المقالات

01 سبتمبر 2020

كما يشتاق الإيل (مزمور 42)

المزمــــــــــــور الثاني والأربعون هو أحد المزامير المعزية التي لا نكرّرها في صلوات الأجبية اليومية، لكنه مزمـــــــــور تحمل كلماته لنا الكثير من التعزيات وقت الضيق والآلام. ففي الآلام هناك من تصغر نفسه ويكتئب، وهناك من تقوده الآلام إلى شوق أكثر إلى الله!!!والإيل نوع من الغزلان تتميز بعدوها السريع، وبشوقها الدائم وبحثها الناجح عن أماكن المياه، وأيضًا يميزها نجاحها الدائم في مواجهة الأفاعي والتغلُّب عليها. فالإيل يستطيع أن يعدو بسرعة ويهاجم الأفاعي ويقتلها، وهذا يتركه في عرق وعطش، فيعدو بسرعة إلى أماكن المياه (والماء في الكتاب المقدس هو إشارة للروح القدس الذي قال عنه الرب يسوع: «من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي» (يو7: 38)). أخيرًا يميّز الإيل أنها تتحرك في جماعات مستندة على بعضها البعض، كعلامة حب واحتمال للأخوة، فكل فرد في الجماعة يهتم بسلامة إخوته لكيما يعبروا الطريق معا!والمزمور يمثل شوق الإنسان إلى الله –رغم كل الآلام- بشوق الإيل إلى جداول المياه.كما يَشتاقُ الإيَّلُ إلَى جَداوِلِ المياهِ، هكذا تشتاقُ نَفسي إلَيكَ يا اللهُ. عَطِشَتْ نَفسي إلَى اللهِ، إلَى الإلهِ الحَيِّ: فالإنسان يقابل في حياته العديد من الأفاعي وهي تمثل حروب الشياطين، وهي على أنواع شتى، بعضها شر ظاهر وبعضها ذات بريق ملفت، لكن الإنسان الروحي لا ينخدع أبدًا بنعومة ملمس الأفاعي ولا بجمال شكلها، ولا يخشى الآلام التي تسبّبها له هذه الحروب، لكنها يواجهها ويهزمها جميعًا، ولا تزيده هذه الحروب والآلام إلّا شوقًا إلـــــــــــى الـــــــــرب وفرحًا به. مَتَى أجيءُ وأتَراءَى قُدّامَ اللهِ؟: وهذا هو شوق الإنسان الروحي، إنه يشتاق إلى أيّ وقت يصلي فيه، أو يخدم الآخرين، أو يسأل عن إخوته، فهذه كلها هي عمل للوجود في محضر الله. فالآلام لا تزيد المسيحي سوى شوق إلى الله ومحبة لإخوته!!! صارَتْ لي دُموعي خُبزًا نهارًا وليلًا: والخبز مهما كان يابسًا فهو موضوع شبع لصاحبه، فالإنسان المتمتّع بتعزيات الله تتحول ضيقات النهار -مهما كانت- إلى موضوع تعزيات ليلًا، إذ يضعها بدموع أمام الله في الصلاة، فالإنسان الروحي تتحول علاقته بالرب إلى علاقة شوق واختبار، فهو لا يعتبر صلواته واجبًا ثقيلًا عليه، بل يشتاق أن يجلس إلى الله وتكون آلام النهار خبز للليل، وما يصنعه معه الرب نهارًا يكون تعزية له ليلًا.إذ قيلَ لي كُلَّ يومٍ: «أين إلهُكَ؟»: وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان، إذ يعيّرنا البشر: هذا هو إلهكم يترككم للآلام! لكن من يتأثر بكلام الناس لا يمكنه أن يحوِّل آلام النهار إلى تعزبة.هذِهِ أذكُرُها فأسكُبُ نَفسي علَيَّ: هذا هو رد فعل الإنسان الروحي تجاه الآلام وتعييرات الآخرين. أنا أتذكر تعيير العدو (الشيطان) لي، ولا أدع آلامي تلهيني، ولا تجعلني أتذمّر على الرب، بل أتخلّى عن ذاتي، ولا تصير نفسي ثمينة عندي، ولا أترك محبتي لذاتي تجعلني أضطرب، بل أتذكر ضعفاتي وخطاياي، وأقول لنفسي إنني مستحق للآلام، وأقدم توبة عن كل ضعفاتي، فتتحول آلامي إلى سبب للقائي مـــــــع الـــــــــــــــرب والتعزية به. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
02 يونيو 2020

