للشاب الغني توجب علينا تأملها { قال له يسوع ان اردت ان تكون كاملا فاذهب وبع املاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني. فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزينا لانه كان ذا اموال كثيرة} مت21:19-22.
المحبة والتدرج فى حياة الكمال
إن الكمال الذي دعي إليه أبناء الله هوكمال المحبة كما ذكرنا { لا تكونوا مديونين لاحد بشيء الا بان يحب بعضكم بعضا لانمن احب غيره فقد اكمل الناموس. لانه لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لاتشته وان كانت وصية اخرى هي مجموعة في هذه الكلمة ان تحب قريبك كنفسك. المحبة لاتصنع شرا للقريب فالمحبة هي تكميل الناموس} ( رو 13: 8-10). لقد دعانا السيد المسيحان نحب الجميع ، محبة تمتد لتشمل أيضاً العدو والمضطهد .
إن هذا السخاء فى المحبة يتاتى تدريجيا كلما نمونا فى محبة الله نأخذ منه ونفيضعلى الجميع ، فعلى تلاميذ المعلم الإلهي أن يتقدموا على الدوام، وأن ينموا في المعرفة والحب { وهذا اصليه ان تزداد محبتكم ايضا اكثر فاكثر في المعرفة و في كل فهم} (فيلبي1: 9)، {واله كل نعمة الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع بعد ما تالمت ميسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم} (1بط 5 : 10).
الجهاد الروحى وعمل النعمة
ان السعى فى طريق الكمال يحتاج منا الى جهاد وسهر روحى وسعى مستمر فى طريق الفضيلة والبر { بر الكامل يقوم طريقه اما الشرير فيسقط بشره }(ام 11 : 5). اننا نحتاج ان نتسلح باسلحته الحرب الروحية { من اجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تقاوموا فياليوم الشرير وبعد ان تتمموا كل شيء ان تثبتوا. فاثبتوا ممنطقين احقاءكم بالحق ولابسين درع البر. وحاذين ارجلكم باستعداد انجيل السلام. حاملين فوق الكل ترس الايمان الذيبه تقدرون ان تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله. مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لاجل جميع القديسين} (اف 13:6-18)
كما ان السير فى طريق الكمال يحتاج الى صبر فمن يصبر الى المنتهى فهذا يخلص { واماالصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء} (يع 1 : 4).وفى الصبر يجب ان نقدم فضيلة وتقوى ومودة اخوية وضبط للنفس والحواس واللسان {لاننافي اشياء كثيرة نعثر جميعنا ان كان احد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل قادر انيلجم كل الجسد ايضا} (يع 3 : 2). اننا اذ نسهر على خلاص انفسنا بامانه فان الروح القدس يعمل فينا بغنى ويصير فينا ينبوع ماء حى للتعزية والتغذية ويقودنا فى الطريق ويجعله ملئ بالفرح والسلام { واما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم. سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب} يو 26:14-27.
اننا نصلى ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبنا واهبنا لنا ثمر الروح { واله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيءربنا يسوع المسيح} (1تس 5 : 23)
الكمال المسيحى والحياة الابدية
إن المسيحيين لا يكفّون عن الاستعداد لمجيء ربهم، راجينأن يمنحهم الله أن يوجدوا في ذلك اليوم بلا لوم (1 تس 3: 12- 13). إنه يهمهم أن يستجيبوا لرغبة السيد المسيح، ألا وهي أن يشاهد كنيسة تزفَ إليه وكلها بهاء (أف 5: 27). وإذ ينسون ما قد سبق وحققوه، يتجهون إلى الأمام { ليس اني قد نلت او صرت كاملا ولكني اسعى لعلي ادرك الذي لاجله ادركنى ايضا المسيح يسوع. ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت و لكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام.اسعى نحو الغرض لاجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع. فليفتكر هذا جميع الكاملين منا وان افتكرتم شئايئا بخلافه فالله سيعلن لكم هذا ايضا. واما ما قد ادركناه فلنسلك بحسب ذلك القانون عينه ونفتكر ذلك عينه} فى 12:3-16.
قد نصل فى حياتنا الارضية الى مستوى معين لكننا فى السماء سنواصل التقدم فى الكمال والقداسة والفرح والسعادة وكما تحتاج سفينة الفضاء الى صاروخ يدفعها لتخرج من دارة الجاذبية الارضية كذلك نحتاج نحن الى شحنة روحية لتنقلنا من جاذبية الارض وشهواتها ، اننا نجد هذه الشحنة فى محبة الله ووسائط الخلاص من كتاب مقدس وصلاة وصوم وتناول من الاسرار وتأمل روحى وخلوة مع الله ربما يحتاج الامر الى تغصب حتى ندخل فى دائرة المحبة الإلهية وعندما نصل الى الحياة الابدية سننمو فى المحبة والمعرفة وكما قال الكتاب { انظروا اية محبة اعطانا الابحتى ندعى اولاد الله من اجل هذا لا يعرفنا العالم لانه لا يعرفه.ايها الاحباء الان نحن اولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون ولكن نعلم انه اذا اظهر نكون مثله لاننا سنراه كما هو. وكل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر} 1يو 1:3-3. انناموعودين بالنمو فى الكمال المسيحى فكما ان محبى العلم لا يشبعون ويسعوا الى المذيد هكذا محبى الله ينمو فى المحبة والمعرفة لله من اجل هذا قال لنا السيد المسيح { ليكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الاب فيوانا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني. وانا قد اعطيتهم المجد الذي اعطيتني ليكونوا واحدا كما اننا نحن واحد. انا فيهم وانت في ليكونوا مكملين الى واحد وليعلم العالم انك ارسلتني واحببتهم كما احببتني.ايها الاب اريدان هؤلاء الذين اعطيتني يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم. ايها الاب البار ان العالم لم يعرفك اما انا فعرفتك وهؤلاءعرفوا انك انت ارسلتني. وعرفتهم اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكونانا فيهم} يو 21:17-26.
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
18 ديسمبر 2021
فكرة روحية لكل يوم - بشارة الملاك للعذراء
1- بشرى السماء....
فى عالمنا المضطرب، ووسط الضيق والوحدة والمعاناة والغلاء والمرض والصراع، كم نحتاح الي سماع صوت الله المفرح والمطمئن وواهب السلام، وكم تكون البشرى سارة عندما تأتي من السماء وبصوت وظهور رئيس الملائكة الجليل غبريال المبشر، ليعلن لنا خلاص الله وسلامه ورضاه ليهبنا نعمة وبركة. هكذا ظهر ملاك الرب قديما لزوجة منوح وبشرها بميلاد شمشون كمخلص من ظلم الفلسطينين فى ذلك الوقت { فَتَرَاءَى مَلاَكُ الرَّبِّ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ لَهَا: «هَا أَنْتِ عَاقِرٌ لَمْ تَلِدِي, وَلَكِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً. وَالآنَ فَاحْذَرِي وَلاَ تَشْرَبِي خَمْراً وَلاَ مُسْكِراً وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئاً نَجِساً. فَهَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً, وَلاَ يَعْلُ مُوسَى رَأْسَهُ, لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلَّهِ مِنَ الْبَطْنِ, وَهُوَ يَبْدَأُ يُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ} (قض 3:13-5)هكذا فرحت العذراء مريم ببشارة رئيس الملائكة للقديسة العذراء مريم بالحبل بمخلص العالم كله عندما أعطاها السلام ووهبها أعظم عطية بان يحل الروح القدس عليها وتظللها قوة العلي ويتجسد منها الأبن الكلمة، كما تنبأ أشعيا النبي أن السيد الرب يعطينا نفسه آية { وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»} (اش 7 : 14). + نحن أيضا في إيمان ورجاء علينا أن ننتظر خلاص الرب ونطلب أن يفتح الله عيون قلوبنا ونرى ملائكتة الله تحيط بنا وتحفظنا { أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحاً خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ} (عب 1 : 14). وعلينا أن نصلي بتواضع وتوبة صادقة ونطلب خلاص الله لنا من أيدي أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا كقول زكريا الكاهن { خَلاَصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ. الْقَسَمَ الَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا: أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلاَ خَوْفٍ مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا نَعْبُدُهُ. بِقَدَاسَةٍ وَبِرٍّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا.} (لو71:1-75). نطلب تعزية وفرح من الرب الذى هو فرحنا وخلاصنا من طوفان العالم { فَرَحاً أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلَهِي لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا }(اش 61 : 10).
2- التجسد الإلهي من العذراء...
ظهر الملاك للقديسة العذراء وأهبا لها السلام ومبشرا أياها بعطية السماء وخلاص الله لجميع الأمم وأقتراب الله الينا بل ليصيرا الكلمة جسدا ويحل بيننا ونرى مجده كمجد أبن وحيد لابيه، أنه سر عظيم قال عنه الكتاب المقدس {وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَسِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ} (1تي 3 : 16). الرب اختار القديسة مريم لتكون أما لله الكلمة المتجسد لأنها كانت مملوءة نعمة، أن أعظم نعمة أن يتحد في بطنها لاهوت المسيح مع ناسوته، إتحاد الإنسان بالله، والجسد بالكلمة. لقد عاشت العذراء وذاقت معية الرب على مستوى فريد، إذ حملت كلمة الله في أحشائها، وقدمت له من جسدها ودمها جسدا مقدسا. وصار الأبن الكلمة أبنا للانسان لكي نصير نحن أبناء لله بالإيمان والتبني. لقد سألت القديسة مريم الملاك { فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟». فَأَجَابَ الْمَلاَكُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.} (لو 34:1-35) أن سؤال العذراء للملاك لا يدل على شك، بل أستفسار وطلب للفهم فهي لا تدري كيف يتم هذا الأمر وهي عذراء ولقد نذرت نفسها لتخدم الهيكل دون زواج. وكانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة في التاريخ أن تحبل عذراء بدون زرع بشر. وكانت إجابة الملاك: بقوله أن الروح القدس يحل عليها لتقديسها، روحاً وجسداً، فتتهيأ لعمل الآب الذي يرسل ابنه في أحشائها يتجسد منها. حقاً هذا سر إلهي فائق فيه يعلن الله حبه العجيب للإنسان وتكريمه له لقد أختار الله القديسة مريم العذراء لتكون أما لله الكلمة المتجسد لطهارتها وتواضعها وإيمانها وحياة التسليم التي عاشتها منذ طفولتها. لقد عاشت القديسة مريم حياة الصلاة والتامل فى صمت وهدوء وجمعت بين الخدمة وحياة الصلاة { وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا }(لو 2 : 19). وعاشت حياة الخدمة فى الهيكل منذ طفولتها ثم كخادمة فى بيت يوسف كما رايناها تخدم وتطلب من الرب في عرس قانا الجليل بل وتوصينا { قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ»} (يو 2 : 5) خدمت اليصابات المتقدمة فى الأيام فى أيام حبلها بيوحنا المعمدان ثم كأم لربنا يسوع المسيح، ثم كأم للرسل والعذارى فكانت مثالا وقدوة لكل الخدام والخادمات فى كل جيل { فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ.} (لو 38:1). وتم فيها قول داود النبي { إسمعي يا إبنتي وانظري وأميلي سمعك، وأنسى شعبك وكل بيت أبيك، فإن الملك قد اشتهى حسنك، لأنه هو ربك.} (مز 10:45-11) نحن مدعوين للتعلم من حياة القديسة مريم وفضائلها وخدمتها وبالأكثر مدعوين لنذوق ما أطيب الرب ونتحد به كاتحاد الأغصان بالكرمة لنأتي بثمر ويدوم ثمرنا { أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ. كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ. أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ. اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ.} ( يو 1:15-4) أن الله يريد منا نقاوة القلب لكي نعاينه فى حياتنا ويحل بالإيمان فينا { طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللَّهَ} (مت 5 : 8). ومن يريد أن يحل المسيح بالإيمان فيه، عليه أن يجاهد ليكون في نقاوة وعفة وتواضع وإيمان وفضائل أمنا القديسة مريم العذراء وعلينا أن نقتدي بها ونتعلم منها ونكرمها { لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي }(لو 1 : 48).
3- ليس شئ غير ممكن لدي الله ...
لدي البشر هناك أشياء يمكننا أن نفعلها أو نتوقع حدوثها وهناك اشياء تبدو مستحيلة الحدوث لكن الأمر ليس هكذا لدي الله { لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ} (لو 37:1). لكن بالإيمان نستطيع فعل الأشياء الصعبة والمستحيلة كما قال القديس بولس الرسول { أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي }(في 4 : 13). وبالإيمان نتوقع بالصبر خلاص الرب الذى يعمل لاجل خلاصنا ونجاتنا فالله يقدر أن يخلص حتى من قد هلك { لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ}(لو 19 : 10). كل شئ مستطاع لدي الله الذى جعل في البحر طريقا لشعبه قديما والذى نجي الفتية من آتون النار . الله الذى أرسل ملاكه وأباد الالوف من جيش سنحاريب قديما مدافعا عن أورشليم هو أمس واليوم والي الأبد . فثقوا وقفوا وأنظروا خلاص الرب الذى يدافع عنكم وأنتم صامتون هكذا يحدثنا الكتاب المقدس عن رجال الإيمان وكيف عاشوا وأحتملوا ونالوا المواعيد وعلينا أن نجاهد بالإيمان لتظل شعلة الإيمان متقدة فى قلوبنا لنصل الي السماء { الَّذِينَ بِالإِيمَانِ قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرّاً، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ،. أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، تَقَّوُوا مِنْ ضُعْفٍ، صَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْحَرْبِ، هَزَمُوا جُيُوشَ غُرَبَاءَ،.أَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍ. وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ. وَآخَرُونَ تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِي قُيُودٍ أَيْضاً وَحَبْسٍ. رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ،.وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ.فَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِالإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ،. إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا} ( عبر 33:11-40) علينا أذا أن نثق فى محبة الله المعلنة لنا فى المسيح يسوع ربنا ونجاهد بالصبر ناظرين الي رئيس إيماننا ومكمله الرب يسوع كقول القديس بولس لتلميذه تيموثاوس { جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي الَيْهَا دُعِيتَ أَيْضاً، وَاعْتَرَفْتَ الاِعْتِرَافَ الْحَسَنَ امَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ }(1تي 6 : 12). وفى إيماننا بالله نتوب عن الخطية ونحيا حياة البر والإيمان ليقدم لنا بسعة الدخول الي ملكوت الله { وَلِهَذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً،. وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفاً، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْراً، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى،.وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً.لأَنَّ هَذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لأَنَّ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ هَذِهِ هُوَ أَعْمَى قَصِيرُ الْبَصَرِ، قَدْ نَسِيَ تَطْهِيرَ خَطَايَاهُ السَّالِفَةِ. لِذَلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَنْ تَزِلُّوا أَبَداً. لأَنَّهُ هَكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ.} (2بط 5:1-11)، أمين.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
14 ديسمبر 2021
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح - 32 حياة القداسة
القداسة وأهميتها فى حياتنا الروحية ..
القداسة صفة لله ... الله الهنا قدوس { يا رب من مثلك معتزا في القداسة مخوفا بالتسابيح صانعا عجائب} (خر 15: 11).وفى سفر الرؤيا نرى الغالبين فى السماء يسبحون الله قائلين {من لا يخافك يارب ويمجد إسمك لأنك أنت وحدك قدوس}(رؤ4:15). وهو يدعونا ان نتعلم منه ونقتدى به فنكون قديسين{ فتكونون قديسين لاني انا قدوس} (لا 11 : 45).وقداسة الله تعنى طهارته الكلية وبره وصلاحه وسموه وتنزيهه عن الخطية والشر ، كما تعنى عدم قبوله للخطية وحياة الأثم أوالنجاسة ولان الله عالم بضعف البشر لهذا يدعو الله الانسان الى التوبة والرجوع الى حياة القداسة والنقاوة والطهارة متى اخطأ. وان كان الله محب للبشر فهو قدوس والخطية تفصلنا عنه . لقد خلق الله الإنسان على صورته وشبهه (تك 1: 26) في البر والقداسة على أن آدم فقد قداسته { من اجل ذلك كانما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطا الجميع} (رو 5: 12) فجاء الينا الله الكلمة متجسداً ليردنا الى الفرودس ويهبنا القداسة الى بدونها لن يرى أحد الرب. ان قداسة المؤمن هى مسيرة حياة ننالها خلال الإيمان ووسائط الخلاص لنتبرر بالفداء ونجاهد لنحيا فى القداسة المدعوين اليها من الله { كاولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم. بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة. لانه مكتوب كونوا قديسين لاني انا قدوس. وان كنتم تدعون ابا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف. عالمين انكم افتديتم لا باشياء تفنى بفضة او ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الاباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح} 1بط 14:1-19 .ان كمال التوبة للمؤمن هى الوصول الى القداسة ونقاوة القلب ليس فقط بالاقلاع عن الخطية وعدم الرجوع اليها بل بكراهيته لها وعدم تجاوبه مع أغرائتها سواء بالفكر او بالقول أو بالفعل اقتداء بالله القدوس ، فالإنسان البار يحيا حياة باره يحل فيها المسيح القدوس بالإيمان في قلبه.
القداسة تخصيص وتكريس لله .. الله القدوس تسبحه الملائكة قائلين { قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض} (اش 6 : 3) هذه التسبحة الشاروبيمية نشترك فيها مع الملائكة فى التسبيح والاعتراف بقداسة الله ونعلن انه وحده القدوس وواهب القداسة ومنذ ان تكلم الله الاباء بالانبياء قديما اعلن لنا انه يجب ان نقدس ونخصص ونكرس اناس او أماكن او اشياء له ، فدعا لتقديس الابكار وتخصيصها لله { قدس لي كل بكر كل فاتح رحم من بني اسرائيل من الناس ومن البهائم انه لي }(خر 13 : 2) ودعا لتقديس أماكن للعبادة { قال لا تقترب الى ههنا اخلع حذائك من رجليك لان الموضع الذي انت واقف عليه ارض مقدسة} (خر 3 : 5). { فيصنعون لي مقدسا لاسكن في وسطهم }(خر 25 : 8) كما خصص اياما واعيادا واشياء لعبادته { سبوتي تحفظون ومقدسي تهابون انا الرب} (لا 19 : 30). ودعا اناس ليكونوا مخصصين لخدمته { وتاخذ من الدم الذي على المذبح ومن دهن المسحة وتنضح على هرون وثيابه وعلى بنيه وثياب بنيه معه فيتقدس هو وثيابه وبنوه وثياب بنيه معه} (خر 29 : 21). بل ودعا الى قداسة شعبه كشعب مخصص لله { وانتم تكونون لي مملكة كهنة وامة مقدسة } (خر 19 : 6). ولقد دخل معنا الله فى عهد جديد يقدسنا فيه لا بدم ذبائح حيوانيه بل بدمه الكريم لهذا كان التجسد الإلهى وكرس السيد المسيح ذاته لخلاص جنس البشر{ ولاجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم ايضا مقدسين في الحق (يو 17 : 19). لنكرس ونخصص أنفسنا له ابناء وبنات بالايمان ومن قداسته نأخذ ونقتدى وبه ندخل للاقداس السمائية { فاذ لنا ايها الاخوة ثقة بالدخول الى الاقداس بدم يسوع . طريقا كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب اي جسده. وكاهن عظيم على بيت الله. لنتقدم بقلب صادق في يقين الايمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة اجسادنا بماء نقي. لنتمسك باقرار الرجاء راسخا لان الذي وعد هو امين. ولنلاحظ بعضنا بعضا للتحريض على المحبة والاعمال الحسنة} عب 19:10-24.والأشياء المقدّسة هي تلك التي لا يجوز لمسها أو الاقتراب منها إلا بمراعاة بعض شروط خاصة بالطهارة. ولمَا كانت مشحونة بديناميكية وبسرية وبجلال، نستطيع أن نستشف منها ما هو فائق الطبيعة، فهي تثير شعوراً مزدوجاً من الرهبة والجاذبية، كما انها تصبح مكرسه للاعمال التى كرست لها فلا يجوز استخدامها فى أمور العالم الدنيوية هكذا الانسان الذى يولد من الماء والروح ويكرس بالميرون المقدس يصبح مكرسا لله وهيكلا لروحه القدوس وعليه ان ينمو فى قداسة الفكر والعواطف والسلوك والاراده .
القداسة هى دعوة الله وارادته للمؤمنين .. ان ارادة الله هى قداستنا { لان هذه هي ارادة الله قداستكم } (1تس 4 : 3) وهو يدعونا لكى نكون قديسين لانه بدون القداسة لن ندخل الملكوت السماوى او نعاين الرب { اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب} (عب 12 : 14).ان القداسة فى جوهرها تعنى التوبة والنقاوة والطهارة { طوبى للانقياء القلب لانهم يعاينون الله} (مت 5 : 8). انها الخلو من النجاسة التى تحرم المؤمن من السماء{ فانكم تعلمون هذا ان كل زان او نجس او طماع الذي هو عابد للاوثان ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله }(اف 5 : 5). لهذا دعانا السيد المسيح للانفصال والبعد عن ما يعيقنا عن القداسة { فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم} مت 29:5-30. ليس المقصود هنا القطع المادى انما الذي يريده الرب من الانسان هو ان يستأصل الإثم او التحريض عليه من اى عضو من اعضائنا استئصال نفسي وعقلي وروحى حتى يكف هذا العضو او ذاك عن اشتهائه لان أثم جزء من الانسان ينجس الانسان كله ويبتعد به عن القداسة لان { كل من يعمل الخطية هو عبد للخطيئة} يو34:8. ان ابتعادنا عن الخطية ومقاومتنا لاغرائتها يحتاج الى الحرص والتصميم والارادة على السير فى طريق القداسة والانتصار على العقبات التى يضعها أبليس واعوانه او شهوات الانسان واهوائه لهذا دعانا السيد المسيح الى الدخول من الباب الضيق لنصل الى الحياة الابدية { ادخلوا من الباب الضيق لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما اضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه} مت 13:7-14 .
القداسة ونقاوة القلب والبعد عن شكلية العبادة .. ان القداسة الحقة تنبع من صميم القلب فى تقوى وطاعة ورغبة صادقة لمحبة الله وليس مجرد أفعال أو اقوال او عبادة شكلية من اجل هذا طلب منا الله ان نحبة من كل القلب { فاجاب وقال تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك} (لو 10 : 27). { الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والانسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فانه من فضلة القلب يتكلم فمه} لو 45:6. وعندما جادل بعض الكتبة والفريسيين السيد المسيح على الاغتسال قبل الأكل كطهارة شكلية أكد لهم أهمية تنقية الانسان الداخلى { الا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف و يندفع الى المخرج. واما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر وذاك ينجس الانسان.لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف.هذه هي التي تنجس الانسان واما الاكل بايد غير مغسولة فلا ينجس الانسان} مت 17:15-20. كما وبخ الكتبة والفريسيين على ريائهم { ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تنقون خارج الكاس والصحفة وهما من داخل مملوان اختطافا ودعارة. ايها الفريسي الاعمى نق اولا داخل الكاس والصحفة لكي يكون خارجهما ايضا نقيا. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة. هكذا انتم ايضا من خارج تظهرون للناس ابرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء واثما} مت 25:23-28. ان نقاوة القلب ومحبة الله لابد ان تترجم فى حياة المؤمن الى سلوك عملى لتنفيذ ارادة الله فى حياتنا { من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا. هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا ردية. لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا ردية ولا شجرة ردية ان تصنع اثمارا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. فاذا من ثمارهم تعرفونهم. ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السماوات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب اليس باسمك تنبانا وباسمك اخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ اصرح لهم اني لم اعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الاثم} مت 16:7-23. فالقداسة هى فكر مقدس وعواطف وارادة قد تقدست بالروح القدوس تجعل المؤمن يسلك فى النور ويشهد له { انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 13:5-16.
القداسة فى الكتاب المقدس
قداسة الله فى العهد القديم... الله قدوس ويعلن لنا عن قداسته في مختلف اعلاناته وظهوراته حتى في التجارب التي يسمح بها، وفي التأديبات التي ينزلها بشعبه { فقال الرب لموسى وهرون من اجل انكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني امام اعين بني اسرائيل لذلك لا تدخلان هذه الجماعة الى الارض التي اعطيتهم اياها}. (عدد 20: 12). كما أن قداسته تظهر أيضاً في الحماية العجيبة لشعبه وإنقاذه في الظروف الميئوس منها (حز 25:28- 26).لقد أعلنت للبشر قداسة الله أولاً خلال التجليات العظيمة على جبل سيناء { فانحدر موسى من الجبل الى الشعب وقدس الشعب وغسلوا ثيابهم. وقال للشعب كونوا مستعدين لليوم الثالث لا تقربوا امراة. وحدث في اليوم الثالث لما كان الصباح انه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق شديد جدا فارتعد كل الشعب الذي في المحلة. واخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله فوقفوا في اسفل الجبل. وكان جبل سيناء كله يدخن من اجل ان الرب نزل عليه بالنار وصعد دخانه كدخان الاتون وارتجف كل الجبل جدا. فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا وموسى يتكلم والله يجيبه بصوت} (خر19: 14- 19)، وقد ظهرت قداسته كقوة مريعة وخفيّة في آنٍ واحد، فهي تستطيع أن تهلك كل من يقترب منها بغير انسحاق واستحقاق وتبارك الذين يطيعون وصايا الله ، وفى الهيكل، تجلى الله لإشعيا النبى كملك ذي جلال لانهائي، وبصفته الخالق الذي يملأ الأرض كلها بمجده، فهو موضع عبادة لا يستطيع أداءها له إلا الملائكة. غير أنهم، هم أيضاً، لا يحوزون على القداسة الكافية التي تمكّنهم من مشاهدة وجهه. (إش6: 1- 5). ومع ذلك هذا الإله البعيد المنال يتجاوز المسافة التي تفصله عن مخلوقاته وينسب نفسه لشعبه فهو " قدّوس إسرائيل " ويغدو لهذا الشعب الذي اتحد معه بالعهد الهاً وفرحاً وقوة وسنداً وخلاصاً، وفداء (إش 10: 20، 17: 7، 41: 14- 20). إذاً فليست القداسة الإلهية عبارة عن انفصال وسموّ فحسب، بل هي تتضمن كلّ ما يملكه الله من غنى وحياة، قدرة وجودة. وهي ليست صفة إلهيّة بين صفات أخرى، بل هي الصفة الأساسية التي تميز الله نفسه، ولذا فاسمه قدوس (مز 33: 21، عا 2: 7، خر3: 14).
الاعتراف بقداسة الله ... في غيرته على حقّه المطلق في العبادة وفي الطاعة، يريد الله أن يعترف الناس بقداسته، وأن يعاملوه باعتباره الإله الواحد الحقيقي، فيعلن قداسته الذاتية عن طريق البشر. فهو يحدد بدقة المراسيم الخاصة بالذبائح (لا 1: 7)، وشروط الطهارة الواجبة للعبادة (لا 12: 2- 8)، كما أنه يحتّم ألا يمتهن اسمه القدوس{ لا تنطق باسم الرب الهك باطلا لان الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلا (خر 20 : 7) ، فذلك لأن الاحتفال اللائق بشعائر الطقس يبرز مجده (لا9: 6: 23 ،1مل 8: 10- 12)ويعلن جلاله. ولكن لا قيمة لهذه العبادة، ما لم تعبر عن الطاعة نحو الله (لا 22: 31- 33)، ونابعة عن الإيمان العميق (تث 20: 12)، والتسبيح والعلاقة الشخصية بالله القدوس (مز 99: 3- 9).
وإذ يفرض الله قواعد طقسيّة يظهر فيها قداسته، فقد اختصّ لنفسه ببعض الأماكن (أرض مقدّسة ،معابد، هيكل)، والأشخاص (كهنة، لاويين، أبكار، نذيرين، أنبياء )، والأشياء (تقدمات، ثياب وأشياء خاصة بالعبادة)، والأزمنة (سبوت، سنون يوبيلية) تكرّس له بواسطة مراسيم دقيقة (تقدمات، ذبائح، تدشينات، مسحة، ورش بالدم)، وتكون بالتالي محرّمة على الاستعمال العادي. فتابوت العهد مثلاً يجب ألا يشخص إليه اللاويون (عد 4: 19 و20)، ويجب ألا ينجّس السبت (حز 20: 12- 24)، ومسلك الكهنة خاضع لشرائع خاصة، أكثر تشدّداً من الشرائع العامة (لا 21). كلّ هذه الأشياء مقدّسة ولكن تندرج قداستها، بمقدار علاقتها بالله. وتختلف طبيعة قداسة هؤلاء الأشخاص وهذه الأشياء المكرّسة عن قداسة الله. بعكس الحال في النجاسة التي قد تنتقل عن طريق العدوى (لا 11: 31، 15: 4-27). لا تكتسب القداسة تلقائياً بمجرد الاتصال بالقداسة الإلهية بل هي تحدث باختيار حر من قبل الله وقبول الانسان الحر والمسئول، بحسب شريعته، وبموجب المراسيم التي يحدّدها. وتفسر المراسيم الطقسية بطريقتها الخاصة عن المسافة اللانهائية الفاصلة بين قداسة هذه المخلوقات وبين القداسة الإلهّية (أي 15: 15). فالكاهن الأعظم مثلاً لا يحقّ له أن يدخل قدس الأقداس إلا مرة في السنة، وبعد القيام بعدّة أعمال تطهيرية دقيقة (لا 16: 1- 16).يجب إذاً أن يميّز بين القداسة الحق، وهي خاصة بالله، وبين الطابع القدسي الذي يناله من يكرس له من اشخاص أو اشياء .
القداسة فى العهد الجديد ... يعلن لنا الانجيل عن قداسة الله الواحد المثلث الاقانيم، الاب القدوس{ ولست انا بعد في العالم واما هؤلاء فهم في العالم وانا اتي اليك ايها الاب القدوس احفظهم في اسمك الذين اعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن} (يو 17 : 11) والابن الكلمة المتجسد { هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود الذي يفتح ولا احد يغلق ويغلق ولا احد يفتح} (رؤ 3 : 7). { بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة} (1بط 1 : 15) { فاجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} (لو 1 : 35). والروح القدس { لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني} (مز 51 : 11). { ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء} (اف 4 : 30). ان القداسة صفة لله لهذا نصلى قائلين أيها الثالوث القدوس أرحمنا . فان الله كائن وقدوس منذ الازل وهو كلى الحكمة وهو حي بروحه { فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس} (مت 28 : 19). { فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الاب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد} (1يو 5 : 7). ان المعجزات التي قام بها السيد المسيح والتعاليم التي ببشر بها هي تشير إلى قداسته وليس فقط قدرة داعية للإعجاب فأمامه يشعر الإنسان أنه خاطئ . وهو القدوس الذى كرس حياة وخدمته فى تجسده ليقدسنا ويجعلنا ابناء للآب السماوى واذا وجد فى الهئية كانسان وضع ذاته واطاع حتى الموت مع أنه هو ملك الحياة، هو القداسة بالذات (أع 3: 14- 15). وإذ قام من بين الأموات بحسب روح القداسة، فانه ليس من هذا العالم (يو17: 11).فهو الجالس عن يمين الله (مر16: 19) وهو "القدوس ". كونه العقل الإلهى أو الله الظاهر فى الجسد {عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد} (1تي 3 : 16). إنه واحد فى الجوهر الالهى مع الآب القدوس (يو17: 11) بنفس القدرة الروحية وبنفس الإعلانات الممجدة، وبنفس العمق السري فقداسته تدفعه إلى أن يحب خاصته لدرجة أنه يجعلنا نكون معه فى مجده ويبذل حياته من أجلنا هكذا يعلن لنا قداسته مكرسا ذاته لتقديسنا .لقد تمثّلت الكنيسة، منذ عهدها الرسولي، تعاليم السيد المسيح . فالله هو القدير المتسامي وديَان اليوم الأخير (رؤ 4: 8) اسمه قدوس (لو1: 49) وكذلك عهده مقدس (لو 1: 72) وقديسون أيضاً هم الملائكة (مر1: 38)، والأنبياء والكتبة الملهمون (لو 1: 70، مر 6: 20، رو1: 2). وأيضاً مقدس هو بيته وأورشليم السماوية(1 كو 3: 17، رؤ 21: 2). و.كما أن الرب قدوس، فأولئك الذين اختارهم { يجب أن يكونوا قديسين} (1 بطر 1: 15- 16). يجب أن تتجلى قداسته فى حياتنا ونحن نصلى كل وقت ونقول "ليتقدس أسمك ".
قداسة شعب الله ...
السيد المسيح ودورة فى تقديس شعبه ...على خلاف ذبائح وعبادة العهد القديم التي لم تكن لتطهَر الشعب إلا تطهيراً خارجياً (عبر 9: 11- 14، 10: 10)، فإن ذبيحة السيد المسيح على الصليب فى فاعليتها تقدس المؤمنين الى التمام وتبررهم بالإيمان ليصيروا ابناء الله المقدسين ويعملوا أعمال تليق بابناء الله { وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا} (1يو 2 : 2) { قدسهم في حقك كلامك هو حق} (يو 17 : 17) ان الرب يسوع المسيح يقدسنا لأن القداسة التي يمنحها للمؤمنين ليست "خارجية " بالنسبة لنا بل تدخل الى اعماق كياننا . ان المسيح القدوس هو فينا (يو14 : 23 ) ونحن في المسيح. فيشترك المسيحيون في حياة المسيح القائم من بين الأموات بالإيمان والمعمودية التي تمنحنا مغفرة للخطايا والمسحة المقدسة التى تقدس المؤمن {واما انتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء} (1يو 2 : 20) ثم تجددهم بالتوبة والاعتراف { ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم} (1يو 1 : 9) . ان الروح القدس يقوم بتقديس المؤمن وبحلول الروح القدس يصبح المؤمن هيكل مقدسا للروح القدس{ اما تعلمون انكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم} (1كو 3 : 16) وكما أن جميع الذين ينقادون إلى روح الله يكونون حقاً أبناء الله { لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله . اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب. الروح نفسه ايضا يشهد لارواحنا اننا اولاد الله. فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله ووارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو8: 14- 17) . ان القداس الإلهى نسمية قداس القديسين وفى التناول نصلى ونقول القدسات للقديسين هذا يدعونا للسلوك بكل مخافة لله وقداسة لكى نستحق التناول من الاسرار المقدسة .
القداسة ضرورة عطية السيد المسيح للمؤمنين .. ان كان لابد أن نكون قديسين حتى نتمكن من الوجود مع فى ملكوت السموات ، واذ كان ذلك صعب على المؤمن فان السيد المسيح أخذ طبيعتنا وجعلها واحد مع لاهوته بغير أمتزاج أو أختلاط أو تغير والانسان المسيحى الذى يحب المسيح ياخذ الروح القدس مما للمسيح ويعطيه قدسة وحكمة ومحبة وسلام وتعزيه وصبر وكل ثمار الروح القدس التى تعين المؤمن على خلاص نفسه. ان ذلك يحمل محبة الله العميقة للنفس البشرية التى تعرت من الخطية فجاء الله ليدخل معها فى عهد مقدس ويسترها بدمه ويلبسها قداسته {لان كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح }(غل 3 : 27) لقد صرنا قديسين عندما لابسنا المسيح فى المعمودية ، وعلى هذا الاساس يقول الله كونوا قديسين ليس كأننا سوف نصنع القداسة فى نفوسنا نتيجة أعمال معينة ولكن نحن فعلاً صرنا قديسين بسبب أتحاد أبن الله القدوس بطبيعتنا ولم يعد أمامنا ألا أن نسلك فى هذه القداسة ونختبرها فى داخلنا كل يوم ونتمتع بها فنمجد الله القدوس فى قلوبنا وافكارنا وسلوكنا. ولا نشترك فى نجاسات العالم ونمجد الله القدوس باعمالنا الذى جعلنا قديسين فى أبنه يسوع المسيح . فهو أختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون فيه قديسين وبلا لوم فى المحبة {كما أختارنا فيه فيه قبل تأسيس العالم ، لنكون قديسين وبلا لوم فى المحبة} (أف 1: 4).لقد لبسنا الانسان الجديد ولابد ان نتجدد يوماً فيوم فى العشرة مع الله وننمو الى قياس ملء قامة المسيح{ ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه} (كو 3 : 10)
لقد دُعى المؤمنين قديسين وشعباً مقدساً .. { يقيم الرب لنفسه شعباً مقدساً } تث 9:28. ويدعوهم العهد الجديد {امة مقدسة} 1بط9:2. وقد أطلق في البدء على المؤمنين الأول في أورشليم وخاصة على المجموعة الصغيرة التي حل عليها الروح القدس يوم العنصرة لقب قديسين (أع 9: 13، 1 كور 16: 1، أفس 3: 5)، ثم أخذ استعماله يمتد ليشمل الأخوة الذين في الارضى المقدسة (أع 9: 31-41)، ثمَ جميع المؤمنين فى كل أمة ومكان (رو 16: 2، 2 كو 1: 1، 13: 12). ان ذلك يعنى قطع الصلة بالخطيئة والتصرّفات الوثنية (1 تس 4: 3). فيجب أن يسلكوا بالقداسة الآتية من الله. ويعتبر مطلب الحياة المقدّسة هذا أساس التراث النسكي المسيحي كله وهذا يستند إلى أن المسيحي قد كرس بالروح القدس لله ودُعى عليه اسم المسيح القدوس، فيجب عليه أن يشاركه في آلامه ويتمثّل به في موته فيبلغ منه القيامة من بين الأموات (في 3: 10- 14).
الحياة المقدسة فى الرب .. ان القداسة ليس لقب بل هى حياة مقدسة { كاولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم. بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة. لانه مكتوب كونوا قديسين لاني انا قدوس. وان كنتم تدعون ابا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف. عالمين انكم افتديتم لا باشياء تفنى بفضة او ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الاباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح} 1بط 14:1-19. يجب ان نكمل القداسة فى خوف الله (2كو1:7). ان قداسة الانسان هي دخوله الى عالم الله ، نتيجة لدخول الله الى عالم الانسان . انها الاتحاد بالله قبل يكون مصدر افعال ادبية . انها حياتنا المتحدة بحياة الله على صعيد معرفتنا لله ولنفسنا وللآخرين وعلى صعيد حبنا واعمالنا تجاه الله والناس. انها تتضمن اذاَ بصورة جوهرية معرفة الله والصلاة والشوق اليه بصفته القدوس المتعالي القريب والألفة البنوية مع الاب . انها علاقة شخصية مباشرة بالله وليس فقط مصدر افعال ادبية خارجية. ليست قداسة الانسان مكتسبة بجهد بشرى رغم أهمية الجهاد القانونى فى الحياة الروحية بل انها تعطي كهبة من الله ويقويها الجهاد القانونى للانسان التائق الى الكمال الروحى . وهو ثمرة سكنى الروح القدس في القلوب (غل 4:6 ، 1كو3:16 ) بحيث ان قداسة الانسان لاتتعلق بهذا الجهد (او بنتائج هذا الجهد ) بصورة مباشرة او مناسبة طرداً .وان كان السعي الى الكمال المسيحي ضروريا . ومن ناحية اخرى وبما ان قداسة الله هي سمو ومحبة على حد سواء فان ممارسة المحبة تلعب دوراً مركزياً في قداسة الانسان العملية . اي مكافحة الانانية والتمركز على الذات ، لاجل محبة صافية اكثر فأكثر .
القداسة تتطلب منا الانقياد بروح الله القدوس والثبات فى كلمة الله والعمل بها { قدسهم في حقك كلامك هو حق} (يو 17 : 17) كلمة الله حية وفاعلة وقادرة ان تقودنا للخلاص {وانك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة ان تحكمك للخلاص بالايمان الذي في المسيح يسوع} (2تي 3 : 15). ان المسيحية ليس قيم روحية بل هى ثبات فى نبع الفضيلة والبر والقداسة { انا الكرمة الحقيقية وابي الكرام. كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه و كل ما ياتي بثمر ينقيه لياتي بثمراكثر. انتم الان انقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به. اثبتوا في وانا فيكم كما ان الغصن لا يقدر ان ياتي بثمر من ذاته ان لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا ان لم تثبتوا في. انا الكرمة وانتم الاغصان الذي يثبت في وانا فيه هذا ياتي بثمر كثير لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا.ان كان احد لا يثبت في يطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه و يطرحونه في النار فيحترق} يو 1:15-6. يجب علينا ان نعيش حياة مقدسة بثباتنا فى المسيح يسوع ربنا حتى نحيا معه فى الحياة الابدية التى لا يكون فيها سوى الله القدوس مع القديسون من الملائكة والبشر. فان القداسة، للمؤمن تبقى في الواقع في دور كفاح ضد الخطيئة. فلم يأت بعد الزمن حيث القديسون سيدينون العالم (1 كو6: 2 -3). وإنما يجب علينا أن ننموا في القداسة استعداداً لمجي الرب (1 تس 3: 13، أع 22: 11). ففي ذلك اليوم، سوف تظهر أورشليم الجديدة، { المدينة المقدسة }(رؤ 21: 2) ويتمجَّد الرب يسوع في قديسيه (2 تس 1: 10، 2: 14).
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
11 ديسمبر 2021
فكرة لكل يوم - البشارة بميلاد يوحنا المعمدان
في بشارة رئيس الملائكة جبرائيل المبشر لزكريا الكاهن نري
١- حكمة الله والأستجابة للصلاة.. الله يسمع صلواتنا ويستجيب في الوقت المناسب، حتي مع السالكين في جميع وصايا الله واحكامه بلا لوم، لقد تأني الله علي الأستجابة لصلوات زكريا واليصابات بان يرزقهما بابن وأنتظرا البشارة بميلاد يوحنا المعمدان حتى كبرا وتقدما في الأيام لكن فى الوقت المناسب بشر رئيس الملائكة غبريال ابيه زكريا بميلاد يوحنا ليكون السابق والمعمدان وينال شرف أعداد الطريق أمام الرب يسوع المسيح ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته . في كل طلباتنا وصلواتنا علينا أن ننتظر الرب ونسلك في وصاياه بلا عيب وهو يستجيب لصلواتنا ويحقق طلباتنا في الوقت المناسب حسب حكمته وغناه في المجد. { وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا}(اف 3 : 20)
٢- الأنقياد بروح الله .. لقد امتلأ يوحنا المعمدان بالروح القدس من بطن امه عندما سمعت الصابات صوت سلام القديسة مريم العذراء وارتكض الجنين بابتهاج في بطن أمه فرحا وكان يوحنا سبب فرح وابتهاج الكثيرين وذلك
أ- لانه دعا للتوبة والرجوع الي الله ولاقت دعوته القبول وكان القديس يوحنا خير قدوة ومثال للنسك والزهد والتواضع . رد يوحنا بدعوته قلوب الاباء الي الابناء والعصاة الي فكر الأبرار، وكم من عائلات انصلح حالها وفرح أعضائها برجوع الأبناء الي حضن الاباء والامهات بدعوة يوحنا المعمدان وأثمرت دعوته بثمار روحية تليق بالتوبة.
ب- كان يوحنا منقاد بالروح في البراري الي يوم ظهوره في اسرائيل فظهر كمصلح أجتماعي يدعو من له طعام ان يعطي من ليس له ومن له ثياب ليكسي العرايا وان يكتفي الموظفين برواتبهم دون رشوة أو فساد { وَكَانَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ الَّذِينَ خَرَجُوا لِيَعْتَمِدُوا مِنْهُ: «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟. فَاصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. ولاَ تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَباً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَداً لِإِبْرَاهِيمَ. وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ». وَسَأَلَهُ الْجُمُوعُ: «فَمَاذَا نَفْعَلُ؟». فَأَجَابَ: «مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا». وَجَاءَ عَشَّارُونَ أَيْضاً لِيَعْتَمِدُوا وَسَأَلُوهُ: «يَا مُعَلِّمُ مَاذَا نَفْعَلُ؟».
فَأَجَابَ: «لاَ تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ». وَسَأَلَهُ جُنْدِيُّونَ أَيْضاً: «وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟» فَأجَابَ: «لاَ تَظْلِمُوا أَحَداً وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ».} (لو 7:3-14). وكان لهم خير مثال في الأتكال علي الله والدعوة الي الحق حتي لو واجه الحكام الظالمين وفضل يوحنا ان يموت مقطوع الرأس من ان يحيا برأس وهو منحني وراض علي الظلم والشر.
ج- توج يوحنا دعوته بان وجه أنظار الجميع الي المسيا المنتظر، العريس الحقيقي لكل نفس ودعي السيد المسيح بانه ( حمل الله الذي يرفع خطية العالم) " يو ٢٩:١" وشهد في عماده للسيد المسيح أنه أبن الله ( وانا قد رايت وشهدت أن هذا هو أبن الله) " يو ٣٤:١" .
معرفة أرادة الله - كم نحتاج في عالم اليوم لمعرفة ارادة الله في حياتنا والأنفتاح علي السماء والأمتلاء بروح الله والأنقياد له، اننا رعاة ورعية يجب ان ننسكب أمام الله بروح التضرع والصلاة لنسمع صوت الله بين الاصوات الكثيرة ونميزه ونصنع ارادة الله في حياتنا لنكون ابناء وبنات لله . في كلامنا وفي صمتنا وفي اعمالنا نتمم ارادة الله ونسعي لخلاصنا ولنكون قديسين نسعي في حياة الكمال المسيحي الذي اليه دعينا ونسلك بتواضع ونعمل الخير ونعرف الحق والحق يحررنا من الخطية والجهل والضعف والخوف ويقودنا الي الحياة الأبدية، أمين.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
07 ديسمبر 2021
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (31) المسيحى والوطن السماوى
الحياة الارضية والموطن السماوى
حياتنا غربة وموطننا الحقيقى السماء.... المسيحية تنظر الى الحياة الحاضرة كفترة غربة قصيرة، ستنتهى بافراحها واحزانها ، بضيقاتها وتجاربها التى بها نؤهل للسماء ونتنقى من الشوائب
ونرث المواعيد { في الايمان مات هؤلاء اجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها واقروا بانهم غرباء ونزلاء على الارض} (عب 11 : 13). ولاننا غرباء نعد أنفسنا لسكنى السماء نحيا حياة الإيمان ونبتعد ونتوب عن كل الخطايا التى تحرمنا من الدخول اليها {ايها الاحباء اطلب اليكم كغرباء ونزلاء ان تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس} (1بط 2 : 11).نحن على الارض فى فترة غربة واختبار ووطننا الحقيقى السماء من اجل هذا نعمل لنكنز كنوزنا هناك {لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا} (مت 19:6-21). ان حياتنا هنا كبخار ماء اذا قيست بالأبدية {لانه ما هي حياتكم انها بخار يظهر قليلا ثم يضمحل}(يع 4 : 14).اننا على يقين الرجاء نحيا فى خيمة الجسد فى عدم الاستقرار والغربه لاداء مهامنا بامانة حتى نستقر فى الحياة الابدية .ورغم قصر حياتنا على الارض فلنا رسالة سامية فيها كسفراء للسماء { اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله }(2ك 5 : 20).وهكذا نحرص غرباء او مستوطنين ان نكون مرضيين عند الله {لاننا نعلم انه ان نقض بيت خيمتنا الارضي فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد ابدي. فاننا في هذه ايضا نئن مشتاقين الى ان نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء. وان كنا لابسين لا نوجد عراة. فاننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين اذ لسنا نريد ان نخلعها بل ان نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة. ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي اعطانا ايضا عربون الروح. فاذا نحن واثقون كل حين وعالمون اننا ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغربون عن الرب. لاننا بالايمان نسلك لا بالعيان. فنثق ونسر بالاولى ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب. لذلك نحترس ايضا مستوطنين كنا او متغربين ان نكون مرضيين عنده. لانه لا بد اننا جميعا نظهر امام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان ام شرا}2كو1:5-10حياتنا على الارض أعداد للأبدية ... حياتنا على الارض اذاً هى فترة اعداد للدخول الى الابدية السعيدة وحتى نحيا فى صلة دائمة بالسماء ، كلمنا الرب يسوع المسيح ملكوت الله ونحن نصلى دائما { ابانا الذى فى السموات} لنتذكر اين سنذهب اليه { وان غفرنا للناس زلاتهم يغفر لنا ابونا السماوي زلاتنا} . وهو يدعونا الى عدم الخوف والثقة فى محبة الله كأب صالح { لا تخف ايها القطيع الصغير لان اباكم قد سر ان يعطيكم الملكوت} (لو 12 : 32). ولاننا ابناء لله بالتبنى والإيمان فنحن ورثة لملكوت السموات {لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله.اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب. الروح نفسه ايضا يشهد لارواحنا اننا اولاد الله. فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله ووارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} رو 14:8-17. الموت اذن جسر للعبور للابدية وتحرر من متاعب وأمراض واحزان الحياة لكل مؤمن تائب يحيا مع المسيح .
الكتاب المقدس والحياة فى السماء ... ان حياتنا مرتبطه بالسماء منذ ان خلق الله أدم وحواء وحتى نهاية الازمنة والقيامة العامة . أن الانسان خلق على صورة الله ومثاله ليحيا فى جنة عدن ولما سقط وطرد واصبح يأكل خبزه بعرق جبينه على الارض ويحيا فى مهمة على الارض ولرسالة يؤديها أو كاختبار لطاعته ومحبته لله لتنتهى حياته على الارض لتبدا فى السماء {فيرجع التراب الى الارض كما كان و ترجع الروح الى الله الذي اعطاها} (جا 12 : 7). تحيا الروح فى موطنها السمائى حتى القيامة العامة لتقوم الاجساد روحانية نورانية وهذا ما أكد عليه السيد المسيح {واما ان الموتى يقومون فقد دل عليه موسى ايضا في امر العليقة كما يقول الرب اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب. وليس هو اله اموات بل اله احياء لان الجميع عنده احياء} لو 37:20-38. نعم ستكون هناك دينونة للاشرار وغير المؤمنين فى كل جيل وزمان وهذا ما ذكره السيد المسيح فى تحذيره لمن لم يؤمنون به { رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان وهوذا اعظم من يونان ههنا. ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل و تدينه لانها اتت من اقاصي الارض لتسمع حكمة سليمان وهوذا اعظم من سليمان ههنا} مت 41:12-42ان كان أهل العالم الحاضر - فى دول العالم الثالث الفقيرة - يتمنون الحصول على جنسية إحدى الدول الغربية ، ليعيشوا عمرهم ، فى حياة أفضل مما هم فيه ، فكم يكون افتخارنا بالجنسية السماوية التابعة لعالم المجد ، وشكرنا على العطية السماوية والهبة المجانية ، التى وعدنا بها الرب المحب فى قوله { لا تضطرب قلوبكم ، فى بيت أبى منازل كثيرة ، وأنا أمضى لأعد لكم مكاناً ، وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً ، آتى أيضاً ، وآخذكم إلىّ ، حتى حيث أكون أنا ، تكونون أنتم أيضاً } ( يو 14 : 1 – 3 ) . وإن كنا بعد على الأرض ، فيجب أن تتعلق قلوبنا بالسماء وبامجاد الحياة هناك فى محبة وسلام وفرح كملائكة الله .
لماذا الخوف من الموت ؟ ..
يرتبط الخوف من الموت بعدم الإيمان او الخوف من المجهول الذى لا يعرفه الإنسان أو عدم التوبة وحياة الخطية والخوف من العذاب الأبدى . وقد يخاف البعض الموت لانهم يظنون انه يقضى على أحلامهم وينهى حياتهم ويفرقهم عن أحبابهم . لكن الإنسان المستعد يشتاق للأنطلاق للسماء ليس كراهية فى الحياة أو يائسا من ظروفها الصعبة لكن ليكون مع الله وملائكته وقديسيه حيث لا حزن ولا آلم ولا دموع بل فرح وسلام ومحبة فى حضرة الله وقديسيه { لي اشتهاء ان انطلق و اكون مع المسيح ذاك افضل جدا }(في 1 : 23). وعلى أقل تقدير فان المؤمن يُسلم حياته لله قائلا {لاننا ان عشنا فللرب نعيش وان متنا فللرب نموت فان عشنا وان متنا فللرب نحن} (رو 14 : 8). هكذا نحيا دائما فى سلام وافراح الأبدية قد يكون للموت مهابته ورهبته لمن ينهمك فى شهوات العالم . ويتصور انه سيفقد هذه السعادة غير ناظرا الى أمجاد السماء ، ولانه لم يرجع الينا اناس من السماء ليحدثونا عن جمالها وسعادتها التى تغنينا عن كل افراح هذا الزمان . رغم ان هناك قليلين جدا عبر التاريخ ممن ماتوا وعادوا للحياة ، خبرنا البعض عن انطلاق ارواحهم بسرعة البرق منجذبة الى خالقها عابرة الظلام المحيط بنا لتدخل الى عالم النور فى تسبيح وفرح لا ينطق به ومجيد ، حيث تتحرر الروح من ضبابية الجسد وتتسع مداركها ومعرفتها وتشتهي ان لا تعود ولا تستطيع ان تعبر عن ما شاهدته فى السماء ، هذا أختبره البعض قديما وحديثا ، وعندما صعد القديس بولس الرسول للسماء ورجع قال { اعرف انسانا في المسيح قبل اربع عشرة سنة افي الجسد لست اعلم ام خارج الجسد لست اعلم الله يعلم اختطف هذا الى السماء الثالثة. واعرف هذا الانسان افي الجسد ام خارج الجسد لست اعلم الله يعلم.انه اختطف الى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لانسان ان يتكلم بها} 2كو2:12-4. وماهى هذه الاشياء { ما لم تر عين ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله للذين يحبونه }(1كو 2 : 9).ان كان الموت شئ مرعب للاشرار والخطاة وغير المؤمنين خوفا من الجحيم وعذابه وعقابه ، فلا يجب ان ينخدعوا بمباهج الدنيا الغاشة الزائلة ، بل يسرعوا للتوبة والإيمان وعمل الخير ، ليتحول الموت الى أحتفال مفرح للابرار المنتقلين ولاهل السماء . لقد لبست أم القديس أغريغوريوس النزينزى ثياب العيد عندما حضرت جنازة ابنها قيصروس الطبيب . وكان الكثير من الشهداء يتقدمون الى الأستشهاد فرحين متهللين وذاهبين بثياب العرس للقاء العريس السماوى . وعندما حُكم على الانبا بساده الاسقف بالاستشهاد ارتدى ثياب الخدمة البيضاء وعندما سأله شماسه لماذا يلبسها؟ قال له (يا ابنى انا ذاهب الى حفل عرسى .. وقد عشت السنين الطويلة مشتاقاً الى هذا اللقاء)، ولبست تاسونى إنجيل ثياب بيضاء وهى تزف ابونا القديس بيشوى كامل زوجها للسماء . لم يرهب القديسين الموت عالمين انه انتقال للأفضل حيث لا شيطان يحارب ولا خطية تفقدنا سلامنا ولا مرض يقلق ويتعب . فلنختبر قوة الحياة المقامة مع المسيح ليكون لنا ثقة فى الله ورجاء فى الأبدية . فلو وعدنا انسان عظيم بشئ أفلا نثق بوعده؟ هوذا السيد يعدنا قائلا { انا هو القيامة والحياة من امن بي ولو مات فسيحيا }(يو 11 : 25).{ لا تضطرب قلوبكم انتم تؤمنون بالله فامنوا بي. في بيت ابي منازل كثيرة والا فاني كنت قد قلت لكم انا امضي لاعد لكم مكانا. وان مضيت واعددت لكم مكانا اتي ايضا واخذكم الي حتى حيث اكون انا تكونون انتم ايضا} يو 1:14-3. فلا نخشى الموت مادمنا مستعدين للقاء الله بالتوبة ويقين الإيمان والرجاء ، يجب ان نحترس من هلاك النفس ببعدها عن الله ووقوعها فى فخاخ ابليس ليهلك الجسد والنفس والروح. لقد تهلل سمعان الشيخ عندما راى خلاص الله وطلب انطلاق روحه للسماء { الان تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لان عيني قد ابصرتا خلاصك.الذي اعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور اعلان للامم ومجدا لشعبك ا} لو29:2-32.الشئ المحزن فى الموت هو صعوبة الفراق على الاهل والاحباء ، وهذه المشاعر الإنسانية يقدرها الله ايضا ويدعونا للحزن مع الحزانى ، وعندما ذهب السيد المسيح الى قبر لعاز بكى تأثراً حتى ان اليهود قالوا { فقال اليهود انظروا كيف كان يحبه }(يو 11 : 36). ولكن لم يقف السيد عاجزاً امام الموت بل قال للعازر لعاز هلم خارجاً فقام الميت وخرج من قبره حياً ليقول لنا لا تحزنوا كالباقين الذين ليس لهم رجاء سيقوم أحبائنا فى اليوم الأخير وسنلتقى بهم ونفرح معا بالنصرة والدخول الى سماء المجد { ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم.لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله ايضا معه} 1تس 13:4-14. اذ نستودع حياتنا فى اليد الإلهية الامينة نطوب الذين يصلون الى نهاية الرحلة بسلام { وسمعت صوتا من السماء قائلا لي اكتب طوبى للاموات الذين يموتون في الرب منذ الان نعم يقول الروح لكي يستريحوا من اتعابهم واعمالهم تتبعهم }(رؤ 14 : 13). واذ نثق فى انهم سعداء فى السماء ويصلون عنا لدى الله نستريح عالمين ايضا انهم سحابة شهود محيطة بنا { لذلك نحن ايضا اذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا }(عب 12 : 1).
السيد المسيح والسماء ....
السيد المسيح يؤكد على حقيقة السماء ... لقد أكد السيد المسيح له المجد على حقيقة وطبيعته الحياة بعد الموت للصدوقيون الذين لا يؤمنون بالقيامة { فاجاب وقال لهم يسوع ابناء هذا الدهر يزوجون ويزوجون. ولكن الذين حسبوا اهلا للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الاموات لا يزوجون ولا يزوجون. اذ لا يستطيعون ان يموتوا ايضا لانهم مثل الملائكة وهم ابناء الله اذ هم ابناء القيامة. واما ان الموتى يقومون فقد دل عليه موسى ايضا في امر العليقة كما يقول الرب اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب.وليس هو اله اموات بل اله احياء لان الجميع عنده احياء} لو 34:20-38. كما أكد الرب لنا على الحساب والمكأفاة أو العقاب بالنعيم للابرار والشقاء للاشرار بعد الانتقال لارواح المنتقلين ثم بعد الدينونة العامة للارواح متحدة بجسد القيامة { كان انسان غني وكان يلبس الارجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفها. وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروبا بالقروح. ويشتهي ان يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني بل كانت الكلاب تاتي وتلحس قروحه. فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابراهيم ومات الغني ايضا ودفن. فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب وراى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى وقال يا ابي ابراهيم ارحمني و ارسل لعازر ليبل طرف اصبعه بماء ويبرد لساني لاني معذب في هذا اللهيب. فقال ابراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا والان هو يتعزى وانت تتعذب. وفوق هذا كله بيننا و بينكم هوة عظيمة قد اثبتت حتى ان الذين يريدون العبور من ههنا اليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون الينا} لو 19:14-26 .
الفردوس وملكوت السماوات .. ان جميع المنتقلين الابرار والاشرار تنتقل ارواحهم الى مكان الأنتظار للدينونة العامة . ينتقل الابرار الى الفردوس كما ذكر السيد المسيح له المجد فى حديثه مع اللص اليمين الذى قال له {اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.فقال له يسوع الحق اقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس} لو 42:22-43. وبهذا فقد ذكر المخلص الصالح مكان انتظار الارواح البارة التى تنتقل على رجاء وتتنعم بالوجود فى الفردوس مع القديسين والملائكة وفى حضرة الله حتى المجئ الثانى للسيد المسيح ليدين الاموات والاحياء { ولما فتح الختم الخامس رايت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن اجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى ايها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الارض.فاعطوا كل واحد ثيابا بيضا وقيل لهم ان يستريحوا زمانا يسيرا ايضا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم واخوتهم ايضا العتيدون ان يقتلوا مثلهم} رؤ 9:6-11. ليقوموا فى المجئ الثانى ويرثوا ملكوت السموات ، فالله الذى خلق الإنسان من العدم قادر ان يقيمه بقدرته لتشترك الأجساد مع الروح فى الحياة الابدية وفى المكأفاة كما أشتركت فى التعب والجهاد اما الاشرار فتذهب ارواحهم الى الجحيم او الهاوية لتنظر يوم القيامة والدينونة العامة { يعلم الرب ان ينقذ الاتقياء من التجربة ويحفظ الاثمة الى يوم الدين معاقبين. ولا سيما الذين يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة ويستهينون بالسيادة جسورون معجبون بانفسهم لا يرتعبون ان يفتروا على ذوي الامجاد} 2بط 9:2-10. ثم تقوم اجساد هؤلاء وتتحد بارواحهم وتذهب الى جهنم { ثم يقول ايضا للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لابليس وملائكته } (مت 25 : 41). وهذا ما أكده الرب بقوله .{ لا تتعجبوا من هذا فانه تاتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته . فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين عملوا السيات الى قيامة الدينونة.} يو28:5-29 اما الباقين احياء الى المجئ الثانى للمسيح فسيتغيرون ويلبسون أجساد روحية نورانية على مثال جسد المسيح المقام ليكونوا معه فى ملكوتة { ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله ايضا معه. فاننا نقول لكم هذا بكلمة الرب اننا نحن الاحياء الباقين الى مجيء الرب لا نسبق الراقدين.لان الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والاموات في المسيح سيقومون اولا. ثم نحن الاحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب. لذلك عزوا بعضكم بعضا بهذا الكلام} 1تس 14:4-18
الحساب والدينونه.. قدم لنا السيد المسيح كيف يكون يوم الدينونة فى مشهد مستوحى من البيئة البدوية والزراعية التى انتشرت فى أيام خدمته { ومتى جاء ابن الانسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده.و يجتمع امامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم.لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني.عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك.ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك. ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك.فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم. ثم يقول ايضا للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لابليس وملائكته. لاني جعت فلم تطعموني عطشت فلم تسقوني. كنت غريبا فلم تاووني عريانا فلم تكسوني مريضا ومحبوسا فلم تزوروني. حينئذ يجيبونه هم ايضا قائلين يا رب متى رايناك جائعا او عطشانا او غريبا او عريانا او مريضا او محبوسا ولم نخدمك. فيجيبهم قائلا الحق اقول لكم بما انكم لم تفعلوه باحد هؤلاء الاصاغر فبي لم تفعلوا. فيمضي هؤلاء الى عذاب ابدي والابرار الى حياة ابدية } مت 34:25-46اننا سنحاسب بمقتضى إيماننا واعمالنا بكلام الإنجيل {من رذلني و لم يقبل كلامي فله من يدينه الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الاخير} (يو 12 : 48) {في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب انجيلي بيسوع } (رو 2 : 16) ولنا رجاء فى الله الكلمة المتجسد ان يرحمنا كراعى صالح يضمنا الى ملكوته السماوى {من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ايضا عن يمين الله الذي ايضا يشفع فينا} (رو 8 : 34). لانه لابد ان نقف أمام الديان العادل {ورايت الاموات صغارا وكبارا واقفين امام الله وانفتحت اسفار وانفتح سفر اخر هو سفر الحياة ودين الاموات مما هو مكتوب في الاسفار بحسب اعمالهم ، وسلم البحر الاموات الذي فيه وسلم الموت والهاوية الاموات الذين فيهما ودينوا كل واحد بحسب اعماله }(رؤ 20 : 12- 13).
قيامة السيد المسيح وقيامتنا نحن ..ان قيامة السيد المسيح بعد الصلب والموت وظهوره بجسده الروحانى الممجد للتلاميذ والمؤمنين به والتى سجل لنا الإنجيل الكثير هذه القيامة جاءت لتؤكد انتصار المسيح لنا على الموت والشيطان والخطية وكاستباق لأكتمال التاريخ ودخولنا الى الحياة الأبدية معه { اقامنا معه واجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع} أف 6:2 . قيامة الرب يسوع المسيح باكورة للراقدين ورجاء وعزاء وفرح الأحياء المؤمنين { ولكن ان كان المسيح يكرز به انه قام من الاموات فكيف يقول قوم بينكم ان ليس قيامة اموات. فان لم تكن قيامة اموات فلا يكون المسيح قد قام. وان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل ايضا ايمانكم. ونوجد نحن ايضا شهود زور لله لاننا شهدنا من جهة الله انه اقام المسيح وهو لم يقمه ان كان الموتى لا يقومون.لانه ان كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وان لم يكن المسيح قد قام فباطل ايمانكم انتم بعد في خطاياكم. اذا الذين رقدوا في المسيح ايضا هلكوا.ان كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فاننا اشقى جميع الناس.ولكن الان قد قام المسيح من الاموات وصار باكورة الراقدين.فانه اذ الموت بانسان بانسان ايضا قيامة الاموات.لانه كما في ادم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع} 1كو12:15-22. لقد وهبت لنا قيامة الرب يسوع المسيح صفحة جديدة فى سفر الأبدية لنعيش الغلبة على الشيطان والخطية والموت وجعلتنا نسير بقوة الروح القدس نحو المستقبل الابدى بخطى واثقة نحو السماء والمجد والخلود لكن كيف يقوم الأموات وباي جسد يقومون ؟... لقد اكد الكتاب المقدس اننا سنقوم باجساد روحية نورانية ممجدة على شبه جسد السيد المسيح القائم منتصرا وهذا ما شرحه القديس بولس الرسول فى رسالته الى اهل كورنثوس { لكن يقول قائل كيف يقام الاموات وباي جسم ياتون. يا غبي الذي تزرعه لا يحيا ان لم يمت. والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة او احد البواقي.ولكن الله يعطيها جسما كما اراد ولكل واحد من البزور جسمه. ليس كل جسد جسدا واحدا بل للناس جسد واحد وللبهائم جسد اخر وللسمك اخر وللطير اخر. واجسام سماوية واجسام ارضية لكن مجد السماويات شيء و مجد الارضيات اخر.مجد الشمس شيء ومجد القمر اخر ومجد النجوم اخر لان نجما يمتاز عن نجم في المجد.هكذا ايضا قيامة الاموات يزرع في فساد ويقام في عدم فساد.يزرع في هوان ويقام في مجد يزرع في ضعف ويقام في قوة. يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحانيا يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني. هكذا مكتوب ايضا صار ادم الانسان الاول نفسا حية وادم الاخير روحا محييا. لكن ليس الروحاني اولا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني.
الانسان الاول من الارض ترابي الانسان الثاني الرب من السماء. كما هو الترابي هكذا الترابيون ايضا وكما هو السماوي هكذا السماويون ايضا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس ايضا صورة السماوي. فاقول هذا ايها الاخوة ان لحما ودما لا يقدران ان يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد عدم الفساد.هوذا سر اقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير.في لحظة في طرفة عين عند البوق الاخير فانه سيبوق فيقام الاموات عديمي فساد ونحن نتغير. لان هذا الفاسد لا بد ان يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت الى غلبة.اين شوكتك يا موت اين غلبتك يا هاوية. اما شوكة الموت فهي الخطية وقوة الخطية هي الناموس. ولكن شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح. اذا يا اخوتي الاحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين ان تعبكم ليس باطلا في الرب} 1كو 35:15-58. هذا الإيمان الذى تسلمته وعاشته الكنيسة منذ عصرها الرسولى مؤمنة اننا مدعوين للإيمان والثقة فى محبة الله ولحياة الفضيلة والبر فى ايام غربتنا على الارض ليقدم لنا بسعة الدخول الى ملكوت الله والسعادة التى لا يمكن ان يعبر عنها للابرار حيث حياة الفرح والسلام والمحبة والتسبيح الدائم { فان سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها ايضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح }(في 3 : 20).
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
30 نوفمبر 2021
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح - 30 المسيحى وحياة الألتزام
مفهوم الالتزام المسيحى وأهميته ....
الالتزام هو تجاوب مع محبة الله الباذلة ... ان العلاقة بيننا وبين الله تقوم على المحبة الباذلة المسئولة من الله نحو الانسان، لقد خلقنا الله وافتقدنا بالانبياء واخيرا اتى الينا متجسداً ليقدم لنا الفداء والخلاص ويهبنا نعمة البنوة له بالإيمان فالالتزام المسيحى ليس فروض او واجبات بل هو ان نبادله المحبة { نحن نحبه لانه هو احبنا اولا} (1يو 4 : 19).الالتزام هنا يعنى ان الإنسان الروحى لكى ينال خلاصه الابدى ويحيا البنوة لله عليه ان يحيا حياة التلمذة لله وطاعة وصاياه فى حياة الجهاد للوصول الى حياة الفضيلة والبر ثابتين فى الله ومنقادين بروحه القدوس . الالتزام اذاً هو واجب علينا على ضوء كلمة الله فى الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة وفكر الاباء القديسين وهذا ما عاشته الكنيسة منذ العصر الرسولى فى تلمذة مستمرة وتقوى الله { هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته} (اع 1 : 14) {وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة واذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب} (اع 2 : 46). انه الالتزام ينبع من الحرص على المحبة المتبادلة والوفاء لله وطاعة وصاياه فى فرح وسرور { ان افعل مشيئتك يا الهي سررت وشريعتك في وسط احشائي }(مز 40 : 8)
الالتزام قيمة ومبدأ روحى ..... ان الالتزام هو التحلى بروح المسئولية كقيمة ومبدأ روحى وهو لا يعنى فقط أحترام المواعيد او الوفاء بالعهود والوعود بل أيضا يعنى ايضا الالتزام الإيمانى السليم والالتزام بالروحيات والاخلاقيات وبالسلوك الحسن أمام النفس والله قبل ان يكون مع الناس .هو فضيلة ضبط النفس وتعفف داخلى وتظهر ثماره فى علاقات الانسان الخارجية { من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا. هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا ردية. لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا ردية ولا شجرة ردية ان تصنع اثمارا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. فاذا من ثمارهم تعرفونهم. ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السماوات} مت 16:7-21. الالتزام الروحى هو مرحلة أعلى بكثير من الالزام القانونى او مرعاة قيم وعادات المجتمع والتى يخضع لها الانسان بحكم القانون وتقع عليه العقوبات أو الاحكام او الرفض الإجتماعى ان لم ينفذها فهو هنا الزام اضطرارى اما الالتزام فينبع من ضمير وروحيات الانسان واخلاقه { لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم} (2كو 1 : 12).
الالتزام والنضج الروحى ... الالتزام هو نضج روحى واحساس بالمسئولية وجهاد روحى مما يجعل الانسان ذو مصداقية راض عن نفسه ومحل احترام الغير وهو وصول الى الرجولة الروحية واحترام الانسان لوصايا الله وللوعود والعهود مع الله والغير. انه ادراك واعى لجدية الحياة الروحية { الرخاوة لا تمسك صيدا اما ثروة الانسان الكريمة فهي الاجتهاد} (ام 12 : 27). ان ادراكنا ان لنا اعداء يتربصون بنا يجعلنا نعمل بحرص ونشاط ونحن مستعدين لكل عمل صالح { اصحوا واسهروا لان ابليس خصمكم كاسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الايمان عالمين ان نفس هذه الالام تجرى على اخوتكم الذين في العالم. واله كل نعمة الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع بعدما تالمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم} 1بط 8:5-10. ان النفس التى تستسلم لحياة الكسل والرخاوة تكون العوبة فى يد الشيطان وأفكاره أما الانسان الملتزم والعامل بنشاط فانه ينمو يوماً فيوم { ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت و لكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام }(في 3 : 13). ان الالتزام هو قبول بفرح لحمل الصليب واتباع السيد المسيح فى امانة حتى الى الجلجثة لكى نستطيع ان نعاين أمجاد القيامة المجيدة { وقال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم و يتبعني } (لو 9 : 23). وكما قال القديس بولس الرسول { لاعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبها بموته }(في 3 : 10).
الالتزام وحياة الإيمان القويم ... ان الالتزام ينبع من ضرورة ان نحيا حياة الايمان { ولكن بدون ايمان لا يمكن ارضاؤه لانه يجب ان الذي ياتي الى الله يؤمن بانه موجود وانه يجازي الذين يطلبونه} (عب 11 : 6). فى الايمان عاش ابائنا القديسين ونحن مدعويين الى حياة الجهاد فى الايمان القويم المسلم للقديسين { لذلك نحن ايضا اذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا. ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله. فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم} عب 1:12-3. نحن نحافظ على الايمان ونحياه { مبنيين على اساس الرسل والانبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية} (اف 2 : 20). وعلى مدى تاريخ الكنيسة الطويل تصدى أبطال الإيمان للدفاع عن سلامة الإيمان وصحة العقيدة وكانوا ملتزمين بدحض كل الهرطقات والأفتراءات مهما كلفهم هذا من ألم واضطهاد بل وسفك دم أو استشهاد ، إننا نضع أمام عيوننا باستمرار هؤلاء البطاركة الملتزمين الجبابرة مثل القديسين أثناسيوس الرسول وكيرلس عمود الدين وباسيليوس الكبير ويوحنا ذهبي الفم وغيرهم وليس هؤلاء فقط ابطال الايمان بل ان الذين يعيشوا الايمان ويحيوه فى كل جيل محافظين على الامانة والعقيدة هم ابطال ايمان وتقوى والتزام فان الشهيد يموت مرة واحدة أما من يتمسك بايمانه وسط عالم الاثم والخطية ويحيا حياة البر والتقوى هو شهيد يمات طوال النهار كما قال القديس بولس الرسول { من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} رو 35:8-39. الالتزام اذا هو حرص وسهر على خلاص النفس وحفاظ على الايمان القويم وانتماء للكنيسة وايمانها وشركة مع الجماعة المؤمنة بالروح الواحد مع الشهادة الحسنة للمسيح الذى دعانا ان نكون نورا فى العالم وملحا فى الارض. الالتزام اذن هو ان نعيش الحياة الفاضلة بما فيها من محبة وصلاة من اجل خلاص العالم وسلامه ومن أجل كل نفس خاطئة او بعيدة عن المسيح لتذوق ما أطيب الرب .
السيد المسيح قدوة ومثال فى الالتزام
السيد المسيح والالتزام بالهدف الروحى ... لقد جاء السيد المسيح الى العالم من اجل خلاصه وهكذا دعى اسمه منذ ان بشر به الملاك "يسوع" تعنى " مخلص" { فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم }(مت 1 : 21) وهكذا سار السيد المسيح يجول يصنع خيراً ويعلم ويشفى كل مرض وضعف فى الشعب . داعيا الخطاة الى التوبة والرجوع الى الله دون ان يحيد عن طريق الصليب والفداء لقد أخبر تلاميذه قبل الصلب والفداء بما سيحدث له وانه جاء ليبذل نفسه على الصليب بارادته وسلطانه أكثر من مرة { وفيما كان يسوع صاعدا الى اورشليم اخذ الاثني عشر تلميذا على انفراد في الطريق وقال لهم.ها نحن صاعدون الى اورشليم وابن الانسان يسلم الى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلمونه الى الامم لكي يهزاوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم} مت 17:20-19. وقال للآب القدوس { انا مجدتك على الارض العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملته (يو 17 : 4) وعلى الصليب قال { قال قد اكمل ونكس راسه واسلم الروح }(يو 19 : 30). ان السيد المسيح التزم بهدفه الروحى رغم خطورته وصعوبته { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله} (عب 12 : 2). اننا عبر التاريخ كله نجد انه ما من صاحب رسالة استطاع كما السيد المسيح فى مدة تذيد قليلاً عن ثلاث سنوات ان يغير وجه العالم لا بجيوش جرارة ولا باسلحة جبارة ولا بعدوان او طغيان كما يفعل الغزاة الفاتحين بل بالمحبة والتواضع والوفاء وانكار الذات والبذل والفداء . فافكاره وتصوراته ووسائله وغاياته النبيلة والتزامه بالمحبة والبذل جعلته يمتلك القلوب وتسجد وتنحى له الرؤوس .
السيد المسيح والالتزام برسالته السامية ...لقد جاء السيد المسيح كلمة الله المتجسد من اجل رسالة سامية عمل وعلم بها منذ بدء خدمته ويلتزم بها الى المنتهى { جاء يسوع الى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل} مر 14:1-15. كان يعلم انه مسيح النبؤات الذى تنبأ عنه الانبياء والذي ينتظره اليهود مبشرا للمساكين ولتحرير الماسورين وليهب البصر والبصيره للبشر، انه جاء فاتحا باب الرجاء للخطاه من كل جنس ولون وفى بدء خدمته دخل المجمع كعادته كل سبت فى التزام روحى وفتح سفر اشعياء ليقرأ { فدفع اليه سفر اشعياء النبي ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه. روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية. واكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه الى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة اليه. فابتدا يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم. وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه} لو 17:4-22. لقد وبخ السيد المسيح الذين لم يؤمنوا به لانهم رغم النبؤات التى عينت زمن مجيئه وعلاماته ورغم تعاليمه ومعجزاته وحياته لم يؤمنوا { فاحتاط به اليهود وقالوا له الى متى تعلق انفسنا ان كنت انت المسيح فقل لنا جهرا. اجابهم يسوع اني قلت لكم ولستم تؤمنون الاعمال التي انا اعملها باسم ابي هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون لانكم لستم من خرافي كما قلت لكم. خرافي تسمع صوتي وانا اعرفها فتتبعني. وانا اعطيها حياة ابدية ولن تهلك الى الابد ولا يخطفها احد من يدي} يو 24:10-28. ولهذا نراه يمتدح اعتراف القديس بطرس الرسول بانه المسيح ابن الله الحى { ولما جاء يسوع الى نواحي قيصرية فيلبس سال تلاميذه قائلا من يقول الناس اني انا ابن الانسان. فقالوا قوم يوحنا المعمدان واخرون ايليا واخرون ارميا او واحد من الانبياء. فقال لهم وانتم من تقولون اني انا. فاجاب سمعان بطرس وقال انت هو المسيح ابن الله الحي. فاجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا ان لحما ودما لم يعلن لك لكن ابي الذي في السماوات. وانا اقول لك ايضا انت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وابواب الجحيم لن تقوى عليها} مت 13:16-18. وحتى بعد القيامة أخذ يظهر للتلاميذ والرسل ليخبرهم باسرار ملكوت السموات ويؤهلهم بالامكانيات اللازمة للقيام بالكرازة { وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها. من امن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن. وهذه الايات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بالسنة جديدة. يحملون حيات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون ايديهم على المرضى فيبراون . ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء و جلس عن يمين الله. واما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم و يثبت الكلام بالايات التابعة امين} مر 15:16-20.
السيد المسيح ومواصلة عمله الخلاصى .. لقد اختار السيد المسيح عددا قليلا من التلاميذ والرسل الذين أمنوا به ليكونوا هم طليعة المؤمنين الذين بهم ينشر رسالته الساميه فيكونوا الخميرة الصغيرة التى تخمر العجين كله وتنقل بشرى الخلاص الى العالم وبعد ان عاينوه وتتلمذوا عليه تاركين كل شئ دون تردد ولازموه حتى نهاية حياته على الارض ظهر لهم بعد القيامة وعدهم بان يكون معهم ومع من يؤمنون بواسطتهم الى انقضاء الدهر { فتقدم يسوع وكلمهم قائلا دفع الي كل سلطان في السماء وعلى الارض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس. وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} مت 18:28-20. لقد اختار السيد المسيح التلاميذ والرسل من عامة الناس وليس من ذوى الجاه او السلطان او من المتضلعين فى الشريعة او العلوم ليكون فضل القوة لله لا منهم ولكى ياتوا بثمار كثيره للملكوت ويدوم ثمرهم { ليس انتم اخترتموني بل انا اخترتكم واقمتكم لتذهبوا وتاتوا بثمر ويدوم ثمركم لكي يعطيكم الاب كل ما طلبتم باسمي} يو 16:15. ولقد التزم التلاميذ والرسل القديسين بتوصيل بشرى الخلاص الى كل العالم وقد انهى معظمهم حياته بالاستشهاد من أجل القيام برسالته ولكن كانت دمائهم هى البذار الصالحة التى نمت منها شجرة الايمان وامتدت مستندة على صخرة الايمان وستحمل الكنيسة هذه الرسالة الخلاصية عبر الزمان حسب وعده الصادق ان ابواب الجحيم لن تقوى عليها. ونحن نثق انه وان كان لنا فى العالم ضيق فاننا به منتصرين { قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم} (يو 16 : 33). فنحن نحيا الايمان ونحتمى فيه ونكرز به { اسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق و يتمنع } ( أم 18 : 10 ) فنحن ملتزمون بايماننا بمسيحنا القدوس والسعي لنشر ملكوته سواء بالقدوة او الاعمال الحسنة او الاستعداد لمجاوبة كل من يسالنا عن سبب الرجاء الذى فينا { إذ الضرورة موضوعة علىّ فويل لي إن كنت لا أبشر} (1كو 9: 16 ) المؤمن الأصيل ملتزم بالحديث عن الرب واستعلان مجده على الأرض من خلال حياته الاختبارية وإنجيله المعاش ، فالمومن لاسيما الخادم الامين ملتزم في عبادته وجهاده بخلاص نفسه ونفوس مخدوميه ،يصلي من اجلهم ويعلمهم ويقتادهم للملكوت وفي هذا كله ينال نصيبه في المكافاة فى الملكوت السماوى.
الالتزام فى حياة المؤمن
الإلتزام كمبدأ عام ... ان حياة الالتزام المسيحى كمبدأ عام فى حياة المؤمن ليس فى المجال الروحى فقط بل وفى الحياة الاجتماعية والكنسية والسياسية والاقتصادية وفى التعاملات العامة والخاصة وفى العلاقات مع الله والناس والنفس فالالتزام كل لا يتجزء وينطبق على المؤمن قول السيد المسيح له المجد {أنتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} 13:5-16. فإذا إنعزل النور عن البيت لا يفيد الساكنين فيه ، وإذا أُنتُزِعَ الملح من الطعام فلا فائدة منه، وإذا أُخرجت الخميرة عن العجين تَحجَّرَتْ وفسدت. لذا علينا أنْ نشارك بايجابية وفعالية ومحبة فى خدمة مجتمعنا والصلاة من أجله .
الالتزام بآداب التعامل والسلوك المسيحى ....
الالتزام منهج داخلي وتعهد قلبي وحياة داخلية تثمر وتظهر فى العلاقات مع الله والناس ، فيلتزم الانسان بكل كلمة يقولها وبوعوده التى يقطعها وتعهداته مع الله والناس . لقد قال بنى اسرائيل لموسى النبى{ تقدم انت واسمع كل ما يقول لك الرب الهنا وكلمنا بكل ما يكلمك به الرب الهنا فنسمع ونعمل. فسمع الرب صوت كلامكم حين كلمتموني وقال لي الرب سمعت صوت كلام هؤلاء الشعب الذي كلموك به قد احسنوا في كل ما تكلموا. يا ليت قلبهم كان هكذا فيهم حتى يتقوني ويحفظوا جميع وصاياي كل الايام لكي يكون لهم ولاولادهم خير الى الابد} تث 27:5-29. فهل سمعو وعملوا والتزموا ام خانوا العهد والوعد { ولما راى الشعب ان موسى ابطا في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هرون وقالوا له قم اصنع لنا الهة تسير امامنا لان هذا موسى الرجل الذي اصعدنا من ارض مصر لا نعلم ماذا اصابه. فقال لهم هرون انزعوا اقراط الذهب التي في اذان نسائكم وبنيكم وبناتكم واتوني بها. فنزع كل الشعب اقراط الذهب التي في اذانهم اتوا بها الى هرون. فاخذ ذلك من ايديهم وصوره بالازميل وصنعه عجلا مسبوكا فقالوا هذه الهتك يا اسرائيل التي اصعدتك من ارض مصر} خر1:32-4. وليس هؤلاء فقط بل هناك الكثيرين من الذين يسيرون وراء الشهوات والمال والعالم ويتركون الله كما يحزرنا الكتاب المقدس {ولكن اعلم هذا انه في الايام الاخيرة ستاتي ازمنة صعبة. لان الناس يكونون محبين لانفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين. بلا حنو بلا رضى ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير محبين للصلاح. خائنين مقتحمين متصلفين محبين للذات دون محبة لله. لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها فاعرض عن هؤلاء. فانه من هؤلاء هم الذين يدخلون البيوت ويسبون نسيات محملات خطايا منساقات بشهوات مختلفة. يتعلمن في كل حين ولا يستطعن ان يقبلن الى معرفة الحق ابدا. وكما قاوم ينيس و يمبريس موسى كذلك هؤلاء ايضا يقاومون الحق اناس فاسدة اذهانهم ومن جهة الايمان مرفوضون} 2تيم 1:3-8.
المؤمن الملتزم يحترم حقوق الاخرين ويلتزم حتى بدفع النذور والعشور واذيد منها ان أقتضى الامر فهو يعطى حتى من اعوازه ، ويقدر قيمة النفس البشرية كصورة الله من اى جنس ولون ودين وهو ملتزم بالمشاركة في أفراح الآخرين وآلامهم { فرحاً مع الفرحين و بكاء مع الباكين } رو 12 : 15. كما يلتزم بمساعدة المحتاجين ليس ماديا فقط بل ومعنويا وروحيا فى سعى لاعلان محبة الله لهم ولخلاصهم { مشتركين في احتياجات القديسين عاكفين على إضافة الغرباء } ( رو12: 13 ) لقد التزم داود بعمل الخير والمعروف مع كل من بقى من بيت شاول الملك من أجل يوناثان ابن شاول ، فيا ليتنا نلتزم بفعل الخير لكل أحد كطبيعة خيرة فينا كاولاد وبنات الله القديسين . نحترم المواعيد ونقدر مشاعر الاخرين ونتفهمهم ونتأنى فى الحكم عليهم . علينا اذاً ان نكون ملتزمين فى حياتنا ونطلب معونة وارشاد الروح القدس لنا فى حياتنا وننفض عنا الكسل والتراخى والتساهل مع النفس وان استلزم الامر عدم مخالطة المتسيبين والاشرار ما لم نكون أقوياء وثابتين فى الحق نؤثر ولا نتاثر بمن حولنا.
المسيحي والإلتزام بالعمل العام ... الانسان المؤمن يلتزم بالانخراط والمشاركة فى العمل العام سواء فى الحياة الاجتماعية أو السياسية او الاقتصادية وكل مجالات الخدمة العامة فى مجتمعه وبيئته ، فهو انسان له رسالة كسفير للسماء وامينا على الوزنات التى يؤتمن عليها. عليه ان يتجنب الذوبان فى المجتمع وفقدان شخصيته الإيمانيه فى المجتمع كما يتجنب الانعزال وفقدان الهوية الحلُّ الصحيح هو في الحضور الفعّال كمواطنين مسيحيين. من هنا يجب علينا أن نفهم جيداً معنى ما قاله المسيح {أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله}. فالمعنى الصحيح لهذا القول هو أن لا يتمَّ إستغلال الله لمآرب سياسية أو المتجارة بالدين ، ولا إستغلال السياسة لفرض الامور الإيمانية التى تاتى بالاقتناع القلبي . القصد من القول هو التمييز بين الإثنين. خاصة وهناك مجالات عمل مشتركة بين ما لله وما لقيصر فكرامة الانسان، الحريَّة ، العدل، السلام والمساواة ومعالجة الفقر والجهل والمرض كلها أمور من صميم الأيمان كما انها من صميم العمل الانسانى والاجتماعى والسياسى . من هنا كان الالتزام بالشأن السياسي كمواطنين مسيحيين أمر حيوي من الناحية الإيمانية أيضاً. الايمان لا يخص قومية او جنس او كنيسة بل هو محبة لله لكل انسان . مع انتماء المؤمن الى للوطن الذى يعيش فيه وخدمته والوفاء له. كما ان الايمان لا يعنى اقلية تعيش بين أكثرية وعلى هذه الاقلية ان تتدبر أمورها فهويتنا لا يجب ان تنحصر فى أقلية وأكثرية بل تقوم على كرامة الانسان وحق المواطنة التى يجب ان يتمتع بها كل إنسان . ايماننا المسيحى ليس سلعة مستوردة من الغرب ولا يحمل تبعات الغرب فى علاقته بالعالم الاسلامى فنحن مواطنين من أصل ونسيج الوطن عبر مئات والاف السنين ولنا ما لاى مواطن مصرى من حقوق وعلينا ما عليه من واجبات ولن يستطيع أحد ان يذايد على محبتنا لبلادنا أو ولائنا لترابها وماضيها ودفاعنا عن حاضرها وعملنا من أجل مستقبلها الحر الكريم إنَّ الهدف من العمل العام او السياسى هو خدمة الصالح العام وذلك ليضمن الكرامة الكاملة للإنسان كفردٍ وكجماعة. وفي هذا القول حدٌّ واضحٌ لأيِّ شكلٍ من أشكال الإستبداد الجماعي بحجَّة الأمن أوالزعم بحكم الاغلبية ، فيجب الحفاظ على حقوق الاقلية وصيانتها . كما أنَّه لا يجوز لأحدٍ أن يحتكر هذه الخدمة بحيث يمنع غيره من المشاركة الفعّالة في تسيير أمور الحياة العامة. ولا يجوز عدم مشاركة العادلة للأقليَّة فى العمل السياسي بحجَّة أنَّها أقليَّة مغايرة لدين الاغلبية تحت اى حجج او مبررات .
إنَّ المشروع السياسي المسيحي المٌنْطَلِقْ من الإنجيل، يوضِّح لنا المبادى العامة التى يجب ان يبنى عليها النظام من أخاء ومساواه واحترام وعدالة وحقوق متساويه ورفع الظلم وسيادة القانون ويترك التفاصيل لكى تتناسب مع الزمان والمكان وبما يخدم الناس كما ان من يقوموا بالعمل العام لابد ان يدفعه مبدأ الخدمة وليس المصلحة أوالتسيط أو السيادة { فدعاهم يسوع وقال انتم تعلمون ان رؤساء الامم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم . فلا يكون هكذا فيكم بل من اراد ان يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. ومن اراد ان يكون فيكم اولا فليكن لكم عبدا. كما ان ابن الانسان لم يات ليخدم بل ليخدم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين} مت 25:20-28. فالعمل السياسي إذن هو من أعمال الخدمة العامة لكلُّ المؤمنين، لكن بدرجات متفاوتة. فقد يتفرَّغ البعض له، بينما يبقى البعض الآخر مشاركاً فيه بالإضافة الى خدمة أخرى يؤدّيها في المجتمع.
والكنيسة كمؤسسة دينية توجِّه نداءها الى أبنائها والى كلِّ إنسان يريد أن يسمع صوتها. لكنَّها تأبى أن يستغلَّها أحد ليجعلها أحدَ أعوانه. الكنيسة عونٌ لكلِّ إنسان مهما كان هذا الإنسان. لكنَّها ككنيسة لا تدخل المعركة ضدّ أحدٍ وإن نَدَّدتْ بالإعتداءات أو نادت بالحقوق فمن المنطلق الروحى والانسانى فى الدفاع عن الحق ونصرة المظلومين . دور الكنيسة إذا هو دور نبوّي لتكون الضمير الحى لعصرها . أمّا المواطن، فإنَّه يدخل صفوف المعركة السياسية، لأنَّه مواطن مثل غيره، ومكانته تفرض عليه العمل من اجل مصلحة بلاده ، حيث يجب عليه أن يَتصرَّف بوحي من إيمانه. معنى ذلك أنَّه لا توجد محاذير مفروضة على المؤمن في التزامه السياسي. عليه هو أن يرى بإيمانه ما يناسب الإيمان أو لا يناسبه سوء في الحزب أو الخط السياسي الذي ينتمي اليه، وأن يَتصرَّف بحسب مبادئه الإيمانية . طبعاً هذا يفترض أن يكون الانسان المؤمن مُلِماً بأمور إيمانه. من جهة أخرى، إنَّنا نرفض وبشدَّة أمرين جوهريين في الكنيسة كمؤسَّسة: الأول أن تصمت وأن تبقى محايدة في حال وقوع الظلم وإنتهاك كرامة الإنسان وحريَّته، والثاني، أن تصبح بوقاً لتيارٍ أو حكمٍ سياسي ما. فالكنيسة الحقيقية، كنيسة المسيح الحقَّ يجب أن تكون صوت دعوة الى الحق والعدل والبر وصوت الإنسان المظلوم أوالذي أُنتُهكتْ حقوقه.
ثمار الالتزام ونتائجه ...
الالتزام والثبات فى الحق .. عندما نحيا فى التزام بمحبة الله والسير تبعا لوصاياه نثبت فيه ونأتى بثمرويدوم ثمرنا ونثبت فى محبة الله { انا الكرمة وانتم الاغصان الذي يثبت في وانا فيه هذا ياتي بثمر كثير لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا. ان كان احد لا يثبت في يطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق. ان ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي. كما احبني الاب كذلك احببتكم انا اثبتوا في محبتي. ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي واثبت في محبته. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم} يو 5:15-11.{ حبيب الرب يسكن لديه امنا يستره طول النهار وبين منكبيه يسكن }(تث 33 : 12). الالتزام يجعل الله الاول والاهم فى حياتنا ويجعلنا نعرف الحق ونثبت فيه {ِ ان ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي. وتعرفون الحق و الحق يحرركم. } (يو 31:8-32). ان للحق قوة غافرة ومحرره وقادره أن تنتصر على الشيطان والخوف والضعف .
الالتزام وحياة السلام والفرح .... الانسان الملتزم يحيا فى سلام مع الله ومع من حوله ويواصل بامانة عمل السيد فى صنع السلام وينال الطوبى اى السعادة والبركة { طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون} (مت 5 : 9) الملتزم يحيا فى فرح بالرب وبعمله الطيب وثماره { ما اجمل اقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات }(رو 10 : 15).عندما أعلن القديس بولس تقبله للقيود والشدائد التي تنتظره من أجل خدمة إلهه عقب على ذلك بقوله { ولكنني لست احتسب لشئ ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعى والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله}( أع 20 : 24 )
- الالتزام والثقة والاحترام ... الملتزم هو انسان يحترم نفسه وكلمته ووعوده وكلامه وواجباته مما يجبر الاخرين على احترامه ويجعله موضع ثقتهم فالملتزمون قدوة منيرة على الطريق. فالملتزم بضميره الحى واليقظ هو قدوة طيبة وسبب بركة عظمى للكثيرين هكذا كان يوسف الصديق فى التزامه وامانته بركة فى كل مكان حل به . نتيجة لذلك استطاع ان يحتل مكانة مرموقة فى مصر {فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجلا فيه روح الله. ثم قال فرعون ليوسف بعدما اعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك. انت تكون على بيتي وعلى فمك يقبل جميع شعبي الا ان الكرسي اكون فيه اعظم منك. ثم قال فرعون ليوسف انظر قد جعلتك على كل ارض مصر} تك 38:41-41. فالملتزمون روحياً هم الصالحون لمجالات القيادة والتدبير الروحي. الخادم الملتزم هو إنسان قيادي يستطيع أن يحقق مطالب الخدمة بغيرة ونشاط . والروح القدس يعمل في الكنيسة من خلال الامناء المخلصين هكذا عمل مع يوسف ففسر الاحلام وعمل مع الرسل وقادهم فى خدمتهم ، عمل فى الشماس اثناسيوس فدافع عن الإيمان وقاد الكنيسة لبر الامان فى ظروف قاسية وصعبة.إن الالتزام هو منهج حياة يتحول إلى عقيدة راسخة في عقلنا وضميرنا وحياتنا العملية فنحيا كانجيل معاش نٌسلم الايمان والامانة للأجيال المقبلة على أسـس الحياة السليمة المنضبطة {فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} (مت 5 : 16). وتكون لنا السيرة الحسنة والامانة والالتزام بالواجب بدافع المحبة لله والقريب كما يوصينا الكتاب وبوازع من الروح والضمير { وان تكون سيرتكم بين الامم حسنة لكي يكونوا في ما يفترون عليكم كفاعلي شر يمجدون الله في يوم الافتقاد من اجل اعمالكم الحسنة التي يلاحظونها }(1بط 2 : 12).
القمص إفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
23 نوفمبر 2021
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (29) المسيحى وحياة الأستقامة
مفهوم الاستقامة واهميتها ...
الاستقامة تعنى الصدق والبر .. ما احوجنا فى حياتنا المعاصرة التى تتميز بتسارع وتصارع الاحداث الى اناس الله القديسين الذين يحيوا حياة الاستقامة التى تعنى الصدق والبر والحق سواء بالفكر أو القول او العمل وفى السر والعلن ومع النفس والقريب والبعيد وفى عبادتهم وعلاقتهم بالله .اننا وسط عالم يكثر فيه الكذب والنفاق والرياء والتلون نحتاج الى حياة الاستقامة حتى ما تستقيم حياتنا وتنصلح امورنا .ان اصعب ما نواجهه فى حياتنا هو عدم الاستقامة سواء فى الفكر او الضمير او المبادى عندما يلبس الرياء والنفاق والخداع ثوب المجامله والتقدير، ويلبس الباطل ثوب الحق والفضيلة باسم الدين ، وتلبس الخيانة والدهاء والانتقام ثوب الدفاع عن الحق . وتلبس الرشوة ثوب الهدية المقبولة . ان الله من اجل المستقيمين والابرار يصبر على مجتمعنا وعالمنا هكذا خاطب الله ارميا النبى قديما { طوفوا في شوارع اورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها هل تجدون انسانا او يوجد عامل بالعدل طالب الحق فاصفح عنها. وان قالوا حي هو الرب فانهم يحلفون بالكذب. يا رب اليست عيناك على الحق ضربتهم فلم يتوجعوا افنيتهم وابوا قبول التاديب صلبوا وجوههم اكثر من الصخر ابوا الرجوع} ار 1:5-3.
اننا نحتاج لوجود القدوة والسلوك المستقيم فهم سر لنجاح الانسان الروحى فى كل زمان ومكان وهذا لا يتوقف على مركز الانسان اوعمره أو مكان تواجده فيوسف الصديق البار كان كعبد شاب فى مصر واستطاع ان يحيا حياة الاستقامة ورفض الاغراء والوعود الزائفة ودانيال كان فى قصر الملك وعاش مستقيم ورفض ان يتنجس باطايب الملك ولا بخمر مشروبه ، وزكريا الكاهن واليصابات عاشا زمن طويل بدون انجاب محتفظين باستقامتهما {وكانا كلاهما بارين امام الله سالكين في جميع وصايا الرب واحكامه بلا لوم} لو6:1. الانسان المستقيم يقول الحق ولا يسلك فى الباطل ويكون صادقا فى أقوله وتعاملاته ، هكذا شهد ملك اخيش عن داود النبى فى وجوده بينهم وهو هارب من وجه شاول الملك {فدعا اخيش داود وقال له حي هو الرب انك انت مستقيم وخروجك ودخولك معي في الجيش صالح في عيني لاني لم اجد فيك شرا من يوم جئت الي الى اليوم }(1صم 29 : 6).
ان الكذب والجهل والباطل والتزويير هم ضد الاستقامة حتى وان كان طريق الجاهل مستقيم فى عينيه { توجد طريق تظهر للانسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت} (ام 14 : 12). المتواضع متى اخطأ يعترف بخطئه ويتوب ويرجع اما المتكبر فيسلك فى الجهل والضلال ، هكذا كان عليم الساحر يقاوم الايمان المستقيم { فقاومهما عليم الساحر لان هكذا يترجم اسمه طالبا ان يفسد الوالي عن الايمان. واما شاول الذي هو بولس ايضا فامتلا من الروح القدس وشخص اليه. وقال ايها الممتلئ كل غش وكل خبث يا ابن ابليس يا عدو كل بر الا تزال تفسد سبل الله المستقيمة. فالان هوذا يد الرب عليك فتكون اعمى لا تبصر الشمس الى حين ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمسا من يقوده بيده} أع 8:13-11.
الاستقامة ايضا تعنى العدل والاعتدال وعدم التطرف .. ان الاستقامة تعنى العدل فتكفل لكل واحد حقه بغض النظر عن الجنس او الدين او العرق حتى وان لم يقرّه عرف أو شريعة وضعية.هكذا تعامل بنى حث مع ابراهيم ابو الاباء وهو غريب بينهم حتى قبل الشريعة المكتوبة بالاف السنين { وقام ابراهيم من امام ميته وكلم بني حث قائلا. انا غريب ونزيل عندكم اعطوني ملك قبر معكم لادفن ميتي من امامي. فاجاب بنو حث ابراهيم قائلين له. اسمعنا يا سيدي انت رئيس من الله بيننا في افضل قبورنا ادفن ميتك لا يمنع احد منا قبره عنك حتى لا تدفن ميتك} تك 3:23-6 . اما فى زمن المادية والإنانية فنجد الاخوة يتنازعوا الارث قبل مواراة جسد ابيهم فى الثرى ويقوم الابناء على الاباء والاباء على الابناء فى تكالب على المال والشهوات ويقوم الكبير على الصغير، والقوى على الضعيف ، فى ظلم وتطرف وتعصب .
ان الاستقامة صفة من صفات الله { وهو يقضي للمسكونة بالعدل يدين الشعوب بالاستقامة} (مز 9 : 8). والله يريد لنا ان نسلك بالاستقامة فهو يهدينا الى طرقة {تفرح وتبتهج الامم لانك تدين الشعوب بالاستقامة وامم الارض تهديهم } (مز 67 : 4) وبهذا شهد للسيد المسيح حتى اعدائه {فسالوه قائلين يا معلم نعلم انك بالاستقامة تتكلم وتعلم ولا تقبل الوجوه بل بالحق تعلم طريق الله} (لو 20 : 21). ان الاستقامة تجرم الظلم وتقيم العدل { هكذا قال الرب احفظوا الحق واجروا العدل لانه قريب مجيء خلاصي واستعلان بري} (اش 56 : 1). { مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة الرب} (ام 17 : 15).
الاستقامة تعنى الاعتدال وعدم التطرف سواء فى الكلام او السلوك فيحيا الانسان المستقيم دون تطرف أو قسوة او تدليل او تحييز لنفسه او غيره ولهذا راينا السيد المسيح يدين الكتبة والفريسيين فى زمانه الذين حملوا الناس احمالاً عثرة وهم لم يعملوا بها بل عاشوا فى رياء وخداع لانفسهم والناس { ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس العدل والرحمة والايمان كان ينبغي ان تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. ايها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تنقون خارج الكاس والصحفة وهما من داخل مملوان اختطافا ودعارة. ايها الفريسي الاعمى نق اولا داخل الكاس والصحفة لكي يكون خارجهما ايضا نقيا. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة. هكذا انتم ايضا من خارج تظهرون للناس ابرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء واثما} 23:23-28. الاستقامة البشرية هى انعكاس وثمرة لبرّ الله الأسمى وللرقة العجيبة التي يقود الله بها المسكونة، ويغفر بها للإنسان ويرحمة طالبا منه ان يحيا باستقامة وان يقيم العدل والاعتدال والرحمة والحق .
الاستقامة تعنى حفظ وصايا الله ... الانسان المستقيم يعمل على السير فى وصايا الله ومرضاته لان الله يسر بالمستقيمين ويخلصهم هكذا صلى داود النبى لله مع الشعب طالبا منهم حفظ وصايا الله { وقد علمت يا الهي انك انت تمتحن القلوب وتسر بالاستقامة انا باستقامة قلبي انتدبت بكل هذه والان شعبك الموجود هنا رايته بفرح ينتدب لك. يا رب اله ابراهيم واسحق واسرائيل ابائنا احفظ هذه الى الابد في تصور افكار قلوب شعبك واعد قلوبهم نحوك. واما سليمان ابني فاعطه قلبا كاملا ليحفظ وصاياك شهاداتك وفرائضك وليعمل الجميع وليبني الهيكل الذي هيات له. ثم قال داود لكل الجماعة باركوا الرب الهكم فبارك كل الجماعة الرب اله ابائهم وخروا وسجدوا للرب} 1 أخ 17:29-20. واذ يسير الانسان بالاستقامة فانه يجد احسانا وعونا من قبل الرب { واصنع احسانا الى الوف من محبي وحافظي وصاياي }(تث 5 : 10){يا ليت قلبهم كان هكذا فيهم حتى يتقوني ويحفظوا جميع وصاياي كل الايام لكي يكون لهم ولاولادهم خير الى الابد }(تث 5 : 29). {ليتك اصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر} (اش 48 : 18). هكذا يدعونا السيد المسيح لحفظ وصاياه { ان كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي }(يو 14 : 15). فحفظ وصايا الله دليل على محبتنا له وعملنا على طاعة {الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه واظهر له ذاتي} (يو 14 : 21). وحفظ الوصايا يثبتنا فى محبة الله {ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي واثبت في محبته} (يو 15 : 10).
الاستقامة تعنى الاخلاص وعدم الخيانة او الرياء... الانسان المستقيم هو انسان وفى مخلص لا يعرف الخيانة او الخبث أو الجحود أونكران الجميل . هكذا كانت دعوة السيد المسيح الى الاخلاص والاستقامة والمحبة والتسامح والرحمة ونقاء القلب وسمو الروح والاستعداد للوفاء والتضحية الى حد بذل الذات . لقد مدح السيد المسيح السامرى الذى نال منه الشفاء فرجع دون التسعة الباقين ليقدم له الشكر على نعمة الشفاء وعاتب يهوذا الخائن الذى فى رياء جاء ليقبله ليرشد عنه الذين اتو للقبض عليه ليلاً وقال خير لذلك الانسان لو انه لم يولد . لقد ادان السيد هذا الرياء فى علاقتنا بالله او بالغير { يقترب الي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيدا} (مت 15 : 8). نحن نسعى لكى نكون مستقيمى القلوب والافكار والاعمال لانه كما علمنا السيد المسيح { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسهْ (مت 16 : 26). فنحن نسعى لنكون امناء مستقيمين من اجل خلاصنا الابدى والله لا ينسى تعب المحبة التى نقوم بها من اجل اسمه القدوس { بر المستقيمين ينجيهم اما الغادرون فيؤخذون بفسادهم} (ام 11 : 6). { لان المستقيمين يسكنون الارض والكاملين يبقون فيها} (ام 2 : 21). { كن امينا الى الموت فساعطيك اكليل الحياة} (رؤ 2 : 10).
السيد المسيح وحياة الاستقامة ...
عاش السيد المسيح حياة الاستقامة وعلمها .. الاستقامة التى تتضمن القداسة والحق والصدق والعدل والوفاء وعدم الرياء والاخلاص هذا ما عاشه السيد المسيح على الارض وعلمه وكان قدوة للناس فى كل ماقال وعمل . وقد شهد بذلك تلاميذه وحتى اعدائه { نعلم انك بالاستقامة تتكلم وتعلم ولا تقبل الوجوه بل بالحق تعلم طريق الله} لو 21:20 . ولقد لام السيد المسيح هؤلاء الذين عاش بينهم حياة القداسة وهو يجول يصنع خيرا ، يشبع الجياع ويفتح أعين العميان ويقيم الساقطين والموتى ويصنع المعجزات ومع هذا اتسمت قلوبهم بالقساوة وعيونهم بالعمى وحياتهم بالرياء وقال لهم { من منكم يبكتني على خطية فان كنت اقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي} (يو 8 : 46).
جاء السيد المسيح معلما للحق.. لقد تحققت فى المسيح يسوع نبوة اشعياء النبى {هوذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سرت به نفسي اضع روحي عليه فيخبر الامم بالحق.لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتى يخرج الحق الى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الامم} مت 18:12-21 . جاء الله الكلمة متجسدا ليخبرنا الحق { قال له يسوع انا هو الطريق والحق والحياة ليس احد ياتي الى الاب الا بي} (يو 14 : 6). وشهد بالحق امام بيلاطس البنطى وهو ماض فى طريق الصليب { أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا اسلم الى اليهود ولكن الان ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس افانت اذا ملك اجاب يسوع انت تقول اني ملك لهذا قد ولدت انا ولهذا قد اتيت الى العالم لاشهد للحق كل من هو من الحق يسمع صوتي} يو 36:18-37 . ودعانا للثبات فى الحق وهو الذى لم يتملق او يجامل أحد على حساب الحق { فقال يسوع لليهود الذين امنوا به انكم ان ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي. وتعرفون الحق والحق يحرركم. اجابوه اننا ذرية ابراهيم ولم نستعبد لاحد قط كيف تقول انت انكم تصيرون احرارا. اجابهم يسوع الحق الحق اقول لكم ان كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. والعبد لا يبقى في البيت الى الابد اما الابن فيبقى الى الابد. فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون احرارا} يو 31:8-36. لقد جاء المسيح ليعرفنا طريق الحق .
الانسان المستقيم يؤمن بالحق ويعيش فيه اما الشرير فيهرب من الحق والاستقامة الى عالم الظلمة { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم واحب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة. لان كل من يعمل السيات يبغض النور ولا ياتي الى النور لئلا توبخ اعماله. واما من يفعل الحق فيقبل الى النور لكي تظهر اعماله انها بالله معمولة} يو 16:3-21.
لقد تتلمذ الرسل على تعاليم المخلص وسلموها للمؤمنين ليحيوا بها مستقيمى السريرة والسيرة ودعوا الناس الى التوبة والرجوع الى الحق {فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل }(اع 17 : 30). حتى لا يقع احد تحت حكم غضب الله باثامه { لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم الذين يحجزون الحق بالاثم. اذ معرفة الله ظاهرة فيهم لان الله اظهرها لهم. لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر. لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم واظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء} رو 18:1-22.
ابناء الله يعرفوا الحق ولا يشاكلوا أهل العالم فى جهلهم بل يحيوا فى الحق والصدق والاستقامة والوفاء { فاقول هذا اشهد في الرب ان لا تسلكوا في ما بعد كما يسلك سائر الامم ايضا ببطل ذهنهم. اذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم. الذين اذ هم قد فقدوا الحس اسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع. واما انتم فلم تتعلموا المسيح هكذا.ان كنتم قد سمعتموه وعلمتم فيه كما هو حق في يسوع. ان تخلعوا من جهة التصرف السابق الانسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور. وتتجددوا بروح ذهنكم. وتلبسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لاننا بعضنا اعضاء البعض} أف 17:4-25. فان الله يريد ان كل الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون .
السيد المسيح عاش صادقا وأمينا .. ودعى لقبه بالامين والصادق { هذا يقوله الامين الشاهد الامين الصادق } (رؤ 3 : 14). ودعانا للصدق { ايضا سمعتم انه قيل للقدماء لا تحنث بل اوف للرب اقسامك. واما انا فاقول لكم لا تحلفوا البتة لا بالسماء لانها كرسي الله. ولا بالارض لانها موطئ قدميه ولا باورشليم لانها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف براسك لانك لا تقدر ان تجعل شعرة واحدة بيضاء او سوداء. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير} مت 33:5-37.
ان الصدق يستلزم منا الامانة والابتعاد عن الرياء الذى حزرنا منه السيد الرب { ابتدا يقول لتلاميذه اولا تحرزوا لانفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء }(لو 12 : 1) لان عقابة الرياء الهلاك { ولكن ان قال ذلك العبد الردي في قلبه سيدي يبطئ قدومه. فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه وياكل ويشرب مع السكارى. ياتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها. فيقطعه ويجعل نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الاسنان} مت 48:24-51. كما حزرنا من ادانة الاخرين ودعانا لاصلاح وعلاج عيوبنا { لا تدينوا لكي لا تدانوا.لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. ام كيف تقول لاخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي اخرج اولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين اخيك} مت 1:7-5. ولقد تابع التلاميذ دعوة معلمهم الى الاستقامة والصدق { اطرحوا عنكم الكذب و تكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لاننا بعضنا اعضاء البعض }(اف : 25) { واما الان فاطرحوا عنكم انتم ايضا الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من افواهكم }(كو 3 : 8). { طهروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الاخوية العديمة الرياء} ابطر 22:1.
جاء السيد المسيح عادلا ويدعو الى العدل.. وهو الديان العادل الذي يعطى كل واحد كنحو أعماله فى عدل ورحمة { ثم رايت السماء مفتوحة واذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى امينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب} (رؤ 19 : 11) ودعانا لكى لا نحكم بالمظاهر { لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكما عادلا} (يو 7 : 24). ووبخ الكتبة والفريسيين على تركهم للعدل وتمسكهم بالشكليات ومظهرية العبادة { ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس العدل والرحمة والايمان كان ينبغي ان تعملوا هذه و لا تتركوا تلك} (مت 23 : 23). لذلك دعانا الكتاب الى السلوك بالحق والعدل { اخيرا ايها الاخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن ان كانت فضيلة وان كان مدح ففي هذه افتكروا. وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورايتموه في فهذا افعلوا واله السلام يكون معكم} في 8:4-9.
السيد المسيح يدعو الخطاة الى التوبة والاستقامة .. جاء السيد المسيح يدعونا الى الاقتداء به فى تواضعه ووداعته وزهده فى المال او المقتنيات وقد وعد انه يتكفل بنا . ولمعرفته بضعف البشر فقد جاء يدعوا الخطاة الى التوبة والبعد عن الطمع ومحبة المال ورايناه يبحث عن الخطاة ليحررهم ، بحث عن المرأة السامرية ودعاها الى التوبة وعبادة الله بالروح والحق { الله روح و الذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا }(يو 4 : 24). وعندما راى فى قلب زكا العشار رغبته فى ان يراه ذهب الى بيته وحرره من الطمع ومحبة المال { فلما جاء يسوع الى المكان نظر الى فوق فراه و قال له يا زكا اسرع وانزل لانه ينبغي ان امكث اليوم في بيتك. فاسرع و نزل وقبله فرحا. فلما راى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف. فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم. لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك} لو 5:19-10. جاء السيد المسيح ليعلن محبته للخطاة { اما الكتبة والفريسيون فلما راوه ياكل مع العشارين والخطاة قالوا لتلاميذه ما باله ياكل ويشرب مع العشارين والخطاة. فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة} مر 16:2-17.
السيد المسيح يحزرنا من العثرات ... ان حياة الاستقامة تدعونا الى الحرص والسهر على خلاص أنفسنا واخوتنا وان نحثهم على حياة الفضيلة والبر ولا ندفعهم الى العثرة او الاغراء باى صورة فهذا هو عمل أبليس وجنوده وفى البعد عن العثرات نبتعد عن من هم عثرة لنا حتى وان كانوا بمثابة اليد أو الرجل او العين اليمنى لنا ولا نكون نحن عثرة لاخوتنا واخواتنا الصغار سواء بالتعليم او القدوة او التحريض { ويل للعالم من العثرات فلا بد ان تاتي العثرات ولكن ويل لذلك الانسان الذي به تاتي العثرة. فان اعثرتك يدك او رجلك فاقطعها و القها عنك خير لك ان تدخل الحياة اعرج او اقطع من ان تلقى في النار الابدية ولك يدان او رجلان. وان اعثرتك عينك فاقلعها والقها عنك خير لك ان تدخل الحياة اعور من ان تلقى في جهنم النار ولك عينان. انظروا لا تحتقروا احد هؤلاء الصغار لاني اقول لكم ان ملائكتهم في السماوات كل حين ينظرون وجه ابي الذي في السماوات. لان ابن الانسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك} مت 7:18-11. بل يجب ان نسعى الى رد الخطاة عن طريق ضلالهم { فليعلم ان من رد خاطئا عن ضلال طريقه يخلص نفسا من الموت ويستر كثرة من الخطايا} (يع 5 : 20).
الاستقامة فى حياة الانسان المؤمن ...
الاستقامة جهاد مستمر .. ان حياة الاستقامة والبر والتقوى هى حياة تلمذة وتعلم من الراعى الصالح ، كما انها جهاد مستمر بامانة للسير والاقتداء بالمسيح . هى حياة نمو فى معرفة الله والتوبة عن الضعفات للوصول الى حفظ الوصايا والتأمل فيها والعيش فى مخافة الله بقلب طاهر غير منقسم وضمير صالح وايمان بغير رياء { واما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء} (1تي 1 : 5). حياة الأستقامة لا تعرف التعرج بين الفرقتين او الغش والمكر والخداع { فتقدم ايليا الى جميع الشعب وقال حتى متى تعرجون بين الفرقتين ان كان الرب هو الله فاتبعوه وان كان البعل فاتبعوه }(1مل 18 : 21). الاستقامة تنبع من الفكر السليم والذى يبنى على كلمة الله وعمل الروح القدس وقيادته للنفس وتقديسه للحواس والعواطف .ان أفكارنا وعواطفنا المقدسة هى الموجه لسلوكنا فان كانت أفكارنا مقدسة وعواطفنا طاهرة تكون حياتنا نقية وسلوكنا مقدس ، حواسنا وقلوبنا هى النافذة التى نرى بها العالم من حولنا والله يبحث عن مستقيمى القلوب ويخلصهم .
الاستقامة والثقة ... الانسان المستقيم هو مصدر ثقة وامانة لمن حوله وضرورة لمجتمعه . ان الاستقامة ليس فضيلة اجتماعية فقط بل هى مقياس للإيمان السليم ، فالعقيدة السليمة تقود الى حياة الاستقامة . لهذا ينبغى لابناء وبنات الله ان لا يشاكلوا أهل هذا الدهر بل يتغيروا للافضل بناء على دعوتهم المقدسة ليكونوا قديسين وكاملين { فاطلب اليكم ايها الاخوة برافة الله ان تقدموا اجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} رو 1:12-2. الاستقامة هو طريقنا للنجاح والحياة الابدية ، وتتضمن استقامة وسلامة التعليم {لاننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله لكن كما من اخلاص بل كما من الله نتكلم امام الله في المسيح }(2كو 2 : 17){ قد رفضنا خفايا الخزي غير سالكين في مكر او غاشين كلمة الله بل باظهار الحق مادحين انفسنا لدى ضمير كل انسان قدام الله }(2كو 4 : 2). ولهذا نداوم على حفظ استقامة التعليم الذى نتلقاه ونعلمه لغيرنا { لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك لانك اذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك ايضا }(1تي 4 : 16).
صفات الانسان المستقيم ...
أ*- الامانه والصدق ... الاستقامة تحلى صاحبها بالامانه { من يسلك بالاستقامة يسلك بالامان ومن يعوج طرقه يعرف }(ام 10 : 9) . سواء فى عبادته وعلاقته بالله او بالاخرين . فيكون امينا فى وعوده ومواعيده وفى حفظة لاسرار الغير وفى توبته عن خطاياه واخطائه والتماسه الاعزار لضعفات الغير ، كما ان الانسان المستقيم هو انسان صادق لا يعرف الغش أو الخداع ولا يرضى بالمكسب او المنفعة التى تأتى من طريق غير مستقيم . الاستقامة تجعلنا أمناء فى القليل وتجعل الله يقيمنا على الكثير { الامين في القليل امين ايضا في الكثير والظالم في القليل ظالم ايضا في الكثير} (لو 16 : 10). والاستقامة تجعل الانسان يحرص على خلاص نفسه فلا يكون لديه ازدواجية فى المعايير ويهتم بالتدقيق فى الامور الصغيرة لانه ان لم نتخلص منها تكبر وتتفاقم وتشكل خطر على استقامة حياتنا الروحية وخلاصنا .
ب*- البعد عن الشر والخطية... الاستقامة تجعل صاحبها يحيد عن الشر والخطية ويصنع الخير { منهج المستقيمين الحيدان عن الشر حافظ نفسه حافظ طريقه} (ام 16 : 17). هكذا كان ايوب البار { فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدي ايوب لانه ليس مثله في الارض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر} (اي 1 : 8). وهذا ما اوصى به الرب سليمان الحكيم عندما تراءى له { وانت ان سلكت امامي كما سلك داود ابوك بسلامة قلب واستقامة وعملت حسب كل ما اوصيتك وحفظت فرائضي واحكامي. فاني اقيم كرسي ملكك عن اسرائيل الى الابد كما كلمت داود اباك قائلا لا يعدم لك رجل عن كرسي اسرائيل. ان كنتم تنقلبون انتم او ابناؤكم من ورائي ولا تحفظون وصاياي فرائضي التي جعلتها امامكم بل تذهبون وتعبدون الهة اخرى وتسجدون لها. فاني اقطع اسرائيل عن وجه الارض التي اعطيتهم اياها والبيت الذي قدسته لاسمي انفيه من امامي ويكون اسرائيل مثلا وهزاة في جميع الشعوب. وهذا البيت يكون عبرة كل من يمر عليه يتعجب ويصفر ويقولون لماذا عمل الرب هكذا لهذه الارض ولهذا البيت. فيقولون من اجل انهم تركوا الرب الههم الذي اخرج اباءهم من ارض مصر وتمسكوا بالهة اخرى وسجدوا لها وعبدوها لذلك جلب الرب عليهم كل هذا الشر } (1مل 9 : 4-9). وهذا جعل القديس بولس يدافع عن استقامته {لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم }(2كو 1 : 12)
ج- الاستقامة والثقة فى الله .. الانسان المستقيم يثق فى الله ولا يتكل على سلطة او مال ويكون عفيف طاهر الفكر والجسد والروح . ان من اعداء الانسان الذين يحارب بهم الشيطان الانسان المستقيم، شهوة الجسد وشهوات العيون وتعظم المعيشة . الانسان الملتوى يتمسك بالسلطة ليجد فيها المركز والامان اما المستقيم فيحتمى فى الرب { الاحتماء بالرب خير من التوكل على انسان. الاحتماء بالرب خير من التوكل على الرؤساء (مز 118 : 8- 9). الثقة فى الله تجعلنا لا نتكل على الغنى او المادة ايضا { لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان و طعنوا انفسهم باوجاع كثيرة} (1تي 6 : 10). ويكون المال لنا خادم جيد وليس عبداً قاسى لهذا يوصي الانجيل الاغنياء ان يتكلوا على الله لا الغنى { اوص الاغنياء في الدهر الحاضر ان لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع} (1تي 6 : 17). ولنتعود على حياة الشكر لله والعرفان بالجميل فى كل شئ أننا دخلنا العالم بلا شئ وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشىء . وحيث أننا لم ندخل العالم بشىء لذا فإن كل شىء نحصل عليه يجب أن نأخذه بشكر وعرفان بالجميل .. لذا فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما . الاستقامة تعلمنا أن تشكر على كل شىء مهما صغر والشكر لا يجعل مكاناً فى قلوبنا للتذمر أو الطمع.
كما ان الاستقامة تجعلنا نحرص فى علاقتنا لاسيما فى العلاقة بالجنس الاخر ان تكون علاقات طاهرة تتسم بالاتزان والالتزام وتوجيه الانظار الى المسيح المشبع لعواطفنا وارواحنا ونفوسنا وهذا الحرص يلازم الانسان فى كل مراحل حياته فداود القوى سقط عندما أهمل حرصه وعاش حياة الكسل والترف وترك المعركة الروحية ليتطلع على اسرار الغير { طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها اقوياء }(ام 7 : 26) فلا تعطى لنفسك وجسدك فرصة للخطية واشغل وقتك بما هو صالح ومفيد فوقت الفراغ هو الفرصة الثمينة التى نعطيها لإبليس ليحاربنا ويسقطنا فى الخطية. لابد ان نشبع ارواحنا بمحبة الله وننشغل بأهداف الله السامية وخطته العظيمة لحياتنا ورؤيته المقدسة لخلاص العالم .وكلما عشنا فى مخافة الله ننمو فى حياة الاستقامة لنصل الى القداسة والكمال النسبى الذى يستطيع المؤمن الوصول اليهما .
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد