المقالات
16 نوفمبر 2021
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (28) المؤمن والجهاد الروحى
انسان الله والجهاد الروحى ..
خلق الله الانسان على صورته ومثاله .. نحن مخلوقين على صورة الله ونستطيع ان نحيا حياة الجهاد والنصرة ونستخدم ما لدينا من فكر وعواطف وارادة وكل طاقاتنا فى تمجيد اسم الله والانتصار على قوى الشر .ان اردنا وسعينا الى ذلك فى جهاد وقداسة وبر. { فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم} تك 27:1. لقد خلقنا الله بروح لا تموت بل تنتقل الى عالم الخلود بعد الموت.ومنحنا الله عقل بشري يتسم بالحكمة والتمييز ونعمة التفكير وبنفس لها دوافعها وارادتها وقلب له عواطفه وميوله والانسان كائن حر وعاقل ومسئول ولما سقط الانسان بمخالفة الوصية لم يتركه الله بل وهبه الضمير الاخلاقى الذى يقوده للتمييز بين الخطأ والصواب ثم تكلم معنا الله من خلال الاباء والانبياء واخيراً تجسد الله الكلمة ليقودنا دفعة اخرى الى معرفته الحقيقية ويهبنا حياة ابدية ودعانا الى حياة الكمال والقداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب .
الله لنا اباً وعونا فى الطريق الروحى .. لم يتركنا بلا مرشد او معزى فى طريق الجهاد بل ترك لنا كلمته المقدسة فى الإنجيل كنور وحياة { كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتاديب الذي في البر. لكي يكون انسان الله كاملا متاهبا لكل عمل صالح} 2تيم 16:3-17. ووهبنا الوسائط الروحية التى تبنى الروح وتغذيها وجعل لنا من الصلاة صلة وعلاقة بها نتحدث معه حديث المحبة كآب صالح يستمع لنا ويعلمنا ويرشدنا واعطانا نعمة روحة القدوس { واما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم} (يو 14 : 26). ويجب علينا ان ننقاد فى حياتنا بروح الله لنكون اناس روحيين نغلب تيار الأثم الذى فى العالم وقوى الشر الروحية والخطية بإيماننا وبصلتنا بالله وبروحه القدوس {لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله. اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب. الروح نفسه ايضا يشهد لارواحنا اننا اولاد الله.فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله و وارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} رو 14:8-17.
الجهاد الروحي فى الحياة .. نحن فى فترة اختبار أو جئنا لمهمة ورسالة فى الحياة وعلينا بالجهاد الروحى من توبة وصلاة وصوم وسهر وبذل وخدمة وعطاء وصبر على التجارب والضيقات وفي ذلك يشترك الجسد والنفس والفكر والضمير والروح والارادة من اجل إرضاء الله وصنع إرادته ومقاومة الأهواء سواء أتت من داخل الإنسان وميوله أو من البيئة المُعثرة في إغرائها أو سواء أتت من الشيطان في حروبه سواء كانت حروب يمينية كالكبرياء والمجد الباطل او حروب شماليه من شهوات وكراهية وصغر نفس وغيره من خطايا لاننا لا نجهل حيل الشيطان .
ان القلب المحصن بمحبة الله والفكر المقدس الذى يعمل على إرضائه والحواس المختومة بالنعمة والجسد المضبوط بالجهاد لا يجعل للخطية مكان فينا {واما انت يا انسان الله فاهرب من هذا واتبع البر والتقوى والايمان والمحبة والصبر والوداعة . جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياة الابدية التي اليها دعيت ايضا واعترفت الاعتراف الحسن امام شهود كثيرين} (1تي 6 : 11-12). لقد سار ابائنا القديسين هذا الطريق من قبلنا مقتدين بالمعلم الصالح ونحن نقتفى أثارهم وكما سلك ذاك ، هكذا نسلك نحن ايضاً لنكون مشابهين صورة ابنه { لان الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين اخوة كثيرين }(رو 8 : 29). واذ نحيا كاناس الله القديسين فانه سيقيمنا فى اليوم الاخير { فان سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها ايضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح. الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته ان يخضع لنفسه كل شيء} فى20:3-21.
الضمير الصالح وتنميته ...
الضمير هو أحد المرجعيات فى حياتنا .. التى ينبغى ان نراعيها وننميها فى حياتنا لتكون رقيبا ودافعا للتصرف الحسن ومبكتاً لنا على الخطية أو سوء التصرف {في جميع اعمالك اقتد بضميرك فان ذلك هو حفظ الوصايا }(سير 32 : 27). وان كان الضمير ايضا قد يتأثر بالعادات والقيم المجتمعية لكنه كالعقل او الروح يمكن ان نقويه او نضعفه . ان عدم تبكيت الضمير للإنسان على الخطأ فهذا يمثل خلل فيه وقد ينحرف الضمير بان يفرح الانسان بالشر. فيظن انه بقتل الاخرين او ايذائهم يفعل الخير كما قال السيد المسيح { بل تاتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة لله} (يو 16 : 2). هكذا كان شاول الطرسوسى يفعل مع المسيحيين الاول وشهد هو بذلك بقوله { وانا اشكر المسيح يسوع ربنا الذي قواني انه حسبني امينا اذ جعلني للخدمة. انا الذي كنت قبلا مجدفا ومضطهدا ومفتريا ولكنني رحمت لاني فعلت بجهل في عدم ايمان. وتفاضلت نعمة ربنا جدا مع الايمان والمحبة التي في المسيح يسوع. صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول ان المسيح يسوع جاء الى العالم ليخلص الخطاة الذين اولهم انا. لكنني لهذا رحمت ليظهر يسوع المسيح في انا اولا كل اناة مثالا للعتيدين ان يؤمنوا به للحياة الابدية} 1تيم12:1-16. يجب ان تتعاون الاسرة والمجتمع والتربية والدين والقيم ليكونوا مهذبا ومربيا للضمير الاخلاقى الواعى والمستقيم .
تأثر الضمير بالوسط المحيط وضبطه ... الضمير قد يقع تحت تاثير المعرفة او العاطفه او تاثير الجماعة او القاده او الارادة وان كان الضمير يمثل الى حد كبير صوت الله داخلنا حتى قبل الانبياء فهو الشريعة الادبية والباعث الاخلاقى لدى الانسان التقى الذى يحاسب نفسه ويرجع الى صفاء ضميره ولكن يجب ان نسترشد مع الضمير الى روح الله وكتابه المقدس ويجب ان لا نقاوم ضميرنا أو نجعله يسير كقشة فى مهب الريح مع ريح الاعلام الموجه او تأثير اصدقاء السوء او ضعاف العقول الذين يسعون الى عدم الخير او هدم الغير ويجب ان نتدرب ان يكون لدينا الضمير الصالح { لذلك انا ايضا ادرب نفسي ليكون لي دائما ضمير بلا عثرة من نحو الله و الناس} (اع 24 : 16) وان يكون ضميرنا غير منحاز الى تبرير تصرفاتنا بل موجهاً لارادتنا نحو الخير ولا يتهرب الانسان من تبكيت الضمير أو دفعه اياه نحو الخير والسلام بل ننقاد لله ووصاياه فى ضمير كل منا { لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم (2كو 1 : 12). ان وصايا الله الهدف منها ان يكون لدينا محبة لله والناس من قلب طاهر وضمير صالح {واما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء} (1تي 1 : 5).
العقل ونعمة التفكير السليم ..
نعمة العقل والتمييز .. يمتاز الانسان عن غيره من الكائنات الحيه الاخرى بنعمة العقل والتفكير والقابلية للتعلم وأكتساب المعرفة ورغم التفاوت فى نسب الذكاء أو فرص أكتساب المعرفة فيوجد لدينا القدرة على التمييز والفحص والدراسة وقبول بعض الافكار والاقتناع بها ورفض ما لا يبنينا او ما نراه خطأ . يجب ان نسعى لاكتساب المعرفة الروحية فالجهل وعدم المعرفة من اسباب هلاك الانسان وانقياده الى الخطية والانحراف { قد هلك شعبي من عدم المعرفة } (هو 4 : 6) وترجع أهمية العقل والفكر الى انه هو الموجه للارادة نحو التصرف والافعال والتى تتولد منها العادات والسلوك ومن مجموع العادات تكون حياتنا كما يقولون فالانسان عادات تمشى ومن ثم تكون حياتنا وبمقتضاها تكون ابديتنا ايضاً فقل لى بماذا تفكر أقول لك من انت كما قال أحد الفلاسفة .
قد يتأثر الفكر بالثقافة السائدة فى المجتمع او بالعواطف المتغيرة من حين الى أخر وقد يعانى البعض من الجهل وعدم الادراك لابعاد الموضوعات أو المشكلات والكيفية السليمة لمواجهتها وقد يخضع العقل للمؤثرات العائلية او تاثير الاعلام او قادة الدين او الفكر فى المجتمع ونحن لا نفكر بعقلانية تامه بل قد تلعب العاطفة دورا هاما فى توجيه العقل مثل وقوع الشباب تحت تاثير الشهوة فى علاقات خاطئة تحت تاثير العاطفة مما يؤثر على حياتهم ومستقبلهم .
الأستنارة الفكرية والحكمة ... نحن فى حاجة دائمة للاستنارة الفكرية والحصول على الحكمة بكلمة الله كسراج يضئ الطريق للانسان { لان كلمة الله حية وفعالة وامضى من كل سيف ذي حدين وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة افكار القلب و نياته} (عب 4 : 12). كما نحتاج للصلاة كصلة روحية بالله ومنه نستلهم سلامة الفكر{ لانه من عرف فكر الرب فيعلمه واما نحن فلنا فكر المسيح} (1كو 2 : 16). { لتكن اقوال فمي وفكر قلبي مرضية امامك يا رب صخرتي ووليي} (مز 19 : 14). نحتاج لانارة العقل بسير القديسين وأقوال الاباء الذين ساروا فى الطريق قبلنا وتجربوا وانتصروا وتركوا لنا خبرتهم لنتعلم منها. ونحتاج الى التوبة والتجديد المستمر لننقاد بروح الله {فاميتوا اعضاءكم التي على الارض الزنى النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الاوثان.الامور التي من اجلها ياتي غضب الله على ابناء المعصية. الذين بينهم انتم ايضا سلكتم قبلا حين كنتم تعيشون فيها. واما الان فاطرحوا عنكم انتم ايضا الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من افواهكم. لا تكذبوا بعضكم على بعض اذ خلعتم الانسان العتيق مع اعماله.ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه} كو 5:3-10. وكلمنا اقتربنا من الله عرفنا أفكاره من نحونا { اني عرفت الافكار التي انا مفتكر بها عنكم يقول الرب افكار سلام لا شر لاعطيكم اخرة ورجاء} (ار 29 : 1). { وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوع }(في 4 : 7).
الجسد الإنساني في المسيحية ...
كرامة الجسد الانساني .. لقد اخذ الجسد الإنساني كرامة ومجداً بتجسد الله الكلمة { والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الأب مملوء نعمة وحقاً } يو 1 : 14 . لقد شابهنا الرب يسوع المسيح في تجسده في كل شيء ما عدا الخطية وحدها وعندما قام من الموت وصعد للسماء فانه صعد بجسد القيامة النورانى الروحانى الممجد للسماء ليكون سابق لأجلنا. إن الكنيسة تؤمن بقيامة الجسد في اليوم الأخير للمكافأة أو العقاب { لأننا لا بد جميعاً أن نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد منا ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً } 2 كو 5 : 10 .وتكرم الكنيسة والمؤمن الجسد الإنساني ذلك الكيان الأنسانى الذي يحمل نسمة الحياة داخله من الله ، وهو هيكل الروح القدس الذي يحل عليه بالعماد والميرون المقدس ليقدسه ويطهره " أم لستم تعلمون إن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله ولستم لأنفسكم " . الجسد هو الكيان الذي يتناول من الأسرار المقدسة {من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير} يو 6 : 54 . إن أجسادنا لها كرامتها بكونها أعضاء جسد المسيح السري الذي هو كنيسته المقدسة {أم لستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء جسد المسيح } 1 كو 6 : 9 . وهذا الجسد الترابي وان مات وتحلل فانه سيقوم جسد نوراني ممجد في القيامة العامة ليحيا في السماء {الذي سيغير جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء} في 3 : 21 . ولهذا تكرم الكنيسة رفات القديسين وتضعهم تحت المذبح وفي الكنائس لأنهم أكرموا الله في أجسادهم وأرواحهم التي لله . لقد أقامت عظام اليشع النبي الميت عندما لامسته قديماً وكانت المناديل وعصائب القديس بولس المأخوذة من على جسده تشفي الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة . وما زالت رفات القديسين تصنع المعجزات في كنائسنا حتى اليوم لأنها تحمل سمات وقوة أشخاصهم وهم كسحابة شهود محيطة بنا وليسوا عنا ببعيد والرب اله أبائنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب واثناسيوس وانطونيوس ومار جرجس اله أحياء وليست اله أموات لان الجميع عنده أحياء .
الأهواء والشهوات الجسدية .. المسيحي مطالب أن يسير ويحيا بالروح ، لا حسب الأهواء والشهوات الجسدية بل ينقاد بروح الله للقداسة والمحبة والسلام {الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات} غلا 5 : 24 . أي إننا مطالبون أن نصلب الأهواء والشهوات من النفس وليس ضد الجسد كلحم ودم فالنفس العفيفة تجعل الجسد مقدساً فأعمال وأهواء الطبيعة البشرية العتيقة الخاطئة هي التي نحاربها ونجاهد ضدها. إن علاج الخطيئة والشهوات الجسدية هو محبة الله والشركة معه فعندما ننجذب لله ونتحد به بالأسرار والمحبة تتقدس أجسادنا وتعود لنا الصورة الإلهية للإنسان المخلوق على صورة خالقه في القداسة والبر.
إن الجسد بما فيه من أجهزة وأعضاء بشرية كلها مقدسة وطاهرة حتى الأعضاء التناسلية لها كرامتها الفائقة كمستودع لامتداد الحياة البشرية والتعبير عن المحبة الطاهرة ، سر الزواج مقدس فلماذا يستحى البعض من أعضاء لم يستحى الله إن يخلقها بل إعطاها قدسية واحترام { فان الجسد أيضا ليس عضواً واحداً بل أعضاء كثيرة . لا تقدر العين أن تقول لليد لا حاجة لي إليك ولا الرأس أيضا للرجلين لا حاجة لي إليكما . بل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر اضعف هي ضرورية. وأعضاء الجسد التي نحسب أنها بلا كرامة نعطيها كرامة أفضل } 1 كو 12 : 14 – 23. فإن أردت لجسدك كرامة ومجداً ولكيانك وجوداً فاعلاً وحياة أبدية فليكن ذلك بان تحترمه وتزينه بالوداعة والتواضع وتسعى في اقتناء الفضائل ولا يجب ان نعثر أحد بميول الجسد فننحرف عن قصد الله السامى فى خلقه لنا بل تكون اجسادنا اداة لمجد وخدمة الله . أن الاتضاع يعطي الانسان كرامة {ثوب التواضع هو مخافة الرب هو غنى وكرامة وحياة} أم 22 : 4 .فلا تخاصم جسدك أو تكرهه بل ربيه وقوته لكن تدليله بالأكل الذائد أو الكسل فيثور عليك ولا تضعفه وتهمله وتقسوة عليه فيعتل ويعجز عن الخدمة كما يليق .إن النسك والزهد المسيحي هو حياة ترك وبذل للذات من اجل المسيح الذي بذل ذاته عنا فهو حب وبذل وصوم وجهاد روحي .
الطهارة والعفاف المسيحي.. فضيلة ايجابية تعني طهارة الوجدان وقداسة الفكر الداخلي وعفة الحواس والجسد سواء للشباب وللبتولين . وللمتزوجين فالطهارة هي الامتناع عن عمل ما لا يحل من شهوات جسدية تتعارض مع السلوك الروحي حسب وصايا المسيح . فان الزواج المسيحي سر مقدس يعمل فيه الله ليوحد الاثنين {ويكون الاثنان جسداً واحداً فالذي جمعه الله لا يفرقه الإنسان} مت 19 : 5. إن الأب السماوي يبارك الزواج المسيحي وهو الذي ككل أبوينا ادم وحواء في الفردوس وبارك الرب يسوع عرس قانا الجليل . ويعمل الروح القدس ليقدس الزوجين ويرفع الزواج ليكون كسر اتحاد المسيح بالكنيسة ويقدس الرب البيت المسيحي وكلما كانت محبة الله في بيوتنا انتفى الخصام ويحب الرجل زوجته كنفسه ويبذل من اجل سعادتها وتحترم الزوجة رجلها وتطيعه في تفاهم وتضحية ولا يكون لأحد منهما سلطان على جسده بل للأخر . ويوحد الروح القدس اتصالهما وتكون العشرة الزوجية تعبيراً عن هذا الحب المقدس والوحدة . وتكون ثمرة البطن الأبناء مصدر سعادة للأسرة ولبناء ملكوت الله على الأرض وفي السماء، وتكون الحياة في تفاهم وانسجام وحب واحترام وتعاون وبذل، شهادة لإيماننا وسعادة لحياتنا وعون للأسرة للسعادة على الأرض و الدخول للملكوت السماوي .
القلب والعواطف وتقديسها ...
القلب هو مركز العواطف .. ليس المقصود بالقلب فى الحياة الروحية مضخة الدم العاملة بلا توقف لتغذية الجسم كله بالدم بل الانسان الداخلى بما فيه من مشاعر وانفعالات ومحاسبة للذات والله يهتم كثيرا بالقلب والعواطف وتقديسها ويطلب منا ان نعطيه القلب { يا ابني اعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي }(ام 23 : 26). ويجب ان نتحفظ ونراقب قلبنا ومشاعره { فوق كل تحفظ احفظ قلبك لان منه مخارج الحياة }(ام 4 : 23) ويطلب منا الله ان نحبه من كل القلب { ثم فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك} (مت 22 : 37) وبالقلب نطلب الله ونعبده بمشاعر صادقة فنجده ويعلن لنا ذاته { ان طلبت من هناك الرب الهك تجده اذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك }(تث 4 : 29).
نقاوة القلب والجهاد الروحي.. انتصار الانسان على الخطية او الانانية او الشيطان لابد ان ينبع من الداخل بالتوبة القلبية مع تجديد القلب والسعى للوصول الي نقاوة القلب ليحل الله بالإيمان فيه بنعمة الروح القدس لانه من فضلة القلب يتكلم الفم { الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والانسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فانه من فضلة القلب يتكلم فمه} (لو 6 : 45) . وليس معنى ان يكون القلب غير صالح ان يترك الانسان نفسه للشر بل ان نعود لله بالتوبة والاعتراف ونعمل على اصلاح القلب القاسى او الملتوى او المنقسم { فالان انزعوا الالهة الغريبة التي في وسطكم واميلوا قلوبكم الى الرب } (يش 24 : 23). { ولكن الان يقول الرب ارجعوا الي بكل قلوبكم وبالصوم و البكاء والنوح (يؤ 2 : 12). فيجب ان لا نقسى قلوبنا ونستمع لصوت الرب { اذ قيل اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم كما في الاسخاط} (عب 3 : 15). ويجب ان نصلى { ليحل المسيح بالايمان في قلوبكم} (اف 3 : 17). ان اقتناعنا بالاهتمام بنقاوة القلب واهمية خلاص انفسنا وسعينا فى طرق الجهاد يملأ قلوبنا بنعمة وثمار الروح القدس التى نحتاجها من محبة وسلام وفرح وإيمان ولطف وعفة وطول إناة وصبر فتكون صلواتنا مشاعر صادقة وقلوبنا طاهرة ومسكناً لله .
ان البعض تقودهم عواطفهم ومشاعرهم فقط بما فيها من محبة أو بغضة، هدوء وفرح او غضب أو فتور، فتراهم يتصرفون بلا توازن داخلي بين العواطف والفكر والضمير والروح وقيادة روح الله وكلامه . لكن الانسان الحكيم هو الذى يتحرك وفقا لكل الانسان الداخلى وحتى عواطفه تأتى متوازنة بين البساطة والعمق والجدية والفرح وفى حياتنا نعطى لكل شئ وقته المناسب فى مجال الاهتمام والرعاية للانسان وعلاقته بذاته وباسرته واصدقائه ودراسته وعمله وخدمته وعبادته ولكل المسئوليات التى توكل اليه .
الارادة الانسانية وبناء الانسان...
مفهوم الارادة الانسانية ... الارادة هى قوة النزوع والرغبة لعمل شئ او الامتناع عنه وفقا لقيم الفرد أو تصوراته ومصالحه. والانسان حر بطبيعته ولهذا فهو مسئول عن تصرفاته وافعاله أمام الله والناس والانسان المخلوق على صورة الله ومثاله هو خير بطبيعته ولكن هناك الكثير من العوامل التى قد تضعف من الاراده او تقويها والارادة السليمة تحتاج الى سلامة الجسد والنفس والروح والبيئة الاجتماعية ونضال الانسان فى مجتمعه للحصول على التكيف الاجتماعى وبناء الذات وفقا لإيمانه ومبادئه .
ضعف الارادة وتقويته ... ان الشهوة ، سواء شهوة الجسد او المال او المناصب او الانتقام او غيرة قد تضعف الارادة لاسيما ان لم يضبط الانسان ذاته وشهواته ويطردها من القلب قبل ان تتملك فيه كما اشتهت امنا حواء الشجرة المحرمة { فرات المراة ان الشجرة جيدة للاكل وانها بهجة للعيون وان الشجرة شهية للنظر فاخذت من ثمرها واكلت واعطت رجلها ايضا معها فاكل} تك 6:3. لقد سيطرت شهوة الانتقام على قايين رغم قدرته على السيادة عليها لكنه انصاع لها وقتل اخيه { ان احسنت افلا رفع وان لم تحسن فعند الباب خطية رابضة واليك اشتياقها وانت تسود عليها} (تك 4 : 7). كما ان البيئة الخاطئة توثر على الارادة دون ان ترغم الانسان على الوقوع فى الخطأ لذلك فان يوسف العفيف رفض الخضوع للخطية وهو مباع عبد وسط ظروف صعبة لهذا علينا ان نبتعد عن مسببات الخطية لئلا تضعف ارادتنا { لا تضلوا فان المعاشرات الردية تفسد الاخلاق الجيدة} (1كو 15 : 33). فيجب ان نعاشر الاصدقاء الروحيين ونبنى انفسنا على ايماننا الاقدس فالله يريد خلاصنا { الله يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون} (1تي 2 : 4). لقد عاتب السيد المسيح قديما اهل اورشليم قائلاً { يا اورشليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها كم مرة اردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا} (مت 23 : 37).
ان اردت ان تحيا قوى الارادة فاعمل على ان تكون مسيطراً على ذاتك ضابطأ لنفسك فتحيا لا كقصبة تحركها الريح كيف تشاء ولكن كجبل لا تهزه الاحداث ولا تؤثر فيه الشرور المحيطة به . المؤمن القوى بمبادئه واخلاقه وقيمة يؤثر فيمن حوله ان العيش فى مخافة الله وعبادته بمحبة وبنفس راغبة مصدر سعادة المؤمن { ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك} (تث 10 : 12). لنصنع الحق ونقوله ونعمله مع أنفسنا قبل ان نطالب به الغير ونتواضع أمام الله الرحوم { قد اخبرك ايها الانسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب الا ان تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعا مع الهك (مي 6 : 8). ولنحرص على الارتباط بالله ووسائط النعمة المقوية للارادة من صوم وصلاة وقراءة فى كلمة الله والاستجابة لعمل روحه القدوس ولنقتدى بمخلص النفوس الذى اذ وجد فى الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع الآب السمائى حتى موت الصليب من أجل السرور الموضوع امامه مستهينا بالخزى فجلس عن يمين العظمة. ونحن يجب ان نغصب أنفسنا على طاعة الله ومحبته وصنع الخير من أجل ان نكون ابناء لله مقتدين بتعاليمه وكما علمنا {ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يختطفونه }(مت 11 : 12) وعندما نبدأ بالتغصب لاكتساب عادات جيده تقوى ارادتنا وصلتنا بالله ونعمل الخير بالارادة الحرة.
الروح الانسانية والانقياد لروح الله ...
الروح الانسانية هى باعث الحياة .. وهى النفخة التى من الله المخلوقة على صورته ومثاله وهى عنصر الحياة التى توجد بارتباط الروح بالجسد عند الخلق { وجابل روح الانسان في داخله }(زك 12 : 1) وهى التى نفخها الله فى آدم فصار نفساً حيه { وجبل الرب الاله ادم ترابا من الارض ونفخ في انفه نسمة حياة فصار ادم نفسا حية} (تك 2 : 7). والروح تفارق الجسد بالموت لتصعد الى الله الذى خلقها { يسلم الروح كل بشر جميعا ويعود الانسان الى التراب} (اي 34 : 15). والروح خيره وتسعى الى الصلاح لكنها قد تنساق وراء شهوات الجسد او ميول النفس أو أفكارالانسان وميوله النفسية. ان الكثير حتى من غير المؤمنين مثل الهندوس والذين يمارسون اليوجا كرياضة روحية يستطيعوا بالتداريب الروحية الوصول الى قوى روحيه ساميه ويسلكوا حياة صالحة بعيدة عن شهوات العالم أما للمسيحى فعليه ان يقوى روحه ويدربها فى طريق البر والفضيلة والتقوى وايضا يعمل على أضرام موهبة الروح القدس داخله ويشترك فى العمل مع الله ليقتنى ثمار ومواهب الروح القدس داخله ليصل الى السمو الروحى المسيحى .
صلتنا بالروح القدس .. نحن بالعماد نولد من الروح القدس وننمو حتى نصل الى شركة الروح القدس وثماره ومواهبه فينا { اجاب يسوع الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب اني قلت لك ينبغي ان تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من اين تاتي ولا الى اين تذهب هكذا كل من ولد من الروح} يو 5:3-8 . وبالميرون المقدس نختم بمسحة الروح القدس لتكون لنا مسحة مقدسة وخاتم لا ينحل ونغرس كابناء لله بالتبنى فى كنيسة الله المقدسة { اما تعلمون انكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم} 1كو 16:3. ان روح الله القدوس يشترك فى العمل مع المؤمن متى استجاب له ويبكته الروح على الخطية فيتوب عنها ثم يحثه على عمل البر والخير والصلاة لنصبح حارين فى الروح (رو11:12) وبهذا تكون حياتنا الروحية ملتهبه بعمل روح الله فينا فى الصلاة والخدمة والعمل لمجد الله وكلما ينمو الانسان فى النعمة ويطلب قيادة الروح القدس له يمتلئ بالروح (أف 18:5) لنحصل على ثمار الروح القدس فينا { واعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة. عبادة الاوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة. حسد قتل سكر بطر وامثال هذه التي اسبق فاقول لكم عنها كما سبقت فقلت ايضا ان الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله. واما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول اناة لطف صلاح ايمان. وداعة تعفف ضد امثال هذه ليس ناموس. ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الاهواء و الشهوات.ان كنا نعيش بالروح فلنسلك ايضا بحسب الروح} غل 19:5-25.
ان الروح القدس يعزى المؤمن فى الضيق ويشبعه ويرويه ويجعله موصل جيد لنعمة الله كما قال السيد المسيح { وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب. من امن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه } يو 37:7-39. وهكذا امر السيد المسيح تلاميذه ان لا يخدموا بدون ان تحل نعمة الروح القدس عليهم فى يوم الخمسين { وفيما هو مجتمع معهم اوصاهم ان لا يبرحوا من اورشليم بل ينتظروا موعد الاب الذي سمعتموه مني... لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض} أع 4:1،8.
للروح الانسانية غذائها ... كما قال السيد الرب { ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله }(مت 4 : 4).فان كنا نهتم باجسادنا ونغذيها بالعناصر اللازمة لبناء الجسم فان الروح تحتاج الى ان تشبع بكلمة الله وبالصلاة والعلاقة القوية بروح الله وطلب ارشاده وقيادته لنا والتناول والاجتماعات الروحية والترانيم والالحان الروحية والمعاشرات الروحية والتلمذة وعمل الخير والتحلى بالفضائل كما يجب ان نبتعد بها عن كل ما هو خطية وشر وضار ومعدى من خطايا وان اخطانا عن جهل او كسل او نسيان فيجب ان نسرع الى التوبة ولا نعود اليها حينئذ نتبرر وننقاد بروح الله { لا شيء من الدينونة الان على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح} رو 8:1. ولنحيا يا احبائي بالروح لا فى حرفية أو شكلية العبادة بل فى حكمة وافراز ويكون حتى كلامنا بقوة الروح { لان لستم انتم المتكلمين بل روح ابيكم الذي يتكلم فيكم }(مت 10 : 20). ان النمو الروحى يمتد ليصل بنا الى الكمال المسيحى الذى فيه نحقق قول السيد الرب { فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل }(مت 5 : 48).
اننا يجب ان نستخدم فى حربنا كل اسلحة الحرب الروحية لننتصر عل حيل ابليس وجنوده ونتقوى فى الايمان بروح الصلاة والصوم والتواضع ونتمسك بكلمة الله القادرة على هدم حصون الشر ونطلب ارشاد الروح القدس ونستدعى قوة ربنا يسوع المسيح وسلطانه القادر يقودنا فى الجهاد الموضوع أمامنا { اخيرا يا اخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تثبتوا ضد مكايد ابليس. فان مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات. من اجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تقاوموا في اليوم الشرير وبعد ان تتمموا كل شيء ان تثبتوا. فاثبتوا ممنطقين احقاءكم بالحق ولابسين درع البر. وحاذين ارجلكم باستعداد انجيل السلام. حاملين فوق الكل ترس الايمان الذي به تقدرون ان تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله. مصلين بكل صلاة و طلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لاجل جميع القديسين} أف10:6-18. وعندما يرى الله اخلاصنا فى طاعته ومحبته فانه يمدنا بالحكمة والقوة والنعمة ويكمل جهادنا بسلام .
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
09 نوفمبر 2021
حياة التقوى القيم الروحية (27)
حياة التقوى مفهومها وأهميتها..
حياة التقوى هى مخافة الله فى السر والعلن التقوى تعنى العيش فى مخافة الله وطاعة وصاياه وان نعطى الله الاحترام والمهابة والتوقير كنتيجة لعلاقة المحبة والعبادة والمعرفة لطبيعته المقدسة والإيمان بحضوره الدائم فى كل مكان ومعرفته لما فى القلوب والخفايا فان كانت الرياضة الجسدية نافعة للحفاظ على سلامة الجسد فالتقوى نافعة وضرورية لحفظ الانسان من الخطية والوصول به الى الملكوت السماوى كما يعلمنا الكتاب المقدس{ لان الرياضة الجسدية نافعة لقليل ولكن التقوى نافعة لكل شيء اذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة } (1تي 4 : 8) .
التقوى حكمة روحية {رأس الحكمة مخافة الرب} مز10:111 فالانسان الذى يخاف الله يبتعد عن الخطية لكى لايتعرض للعقوبة ويخاف من السقوط لان الخطية تفصله عن الله وملائكته وقديسيه وملكوته فالمخافة تدفعنا الى حفظ الوصايا ومن المخافة ننتقل تدريجياً لنصل الى المحبة الكاملة، والتقوى بهذا تحفظنا من الاستهتار او الاستهانة او الاهمال كما تدفعنا على الامانة وحياة القداسة {مكملين القداسة فى خوف الله } 2كو1:7.
تقوى الله تقودنا الى التوبة المستمرة لنصل الى الكمال المسيحى الواجب علينا السير فيه ان حياتنا الروحية، تحتاج إلى تمرين وممارسة وتعوُّد، إن الإنسان يحتاج أن يحفظ نفسه طاهرًا من جهة الفكر والعواطف والتصرفات. وعلينا ان ندرب انفسنا على التقوى ومخافة الرب وضبط النفس، والتدقيق فى ما نشاهده أو نسمعه أو نقرأه ونتدرب على فحص النفس والاعتراف بالأخطاء، وسرعة الرجوع إلى الرب وإلى المسار الصحيح. والاستفادة من اخطاء الاخرين او أخطائنا ومعرفة أساليب العدو الشيطان . والاعتياد على الوجود في محضر الرب، والحديث معه بصدق وإخلاص. وإدراك أنه يرانا واننا سنقدم حساباً عما نفكر فيه او نعمله.
سر الله لاتقيائه والنعمة تسندهم اننا لسنا وحيدين فى جهادنا الروحى للوصول الى التقوى وارضاء الله فالمؤمن التقى يجد التعزية والقوى والنعمة من عمل الروح القدس كما سمعان الشيخ { وكان رجل في اورشليم اسمه سمعان وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية اسرائيل والروح القدس كان عليه. وكان قد اوحي اليه بالروح القدس انه لا يرى الموت قبل ان يرى مسيح الرب } (لو 2 : 25-26)فسر الرب لخائفيه {سر الرب لخائفيه وعهده لتعليمهم } (مز 25 : 14). كما جاء عن اب الاباء ابراهيم {فقال الرب هل اخفي عنابراهيم ما انا فاعله. وابراهيم يكون امة كبيرة و قوية ويتبارك به جميع امم الارض.لاني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده ان يحفظوا طريق الرب ليعملوا برا وعدلا لكي ياتي الرب لابراهيم بما تكلم به} تك 17:18-19 وما أروع ما قيل عن دانيال { حينئذ لدانيال كشف السر فى رؤيا الليل } دا 19:2 ان الله أمين وعادل مع اتقيائه ويهبهم كل ما هو للحياة والتقوى ولكن يجب علينا ان نكون أمناء فى حياتنا ونجتهد فى حياة الايمان والفضيلة بمعرفة وصبر {كما ان قدرته الالهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة. اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية هاربين من الفسادالذي في العالم بالشهوة. ولهذا عينه وانتم باذلون كل اجتهاد قدموا في ايمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة. وفي المعرفة تعففا وفي التعفف صبرا وفي الصبر تقوى. وفى التقوى مودة اخوية وفي المودة الاخوية محبة. لان هذه اذا كانت فيكم وكثرت تصير كما لا متكاسلين ولا غير مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح. لان الذي ليس عنده هذه هواعمى قصير البصر قد نسي تطهير خطاياه السالفة. لذلك بالاكثر اجتهدوا ايها الاخوة ان تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين لانكم اذا فعلتم ذلك لن تزلوا ابدا. لانه هكذا يقدم لكم بسعة دخول الى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الابدي} 2بط 3:1-11.
التقوى في علاقاتنا بالله.. ان التقوى هى تجاوب عملى من المؤمن تجاه محبة الله ورحمته { فاجتاز الرب قدامه "موسى النبى" ونادى الرب الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء. حافظ الاحسان الى الوف غافر الاثم والمعصية والخطية} خر6:34-7. الله الذى من أجل محبته يديم لنا الرحمة {تراءى لي الرب من بعيد ومحبة ابدية احببتك من اجل ذلك ادمت لك الرحمة} ار 3:31.ازاء محبة الله ورحمته لابد ان يكون لدينا تعلق بنوى به وطاعة أمينة لوصاياه وان نعبده بمحبة ولكى نصل للمحبة الكامله لابدان نبتدئ بالمخافة والتقديس { فالان يا اسرائيل ماذا يطلب منك الرب الهك الا انتتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك. وتحفظ وصايا الرب وفرائضه التي انا اوصيك بها اليوم لخيرك} تث 12:10-13.ونتيجة لتقوى الله لابد ان يكون لدينا محبة أخوية للأخرين مقتدين بصلاح الله وخيريته { بم اتقدم الى الرب وانحني للاله العلي هل اتقدم بمحرقات بعجول ابناء سنة. هل يسر الرب بالوف الكباش بربوات انهار زيت هل اعطي بكري عن معصيتي ثمرة جسدي عن خطية نفسي. قد اخبرك ايها الانسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب الا ان تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعا مع الهك} مي 6:6-8.
التقوى سلوك وحياة .. التقوى ليس ممارسة طقوس ولا عبادة لله بالحرف بل بالروح والحق وهى تعنى الصلاح الرحيم والأمانة فى العلاقات { يا رب من ينزل في مسكنك من يسكن في جبل قدسك.السالك بالكمال والعامل الحق والمتكلم بالصدق في قلبه.الذي لايشي بلسانه ولا يصنع شرا بصاحبه ولا يحمل تعييرا على قريبه. والرذيل محتقر فيعينيه ويكرم خائفي الرب يحلف للضرر ولا يغير. فضته لا يعطيها بالرب ا ولا ياخذ الرشوة على البريء الذي يصنع هذا لا يتزعزع الى الدهر} مز 1:14-5.هذا ما أكد عليه الانبياء { اني اريد رحمة لاذبيحة ومعرفة الله اكثر من محرقات} هو 6:6 . وأكد عليه السيد المسيح له المجد { فاذهبوا وتعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مت 9 : 13). ان الانسان التقى بالعبريه حيسد هو انسان أمين وتقترن عبادته لله بالأمانة التى نفتقدها هذه الأيام الصعبة { ولكن اعلم هذاانه في الايام الاخيرة ستاتي ازمنة صعبة. لان الناس يكونون محبين لانفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين. بلا حنو بلارضى ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير محبين للصلاح. خائنين مقتحمين متصلفين محبين للذات دون محبة لله. لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها فاعرض عن هؤلاء }2تيم1:3-5.
التقوى تجعل الانسان يقاوم ضد الخطية حتى الدم والنفس الاخير من أجل المواعيد وقيامة أفضل { في الايمان مات هؤلاء اجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها واقروا بانهم غرباء ونزلاء على الارض. فان الذين يقولون مثل هذا يظهرون انهم يطلبون وطنا. فلو ذكروا ذلك الذي خرجوا منه لكان لهم فرصة للرجوع. ولكن الان يبتغون وطنا افضل اي سماويا لذلك لا يستحي بهم الله ان يدعى الههم لانه اعدلهم مدينة} عب 13:11-16. واذ نعلم العالم يمضى وشهوته معه يجب ان نحيا فى سيرة مقدسة وتقوى { لا يتباطا الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتانى علينا وهو لا يشاء ان يهلك اناس بلان يقبل الجميع الى التوبة. ولكن سياتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الارض والمصنوعات التي فيها.فبما انهذه كلها تنحل اي اناس يجب ان تكونوا انتم في سيرة مقدسة وتقوى.منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وارضا جديدة يسكن فيها البر. لذلك ايها الاحباء اذ انتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب في سلام} 2بط 9:3-14
السيد المسيح وحياة التقوى والبر ...
قداسة السيد المسيح وتقواه .. السيد المسيح فى تجسده على الارض شابهنا فى كلشئ ما خلا الخطية وحدها وقد قال للذين قاوموه من اليهود {من منكم يبكتني على خطية فان كنت اقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي} (يو 8 : 46) . وقد تنبأ عن تقواه اشعياء النبى قديما { ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من اصوله. ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضي بحسب نظر عينه ولا يحكم بحسب سمع اذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالانصاف لبائسي الارض ويضرب الارض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والامانة منطقة حقويه} أش 1:11-5. وعندما قام السيد المسيح بشفاء المولود أعمى منذ ولادته وجاد له المقاومين من اليهود عن من هو السيد المسيح راينا يشهد بتقواه { اجاب الرجل وقال لهم ان في هذا عجبا انكم لستم تعلمون من اين هو وقد فتح عيني. ونعلم ان الله لايسمع للخطاة ولكن ان كان احد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع. منذ الدهر لميسمع ان احدا فتح عيني مولود اعمى. لو لم يكن هذا من الله لم يقدر ان يفعل شيئا}يو 30:9-33. بل شهد له الآب قائلا {و فيما هو يتكلم اذا سحابة نيرة ظللتهم و صوتمن السحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا }(مت 17 : 5).
السيد المسيح هو سر تقوانا ..
لقد جاء السيد المسيح متجسداً لكى يرينا كيف نحيا حياة التقوى مقدما لنا ذاته مثالنا لكى ما نتبع خطواته ولكى مايقودنا الى الايمان كى نحيا سر التقوى كما قال الإنجيل { وبالاجماع عظيم هو سرالتقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الامم اومن به في العالم رفع في المجد }(1تي 3 : 16). لقد ظهر الله فى الجسد وصار لنا براً وقداسةً بالروح القدس وقدم ذاته عوضاً عن الخطاة وتراءى للملائكة وتهللت بميلاده العجيب وكرز به بين الامم للإيمان والخلاص وصعد بمجد عظيم الى السموات لياتى ديانا عادلا فى اليوم الاخير ان سر التقوى للمؤمنين باسمه انه القادر وحده بمحبته انينفذ الى أعماقنا ويطهرنا من كل خطية ويفتدينا ويصالحنا مع الآب القدوس .
السيد المسيح وتعاليمه عن تقوى الله ...لقدعلم السيد المسيح ونادى بتقوى الله بين الناس لا بمعنى مخافته فحسب بل بمعنى الإيمان به ومحبته والاخلاص فى التعبد له وحفظ وصاياه والتمثل بصفاته حتى الاتحادبه لنصير واحداً معه ويصير الله هو الكل فى الكل . لقد قاوم السيد المسيح شكلية العبادة { هذا الشعب قد اقترب اليٌ بفمه وأكرمنى بشفتيه ، وأما قلبه فأبعده عنى وصارت مخافتهم منى وصية الناس} أش 13:29 . فجاء السيد المسيح واقترب منا واعلن لنا ابوه الله وبين نظرته للخطاه كمرضى يحتاجون الى العلاج وانه جاء ليبحث عن الضال ليرده {وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه. فتذمر الفريسيون والكتبة قائلين هذا يقبل خطاة وياكل معهم. فكلمهم بهذا المثل قائلا. اي انسان منكم له مئة خروف واضاع واحدامنها الا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لاجل الضال حتى يجده. واذا وجده يضعه على منكبيه فرحا. وياتي الى بيته ويدعو الاصدقاء والجيران قائلا لهم افرحوا معي لاني وجدت خروفي الضال. اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة} لو 1:15-7. { هكذا ليست مشيئة امام ابيكم الذي في السماوات ان يهلك احد هؤلاء الصغار} مت 14:18.
لقد عرف الناس ابوة الله ورحمته وسيبقى حاضرامعنا وحالاً بالإيمان فينا ليعرفنا ويقودنا ايضاً { ايها الاب البار ان العالم لم يعرفك اما انا فعرفتك وهؤلاء عرفواانك انت ارسلتني. وعرفتهم اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكون انا فيهم } يو 25:17-26.
محبة الله ومخافته فى تعاليم السيدالمسيح .. لقدأكد السيد المسيح على ان محبة الله هى الركيزة الاولى التى يبنى عليها الايمان المسيحى {وساله واحد منهم وهو ناموسي ليجربه قائلا. يا معلم اية وصية هي العظمى فى الناموس. فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء} مت 35:22-40. ولقد كان السيد المسيح المثل الاعلى لمحبة الآب القدوس فالمحبة تصل الحد الأعلى لها عندما يكون المحب والمحبوب وحدة واحدة مطلقة { قال له فيلبس يا سيد ارناالاب و كفانا. قال له يسوع انا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي رانى فقد راى الاب فكيف تقول انت ارنا الاب . الست تؤمن اني انا في الاب والاب فىّ الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي لكن الاب الحال في هو يعمل الاعمال. صدقونى اني في الاب والاب في والا فصدقوني لسبب الاعمال نفسها} يو 8:14-11.
وكما علمنا المسيح له المجد ان نحب الله فقد علمنا أيضاً ان نحيا فى مخافته كديان عادل يجازى كل واحد كنحو أعماله ان كان خيراً او شراً { بل اريكم ممن تخافون خافوا من الذي بعدما يقتلله سلطان ان يلقي في جهنم نعم اقول لكم من هذا خافوا. اليست خمسة عصافير تباع بفلسين وواحد منها ليس منسيا امام الله. بل شعور رؤوسكم ايضا جميعها محصاة فلاتخافوا انتم افضل من عصافير كثيرة. واقول لكم كل من اعترف بي قدام الناس يعترف بهابن الانسان قدام ملائكة الله. ومن انكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله} لو5:12-9. فاننا سننال المكافأة او الجزاء على أفكارنا وأعمالنا من الله { وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس. عالمين انكم من الرب ستاخذون جزاء الميراث لانكم تخدمون الرب المسيح. واما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة} كو23:3-25.
المسيحى والتقوى ...
ان التقوى تشتمل على عنصريين اساسيين عنصر العبادة والمحبة لله والطاعة لوصاياه وعنصر ممارسة أعمال البر ومحبة الاخرين وخدمتهم والباعث لذلك هو روح البنوة للآبفى المسيح يسوع ربنا بنعمة وعمل الروح القدس { لذلك ونحن قابلون ملكوتا لا يتزعزع ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى} عب 28:12 . والتقوى من الفضائل الأساسية، التي على المؤمنين لاسيما الرعاة والخدام ان يتحلو بها { واما انت يا انسان الله فاهرب من هذا واتبع البروالتقوى والايمان والمحبة والصبر والوداعة. جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياةالابدية التي اليها دعيت ايضا } اتيم 11:6-12. ان نعمة الله المخلصة تستوجب علينا السير فى طريق البر والتقوي { لانه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس. معلمة ايانا ان ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر. منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح.الذي بذل نفسه لاجلنا لكي يفدينا من كل اثم ويطهر لنفسه شعبا خاصا غيورا في اعمال حسنة} تي11:2-14.
والتقوى تُعطي القوة لاحتمال الاضطهادات، التيهي نصيب أولئك الذين تتمثّل تقواهم بتقوى المسيح {واما انت فقد تبعت تعليمي وسيرتى وقصدي وايماني واناتي ومحبتي وصبري. واضطهاداتي والامي مثل ما اصابني في انطاكية وايقونية ولسترة اية اضطهادات احتملت ومن الجميع انقذني الرب. وجميع الذين يريدونان يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون} 2تيم 10:3-12.
سمات الاتقياء وثمار التقوى ...
سعيد ومبارك هو المؤمن التقى {طوبى لكل من يتقّيالربّ ويسلك في طرقه} (مز 128- 1) . فانه مثل الشجرة المغروسة عند مجاري المياه التي تعطى ثمرها في أوانها وورقها لا يذبل. وكل ما يصنعه ينجح. ومن أجمل هذه الثمارالتي تظهر في حياة الاتقياء
البر والقداسة... {فإذ لنا هذه المواعيد أيها الاحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكمّلين القداسة في خوف الرب} (2كو 7-1). الله يدعونا ان نحيا حياة البر والقداسة وهذه الثمار يجب أن تظهر يوميا في كل ما نريد أن نفعله، فحياة الخشوع والتقوى تنتج عنها مستويات عاليه من القداسة والطهارة.
التواضع والوداعة ... من مظاهرالتقوى التواضع والوداعة أمام الله والناس لهذا طالبنا السيد المسيح ان نتعلم منه{ احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم }(مت 11 : 29). وضرب لنا مثالاً عن أهمية التواضع فى حياة التقوى بالفريسى والعشار { وقال لقوم واثقين بانفسهم انهم ابرار ويحتقرون الاخرين هذا المثل. انسانان صعدا الى الهيكل ليصليا واحد فريسي والاخر عشار. اما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا اللهم انا اشكرك اني لستمثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. اصوم مرتين فى الاسبوع واعشر كل ما اقتنيه. واما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحوالسماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ. اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاك لان كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع} لو 10:18-14.لقد راينا تواضع السيد المسيح ووداعته فى كثير من المواقف ولاسيما فى غسله لارجل تلاميذه { فلما كان قد غسل ارجلهم واخذ ثيابه واتكا ايضا قال لهم اتفهمون ما قد صنعت بكم.( أنظر ستجد المزيد من عظات القمص افرايم الأنبا بيشوى هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين). انتم تدعونني معلما وسيدا وحسنا تقولون لاني انا كذلك. فان كنت وانا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فانتم يجب عليكمان يغسل بعضكم ارجل بعض.لاني اعطيتكم مثالا حتى كما صنعت انا بكم تصنعون انتم ايضا}يو 12:13-15.
الإيمان والقناعة والأمانة ..الاتقياء تتولد لديهم ثقة بالله وايمان بمحبة الله ورعايته تجعلهم يعيشوا حياة الاتكال على الله والشعورالدائم بحضور الله { جعلت الرب امامي فيكل حين. لانه عن يميني فلا اتزعزع. لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي. جسدي ايضا يسكن مطمئنا.لانكلن تترك نفسي في الهاوية لن تدع تقيك يرى فسادا. تعرفني سبيل الحياة امامك شبع سرور في يمينك نعم الى الابد} مز 8:16-11. ومن الايمان تتولد الطاعة لله والتضحيةلأجله. {الآن علمت أنك خائف الله فلم تُمسلك ابنك وحيدك عني} (تكوين22: 12). والتقوى تولد القناعة ايضا { واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة }(1تي 6 : 6).لانبركة الرب تغنى الاتقياء وتشبع كل احتاجاتهم اما محب المال فلا يشبع { لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان و طعنوا انفسهم باوجاع كثيرة }(1تي 6 : 10). ومع التقوى والايمان يحيا الانسان أمينا فى حياته وعلاقاته وصلواته وخدمته والامين فى القليل يقيمه الله على الكثير ويرث ملكوت السموات .
البعد عن الشر وصنع الخير .. الانسان التقى يبغض الشر ويصنع الخير { حد عن الشر واصنع الخير ، اطلب السلامة واسع وراءها} مز14:34.المتقى الرب يبغض الشر وينفر منه ويصنع الخير حبا فى الله والخير والغير من اجلالله . لقد راينا كيف كان دانيال والفتية الثلاثة أمناء يحيدوا عن الشر حتى لو رفضوا أوامر الملك و اطايب الأكل واكتفوا بالبقول فى صومهم فكافاهم الله وانقذ دانيال من الاسود والفتية الثلاثة من أتون النار وهكذا عاشوا معاً متغربين لكنفى وصية الله وطاعته عاشوا معاً فى صداقة روحية {رفيق أنا لكل الذين يتقونك} (مز119:63). «حينئذ كلَّم متقو الرب كل واحد قريبه. والرب أصغى وسمع... للذين اتقوا الرب،المفكرين في اسمه» (ملا3: 16).
التقوى وحياة التسليم والشكر لله .. حياة التسليم والثقة في الرب. {مَن هو الإنسان الخائف الرب؟ يُعلِّمه طريقًا يختاره} (مز: 12). إنه التقىلا يثق في نفسه وفي اختياراته، لهذا تجدالاتقياء يطلبوا عون الله وارشاده لهم فى الطريق التى يسلكوا فيها وهو يقودهم بروحه القدوس او بكلمته الله وبقديسيه ولهذا تنجح طرقهم فيحيوا حياة الشكر { لذلك ونحن قابلون ملكوتا لا يتزعزع ليكن عندنا شكر بهنخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى (عب 12: 28).
نتائج تقوى الله فى حياة المؤمن ..
مخافة الرب والصحة النفسية . فمخافة الرب تعالج القلق { في مخافة الرب ثقة شديدة } (أم26:14) ، كما أنها تعالج الاكتئاب { القليل مع مخافة الرب، خير من كنز عظيم مع هم } (أم16:15) . كما أن تقوى الله تعطى ثقة فى الله والنفس وتمنع الخوف من الناس ، التقوى تحمل معها البركة وطول العمر { مخافة الرب تزيد الأيام } (أم27:10) ، فالخائف الرب دائماً فرحان،ومكتوب أن { القلب الفرحان يطيّب الجسم } (أم22:17) ، ومثل هذا المؤمن لا يعانى من الأمراض الجسدية الناتجة عن متاعب نفسية مخافة الرب و النجاح الاسرى والشخصى . وكما جاء فى المزمورعن الانسان المتقى الرب { طوبى لكل من يتقي الرب ويسلك في طرقه.لانك تاكل تعب يديك طوباك وخير لك. امراتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك.هكذا يبارك الرجل المتقي الرب. يباركك الرب من صهيون و تبصر خير اورشليم كلايام حياتك. وترى بني بنيك} 1:128-6. فلا يتخلى الله عن أتقيائه او حتى نسلهم { كنت فتى وقد شخت، ولم أرَ صديقاً تُخلـّى عنهاو ذرية له تلتمس خبز } (مز45:37) كماان الانسان التقى الامين يكون موضع ثقة الناس ورضاء الله ويعلن له الله اسرارهويحيا فى سلام المسيح ورعايته ويرث الحياة الابدية { ان الذين رقدوا بالتقوى قدادخر لهم ثواب جميل }(2مكا 12 : 45).ان كلمة الله فى الكتاب المقدس والواقع العملى فى الحياة تؤكد على ان حياة التقوى هىحياة تقود الى البركة والسعادة والغبطة والنجاح وتهب الانسان سلام ورضا وقناعة دائمة حتى وسط الضيقات أو التجارب { احبوا الرب يا جميع اتقيائه الرب حافظ الامانة ومجاز بكثرة } (مز 31 : 23). وما اجمل انيرضى الله عنا { يرضى الرب باتقيائه بالراجين رحمته }(مز 147 : 11).
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
02 نوفمبر 2021
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح - 26 المسيحى وحياة التسامح والغفران
حاجتنا الى التسامح والغفران ...
التسامح والغفران علاج للتعصب والكراهية .. وسط عالم يسوده الكراهية والعنف والحقد ومحاولات الايذاء أو السيطرة على الغير أو استغلالهم أو اذلالهم، ومع ما نشاهده من انتشار الحروب والقلاقل وقتل الابرياء تحت مختلف الحجج ولما نراه من التمييز الدينى والطبقى والعرقى والجنسى فان مجتمعاتنا المعاصرة فى حاجة الى روح التسامح والمغفرة التى تنبع من حياة وتعاليم السيد المسيح الذى جال يصنع خيراً على الارض وسامح وغفر للذين اساؤا اليه وحتى الذين صلبوه والذين اخذوا يصيحون حوله مطالبين له بحكم الموت على الصليب، نجده ينظر اليهم فى شفقة طالبا من الاب السماوى لهم الغفران {فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون} (لو 23 : 34) ان دائرة العنف والكراهية لن يوقفها الفعل العنيف ورده فالنار لا تطفأ بالزيت بل بالماء هكذا العنف والكراهية تحتاج الى المحبة والاخاء الانسانى والحكمة والايجابية وروح المساواة وسيادة القانون لكى ما يعود من أعمتهم الكراهية الى رشدهم وضميرهم ويتقدم المجتمع ويسير فى طريق السلام والمصالحة من أجل هذا علمنا السيد المسيح قائلا { سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. واما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الاخر ايضا. ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سالك فاعطه ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده . سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم.لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا.فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت 38:5-48 أن التسامح والمغفرة من الانسان يجب ان لا يكونا مدعاة للاشرار فى التمادى فى ظلمهم بل لاعادتهم الى طريق الصواب ولهذا يجب ان يكفل القانون والنظام المحلى والدولى العدالة والمساواة حتى لا نجد أنفسنا نسير وفقاً لشريعة الغاب التى يأكل فيها القوى أخيه الضعيف وتنتشر الفوضى والمظالم فى المجتمع .
التسامح والغفران ثمرة المحبة ... التسامح هو الصفح والغفران مع ترك ونسيان الاساءة للمخطئين ومغفرة زلاتهم نحونا وذلك بدافع المحبة التى تصبر وتحتمل وتبذل من أجل خلاص القريب ومن اجل ربح النفس ومن أجل سلام الانسان الداخلى فالكراهية وباء ومرض يؤثر على من يحملها ويجعله قلقا لا يجد سلاماَ لا فى علاقته بالله ولا مع الغير ويحيا فى صراع داخلى . وليس معنى ذلك ان لا نعاتب أو نتغاضى عن حقوقنا فى أحساس بالظلم أو الضعف فالقوى هو الذى يصفح ويسامح، والعفو عند المقدرة هو من شيم الاقوياء { وان اخطا اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما ان سمع منك فقد ربحت اخاك. وان لم يسمع فخذ معك ايضا واحدا او اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين او ثلاثة. وان لم يسمع منهم فقل للكنيسة وان لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار} مت 15:18-17. وليس معنى ان يكون كالوثنى او العشار ان نكرهه بل ان نصلى من اجل اصلاحه وان تحاشيا العلاقة به من اجل سلام النفس وعدم اذدياد الخلاف او الخصام .كما يجب علينا متى أخطائنا تجاه احد ان نسارع الى مصالحته لكى ما يقبل الله صلواتنا وتقدماتنا { فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك. كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن. الحق اقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الاخير} مت 23:5-26.
التشبه بغفران الله غير المحدود ... سأل القديس بطرس السيد المسيح قائلاً هل الى سبع مرات يخطئ الىٌ اخى واسامحه فاجاب المخلص لا بل الى سبعين مرة فى سبعه مرات اى الى عدد غير محدود لان الله عالم بضعف البشر وان كان ذلك ليس فى مقدورنا لكنه مستطاع بالصلاة ومعونة الله ، ولنتذكر كم مرة فى حياتنا نخطئ الى الله ويسامحنا ويستر خطايانا ويغفرها عندما نرجع اليه ولهذا { ان كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس }(رو 12 : 18). وما ليس فى طاقتنا نصلى لله ان يجعله ممكن لدينا ويهبنا الطاقة والقوة والحكمة لصنعه { حينئذ تقدم اليه بطرس وقال يا رب كم مرة يخطئ الي اخي وانا اغفر له هل الى سبع مرات. قال له يسوع لا اقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات. لذلك يشبه ملكوت السماوات انسانا ملكا اراد ان يحاسب عبيده. فلما ابتدا في المحاسبة قدم اليه واحد مديون بعشرة الاف وزنة. واذ لم يكن له ما يوفي امر سيده ان يباع هو وامراته واولاده وكل ما له ويوفي الدين. فخر العبد وسجد له قائلا يا سيد تمهل علي فاوفيك الجميع. فتحنن سيد ذلك العبد واطلقه و ترك له الدين. ولما خرج ذلك العبد وجد واحدا من العبيد رفقائه كان مديونا له بمئة دينار فامسكه واخذ بعنقه قائلا اوفني ما لي عليك. فخر العبد رفيقه على قدميه وطلب اليه قائلا تمهل علي فاوفيك الجميع. فلم يرد بل مضى والقاه في سجن حتى يوفي الدين. فلما راى العبيد رفقاؤه ما كان حزنوا جدا واتوا وقصوا على سيدهم كل ما جرى. فدعاه حينئذ سيده وقال له ايها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لانك طلبت الي. افما كان ينبغي انك انت ايضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك انا. وغضب سيده وسلمه الى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه. فهكذا ابي السماوي يفعل بكم ان لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لاخيه زلاته}مت 21:18-35
الغفران والتسامح والسلام الداخلى ... هل أنت واحد من الذين تأذَّوْا في مشاعرهم واعمالهم وحياتهم على أيدي الآخرين؟ وهل دخلتْ الكراهية إلى قلبك وعقلك وفكرك أو تنتابك مشاعر الغضب، أو الغيظ ، أو العداوة، والمرارة، والرغبة في الانتقام؟ وهل امتلأت نفسك بروح عدم المغفرة؟ إن عدم المغفرة يمكن أن يتحوَّل داخلك إلى ذئب مختفي. إنه قادر أن يجعلك سجيناً داخل نفسك . ويؤذيك فحينما تُعشِّش روح عدم المغفرة داخلنا، فهو لن تؤذي الذي أخطأ في حقك الا حين تعمل على ايذائه ؛ أما أنت فستظل ممسوكاً ومُقيَّداً بما تملَّك على أفكارك وقلبك وتصرفاتك وكلامك. إن تلك المشاعر السلبية تنخر داخل الانسان مثل سرطان سام، وإذا بنا نكتشف أننا مربوطين بالعداوة، وقد فارقنا السلام القلبي الداخلي . ولكن حالما نعزم على المغفرة تشرق نعمة المسيح الغافرة داخل قلوبنا ونشعر بالسلام . لأن الروح القدس الوديع الهادئ يهبنا المحبة الغافرة والتعزية والرجاء والصبر والقوة { ليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية والتزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} (رو 5 :3- 5) . ولهذا نصلى من أجل المسيئين الينا ومن اجل ان ينزع الله عنا كل مرارة وغضب وتحزب ويحل سلام الله فينا { وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوع} (في 4 : 7).
التسامح الغفران وعدم الادانة ... اننا نحتاج الى الغفران ونطلبه من الله ولهذا يجب ان لا ندين ليكون لنا سلام مع الله والناس ولا ندان من الله ويغفر لنا خطايانا { لا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على احد فلا يقضى عليكم اغفروا يغفر لكم }(لو 6 : 37). اننا نتعلم من محبة الله الغافرة والمحررة كيف نحب ونغفر ويكون لنا العين البسيطة التى تستر ضعفات الغير لذلك يقول الرسول بطرس { ولكن قبل كل شئٍ لتكن محبَّتكم بعضكم لبعضٍ شديدةً لأن المحبَّة تستر كثرةً من الخطايا} وراينا كيف غفر الله للمرأة الخاطئة لانها تابت وقدمت مشاعر محبة صادقة كما بكت السيد المسيح سمعان الفريسى لقلة محبته وادانته للغير { وسأَلهُ واحدٌ من الفريسيين ان يأكل معهُ فدخل بيت الفريسي واتكأَ. وإذا امرأَة في المدينة كانت خاطئَة إذ علمت أنه متكَّئٌ في بيت الفريسي جاءَت بقارورة طيبٍ ووقفت عند قدميهِ من ورائهِ باكيةٍ وابتدأَت تبلُّ قدميهِ بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبّل قدميهِ وتدهنهما بالطيب. فلَمَّا رأَى الفريسي الذي دعاهُ ذلك تكلَّم في نفسهِ قائلا لو كان هذا نبيَّاً لعلم مَنْ هذه المرأة التي لمستهُ وما حالها. إنها خاطئَة. فأجاب يسوع وقال لهُ يا سمعان عندي كلمة أقولها لك. فقال قُلْ يا معلّم. كان لمداينٍ مديونان. على الواحد خمسمائَة دينارٍ وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعاً. فقُلْ. أيُّهما يكون أكثر حبَّاً لهُ. فأجاب سمعان وقال أظنُّ الذي سامحهُ بالأكثر. فقال لهُ بالصواب حكمت. ثم التفتَ إلى المرأَة وقال لسمعان أَتنظر هذه المرأَة. إني دخلت بيتك وماءً لرجليَّ لم تُعطِ. وأمَّا هي فقد غسلت رجليَّ بالدموع ومَسَحتهما بشعر رأسها. قُبلةً لم تقبّلني. وأمَّا هي فمنذ دخلت لم تكفّ عن تقبيل رجليَّ. بزيتٍ لم تدهن رأْسي. وأما هي فقد دهنت بالطيب رجليَّ. من أجل ذلك أقول لك قد غُفِرَت خطاياها الكثيرة لأنها أحبَّت كثيراً. والذي يُغفَر لهُ قليلٌ يحبُّ قليلاً. ثم قال لها مغفورة لكِ خطاياكِ… إيمانكِ قد خلَّصكِ. اذهبي بسلامٍ} لو 36:7-50 . هكذا وبخ الله الفريسى الذى ادان المرأة الخاطئة وغفر للمرأة لانها تابت وأحبت ولم تدين غيرها فمن منا يترك ميته لكى يبكى على ميت غيره . لهذا قال الأنبا يؤانس القصير مرة لقد رذلنا الحِمْل الخفيف، وهو أن ندين أنفسنا؛ واخترنا الحِمْل الثقيل الذي هو تبرير أنفسنا وإدانة الآخرين .
السيد المسيح والتسامح والغفران ....
التسامح فى حياة وتعاليم المخلص.. التسامح هو عمل ايجابى لحلول السلام وتدريب الانسان على قمع الغرائز الحيوانية والتخلص من روح العدوانية وسيطرة على النفس. للارتقاء بالسلوك الانسانى الى مستوى الكمال الالهى الذي لا يجازى عن الشر بالشر بل يترك وينسى من اجل الاصلاح .ان التسامح قوة لضبط النفس وليس ضعف لان القوى هو من ينتصر على نفسه وليس على خصمه وبهذا يربح نفسه وخصمه وينتزع من الخصم الشر والحقد ويحوله الى صديق { طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون (مت 5 : 9).فى تعامل السيد المسيح مع الناس ضرب لنا اروع الامثلة فى التسامح معلما ايانا ان نقتفى أثره . اراد مرة ان يدخل قرية للسامريين وكان بينهم عداوة مع اليهود فرفضه أهلها {وحين تمت الايام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق الى اورشليم. وارسل امام وجهه رسلا فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يعدوا له. فلم يقبلوه لان وجهه كان متجها نحو اورشليم. فلما راى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب اتريد ان نقول ان تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل ايليا ايضا. فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من اي روح انتما.لان ابن الانسان لم يات ليهلك انفس الناس بل ليخلص فمضوا الى قرية اخرى} لو 51:9-56. لقد قاوم السيد روح الانتقام لدى تلاميذه وعلمهم انه لا يريد هلاك الناس بل خلاصهم .وعندما أساء اهل الناصرة الى السيد المسيح وارادو ايذائه وطرحه من أعلى الجبل رايناه يرد بقوله { ليس نبي بلا كرامة الا في وطنه وفي بيته} (مت 13 : 57).وتركهم فى هدوء ومضى .وعندما جاءت جماعة الاشرار للقبض عليه لم ينتقم منهم بل حتى عندما تقدم بطرس وضرب بالسيف العبد وقطع اذنه قام السيد المسيح باعادتها سليمة مرة اخرى وامر بطرس برد السيف الى غمده قائلا { رد سيفك الى مكانه لان كل الذين ياخذون السيف بالسيف يهلكون. اتظن اني لا استطيع الان ان اطلب الى ابي فيقدم لي اكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة. فكيف تكمل الكتب انه هكذا ينبغي ان يكون. في تلك الساعة قال يسوع للجموع كانه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتاخذوني كل يوم كنت اجلس معكم اعلم في الهيكل ولم تمسكوني} مت 52:26-55.
لقد تعلم الرسل من المعلم الصالح واخذوا ينادوا بتعاليمه { ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث. وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله ايضا في المسيح} أف 31:4-32.
غفران الله ورحمته .. ان الله اله غفور رحيم { حافظ الاحسان الى الوف غافر الاثم والمعصية والخطية }(خر 34 : 7). تغنى برحمته الانبياء {من هو اله مثلك غافر الاثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه لا يحفظ الى الابد غضبه فانه يسر بالرافة} (مي 7 : 18). والانسان الخاطى الذى يتوب ويرجع الى الله يبرئه الله من دينه بالصفح عنه { اصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك وكما غفرت لهذا الشعب من مصر الى ههنا} عدد19:14. (بالعبرية سالاح). وهذا الإبراء وهو فعال لدرجة أن الله لا يعود ينظر بعد إلى الخطيئة، وكأنه قد نبذها وراء ظهره (إشعيا 38: 17)، وكفر عنها وأزيلت { فطار الي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك} أش 6:6-7. وإذ يستخدم المسيح هذه المصطلحات، يؤكد أن الإبراء مجاني، فالمديون عاجز عن الوفاء. وتنصبّ الكرازة المسيحية الأولى في الوقت نفسه على الايمان بالمسيح والتوبة وغفران الخطايا { وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك} لو46:24-48 . وهكذا دعا الرسل الى الايمان كما اوصاهم السيد المسيح { لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين} (اع 26 : 18) . { فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس} (اع 2 : 38).وهناك مفردات أخرى، مثل طهر، غسلَ، برر، تظهر في كتابات الرسل التي تلحّ على الأوجه الإيجابية من الغفران القائمة على المصالحة مع الله .
وانا كان الانسان بطبعه العتيق يخطئ {نحن شعب قساة الرقاب. لكن اغفر ذنبنا وخطيئتنا واتخذنا ملكاً لك} (خر: 6- 9). فان قلب الله ليس كقلب الإنسان، والقدوس لا يحب أن يهلك (هو 11: 8-9). إن الله أبعد من أن يشاء موت المنافق، لكنه يريد توبته (حز 18: 23)، لكى يغدق عليه غفرانه لأن {طرقه ليست كطرقنا، وأفكاره تعلو عن أفكارنا، كما تعلو السماوات عن الأرض} (إش 55: 7-9) . والله هو الآب الذي يرأف بجميع أبنائه (مز 103: 3 و8-14). ويتوسل إليه شعبه بصفته {الإله الغفور} (نح 9: 17)، وإله الرحمة (دانيال 9: 9)، المستعدّ دوماً أن يرجع عن الشر الذي هدًد به الخاطئ، اذ يرجع ويتوب (يؤ 2: 13). يونان النبى - الذي يمثّل النزعة القومية في إسرائيل- قد "كمد قلبه "، إذ رأى هذا الغفران مقدماً لجميع الناس (يون 3: 10، 4: 2). وبعكس ذلك، يشهد كتاب الحكمة بالله ويسبَحه لأنه يحب كل الذين خلقهم ويشفق على الجميع، ويتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا ويوبّخهم شيئاً فشيئاً مذكراً إياهم بما أخطأوا لكي يؤمنوا به فهو يبين هكذا أن القدير الذي يتميَز بالمغفرة .
السيد المسيح والغفران ... دعا السيد المسيح الى التوبة والغفران لكل من هم في حاجة إليها { فاجاب يسوع وقال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى. لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة. } لو 31:5-32. وهو يحثنا على التوبة والرجوع { فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك} (لو19: 9- 10) بإعلانه أن الله هو أب، تقوم مسرته في الصفح عن الزلات { اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة و تسعين بارا لا يحتاجون الى توبة } (لو 15-7)، ومشيئته في أن لا يدع أحدا يهلك (متى 18: 12-14) . ولا يكتفي يسوع بإعلان هذا الغفران الذي يقبله المؤمن المتواضع بينما يرفضه الإنسان المتكبر (لو 7: 47- 50، 18: 9- 14) " بل هو يمارس منح الغفران ويستشهد بأعماله أنه يملك هذا السلطان الذى هو لله وحده (مر 2 : 5- 11 ). لقد توّج المسيح عمله بطلبه الغفران من الاب السماوى لصالبيه وبسفك دمه لغفران الخطايا (متى 26: 28). وهو يبرّر الجموع بحمله خطاياهم في جسده (1 بط2: 24 ، إش 53: 11- 12)، لأنه الحمل الذي يرفع خطايا العالم (يو 1 : 29) فبدمه نتطهَر، ونغتسل من خطايانا{ ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم} 1يو 9:1.
الصفح عن الإهانات..
منذ العهد القديم، لم تقتصر الشريعة فقط على وضع حدّ للانتقام بسنّة العين بالعين (خر 21: 23- 25)، ولكنها أيضاً تنهي عن بغض الأخ لأخيه، كما أنها تحرّم الانتقام والحقد نحو القريب (لا 19: 17- 18). ذكر الكتاب الرابطة التي تربط بين غفران الإنسان لأخيه وبين الغفران الذي يلتمسه الإنسان من الله { من انتقم يدركه الانتقام من لدن الرب ويترقب الرب خطاياه. اغفر لقريبك ظلمه لك فاذا تضرعت تمحى خطاياك. ايحقد انسان على انسان ثم يلتمس من الرب الشفاء. ام لا يرحم انسانا مثله ثم يستغفر عن خطاياه. ان امسك الحقد وهو بشر فمن يكفر خطاياه} سير1:28-5. ينبغي أن نغفر لأخينا. ويوضَح المثل الذي ضربه المسيح عن الغريم القاسي (متى 18: 23- 35) مشدداً على هذه الحقيقة { فانه ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ايضا ابوكم السماوي. وان لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم ابوكم ايضا زلاتكم. (متى 6: 14- 15)، ولكي لا ننسى ذلك طلب منّا السيد أن نردّدها كل يوم في الصلاة الربانية، إذ ينبغي لنا أن نكون في حال تمكّننا من القول إننا نغفر. وبهذا الإقرار الذي ترتبط به طلبتنا، بكون صفحنا لأخوتنا شرطاً لطلب الغفران الإلهي (لوقا 11: 4)، ومرة أخرى، بلفظ "كما" الذي يحدد مقياس هذا الغفران (متى 6: 12). بل يذهب إلى ما هو أبعد من هذا اذ يقدم لنا مثلاً أعلى للرحمة { بل احبوا اعداءكم واحسنوا واقرضوا وانتم لا ترجون شيئا فيكون اجركم عظيما وتكونوا بني العلي فانه منعم على غير الشاكرين والاشرار.فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم} (لوقا 6: 35- 36) ان الذين صار الله أباً لهم عليهم أن يقتدوا به حتى يكونوا أبناءه حقاً (متى 5: 43- 45 و48). فالغفران ليس شرطاً سابقاً للحياة الجديدة فقط ، بل هو ركن من أركانها الأساسية. ولذلك يفرض يسوع على بطرس ألا يمل من الغفران، على عكس ما يفعل الخاطئ الذي يصل إلى تجاوز كلّ حد في انتقامه (مت 18: 21- 22،)، واقتداء بالرب (لو 3: 34).لقد أستشهد القديس استفانوس وهو يغفر لراجميه (أعمال 7: 60). وحتى يتمثل المسيحي بمعلمه في مقاومة الشر بالخير{ لا تنتقموا لانفسكم ايها الاحباء بل اعطوا مكانا للغضب لانه مكتوب لي النقمة انا اجازي يقول الرب. فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه. لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير} (رو 19:12- 21)، ، يجب علينا أن نغفر دائماً، ونغفر بدافع المحبة أسوة بالمسيح { محتملين بعضكم بعضا ومسامحين بعضكم بعضا ان كان لاحد على احد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا انتم ايضا} (كو 3: 13) .
صفات التسامح والغفران
من كل القلب: يقول البعض أنا مستعد أن أصفح عن كل أخطاء خصمي، ولكن بعد فترة وجيزة أو بمجرد أن يخطىء إليه أخوه يتذكَّر كل الماضي و يبدأ بشنّ حرباً جديدة عليه. ليست هذه المسامحة المقصودة. ولكن كما قال السيد الرب بأنه لا يعود يذكر خطاياهم فيما بعد { انا انا هو الماحي ذنوبك لاجل نفسي وخطاياك لا اذكرها }(اش 43 : 25) .إذاً عليك أن تطرح كل خطايا أخيك في أعماق النسيان، وتنزعها من كل قلبك، و تذكر وصية المسيح الثمينة {لأننا نحن أيضاً نغفر لكل من يخطا إلينا}(لو 11: 4).
عن كل الأخطاء.. ربما تقول انا أسامح أخي باستثناء خطية معينة لا أنساها ما حييت. اسمع قول المسيح الجميل {بل إلى سبعين مرة سبع مرات} فإن كنت لا تستطيع أن تسامح أخاك، كيف تطلب من الله أن يصفح لك عن كل آثامك وخطاياك. فلنتذكر قول الرسول بولس إلى اهل كولوسي 2: 13 مشيراً إلى عمل المسيح على الصليب {مسامحاً لكم بجميع الخطايا}.
الغفران يشمل الكل .. أننا اعتدتنا أن نسامح الذي يسيء إلينا بشرط أن يكون قريبنا أو صديقنا فقط. من لكن يجب ان لا نكون متعصبين، بل ان نتبع تعاليم السيد المسيح ونسمعه وهو يكلمنا {اغفروا يُغفر لكم} (لو 6: 37). و أيضاً {إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يَغفر لكم} (مت 6: 15). لم يخص الإنجيل فئة معينة الناس، ولكن كل الناس على سواء ـ ولو أنهم أعداء ـ كما فعل ذلك المسيح على الصليب. ويكتب الرسول بولس إلى أهل أفسس {متسامحين كما سامحكم المسيح} فإن كان الله يحب الكل ويشرق شمسه على الأبرار و الأشرار فكيف نفرّق نحن ونسامح البعض ونترك البعض الآخر؟
علامات التسامح والغفران ..
ترك الماضي: أولى علامات التسامح هي التعاون مع من أساء إليك في إنجاز العمل، ولا يمكنك ذلك إن لم تترك ما حدث و تبدأ من جديد حتي تكون الخميرة جيدة و البذرة نقية.
المحبة.. لا شك عندما تهرب البغضاء تحلّ محلها المحبة الكاملة من القلب الطاهر، و كما يقول البعض: إن أعظم محبة هي تلك التي تكون بعد التسامح. فإن كنت تشعر بالمحبة الحقيقية نحو "خصمك السابق"، فتلك علامة أكيدة للمغفرة و التسامح. فالإنسان الذي لا يحب لا يغفر للآخرين فلا يظن ذلك الإنسان إنه ينال غفراناً من الله لأن الله محبة، أما المرأة الخاطئة التى اتت الي السيد المسيح فقد عبرت عن محبة قوية لله وأحبت كثيراً فغُفرَت خطاياها الكثيرة.
الصلاة.. بمجرد أن تصفح عن أخطاء الغير تجد نفسك تذكرهم في صلواتك اليومية. ولكي تحبّهم أكثر عليك أن تصلي من أجلهم ليعطيهم الرب حكمة فتُظهر أمام الله نقاوة قلبك. ويقول الرب في سفر الخروج 35 :5 إن الذي يتقدَّم بتقدمة أمام الرب يكون سموح القلب أي قلبه نقياً طاهراً دون خصام.
بركات التسامح...
حياة الفرح... عندما يسيء إليّ إنسان و أذهب إليه و أعاتبه و أصلي من أجله، أجد نفسي ممتلئاً بفرح تام لأنني أطرح ثقلاً عن كاهلي قد ألقيته على ربي فأفرح.
حياة السلام.. كلنا يعلم أن العالم يتطاحن من أجل السلام.. و لكن هيهات. لا يحلّ السلام إلا إذا صفح كل واحد عن زلة أخيه. وإني أنصحك أن تجرب هذا و لو مرة فستجد عمق السلام الذي يملأ قلبك.
راحة الضمير... هل تعلم لماذا يعيش الكثيرين حياة القلق؟ ان كان ذلك لاسباب عده فان من اهمها لأنهم لم يتعلموا التسامح مع الآخرين، ان الله الساكن في قلوبنا يخاطبنا ويطلب منا أن نسامح فلانا عن الإساءة الموجهة منه، ولكن نرفض بشدَّة فنتحمَّل عدم راحة الضمير. ولكي نعيش براحة ضمير، وننعم بالبركات الجزيلة علينا الإصغاء إلى الصوت الذي يناجي ضميرنا ويقول " اغفر لكل من يذنب إليك"، فننال الفرح والسلام وراحة الضمير.
ان نعمة المسيح هي وحدها القادرة أن تُدخِل في قلوبنا روح التسامح والمغفرة، لأن المسيح حينما أخلى نفسه ووضع ذاته، استطاع أن يهبنا عطية الخلاص ويُطهِّر قلوبنا . فبنعمة المسيح هذه سننال الحرية والنصرة على مشاعر عدم المغفرة {تعالوا إليَّ يا جميع المُتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أُريحكم} مت 11: 28 . أفليست الراحة هي التي نشتاق إليها، حينما تتثقَّل قلوبنا بعذاب روح عدم المغفرة؟ {إن اعترفنا بخطايانا، فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا من كل إثم} فلماذا لا نتجرَّأ وندعو المسيح ليدخل إلى ما داخل قلوبنا؟ لذلك ها هي أمامنا الدعوة أن نُلقي بكل أحمالنا عليه، ليُريحنا .
القمص إفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
26 أكتوبر 2021
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (25) المسيحى وحياة الفرح والتسبيح
سمات الفرح الروحى ..
الفرح الروحى ثمة المسيحى... الفرح الروحى هو سمة من سمات الانسان المسيحى الذى يفرح ببنوته لله وبخلاص الله له من الشيطان ومن الخطية والشر حتى عندما نخطأ ونرجع لله بالتوبة فالتائب يثق فى وعود الله الصادقة فى قبوله للتائبين { اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة } (لو 15 : 7). نعم نحن نفرح ونُسر بالرب الذى يلبسنا ثوب الخلاص { فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بالهي لانه قد البسني ثياب الخلاص كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة ومثل عروس تتزين بحليها} (اش 61 : 10).هكذا نحيا فى عشرة المحبة والفرح بالمسيح { فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح} (2كو 11 : 2) . ونحيا فى فرح متبادل معه { لانه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك وكفرح العريس بالعروس يفرح بك الهك} (اش 62 : 5). لقد خلق الله الإنسان للسعادة والفرح ، وضعه في الفردوس وخلق من أجله كل شيء وأحاطه بكل وسائل الراحة وكان يعيش تحت العناية المباشرة لله وفي شركة عميقة معه حتى يعيش سعيداً، وقد تغير الامر بالخطية وتنفيذ حكم الموت فيه وطرده من الجنة، وجاء السيد المسيح ليرجعنا مرة اخرى الى السماء ولنتذوق مذاقة الملكوت وحياة الفرح والتسبيح منذ الان على الارض فنحيا حياة البر والسلام والفرح بالمسيح يسوع ربنا الذى قال {جئت لتكون لهم حياة وليكون لكم أفضل} (يو10:10) .الفرح برعاية الله وصفاته .. إن التأمل فى صفات ورعاية الله الخالق والمخلّص والمفرح يولد في الإنسان فرحاً دائماً. فكيف يمكن أن نتأمل فى محبة الله دون أن نفرح { اغني للرب في حياتي ارنم لالهي ما دمت موجودا. فيلذ له نشيدي وانا افرح بالرب. (مز33:104-34). بل نتشوّق الى أن { يكون مجد الرب الى الدهر، يفرح الرب باعماله} (مز 13:104). اننا اذ نتأمل عمل الله في التاريخ، يغمرنا الفرح الروحى ويصبح الفرح بمثابة عدوى ننقلها للغير وندعوهم اليه {هلموا نرنّم للرب... نهتف لصخرة خلاصنا }(95: 1). { لتفرح السماوات وتبتهج الارض ويقولوا في الامم الرب قد ملك }(1 اخ 16 : 31) وهكذا نحيا الفرح الدائم حتى بالرغم من الضيقات والتجارب نجد التعزية ونفرح انتظاراً لاكتمال الفرح في المجئ الثانى حتى إذا ما أتى الرب يدعونا كعبيد امناء لكى ندخل في فرحه الخاص { ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم} (مت 25 : 34) ونسمع صوته ينادينا { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21).
افراح العالم والفرح الروحى .. ان أفراح أهل العالم وقتية وباطلة وترتبط بالسرور الظاهر أو بلذات الجسد ومسرات الطعام والشراب والشهوات والسلطة او المال والمناصب او حتى تحقيق اشياء متصلة بالعالم الحاضر وهذا الفرح قصير العمر، وهو يفتر بعد حين، وتطوِّح به الهموم والتجارب والهزائم وخوف الغد والأمراض والوحدة وتغيُّر الأحوال واقتراب الموت. وقد نختبر شيئاً من هذا الفرح في مناسبات كثيرة في الأعياد والحفلات واجتماعات الاحباء. ونقبله ونسعد به، ولكن لا يجب ان نعوِّل عليه، لأننا نعرف أن هذا الفرح يأتي ويذهب. وإنما فرح المسيحى الحقيقي، هو ثمرة من ثمار الروح القدس الذى وهبه لنا الروح بفداء السيد المسيح وقيامته ، وهو فرح ثابت دائم نستطيع به التغلب على محن وتجارب الحياة فى ثقة وإيمان فتجارب الحياة والآمها لا تنال من المؤمن إلاَّ كما تنال الرياح من الاشجار القوية فتذيدها قوة ورسوخ وثبات ، اننا حين نمضى فى طريقنا عابرين وادى البكاء فاننا من أجل ان تهون علينا رحلة الحياة فاننا نترنم فى قلوبنا لله { عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا ايضا ببركات يغطون مورة} (مز 84 : 6).. ودوام الفرح المسيحي عمل فوق الطبيعة البشرية، لأنه ليس نتاج عواطف، وإنما هو عمل الروح القدس ومن ثماره. إنه فرح في الرب كتب عنه حبقوق رغم صعوبة الحالة الاقتصادية ومضايقات المضطهدين لهم { فمع انه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاما ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المذاود. فاني ابتهج بالرب وافرح باله خلاصي.الرب السيد قوتي ويجعل قدمي كالايائل ويمشيني على مرتفعاتي } حب 17:3-19.
+ احزان الحياة وفرحنا فى الرب ... قد يمر المؤمن باشياء محزنة لاسيما فى انتقال الاعزاء عليهم وان كنا نحزن للفراق لكن نحيا على رجاء ويدعونا الكتاب ان لا نحزن حزن من يهلك وليس له رجاء فى القيامة والفرح الابدى { ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله ايضا معه. } (1تس 4 : 13-14). هكذا تقدم الشهداء قديما للاستشهاد وكأنه يوم عرس حقيقى لهم.
قد نرى بعض المتشائمين ومن لا يثقون فى نعمة الله الغنية يحيون فى كأبة وحزن وشعارهم الاية القائلة { الحزن خير من الضحك لانه بكابة الوجه يصلح القلب} (جا 7 : 3) وذلك كدعوة للحزن . ويتناسوا اننا لا ندعو الى افراح العالم الزائلة او التمتع بملذاته أو استهزاء الجهال وضحكهم ومؤامراتهم بل الى الفرح الروحى فى الرب ونحيا وفقاً تبعا لدعوة الإنجيل لنا للفرح الروحى والتعزية السمائية {ولا تحزنوا لان فرح الرب هو قوتكم }(نح 8 : 10). ونحن نعلم ان لكل شئ تحت السماء وقت { للبكاء وقت وللضحك وقت للنوح وقت وللرقص وقت (جا 3 : 4} كما رقص داود النبى أمام تابوت العهد عندما اتوا به الى اورشليم وكما ارتكض يوحنا المعمدان فرحا فى بطن امه عندما اتت القديسة مريم لزيارتهم { فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلات اليصابات من الروح القدس . وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة انت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن اين لي هذا ان تاتي ام ربي الي. فهوذا حين صار صوت سلامك في اذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي امنت ان يتم ما قيل لها من قبل الرب. (لو 1 : 41-45) وعندما نحب انفسنا محبة روحية فاننا مدعوين للفرح الروحى { احبب نفسك وفرج عن قلبك وانف الحزن عنك بعيدا }(سي 30 : 24).
ان الشى الذى يحزن المؤمن هو بعده اوخيانته لمحبة الله وعدم طاعته لوصاياة مما يفقد الانسان سلامه ويقلقه ويحزن روح الله مصدر الفرح داخله وهذا الحزن يدعونا الى التوبة والخلاص {لان الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة واما حزن العالم فينشئ موتا} (2كو 7 : 10). قد نحتاج ان نعبر عن احزاننا فى الازمات التى نمر او يمر بها اهلنا وبلادنا ونزرف الدموع التى تخلصنا من التوتر وتحمينا من الانهيار فهى تغسل النفس ولكن ليس دموع العجز او اليأس فقد بكى السيد المسيح على لعازر الميت مشاركاً مريم ومرثا ولكنه ذهب الى القبر وأقامة وبكى على أورشليم لانها لم تعرف ما هو لسلامها وأعلم تلاميذه بمصيرها وخرابها القادم والذى تم فى سنة 70 م . ومع هذا فان حزننا وبكائنا يكون ممتزجاً بالرجاء والايمان ولهذا يعطى عزاء وراحة ونحيا فرحين فى الرجاء {ومفديو الرب يرجعون وياتون الى صهيون بترنم وفرح ابدي على رؤوسهم ابتهاج وفرح يدركانهم ويهرب الحزن والتنهد} (اش 35 : 10).
ان الخطية هي مصدر التعاسة والشعور بالإثم وسيادة الظلام، كما ان التمتُّع بخلاص المسيح وحضوره ورفقته وعنايته ورعايته كل الأيام، وعمل الروح القدس، هم ينبوع الفرح المسيحي ودوامه. والرب أعلن هذا لتلاميذه قبل الصليب والقيامة قائلاً { المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد وُلد إنسان في العالم. فأنتم كذلك، عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحدٌ فرحكم منكم} (يو 16: 21و22). فنحن نحيا فى فرح بالله الذى وعدنا انه سيكون معنا كل الايام وحتى إنقضاء الدهر . ان أهل العالم يعيشوا خاضعين لسطوته يمنحهم افراحه لساعة ويمنعها لسنين وتراهم يحيون فى الحزن والانين . اما المؤمن الحقيقى فلسان حاله قول القديس اغسطينوس ( جلست على قمة العالم عندما احسست انى لا اخاف شئيا ولا اشتهى شيئا). النفس التى ترتوى وتشبع بالله معه لا تريد شئيا على الارض بل يكون الله وروحه القدوس مصدر ارتوا له ويفيض منه العزاء للغير كما قال السيد المسيح { وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع و نادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب. من امن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي.قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه لان الروح القدس لم يكن قد اعطي بعد لان يسوع لم يكن قد مجد بعد} يو 37:7-39الفرح في العهد القديم .. من الله تصدر أفراح الحياة الحق، ويقدّمها لشعبة نتيجة أمانته فى عهوده لنا ويجد إلشعب فرحه فى التسبيح لله (مز 33: 1) فقد تنازل الله وصار ملكاً وابا وراعيا ودعونا للفرح في حضرته (تثنية 12: 18)، ونفرح أيضاً بحلاوة التجمع الأخوي (مز 133). كما كانت الأعياد مجال للفرح في جوّ من الحماسة والبهجة ولتذكّر الشعب لعمل الله معهم {باليّوم الذي صنعه الرب لفرحه وسروره}(مز 118: 24). إن بعض هذه الاحتفالات قد تركت بصماتها في التاريخ، كفصح حزقيا (2 أخ 30: 21- 26)، وفصح العودة من السبي (عز 6: 22)، ولاسيما عيد المظال الذي فيه، بعد أن قرأ عزرا الشريعة على الشعب، دعاه الى مأدبة حافلة وأعلن: " إن هذا اليوم يوم مقدّس... لا تحزنو لإن فرح الرب هو قوتكم" (نح 8: 10). ولكي يصير هذا الفرح كاملاً، تأمر الشريعة الشعب بأن يذهب ليستقيه من الله فى هيكل قدسه ، كان الله يدعوهم للذهاب الى الهيكل فى أورشليم، في الأعياد السنوية الثلاثة الفصح والحصاد والمظال حتى ينالوا البركات الإلهية (لا 23: 40، تث16: 11 و 14- 15). من هذا المنبع يرغب الله أن تأتي وتستقي كل الأمم. إن هذا الفرح المقدّم للجميع هو نصيب المتواضعين، الذين يكوّنوا شعب الله الحقيقي (مز 149: 4-5). إنهم أسوة بإرميا يلتهمون التهاماً "الكلمة" الإلهيةّ التي هي بهجة لقلوبهم (إر 15: 16)، ويجعلون فرحهم في الله (مز 33: 21، وفي شريعته (مز 19: 9)، التي هي كنزهم (119: 14 و11، و162). إن اتحادهم الواثق بهذا السيد الذي هو خيرهم الوحيد ومنه يلمتّسوا التطلعات الى الفرح الأبدي المنتظر .
السيد المسيح ودعوته لنا للفرح الروحى..
الانجيل وبشرى الخلاص والفرح .. ان كلمة إنجيل تعنى بشرى مفرحة ، (ستجد المزيد من عظات القمص افرايم الأنبابيشوى هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين). فهو بشرى الخلاص والإيمان والدخول فى أفراح الفداء والقيامة والحياة الابدية ، فمنذ ميلاد المسيح بشرت الملائكة الرعاة بفرح عظيم { وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. واذا ملاك الرب وقف بهم و مجد الرب اضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما.فقال لهم الملاك لا تخافوا فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين. المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة } لو 9:2-14. بل ان مجئ السيد المسيح الى العالم كان شهوة الاباء والانبياء وهكذا قبل ميلاد المسيح بما يقرب من الف وتسعمائة عام اشتهى ابراهيم ان يرى الكلمة المتجسد { ابوكم ابراهيم تهلل بان يرى يومي فراى و فرح }(يو 8 : 56).
السيد المسيح مصدر فرحنا الدائم .. في المسيح يسوع يكون ملكوت الله حاضراً فينا وهو العريس الذى يفرح نفوسنا وهو الذى حضر مع تلاميذه عرس قانا الجليل وأكمل فرحتهم ليقول لنا انا هو فرحكم ومشاركا لكم فى مختلف الظروف والاوقات وهو الذي صوته يغمر المعمدان فرحاً { فجاءوا الى يوحنا وقالوا له يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الاردن الذي انت قد شهدت له هو يعمد والجميع ياتون اليه.اجاب يوحنا وقال لا يقدر انسان ان ياخذ شيئا ان لم يكن قد اعطي من السماء.انتم انفسكم تشهدون لي اني قلت لست انا المسيح بل اني مرسل امامه. من له العروس فهو العريس واما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من اجل صوت العريس اذا فرحي هذا قد كمل. ينبغي ان ذلك يزيد واني انا انقص} (يو 3: 26-30). السيد المسيح علّمنا ان نفرح حتى ان تعرضنا للاضطهاد من اجل اسمه من اجل عظمة الاجر السمائى { طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم} مت 11:5-12. وبه ينبغى ان نفرح عندما نعلم كتلاميذ للمسيح بأن أسمائنا مكتوبة في السماء {فرجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رايت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء. ها انا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء. ولكن لا تفرحوا بهذا ان الارواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري ان اسماءكم كتبت في السماوات، وفي تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال احمدك ايها الاب رب السماء والارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال نعم ايها الاب لان هكذا صارت المسرة امامك}.( لو 17:10-20). إن السيد المسيح يفرح من أجل اعلان حكمته وملكوته لشعبه المتواضع كما يفرح برجوع الخطاة اليه بالتوبة ويبذل حياته في سبيل خلاصنا بفرح { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله }(عب 12 : 2). لقد دعانا ان نكون أحباء له ويريد لنا الثبات فى محبته ونثمر به ثمراً كثير لنفرح { ان ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي. كما احبني الاب كذلك احببتكم انا اثبتوا في محبتي. ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي واثبت في محبته. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم و يكمل فرحكم.هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم} يو 7:15-12ان كانت ساعات الظلمة والصلب تسببت فى الحزن للتلاميذ والمؤمنين فان القيامة مصدر فرح لا يستطيع احد ان ينزعه منا { فانتم كذلك عندكم الان حزن ولكني ساراكم ايضا فتفرح قلوبكم و لا ينزع احد فرحكم منكم} (يو 16 : 22) وهكذا فرح التلاميذ بالقيامة وظهور السيد لهم { ولما قال هذا اراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ اذ راوا الرب} (يو 20 : 20).ان الله يريد ان نقدم اليه طلباتنا ليهبنا سؤل قلوبنا حسب ارادته الصالحة ليكون فرحنا كاملا (يو24:16) .
اسباب الفرح الروحي... الفرح هو ثمرة من ثمار الروح القدس .. وهو علامة مميزة لابناء ملكوت الله فالأمر لا يتعلّق بفرح عابر تحرمنا منه الضيقة { وهؤلاء كذلك هم الذين زرعوا على الاماكن المحجرة الذين حينما يسمعون الكلمة يقبلونها للوقت بفرح.ولكن ليس لهم اصل في ذواتهم بل هم الى حين فبعد ذلك اذا حدث ضيق او اضطهاد من اجل الكلمة فللوقت يعثرون} مر16:4-17 . بل هو فرح وتعزية الروح القدس الساكن بنعمته فينا بثمارها الروحية من فرح ومحبة وسلام وايمان { فاذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح. الذي به ايضا قد صار لنا الدخول بالايمان الى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله. وليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية والتزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} رو 1:5-5 . يفرح المؤمنين لمحبة الله لهم ومحبتهم له ولبعضهم البعض وبسخائهم في العطاء ، فمغبوط هو العطاء أكثر من الاخذ ونفرح باتحادنا فى المحبة { فان كان وعظ ما في المسيح ان كانت تسلية ما للمحبة ان كانت شركة ما في الروح ان كانت احشاء ورافة. فتمموا فرحي حتى تفتكروا فكرا واحدا ولكم محبة واحدة بنفس واحدة مفتكرين شيئا واحدا} (فيلبي 1:2- 2)، وبأمانتنا على الحق { فرحت جدا لاني وجدت من اولادك بعضا سالكين في الحق كما اخذنا وصية من الاب} (2 يو: 3، 4) والمحبة تمدنا بفرح ثابت، يتغذى بالصلاة والشكر المتواصلين (1 تس 5: 16). فنشكر الآب بفرح فهو الذي نقلنا من عالم الظلمة الى ملكوت ابنه الحبيب فى النور. والصلاة المتواصلة هي منبع فرح، لأن الرجاء يحركها، وإله الرجاء يستجيب لها، غامراً المؤمن بالفرح { فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة} (رو12: 12). هكذا تتنوع مصادر الفرح المسيحى فنفرح بالرب كما يقول الرسول بولس { افرحوا في الرب كل حين وأقول ايضا افرحوا } فى 4:4. فحينما يكون الإنسان ملتصقاً بالله قريباً منه وله شركة قوية معه ، يكون سعيداً ويفرح فرحاً لا ينطق به ومجيد . ونفرح بالخلاص الثمين ، نفرح كما يفرح المريض بشفائه والمأسور بإطلاقه والسجين بخروجه للحرية ، يقول المرنم {امنحني بهجة خلاصك} كما سبحت القديسة مريم العذراء {تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي}(لو26:1) . ونفرح بعطايا الرب الثمينة فيفرح الإنسان عندما ينعم عليه الله بصحة جيدة او حتى بالمرض كتنقية وهبة من الرب. نفرح بالكنيسة بيت الله وباب السماء وبالأسرار المقدسة ووسائط النعمة التي تقوده للخلاص . ونفرح بالعبادة التي نقدمها لله ونحن نعيش الشركة مع الله والقرب منه، يقول المرنم {أغني للرب في حياتي أرنم لالهي مادمت موجودا فيلذ له نشيدي وأنا أفرح بالرب} .الاشتراك في الفرح الأبدي.. أن التجربة سيكون لها نهاية، وسينتقم الله لدم عبيده، بادانة الشيطان واعوانه . حينئذ سيكون فرح في السماء { افرحي لها ايتها السماء والرسل القديسون والانبياء لان الرب قد دانها دينونتكم} (رؤ18: 20)، حيث سيحتفل بعرس الحمل. والذين سيكون لهم نصيب في ذلك، سيمجدون الله في فرح { وخرج من العرش صوت قائلا سبحوا لالهنا يا جميع عبيده الخائفيه الصغار والكبار. وسمعت كصوت جمع كثير و كصوت مياه كثيرة و كصوت رعود شديدة قائلة هللويا فانه قد ملك الرب الاله القادر على كل شيء. لنفرح ونتهلل ونعطيه المجد لان عرس الخروف قد جاء وامراته هيات نفسها. واعطيت ان تلبس بزا نقيا بهيا لان البز هو تبررات القديسين. وقال لي اكتب طوبى للمدعوين الى عشاء عرس الخروف وقال هذه هي اقوال الله الصادقة} رؤ5:19-9.
فى السماء ستكتمل فرحة المؤمنين الذين جاهدوا وانتصروا على الشيطان والخطية وتتجلّي فرحتهم بحياة التسبيح الدائم لله وهو منذ الآن نصيب أبناء القيامة ومجال شكرهم { مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الاموات. لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السماوات لاجلكم . انتم الذين بقوة الله محروسون بايمان لخلاص مستعد ان يعلن في الزمان الاخير. الذي به تبتهجون مع انكم الان ان كان يجب تحزنون يسيرا بتجارب متنوعة. لكي تكون تزكية ايمانكم و هي اثمن من الذهب الفاني مع انه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح. ذلك وان لم تروه تحبونه ذلك وان كنتم لا ترونه الان لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد. نائلين غاية ايمانكم خلاص النفوس. الخلاص الذي فتش وبحث عنه انبياء الذين تنباوا عن النعمة التي لاجلكم} 1بط 3:1-10.
التسبيح تعبير عن فرحنا بالرب .. أن الحمد والشكر والتسبيح تعبير عن الشعور بالشكر على النعم التي يغدقها الله على الإنسان عرفاناً منه بالجميل والاعتراف بعظمته ومحبته لله ونحن عندما نتقدم فى الروح نقدم التسبيح لله لا من اجل عطاياه بل كانجذاب وتسبيح لذاته وعظمته وابوته ، هكذا نرى الكلمات تخرج من قلب متهلل بالروح فى التسبحة اليومية فى الكنيسة القبطية وكأننا صرنا مع جوقات الملائكة نسبح تسبحة الشاروبيم والسيرافيم قائلين{ قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض} اش 3:6. ونتغنى بطيبة الهنا وعدالته مز 6:145،7 وبعمله معنا عبر التاريخ لخلاصنا من الشيطان ونجتنا من بحر هذا العالم كما عبر بالشعب قديما البحر الاحمر ونسبحه مع داود النبى ومع الفتية لنجاتهم من اتون النار بحضوره معهم وبينهم ، ولسان حالنا قول داود النبى جزنا فى الماء والنار واخرجتنا الى الراحة . ان حمدنا وتسبيحنا لله إنما يعنى تعظيمنا إياه (لو1: 46، أع 10: 46)، والإعتراف بسموه الذي لا يدانى منه ، ما دام هو الساكن في أعلى السموات والناظر الى المتواضعين ، وما دام هو القدوس. وينطلق الحمد من الشعور بقدسية الله، الذي يملأ النفس بهجة (مز 30: 5)، وهذا الإبتهاج والتسبيح يحملنا على الاتحاد العميق بالله. وينطلق الحمد من الاتصال بالله الحي، فيوقظ الإنسان كله (مز 57: 8، 108: 2- 6) ويقوده نحو تجديد حياته فهو بمثابة بعث لحياة جديدة وينقلنا من الموت الى الحياة الحقيقية .
ان التسبيح هو شركة فى عمل الملائكة فى السماء { باركوا الرب يا ملائكة الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور} (دا 3 : 58). والتسبيح مجال عملنا فى السماء ونقوم به منذ الان عرفانا وشكرا لقائد نصرتنا ومخلص نفوسنا ومنقذ حياتنا من الفساد { وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق انت ان تاخذ السفر وتفتح ختومه لانك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وامة. وجعلتنا لالهنا ملوكا وكهنة فسنملك على الارض. ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات والوف الوف. قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح ان ياخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة. وكل خليقة مما في السماء وعلى الارض وتحت الارض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان الى ابد الابدين} رؤ 9:5-13. حياة الرسل كنموذج للفرح والتسبيح ... بعد احداث الصلب كان التلاميذ مجتمعون معاً، خوفاً من اليهود فى ذعر ورعب والأبواب مغلقة، (ستجد المزيد من عظات القمص افرايم الأنبابيشوى هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين). وفى جـو من الحزن والكآبة، وعـدم الطمأنينة، وذلك بعد أحداث الجمعة الحزينة؛ ولكن عندما ظهر الربلهم منحهم سلامه. {ففرح التلاميذ عندما أبصروا الرب} فتحول حزنهم الى فرح وشكهم الى ثقة، وخوفهم الى طمأنينة وسلام، ويأسهم الى رجاء. لأن الرب القائم حاضر فى وسطهم. وهذا ما حدث مع توما الرسول عندما رأى شخص الرب ولمس حضوره بطريقة شخصية فاحدث تغيير فى حياتة من الشك للأيمان فقد صرخ قائلا "ربى وإلهـى" ان حضور الرب الدائم يعطى فرح وسلام ورجاء ويبدد الشك. الرب الاله حاضراً فى كنيسته كما كان فى الماضى فهو أمس واليوم والى الأبد، من خلال لاهوته وروحه القدوس وكلمته واسراره . ولكن لماذا يعيش بعض المؤمنين حياة الحزن أو القلق والانقسام والتشتت، حتى أن هذا الداء أصاب بعض خدام المسيح وكأنهم اجراء او موظفين مجبرين على القيام بعملهم وليسوا خدام للرب الاله المحب يعيشون بدون فرح فى حياتهم . ربما ان ذلك ناتج عن قلة او ضعف الإيمان او النظر الى الظروف المحيطة بنا وصعوبتها دون التطلع الى السماء ومعونتها . وربما يتأتى الحزن من الانانية التى يحيا فيها الانسان وعدم القناعة والرضا بما لدينا فالقناعة كنز ومصدر للسعادة كما ان الطمع مصدراً للتذمر والضيق. ربما ياتى الحزن كنتيجة للانقسام وعدم السلام داخل الانسان او فى علاقته مع الله او الاخرين وهذا يدعونا الى التوبة والمصالحة والصدق مع الله والنفس . وربما يحيا البعض التدين المرضى باخطاء الانسان العتيق ويزعمون انهم يعرفوا الله . أن السلام هو عطية الله لنا ولا يعرفه الأشرار ولا يستطيع العالم أن يعطيه {سلاماً أترك لكم، سلامي أُعطيكم. ليس كما يُعطي العالم أُعطيكم أنا}(يو 14: 27).
القديس بطرس يحثَّ المؤمنين على الفرح الحقيقي في الروح حتى ولو كانوا يجتازون التجارب { ذلك وإن كنتم لا ترونه (أي الرب) الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد} (1بط 1: 8). كما ان القديس يعقوب يدعونا للفرح حتى فى التجارب {احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة} (يع 1: 2).اما القديس بولس الرسول الذى تعرض لكل اشكال الآلام والاضطهاد وسوء التقدير بالاضافة الى شوكة المرض نرى الفرح الروحى لا يفارقه فى حياته وكتاباته حتى فى السجن { فوضعوا عليهما ضربات كثيرة والقوهما في السجن واوصوا حافظ السجن ان يحرسهما بضبط. وهو اذ اخذ وصية مثل هذه القاهما في السجن الداخلي وضبط ارجلهما في المقطرة. ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما. فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت اساسات السجن فانفتحت في الحال الابواب كلها وانفكت قيود الجميع} أع 23:16-26. ان فرح القديس بولس الرسول لا يعتمد على الظروف بل على تعزية الروح القدس والايمان الواثق المشارك فى الآم السيد المسيح وهو يُصارع الآلام والاضطهادات {كحزانى ونحن دائماً فرحون} (2كو 6: 10). {لذلك أُسَرُّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح} (2كو 12: 10). {الآن أفرح في آلامي لأجلكم،وأُكمِّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده، الذي هو الكنيسة} (كو 1: 24).
ان تطلع المؤمن الى الابدية يجعله يستهين بكل الآم الزمان الحاضر { فاني احسب ان الام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن فينا... ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده. لان الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين اخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم ايضا والذين دعاهم فهؤلاء بررهم ايضا والذين بررهم فهؤلاء مجدهم ايضا} رو 18:8، 28-30. ولنعلم ان دموعنا فى التجارب كمتنفس أو شكوانا لله هى رائحة بخور ذكية محفوظة وغير منسية لديه وان كنا نتالم معه فلكى نتمجد معه ايضا وهذا هو سند المجاهدين العابرين وادى البكاء يصيرونه ينبوعا للعزاء بالايمان والصبر والرجاء .
انت فردوس نفسىالهى وربى اقدم لك تسبيحى وشكرى .. فلك يليق المجد والتسبيح لان رحمتك دائمة الى الابد .
لتهتف للرب كل الارض ولنعبدك بالفرح والترنم وندخل ديارك بالتسبيح من جيل الى جيل .
الرب الهنا قدوس وبار والهنا يرحم ومراحمة جديدة كل صباح ، وهو يوقظ قلوبنا للتسبيح بفرح لخلاصة العجيب. ورعايته لنا كل الأيام حتى لو سمح بالضيقات والتجارب فهى تعمل للخير وان سرنا فى وادى ظل الموت فلن نخاف شئيا فالهنا معنا على الدوام .
ايها الرب ربنا قد صار اسمك عجيبا فى الارض كلها ، من افواه الاطفال هيات تسبيحا .
انت فردوس نفسى ونبع متجدد لسعادتى وكنز محبتى فلك نعطى المجد والاكرام .
وسط الضيقات انت العزاء وفى الحروب انت النصرة، وانت الذى تعصب الجروح بنعمتك .
نحن نثق فى قيادتك لنفوسنا وكنيستنا وبلادنا ومنك نستمد السلام وسط عالم يموج بالقلق والصراعات.
اليك نلقى بهمومنا ومشكلاتنا واثقين من عملك وقدرتك فى تحويل الحزن الى فرح والصليب الى قيامة ومجد ، واذ ننتظر عملك وسط الايام والسنين نرنم واثقين ان لنا فيك الفرح واليقين باننا بك يعظم أنتصارنا ونرنم لك على الدوام فرحين .
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
19 أكتوبر 2021
القيم الروحية (24) المسيحى والحياة الهادفه
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح
حياتنا الهادفة ورسالتنا السامية ..
لقد خلقنا لاعمال صالحة .. ان حياتنا ثمينة فى فكر الله ولديه ويجب ان تكون ثمينة فى أنفسنا وقد اعطانا نعمة الحياة كهبة بها نحقق أهداف وخطة الله الخلاصية لنا ونقوم برسالة سامية علينا ان نؤديها بامانة واخلاص لا كمن يرضى الناس بل كمن يرضى الله الذين يعلم خفايا القلوب وبضمير صالح وإيمان بلا رياء ومحبة كاملة {لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها} (اف 2 : 10).
الانسان هو تاج الخليقة وسيدها ودعى للاثمار والاكثار وخلق لمجد الله { ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته} (اش 43 : 7). وقد اراد لنا الله السعادة فى الفردوس ولما سقط الانسان وبعدَ عن الله ارسل لنا الله الاباء والانبياء عونا وفى ملء الزمان اتى الينا الابن الكلمة، أقنوم الحكمة أوعقل الله الناطق دون ان يحد التجسد من لاهوته، تجسد ليعرفنا محبته لنا ويردنا الى الفردوس مرة اخرى ويرينا كيف نسلك كإناس الله القديسين ويعيد الانسان الذى سقط الى رتبته الاولى ، لقد جاء لتكون لنا الحياة الافضل . ولكى تكون لنا الحياة الهادفة ذات الرسالة السامية على الارض ثم لنرجع الى الفردوس السمائى والحياة الابدية ونحيا كملائكة الله فى السماء بعد الانتقال من هذا العالم .
+ لا يستهين أحد منا بقدراته وأمكانياته ..
اننا فى يد الله نستطيع ان نكون قوة وبركة فخمسة ارغفة صغيرة لدى فتى قدمها ليد الرب القدير أشبعت خمسة الاف رجل ماعدا النساء والأطفال ورجل غريب فى بلد بعيد قديما هو يونان النبى الهارب قاد نينوى كلها للخلاص { واختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء واختار الله ادنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود (1كو 1 : 27-28) . لقد تعلل موسى النبى عندما كلمة الله ان يذهب الى مصر لاخراج الشعب من العبودية بانه ثقيل الفم واللسان ورفض المهمة وعاد الله يلح عليه ويقدم له البراهين حتى أقنعه وهل كان الله عاجز عن أخراج الشعب بغير موسى ؟ كلا طبعاً ! ولكن الله يريد ان يشركنا معه فى العمل . كما رفض أرميا النبى الدعوة محتجاً بصغر سنه {فكانت كلمة الرب الي قائلا. قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب. فقلت اه يا سيد الرب اني لا اعرف ان اتكلم لاني ولد. فقال الرب لي لا تقل اني ولد لانك الى كل من ارسلك اليه تذهب و تتكلم بكل ما امرك به. لا تخف من وجوههم لاني انا معك لانقذك يقول الرب. ومد الرب يده و لمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس} ار4:1-10. ولقد استخدمه الله بقوة لينادى فى الشعب بالرجوع الى الله و نادى بالتوبة بالدموع والكلمة والحكمة والمثل . وانت ايضا مدعو للأشتراك مع الله فى كل عمل صالح .هكذا يستطيع الله ان يعمل بكل واحد وواحدة منا عملاً مجيداً بالنعمة الغنية اذا نكتشف ما بداخلنا من أمكانيات وما لدينا من مواهب ووزنات ونستخدمها لخيرنا ولخدمة غيرنا .
+ ان لكل منا رسالة فى الحياة يجب ان يؤديها ..
يجب ان نكون رساله المسيح المقرؤة من جميع الناس { ظاهرين انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في الواح حجرية بل في الواح قلب لحمية}(2كو 3 : 3). كما انه يجب ان تفوح منا رائحة المسيح الذكية وسيرته المقدسة كسفراء للسماء { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان . لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون و في الذين يهلكون . لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور (2كو 2 : 14- 16). ان لكل واحد وواحدة منا مهام يجب ان يقوم بها وان نتاجر بالوزنات المعطاة لنا من الله ونربح لنسمع الصوت الحلو { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك }(مت 25 : 21). يجب ان يكون ناخد من نور السيد المسيح ونستنير وننير الطريق للغير وان نكون ملحاً جيداً يعطى مذاقة روحية لغيرنا ويكون كلامنا واعمالنا شهادة حسنة على اننا اناس الله القديسين { انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل.ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة و يمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 13:5-16. فلنختبر أنفسنا وهل نحن نسير فى الطريق الصحيح للتوبة والحياة مع الله والنمو فى حياة الفضيلة والإيمان للوصول الى القداسة والاتحاد بالله {جربوا انفسكم هل انتم في الايمان امتحنوا انفسكم ام لستم تعرفون انفسكم ان يسوع المسيح هو فيكم ان لم تكونوا مرفوضين }(2كو 13 : 5). ولنبنى أنفسنا على ايماننا الاقدس {واما انتم ايها الاحباء فابنوا انفسكم على ايمانكم الاقدس مصلين في الروح القدس} (يه 1 : 20).
السيد المسيح قدوة ومثال ..
رسالَةُ السيد المسيح الخلاصية ..
لقد جاء السيد المسيح برسالة سامية بها يريد ان يعلمنا مدى محبة الله الاب لنا ويريد ان يوحدنا فيه وبه ومعه بالمحبة الروحية {عرفتهم اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكون انا فيهم} (يو 17 : 26). وبهذه المحبة بذل ذاته عنا خلاصا بعد ان جال يصنع خيرا ويشفى جميع المتسلط عليهم أبليس { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم واحب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة} يو16:3-19. ولقد كان السيد المسيح عالماً برسالته وطبيعتها منذ البدء. وعندما ترك القديسة مريم ويوسف النجار فى عمر الثانية عشر وبقي فى الهيكل يجادل الكهنة والكتبة ورجعوا يطلبونه قال للعذراء مريم { الأ تعلمان أننى لابد ان أكون فيما لأبى} (لو 49:2). كان بهذا يعنى انه منشغل ومهتم بالرسالة السامية التى تختص بأبيه السماوى وتعليم وتقديس البشرية وقيادتها الى الاحضان الإلهية . وهذا ما اعلنه الملاك للعذراء فى البشارة بمولده { وها انت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه. ويملك على بيت يعقوب الى الابد ولا يكون لملكه نهاية. فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وانا لست اعرف رجلا. فاجاب الملاك و قال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} لو 31:1-35. انه ابن الله ليس بتناسل جسدى ولا بالمعنى المجازى بل ولاده روحية كانبثاق النور من الشمس والفكر من العقل دون ان ينفصل عنه .
ولقد اعلن الملاك ليوسف عن اسمه ورسالته { فستلد ابنا و تدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم} مت 21:1. وهذا ما بشر به الملاك الرعاة يوم مولد المخلص { وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. واذا ملاك الرب وقف بهم و مجد الرب اضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما. فقال لهم الملاك لا تخافوا فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب.انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب} لو 8:2-11. وهذا ما صرح به المخلص الصالح فى العديد من المناسبات { انما جاء ليسعى ويطلب ويخلص من قد هلك } لو 10:19. وهذا ما شهد به ايضا تلاميذه بعد القيامة { ليس بأحد غيره الخلاص} يو 12:4.
مثابرة السيد المسيح على أنجاز رسالته ..
كانت حياة السيد المسيح منذ بدأ خدمته حتى الصلب والقيامة هى حياة مثابرة وكفاح بغير كلل وباصرار دون ملل على انجاز مهمته التى من اجلها جاء الى العالم . جال الاراضي المقدسى وما حولها يبشر ويعلم ويعزى ويصنع المعجزات ويشفى الامراض فى المدن والقري والبيوت والشوارع والمجامع والهيكل ويقضى الليل فى الاختلاء مع ابيه الصالح وكانت الجموع تبحث عنه كطبيب لارواحهم ونفوسهم واجسادهم وذات مرة بحثوا عنه لئلا يذهب عنهم فقال لهم انه يجب ان يبشر المدن الاخرى ايضا { ولما صار النهار خرج وذهب الى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه فجاءوا اليه وامسكوه لئلا يذهب عنهم. فقال لهم انه يبنغي لي ان ابشر المدن الاخر ايضا بملكوت الله لاني لهذا قد ارسلت. فكان يكرز في مجامع الجليل} لو 42:4-44. وفى مجمع الناصرة لخص لهم دعوته كما جاءت فى نبوة اشعياء النبى {وجاء الى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرا. فدفع اليه سفر اشعياء النبي ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه. روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية.واكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه الى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة اليه. فابتدا يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم} لو 14:4-21. وهو يدعونا امس واليوم والى الابد للتعلم منه والاقتداء به ويقول لنا {احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم} (مت 11 : 29).
مهمة محفوفة بالآلام والمخاطر ..
كان السيد المسيح يدرك ويعلم ان مهمته على الارض ليست سهلة بل شاقة وصعبة وسيواجه فيها الحروب والالام والمتاعب والمضايقات والاتهامات وسينتظره فى نهايتها موت الصليب حيث يسيل دمه كذبيحة وفداء وتكفير عن أثامنا ولقد اعلم تلاميذه بذلك وصمم على المضى قدما فى رسالته ولتحقيق اهدافه ليُعلم ويرعى ويقدس شعبه ويقدم محبته الصادقة لكل أحد وعندما جاء اليه الفريسيين وقالوا له ان يخرج من عندهم ويمضى لان هيردوس يريد ان يقتله كان رده قويا ومؤيدا الهدف من مجئيه { في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لان هيرودس يريد ان يقتلك. فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها انا اخرج شياطين واشفي اليوم وغدا وفي اليوم الثالث اكمل. بل ينبغي ان اسير اليوم وغدا وما يليه لانه لا يمكن ان يهلك نبي خارجا عن اورشليم. يا اورشليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها كم مرة اردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا والحق اقول لكم انكم لا ترونني حتى ياتي وقت تقولون فيه مبارك الاتي باسم الرب} لو 31:13-35. وأكد لتلاميذه ماذا ينتظره { من ذلك الوقت ابتدا يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي ان يذهب الى اورشليم ويتالم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم} مت 21:16.
أكمال العمل الخلاصى والقيامة المجيدة ..
لقد تقدم السيد المسيح الى الصليب وفى لحظات القبض عليه تركه خوفاً غالبية تلاميذه أو ضعفاً ومنهم من خانه وارشد عليه ومنهم من انكر انه من اتباعه وجاز المعصرة وحده حاملا عقاب خطايانا كشاة تساق الى الذبح وهو القدوس والبار كما تنبأ اشعياء النبى {احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله و مذلولا.وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا} اش 4:53-6. ولقد أكمل العمل الذى جاء لاجله وقال للاب السماوى { العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته} يو 30:19. وقام فى اليوم الثالث كما أعلم تلاميذه واهبا اياهم السلام والفرح وأسس بهم كنيسة العهد الجديد ليعلموا ويتلمذوا جميع الامم {وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير.حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك} لو 44:24-48.
وكما كان الاباء الرسل شهوداً وجالوا يدعوا الناس للتوبة وقبول الخلاص والايمان وان يثمروا ثمر الروح ، وقد وصلت الينا نحن ايضاً هذه الرسالة ونحمل داخلنا نور الإيمان المسيحى فعلينا ان نحيا إيماننا الاقدس ونجول نصنع خيرا فى نكران للذات وحمل للصليب واثقين ان الله سيقودنا فى موكب نصرته ويعمل لخلاصنا ونجاتنا من الغضب التى وهو رب الكنيسة وقائدها وقد وعد ان أبواب الجحيم لن تقوى عليها.
نظرة عميقة فاحصة لحياتنا
اننا يجب ان نجلس مع أنفسنا ونتأمل فى ماضينا وهل نحن راضون عما صنعنا فيه، وهل لو عاد بنا الزمان للوراء فهل سنختار نفس النمط من الحياة أو هل كنا نعمل على تغيير نمط وأهداف حياتنا ؟ اننا يجب ان نتعلم من دروس النجاح أو التعثر فى الماضى ونأخذ دروس منه للحاضر ونبنى عليها للمستقبل الأفضل سواء على المستوى الشخصى أو الاسرى او الكنسي او حتى على المستوى العام . ولهذا يجب ان لا نحيا على ذكريات الماضى ونتعلم كيف نصفح وننسى لمن يسئ الينا ولا ننشغل بالمعارك الجانبية او نهدر وقتنا فيما لا فائدة منه حتى نواصل الحياة بنفسية سوية وان نكون مسرعين الى الاستماع لنتعلم من خبرات الاخرين ونكون مبطئين فى التكلم او الغضب لنتجنب الكثير من الاخطاء { اذا يا اخوتي الاحباء ليكن كل انسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب. لان غضب الانسان لا يصنع بر الله} يع 19:1-20.
+ ان اليوم واللحظة الحاضرة هى الفرصة المتاحة أمامنا للتفكير والتغيير والاصلاح . ويجب ان نشمر عن سواعدنا للبناء والتجديد الروحى والفكرى والاجتماعى . يجب ان نقدم فى يومنا توبة عن أخطاء الماضى ونعمل على معرفة ارادة الله وصنعها {ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2). يجب ان نعمل على ان نحيا سعداء بعطايا ونعم الله المتنوعة وحتى وان كانت محدودة فالحكيم من لا يطمح الى الامساك بالنجوم ولا يعيش الاحزان خوفاً من عدم الأمان او يعتصره الحزن على ما يعانى من حرمان بل الحكيم من يعيش راضاً بما هو فيه وساعيا للوصول الى الأفضل ، نافضا عنه ذيول الخيبة واليأس والخوف من المستقبل . عاملا على أسعاد من حوله فى الاسرة والمجتمع. ومع انه قد نتعرض الى ضيقات او اتعاب او اضطهادات او حتى الاستشهاد من أجل أسم المسيح الحسن لكن ينبغى ان نثق ان حياتنا فى ايدى أمينة وان عشنا فللرب نعيش وان متنا فللرب نموت، فاننا من اجل إيماننا نمات طول النهار ولكن فى كل هذا نحيا فى سلام وعلى رجاء القيامة كما قال لنا السيد الرب {قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق و لكن ثقوا انا قد غلبت العالم} (يو 16 : 33).
+ ومادام امامنا المستقبل فيجب علينا ان نفكر فيه وكيف وماذا نريد ان نكون عليه {ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت ولكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام} (في 3 : 13). علينا ان نخطط ماذا نريد ان نكون بعد سنه وعشرة سنوات وعشرون سنه ان منحنا الرب العمر.( أنظر ستجد المزيد من هذه العظات للقمص افرايم الأنبابيشوى هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين). فعلى مستوى الفرد والمجتمع ان لم يكن لدينا تخطيط سليم ومتابعة صادقة وأمانة فى الوصول الى أهداف استراتيجية لن نتقدم او ننمو فى حياتنا . فهل يمكن لسائق مركبة ان يصل الى مدينة معينة فى زمن محدد ان لم يسلك فى طريق الوصول اليها بدقة ؟ ان حياتنا هكذا لا يمكن ان ننجح فيها ونصل الى ما نريد ان لم تكون حياة هادفة فتصبح حياة ذات قيمة ومعنى ونصل فيها الى العيش السعيد والحياة الابدية . ومع التخطيط والمتابعة والتقييم والتوبة عن الاخطاء فاننا نحيا حياة التسليم لله واثقين ان الله ضابط الكل وقادر ان يحفظ حياتنا ويقوى إيماننا ونحيا معه فى عشرة محبة صادقة.
ألاهداف المرحليه فى الحياة ..
+ الاهداف المرحلية فى حياتنا هى أهداف تؤدى وتخدم الاهداف الاساسية وتقود للوصول اليها . نحن نسعى الى النجاح فى الدراسة أو العمل . أو نسعى الى تطوير أنفسنا أو الى التقدم فى مجال عملنا ، او حتى علاج المشكلات التى نواجهها وحلها والتغلب على الأزمات التى نتعرض اليها ، وقد نسعى الى تقوية علاقاتنا القائمة او ايجاد علاقات ومجالات جديده . او قد نسعى الى جمع المال أو الترقى فى العمل وخدمة الاخرين فى مجال عملنا وان نحيا حياة كريمة . وقد يسعى البعض الى تكوين أسرة سعيدة أو مساعدة الابناء فى حياتهم ونجاحهم وقد يكون هدف البعض منا النمو فى المال الروحى أو العملى أو الأجتماعى او الوطنى . نسعى لتأمين مستقبل أفضل لنا ولمن هم حولنا . ويجب ان تكون غاياتنا وأهدافنا المرحلية واقعية وقابلة للتحقيق ونعمل لأمتلاك الامكانيات والمهارات اللازمة للوصول اليها كما يجب ان تكون وسائلنا سليمة غير خاطئة حتى نصل الى الاهداف الاساسية .
+ ان نجاحنا فى تحقيق اهدافنا فى الحياة يتأتى من تحديدنا لهذه الاهداف ،ولهذا يجب ان تكون اهدافنا واضحة ومحدده ومخططه ثم نخضعها للمتابعة والمراجعة والتصحيح فليس من العيب التراجع عن قرار خاطئ او طريق لا نجد فيه أنفسنا بل العيب هو ان نعاند أنفسنا ونكون ما يريد البعض منا ان نكون . يجب ان نكون ايجابيين لا ندع الايام تقودنا كيفما يشاء القدر بل نصنع حياتنا بانفسنا على قدر طاقتنا . ونجاحنا يبدا من الداخل ومن معرفة الانسان لذاته وأمكانياته وتطويرها . يجب ان نكون ذواتنا وليس مقلدين لاحد ولا نتظاهر بما ليس فينا ، فانت الوحيد الذى يستطيع ان يحرر نفسه من القيود بمعونة الله وقوته . يجب ان نعمل ما نراه فى الاتجاه السليم لتحقيق غاياتنا والسير حسب ارادة الله لنا بما يوافق طبيعتنا ويناسب ظروفنا . ويجب ان لا ننهزم امام الخطية والشر أو الفشل والتعثر فى بعض محطات الطريق وان يكون لدينا الاصرار على بلوغ وتحقيق أهدافنا ونناضل من اجلها ولنسعى ان نكون ناجحين فى كل شئ {ايها الحبيب في كل شيء اروم ان تكون ناجحا وصحيحا كما ان نفسك ناجحة} (3يو 1 : 2). ان السعادة فى الحياة تاتى من حياة الرضا عن النفس والقناعه بما نحن فيه والعمل على النمو وعدم الاكتفاء او التقوقع والتوازن بين حياة العمق الداخلى والمشاركة الفاعلة فى الاسرة والكنيسة والمجتمع والاحساس بالسلام الداخلى الناتج عن علاقة طيبة بالله والاخرين .
+ فى علاقاتنا بالاخرين يجب ايضا ان نكون هادفين ويجب ان يكون لنا أهدف نسعى لتحقيقها ومنها خلاص نفوسنا ومن حولنا فالخدمات او الحوارات او اللقاءات تكون لها هدف سامى دون جدل عقيم أو نميمة منفرة . المحبة الحقيقة لا تحسد ولا تتفاخر ولا تحتد او تقبح او تظن السوء ، المحبة تحتمل وتصبر حتى ان تعرضت للتجريح أو الأساءة أو الظلم بل تدافع عن الحق فى أدب وتواضع لا بهدف كسب الجدال بل بهدف كسب القلوب والنفوس . نحن نعلم انه قد لا نستطيع ان نغير الإخرين لاسيما المعاندين والكارهين ولكن يجب ان نعمل على ان لا نذيد العداوة معهم وفى نفس الوقت نقدم لهم محبة الله الصادقة والأمنية ونبنى مع الغير جسور المحبة والتواصل ، ونصلي من أجلهم ونعمل على قدر أستطاعتنا على مسالمة جميع الناس وتغييرهم وتحويلهم الى اصدقاء متى أمكن ذلك . المسيحى لا يكره او يعادى أحد عالمين ان لنا عدو واحد هو الشيطان { فان مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات} (اف 6 : 12). وكما يعلمنا الكتاب المقدس { فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه }(رو 12 : 20). وليست ذلك يعنى انك تريد أحراق عدوك ولكن عندما تعمل معه الخير فانه سيشعر بالذنب ويرجع عن خطئه فقديما كان المذنب او حتى القاتل ياتى بثياب كفنه ووعاء فيه نار على راسه ويذهب الى اهل المعتدى عليه طالبا المغفرة والصفح وكانه يقول انى استحق الموت والحرق ولكننى جئت طالبا المغفرة والسماح فيصفح عنه . وهكذا علمنا السيد المسيح ان نمتد بالمحبة حتى للاعداء وقال لنا احبوا اعدائكم، باركوا لاعنيكم ، واحسنوا الى مبغضيكم ، لكى نتشبه بابينا السماوى الذى يشرق شمسه على الصالحين والطالحين ويمطر على الابرار والاشرار .
الاهداف الاساسية المراد بلوغها ..
يجب ان نمتد وننمو فى محبة الله وتعميقها فى النفس ويقاس ذلك بمدى حرصنا على ارضاء الله وعدم خيانته بالانحياز الى الشيطان وحيله وأفعاله الشريرة. والحرص على الايجابية المسيحية من صلاة وصوم وخدمة ومحبة للاخرين وسعى الى خلاص النفس وصداقتها لله وارتباطها به وبإنجيله والعمل بوصاياه {الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه واظهر له ذاتي} (يو 14 : 21).
+ فى سعينا نحو الاهداف الأساسية يجب ان نسعى الى حياة القداسة {اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب }(عب 12 : 14) ونحرص ان يكون لنا نصيباً وميراثاً مع القديسين فى ملكوت الله . فماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه {لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه (مت 16 : 26). وفى هذا نسعى الى معرفة الله والنمو فى محبته {وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته} (يو 17 : 3).
+ مع حرصنا على ان نحيا حياة كريمه ونسعى لتوفيرها لمن هم فى نطاق مسئوليتنا فيجب ان نهتم بخلاصنا الابدى عالمين ان ملكوت الله ليس أكلا وشرب {لان ليس ملكوت الله اكلا وشربا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس} (رو 14 : 17) . ان ملكوت الله ليس عنا ببعيد بل ان أقتراب الله الينا بالتجسد الإلهي وحلول المسيح بالإيمان فى قلوبنا يجعلنا نحيا مذاقة الملكوت من الان { ملكوت الله داخلكم }(لو 17 : 21). ونحيا على الرجاء المبارك بميراث الملكوت السمائى { ينبغي لنا ان نشكر الله كل حين من جهتكم ايها الاخوة كما يحق لان ايمانكم ينمو كثيرا ومحبة كل واحد منكم جميعا بعضكم لبعض تزداد. حتى اننا نحن انفسنا نفتخر بكم في كل كنائس الله من اجل صبركم وايمانكم في جميع اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها. بينة على قضاء الله العادل انكم تؤهلون لملكوت الله الذي لاجله تتالمون ايضا.اذ هو عادل عند الله ان الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقا. واياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته. في نار لهيب معطيا نقمة للذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون انجيل ربنا يسوع المسيح. الذين سيعاقبون بهلاك ابدي من وجه الرب ومن مجد قوته. متى جاء ليتمجد في قديسيه ويتعجب منه في جميع المؤمنين لان شهادتنا عندكم صدقت في ذلك اليوم. الامر الذي لاجله نصلي ايضا كل حين من جهتكم ان يؤهلكم الهنا للدعوة ويكمل كل مسرة الصلاح وعمل الايمان بقوة. لكي يتمجد اسم ربنا يسوع المسيح فيكم وانتم فيه بنعمة الهنا والرب يسوع المسيح} 2تس 3:1-12.
+ حياتنا فرصة عظيمة كل يوم لتنمية نفوسك وعلاقاتنا بالإخرين سواء فى محيط الأسرة الصغيرة أو العائلة او الكنيسة او العمل او المجتمع الذى تنتمى اليه ، نحبهم ونخدمهم ويكون لدينا فرصة للنمو فى محبة الله ومعرفتة الى ان نصل الى الشركة والاتحاد الروحى بالله والشبع الروحى والصداقة الدائمة معه . عالمين اننا ابناء الله وهو جاء ليهبنا الحياة الفاضلة على الارض والابدية السعيدة فى السماء {وانا اعطيها حياة ابدية و لن تهلك الى الابد ولا يخطفها احد من يدي} (يو 10 : 28) فلنقل اذن كما قال القديس بولس الرسول { لان لي الحياة هي المسيح و الموت هو ربح }(في 1 : 21). { الروح والعروس يقولان تعال ومن يسمع فليقل تعال ومن يعطش فليات ومن يرد فلياخذ ماء حياة مجانا} (رؤ 22 : 17).
+ أحبائى داخل كل منا فراغ كبير لا يملأه الا الله ، قد يكون من الاهداف المرحلية ان نحصل على السعادة والحياة الفاضلة الكريمة ، وقد يخطأ البعض فى اهدافهم نحو أشباع هذا الفراغ بالماديات والمراكز او اللذات او اشباع غرور الذات بالمناصب والشهوات ويظل الجوع الانسانى والحاجة الى الواحد الذى هو الله فى حاجة الى الاشباع . لقد خلقت نفوسنا على شبه الله ومثاله ولن تجد راحتها ولا سعادتها الا فيه وعندما نستريح معه ونكتشف من جديد الغنى الروحى والجوهرة الكثيرة الثمن داخلنا نكون على استعداد للجهاد والعمل الدؤوب وعدم التوقف لتحقيق ارادة الله بنا ومعنا .
طريق الكمال
من رسالة القديس باسليوس
إلى صديقه إيوستاثيوس في سباستيا
أنا أضعت وقتا كثيرا، وكرست معظم أيام شبابي في اقتناء العلوم الأرضية، التي تظهر لي الآن أنها مثل حماقة أمام الله. وفجأة في يوم استيقظت وكأني كنت في نوم عميق، ورأيت النور الشديد للحقيقة السمائية، وأدركت أن كل الحكمة التي تعلمتها من معلمي هذا العالم كانت باطلة، فبكيت بدموع كثيرة لأسفي على حياتي، وصليت ليعطيني الله بعض الإرشادات التي توصلني إلى حياة الإيمان.
أول كل شيء فعلته لأصلح مساري القديم في الحياة هو: إنني أختلط بالفقراء، وأمكث أقرأ في الكتاب المقدس.
فكرت أن أفضل طريقة للبدء في طريق الكمال هو أن أعتني باحتياجات هؤلاء الأخوة والأخوات المعدومين، وأن أشترى أطعمه وأوزعها عليهم، ونحّيت جانبا كل متعلقات ومشاكل هذا العالم بعيدا عن عقلي بالكلية، وبحثت عن الذين يشاركونني هذا العمل ويسيرون معي في هذا الطريق، حتى وجدت من أبحر معه في محيط هذا العالم.
ووجدت كثيرين في الإسكندرية ومصر وآخرين في فلسطين وسوريا والعراق، وتأثرت كثيراً بطريقة اعتدالهم في تناول الطعام، ومثابرتهم في الأعمال، وطريقتهم في أن يقاوموا النوم بالصلاة والتسبيح. حقاً أنهم يبدون كأنهم قادرين على مقاومة أي قوة في الطبيعة، ودائما يعطون لأرواحهم السهر بالكمال حتى ولو كانوا يعانون من الجوع والعطش والبرد والعرى. لم يستسلموا لأهواء أجسادهم أو حتى يعطوه أي اهتمام، وكأنهم يعيشون في عالم آخر، ويظهرون بأعمالهم أنهم حقا غرباء عن هذه الأرض وموطنهم الحقيقي هو المملكة السمائية.
حياة هؤلاء الناس ملأتني بالسعادة والتعجب، لأنهم أظهروا أنهم حاملون في داخلهم جسد المسيح، ولهذا قررت – طالما أنا أستطيع – أن أحاول إتباع مثال حياتهم.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
12 أكتوبر 2021
القيم الروحية ( حياة الشكر )
الشكر شعور بنعمة الله علينا .. الانسان الشاكر لله هو الذى يشعر بنعم الله عليه ورعايته له فى مختلف ظروف الحياة ، وهو إنسان متواضع طيب القلب قنوع ، يشعر ان الله صانع الخيرات حتى وان سمح الله بضيقات تأتى عليه فهى لفائدته الروحية ، فالله قادر ان يغير ما يصنعه ضدنا الاشرار الي خير لنا كما قال يوسف الصديق { انتم قصدتم لي شرا اما الله فقصد به خيرا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبا كثيرا }(تك 50 : 20). وهكذا كان يوسف نبيلا مع اخوته الذين تأمروا على قتله وبعد ذلك باعوه عبدا، وكان شهماً ستر على اخوته وعلى امرأة سيده عندما أتهمته ظلما { لاني قد سرقت من ارض العبرانيين وهنا ايضا لم افعل شيئا حتى وضعوني في السجن} تك 15:40. ومن أجل طهارته وتواضع قلبه وهبه الله الحكمة والنعمة واستطاع ان يفسر حلم فرعون ويدير احوال مصر فى المجاعة وينقذ شعبها واهله من الجوع والغلاء والفناء .من اجل ذلك يدعونا الإنجيل الى حياة الشكر كابناء محبين لله { فكونوا متمثلين بالله كاولاد احباء. واسلكوا في المحبة كما احبنا المسيح ايضا واسلم نفسه لاجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة. شاكرين فى كل حين، على كل شئ} ( أف 1:5- 2، 20 )
الشكر هو عرفان بالجميل .. لكل من قدم لنا عطية او خدمة من البشر. ونحن نقدم الشكر والحمد لله على نعمة التى منحها لنا وعلى كل شيء لم يمنحه ومنعه عنا لخيرنا حتى لو كان الإنسان يشعر باحتاج اليه وهذا ما يقوم به العامة من تقبيل ايديهم من داخل ومن خارج حينما يشكروا الله . فنحن نشكر الله على جميع العطايا التى منحها الله لنا وكذلك على كل ما قد حجبه الله عنا حتى ولو كنا فى احتياج لذلك الشئ الذى حجبه الله واثقين ان ذلك من اجل خيرنا .
الشكر على عطايا وهباته.. اننا نشكر الله على نعمة الوجود وعلى ما لدينا من صحة وحتى من مرض فالمرض هبة من الله لنعرف ضعفنا ونجلس مع ذواتنا ونتقابل مع الله . اننا يجب ان نشكر الله على رعايته ونصرته لنا فى حروبنا ونتعلم من أخطائنا ونتوب عنها، يقول قداسة البابا شنوده الثالث (لا شك أن الشيطان يبذل قصارى جهده من أجل ضررنا وأسقاطنا، فاٍن كنا الآن بخير ، فذلك لأن الله قد منع الضررعنا، الضرر الذى نعرفه او لا نعرفه، ونحن نشكر الله على هذا الحفظ، اٍننا اٍذا شكرنا على النعم فقط ، يكون حبنا هو للنعم، وليس لله معطيها ! أما اٍن شكرنا الله حتى على الضيقة ، فاٍنما نبرهن على أننا نحب الله لذاته وليس لعطاياه ). كتبت احدى المجالات البريطانية مقالاً موثراً عن احد الجنود الذي أصيب بشظية استلزمت اجراء سبع عمليات جراحية له وعندما أتاه الطبيب بعد ان استفاق سأله الجندي : هل سأعيش ؟ فاجابه نعم . فسأله مره اخري : هل ساستطيع ان أزاول حياتى العادية من جديد؟ فأجابه الطبيب نعم . عند ذلك رد الجريح قائلاً : انني احمق ! علام القلق أذاً !
لدينا الكثير والكثير من الاشياء التي تستحق الشكر، عزيزى هل شكرت الله على انك لك عينين ترى بهما . وعلى نعمة القراءة وعلى ضوء الشمس والكهرباء ؟ يقول الشاعر الراحل أمل دنقل : ترُي حين افقأ عينيك ، واثبت مكانهما جوهرتين . ترُي هل ترى ؟ هى أشياء لا تشترى . فهل شكرنا الله على نعمة البصر. وكم من أناس لم تتاح لهم فرصة التعليم ولا يستطيعوا القراءة .فهل شكرت الله على ذلك . وكم يكفي من المال مقابل ساقيك ؟ ان لدينا نعم كثيرة تكفى للشكر الدائم ، والإنسان القنوع بما لديه ، الشاكر الله على نعمه يحيا سعيدا ويقبل نفسه كما هو ساعيا الي الكمال المسيحي والنمو الروحي والعملى فى تواضع ورضا بما لديه فى غير تذمر او تمرد او عصيان بدلا من السعى للوصول الى اهداف زائفة تقوده الى هلاك النفس والروح {لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26). {واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة } (1تي 6 : 6) الإنسان الشاكر لله والأخرين يحيا حياة الرضا والسعادة بما لديه فالسعادة ليس بمقدار
ما نملك ونستهلك بل السعادة تأتي من القناعة بما بين ايدينا وما في مقدورنا عمله لادخال البهجة والفرح لحياتنا وحياة من حولنا . وكما يقول أحد القديسين (لا موهبة بلا زيادة الا التي هي بلا شكر) . فلنعود أنفسنا يا أحبائي على حياة الشكر لله وكذلك نقدم الشكر لكل من يساهم فى تقديم خدمة لنا ولاحبائنا .
السيد المسيح وحياة الشكر:-
نتعلم الشكر والاحسان والوفاء من الله . اننا نتعلم الوفاء والشكر من الله {فاجتاز الرب قدامه "موسي" ونادى الرب الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء }(خر 34 : 6). وعندما شفى السيد المسيح له المجد العشرة البرص. رجع واحد فقط ليقدم الشكر لله وكان رجلا سامري غريب { فواحد منهم لما راى انه شفي رجع يمجد الله بصوت عظيم. وخر على وجهه عند رجليه شاكرا له وكان سامريا. فاجاب يسوع وقال اليس العشرة قد طهروا فاين التسعة. الم يوجد من يرجع ليعطي مجدا لله غير هذا الغريب الجنس} لو 15:17-18.
من اجل هذا تعلمنا الكنيسة فى كل صلاة نصليها ان نبتدى بالشكر لله صانع الخيرات الرحوم لانه سترنا واعاننا وحفظنا وقبلنا اليه واشفق علينا وعضَددنا ووهبنا نعمة الحياة لنقف أمامه ونشكره . عرف داود النبي مراحم الله واختبرها لذلك رايناه يبارك الله دائما { باركي يا نفسي الرب و كل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل امراضك.الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرافة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك. الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين. الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لا يحاكم الى الابد ولا يحقد الى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا} مز1:103-10. فياليتنا نتعلم من رجال الله القديسين ونشكر الله على نعمه المتنوعة .
تذكر أحسانات الله لنا وصية من الله .. عندما كان الشعب قديماً فى البريه واطعمهم الله المن فى البرية أمر موسى ان يحتفظ منه بالقليل في بيت الرب ليكون مجال للتذكر والشكر { وقال موسى هذا هو الشيء الذي امر به الرب ملء العمر منه يكون للحفظ في اجيالكم لكي يروا الخبز الذي اطعمتكم في البرية حين اخرجتكم من ارض مصر. وقال موسى لهرون خذ قسطا واحدا واجعل فيه ملء العمر منا وضعه امام الرب للحفظ في اجيالكم.كما امر الرب موسى وضعه هرون امام الشهادة للحفظ} خر32:16-34. وهكذا نحن فى العهد الجديد نشكر الله فى كل صلاة ولاسيما فى الصلاة اللليتروجية فى القداس التي هي بحق سر الشكر لله على عطيته التى لا يعبر عنها بكلمات.
الكتاب المقدس وحياة الشكر .. ان الكتاب المقدس وتعاملات الله عبر التاريخ تعلن لنا عطايا الله وغنى نعمتة المجانية وهي تفيض على البشر. وفعل الشكر هو جواب الإنسان لهذه النعمة المتدفقة والمتواصلة التي ستجد كمالها في المسيح. فالشكر وعي بعطايا الله. واندفاع لا شائبة فيه للنفس التي سبيت من الدهش بهذا الجود. وعرفان بالجميل أمام العظمة الإلهية وهو ياتى في الكتاب المقدس كرد فعل عميق للخليقة التي تكتشف عظمة الله ومجده. فخطيئة الوثنيين الرئيسية في نظر القديس بولس تكمن في أنهم عرفوا الله ولم يمجدوه ولا شكروه {لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم واظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء} رو 20:1-22 .
حياة الشكر تقود إلى استعادة روح الفرح والحمد والتهليل.. { اهتفوا ايها الصديقون بالرب بالمستقيمين يليق التسبيح. احمدوا الرب بالعود بربابة ذات عشرة اوتار رنموا له. غنوا له اغنية جديدة احسنوا العزف بهتاف. لان كلمة الرب مستقيمة وكل صنعه بالامانة. يحب البر والعدل امتلات الارض من رحمة الرب} مز 1:33-5. ولان الرب صالح والى الابد رحمته فيجب ان نحمده ونشكره { وغنوا بالتسبيح والحمد للرب لانه صالح لان الى الابد رحمته على اسرائيل وكل الشعب هتفوا هتافا عظيما بالتسبيح للرب لاجل تاسيس بيت الرب. وكثيرون من الكهنة واللاويين ورؤوس الاباء الشيوخ الذين راوا البيت الاول بكوا بصوت عظيم عند تاسيس هذا البيت امام اعينهم وكثيرون كانوا يرفعون اصواتهم بالهتاف بفرح}(عز 3: 11-12) . وكما هتف المرنم شاكراً الرب { احمدك يا رب الهي من كل قلبي وامجد اسمك الى الدهر.لان رحمتك عظيمة نحوي وقد نجيت نفسي من الهاوية السفلى}(مز 86: 12-13). وبكلام أكثر دقّة يقوم فعل الشكر على أنه اعتراف عملي بفضل الله . فحمد الله يودي إلى إعلان العظائم التي يجريها معنا وإلى الشهادة لأعماله. أما فعل الشكر، فإنه يسير كصدى له في القلوب. ولهذا السبب، فهو يتضمن غالباً الإشارة إلى جماعة الصديقين التي دُعيت لتسمع وتشارك في الشكر{ احمدك في الجماعة الكثيرة في شعب عظيم اسبحك} (مز 35: 18). { حسن هو الحمد للرب والترنم لاسمك ايها العلي. ان يخبر برحمتك في الغداة وامانتك كل ليلة. على ذات عشرة اوتار وعلى الرباب على عزف العود. لانك فرحتني يا رب بصنائعك باعمال يديك ابتهج. ما اعظم اعمالك يا رب واعمق جدا افكارك} (مز 92: 1-5). أما اللفظ العبري الذي يعبر عن نوعية هذا الاعتراف المندهش والمعترِف بالجميل، أو "توداه" بالعبرية ، ويوازيه في اللغة العربية شكرا ، فهو لا يفي اللفظ العبريً حقّه. أما اللفظ الذي يبدو أنه يجسم فعل الشكر في العهد القديم ويترجم بصورة دقيقة الموقف الديني المقصود، فهو عبارة " مبارك الرب الاله " ففي العبرية "باروخ اته ادوناى " هى تفصح عن " التبادل الجوهري " بين الله والإنسان. فصدى بركة الله الذي يهب خليقته الحياة والخلاص هو البركة التي يشكر الإنسان بواسطتها خالقه { باركوا الرب يا كهنة الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب يا عبيد الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب يا ارواح ونفوس الصديقين سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب ايها القديسون والمتواضعو القلوب سبحوا وارفعوه الى الدهور. باركوا الرب يا حننيا وعزريا وميشائيل سبحوا وارفعوه الى الدهور لانه انقذنا من الجحيم وخلصنا من يد الموت ونجانا من وسط اتون اللهيب المضطرم ومن وسط النار.اعترفوا للرب لانه صالح لان الى الابد رحمته} (دا3: 84-89}.الضيقة والصلاة والشكر .. فى الكتاب المقدس تقليد خاصّ بالشكر، يظهر بوجه خاص في المزامير ويكشف بشكل دقيق عن طبيعة الشكر كردة فعل على خلاص الله وانقاذه لابنائه وشعبه . فالاعتراف والعرفان بالجميل على الخلاص نرى فيه وصف لخطر يستهدف الانسان او الشعب { اكتنفتني حبال الموت اصابتني شدائد الهاوية كابدت ضيقا وحزنا} (مز116: 3)، ثم يشتمل على صلاة قلقة او عميقة لله { احببت لان الرب يسمع صوتي تضرعاتي. لانه امال اذنه الي فادعوه مدة حياتي... وباسم الرب دعوت اه يا رب نج نفسي}(مزمور 116: 1-2-4). ثم تذكير بتدخل الله الرائع{ الرب حافظ البسطاء تذللت فخلصني. ارجعي يا نفسي الى راحتك لان الرب قد احسن اليك. لانك انقذت نفسي من الموت وعيني من الدمعة ورجلي من الزلق. اسلك قدام الرب في ارض الاحياء} (116: 6-9). نعمة العهد الجديد وحياة الشكر .. اما فى العهد الجديد هو فنحن اخذنا من ملء نعمة الله المفاضة علينا بالمسيح يسوع ربنا {ومن ملئه نحن جميعا اخذنا ونعمة فوق نعمة. لان الناموس بموسى اعطي اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا} (يو1: 17-18) انه إعلان للشكر غير المنقوص الذي يرفعه الابن للآب في الروح القدس فى وحدة غنية . الشكر المسيحي هو جواب ورد عملى على نعمة الله الغنية والتعبير النهائي عنها يكمن في الأفخارستيا السرية، وهي شكر الرب،. ففي العشاء السري وعلى الصليب، يكشف يسوع عن هدف حياته وموته، ألا وهو الشكر من قلبه لتتميم عمل الخلاص والفداء ، وصلاة القداس هى أمتداد لعمل المسيح الخلاصى على الصليب. حياة المخلص كلها تعدُّ فعل شكر متواصل، يظهر أحياناً بصورة جلية ومهيبة لكي يحمل البشر على الإيمان وعلى مشاركته في الشكر { قال يسوع ارفعوا الحجر قالت له مرثا اخت الميت يا سيد قد انتن لان له اربعة ايام. قال لها يسوع الم اقل لك ان امنت ترين مجد الله. فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعا ورفع يسوع عينيه الى فوق وقال ايها الاب اشكرك لانك سمعت لي. وانا علمت انك في كل حين تسمع لي ولكن لاجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا انك ارسلتني. ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجا. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات باقمطة ووجهه ملفوف بمنديل فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب} (يو11: 39-44).السيد المسيح هو الذي رفع أولاً الشكر إلى الآب ونحن "به ومعه وفيه" نقدم شكرنا وتسبيحنا للاب القدوس . فبعد أن أدرك المسيحيون معنى النعمة التى حصلوا عليه، وبعد أن اجتُذِبوا منه ، { وانا ان ارتفعت عن الارض اجذب الي الجميع }(يو 12 : 32) . جعلوا من الشكر حياتهم المتجددة والمستمرة فنشكر الله على كل حال وفى كل حال ومن اجل كل حال .
أمثلة لحياة التسبيح والشكر:-
فى تسبحة العذراء مريم.. نري بدء تسابيح شكر العهد الجديد بانفتاح نعمة الله نحو البشر واعلان رئيس الملائكة غبريال للعذراء مريم بالتجسد الإلهى { فقالت مريم تعظم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي. لانه نظر الى اتضاع امته فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني.لان القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس. ورحمته الى جيل الاجيال للذين يتقونه.صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم.انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين.اشبع الجياع خيرات وصرف الاغنياء فارغين.عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة. كما كلم اباءنا لابراهيم ونسله الى الابد} لو 47:1-55.
ثم راينا شكر سمعان الشيخ وحنة النبية وزكريا الكاهن وكلها تشكر على خطة الله لخلاص البشر . وقد أوحاها التأمل المتأني للأحداث، على مثال ما كان يحصل في العهد القديم.
الشكر فى حياة الرسل ... هكذا كان الرسل يواظبون مع المؤمنين على ليتروجية الشكر كجماعة بقلب واحد ويقدمون الشكر لله كل حين { كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبزوالصلوات} (اع 2 : 42). {وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة واذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب} (اع 2 : 46) . ويعَبر عن الشكر والتسبيح لدى الرسل والجماعات المسيحية الأولى حتى بعد القيامة والصعود وفى كل خدمتهم وحياتهم { واخرجهم خارجا الى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم واصعد الى السماء. فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم.وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله امين} لو 50:24-53 . { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان.لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور} 2كو14:2-16. ويعلمنا الانجيل ان نشكر كل حين { اشكروا في كل شيء لان هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم} 1تس 18:5. {فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها} (2كو 9 : 15).{فاطلب اول كل شيء ان تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لاجل جميع الناس} (1تي 2 : 1).
الهدف من الشكر خلال كل الأحداث هو قبول ملكوت الله والاحساس بمحبته وقيادته للانسان. والعيش كما يحق لإنجيل المسيح، انه ثمرة الفداء المنتشر في الكنيسة { لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه ايضا انتم اذ سمعتم كلمة الحق انجيل خلاصكم الذي فيه ايضا اذ امنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده . لذلك انا ايضا اذ قد سمعت بايمانكم بالرب يسوع ومحبتكم نحو جميع القديسين. لا ازال شاكرا لاجلكم ذاكرا اياكم في صلواتي. كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته. مستنيرة عيون اذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته} (أفس 1: 12- 19).
أما سفر الرؤيا فإنه يوسع آفاق الشكر إلى حدود الحياة الأبدية، ففي أورشليم السماوية، وبعد أن يكتمل العمل المسياني، يصبح الشكر حمداً خالصاً لله ومشاهدة منبهرة لله وعظائمه الأبديَة { والاربعة الاحياء لكل واحد منها ستة اجنحة حولها ومن داخل مملوة عيونا ولا تزال نهارا وليلا قائلة قدوس قدوس قدوس الرب الاله القادر على كل شيء الذي كان والكائن والذي ياتي. وحينما تعطي الحيوانات مجدا وكرامة وشكرا للجالس على العرش الحي الى ابد الابدين. يخر الاربعة والعشرون شيخا قدام الجالس على العرش ويسجدون للحي الى ابد الابدين ويطرحون اكاليلهم امام العرش قائلين.انت مستحق ايها الرب ان تاخذ المجد والكرامة والقدرة لانك انت خلقت كل الاشياء وهي بارادتك كائنة وخلقت} رؤ 8:4-11. {والاربعة والعشرون شيخا الجالسون امام الله على عروشهم خروا على وجوههم وسجدوا لله. قائلين نشكرك ايها الرب الاله القادر على كل شيء الكائن والذي كان و الذي ياتي لانك اخذت قدرتك العظيمة و ملكت} رؤ 16:11-17.
مجالات وأسباب الشكر:-
اذ نعدد المجالات والاسباب التى تستوجب تقديم الشكر لله فاننا نستمر فى حياة الشكر الدائم لله على كل شى ، نشكره على انه اعطانا واحبائنا نعمة الوجود كخالق ومحب للبشر ، وعلى نعمة البنوة لله { فشكرا لله انكم كنتم عبيدا للخطية و لكنكم اطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها }(رو 6 : 17) ونشكره على انه عبر بنا تجارب كثيره تعلمنا منها الكثير { شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح. اذا يا اخوتي الاحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين ان تعبكم ليس باطلا في الرب} 1كو 57:15-58. نشكره على كل ما لدينا من أمكانيات ومواهب { فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها }(2كو 9 : 15). نشكر الله على الإيمان وعلى الفرص المتجدده للتوبه والعمل. لكن علينا ان نعلم ان حياة الشكر لا تعني الاستكانة وعدم الجهاد فى تحسين أوضاعنا سواء فى الدراسة او المعيشة او العمل او العلاقات . بل علينا ان نجلس مع الله وأنفسنا ونحاسبها او نعاتبها ونتخذ القرارات اللازمة لتصحيح اوضاعنا ونقوم بتنفيذ الخطوات العملية للوصول الى الأفضل . علينا ان نتعلم من أخطائنا ونصححها لا ان نبكى على اللبن المسكوب وعندما نسقط علينا ان نبادر بالقيام عالمين ان النجاح يأتى من حسن التقدير وحسن التقدير يأتى من التجربة والسقوط ما هم الا سوء تقدير . فمع كل يوم جديد نشكر الله الذى اعطانا فرصة جديده للحياة والعمل والقيام والنجاح ولا ندع شئ يفصلنا عن الله حتى التجارب التى نواجهها فى حياتنا هى فرص نرى يد الله العاملة معنا ، ونجاهد لنكلل. ان الجهاد والتعب ومواجهة متاعب الحياة تخلق فينا التحدى والعمل على تخطى الصعاب { اله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني } (نح 2 : 20). اننا لله نثق ان ما يحدث لنا سواء بارادة الله او بسماح منه لابد ان ينتهى لخيرنا { ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده }(رو 8 : 28). فلهذا نقدم الشكر لا على السعة فقط ولكن حتى فى الضيقات { بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية و التزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} رو 3:5-5. فلنحيا دائما شاكرين فى كل حين {شاكرين الآب الذى أهلنا لشركة ميراث القديسين فى النور ، الذى لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا } ( كو 1 13 – 14 ).
معوقات لحياة الشكر:-
التركيز على المتاعب .. هناك من يضع المتاعب التى تواجهه امامه كل حين ويضخم المشاكل والضيقات ويجعلها تحصره وتحزن قلبه وتدعه نهباً للقلق والحزن والتذمر مما لا يجعل الانسان يشكر او يذوق طعم السعادة . يجب ان نعيش الحياة بحلوها ومرها وندع المرة تمر لكى لا تمرر حياتنا وتتعبنا . لنعيش فى حدود يومنا ونقدس الحاضر، الذى نملكه فالأمس قد ذهب بكل ما فيه والغد لا نملكه لأنه فى يد الله وحده.. ولكننا أمام واجب اليوم ، وواجب اللحظة الحاضرة. وفى تقديس الحاضر تقديس للحياة كلها، واليوم هو أجمل وأروع من الأمس والغد، ليتنا نفرح بكل ما في اليوم من خير، لئلا تتبدد طاقتنا بين التفكير فى الأمس والقلق على الغد. فلنشكر الله على نعمة الحياة ونعمل من اجل يوماً طيباً وغداً سيكون أفضل .
نسيان عمل الله وعدم الشعور بنعمته .. ونحن أحياناً لا نشكر لأننا ننسب الأشياء الحلوة في حياتنا، لغير الله ، إذا نجحنا ننسب ذلك إلى ذكائنا، أو إلى مجهوداتنا . وتختفى معونة الله من عقولنا وكذلك إن شفينا ننسب ذلك إلى الأطباء. وإن وفقنا في عملنا، ننسب ذلك إلى قدراتنا وكفاءتنا. وإن نجونا من حادثة، نرجع ذلك إلى مهارة السائق. وبالتالي يختفي الله من أسباب أفراحنا، فلا نشكره على شيء. واحياناً اخرى لا نشكر على شيء، إلا إذا فقدناه أو حرمنا منه، لا نحس النعمة التي نحن فيها، إلا إذا ضاعت منا، فلا نشكر الله على وجود الوالدين ولا نشعر ببركاتهما إلا إذا توفي أحدهما. ولا نشكر على ما نحن فيه من صحة، ولا نعرف قيمتها إلا إذا مرضنا. بل لا نشعر ببركة وجود النور في الحجرة، إلا إذا انقطع النور في الحجرة، إلا إذا انقطع التيار الكهربائي.
الانانية والتعود على الاخذ ..
هناك من لا يفكر إلا في ذاته، فإن اخذ لا يفكر في اليد التي أعطته. كإنسان جائع، يوضع أمامه طعام، فيأخذ في التهامه، دون أن يفكر فيمن قدمه له، أو في شكره على ذلك. كذلك قد ينشغل الانانى بذاته في أخذها، دون أن يتطلع إلى وجه المعطي. كإنسان فتح له الله أبواب الرزق، فتراه ينشغل بالرزق، وبجمعه وتكويمه وإنمائه، ولا يتفرغ ولو لحظة لكي يشكر من وهبه الرزق. واحياناً لا يشكرالانسان لأنه لم يتعود ذلك في حياته. لذلك يجب ان نعود انفسانا وابنائنا أن نشكر غيرنا على كل أمر يعملوه من أجلنا مهما كان ضيئلاً ثم بعد ذلك نشكرك الله لأنه يرسل لنا من يساعدنا، ويمنحهم القدرة على خدمتنا . إن كل خير نعيش فيه هو عطية من الله، الحياة والصحة، والعمل والمال، وكل شيء. ومادام كذلك فلنشكر الله المعطي. احياناً لا نشكر، لأننا نظن ان الأمر أصغر من أن نشكر عليه، أو هكذا نراه. يقول احد الاباء "الذي لا يشكر على القليل، كاذب هو إن قال إنه يشكر على الكثير كما ان الامين فى القليل أمين فى الكثير".
لا نشكر لعدم ادراك حكمة الله...أمور كثيرة تمر بنا، ولا نشكر عليها، بل على العكس قد نتضايق منها، أو نتذمر بسببها. وكل ذلك لا ندرك حكمة الله فيه. ولو أدركناها لشكرنا الله كثيراً.العيب فينا إذن. لنا عيون ولكنها لا تبصر في كل ما يمر بنا من أحداث ومن أمور. قد لا نشكر على ما أعطانا الله، لأننا نرى أن غيرنا عنده أكثر منا، أو ما هو أفضل أو لأن غيرنا أخذ مثلنا ونظن انه لا يستحق. وهذا خطأ ينم عن عدم محبة وكبرياء داخل النفس يجب ان نتخلص منها . هناك من لا يشكر، بسبب الطموح ورغم ان الطموح جيد لكن علينا ان لا نرتئى فوق ما ينبغى بل الى التعقل . وتكون تطلعاتنا ليس أعلى من المستوى الممكن، الطموح في حدود الاعتدال، وفي عدم شهوة العالم ليس هو خطية لكن لا يمنع الشكر. اشكر الله على ما معك، فيعطيك أكثر. كذلك لا يجوز أن الطموح يجعلك تحتقر ما وهبك الله إياه. الطموح الروحي فليس له ضحايا، إن عاش أصحابه في حياة الإتضاع شاكرين الله، وراغبين في الامتلاء من حبه.
التذمر أو الطمع والبعد عن الله ... هناك اناس يعيشون في الخطية، وليست لهم صلة بالله، ولا يعترفون بفضله عليهم. إنما كل همهم هو متعة العالم. وكما قال الكتاب " كل الأنهار تجري إلى البحر. والبحر ليس بملآن" (جا1: 7).انلم يتعود الإنسان حياة القناعة فمن الصعب عليه أن يصل إلى حياة الشكر. كما ان البعد عن الله يبعد الانسان عن ان يشكره لأنه لا علاقة له بالله إطلاقا، فلا شكر، ولا صلاة، ولا قراءة كتاب، ولا حضور اجتماعات روحية، ولا شركة مع الله في شيء.ويحتاج هؤلاء إلى أن يدخلوا في الحياة مع الله. وحينئذ، حينما يشكرونه .
فلنشكر صانع الخيرات الرحوم:-
ايها الاله الرحوم محب البشر الصالح نشكرك يارب لانك خلقتنا ووهبتنا علم معرفتك ووهبتنا كل مقومات الحياة من شمس وماء وهواء وغذاء وكساء ولم تدعنا معوزين لشئ بل تقودنا كراعي صالح كل الأيام وتعبر بنا تجارب وضيقات الحياة لنتعلم ويشتد عودنا ويتقوى ايماننا ويزداد رجائنا وتنمو محبتنا لك .
نشكرك يارب على كل حال لانك تغفر خطايانا وتعيننا وتحفظنا وتقبلنا اليك كأب صالح وتشفق علينا كالأم الحنون. انت يارب تبحث عن الضال لترده وتعصب الجريح وتُجبر الكسير ولاترفض الراجعين اليك بكل قلوبهم مانحا ايانا سلامك ، واهباً لنا شفاء النفس والروح والجسد . فكيف نعبر عن محبتنا لك الا بشكرنا لنعمك وتسبيحنا بحمدك وطاعتنا لوصيتك وتقديم محبتك لكل محتاج الى أعلان محبتك للجميع .
ايها الرب الاله الذي قاد الكنيسة عبر تاريخها الطويل ، وعبر بها بحار ورياح التجارب والضيقات منتصراً على قوى الشر . نسالك يا ملك السلام ان تقودنا رعاة ورعية هذه الايام الصعبة وكل أيام حياتنا بكل سلام ونحن نامين فى محبتك وسائرين فى مخافتك . وأبطل عنا كل فخاخ ابليس المنصوبة حولنا وبدد مشورة الاشرار مقدما كل يوم وعلى مدى الأيام كل خير وصلاح وبركة لشعبك مسددا احتياجات رعيتك ايها الراعي الصالح . لنصل بك ومن خلال قيادتك الى ملكوتك السماوي . أمين
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
29 سبتمبر 2021
الصليب قمة الحب والبذل
السيد المسيح والألم والفداء
تنبأ اشعياء النبى قبل ما يقرب من سبعمائة عام من ميلاد السيد المسيح عن الآم السيد المسيح رجل الاوجاع ومختبر الحزن قائلاً { محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به. لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا} (أش 4:53-6). وربما من هنا جاء المثل العبرى ( ليس قلب كامل مثل القلب المنكسر). لقد عانى الرب الاله المتجسد عندما أتى الى ارض الشقاء من الجوع والألم والاحزان، الاستهزاء والاتهامات الباطلة والظلم، وخيانة وتباعد الاصدقاء والاتباع لاسيما وقت الصلب ، عانى السيد المسيح الظلم أمام محاكمات غير عادلة مع تهجم العامة وحسد رجال الدين والسياسة، رغم انه لم يفعل شر ولم يوجد فى فمه غش بل كان يجول يصنع خيراً ويشفى الامراض، ويخرج الشياطين من الذين تسلط عليهم أبليس ويشبع الجياع ويواسي المحزونين . أخيراً قدمت له البشرية مرارة الصليب وفى وقت عطشه سقوه خلاً ممزوجا بمر. شرب القدوس كأس الألم حتى الثمالة ليوفى العدل الإلهى حقه بقبول الموت عن البشرية الساقطة فى كل زمان ومكان. وقدم لنا الخلاص الثمين من أجل تبرير الخطاة التائبين .
قِيل ان الزعيم الهندوسى غاندى وقف أمام صورة المسيح المصلوب وتأثر وبكى، وقِيل ان أخر عندما سمع قصة الفداء والصليب، قال ان لم يكن المسيح الها فبقبوله الصلب والفداء فى شجاعة وبغفران لصالبيه لصار الهاً. لقد كان الصليب اداة عقاب لكبار المجرمين والخونة فى الامم فى الامبراطورية الرومانية وفى التقليد العبرى كان الصليب عقاب ولعنه، { المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة }(غل 3 : 13). وقد ارتضى الرب بحكم الصلب وحمل خطايانا، من أجل السرور الموضوع أمامه ليخلص البشرية. وبصلبه أصبح الصليب والمصلوب فرح وفخر المسيحييين لانه صار رمزاً وعلماً للخلاص والمحبة والبذل والتواضع الذى قدمه الرب المتجسد من أجل غفران خطايانا. بل حتى بعد القيامة المجيده كان الفداء جزء من البشرى بالمسيح القائم {فاجاب الملاك وقال للمراتين لا تخافا انتما فاني اعلم انكما تطلبان يسوع المصلوب.ليس هو ههنا لانه قام كما قال} (مت 5:28-6). وهذا ما دعا القديس بولس يربط بين القيامة وشركة الآلام مع المسيح { لاعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبها بموته }(في 3 : 10). وفى السماء راه يوحنا الحبيب فى الرؤيا { خروف قائم كانه مذبوح } (رؤ 5 : 6). ولعل هذا ما جعل الملائكة والقديسين فى السماء يتهللون قائلين { وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق انت ان تاخذ السفر وتفتح ختومه لانك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وامة}
(رؤ 5 : 9).
لقد حمل السيد المسيح خطايانا وأحزاننا والآمنا حتى جاء عنه { أوجاعنا حملها واحزاننا تحملها} أش 4:53. وقال السيد الرب ليلة الجمعة العظيمة { نفسي حزينة جدا حتى الموت امكثوا ههنا واسهروا معي} (مت 26 : 38). ولم يستخدم الرب لاهوته ليخفف كأس الألم عن بشريته وكانسان كامل أحتمل الآلام ورايناه يبكى على أورشليم { وفيما هو يقترب نظر الى المدينة وبكى عليها. قائلا انك لو علمت انت ايضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك ولكن الان قد اخفي عن عينيك. فانه ستاتي ايام ويحيط بك اعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لانك لم تعرفي زمان افتقادك} (لو 41:19-44). وبكى حزنا مع مريم ومرثا فى موت لعازر وأقامة بعد ان أنتن فى القبر ليبث فى قلوبنا الثقة فى قيامته بعد الصلب كما أخبرتلاميذه وكما قال لنا انه القيامة والحياة ومن يؤمن به سيقوم معه فى اليوم الاخير. ان المسيح حمل الله الحامل خطايا العالم. يبكى مجدداً ليس على أورشليم فحسب بل عندما ينظر الى العالم الذى يمتلئ بالغرور والشرور، وبالظلم والكراهية والحروب، والفقر والمرض والاساءة الى المقدسات، ومن اجل خطايا العالم المستمرة والمتجددة ويريد لنا ان نعرف ما هو لسلامنا ونرجع اليه فى توبة صادقة وإيمان واثق ومحبة كاملة لنجد النجاة من الطوفان القادم والغضب الأتى قبل ان تضيع فرصة النجاة والرجوع الى الله . فهل ننتهز الفرصة المقدمة لنا أم تسير البشرية الى حافة الهاوية والهلاك.
أهمية الآم السيد المسيح والتأمل فيها..
الآم السيد المسيح والحب ..لقد كان الحب الإلهى للبشرية الساقطة وسعي الله الى خلاصها وفدائها هو سبب تجسد السيد المسيح أقنوم اللوغوس، كلمة الله المتجسد. ولولا هذه المحبة الفائقة فى فكر الله الأبوى نحونا لما استطاع لا بيلاطس ولا السلطات الدينية اليهودية وحسدها ولا العالم كله ان يقدر ان يصلب الرب وهو القائل { ليس احد ياخذها مني بل اضعها انا من ذاتي لي سلطان ان اضعها ولي سلطان ان اخذها ايضا } (يو 10 : 18) وكما قال السيد الرب لبيلاطس {فقال له بيلاطس اما تكلمني الست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك. اجاب يسوع لم يكن لك علي سلطان البتة لو لم تكن قد اعطيت من فوق لذلك الذي اسلمني اليك له خطية اعظم }(يو19 :11). انها المحبة التى كانت فى فكر الآب السماوى والمقدمة لنا خلاصنا فى ابنه الوحيد { وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن الانسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم.الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد}(يو 14:3-18) ان هذا الحب الإلهى يجب ان يقابل منا بكل محبة واخلاص وشكر {نحن نحبه لانه هو احبنا اولا} (1يو 4 :19).
الألم والسرور .. تقدم الرب يسوع المسيح الى الصليب واحتمل الألم فى بذل وفرح من أجل خلاصنا { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله} (عب 12 : 2). ولكى ما يكمل فرحنا فى المسيح يسوع قدم لنا الفداء والخلاص والتبرير والتقديس كما قال للآب القدوس فى الليلة الاخيرة قبل الصلب { ولست انا بعد في العالم واما هؤلاء فهم في العالم وانا اتي اليك ايها الاب القدوس احفظهم في اسمك الذين اعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن. حين كنت معهم في العالم كنت احفظهم في اسمك الذين اعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم احد الا ابن الهلاك ليتم الكتاب.اما الان فاني اتي اليك واتكلم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملا فيهم} (يو 11:17-13). لم يكن الرب يسوع المسيح يستعذب الالم ولا يرضى بالظلم ولكن شر الاشرار وظلمهم وحسدهم وكراهيتهم للبار دفعهم الى صلبه، وقد قبل هو بارادته ان يحتمل الآم الجلد والصلب، ليتمم لنا الخلاص ويفى العدل الالهى حقه كاملاً . لقد استوجبت البشرية حكم الموت بتعدى آدم { لانه كما في ادم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع }(1كو 15 : 22). ولما كنا غير قادرين على خلاص أنفسنا فقد جاءت لنا رحمة الله ومحبته متجسدة وصارت ذبيحة محرقة وخطية وأثم من اجل خلاصنا { يوقده الكاهن على المذبح فوق الحطب الذي على النار انه محرقة وقود رائحة سرور للرب }(لا 1 : 17).
لقد بين لنا السيد المسيح عظم محبته باحتماله كل ذلك الآلام من اجل خلاصنا وأستعلنت لنا المحبة الكاملة بالبذل والعطاء حتى الموت، موت الصليب { ان إبن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدمَ ، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين} (مر45:10). ان قوة الصليب تظهر فى الصبر والاحتمال مع الحب والبذل . فليس القوى من يمسك سيفاً او سلاحاً ليقطع الرقاب أو يقتل الابرياء بل القوى هو الذى يحب ويصفح وما أجمل النبل والصفح عند المقدرة ولاسيما عندما يأتى من رب القدرة والغلبة. لقد كتبوا فوق الصليب {وكتب بيلاطس عنوانا ووضعه على الصليب وكان مكتوبا يسوع الناصري ملك اليهود}(يو 19 :19). وكان يجب ان يكتبوا عليه " البذل والحب المقدم لخلاص العالم". من اجل هذا نقول مع القديس بولس الرسول { واما من جهتي فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وانا للعالم }(غل 6 : 14).ان كان الصليب عن البعض عثرة او جهالة أما لدينا نحن المؤمنين به فهى قوة الله {فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة واما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله} (1كو 1 : 18).
دروس من الآم السيد المسيح وصلبه ...
لقد قدم لنا السيد المسيح مثالاً لكى ما نتبع خطواته . قدم اروع مثال للصمود وقت الشدة والآلم والصبر فى التجربة . وقدم نموذج فريدا للمغفرة للمسيئين والصفح عن الخطاة {فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون }(لو 23 : 34). على الصليب سعى الرب لتقديم الخلاص للعالم كله وبين محبته لكل نفس حتى اللص اليمين عندما قال له أذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك { فقال له يسوع الحق اقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس} (لو 23 : 43). واهتم السيد المسيح بخاصته لاسيما القديسة مريم وعهد برعايتها الى تلميذه الحبيب يوحنا الانجيلى . على الصليب راينا السيد المسيح يكمل لنا الخلاص والفداء ويقدم لنا محبةً كاملةً وتواضعاً فريداً وأخلاء للذات ومصالحة مع الآب { وان يصالح به الكل لنفسه عاملا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الارض ام ما في السماوات (كو 1 : 20). وعلى الصليب قدم لنا أنتصاراً على الشيطان وكل قواته { اذ جرد الرياسات والسلاطين اشهرهم جهارا ظافرا بهم فيه} (كو 2 : 15).قدم الرب على الصليب صبراً كاملاً وفداءاً شلاملاً لعل ذلك يكون دافعاً لنا للعرفان بالجميل .
اننا اذ نشكر الرب الاله الذى تجسد وصلب وقام، فاننا نفتخر بالصليب والقدوس المصلوب عليه ونتعلم منه ان نبذل ذواتنا كذبيحة حب من أجل الأخرين محبة فى من أحبنا . وان لم نستطيع ان نحمل خطاياهم كما فعل الرب فعلى الاقل ان نحتملهم ونلتمس لهم الاعزار ونستر عليهم ولا نشهر بهم.
ننظر الى صليب الرب يسوع المسيح ونتعزى ونحتمل كل الآم الحياة بفرح وشكر، فما هى الآمنا اذ ما قيست بالآم السيد المسيح، لقد أصبح الالم هبة للمؤمنين {لانه قد وهب لكم لاجل المسيح لا ان تؤمنوا به فقط بل ايضا ان تتالموا لاجله }(في 1 : 29). وكما قال لنا الرب { طوبى للمطرودين من اجل البر لان لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم} (مت 10:5-12). الالم مدرسة للصلاة والعزاء والكمال ويجب علينا ان لا نتذمر من الضيقة لكى لا نفقد بركاتها بل نصلى ان يرفعها الله ان اراد ومتى يريد وان يعطينا الصبر والتعزية والرجاء ان شاء ان نشرب كأس الآلام مشتركين معه فى الآمه لنقوم معه فى جدة الحياة.
مع المسيح المحب الباذل مفرح القلوب يجب علينا ان نشترك فى اراحة المتعبين وتعزية المتألمين ونساهم بايجابية فى تخفيف الآلم البشرية ولاسيما المحيطين بنا وعلى قدر استطاعتنا. علينا ان نزرع بذور الإيمان والصلاة لكي ينميها الله وتثمر فى القلوب . علينا ان نفتح باباً للرجاء للبائسين والمحرومين والمحتاجين والضعفاء ولكل نفس ليس لها معين .
ان التوبة والرجوع الى الله هى التى تفرح الله وملائكته وقديسيه {اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة }(لو 15 : 7). التوبة الحقيقية هى التى تروى عطش السيد المسيح لان الخطية تضيف قطرات فى كأس الآم الفادى. فلنرجع اليه ولا نجرح قلبه المحب ببعدنا عنه وخطايانا { فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب} (اع 3 : 19). ولنشكر المسيح مخلصنا الذى جاء وتألم عنا لكى بالأمه يخلصنا. ونمجده ونرفع اسمه ونساله ان يصنع معنا رحمة كعظيم رحمته.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
24 سبتمبر 2021
تأملات فى عيـد الصليـب
الصليب شعار المسيحية وقوتها..
الصليب هو شعار المسيحية وفخرها فهو رمز لمحبة الله الغافرة للبشر {لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.} (يو 16:3-17). وان كانت كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وعثرة فان الإيمان بالصليب والمصلوب عليه هو وسيلة الخلاص وهو يعلن قوة المسيح المصلوب ورحمته ومحبته وفدائه {فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ آللهِ} (1كو 1: 18). الصليب ليس حقيقة من حقائق الماضي لأن تأثيره الفعال يمتد في الحاضر والمستقبل، وطالما يوجد إنسان يعيش على الأرض. لأن الصليب مرتبط بالمصلوب عليه وهو حي في السماء يحمل سمات صليبه ويسكبها علينا كل يوم بل كل لحظة غفرانًا وتطهيرًا وقداسة وبرًا وفداء. وبالصليب رفع الله البشرية من دائرة العصيان إلى الصفح والمصالحة، ومن الرفض إلى القبول والاختيار، ومن العبودية إلى البنوة والحياة الأبدية.
الصليب تاريخيا كان وسيلة يعدم عليها كبار المجرمين حتى يظهر للناس مقدار خطيتهم أو خيانتهم. راينا ذلك فى الفكر القديم لدى المصريين عندما صلب عليه فرعون الخباز الخائن، وكان كذلك لدى الفرس عندما صلب عليه هامان الخائن فى قصر الملك. وكان الرومان يصلبوا عليه المتمردين من الأمم ليردعوا البقية حتى لا يقوموا بالثورة عليهم. وفى الثقافة اليهودية كان الصلب لعنة ولقد بين الله محبته لنا بتجسد ابنه يسوع المسيح ليفتدينا من الموت واللعنه ويحمل عقاب خطايانا ويموت عوضا عنا ويهبنا حياة أبدية { المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة }(غل 3 : 13). الصليب ليس حادثة عرضية فى حياة ربنا يسوع المسيح بل غاية، جاء وتجسد من أجلها، ومنهج شمل حياته كلها جاعلًا من الصليب الكأس المفضلة وطاعته العظمى للآب، وبرهان حبه الأبدي للإنسان، نقض السيد المسيح بالصليب ناموس الخطية وبَّرر الخطاة، وظفر على قوات الظلمة، وقتل العداوة، وجمع تحت لوائه شمل البعيدين والقريبين، كرعية مع القديسين وأهل بيت الله. وصار حمل الصليب من أجل يسوع المسيح المصلوب سعادة وقوة حب ومصدر راحة وسرور وافتخار، وكلما ازدادت الآلام من أجل شهادة يسوع ازدادت رؤية الصليب نورًا وازدادت الحياة قوة وعزاء، وارتفع الصليب من التاريخ لينغرس في أعماق الضمير ويشع لنا من الصليب نور القيامة ومجد المسيح القائم من الموت منتصرا على الشيطان والخطية والموت لنهتف بفرح: (السلام لك ايها الصليب).
عيد الصليب المقدس..
عيد الصليب المقدس هو عيد اكتشاف ورفع الصليب المقدس وتحتفل به سائر الكنائس كما تحتفل كنيستنا القبطية فى الأول في 17توت من كل عام الموافق 27سبتمبروذلك تذكار لاكتشاف الصليب المقدس الذى صلب عليه ربنا يسوع المسيح بواسطة الملكة هيلانه أم قسطنطين التى نذرت أن تمضى إلى القدس فأعد ابنها الملك كل شيء لإتمام هذه الزيارة المقدسة. ولما وصلت إلى أورشليم بحثت بتدقيق عن مكان الصليب فأشاروا عليها بتنظيف الجلجثة، فعثرت عليه وذلك في 326م. وبنت هناك كنيسة القيامة وما حولها وأحتفلت مع الاساقفة والكهنة والشعب برفع الصليب فى موضع الجلجثة. والاحتفال الثاني الذي تقيم فيه الكنيسة تذكار الصليب في اليوم العاشر من برمهات، ويرجع تاريخه الي ارجاع الصليب علي يد الإمبراطور هرقل فى628 م. عندما ذهب هيرقل واسترد خشبة الصليب التى اخذها الفرس من اورشليم فى 614م. وأعاد ذخيرة الصليب المقدس ودخل بها الي القسطنطينية التي استقبلت الموكب بأحتفال مهيب بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج. بعدها نقل الصليب إلى إورشليم سنة 631م. ويذكر التقليد أنّ الملك هرقل حمل الصليب على كتفه وسار به بحفاوة كبيرة بين الجموع المحتشدة إلى الجلجثة وهناك أحسّ الملك بقوة خفية تصده وتمنعه من دخول المكان فوقف الأسقف زكريا بطريرك أورشليم وقال للإمبراطور: (حذار أيها الملك أن هذه الملابس اللأمعة وما تشير اليه من مجد وعظمة تبعدك عن فقر المسيح يسوع ومذلة الصليب) وفي الحال خلع الملك ملابسه الفاخرة وارتدى ملابس بسيطة وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجثة حيث رفع عود الصليب المكرم فسجد المؤمنون على الأرض، وهم يرنمون : لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد.
ويذكر أوسابيوس القيصري بأن الملك الروماني قسطنطين الكبير (324ـ 337) رأى علامة الصليب في السماء على مثال نور بهيئة الصليب مع مكتوب تحتها عبارة: (بهذه العلامة تغلب). ولقد شهد علي وجود خشبة الصليب المقدس في أورشليم القديس كيرلس الأورشليمي فى عظة له في سنة 347م. كما ذكرت المورخة ايجيريا الاسبانية في أخبار رحلاتها الى فلسطين بأن تذكار اكتشاف الصليب تعلق بعيد تكريس كنيسته وبأن العيد كان لمدة 7 ايام يجري خلالها تقديم الصليب المقدس لتسجد الناس له اكراماً وتشفعا.
الصليب في حياتنا...
يدعونا السيد المسيح الى أنكار الذات وحمل الصليب { وقال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني} (لو 9 : 23).أن نكران الذات يعنى تتميم مشيئة الله فى حياتنا ليكون لسان حالنا {لتكن لا إرادتي بل إرادتك} (لو24: 22). المؤمن يصلب شهواته من أجل الله كشهادة صادقة على تبعيته للمسيح يسوع ربنا ليقوم معه فى جدة الحياة ويقول مع القديس البولس الرسول { مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ} (غل20: 2). لقد مات المسيح عنا لكي نعيش من أجل وكشهود لمحبته { وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام} (2كو15: 5). ونحن في الصلاة الربانية نصلي : {لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض} (مت10: 6). فهل نحن نعيش لانفسنا أم من أجل من مات من أجلنا وقام ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة أبدية؟ وهل نصنع مشيئة الله في حياتنا؟.
حمل الصليب بشكر سواء صليب الخدمة أو المرض او الحاجة أو الاضطهاد أو الصوم والنسك أو الطاعة يدخل بنا الى أفراح القيامة ومسرة الله { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله } (عب 12 : 2) عندما نحمل الصليب يحتضننا المصلوب فننفذ من خلال الصليب إلى أحشاء رأفاته، ونستشعر الآلام واقعة، ولكن ليست علينا بل يتلقاها المسيح عنا، وتحتضن أحشاؤه الحانية نفوسنا الخائرة لتحميها وتطمئنها، فتبدو الصورة في الظاهر أننا نحمل الصليب ولكن الحقيقة في الواقع أن الصليب يحملنا بل المصلوب يحمينا ويحتوينا. ونرى كفة الميزان الخفية التي توازن ثقل الصليب بثقل مجد أبدي، كما رآها القدس بولس الرسول قائلاً: {لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية} (2كو17: 4،18).
تحت ظلال الصليب
ايها الرب الاله الذى أحبنا وحبه خلاصنا من الموت بقوة التجسد والفداء على الصليب ، نشكرك على محبتك وخلاصك ونؤمن بابوتك وحنانك وفدائك المعلن لنا من خلال سر التجسد العجيب. ونعترف بقوة صليبك المعلنه لخلاصنا فيه وبه .ان كانت كلمة الصليب عثرة للبعض وجهالة للبعض الأخر، يرفضها الجهلاء غير عالمين عظمة المحبة المعلنه فى الصليب اذ يموت البار من أجل خلاص الأثمة معلنا حبه للبشرية يريد إن يحتضنها ويقدمنا قربانا لله ابيه . نعم بالصليب نؤمن وبالمصلوب ننادى وبه نهزم قوى الشر والشيطان والعالم. وبايماننا بالفداء سنصل للقيام من الخطية والضعف والحزن والفشل لنصل الى قوة القيامة .
انت يا سيدى تعلن على الصليب تواضعك ومحبتك وفدائك ، تعلمنا كيف يبذل الحب نفسه من أجل أحبائه، وكيف ننتصر على الذات والشهوات والشيطان فاعطانا يا سيد القوة لنقول للمسئيين الينا { يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون } علمنا يارب ان نجاهد ضد الخطية وان نحمل الصليب بشجاعة وفرح لنصل الى ملكوتك السماوى وتستعلن لنا قوة الصليب والفداء.
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
21 سبتمبر 2021
القيم الروحية فى حياه وتعاليم السيد المسيح(22) الشجاعة
مفهوم الشجاعة وأشكالها ...
الشجاعة والشهادة للحق واقتحام الصعاب ... تُطلق كلمة شجاعة على شدة القلب وجرائته فى الاقدام أو قدرته في مقاومة الخصم، والتغلّب عليه ، هى صفة قد يتميز بها بهذا حتى الأشرار. أمّا الشجاعة فى المؤمن، فهي فضيلة خلقية، يكتسبها الإنسان بالتمرّن على الشهادة للحق دون خوف أو خنوع ويتدرب على الصبر والتضحية، في سبيل تحقيق مشيئة الله. ومن شأن فضيلة الشجاعة بهذا ان تسيطر على الشعور بالخوف من المكاره ، وأن تثبّت الإرادة في تحمّل التجارب والضيقات أو حتى الموت متى لزم الامر فلن نحيا الإ حياة واحدة ، ويجب ان نحيا حياة كريمة أمام الله وفى صدق مع النفس والناس ، الشجاعة تدفعنا الى مقاومة الشر والظلم بالطرق السليمة والقانونية .
إن طريق الكمال يحاج الى شجاعة للسير فيه فهو دخول من الباب الضيّق والطريق الصعب {ادخلوا من الباب الضيق لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما اضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه} (مت 13:7-14). فلابد للسائرين من الباب الضيق، من شجاعة العزيمة وشجاعة القلب لاقتحام المصاعب التي تواجههم في حياتهم لدى قيامهم بواجباتهم.الشجاعة فضيلة أدبية تميل بصاحبها إلى تحمّل المكاره والموت متى اقتضى الأمر من اجل الايمان او الفضيلة دون تعدى وفى تقدير واحترام للغير. إنها الفضيلة التي تبعث في المرء النشاط والإقدام؛ ولكنها أيضاً تنظّم قوة نشاطه واندفاعه، لئلا يحمله حماسه إلى الطيش والتهوّر. فالشجاعة هي قوة الإرادة في مواجهة الصعاب والتغلّب عليها. فإذا كانت الغاية من الشجاعة أرضية زمنية، كانت الشجاعة فضيلة أرضية طبيعية. أما إذا كانت الغاية منها إكرام الله أو القيام بواجب من أجل الخير العام أو الخير الروحي فتكون الشجاعة فضيلة فائقة الطبيعة.
الشجاعة والثبات فى الجهاد .. الشجاعة تعني الإقدام على صعاب الأمور والثبات في ذلك الإقدام والاستمرار على الصبر في الشدة. فالامر يحتاج الى الحكمة والافراز والتمييز. قد يكون احتمال الشدائد شجاعة لأنه يتطلب عزيمة أقوى. التصبّر قد يكون أصعب من المهاجمة والاقتحام، الاستشهاد أحياناً أسهل من الجهاد المتواصل في جو من سوء الفهم والتهديدات ولكن من يثبت في مثل هذه الظروف يكون على أتمّ الاستعداد ليتقبّل الاستشهاد. وليس معنى ذلك القبول بالظلم او الرضي بحياة غير كريمة فالسيد المسيح جاء ليهبنا حياة أفضل {واما انا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم افضل} (يو 10 : 10) .الشجاعة وسط بين نقيضين الخوف من جهة والتجرؤ والطيش المتسرع من جهة أخرى. فهي الفضيلة التي تقوّي ارادة المؤمن لكي يضبط الانفعالات فيما يخصّ هاتين النزعتين: الخوف والتجرؤ. فدور الشجاعة هو تجاوز الخوف غير المعقول أمام شر يهدّد الإنسان، وضبط الفرد من المهاجمة غير المعقولة لشر قادم. وبما أن أعظم شرّ طبيعي هو أن يخسر الإنسان حياته، فإن فضيلة الشجاعة تعالج حتى الخوف من الموت.
الشجاعة ومقاومة الشر وعدم الرضى بالسقوط .. إن من بين صور الشجاعة ، المقاومة أو التحمّل وكلاهما يحتاج الى الحكمة. من الناحية النفسية فإنه من الأسهل الهجوم على شر خصوصاً عندما يثيرك احد وتثور فيك نزعة الغضب. ولكن المعاناة من المرض أو الاضطهاد او الضيق أو حتى الموت بروح مطمئنة قوية يتطلب شجاعة الأبطال. عندما اراد تلاميذ الفيلسوف سقراط تهريبه من السجن الذى كان ينتظر فيه حكم الموت بتجرع السم رفض ذلك قائلا ليس الموت ما نخشاه انما نخشى الموت ونفوسنا ليست نقية ، لقد اعتبر المسيحيون دائماً الشهداء أمثلة رائعة للشجاعة المسيحية. والشهادة فى المسيحية ليست هى الهجوم على الغير او ازهاق اروح الابرياء بل هى شهادة للإيمان المسيحى والاقرار به وتقديم الحياة ذاتها متى اجبر الانسان على أنكار أيمانه أو تقديم حياته . وتقوم الشجاعة بنشاطها فى مقاومة الشر في الحياة الروحية. ولكي ننجح في الوصول إلى الكمال المسيحى يجب علينا أن نبدأ الرحلة بقوة نحو الكمال، ولا يجب أن نفاجأ بحروب الشيطان وهجومه ، ويجب أن تكون عندنا الشجاعة للهجوم والتصدى لحيل أبليس {اصحوا واسهروا لان ابليس خصمكم كاسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الايمان عالمين ان نفس هذه الالام تجرى على اخوتكم الذين في العالم. واله كل نعمة الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع بعدما تالمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم} 1بط 8:5-10. ، ويجب أن يكون عندنا الثبات والمثابرة للمضي قُدماً بدون الاستسلام إلى العدو. وحتى إذا قمنا بتقدّم كبير في الحياة الروحية وحققنا نصراً معنوياً على الشيطان ، ستظل الشجاعة ضرورية لنتحمّل التجارب التي يسمح الله بها لاختبار وتقوية وصفاء الروح.
الشجاعة ثورة على الخوف .. الإنسان يخاف المجهول ويخاف من المستقبل ويخاف مما هو غير منظور بل إن الإنسان قد يخاف من ذاته .وهناك خوف طبيعى كالخوف من النار والسيارات المسرعه والبعد عنها وهذا درباُ من الشجاعه للبعد عن الشر . وأما الخوف المرضى هو الذى يقود الى الجبن والنفاق ومحاباة الشر {ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا و النور ظلاما الجاعلين المر حلوا و الحلو مرا }(اش 5 : 20). فهذا ضد الحق والشجاعة . في حياة المسيح نرى انه كان ثورة على كل المفاهيم الخاطئة والتي قتلت فى الانسان الحياة السليمة كعشرة محبة لله . لان الشعب في زمن المسيح ظن بإن العلاقة هي بين الإنسان والشريعة، والقانون والفروض. ولم يعرف إن هدف ذلك كله هو الرحمة والمحبة. ولهذا قال المسيح لهم { فقد ابطلتم وصية الله بسبب تقليدكم} (مت 15 : 6). هذا التقليد البشري النابع من تفكير الإنسان المحدود روحياً والمتزمت دينياً جعلهم كالقبور لا حياة فيهم. الفريسية جعلت الأمة تعيش تحت نير الخوف من الشريعة وجعلتها أمة مستعبدة لهذا الخوف. لذلك أتى المسيح وحرر الإنسان من هذا الخوف القاتل { اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب} (رو 8 : 15).
المسيحية هي رسالة تحرير الإنسان من العبودية للخوف ليهبنا حرية مجد ابناء الله . لا ينبغي على الإنسان المسيحى الذى يسكن داخله المسيح أن يخاف خوفا مرضيا لان الكتاب المقدس مملوء بوعود الله الصادقة والمعزية واعماله القوية مع ابنائه والتى تعطي الاطمئنان والسلام الداخلى وعدم الخوف . لقد تكررت كثيراً عبارة "لا تخف" فى الكتاب المقدس مرات كثيرة جداً لكى نحيا فى سلام وعدم خوف ، لان الله كاب لنا يرعى ابنائه ولن ينسانا حتى ان نسيت الام رضيعها . وحتى فى الظروف والاحداث الصعبة فان المؤمن لا يخاف فمادام الله معنا فمن علينا، انه الذى جاز بالفتية فى اتون النار وسد افواه الاسود وقاد الكنيسة عبر تاريخها الطويل يجعل كل الاشياء تعمل معنا للخير للذين يحبون الله. مع الإيمان لا خوف من مستقبل او مرض او اضطهاد او حتى استشهاد فالله ربنا القادر على كل شئ سيقودنا فى موكب نصرته. لن يستطيع شئ ان يؤذينا الا بسماح منه ولفائدتنا ومهما حصل من احداث لا تؤثر على سلام المؤمن الداخلى لانه يأخذه من الله { سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب} (يو 14 : 27). ان الله ليس عنا ببعيد بل به نحيا ونتحرك ونوجد وهو قادر ان يدافع عنا ويعطينا الشجاعة والقوة والنجاح { لان الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح (2تي 1 : 7) . ولنا وعوده الصادقة { لا تخف لاني معك لا تتلفت لاني الهك قد ايدتك واعنتك وعضدتك بيمين بري. انه سيخزى ويخجل جميع المغتاظين عليك يكون كلا شيء مخاصموك ويبيدون. تفتش على منازعيك ولا تجدهم يكون محاربوك كلا شيء وكالعدم.لاني انا الرب الهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخف انا اعينك} اش 10:41-13.
السيد المسيح فى شجاعة وحزمه وتعاليمه... السيد المسيح يعلمنا الثقة فى الله .. لقد عمل السيد المسيح على تقوية إيماننا لنتحرر من الخوف ونثق فى الله وفى شدة قوته { سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب} (يو 14 : 2). اننا نثق فى الله كآب لنا ونصلى فنقول ابانا الذى فى السماوات ، فحينما نقيم علاقتنا مع الله على اساس الأبوة نأمن له ونطمئن لرعايته الأبوية ولتدبيره لحياتنا ، وأكد لنا أن الله يهتم بنا اهتمام الاّب بابنائه . ودعانا أن لا نخاف من الحياة ، ولا نعول الهم فى الحياة مهما كانت الاحوال ، ولا نقلق مهما كانت الظروف ضاغطة ، وأكد لنا أن الكوارث الطبيعية والامراض ومصاعب الحياة ليست مظهرا للغضب الالهى ، والله ليس مخيف ومنتقم الا للاشرار والظالمين ، فهو أب يرعى ويعتنى ويحب الانسان ، وينبغى ان نتعامل معه من مدخل الثقة فى وجوده معنا وفى محبته ورعايته لنا . دعانا الا نخاف من يوم الدينونة مادمنا نستعد ونتوب اليه ، ووستكون لنا هى يوم المجازاة والدخول للفرح السمائى، فالخشية من يوم الدينونة هو خوف يدعو للخلاص، وان كانت المخافة طريق الحكمة، ومخافة الله رأس كل حكمة روحية . فانها المخافة التى تعلم الحذر والانتباه وتقلل من الكسل والاستهتار، لذلك دعانا للسهر الروحى على خلاص نفوسنا. ومن االحكمة ان نكون حذرين مداومين على الصلاة والسهر الروحى. لقد علمنا ان نستعد للقاء الله المفرح بأعمال التقوى ، ورمز لذلك بلبس ثياب العرس، وحفظ الزيت فى الاّنية ، واستثمار الوازنات.
السيد المسيح في وداعته وشجاعته .. فى السيد المسيح راينا التكامل فى الفضائل فليس الشجاعة هى الطيش او التهور بل الحزم متى استوجب الامر والقوة الروحية التى لا تلين ولا تهادن الشر متى وجب مقاومة الشر . السيد المسيح الذى جاء عنه { لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته (مت 12 : 19). رايناه حازماً مع هؤلاء الذين حولوا بيت الصلاة الى مغارة للصوص { وكان فصح اليهود قريبا فصعد يسوع الى اورشليم. ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما والصيارف جلوسا. فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة. فتذكر تلاميذه انه مكتوب غيرة بيتك اكلتني} يو 13:2-17. كما كان قويا شجاعاً فى تبكيته للكتبة والفريسيين المراؤون { لكن ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تاكلون بيوت الارامل ولعلة تطيلون صلواتكم لذلك تاخذون دينونة اعظم. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم اكثر منكم مضاعفا.ويل لكم ايها القادة العميان} مت 13:23-16.
كان قوياً شجاعاً فى حجته واقناعه كما راينا يقنع هؤلاء الذين فى حرفية قاتله منعوا عمل الخير فى السبوت تحت حجة عدم كسر السبت { ثم انصرف من هناك و جاء الى مجمعهم. و اذا انسان يده يابسة فسالوه قائلين هل يحل الابراء في السبوت لكي يشتكوا عليه. فقال لهم اي انسان منكم يكون له خروف واحد فان سقط هذا في السبت في حفرة افما يمسكه و يقيمه.فالانسان كم هو افضل من الخروف اذا يحل فعل الخير في السبوت. ثم قال للانسان مد يدك فمدها فعادت صحيحة كالاخرى.مت 9:12-13.
شجاعة البذل والعطاء المسيحى .. الصليب هو علامة قوة المحبة والبذل والفداء فى المسيحية ، وليس علامة ضعف او تخاذل ، ولقد اعلن السيد المسيح لتلاميذه انه سيسلم ليد الامم ويستهزء به ويقوم فى اليوم الثالث . وقال عن حياته { ليس احد ياخذها مني بل اضعها انا من ذاتي لي سلطان ان اضعها و لي سلطان ان اخذها ايضا} (يو 10 : 18) . ففي شخص السيد المسيح التقى الحبُّ بالشجاعة والبذل والتضحية . وفيه التقيا العدل والرحمة ومات البار عن الخطاة والأثمة . وهذا ما اعلنه لنا السيد فى بدء خدمته { وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن الانسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية .لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان و الذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم و احب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة} يو 14:3-19.
لهذا عبر الشهداء عن قوة ايمانهم ولم يخافوا الامبراطورية الرومانية بجيوشها واسودها وكل عذاباتها للمسيحيين، ولقد انتصر الايمان علي الوثنية . والاشخاص العزل على قوة السلاح حتى اعلنت المسيحية ديانة للدوله فى عهد قسطنطين قبيل منتصف القرن الرابع وان استمرت موجهات الاضطهاد للمؤمنين من اعداء المسيح من جيل الى جيل برهاناً على قوة المحبة الباذلة واظهاراً لفضائل اتباع المسيح . روت دماء الشهداء بذار الايمان ليصبح شجرة عظيمة ، كان لسان حال الشهداء كما هو حالنا ايضا ان نقول كما نؤمن ونحيا شهود لايماننا فى شجاعة ومحبة { لاننا نعلم انه ان نقض بيت خيمتنا الارضي فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد ابدي. فاننا في هذه ايضا نئن مشتاقين الى ان نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء. وان كنا لابسين لا نوجد عراة. فاننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين اذ لسنا نريد ان نخلعها بل ان نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة. لان محبة المسيح تحصرنا اذ نحن نحسب هذا انه ان كان واحد قد مات لاجل الجميع فالجميع اذا ماتوا. وهو مات لاجل الجميع كي يعيش الاحياء فيما بعد لا لانفسهم بل للذي مات لاجلهم وقام. } 2كو 1:5-4 ، 14-15. لقد تغير مفهوم الالم وأصبح شركة حبٍّ مع الرب المتألِّم ، وارتفع إلى مستوي الهِبة الروحية ، والموت متى يشاء الله أصبح انتقال للمجد والسماء ويستقبله المؤمن سعيداً راضياً . وليس في هذا عجب؛ فقد تحوَّل الموت من شئ مُرعب إلى جسرٍ ذهبي ومَعبر يَعبر بنا من حياة قصيرة وغُربة مؤقتة وثوبٍ بالٍ إلى سعادة أبدية دائمة.
شجاعة السيد المسيح فى مواجهة الصليب ..
عندما جاءت الساعه التى يتعين على السيد المسيح ان يُسلم ذاته ليصلب بدلا من الخطاة، وهو عالم بكل ماياتى عليه من عذابات واهانات وكان قد اخبر تلاميذه بها وانه يضع ذاته بسلطانه وحده { وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع ابن الانسان سوف يسلم الى ايدي الناس. فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم فحزنوا جدا} مت 22:17-23. لننظر كم كانت شجاعة السيد المسيح واثرها حتى على اعدائه { وكان يهوذا مسلمه يعرف الموضع لان يسوع اجتمع هناك كثيرا مع تلاميذه. فاخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء الى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. فخرج يسوع وهو عالم بكل ما ياتي عليه وقال لهم من تطلبون. اجابوه يسوع الناصري قال لهم يسوع انا هو وكان يهوذا مسلمه ايضا واقفا معهم. فلما قال لهم اني انا هو رجعوا الى الوراء وسقطوا على الارض. فسالهم ايضا من تطلبون فقالوا يسوع الناصري. اجاب يسوع قد قلت لكم اني انا هو فان كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون. ليتم القول الذي قاله ان الذين اعطيتني لم اهلك منهم احدا. ثم ان سمعان بطرس كان معه سيف فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه اليمنى وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس اجعل سيفك في الغمد الكاس التي اعطاني الاب الا اشربها. ثم ان الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع واوثقوه} يو 2:18-9 . راينا كيف رجعوا الجنود وسقطوا الى الخلف بل كان بامكان السيد المسيح ان ياتى بجيش من الملائكة كما قال لبطرس { فقال له يسوع رد سيفك الى مكانه لان كل الذين ياخذون السيف بالسيف يهلكون. اتظن اني لا استطيع الان ان اطلب الى ابي فيقدم لي اكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة. فكيف تكمل الكتب انه هكذا ينبغي ان يكون.في تلك الساعة قال يسوع للجموع كانه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتاخذوني كل يوم كنت اجلس معكم اعلم في الهيكل ولم تمسكوني} مت 52:26-55.
لم يستعمل السيد المسيح قوته التى بها اسقط الجند على الارض والتى بها ارجع اذن العبد المقطوعه سالمة بل اسلم ذاته بارادته ليصلب. لم يستطع اى احد ان يمد يده على السيد المسيح قبل ذلك ولكن هذه هى ساعة سلطان الظلمة فقد وضع نفسه بارادته. بل انه قال الحق فى هيرودس ولم يخشى شئ واصفا اياه بالثعلب { في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج و اذهب من ههنا لان هيرودس يريد ان يقتلك.فقال لهم امضوا و قولوا لهذا الثعلب ها انا اخرج شياطين و اشفي اليوم وغدا و في اليوم الثالث اكمل. بل ينبغي ان اسير اليوم وغدا وما يليه لانه لا يمكن ان يهلك نبي خارجا عن اورشليم} لو 31:13-33. بل انه عند الصلب وامام بيلاطس احب بيلاطس ان يفتخر امامه عليه بسلطانه فقال له يسوع ليس لك سلطان على ان لم تكن قد اعطيت من فوق بل ان بيلاطس نفسه كان يخاف منه { فقال له بيلاطس اما تكلمني الست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك. اجاب يسوع لم يكن لك علي سلطان البتة لو لم تكن قد اعطيت من فوق لذلك الذي اسلمني اليك له خطية اعظم} يو10:19-11 .هذا هو السيد المسيح الشجاع الذى لم يهاب اى احد طوال فترة وجوده على الارض وقدم ذاته بارادته للموت من أجل خلاصنا وقد شهد له بذلك حتى اعدائه { فارسلوا اليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يا معلم نعلم انك صادق وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالي باحد لانك لا تنظر الى وجوه الناس} (مت 22 : 16).
السيد المسيح فى مجده ومجيئه الثانى ..
لقد قام السيد المسيح من الموت فى اليوم الثالث وظهر للتلاميذ والرسل وللكثيرين مثبتاً ايمانهم ومبدداً خوفهم { وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب.وقال لهم هكذا هو مكتوب و هكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك. وها انا ارسل اليكم موعد ابي فاقيموا في مدينة اورشليم الى ان تلبسوا قوة من الاعالي. واخرجهم خارجا الى بيت عنيا و رفع يديه و باركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم و اصعد الى السماء. فسجدوا له و رجعوا الى اورشليم بفرح عظيم. وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله امين} لو 44:24-53.
ولقد حقق السيد المسيح له المجد وعده للرسل بعد صعوده بعشرة أيام وحل الروح القدس عليهم واعطاهم القوة والحكمة وشجاعة الإيمان ليبشروا باسمه فى كل الارض { ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملا كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم السنة منقسمة كانها من نار و استقرت على كل واحد منهم. وامتلا الجميع من الروح القدس وابتداوا يتكلمون بالسنة اخرى كما اعطاهم الروح ان ينطقوا} أع 1:2-4.
وكما راى التلاميذ السيد المسيح صاعدا الى السماء بمجد عظيم ، هكذا راه يوحنا الحبيب فى السماء وله تسجد كل ارواح القديسين والملائكته { بعد هذا نظرت واذا جمع كثير لم يستطع احد ان يعده من كل الامم و القبائل و الشعوب والالسنة واقفون امام العرش وامام الخروف ومتسربلين بثياب بيض وفي ايديهم سعف النخل. وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لالهنا الجالس على العرش وللخروف. وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ و الحيوانات الاربعة وخروا امام العرش على وجوههم وسجدوا لله. قائلين امين البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لالهنا الى ابد الابدين امين. واجاب واحد من الشيوخ قائلا لي هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن اين اتوا. فقلت له يا سيد انت تعلم فقال لي هؤلاء هم الذين اتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف. من اجل ذلك هم امام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلا في هيكله والجالس على العرش يحل فوقهم. لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر. لان الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم الى ينابيع ماء حية ويمسح الله كل دمعة من عيونهم} رؤ 9:7-17.
وهكذا سيأتى فى المجئ الثانى فى بقوة ومجد عظيم تسبقه علامة الصليب المنير ليجمع مختاريه الى الملكوت والاشرار الى العذاب الابدي { وحينئذ تظهر علامة ابن الانسان في السماء وحينئذ تنوح جميع قبائل الارض ويبصرون ابن الانسان اتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الاربع الرياح من اقصاء السماوات الى اقصائها} مت 30:24-30 . من اجل هذا فاننا نحيا فى الايمان القويم على رجاء المجد { اما انت فاصح في كل شيء احتمل المشقات اعمل عمل المبشر تمم خدمتك. فاني انا الان اسكب سكيبا ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعي حفظت الايمان. واخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره ايضا} 2تيم 5:4-8.
أشكال من الشجاعة
الشهامة ... تميل هذه الفضيلة بالإنسان إلى إتمام فعل ما هو واجب حتى ان كان صعباً ومتعباً. وبهذا المعنى هي فضيلة جديرة بأقصى مديح. وتفترض فضيلة الشهامة مُسبقاً النفس السامية النبيلة. وغالباً ما توصف أنها عظمة النفس أو نبل الخلق. فالأشخاص المتسمون بالشهامة هم نمط متميز من الأشخاص. فهم لا يحسدون ولا يُنافسون الآخرين ولا يشعرون بالإحراج أمام فضائل الآخرين. فهم هادئون في أعمالهم. وهم صادقون ومخلصون ولبقون فى حياتهم وحتى في كلامهم يعرفون متى يتكلمون ومتى يصمتون ، يعبرون عن ارائهم فى الوقت المناسب وبطريقة حكيمة لا تجرح احد ولكن دون خوف من احد ، كما أنهم أصدقاء أوفياء. وهم لا يكذبون. وهم صريحون وغير متحفظين وهم ليسو مُرائين بل اناس موضوعيون . وهم لا يبالغون ولا يغالون فى تقدير الامور أكبر من حجمها . بل كما يقول الشاعر : وتكبر فى عين الصغير صغارها . وتصغر فى عين العظيم العظائم . من الشجاعة والشهامة ايضا الاعتذار عند الخطأ والسعى الى تصحيح الاخطاء ومن الشهامة ايضا قبول الاعتذار والنسيان والصفح عمن يسئٌ الينا .
الانسان الشهم ينظر مبدئياً إلى الفضيلة ولما هو نبيل. أما العواطف الدنيئة والخلافات والمجادلات الغبية فيبتعد عنها { والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالما انها تولد خصومات. وعبد الرب لا يجب ان يخاصم بل يكون مترفقا بالجميع صالحا للتعليم صبورا على المشقات. مؤدبا بالوداعة المقاومين عسى ان يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق. فيستفيقوا من فخ ابليس اذ قد اقتنصهم لارادته} 2تيم 23:2-26. الشهم يتميز بالعفو عند المقدرة وإذا أضرّ به احد فسرعان ما ينسي ويصفح. ولا يبالغ في الشعور بالفرح عندما يمدحه الآخرون ، كما أنه لا يحزن للنقد الذي قد يلتقيه من الآخرين بل يقيسه بالمنطق فان وجده حق يعالج أخطاءه وان وجده حسدا وذماً تجاوزه . الشهم لا يتذمّر لاحتياجه إلى الأشياء غير متاحة له بل فى شهامة يشكر الله على ما لديه من قناعة وايمان ، يتعلّم كيف يستغني { ليس اني اقول من جهة احتياج فاني قد تعلمت ان اكون مكتفيا بما انا فيه. اعرف ان اتضع واعرف ايضا ان استفضل في كل شيء وفي جميع الاشياء قد تدربت ان اشبع وان اجوع وان استفضل وان انقص.استطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني} في 11:4-13
الصبر...الصبر على التجارب التى لا مفر منها والمكاره التى تقابلنا هو ضرب من ضروب الشجاعة. الصبر فضيلة تمكننا من تحمّل المعاناة الجسدية أوالمعنوية بدون حزن في الروح أو كآبة في القلب. المؤمن القوى يحيا هادئا لا يتذمر على المرض او الضيق او الفقر او الضيق لاي سبب بل تراه يحيا فى سلام وفرح وشكر. الشجاعة تعطيه حكمة وصبر وجلد وتحمل وتواضع ، أن المحن والمعاناة التي لابد منها في هذه الحياة تحتاج للشجاعة لإبقائنا أقوياء أو حازمين، لا نخضع للإحباط أوالحزن. ويفقد العديد من البشر استحقاق معاناتهم لأنهم يخفقون في ممارسة فضيلة الصبر. الشجاعة الروحية تعلمنا ان نكون متوافقين مع ارادة الله وصابرين على الضيقات كاشياء مفيدة لنا من الله ونأخذ ونتعلم من شجاعة السيد المسيح فى حمل الصليب طوعا {ناظرين الى رئيس الايمان و مكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله} (عب 12 : 2). ان الآم والمعاناة تنشئ لنا ثقل مجد ابدى {فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله و وارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو 8 : 17).
المثابرة والثبات...الشجاعة تظهر فى المثابرة والثبات على المبادئ ، يثابر الانسان في عمل الخير بالرغم من المصاعب التي يترتب عليها ذلك. الاستمرار في ممارسة الفضيلة يوماً بعد يوم، يتطلّب شجاعة في الروح. إن الفضائل جميعها تحتاج إلى مساعدة المثابرة والاستمرارية ، لأنه لولاها لا يمكن المحافظة على الفضيلة وممارستها لفترة طويلة من الزمن، ولن تبلغ أية فضيلة في النهاية إلى كمالها. وبالرغم من أن كل فضيلة هي، بالتعريف، عادة صعب إزالتها، ولذلك فهي في حدّ ذاتها صفة ثابتة، فإن الصعوبة الخاصّة التي تنشأ من إخلاص طويل في ممارسة فضيلة معيّنة تحتاج إلى فضيلة المثابرة الخاصة. نحن نحتاج الى عمل النعمة لضمان مثابرتنا وشجاعتنا فى عمل الخير بتواضع قلب الى النفس الاخير كى لا نخطئ ونحيا حياة الفضيلة والبر . فمهما كنّا عادلين ومهما كنّا كاملين، فإننا دائماً معرضون الى الوقوع فى الخطيئة مما يستدعى الشجاعة فى مقاومة الاغراء ، ولذلك السبب، فنحن نحتاج فوق فضيلة المثابرة المُفاضة بالنعمة. المثابرة والثبات شكل من أشكال الشجاعة تعطى الانسان القوة والحزم والارادة أمام الصعوبات والتحديات والاغراءات سواء خارجية من البيئة الخاطئة او حروب الشيطان او التى تأتى من داخل الانسان وشهواته .
العوامل تساعد على تنمية فضيلة الشجاعة ..
الإيمان والثقة فى الله ومحبة الله الحقيقية وطاعته والاحتمال من اجله كلها وسائل تعطى الانسان شجاعة وقوة وحزم فى مواجهة مصاعب الحياة .
الإيمان وعدم الخوف ... اننا نومن بالله رعايته وحفظه لنا وانه قادر ان يحفظ حياتنا ومن معنا ويقودنا فى موكب نصرته. حتى ان واجهت سفينة حياتنا التحديات فان الرب قادر وقاهر التحديات { واما السفينة فكانت قد صارت في وسط البحر معذبة من الامواج لان الريح كانت مضادة. وفي الهزيع الرابع من الليل مضى اليهم يسوع ماشيا على البحر. فلما ابصره التلاميذ ماشيا على البحر اضطربوا قائلين انه خيال ومن الخوف صرخوا. فللوقت كلمهم يسوع قائلا تشجعوا انا هو لا تخافوا} مت 24:14-27 . الإيمان قوة تمنح الشجاعة والاقدام { امنوا بالرب الهكم فتامنوا ، امنوا بانبيائه فتفلحوا }(2اخبار 20 : 20). { لذلك اقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فامنوا ان تنالوه فيكون لكم} (مر11 : 24).
نحن نؤمن ان الله قادر على كل شئ. وفي ظل هذه القدرة، نحن نطلب منه، وكل ما نعجز أمامه نحن، نري قوة الله قادرة عليه. فنتغنى بقول الكتاب {غير المستطاع عند الناس، مستطاع عند الله}. الله القوى القادر على كل شئ يمنح القوة لابنائه وبناته. الله يستطيع كل شيء، ولا يعسر عليه أمر. وهو وعدنا ان { كل شيء مستطاع للمؤمن} مر 23:9. أذن لنحيا فى شجاعة قوة الله رغم همجية العدو وكبريائه فالله على كل متكبر وعال وكل ظالما قادر الله ان يذله { لانها ليست قوتك بالكثرة يا رب ولا مرضاتك بقدرة الخيل ومنذ البدء لا ترضى من المتكبرين بل يسرك دائما تضرع المتواضعين الودعاء} (يهو 9 : 16). كل من يتبع الله بتواضع ووداعة يقوى بقوة الله وينتصر بعزته .لانه يحتمي في قوة القادر علي كل شيء. اننا فى إيماننا نثق تماما فى حماية ورعاية الراعى الصالح .
الايمان مدرسة ايضا للصلاة بثقة لناخذ من الله قوة ورجاء وشجاعة. وامامنا وعود الرب الصادقة { تشددوا و تشجعوا لا تخافوا ولا ترهبوا وجوههم لان الرب الهك سائر معك لا يهملك و لا يتركك } (تث 31 : 6).اننا اذ نثق فى الله لا نخاف شئ وبالصلاة والثقة يجدد لنا الرب القوة اللازمة للتغلب على كل تحديات الحياة { اما عرفت ام لم تسمع اله الدهر الرب خالق اطراف الارض لا يكل ولا يعيا ليس عن فهمه فحص. يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة. الغلمان يعيون ويتعبون والفتيان يتعثرون تعثرا. واما منتظروا الرب فيجددون قوة يرفعون اجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون} اش 28:40-31. المؤمن يعرف ان هناك صعوبات فى طريق الفضيلة والبر لكن يدرك ايضا معونة السماء والأكاليل المعدة للفائزين { من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس من يغلب فساعطيه ان ياكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله }(رؤ 2 : 7).{ومن يغلب ويحفظ اعمالي الى النهاية فساعطيه سلطانا على الامم} (رؤ 2 : 26). {من يغلب فذلك سيلبس ثيابا بيضا ولن امحو اسمه من سفر الحياة وساعترف باسمه امام ابي وامام ملائكته} (رؤ 3 : 5). {من يغلب فساعطيه ان يجلس معي في عرشي كما غلبت انا ايضا وجلست مع ابي في عرشه }(رؤ 3 : 21).
جاء السيد المسيح ليحررنا من كل خوف مرضى يقيد الانسان ، سواء من الشيطان او جنوده او حروبهم او من الضيقات او المجهول او حتى من الموت . نحن نعمل فى شجاعة وسعى لخلاص انفسنا . نخاف فقط ان نبتعد عن الله وعن محبته واثقين ان ارادته هى قداستنا . ولا شئ يبعدنا أو يفصلنا عن محبة الله التى فى المسيح يسوع . لا نخاف من أضطهاد أوا استشهاد فحياتنا فى يد الله وان عشنا فله نعيش وان متنا فللرب نموت . ولن نحيا الا حياة واحدة وحيدة فلنحيا حياة كريمة ترضى الله أو نموت فى كرامة القديسين والشهداء غير هيابين من الموت {ولكن اقول لكم يا احبائي لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون اكثر. بل اريكم ممن تخافون خافوا من الذي بعدما يقتل له سلطان ان يلقي في جهنم نعم اقول لكم من هذا خافوا. اليست خمسة عصافير تباع بفلسين وواحد منها ليس منسيا امام الله. بل شعور رؤوسكم ايضا جميعها محصاة فلا تخافوا انتم افضل من عصافير كثيرة. واقول لكم كل من اعترف بي قدام الناس يعترف به ابن الانسان قدام ملائكة الله. ومن انكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله.لو 4:12-9
المحبة الطاعة والاحتمال ... المحبة قوية اقوى حتى من الموت . ومن اجل ان نعلن محبتنا للملك المسيح يجب ان نطيع وصاياه ونحتمل بصبر وشجاعة كل ما يأتى علينا من اجل محبته { يا بني ان اقبلت لخدمة الرب الاله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة. ارشد قلبك واحتمل امل اذنك واقبل اقوال العقل ولا تعجل وقت النوائب. انتظر بصبر ما تنتظره من الله لازمه ولا ترتد لكي تزداد حياة في اواخرك. مهما نابك فاقبله وكن صابرا على صروف اتضاعك. فان الذهب يمحص في النار والمرضيين من الناس يمحصون في اتون الاتضاع} سير1:2-5. هذه المحبة أعطت القدّيس بولس وتهبنا نحن ايضاً الشجاعة الفائقة الطبيعة التى بها نعبر كل المصاعب والاضطهادات ، والخطر، والسيف كما قال القديس بولس {من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح.ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق و لا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا (رو 8 :35- 39). ان قبولنا بصبر ورضى إزعاجات الحياة اليومية بروح شجاعة قوية. تُصاحب كل مهنة في الحياة بصعوباتها الخاصّة، حتى ولو كان ذلك مجرّد الرتابة والملل الكائنين في نشاطات الفرد اليومية. فإذا لم نتعلّم قبول المنغصات والمحن الصغيرة التي لابد منها في الحياة اليومية، مثل البرد والحرارة، والألم والمشقة، والأمراض والأوجاع الصغيرة والتناقضات، فإننا لن نحقق أي تقدّم في اكتساب فضيلة الشجاعة المسيحية. اننا نصلى لله ليهبنا المحبة الكاملة والصبر التام وطاعة المسيح وصبره وهو الذى فى تجسده بقى راسخاً فى أمانته لمشيئة الآب . نصلى لتكون لنا شجاعة وقوة السيد المسيح سنداً فى جهادنا اليومى والشهادة لإيماننا المسيحى والحفاظ على حضورنا كاعضاء حية فى جسد المسيح السرى . ان ذلك يقتضى منا شجاعة العمل والتعاون مع الاخوة لنا فى الوطن بماضيه وما فيه وحاضره وما لنا من ملاحظات عليه ومستقبلنا وما لنا من أمل متجدد به . نصلى ليهبنا الله الشجاعة الاحتمال والتضامن مع الفقراء والمحتاجين والمضطهدين والفرح بحمل الصليب والثقة فى انتصار المحبة على البغضة والله على قوات الشر الروحية والثقة فى قيادة الراعى الصالح لكل النفوس المتعبة نحو المراعى الخضراء ومياة الراحة. ونثق انه قادر علي يرد النفوس المتعبة والضاله الى حظيرته . ونحن سائرين فى وادى ظل الموت واثقين وغير خائفين لان لنا الله ملجأ امين .
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد