المقالات
24 فبراير 2025
الضيقات.. واختبار الله (2)
ثانيًا: في اختبارات الضيقة
في الضيقات يتعلم الإنسان اختبارات كثيرة في الحياة الروحية، وهذه أمثلة من حياة رجال الكتاب المقدس:
1- موسى النبي:- اجتاز موسى مع شعب الله ضيقات كثيرة إلى أن وجدوا أنفسهم أمام بحر سوف ويتبعهم خيل فرعون ومركباته وفرسانه في وقت الضيق فقط تعلم موسي النبي أن العصا التي في يده ليست هي عصاته الخاصة، إنما هي عصا الرب التي شقّت البحر وصار كالسور وعبر الشعب هذا الاختبار اختبره موسى فقط عندما تعرّض للضيق لذلك في كل ضيقة لا تسلم قلبك للضيق، ولكن تذكّر عصا الرب في حياتك.
2- جيحزي:- في الضيقة عندما التف الجند لمهاجمة أليشع وخاف جحزي، صلى من أجله أليشع، وهنا رأى جيحزي وآمن أن الذين معنا أكثر من الذين علينا ففي الضيق يتعامل الله معنا وينقذنا، ونعرف أننا ينبغي ألّا نسلّم نفوسنا لليأس.
3- إيليا النبي:- اختبر إيليا الضيقات مرات كثيرة كان إيليا نبيًا ناريًا قويًا في الحق، وربما شعر بذاته أنه جبار وصانع معجزات، وربما كبرت ذاته في عينيه، فسمح الرب له بضيقة، وهَرَب من وجه إيزابل الملكة وفي الضيقة اختبر إيليا كيف تعولة امرأة فقيرة أممية، وفي الضيقة أرسل له الرب ملاكه ليطعمه، وفي الضيقة دعاه الرب لرسالة جديدة فاعلم يا ابني أنه في الضيقات يتحنّن الرب علينا ويرسل لنا معونة سماوية ويهبنا معونة جديدة.
4- نقل جبل المقطم:- عانت الكنيسة من أحداث مؤلمة ومُرة في عصر البابا أبرآم بن زرعة، وأصرّ الوالي أن ينقل المسيحيون جبل المقطم ولكن في هذه الضيقة أعلن الرب مجده وأنقذ الكنيسة وكسب الوالي للإيمان.
ثالثًا: اختبارات من خلال طاعة الوصية
في إيماننا المسيحي الكثير من الوصايا التي يراها البشر وصايا قاسية وصعبة (من ضربك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضًا لا تقاوموا الشر بالشر الخ)، والكثيرون يستصعبون الوصايا، ولكن من يختبر الوصية يستطيع أن يدرك أن هناك قوة خاصة ينالها الإنسان لتنفيذ الوصية وهذه بعض الأمثلة الكتابية.
1- إبراهيم أبو الآباء:- اهتم أبونا إبراهيم أن يكمل الوصية في حياته وأطاع الرب مهما طلب منه فخرج من بيته وعشيرته وسار وراء الله، وبتكميله لوصية الله استطاع أبونا إبراهيم أن ينال اختبار الإيمان وعندما طلب الرب منه أن يقدم ابنه الوحيد إسحق ذبيحة بالإيمان، قَبِل إبراهيم وتعلم من تنفيذ الوصية اختبار الطاعة، وكيف أن الله يستطيع أن يرد له ابنه حيًّا فمن خلال تنفيذ الوصية اختبر أبونا إبراهيم أعمق الاختبارات الروحية.
2- دانيال النبي:- تعرض دانيال النبي لمكيدة وهو في أرض السبي، ولأنه أصرّ أن ينفّذ الوصية، وأن يدعو إلهه مُوجِّهًا وجهه جهة أورشليم مدينة آبائه أصدر الملك حُكمه بإلقاء دانيال للأسود الجائعة لتفترسه وأظن أن الليلة التي قضاها في الجب، كانت من أسعد ليالي حياة دانيال، لأنه عندما أطاع الوصية ونفّذها اختبر كيف يسدّ الله أفواه الأسود الجائعة فلا تمسّه، اختبر كيف يعتني الله بأولاده ويحافظ عليهم لأنهم أحبوا وصاياه وجعلوها دستورًا لحياتهم وهكذا يستطيع أولاد الله أن يختبروا كيف تسندهم يد الرب وسط الضيق، وكيف يحوِّل الله الألم إلى فرح لذلك في كل الضيقات نحن لا ننظر للمستقبل بعين مظلمة ونعيش في عمق الضيقة، لكننا نختبر يد الرب، ونعلم أنه وسط الضيقات الكثيرة لابد أن ينقذنا ويجعل كل الأشياء تعمل معًا للخير لأننا نحب الرب، فنستطيع أن نحتفظ برجائنا وسط الضيق ونصرخ نحو الرب "نحن مِلك لك"، ونعيش في حياة التسليم، ونتمسك بإيماننا أنه لا يتركنا ولا يهملنا.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
17 فبراير 2025
الضيقات.. واختبار الله (1)
من المزامير التي تعزينا ونحن نمر بضيقات متكررة هي كلمات مزمور «الرب نوري وخلاصي»، فالمزمور يتكلم عن الآلام والضيق، وفي ذات الوقت يتكلم عن اختبارات التعزية في الألم، ففي وقت الضيق نستطيع أن ندرك كيف أن الله يخبّئنا في مظلته. فالله يسمح لنا أن نقابل تجارب وضيقات، ولكن بركة هذه الضيقات تمنح الإنسان خبرات جديدة في حياته الروحية. فكثيرًا ما تقابلنا تجربة خطية.. أو تجربة الضيقة.. أو خبرة تنفيذ الوصية، وفي جميعها علينا أن نضع في قلوبنا أننا ينبغي أن نخرج من كل منها بخبرة روحية جديدة في حياتنا، لأنه بدون الضيقات لا يمكننا أن ننال اختبارات أو تعزيات جديدة..
أولًا: تجربة الخطية
عندما تمر حياتنا بتجارب واختبارات وحروب العدو بالخطايا المختلفة، هذه التجربة القاسية تمنحنا أن نختبر تعامل الله معنا بحب وحنو، وكيف يقودنا في طريق النصرة، وكيف نصنع توبة، وكيف نتجنب طرق الشر، وكيف نتجنب العثرة، وكيف نكمّل توبتنا بحرص.. وهذه نماذج من الكتاب المقدس
1- داود النبي:
قبل أن يسقط داود ربما شعر أنه هو المرتل الحلو وقائد الجيوش وصاحب القيثارة الذي قلبه بحسب قلب الله.. أمّا سقوطه فجعله يراجع نفسه، ويبلّل فراشه بدموع مُرة، وارتعشت ركبتاه من النُسك، وبدأ يتعلم الانسحاق وينال بركة الاتضاع.. ولم يكرّر داود خطيته لأنه تعلم منها.. نعم أخطأ مرة أخرى عندما عدّ الشعب، ولكنه تعلّم من هذه الخطية أيضًا ولم يكررها مرة أخرى.
2- يعقوب أبو الآباء:
كان يعقوب ابنًا محبوبًا، إلّا أنه خدع أباه وخدع أخاه عيسو ليحقق مكاسب، لكنه أيضًا في خطيته جُرِّب إذ خُدِع من خاله لابان وتغرّب لسنوات طويلة في أرض غريبة وتعرّض لغضب أخيه.. ولكن من هذه التجارب تعلم يعقوب أن يتضع، فسجد أمام أخيه الذي خدعه من قبل واعتذر له.
3- بطرس الرسول:
عندما أنكر اختبر محبة الرب وغفرانه عندما نظر إليه وقت محاكمته، وتعلّم قبول الله له كخادم عندما دعاه للخدمة مرة أخرى على بحيرة طبرية.. وهذه الخبرة الروحية سندته طوال حياته وحتى استشهاده في نهاية حياته.
ونحن في كل مرة نمرّ بتجربة ضعف وخطية ننال خبرة النصرة والاتضاع والتدقيق ومراجعة الذات والحرص من أخطاء السان. نتعلم متى نصمت ومتى نتكلم.. نتعلم الأسلوب الليّن، ونتعلم أن نضع حارسًا لفمنا، وندقق في كلماتنا لئلا تؤذي الآخرين مدى الحياة، ونتعلم أن نبتعد عن مجال العثرة سواء قراءات أو أصدقاء، ونتعلم جدية السلوك والحرص على النقاوة.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
10 فبراير 2025
وحدث نوء عظيم
في مناسبة صوم أهل نينوى تذكرني أحداث قصة هروب يونان النبي من وجه الله بكل ما يصادف حياتنا في غربة هذا العالم من ضيقات وآلام، فقد يعترض طريق حياتك ضيقات شخصية أو اجتماعية أو روحية أو ربما مجتمعية، وجميعها تشبه النوء العظيم الذي حدث مع يونان وفي مثل هذه الظروف تحتاج :
١- أن تقوم وتصرخ إلى إلهك (يونان ١: ٦) ففي وقت ضيقك لا تبحث عن معونة بشرية، ولا تعتمد على إمكانياتك المادية أو قدراتك الشخصية، فالله هو الوحيد القادر أن يحفظك في حدقة عينه وبصراخك أمامه وحده تخلص من كل ضيقاتك .
٢- أن تقوم وتفتش حياتك "بسَبب مَنْ هذه البلية" (يونان ۱: ۸) ، فالضيقات فرصة لمراجعة النفس ، وقد تكون دعوة من الرب للإنسان أن يتوب لتدخل إلى داخل نفسك وتطلب إلى الرب: «اختبرني يا الله واعرف قلبي . امتحنّي واعرف أفكاري» (مزمور ۱۳۹ :۲۳). وأكثر ما يحنن قلب الرب عليك وقت الضيق هو قلبك التائب .
٣- أن تلقي عنك الأمتعة "وطرحوا الأمتعة التي في السفينة" (يونان ٥:١) ، فالضيقات في حياتك قد تكون دعوة من الرب لك لكي تزهد في العالم ومقتنياته، وتشعر أن كل ما في العالم ليس له قيمة أمام أبديتك، وتجعلك لا تتمسك بالمظاهر والمقتنيات بل تفتح قلبك بالأكثر لتشعر بالمحتاجين .
٤- أن تستيقظ وتسهر "مالك نائمًا؟ قم" (يونان ١: ٦) وكان في يقظة يونان سلامة له ولكل أهل السفينة، هكذا في الضيقات احرص أن تبقى ساهرًا على حياتك الروحية وعلى بيتك وحياة أولادك، فالضيق يحتاج منك أن تطلب «أعطني يا رب يقظة».
ه- أن تصير شاهدًا عن إلهك أمام الجميع «وأنا خائفٌ مِنَ الرَّبِّ إله السماء » (يونان ۱ :۹) فسلوكك وسط الضيقات وصبرك وإيمانك وسلامك وهدوئك وثباتك وثقتك أن حافظك لا ينعس ولا ينام (مزمور ۱۲۱ : ۳) هي شهادة عن إيمانك أنك ابن للإله الذي لا يترك أولاده، وكما كان يونان شاهدًا للنوتية الأمميين تصير أنت أيضًا في ضيقتك شاهدًا عن إلهك المحب لكل من هم حولك ليحفظ الرب حياتك سالمة من كل ضيق ، ولكن في كل نوء عظيم يواجه حياتك لتبق صارخا تائبا زاهدًا ساهرا وشاهدًا عنه أنه هو الإله المنقذ من كل نوء .
نيافة الحبر الجليل الانبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال افريقيا
المزيد
03 فبراير 2025
ادخلوا من الباب الضيق
في تأملنا لوصية الدخول من الباب الضيق، نكتشف أنها وصية مُلزِمة وليست وصية اختيارية، وربنا يسوع المسيح نفسه دخل من الباب الضيق: وُلِد في مكان فقير، وكان محلّ مقاومة من هيرودس. وقوبلت خدمته بحروب واضطهادات، وانتهى الطريق بأن يُسلَّم للموت حسدًا ويحتمل آلام الصليب. والعذراء مريم أيضًا اختبرت الباب الضيق فوُضِعت موضع شك، وبشّرها سمعان أنها سيجوز في نفسها سيف. والآباء الرسل والقديسون والخدام بكل درجاتهم، وكل أبناء الكنيسة المؤمنون، دُعُوا أن يجتازوا اختبار الباب الضيق.
فالباب الضيق هو للكل.. لكل إنسان مسيحي. فالرب يسوع لم يدعنا لحياة مريحة، بل كان وعده لشاول الطرسوسي «لأنّي سأُريهِ كمْ يَنبَغي أنْ يتألَّمَ مِنْ أجلِ اسمي» (أع9: 16). فطبيعة الطريق في حياة اولاد الله هو الباب الضيق.
والإنسان المسيحي يختبر الباب الضيق في عدّة أمور:
1. في حياته الروحية الشخصية وطريق عبادته: فالباب الضيق منهج تنتهجه الكنيسة القبطية، فهي تلتزم بصلوات وأصوام وعبادات تسير فيها بمنهج الباب الضيق لتحفظ أولادها داخل الأبواب. أمّا إن تخلّينا عن منهج الباب الضيق، فسنفقد أولادنا، فنحن نحتاج أن نحافظ على تراثنا القديم لنعيش في روح الإيمان الأصيل، حتى وإن كانت فيه ملامح التضييق على النفس.
2. في محاولة التخلي عن الضعفات الشخصية والشهوات الرديئة: فالحياة المسيحية مرتبطة أيضًا بالجهاد الدائم من أجل النقاوة، وأن يجتهد الإنسان ليعيش مسيحيًا بالحقيقة، وبحسب تعبير الكتاب أن "يحفظ الإنسان نفسه بلا دنس في العالم" (يع1: 27)، وهكذا فعل يوسف العفيف. نعم يتألم الإنسان عندما يجتهد ليحفظ نفسه بلا دنس، ولكنه بعد هذا يستطيع أن يختبر الراحة الحقيقية ويتمتع بمعونة الرب.
3. في التخلي عن الذات: والإنسان المسيحي مدعو لأن يتخلى عن فكره وعن راحته، فقد نفقد أمورًا وبركات كثيرة عندما نكون مرتبطين بذواتنا وراحتنا الشخصية.
4. في خدمتنا لإخوتنا: فكل من يسلك طريق الخدمة لابد أن يكون مستعدًا للدخول من الباب الضيق، فموسى الذي كان حليمًا جدًا كان عليه أن يحتمل تمرد الشعب، وأثناسيوس الرسولي قَبِل أن يكون ضد العالم من أجل حفاظه على الإيمان.
وأنت عندما تُدعى لخدمة وتجد فيها صعوبات، لا تتراجع، بل تذكر أن الله قد دعانا لندخل من الباب الضيق. فعلامة تمسُّك الإنسان بربنا يسوع واقتناعه بالطريق اقتناعًا حقيقيًا، هي قبوله الدخول من الباب الضيق.
لذلك عندما تُصاب بالكسل، أو بالنظر إلى الوراء، عندما تضيق نفسك أو تتعب في الطريق، لا تسمح لهذه المشاعر أن تدخل إلى قلبك، بل تذكر أنك دُعيت للباب الضيق.
نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
07 مايو 2024
القيامة وصدق المحبة
عيد القيامة عيد الفرح الذي كلّل أحزان أسبوع الآلام بكل ترتيباته التي تدفع الإنسان إلى التوبة الحقيقية، لذلك طوبي للحزاني لأنهم يتعزون والقيامة مليئة بالتأملات فهي رجاء خلاصنا وموضوع فخرنا بإيماننا حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح» وكان الصليب هو مقدمة القيامة وهنا نتذكر كثيرين كانوا يتبعون يسوع ويقولون نتبعك أينما تمضي ولو أنكرك الجميع أنا لا أنكرك وتعددت أقوال المحبة، ولكن عند القبر اختبار صدق المحبة وجدية التبعية التي عندها يظهر صدق المحبة وجدية التكريس اشتركت البشائر الأربعة في أن المريمات فمن والظلام باق وذهبن إلى القبر حيث أعدو له الحنوط فمن والظلام باق في شوق إلى المحبوب لأنهن أدركن أن الذين يبكرون إليه يجدونه لم ينتظرن حتى تطلع الشمس ولكن والظلام باق يمشين حتى عندما يصلن إلى الباب يكون الظلام انقشع حتى تفتح الأبواب حيث عادة اليهود في ذلك الزمن، وبذلك يفتدين الوقت كانت المحبة فيها شوق حقيقي ، فلم ينتظرن الضوء ليشع ، فكان أيضًا تسليم وعدم الخوف من أحداث الظلام. وكانت أيضًا شجاعة وهن يعلنون تبعيتهن للمرفوض كثيرون رفضوا يسوع وكل من يتبعوه، والذي يظهر هذه التبعية يتعرض للمخاطر، ولكنهن خرجن في إيمان كامل بعناية الرب وتسليم كامل لإرادته. ذهبن وهن مستعدات بالأطياب منذ عشية اليوم، فهو استعداد كامل في وقت مبكر مفتدين الوقت لأنهن يعلمن أن الأيام شريرة في شوق حقيقي وتسليم كامل وشجاعة قوية وإيمان كامل واستعداد حقيقي مفتدين الوقت لاشك أنها جماعة تكريس مختارة من الرب يشجعن بعضهن البعض يعشن للرب في صدق تكريسها ومحبتها للإله المحبوب ، ومحبتهن بعضهن
للبعض محبة ليست بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق . لذلك كان لهن بركة اللقاء بالرب يسوع ، وكذلك الكرازة بقيامته المجيدة وصارت مريم المجدلية بعد أن كانت رمزا للخطية صارت رمزا للتوبة والكرازة بالإنجيل حقا لقد صارت ومن معها من النسوة رموزًا للمحبة الحقيقية للرب ، وصدق التكريس الذي نحن نحتاجه الآن في سلوك عملي وليس مجرد كلمات وشعارات وهتافات. لكن اختبار عمل القيامة وقوتها في حياتنا وكنائسنا وخدامنا ، التي تعطينا الفرح الحقيقي واختبار سر القيامة وقوتها الذي هو حياة النصرة الحقيقية على الموت وكل قواته وبهذا يمكننا أن نثمر تائبين وكارزين للرب.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة و مطروح وشمال افريقيا
المزيد
22 يناير 2024
عيد عُرس قانا الجليل
تحتفل كنيستنا القبطية في بدء العام الجديد بمجموعة من الأعياد يُطلق عليها "أعياد الإبيفانيا" أو "الظهور الإلهي، وتشمل عيد الميلاد وعيد الغطاس وعيد الختان وعيد عُرس قانا الجليل. عيد عُرس قانا الجليل هو أحد الأعياد السيدية الصغرى وهو تذكار لأول معجزة أتمها الرب يسوع وفيها أظهر مجده فأمن به تلاميذه على حد قول الكتاب.وفي عُرس قانا الجليل لنا عدد من التأملات القصيرة التي يمكنها أن تصاحبك في احتفالك بهذا اليوم..
موقف أمنا العذراء مريم في يوم عُرس قانا الجليل يمثل موقف الإنسان الذي يضع مشكلته أمام الرب بأقل ما يمكن من العبارات وأعمق ما يمكن من الإيمان فالعذراء لم تتكلم كثيرا، ولكنها وضعت المشكلة أمام ابنها في ثقة ورجاء بكلمات قليلة وقصيرة ليس لهم خمر » (يو (٣٢)، ورغم أن الرب يسوع لم يُبد آية استجابة لطلبها في البداية بل قد يبدو من إجابته إنه لم يستجب لطلبتها عندما قال «ما لي ولك يا امرأة لم تأت ساعتي بعد» (يو (٤:٢)، إلا أنها وبكل إيمان استمرت في حديثها للخدام قائلة «مهما قال لكم فافعلوه» (يو ٥:٢)، وكأنها تعلم أن ابنها لا بد أن يتدخل وأن دورها هو أن تضع أمامه مشكلتها وتكتفي بذلك. لذلك في يوم احتفالنا بتذكار هذا العيد ليكن لك الثقة التي بها تضع كل أمورك أمام الله وأنت واثق أنه لا بد سيتدخل وسيفعل كل الخير لك، كل ما يفرحك ويبهج حياتك.
في عرس قانا الجليل أيضا حول الرب يسوع الماء إلى خمر، وكانت المعجزة معجزة تحوّل، فيسوع هو مصدر التحوّل في حياتنا فهو قد جاء إلى العالم لكي يحول حياة العالم والبشرية كلها، وليطلق الإنسان. من سلطان إبليس، وهذا هو عمل يسوع في حياتنا كل يوم، فهو يحول حياتنا إلى حياة بارة بقوة دمه وسلطان صليبه الذي كتب عنه معلمنا يوحنا إن دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية». لذلك في طريق حياتك كلما وجدت أنك في احتياج للتغيير أو التحول عن شكلك وطبيعتك العتيقة، تذكر أن الوحيد الذي له سلطان التحويل هو الرب يسوع اطلب منه بإيمان وهو لا بد أن يستجيب ويغيرك لتصير على صورته كشبهه.
أخيرًا في عُرس قانا الجليل كان يسوع مصدرًا للفرح، فهو قد حفظ لأهل البيت فرحتهم، وأعلن مجد لاهوته أيضًا فأمن به تلاميذه فالاهتمام بإعلان مجد الرب والفرح أمران متلازمان في الحياة المسيحية، وأنت عندما تضع مجد الرب أمام عينيك وتسعى في كل أمورك أن تمجده، كن واثقا أنك ستعيش فرحًا. ليكن اهتمامك الأول إذا في بيتك وفي خدمتك وفي كل حياتك أن تمجــ الرب، ووقتها ستعرف معنى الفرح لأنه وعد «أنا أكرم الذين يكرمونني» (اصم (۳:۲) في تذكار احتفالنا بالعيد لتكن واثقا بالرب الذي يقود حياتك، ولتعش متحوّلا عن شكلك القديم، ولتكن فرحًا لأنك لا تطلب إلا مجده؛ فتعيش العيد كخبرة عملية وليس كذكرى.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال افريقيا
المزيد
29 ديسمبر 2023
العبور لسنة جديدة
مع بداية عام جديد يمـتـلـى قـلـب كـل إنسان باشتياقات أن يكون العام الجديد عام فرح وسلام ، في حين قـد يـسـاور البعض منا مخاوف مما قد يواجهونه من صعوبات في العام الجديد . تذكرني هذه المشـاعـر بـقـصص عبـور شعب الله من ســيناء إلى أرض الموعد بقيادة يشوع ابن نون الذي قـسم لهم أرض الموعد . وقصة هذا العبور هي قصة عبور كل إنسان مسيحي من الأرض إلى الأبـديـة السعيدة وفي طريق عـبـورك للسـمـاء تحتاج : 1- أن تتـقـدم الطريق بإيمان فهذه كـانت وصـيـة الرب ليشوع ويكون حينما تسـتـقـر بطون أقـدام الكهنة .... فـي مـيـاه الأردن أن مـيـاه الأردن ... تنفلق ( يش٣ : ١٣ ) ... لذلك في العام الجديد كن إيجابيا ... وتقـدم طريقك نحو السماء ... ولا تسلم نفسك للمخاوف التي تعطلك .
٢ - أن تملأ قلبك بيقين أن الله سيسـتـخـدم كل الأمور وكل الأحداث وكل الأشخاص - حتى وإن كانوا أشرارا- من أجل خلاصك ، بل قد يستخدمك أيضاً لخلاصهم ، فهو قد استخدم راحاب وهي امرأة زانية لكي تخبئ الجاسوسين اللذين خرجا ليتجسسا أرض الميعاد فنجوا وصارا سبب خلاص لها ولبيتها ( يش ۲ ) .
٣ - في طريقك نحـو السـمـاء لا تستبعد أن تمر حـيـاتك بالضيقات أو الصعوبات ، ولكن كن واثقا أن الله سـيـخـرجك منها غالبا لأن هذه هي مسرته أن تنال نصيبا في الملكوت السماوي فلا تضعف ... ولا يصغر قلبك فهـذا هـو وعـده لـيـشـوع « الله الحي في وسطكم وطردا يطرد من أمامكم الكنعانيين والحثيين والحويين ... ( يش ٣ : ١٠ ) .
٤- احرص أن تحفظ قلبك في حالة توبة مستمرة فالشعب الذي استطاع أن يدخل أريحـا ويـهـدم أسـوارها بدون قـتـال هو نفسه الذي انهزم في الطريق أمـام عـاى ، لأن الخطية قد دخلت إلى قلب أحـد الرجـال ... فـانـهـزم الشعب في الطريق ، لذلك احرص أن تعيش تائبا لكي يعبر بك الرب العام الجديد وأنت منتصر . ( يش ۸ ) .
٥ - أخيراً تمسك بالوصية الإلهية واختر أن تسلك فيها فهذه كانت وصية يشوع للشعب في نهاية حياته فتشددوا جدا لتحفظوا وتعملوا كل المكتوب في سفر شـريـعـة مـوسى » ( يش ٢٣: ٦ ) فـاخـتـر لنفسك أن تسلك بحسب الوصية ... فهي التي تحفظ خطواتك في طريق السماء . أخيرا ليكن الرب معك في عامك الجديد .. وليكن عام بركة وفرح وسلام في طريقك للملكوت السماوي .
نيافة الحبر الجليل الانبا باخوميوس مطران البحيرة ومجروح والخمس مدن الغربية
المزيد
27 ديسمبر 2023
لتكن سنة مقبولة
يحدثنا الكتاب عن الرب يسوع الذي أتي ليكرز بسنة الرب المقبولة وأكرز بسنة الرب المقبولة» (لوقا ٤ :١٩)، ويقول: «روح الرب على، لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية (لوقا ١٨:٤)
إن هذه السنة المقبولة هي سنة اليوبيل التي تحدث عنها سفر اللاوبين في الإصحاح الخامس والعشرين وقال" وتعد لك سبعة سبوت سنين، سبع سنين سبع مرات. فتكونُ لَكَ أَيَّامُ السبعة السبوت السنوية تسعًا وأربعين سنة. ثُمَّ تُعبر بوق الهتاف في الشهر السابع في عاشر الشهر. في يوم الكفارة تعبرون البوق في جميع أرضكم. وتقدسون السنة الخمسين، وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها. تكون لكم يوبيلا، وترجعون كل إلى ملكه، وتعودون كل إلى عشيرته يوبيلا تكون لكُم السنة الخمسون لا تزرعها ولا تحصدوا زريعها، ولا تقطفوا كرمها المحول. إنها يوبيل، مُقَدَّسَةً تَكون لَكُمْ. من الحقل تأكلون غلتها" ( لاويين ٢٥: ٨-١٢).أتي الرب ليجعل سني كل من يؤمن به سنة مقبولة تثبت له بملامح متعددة، عندما نتأملها ندرك مدى عمق كلمة الله وكمال النبوات.
إن سنة الرب المقبولة تنبأ عنها سفر اللاويين هي السنة الخمسون بعد مرور سبعة أسابيع سبع مرات أي ٤٩ سنة، والسنة الخمسون هي سنة اليوبيل يعلن عنها من يوم الكفارة العظيم الذي هو يوم التوبة العامة يُقدم نيسان أحدهما عن خطايا رئيس الكهنة والكهنة، والآخر عن الشعب في خطاياه العامة، حيث تعرض الشعب لخطايا عامة مثل عبادة العجل الذهبي والسقوط، وعمل الحية النحاسية في البرية كان إعلان سنة اليوبيل في يوم الكفارة العظيم بمثابة دعوة عامة رعاة ورعية، للتوبة. في يوم الإعلان كان يُبوق بالبوق وهو علامة الفرح، إذ يفرحون بتذكار عمل الرب العظيم الذي أنقذهم من العبودية واعتنى بهم في أرض سيناء أربعين سنة إلى إن دخلوا أرض الموعد، فهي سنة فرح باختبار عمل الرب في حياتهم سنة اليوبيل كان يعلن بها للتحرّر والفكاك، فيتحرّر العبيد، ويرجع كل عقار إلى صاحبه من السبط الآخر، فهي سنة حرية من العبودية وحرية الممتلكات لترجع إلى صاحبها الأصلي. ومع كل هذا هي سنة الإيمان حيث أن الحياة في هذه السنة تعتمد على الإيمان، لأن اليوم السادس من السنة السادسة كان الشعب يعيش من حصاد ثماره في السنة السابعة لأن الأرض لم تكن تزرع فكانت ثمرة العام الثامن والأربعون يعيشون عليه العام الثامن والأربعين والتاسع والأربعين وكذلك الخمسين، تماما كما كان يحدث في المن والسلوي. ما يجمعونه يوم الجمعة يكون لطعام يومي الجمعة والسبت، ولو لم يكن الإيمان يملأ القلوب لما كانوا يستمتعون ببركة هذه الأرض.
لذلك كانت سنة الرب المقبولة التي أعلنها ربنا يسوع المسيح لنا هي سنة توبة / فرح / حرية / إيمان، وهذا هو إيماننا الذي نعيش به في استحقاقات دم المسيح والذي يتضح في عمل المعمودية المقدسة من الماء والروح وتستمتع ببركة سنة الرب المقبولة.عزيزي ليكن العام الجديد عام توبة وفرح، عام تحرر كل ما يغضب الرب عام إيمان.
نيافة الحبر الجليل الانبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال افريقيا
المزيد
24 مايو 2022
مفاعيل القيامة
في احتفالنا بعيد القـيـامـة وفـرحـة الخماسين المقدسة تحـضـرنا أفكار كثيرة تؤكد حقيقة قيامة الرب يسوع فـتبـوات الكتـاب تحدثت كثيرا عن القيامة ، كما كانت الأكفان دليلاً حيا على قـيـامـة الرب وهكذا كـانـت ظهورات الرب يسوع المتعددة لتلاميذه ، و كذلك أيضا خوف رؤسـاء الكهنة وتلقينهم للجنود كلمات كاذبة كلها أمور تؤكد حقيقة القيامة ولكننا في احتفالنا بالقـيـامـة لاتريدها دراسة فكرية عقلانية ولكننا نحب أن تصير القيامة في حياتنا اختبارا عمليا وسلوكا يوميا تختبرها كل يوم فتصبح القيامة حياة واختبارا وهذه بعض الأمور التي عندما نتأملها تجعلنا نعيش يروح القيامة
1- القيامة تجعلنا لا نخاف الموت فالرب يسوع عندما قام استطاع أن يكسر شوكة الموت عنا ، ولم يعد للموت سلطان على البشرية ولـم تـعـد الهاوية مكان الإنسان عند انتهاء حياته ، فبالقيامة أصبح الموت ميلادا سماويا جديدا ، فأن أردت أن تعيش القيامة ذكر نفسك دائما أن الرب قد حول لك العقوبة الموت خلاصا الحياة ، وذكر نفسك أيضا أن الرب قد قام لكي عندما تكمل رسالتك ، وتأتى ساعة انتقالك تردد قول الكتاب الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام ( لو ۲۹ : ۲ ) لا يخوف بل بفرح ۲ - القيامة تهبنا فرحا وسط الضيقات فإيماننا أن الام الصليب قد انتهت بالقيامة تجعلنا مطمئنين في الضيقات ، بل فرحين حتى عندما نتألم فتتولد في داخلنا قوة لاحـتـمـال الألام من أجل الرب متذكرين كلمات الكتاب لأنه كـمـا تكثر ألام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثـر تعـريتنا أيضا ( ٢ كوا : 5 ) 3- القيامة تجعلنا نمارس الأسرار الكنسية بوعي روحي عميق وليس كممارسات طقسية جافة فتثق أنك في المعمودية قد دفنت الرب يسوع لتقوم بطبيعة جديدة فتحيا بالبر ، وأنك في الميرون قد تلت موعد الآب السماوي بالروح القدس ، وفي اعترافك تثق أن الرب الذي مات وقام عنك مسرته هي أن يرفع خطاياك ، وفي الإفخارستيا تؤمن أنك تتناول جسد الرب المكسور عنك على الصليب ودمه الذي سال لأجل خلاصك ، فتسلك بالروح لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له ( يو ٢٣ : ٤ )
4- القيامة تملئنا رجاء وسط مشاكلنا : فالقيامة تعطيك رجاء في عمل الرب في مستقبل حياتك مهما ضاقت بك الحياة ، فلا تترك نفسك في مشاعر والام يوم الجمعة بل بالرجاء تثق أن هناك يوما ثالثا بعد وقت يطول أو يقصر فيه يقيمك الرب من مشكلتك ويفرحك ليكن لك إذا في كل حياتك فكر القيامة فتحيا حياتك فرحا متهللا سالگا بالروح ... فهذه هي مسرة الرب.
نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران كرسي البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية
المزيد