عيد حلول الروح القدس

عيد حلول الروح القدس هو احتفال بتذكار ميلاد كنيسة العهد الجديد. وهو أحد الأعياد السيدية الكبرى التي فيها حقّق الرب وعده لشعبه «لأنَّ هذا هو العَهدُ الّذي أعهَدُهُ مع بَيتِ إسرائيلَ بَعدَ تِلكَ الأيّامِ، يقولُ الرَّبُّ: أجعَلُ نَواميسي في أذهانِهِمْ، وأكتُبُها علَى قُلوبهِمْ، وأنا أكونُ لهُمْ إلهًا، وهُم يكونونَ لي شَعبًا» (عب8: 10).وفي احتفالنا بعيد العنصرة نحن نحتفل بتذكار نوالنا لموعد الآب الذي هو روحه القدوس. ومن جهة إيماننا بعمل الروح القدس في الكنيسة فإننا نؤمن بـ...1- إن حلول الروح يوم الخمسين أو عند نوال سر المعمودية هو حلول مواهب وليس حلولًا أقنوميًا كالحلول الذي حدث بعد بشارة الملاك لأمنا العذراء مريم، لكي ما يولد منها الله الكلمة بصورة فريدة لم تتكرر مرة أخرى.2- كما نؤمن بالحلول المتكرِّر للروح القدس على الخدام لكيما يعينهم ويرشدهم، فنحن نؤمن أنه من خلال الأسرار يمكننا أن ننال مواهب الروح القدس.3- وأخيرًا نؤمن أن عمل الروح القدس لا يستطيع إنسان أن يوقفه، فالروح لا يوقفه إلّا خطايانا، ومن خلال التوبة والاعتراف يمكننا أن نجدد عمل الروح داخلنا. أمّا عن يوم الخمسين..1- فقد كان الجميع معا بنفس واحدة: فوحدانية القلب هي سر انسكاب الروح القدس وسر قوة الكنيسة، وأكثر ما يتعب الكنيسة هو التفرُّق والتشيُّع والنقد والهجوم، لذلك يجب أن تحرص الكنيسة دائمًا ليكون أولادها واحدًا في الفكر وفي الهدف وفي السلوك وفي المنهج. لذلك فأول طلبات الكنيسة في صلوات القداس الإلهي بعد حلول الروح القدس هي من أجل وحدانية القلب "وحدانية القلب التي للمحبة فلتتأصل فينا"، كما نصلي في القداس الباسيلي قائلين: "اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نتناول من قدساتك، طهارة لأنفسنا وأرواحنا وأجسادنا، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ونجد نصيبًا وميراثًا مع كافة قديسيك".2- في يوم الخمسين كان الجميع مجتمعين في مكان واحد: وهو العلية الخاصة ببيت القديس مرقس كاروز كنيستنا الفبطية، والاجتماع في مكان واحد من أجل الصلاة والعبادة هو أمر أشار إليه الكتاب لكي ينبهنا أننا ككنيسة لا يجب أن نتشيع ولا يجب أن ينتهج كل منا منهجًا خاصًا، بل يجب أن يكون لنا جميعًا كأبناء للكنيسة منهج واحد وتعليم واحد وإيمان واحد.3- وفي يوم الخمسين كانت هناك ألسنة نارية: والألسنة إشارة إلى قوة الكلمة، وهي نارية إشارة إلى عمل الروح القدس في التطهير. وكانت هذه الألسنة هي إتمام نبوة يوحنا المعمدان «أنا أُعَمِّدُكُمْ بماءٍ للتَّوْبَةِ، ولكن الّذي يأتي بَعدي هو أقوَى مِنّي، الّذي لَستُ أهلًا أنْ أحمِلَ حِذاءَهُ. هو سيُعَمِّدُكُمْ بالرّوحِ القُدُسِ ونارٍ» (مت3: 11)، ولكنها كانت المرة الوحيدة لمعمودية الروح والنار لأن خدمة الكهنوت لم تكن قد انتظمت بعد، ومن بعد هذا اليوم التزمت الكنيسة بمعمودية الماء والروح التي أعطاها الرب لخدام سر الكهنوت كما ذكر يوحنا «أجابَ يَسوعُ: الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنَ الماءِ والرّوحِ لا يَقدِرُ أنْ يَدخُلَ ملكوتَ اللهِ» (يو3: 5). نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
26 مايو 2020

القيامة حياة واختبار

في احتفالنا بعيد القيامة وفرحة الخمسين المقدسة، تحضرنا أفكار كثيرة تؤكد حقيقة قيامة الرب يسوع، فنبوات الكتاب تحدثت كثيرًا عن القيامة، كما كانت الأكفان دليلًا حيًّا على قيامة الرب، وهكذا كانت ظهورات الرب يسوع المتعددة لتلاميذه، كذلك أيضًا خوف رؤساء الكهنة وتلقينهم للجنود كلمات كاذبة.. كل هذه أمور تؤكد حقيقة القيامة.ولكننا في احتفالنا بالقيامة لا نريدها دراسة فكرية عقلانية، ولكننا نحب أن تصير القيامة في حياتنا اختبارًا عمليًا وسلوكًا يوميًا، نختبرها كل يوم فتصبح القيامة حياة واختبار..وهذه بعض الأمور التي عندما نتأملها تجعلنا نعيش بروح القيامة..1- القيامة تجعلنا لا نخاف الموت:فالرب يسوع عندما قام استطاع أن يكسر شوكة الموت عنا، ولم يعد للموت سلطان على البشرية، ولم تعد الهاوية مكان الإنسان عند انتهاء حياته.. فبالقيامة أصبح الموت ميلادًا سماويًا جديدًا، فإن أردتَ أن تعيش القيامة، ذكّر نفسك دائمًا أن الرب قد حوّل لك العقوبة (الموت) خلاصًا (الحياة)، وذكّر نفسك أيضًا أن الرب قد قام لكي عندما تكمل رسالتك وتأتي ساعة انتقالك، تردّد قول الكتاب «الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام...» (لو2: 29)، لا بخوف بل بفرح.2- القيامة تهبنا فرحًا وسط الضيقات: فإيماننا أن آلام الصليب قد انتهت بالقيامة يجعلنا مطمئنين في الضيقات، بل فرحين حتى عندما نتألم، فتتولّد في داخلنا قوة لاحتمال الآلام من أجل الرب، متذكّرين كلمات الكتاب: «لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا» (2كو1: 5).3- القيامة تجعلنا نمارس الأسرار الكنسية بوعي روحي عميق: وليس كممارسات طقسية جافة، فتثق أنك في المعمودية قد دُفِنت مع الرب يسوع لتقوم بطبيعة جديدة فتحيا بالبر. وأنك في الميرون قد نلتَ موعد الآب السماوي بالروح القدس. وفي اعترافك تثق أن الرب الذي مات وقام عنك، مسرّته هي أن يرفع خطاياك. وفي الإفخارستيا تؤمن أنك تتناول جسد الرب المكسور عنك على الصليب، ودمه الذي سال لأجل خلاصك.. فتسلك بالروح «لأن الآب طالبٌ مثل هؤلاء الساجدين له» (يو4: 23).4- القيامة تملأنا رجاء وسط مشاكلنا: فالقيامة تعطيك رجاء في عمل الرب في مستقبل حياتك مهما ضاقت بك الحياة، فلا تترك نفسك في مشاعر وآلام يوم الجمعة، بل بالرجاء تثق أن هناك يومًا ثالثًت (بعد وقت يطول أو يقصر)، فيه يقيمك الرب من مشكلتك ويفرحك.ليكن لك إذًا في كل حياتك فكر القيامة، فتحيا حياتك فرحًا متهلّلًا سالكًا بالروح... فهذه هي مسرة الرب. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
19 مايو 2020

ما بالكم خائفين؟ (1)

نتذكر كلمات الرب يسوع عندما كان مع تلاميذه في السفينة واشتد الريح وهاجت العواصف.. وعندما عاتبه تلاميذه «يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟». كانت إجابته الشافية «ما بالكم خائفين؟»، وما زال الله يردد نفس الكلمات لنا اليوم.. «ما بالكم خائفين؟ كيف لا إيمان لكم؟» (مت 8: 26). في مرات كثيرة ونحن نجتاز الضيقات والآلام، تزداد مخاوفنا بمشاهدة الميديا والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، وبمطالعة الجرائد والأخبار على صفحات الإنترنت، ويظن البعض أن الرب قد تركنا نواجه الآلام وحدنا، ولكننا وسط كل هذه المخاوف لابد أن نثق أن يسوع موجود في سفينة حياتنا، حتى وإن بدا نائمًا، إلّا أنه ينتظر منّا إيماننا لنوقظه.. فيهدأ كل شيء. والخوف في حياتنا نوعان، خوف غريزي وخوف بسبب عدم الإيمان، وهذا الأخير قد يفقدنا نصيبنا السماوي. وعدم خوفنا مصدره الإيمان، فنحن نعلم أن الله يرافق حياتنا باستمرار «لأنه إن سرتُ في وادي ظلّ الموت، لا أخاف شرًّا لأنك أنت معي» (مز23: 4). وهذه بعض المخاوف التي تواجهنا، والتي نثق أننا نجتازها بسلام بالإيمان.. 1. مخاوف من مواجهة الموت أو الرحيل من العالم: كما حدث لأبنائنا الشهداء في الكنيسة البطرسية أو في طنطا والإسكندرية، لكنني أعلم أن جميعكم رغم الألم اجتزتموها بفرح.. فرح مقابلة الرب الذي نقول عنه في الكتاب «إن الموت ربح» (في1: 21)، فمن يخاف الموت هو من لا يستعد للأبدية، فاستعدادنا الدائم للسماء يحفظ لنا سلامنا من جهة مواجهة الموت.. الذي به ننال الأكاليل والمجد السماوي. 2. مخاوف من السلطان الزمني: وهذه اجتازها قبلنا شعب الله تحت عبودية فرعون مصر، وكانت تشتد عليهم يده كلما طالبوا أن يخرجوا ليعبدوا الرب في البرية (سفر الخروج)، كما اجتازها أيضًا مردخاي بمكيدة هامان صاحب السلطان الزمني (سفر أستير)، لكننا نعلم كيف كان الصوم والصلاة هما مخرج شعب الرب دائمًا، فيده العزيزة كانت دائما تنجي من كل سلطان الملك. 3. مخاوف من قوى الشر: فالشيطان دائمًا كان يحارب شعب الرب من دور إلى دور. وهكذا عيّر جليات شعب الرب قديما، وهكذا خاف الشعب من دخول أرض الموعد بسبب العمالقة الساكنين فيها، لكننا في كل ذلك رأينا ان المقلاع الصغير بيد داود استطاع أن يهزم جليات، ومقلاعنا ليس سوى الصوم والصلاة، والثقة أن الله الذي وعدنا أن يدخلنا إلى راحته هو يقودنا في وجه عماليق. 4. مخاوف من معاناة الألم والمرض: فكثير من أبنائنا في الأحداث التي واجهتها الكنيسة أُصيبوا وعانوا آلام الجسد القاسية، ولكننا نعلم أن كل هذه الآلام تؤول إلى مجد، لأنهم حُسِبوا أهلًا أن يصيروا بين صفوف المعترفين، ولابد أن مجازاة الرب عظيمة لهم.. فها نحن قد سمعنا بصبر أيوب وعاقبة الرب قد رأيناها. 5. مخاوف من غموض المستقبل: في ظل هذه الأحداث قد يرى البعض المستقبل مظلمًا، لكننا نثق أن كل أيامنا هي في يد الرب وليست في يد إنسان، لذلك عندما تهاجمنا الأفكار لنجعلها موضوع صلاة وليس موضوع خوف، فحياتنا وحياة أولادنا هي في يده وحده، وهو قادر أن يحفظنا إلى التمام. نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
12 مايو 2020

لا تلمسيني

كان شهود القيامة في فجر الأحد كثيرين: المجدلية والمريمات والملائكة والتلاميذ والحراس ولكني أحب أن أحدثكم اليوم عن مريم المجدلية كانت المجدلية من قرية مجدل، وكانت تحب يسوع جدًا لأنه سبق وأخرج منها سبعة شياطين (مت16: 9)، و كانت تتبعه وتخدمه، وكانت تتصف بجمال المنظر، فيصوّرها المصورون جالسة تحت الصليب يميزها شعرها الطويل وفي الكتاب كانت مريم هي أول من تحرك والظلام باقٍ في فجر القيامة متجهة نحو قبر المخلص تحمل أطيابًا وحنوطًا لكي تضعها علي جسد الرب، وعندما وجدت القبر فارغًا والحجر قد دُحِر من على فمه، خافت فذهبت للتلاميذ وقالت «أخذوا السيد»، ولكن حبها دفعها أن تعود للقبر الفارغ، وهناك قابلها الرب يسوع وتحدث معها، أمّا هي فلم تعرفه وظنته البستاني، وبدأت تشكو له «إن كنتَ قد أخذته فقل لي لكي آتي وآخذه» (يو20: 15)، وعندها ناداها الرب باسمها وقال لها «يا مريم»، فعرفته وتقدمت نحوه لتقبل قدميه، فقال لها الرب جملته الشهيرة «لا تلمسيني» وقد ميزها الرب بأن صارت أول كارزة للعالم بقيامته، وهي الأولى التي حظت برؤية الرب في فجر أحد القيامة، وهي الوحيدة التي سمعت قول الرب «لا تلمسيني»، بينما سمح الرب لتوما أن يلمس جروحه عند ظهوره لتلاميذه في العلية فلماذا وجّه لها الرب هذه الكلمات القليلة؟ 1- «لا تلمسيني» كانت تأكيدًا للمجدلية عن حقيقة طبيعة الرب يسوع اللاهوتية، فهي كانت لا تزال تخاطبه كإنسان «يا سيد إن كنت قد أخذته». وفي هذا كان الرب يؤكد على حقيقة طبيعته اللاهوتية، فهو الإله الذي ليس للموت سلطان عليه، فيسوع خاطب تلاميذه مرارًا كثيرة أنه ينبغي أن يُسلَّم لأيدي البشر ويتألم ويُصلَب ويموت، ولكنه سيقوم في اليوم الثالث، فكان على المجدلية أن تتذكر وعد الرب لهم كإله أنه لابد قائم من بين الأموات، وهو في هذا كأنه كان يحدثها عن لاهوته، وكأنه يناديها إن كنتِ قد أتيتِ لإنسان ميت فيجب بحسب الشريعة ألّا تلمسيني لئلا تتنجسي، أما إن كنتِ قد أتيتِ للإله الذي وعد أن يغلب الموت فاعلمي أنه ليس للموت ولا للهاوية سلطان عليّ وكان كلمات الرب هذه دعوة لنا جميعًا أن نكون واثقين أن يسوع هو الإله الذي شاء بإرادته أن يتألم عنّا ويحمل عقاب خطايانا لينقذنا من الهلاك الأبدي ولهذا يشرح بعض المفسرين أن هذا الإيمان الراسخ أن يسوع هو الله المتجسد كان السبب في بقاء أمنا العذراء مريم في البيت، فهي لم تذهب للقبر لأنها كانت واثقة أن ابنها القدوس المولود منها لا يغلبه الموت، بل هو قد جاء لكي يخلص شعبه ويدوس الموت. 2- كان الرب يعلم جيدًا مقدار محبة المجدلية له، لكنه أراد أن يعلمها أنه قد حفظ لها رسالة خاصة، وكأنه يقول لها لا تنشغلي بي فإن عليكِ رسالة هامة أن تخبري إخوتي أنني قمت وأنني لم أصعد بعد، لكنني سأقابلهم في الجليل وفي هذه الكلمات كان الرب يعلن لمريم بشرى القيامة المفرحة، وأيضًا يعلن لها لأول مرة عن سر صعوده إلى السماء، فكانت كلمات الرب لها «لا تلمسيني لكن اذهبي » هي أول تكليف برسالة الكرازة بخلاص الرب الذي صنعه من اجل العالم، وفي هذا تكريم للمرأة في المسيحية، نعم! نحن لا نؤمن بكهنوت المرأة لاعتبارات كتابية وفسيولوجية ونفسية وجسدية تمنع المرأة من خدمة الكهنوت، لكن الرب قد أعطى المرأة كرامة خاصة، فاختار العذراء مريم أُمًّا له وصارت رأسا للقديسين، وأيضًا منح المجدلية أن تكون المرأة هي أول شاهدة بالقيامة. 3- أخيرًا كانت كلمة «لا تلمسيني» هي عتاب حب من الرب للمجدلية لأنها قد نسيت كلماته وتعليمه انه رغم الآلام فهو لابد أن يقوم في اليوم الثالث؛ فكثيرًا ما تجعلنا الآلام في غربة هذا العالم ننسى وعود الرب المعزية لنا، وكأن هذه الكلمات هي دعوة لنا أن نتذكر كلمة الرب في الكتاب المقدس، ووعوده لنا بالرعاية والعناية والحفظ، ونترجّى مجازاته في كل مرة نجتاز مرارة الألم في حياتنا وعندما نتذكر وعود الرب ونحفظها في قلوبنا فإننا نستطيع أن نلمسه حاضرًا معنا في كل ضيقاتنا لتكن كلمات الرب يسوع يوم قيامته للمجدلية هي دعوة لإيمان راسخ لا يهتز في شخص ربنا يسوع، ودعوة للشهادة للرب وسط العالم أنه إله حيّ قد كسر شوكة الموت عنا، وأخيرًا دعوة لتذكُّر الوعود الإلهية في أزمنة الضيق. وكل عام والكل في ملء بهجة القيامة. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
28 أبريل 2020

الخمسين المقدسة

في احتفالنا بالخمسين المقدسة، وهي تذكار الفترة التي قضاها الرب على الأرض بعد قيامته وقبل صعوده إلى السماء، نرى أن الرب قد سُرَّ أن يقضي فترة بين تلاميذه قبل أن يتركهم صاعدًا إلى السماء، وكان هذا جزءًا من تدبيره للخلاص. لماذا؟ ذلك لأن الرب في هذه الفترة كان يعلن لتلاميذه ولكنيسته من بعدهم حقيقة قيامته، ويوضّح كثيرًا من الحقائق في إيماننا المسيحي.وقد حرص الرب في هذه الفترة أن يظهر لتلاميذه مرات عديدة، يظهر بجسده المُمجَّد الذي قام به من الموت، فهو قد ظهر لتلاميذه إحدى عشرة مرة في مواقف مختلفة... وأخيرًا ظهر لشاول الطرسوسي المعاند لكنيسة الرب ليدعوه دعوة خاصة، ويصيّره بولس رسول الأمم (أع9).وفي ظهورات الرب العديدة لتلاميذه كان له قصد منها، فهو كان يوضّح مفاهيم هامة تخصّ الإيمان، منها حقيقة جسد القيامة ومجد هذا الجسد، فالرب في كل ظهوراته بعد القيامة كان يظهر بجسده المُمجَّد، الجسد الذي سنناله بعد الموت. والجسد المُمجَّد للسيد المسيح يعلن حقيقة قيامته ومجد لاهوته، فبهذا الجسد استطاع الرب أن يخرج من القبر والحجر موضوع ومختوم، واستطاع أن يدخل إلى العلّية والأبواب مُغلَّقة في مساء أحد القيامة. وبهذا الجسد صعد إلى السماء تاركًا الأرض يوم صعوده، فهو جسد ممجد يمكنه أن يبقى في المجد السماوي إلى وقت مجيئة الثاني. في هذا الجسد المُمجَّد احتفظ الرب بآثار آلامه، المسامير والحربة، لكي لا يدع هناك مجالًا للشك في قلب أيٍّ من تلاميذه ولا من المؤمنين فيما بعد. وبهذا الجسد الممجد شارك الرب تلاميذه الطعام بعد قيامته، لكي يؤكد لهم أنه هو هو، الإله المتجسد المصلوب القائم بجسده، ويؤكد لهم عربون القيامة الأخيرة.في قيامته وظهوره قصد الرب أيضًا أن يعلن غلبته على الموت، وبهذا يكون قد أكمل لنا الخلاص وأتمّ لنا الفداء الذي به حوّل لنا العقوبة إلى خلاص، لذلك نحن نسمّيه: "موته المحيي" ، فبقيامة الرب لم يعد للموت سلطان على كل المؤمنين باسمه، بل صارت لهم الحياة الجديدة.وبظهوراته أيضًا أراد الرب أن يمحو من ذاكرة تلاميذه كل الآلام والإحباطات، ويحوّلها إلى مشاعر فرح. وبظهوره كان يضمد جراحات تلاميذه، ويعلن تغاضيه عن كل ضعفاتهم التي أظهروها في فترة آلامه: فقد أعلن قبوله لبطرس الذي أنكره، ومسامحته للتلاميذ الذين هربوا خائفين تاركين الرب وحده. في ظهوره أيضًا كان يقصد أن يسند ويرد كل المتراجعين بضعف في الإيمان، فكان في الطريق مع تلميذي عمواس ليشدّد إيمانهم، وكان على شاطئ بحيرة طبرية ليجدّد دعوته للخدمة لتلاميذه الذين ظنّوا أنهم قد فقدوا دعوتهم الأولى.في ظهوره أيضًا كان الرب يوضح ويؤكد لتلاميذه على موضوع كرازتهم، فهو قد أرسلهم لا ليكرزوا بإله مصلوب من أجل خلاص العالم فقط، بل بإله مصلوب وقائم من بين الأموات، فالقيامة كانت هي موضوع الكرازة الذي نادي به التلاميذ لكل العالم.إنها فترة مجيدة.. أدعوك أن تلازم الكنيسة فيها.. ففيها كل الفرح والإيمان والحياة التي في الرب. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
21 أبريل 2020

بين آدم الأول... والمسيح المخلص (آدم الثاني)

دُوِّن الكتاب المقدس كله لكي يعلن عن محبة الله للبشرية وفدائه الذي أتمّه للإنسان. يتكلم العهد القديم عن السقوط وإعداد البشرية لمجيء الرب، بينما يتحدث العهد الجديد عن مجيء الرب يسوع وإتمام الخلاص بالصليب. ولذلك يظهر في العهد القديم خمسة أمور رئيسية كان الرب يعدّ البشرية من خلالها لاستقبال المخلص وهي: الوصايا، والنبوات (نسل المرآة يسحق رأس الحية)، والأحداث النبوية (كعبور البحر الأحمر والحيّة النحاسية)، والطقوس والذبائح (كذبيحة المحرقة وغيرها من الذبائح)، وأخيرًا الأشخاص الرمزيون وهي شخصيات كانت ترمز للرب يسوع في ناحية أو عدة نواحٍ، ومن أهم هذه الشخصيات كانت شخصية آدم.في قراءات عيد القيامة المجيد يُقرَأ فصل البولس من رسالة معلمنا بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح الخامس عشر، وفيه يقارن بولس الرسول بين أبينا الآول آدم وبين شخص الرب يسوع المخلص، وفي هذه المقارنة هناك عدة أوجه للشبه والخلاف نذكر منها:1) إن آدم والرب يسوع كلاهما قد جُرِّب من الشيطان، وكان مجال التجربة ينحصر في ثلاث نقاط هي: شهوة الطعام، وشهوة العيون، والكبرياء أو الرغبة أن يصير مثل الله. وهكذا جُرِّب الرب يسوع أيضًا بهذه الثلاث: شهوة الطعام (قل للحجارة أن تصير خبزًا)، وشهوة العيون (أعطيك ممالك العالم)، والكبرياء (اطرح نفسك لكي تصير مشهورًا). ولكن رغم أن كليهما جُرِّب، إلّا أن آدم الأول سقط بسبب عدم حفظه للوصية الإلهية، بينما انتصر الرب يسوع بذات السلاح، سلاح كلمة الله، أي الوصية.2) كان كلاهما حيًّا: كان آدم حيًّا بنفخة الله التي وضعها في أنفه، أمّا الرب يسوع فكان روحًا مُحيِيًا، لهذا كان قادرًا أن يهب الحياة من خلال روحه القدوس، لذلك تكلم مع السامرية قائلًا: «الماء الذي أنا أعطي يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية» (يو4: 14)، لذلك نصلي في الساعة الثالثة لكي يجدّد فينا الرب روحه المحيي.3) كلاهما صارت له عروس واحدة: آدم الاأول من جنبه خرجت حواء أم كل حي، ومن جنب الرب يسوع المخلص اقتنى لنفسه كنيسة مجيدة واحدة مقدسة رسولية إذ اشتراها بدمه الذي سال من جنبه، وصار هو رأسًا للكنيسة التي صارت جسدًا خاصًا به.4) آدم الأول أخطأ ولُعِنت الأرض بسبب خطيته بالشوك واللعنة، وأمّا يسوع فقد حمل في جسده آلام الشوك وآلام اللعنة (لأن المُعلَّق ملعون من الله).5) كلاهما حُكِم عليهما بالموت: بسقوط آدم الآول دخل حكم الموت إلى كل العالم، وحمل كل أبنائه نتائج الخطية. أمّا بموت الرب يسوع آدم الثاني، دخل الخلاص إلى كل العالم عندما قبل الابن الوحيد أن يحمل خطايانا في جسده على الصليب ليموت عنّا ويعفينا من نتائج خطية آدم الأول التي بسببها اجتاز الموت إلى الجميع.6) يسوع شارك آدم في حكم الموت، لكن آدم مات ولم يستطع أن يغلب، أمّا الرب يسوع فبسلطانه الشخصي استطاع أن يقيم ذاته بقوة لاهوته وحده، فقد بذل نفسه للموت باراداته «لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها»، ولم يستطيع الموت أن يمسكه «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية» (1كو15: 55).7) بخطية آدم الأول خرجت كل البشرية من جنة عدن، وبخلاص الرب يسوع على الصليب اجتازت الحياة إلى العالم كله لكل من يقبله مخلصًا وفاديًا.هكذا شابه آدم الثاني- الرب يسوع - آدم الأول في بعض النقاط، لكنه أيضًا خالفه في الكثير منها، لذلك اختارت الكنيسة لنا في قراءات عيد القيامة أن تضعهما في مقابله رائعة عندما تتلو لنا «صار آدم الأول نفسًا حيّة، وآدم الأخير روحًا مُحيِيًا... وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي» (1كو15: 45–49). نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
31 مارس 2020

محبة الله

مع بداية الصوم المقدس أحب أن أحدثكم عن محبة الله لنا، التي هي من جهة الله محبة غير محدودة وغير مشروطة، وأمّا من جهتنا فنحن فكثيرًا ما نجاوب بأننا نحب الله، وقد نظن أن تواجدنا المستمر في الكنيسة هو علامة هذه المحبة، وربما تريح هذه الفكرة ضمائرنا أمّا محبة الله الحقيقية فلها علامات تظهرها وتؤكدها لنختبر أنفسنا بها وهذه بعض العلامات:- 1- حفظ الوصية فيسوع نفسه علم تلاميذه «من يحبني يحفظ وصاياي» (يو14: 15)، فنحن عندما نقرأ الكتاب المقدس لا نقرأه من أجل المعرفة أو البركة فقط، ولكننا نقرأه لكي نعرف الوصية ونسلك فيها، فكل وصايا الكتاب هي منهج للحياة المسيحية، وحفظها عمليًا في حياتنا هو علامة محبتنا الحقيقية لله. ومن أجمل المزامير التي تتحدث عن حفظ الوصية هو مزمور 119 الذي نرتله يوميًا في صلاة نصف الليل. 2- العشرة مع الله: فمن يحب الله يحب أن يجلس دائمًا معه ويتحدث إليه، فالصلاة الدائمة ومحبة التسبيح ومحبة محال القديسين، والفكر المرتبط دائمًا بالله حتى وسط الانشغالات اليومية، ومحبة الأنشطة التي لها طابع روحي كلها أمور تعكس محبتنا لله أمّا الإنسان المتثقّل من عشرته مع الله، فغالبًا ما يهرب من التواجد معه. 3- حضور الرب الدائم في الحياة: محبة الله تجعلنا نستشعر دائمًا حضور الرب في كل مكان نذهب إليه، ومع كل شخص نقابله تجعلنا نحرص ألّا نصنع شيئًا يحزنه أو يغضبه. فمحبتنا لله تجعلنا نرفض الذهاب إلى الأماكن المعثرة، ونحرص ألّا ننطق بكلمة شريرة، لأننا نشعر أن الله حاضر معنا في كل وقت «جعلت الرب أمامي في كل حين، إنه عن يميني فلا أتزعزع» (مز16: 18). 4- شركة الروح القدس: والتمتع بشركة الروح القدس هو أحد علامات محبتنا لله، فالإنسان المحب لله يطلب معونة الروح القدس وإرشاده في كل خطوات حياته، في بيته وفي أعماله وفي معاملاته مع الآخرين وفي قراراته وخدماته وضيقاته وأفراحه الخ. وعلامة شركة الروح القدس هو شعور الإنسان بالسلام الدائم، أمّا الاضطراب فهو علامة غياب الروح القدس فينا، لذلك تصرفنا الكنيسة من كل خدماتها بالبركة المفرحة "محبة الله الآب، ونعمة الابن الوحيد، وشركة وموهبة وعطية الروح القدس، تكون مع جميعكم امضوا بسلام" لذلك لنسأل دائمًا معونة الروح القدس فيعطينا سلامًا وإرشادًا، ولنطلب دائمًا ألّا نسلك بحسب فكرنا الشخصي بل بحسب مشورة الله. 5- الخدمة: هي إحدى علامات محبة الله، فالرب يسوع تكلم مع معلمنا بطرس علي بحيرة طبرية قائلًا له: «يا سمعان بن يونا، أتحبني؟ ارعَ غنمي». فخدمة الآخرين هي علامة محبتنا لله. والخدمة بهذا المعني ليست نشاطًا لفئة معينة من المسيحيين لكنها صفة ترتبط بحياة كل المؤمنين. والخدمة ليست نوعًا واحدًا كما يرتبط بذهن البعض أن الخادم هو من يشارك في التعليم في الكنيسة، لكن الرب يسوع قد لخّص معنى الخدمة الواسع عندما تكلم عن نهاية العالم «كل ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم» (مت25: 40)، فكسرة الخبز خدمة، وكوب الماء خدمة، والثوب البسيط للعريان خدمة، ورد إخوتنا عن طرق العالم ودعوتهم للكنيسة خدمة، وتشجيعك لإنسان بائس أو مؤازرتك لشخص متضايق خدمة لذلك فليست الخدمة التي نقصدها هي الخدمات ذات البريق التي يسعي لها الكثيرون، بل لنقدم أبسط الخدمات دون أن نطلب مجدًا أو شهوة ظهور، ونحن نحتفظ في داخل قلوبنا بفكرة أننا تقدم خدمتنا لله شخصيًا.لتكن فترة الصوم المقدس فترة لنفحص فيها ذواتنا من الداخل، هل نحب الله بالحقيقة كما أحبنا؟ ولنراجع طرقنا. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
24 مارس 2020

اليقظة الروحية

ونحن على أبواب الصوم الأربعيني المقدس، تحضرنا كلمات معلمنا بولس الرسول في الأصحاح الثالث عشر من رسالته إلى أهل رومية مخاطبًا أبناءه المؤمنين «إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، لأن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنّا، قد تناهى الليل وتقارب النهار...». ومن كلمات الرسالة نستطيع أن نعلم أن معلمنا بولس كان يكلم أناسًا مؤمنين قد قبلوا الإيمان سابقًا، لأنه يقول: «خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا».. وبهذا نعلم أن الغفلة الروحية أمر قد يصيب الكثير من المؤمنين، وربما الخدام المرتبطين بالكنيسة ارتباطًا دائمًا.. لذلك مع بداية هذا الصوم نحتاج أن نراجع يقظتنا الروحية التي ربما تتراجع، فتفقدنا اهتمامنا بأبديتنا.. وهناك أسباب عدة تجعلنا نفقد يقظتنا الروحية، وهذه بعض منها..1) الانشغال الدائم.. سواء بالعمل، أو متابعة وسائل الإعلام، أو الانشغال بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة الذي قد يصل إلى حد الإدمان!! أو الانشغال الدائم بالاصدقاء، أو حتى الانشغال بعمل الخدمة دون إعطاء فرصة للنفس للهدوء والسكون أمام الله لنعرف أين نحن من الطريق؟ فالوقت الذي نمضيه أمام الرب في سكون ومراجعة للنفس. يساعدنا كثيرا علي اليقظة الروحية. «بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ» (إش30: 15).2) وجود خطايا محبوبة أو شهوات شخصية تجعلنا ننسى الله وننجرف في تيار الخطية، فنفقد يقظتنا الروحية، لذلك فكأولاد لله ينبغي ألا يتسلّط علينا شيء من الخطايا.3) العادات والهوايات: فالبعض ينشغل بمتابعة الكرة أو مشاهدة الدراما.. ورغم أن الهوايات في أحيان كثيرة لا تشكّل خطية في حد ذاتها، إلّا أن كونها بلا حدود ثابتة تجعلنا نفقد الاهتمام بروحياتنا، لذلك حسن أن يهتم الإنسان بهوايات تدفعه في الطريق الروحي كقراءة سير القديسين وسماع قصص جهادهم.4) البيئة المحيطة: فالإنسان الذي يرتبط بأصدقاء غير روحيين تجعل الإنسان يفقد شهوته في الوصول إلى السماء، ومع الوقت يفقد يقظته الروحية.5) عدم الاهتمام بضبط الحواس.. فالحواس هي مداخل الإنسان، والإنسان الذي يهمل السيطرة على حواسه تدخل إليه الخطية ويفقد يقظته الروحية.وكما أن هناك أسبابًا تفقدنا اليقظة، هناك أمور تساعدنا أن نبقى في حالة يقظة مستمرة..أ) التامل في محبة الله.. فالإنسان الذي يعرف كم أحبه الرب يراجع نفسه باستمرار، وهذه المحبة تدفعه أن يبقى يقظًا وحريصًا ألّا يحزن قلب الرب.ب) تذكر ما تصنعه الخطية فينا، فالخطية تغرّبنا عن الآب السماوي، كما فعلت بالابن الضال.جـ) الحزم الروحي يحفظ لنا يقظتنا.. فتأديبات ونظام الكنيسة الروحي يشجع أبناءها على اليقظة الدائمة.. فمثلًا منع الكنيسة الموعوظين من حضور قداس المؤمنين والاشتراك في التناول، كان حافزًا قويًا للموعوظين لكي يتوبوا ويعتمدوا ليشتركوا في مائدة الرب.د) الاستفادة من فترات الضيق.. لاكتشاف النفس، والحرص على النقاوة الروحية، فهزيمة الشعب أمام قرية عاي كانت سببًا في فحص الشعب واكتشاف خطية عخان بن كرمي (يش7).ه) الطاعة للمرشدين الروحيين: وتاريخ الكنيسة مليء بسير قديسين وقديسات تابوا بسبب كلمات الآباء الروحيين المهتمين بخلاصهم كالقديس أغسطينوس.. فالنصيحة الروحية تحفظنا يقظين على الدوام.و) وسائط النعمة تجعلنا دائمًا في حالة يقظة روحية.ز) تذكّر الرحيل ولحظات وداع الأحباء الراحلين تجعلنا نهتم بأبديتنا ونستعد لها.حـ) الحرص من الأخطاء المصيرية.. فهناك خطايا نفقدنا كل المستقبل كخطية حنانيا وسفيرة (أع5: 1-11).ط) زيارات النعمة: تحفظنا في حالة يقظة دائمة، فهكذا كانت توبة أغسطينوس وموسى الأسود، بسبب عمل نعمة الله فيهم.. لذلك لنكن يقظين ونقبل زيارات النعمة لحياتنا لكي نحتفظ بيقظتنا الروحية دائمًا. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل