المقالات
30 مارس 2024
إنجيل عشية الأحد الثالث من الصوم الكبير (مت ۱۵ : ۱۰ - ۲۰ )
" ثمَّ دَعَا الجَمعَ وقالَ لَهُمُ : اسمعوا وافهموا . "ليس ما يدخُلُ الفَمَ يُنَجِّسُ الإنسان، بل ما يَخْرُجُ مِنَ الفَمِ هذا يُنَجِّسُ الإنسان. " حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له: أتَعلَمُ أَنَّ الفَرِّيسيّينَ لَمّا سمعوا القَوْلَ نَفَروا ؟. فأجاب وقال: كُلُّ غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلَع . اتركوهُمْ هُم عُميانٌ قادَةُ عُميان. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يقودُ أعْمَى يَسقُطانِ كِلاهُما في حُفْرَةٍ. فَأَجابَ بُطرس وقال له : فسر لنا هذا المثل. فقال يسوعُ: هل أنتُم أيضًا حتى الآنَ غَيْرُ فاهمين ؟ " ألا تفهمونَ بَعدُ أنَّ كُلَّ ما يَدْخُلُ الفَمَ يَمضي إلَى الجَوْفِ وَيَنْدَفِعُ إلى المَخرَج ؟ " وأما ما يَخْرُجُ مِنَ الفَمِ فَمِنَ القَلبِ يصدر، وذاك يُنَجِّسُ الإنسان، الأنْ مِنَ القلب تخرج أفكار شِرِّيرَةٌ : قَتل، زنى، فسق، سِرقَةٌ، شَهادَةُ زور، تجديف. هذه هي التي تُنَجِّسُ الإنسان. وأما الأكل بأيدٍ غير مغسولة فلا يُنَجِّسُ الإنسان ".
عشية أحد الابن الضال:
اختار الآباء معلمو الكنيسة هذا الفصل من الإنجيل ليقرأ في عشية الأحد الثالث تمهيدًا لإنجيل القداس... فقد بكت الرب الكتبة والفريسيين الذين داسوا الوصية "أكرم أباك وأمك" وأبطلوها بفتوى أنه ممكن للإنسان أن يتبرع بقيمة ما يعطيه لأبيه يتبرع به للهيكل ويتحلل من أن يعول أباه وأمه أو يكرمهما .وهكذا أعاد الرب - واضع الوصية - أعاد هيبتها ومفعولها الذي يجب أن يكون لها ككلمة الله. والواقع أن رباط البنوة والأبوة هو غاية قصد المسيح، فإما طاعة وخضوع للأب أو خروج عن الطاعة.على أن فهم هذه العلاقة فهما صحيحًا والدخول إلى سرها تتوقف عليه الحياة كلها فكل منا ابن لأبيه وقد مارسنا حياة البنوة وعشناها والذين صاروا أباء لأبناء أدركوا ما هي
الأبوة فمن جهة البنوة فكل إنسان مارسها نحو أبيه فيعرف ما عليه كابن وكيف يُرضي الرب والعجيب جدًا أن هذا الرباط لا يمكن وصفه بالكلام ولا باللسان هل يستطيع أحد أن يعبر عما في قلبه نحو أبيه أو يصف ما يربطه مع أبيه من مشاعر ؟ يستحيل، لأن الشعور الحقيقي للابن أن أباه هو مصدر حياته، لقد أخذ حياته ووجوده في العالم من أبيه، فهو الأصل كلمة أب كلمة سريانية معناها أصل فالابن مرتبط بأبيه برباط حياة حياة من حياة فهي ليست علاقة رئيس بمرؤوس، أو سيد وعبد أو مدير وموظف، إنها صلة أب بابن لذلك ما يعمله الابن الحكيم الخاضع لأبيه لا يعمله حبًا في أجر، حاشا، فالابن يعمل مسرة أبيه ولا يطمع في أجر أو ثواب لأن كل ما للآب له إنه ابنه ولا يعمل إرادة أبيه خوفا من عقاب فهذا شأن العبيد بل كل مسرة الابن تكمن في تكميل مشيئة أبيه وحفظ كلامه لا توجد راحة للابن الفطن إذا كسر كلمة أبيه أو خالف وصيته نفسه تصيرفي حزن لا ترتاح حتى يكمل مشيئة أبيه أكرم أباك وأمك هى أول وصية بوعد" هكذا يطلب منا الرب نحو آباء أجسادنا فكم بالحري أبوكم الذي في السموات لقد قالها الرب في القديم: "إن كنت أبا فأين مهابتي".
وصايا الآب ليست ثقيلة:
الآباء الخطاة يعرفون أن يعطوا أولادهم عطايا جيدة فكم بالحري الآب السماوي لا يوجد أب في الوجود يوصي أولاده وصايا تضر بمصلحتهم أو توذيهم أو تكون ثقيلة عليهم إن كل وصايا الإنجيل هي كلمات الأب لأبنائه تحوي كل الحب وكل النصح للحياة كلها في مصلحتنا وكلها لراحتنا وحفظنا لا توجد وصية ثقيلة وصاياه ليست ثقيلة نير المسيح هين هلم نأخذ الإنجيل بفهم إنه كلام الأب لابنه من يرفض كلمة أبيه ووصاياه ويترك بيته لا يجني سوى التعب والهم والضياع وحتى خرنوب الخنازير لا يجده أكرم أباك بحفظ وصاياه أكرم الرب من كل قلبك لأنه يعرف مكنونات قلبك لا حياة ولا راحة ولا سلام لك بعيدًا عن حضن أبيك ولا شبع لنفسك بعيدًا عن مائدة غنى المسيح الرجوع والتوبة معناها أن الإنسان عاد إلى طاعة أبيه بعد زمن جهالة وعصيان وعرف أن وصايا أبيه ليس كما ظن أنها قيود وعبودية إن عقوبة عدم إكرام الرب كانت الموت بدون رحمة "من شتم أبا أو أما موتًا يموت كانت ترجمة كل الجماعة إن كان ابنا معتنفًا لا يكرم أباه.فماذا نقول عن من يهين الآب السماوي ولا يكرمه في حياته، بل يكسر وصاياه ويستهين بحبه ولا يعمل له حسابًا في حياته؟ تُرى ماذا يكون لمن يحتقر حب الآب السماوي ويخرج عن طاعته ويطلب أن يحيا لذاته في كورة بعيدة وتحلو له حياة الخطايا وماذا نقول عن الذين يكرمونه بشفتيهم كقول إشعياء وقلبهم مبتعد عنه بعيدًا وماذا عن الذين يحفظون كلام الناس ويعملون حسابًا للناس ولكنهم داسوا وصاياه ولكن على كل حال قلب الآب نحونا وحنانه الإلهي يغلب تجبرنا ويجذبنا من كل الكورة البعيدة هو ينظر وينتظر رجوعنا، ففرحه برجوعنا لا يوصف عيناه ترقبان خطانا ونحن نقترب إليه وينتظر اللحظة التي فيها سيركض لاستقبالنا ويضمنا مرة أخرى إلى صدره ليشفي ارتدادنا ويخلع عنا ثوب نجاساتنا ليلبسنا الحلة الأولى فهل نرجع إليه؟ ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان"كثيراً ما يقول البعض كلمة المسيح هذه عن الصوم ولكن لم يكن حديث الرب عن الصوم بل عن الأكل بأيدي غير مغسولة وكان الفريسيون يعترضون أن تلاميذ الرب يأكلون دون أن يغسلون أيديهم وهم بذلك يكسرون تقليد الشيوخ فغار الكتبة والفريسيون على كسر تقليد الشيوخ بينما أصابتهم البلادة حينما كسرت وصايا الله وهذا ما نفعله كثيرًا حينما تغار على أشياء كثيرة أصبحت ذات اهتمام كبير في حياتنا بينما لا نحرك ساكنا حينما نكسر وصايا المسيح أو نتهاون لا تغار على الفضيلة بقدر غيرتنا على بعض عاداتنا أو تقاليدنا أو العرف السائد بين الناس لتكن وصية المسيح هي الشغل الشاغل، وهى تأتي دائمًا قبل كل شيء وأول الاهتمامات ولكن حين تحيز الكتبة والفريسيون وتعصبوا للتقاليد التافهة أكثر مما انحازوا لوصايا الله أصابهم عمى القلب وفقدوا التمييز لذلك قال الرب عنهم: "هم عميان قادة عميان" لقد أغمضوا عيونهم عن الحق وقادوا الناس بعيدًا جدا حتى أسقطوهم في حفرة الهلاك.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
23 مارس 2024
إنجيل عشية الأحد الثاني من الصوم الكبير( مر ۱ : ١٢ - ١٥ )
وللوقت أخرَجَهُ الرّوحُ إِلَى البَرِّيَّةِ، " وكان هناك في البَرِّيَّةِ أربعين يومًا يُجَرَّبُ مِنَ الشَّيطان وكان مع الوحوش. وصارَتِ المَلائِكَةُ تَخدِمُهُ وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله " ويقول قد كمَلَ الزَّمانُ واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل ".
التجربة على الجبل:
الأحد الثاني هو أحد التجربة بحسب ما رتب آباء الكنيسة، وفيه يُقرأ إنجيل التجربة على الجبل، لما صام المسيح عنا أربعين نهارًا وأربعين ليلة وقد أورد الإنجيليون مار متى ومار لوقا عينات من هذه التجارب - تجربة الخبز، وتجربة مجد العالم وتجربة إلقاء المسيح نفسه من على جناح الهيكل - وقد صرعه المسيح في كل تجاربه وكسر شوكته عنا واستخلص لنا بصومه المقدس نصرة على جميع سهام
الشرير الملتهبة نارًا ولكن إنجيل العشية بحسب ما كتبه القديس مرقس البشير قد اختزل تجربة المسيح وأوردها في آية واحدة: "أن الروح أخرجه إلى البرية ليُجرّب من إبليس أربعين يوما وكان مع الوحوش وكانت الملائكة تخدمه".وإذ أحجم مارمرقس عن أن يدخلنا إلى تفاصيل التجارب وطبيعتها وهو يكتب بالروح القدس فهذا معناه أن الأمر يفوق حدود العقل والإدراك البشري، فالعدو رئيس هذا العالم هو روح الظلمة الكذاب وأبو الكذاب المعاند والمقاوم لله، شرس غاية الشراسة وقد كان من البدء قتالاً للناس فبأي كيفية حارب القدوس وإلى أي مدى كانت هذه الحرب وتلك التجارب وما هي طبيعتها وما هى أعماقها، فهذه أمور تعلو إدراكنا وتتجاوز معرفتنا الضعيفة.ولكن لأن المسيح صام عنا ومن أجلنا، ولم يفعل شيئًا إلا لحسابنا فبكل تأكيد أن ما خرج به المسيح منتصرا على كل تجارب العدو كان لحسابنا بل أعطاه المسيح لنا وأجزل لنا العطاء . ونحن نقترب إلى ما سجّله مارمرقس نلمس فيه نصيبنا لأن المسيح وهو متحد بطبيعتنا البشرية، صام بها
وحارب بها وانتصر بها لحسابنا ومن أجلنا.
أولاً : فإن قيل إن الروح اقتاده فاعلم أنه قد تسجل لنا هذا ميرانا في المسيح، وقد تم هذا بعد المعمودية مباشرة حين جاء صوت الآب من السماء شاهدًا "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت"، وحين حل الروح عليه بهيئة جسمية كاملة بشكل حمامة. فصار فيما بعد أن الذين ينقادون بروح الله،فأولئك هم أبناء الله.فبدءًا بمعموديتنا حين يُنادى أننا صرنا أولاد الله وحين نقبل نعمة البنوة إذ نتحد مع المسيح بشبه موته وننال نعمة الروح المعزي الحال فينا والساكن فينا حينئذ يتسلم الروح القدس قيادتنا.فالذي يقتاد بروح الله فقد ختم أن الله أبوه وهو ابن الله. الروح هو الذي يرشد إلى جميع الحق، يُعلم وينصح ويعزي ويشفع فينا بأنات لا ينطق بها ويأخذ مما للمسيح ويعطينا ويذكرنا بكل ما قاله السيد، وهو يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة، ويفحص كل شيء حتى أعماق الله. فإن كان الإنسان ينقاد بالروح في العمل والكلام ويسلك بالروح ولا يطفئ الروح ولا يحزن الروح، ويكون مراضيًا للروح مادام في طريق الحياة يسلك. يصير الإنسان محمولاً منقادًا بروح الله وحسبما يسير الروح يسير.
ثانيا : وهنا تأتي التجارب ويتقدم المجرب لأن التجارب في حياة أولاد الله حتمية ولا مفر لأن العدو متربص ويوم أن ننحاز إلى المسيح فقد أعلنا الحرب عليه. إن بداية معموديتنا أننا جحدنا الشيطان وكل قواته الشريرة وكل نجاساته وكل حيله الردية والمضلة.فبعد أن خرج الشعب مع موسى من أرض العبودية واعتمدوا جميعهم في البحر الأحمر صارت الحرب مع عماليق. فالحرب بعد أن استعلن المسيح ابن الله بصوت الآب وحلول الروح صارت الحرب والتجارب وانتصب المجرب للصراع. إذن التجربة نتيجة طبيعية لالتصاقنا بالمسيح واتحادنا معه ودخولنا إلى شركة معه وفيه بالروح القدس. لم تخل حياة أحد من القديسين على مر العصور من التجارب، فتش في حياة القديسين جميعًا، هل خلت حياة أحدهم من التجارب ؟ جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون". فالرسل الأطهار كم قاسوا من التجارب والتشريد والحبس والسجون والاضطهادات والضيقات والأحزان شيء مهول ولكن في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. وهكذا الشهداء والأبرار الصديقون والنساك سكان البراري ورجال الإيمان والآباء ، كم قاسوا وحملوا الصليب وتجربوا وطافوا معتازين مذلين مكروهين من العالم مجربين. ولكن الذي يحلو لنا أن نتفكر فيه أن النصرة في المسيح وبالمسيح شيء أكيد لا يقرب منه الشك.فالمسيح سحق الشيطان وأذل فخره، ورجع الشيطان مكسورًا مهانًا مذلولاً خائبًا. فالتمسك بالمسيح والحياة فيه، يزكي فينا الشعور بالنصرة ووعد المسيح قائم أنه أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو الشرير وهكذا ندرك أنه مهما طالت التجارب وتنوعت ومهما بدا أن الشيطان متقو علينا ولكن الغلبة النهائية هي لحساب المسيح. وما بناه الشيطان في سنين وسنين يهدمه المسيح بكلمة، لأن ابن الله قد جاء لكي ينقض أعمال
إبليس.وهكذا يدخل أبناء الله التجارب وهم حاملون للنصرة في داخلهم كتلميذ يدخل الامتحان ونتيجة الامتحان والفوز في جيبه. "ثقوا أنا قد غلبت العالم"، وخرج غالبًا ولكي يغلب". وهذا الشعور في القديسين هو الذي قادهم إلى الاتضاع الحقيقي، لأنهم أدركوا أن النصرة ليست بقوتهم ولا بذراع البشر، ولا اعتمدوا على عملهم ولا على قدرتهم بل على الله وحده. فكان إذا انتصروا على الشيطان وأذلوا فخره، كانوا يزدادون اتضاعا وإنكارًا لذواتهم ويزدادون ثقة في الذي يقويهم "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني"، أنا ما أنا ولكن نعمة الله التي معي".
ثالثًا: كان مع الوحوش.
في الواقع أن المسيح استعاد لنا صورتنا الأولى ومجدنا الأول وأعادنا إلى الفردوس حيث كانت الوحوش أليفة صديقة للإنسان من غير أذى فلما سقطنا من رتبتنا صارت العدواة واستعلن الطبع الوحشي في حيوانات البرية فإن كان بالفعل قد استؤنست الوحوش وخضعت للقديسين في المسيح، مثل ما نرى في أيقونة مارمرقس وكيف أن الأسد تحت رجليه، والقديس بولس الرسول نفض وحش الثعبان في النار ولم يتأذ بشيء ، والقديس برسوم العريان عـاش مـع ثعبان كبير، والبابا زخارياس لما ألقى للسباع لم توذه مثل دانيال في جب الأسود هذا هو زمن المسيح يرعى الأسد مع الخروف وهذا هو قول المسيح: "أرسلكم كحملان في وسط ذئاب" في المسيح يسوع، وفي صوم المسيح عنا، تذلل الطبع الوحشي على أن ليس المسيحي هو الذي يخضع وحوش الأرض مثل مروّضي الوحوش، بل هناك في إنساننا العتيق ما يماثل الوحوش في طباعها مثل الغضب، والاحتداد والعنف، والانتقام، والشراسة، والمكر ، والخبث ومحبة الزني والأنانية كلها طباع حيوانية وحشية ويمكننا بالمسيح وبشركة صومه أن نصير مع الوحوش بغير أذى لقد تذلل الطبع الوحشي، فلم تعد هذه الطبائع الوحشية تسود علينا، بل على العكس صرنا بالروح تميت أعمال الجسد ونخضع أجسادنا ونستعبدها كقول الرسول.
رابعا : صارت الملائكة تخدمه.
صوم المسيح أدخلنا إلى هذه الشركة الروحية مع الملائكة صارت الملائكة بالنسبة لنا أرواحا خادمة للعتيدين أن يرثوا الخلاص.صحبة الملائكة في الصوم هى الحياة السماوية بكل ما تعني. كأن الإنسان الصائم مع المسيح برغم التجارب الكائنة يشعر أنه يحيا حياة ملائكية سماوية. ويحيا معانا من القوات السماوية، مثلما أعان الملاك إيليا النبي حينما صام أربعين نهارًا فقد أيقظه من نومه وأطعمه، فسار بقوة هذه الأكلة أربعين يوما إنها أسرار مخفية عن الحكماء ولكنها تعلن للبسطاء وأنقياء القلب.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
16 مارس 2024
إنجيل عشية الأحد الأول من الصوم الكبير( مت ٦ : ٣٤ ، ٧ : ١ - ١٢ )
"فلا تهتموا للغد، لأنَّ الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليومَ شَرُّهُ الا تدينوا لكي لا تدانوا ، لأنَّكُم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلونَ يُكال لكُمْ. ولماذا تنظُرُ القَذى الذي في عين أخيك، وأما الخَشَبَةُ التي في عَيْنِكَ فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك : دعني أخرج القَدَى مِنْ عَيْنِكَ، وها الخَشَبَةُ في عينِكَ؟ يا مُرائي، أخرج أَوَّلاً الخَشَبَةَ مِنْ عَيْنكَ، وحينئذ تُبْصِرُ جَيِّدًا أنْ تُخرِجَ القَدَى مِنْ عَينٍ أَخِيكَ! لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها وتلتَفِتْ فَتُمَزَّقَكُمْ. اسألوا تُعطوا . اطلبوا تجدوا . اقرعوا يُفتح لكم. الأنَّ كُلَّ مَنْ يَسأَلُ يَأخُذُ، ومَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفتَحُ لَهُ. أم أي إنسانٍ مِنكُمْ إِذا سألهُ ابنُهُ خُبزًا يُعطيهِ حَجَرًا ؟ وإِن سألهُ سَمَكَةً، يُعطيهِ حَيَّةً؟ " فَإِنْ كُنتُم وأنتم أشرار تعرفون أن تُعطوا أولادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فكم بالحري أبوكم الذي في السماواتِ، يَهَبُ خَيرات للذين يسألونه! " فكُلُّ ما تُريدُونَ أَنْ يَفْعَلَ الناسُ بكُمُ افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء ".
الصوم المقبول:
عشية الأحد الأول من الصوم الكبير بعد أسبوع الاستعداد تضع في الواقع برنامج الصوم وهدفه الأسمى، كاشتراك مع المسيح الذي صام عنا أربعين نهارًا وأربعين ليلة.
وإن سألت ما هو المنهج والبرنامج الذي يجب أن أتبعه وما هو مطلوب مني لكي أقدم للرب صوما مقبولاً يختاره الرب ويرضى عنه، لأن الصوم ليس هو صوم الطعام والانقطاع عنه، فلو كان كذلك لأصبح عملاً جسديًا فحسب، وليس الصوم هو عادة ورثناها من الآباء وتقاليد نمارسها ومواسم نعيشها بل في الواقع إذا خلا الصوم من الهدف الذي جعل من أجله فإنه يفقد معناه تمامًا، ويصير عبئًا على الجسد يود الإنسان لو لم يصم أو على الأكثر يشتهي أن ينتهي الصوم أو يتحايل الإنسان عليه بطرق التحايل الكثيرة لذلك فإن نما فينا الوعي الروحي واستوعبنا ما عاشته الكنيسة المقدسة وما وضعه الآباء بالروح لأجلنا لجنينا ثمار الصوم المقدس ولأزهرت أرواحنا في موسم ربيع الحياة الروحية.وفصل الإنجيل هو جزء من الموعظة على الجبل الذي هو دستور المسيحيين، يبدأ بعدم الهم والاضطراب من أجل الغد، وهذا هو الجانب السلبي أما الإيجابي فهو الاتكال على الله الذي هو رب الغد ومدبر الغد. لأن مستقبلنا هو في المسيح وشتان بين الهم والاهتمام والتدبير فالهم هو الاضطراب والخوف والقلق واليأس وهذا يلغي كل النواحي الطيبة من الإيمان بالله والثقة فيه والاتكال عليه وإلقاء الهم كله على الله هو الذي خلقنا، وهو الذي عالنا ويعولنا وفي يده مقاليد الأمور ، ومواعيده صادقة وأمينة
وكلمته أثبت من السماء والأرض.أما الاهتمام والتدبير فأمر ممدوح حين يدبر الإنسان أموره بدون قلق ملقيًا كل همه على الله واثقًا أنه "إن لم يَبْنِ الرب البيت فباطلاً تعب البناؤون فالإنسان المدبر، يستلهم روح حكمة في التدبير بالصلاة الكثيرة وطلب مشورة الله ويعمل أموره بلا ارتباك ولا اضطراب بل قلبه ثابت متكل على الله. هذه هى نقطة بداية للإنسان الصائم الذي كف ولو إلى حين عن أن يستمد حياته من طعام الجسد بل هو يحاول أن يحيا حياة لا تتكل على طعام الجسد بل يستمد قوته من الروح الذي فيه فهى ارتفاع عن مطالب الجسد ليس احتقارًا للجسد، ولكن انحيازا للروح لاختبار ما هو
روحي وما يخص مستقبلنا في المسيح يسوع حين نخلع جسد هذا الموت.ثم تأتي بعد ذلك وصايا السلوك المسيحي التي تقود للكمال إن كان الإنسان في صومه يجاهد لحفظها.
عدم دينونة الآخرين - لا تدينوا
وليس الأمر سهلاً ، ولكن كما قال الرب: باب ضيق وطريق كربة أن يغض الإنسان نظره عن الآخرين ويكف عن دينونتهم. وهذا يتطلب قلبًا نقيًا لا يرى العيوب في الآخرين ويحتاج إلى حب صادق لأن الذي يحب لا يدين مطلقا فالنظر إلى القذى في عين الأخ ومحاولة إخراجه كمن يعمل خيرًا بالقريب، يحتاج نزع الخشبة التي في عيننا أولاً وهذا هو الاهتمام الأول في الصوم، أعني التوبة والرجوع إلى الله وطلب المراحم من أجل خطايانا الكثيرة كل ألحان الصوم الكبير وقراءاته مركزة حول التوبة والندم والرجوع إلى الله من كل القلب أما من جهة علاج الدينونة فالمسيح في نهاية حديثه يقول: "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم بهم هكذا لأن هذا هو الناموس والأنبياء. فإن أردت أن تتخلص من مرض الدينونة للآخرين ضع نفسك مكان من تدينه وسل نفسك كيف تريد أن ينظر إليك الناس وكيف يعاملونك لو كنت أنت مكان الخاطئ الذي تدين أعماله وتصرفاته!!. فإن كنت أنا أكرز ألا يسرق، وإن سقط أحد في هذه الرذيلة فإني أحكم عليه، فماذا لو سقطت أنا في ذات الخطية وضبطت متلبسًا بها ؟ ألا أريد أن يعاملني الناس برحمة ويلتمسوا لي عذرًا أو يسامحوني، ويقبلون ما أقول لتبرير نفسي، كل ذلك أريده إذا كنت أنا الخاطئ، فإن كنت أريد ذلك فلأفعله مع أخي بالتمام والكمال وإن صنعت ذلك فلن أدين أحدًا ، وأنجو من دينونة الديان الذي قال "لا تدينوا لكي لا تدانوا".
الرياء :
في منهج الصوم كما رسمه المسيح أن يكف الإنسان عن الرياء وطلب مجد الناس فحين يصوم يغسل وجهه ويدهن رأسه ولا يظهر للناس صائمًا ، بل يخفي صومه عن الناس ولا يسلك بوجهين ولا يكون ذا لسانين، فالذي يدين أخاه وهو في نفس الوقت خاطئ يحتاج إلى إصلاح نفسه يدعوه الرب مُرائيًا يا مرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك". هذا هو سلوك الرياء. فالرب وضع في المنهج أن لا يسلك الإنسان مرائيا ... بل يكون متضعًا وصريحا مع نفسه في إصلاح سيرته.
اسألوا تعطوا :
يكثر السؤال والصلاة في الصوم، والرب مستعد دائما أن يعطي بل هو مصدر العطاء والخير ، ولا يمنع الإنسان من الأخذ إلا نفسه. ولا يحرم الإنسان من التمتع بعطايا المسيح إلا ذاته، لأن وعد المسيح أن كل من يسأل يأخذ وكل من يطلب يجد وكل من يقرع يُفتح له" والقديس يعقوب الرسول يُعلّق على هذا القول بقوله: "لكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة لأن الذي ليس عنده إيمان لا يظن أنه ينال شيئًا من قبل الرب". ويطلب بحسب مشيئة الله ومسرته لأن الإنسان كثيرًا ما يطلب رديا لكي يخدم حاجات الجسد وينفق في شهواته. ويطلب ملكوت الله قائلاً: ليأت ملكوتك لأن طالب ملكوت الله لابد أن يناله ويحيا به وفيه. ويثق أن الله يسمعنا حال طلبنا ويميل أذنه نحو سؤالنا وهو يعطينا أكثر مما نسأل أو نفهم. أما وقت الاستجابة فليس لنا، لأنه يعرف ما نحتاج إليه قبل أن نسأل ويعرف ما هو نافع ومتى يصير لنا لذلك تأخرت كثيرا استجابة الصلوات، هذا في نظر الناس أم الله فيعرف كيف يكون الشيء حسن في أوانه الخاص مثل ولادة إسحق وولادة يوحنا المعمدان. أما ما يثبت صدق مواعيد الله في استجابة طلبتنا ويرسخ في ذهننا أن لابد أن يعطينا فهو ما أوضحه المسيح أن الله أبونا وهذه النعمة التي صارت لنا في شخص يسوع أن صرنا أولاد الله، لأن كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله ولكي يُثبت المسيح هذا التعليم بل هذا الواقع الذي صرنا إليه بإيماننا بالمسيح توسط بأمثال كيف أن آباء الجسد يعطون أولادهم عطايا جيدة رغم كونهم خطاة فكم بالحري أبونا السماوي غير الخاطئ وكلي الصلاح يعطي الخيرات للذين يسألونه فنحن نسأل أبانا ومن هذا المنطلق نعرف أنه يعطينا من فيض أبوته كل ما هو نافع لنا للحياة والتقوى لخلاص نفوسنا، ولكن قمة عطايا الآب لنا هي أنه أعطانا روحه ساكنا فينا وأنعم علينا بنعمة البنوة،انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى تدعى أولاد الله.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
09 مارس 2024
إنجيل عشية أحد رفاع الصوم الكبير( مر ١١ : ٢٢ - ٢٦ )
" فأجاب يسوع وقال لهم : ليكُنْ لَكُمْ إِيمان بالله.لأني الحَقِّ أقولُ لَكُمْ إِنَّ مَنْ قَالَ لهذا الجَبَلِ انتَقِلْ بل يؤمِنُ
وانطرح في البحر! ولا يشك في قلبه،أنَّ ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له لذلك أقولُ لَكُمْ كُلُّ ما تطلبونَهُ حِينَما تُصَلُّونَ، فآمنوا أن تنالوه، فيكون لكُم.ومتى وقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شيء، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أيضًا أبوكم الذي في السماوات زلاتِكُمْ " وإن لم تغفروا أنتُمْ لا يَغْفِرْ أبوكُمُ الذي في السماواتِ أيضًا زَلَّاتِكُمْ ".
إنجيل باكر أحد الرفاع: (لو ١٧: ٣ - ٦)
اعتاد الآباء أن يسموا الأسبوع الأول من الصوم الكبير المقدس بأسبوع الاستعداد للدخول الحقيقي إلى حياة الصوم وروح الصوم وكان الاستعداد للصوم حسبما عاشوا هو تنقية الجو المحيط بهم من كل ما لا يناسب الصوم وبصفة خاصة الوجود في سلام مع كل أحد وتصفية أي نوع من الخلافات بين الإخوة أعني أن هذا الأسبوع كان يُصام لحساب المحبة الأخوية وتوطيد العلاقات ونبذ كل خلاف أو خصام أو قطيعة الخ، لأنه من المعروف جدًا أنه إذا صام الإنسان وهو في حال خصام أو عدم سلام قلبي مع إخوته فإن صومه يكون كمن يجمع إلى كيس مثقوب.
ألم يقل الرب إذا قدمت قربانك على المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك اترك قربانك واذهب أولاً واصطلح مع أخيك"فقد جعل الرب الصلح مع الأخ والأقربين أفضل من تقديم القرابين، بل وبدونه لا تُقبل قرابين لذلك وضع الآباء فصل إنجيل عشية هذا اليوم كلمات الرب الصارخةوالصريحة من نحو السلام الكامل والمحبة الأخوية وقد مارست الكنيسة عمليًا هذا الكلام منذ الجيل الأول في خدمة الافخارستيا إذ تصير القبلات المقدسة والمحبة هي موضوع الصلاة وموضوع الممارسة حين نقبل بعضنا بعض بقلب طاهر وضمير صالح قبل أن نتقدم إلى شركة التناول من جسد ودم ابن الله إذ نصير مستحقين لتحقيق هذه النعمة فينا بسبب محبتنا بعضنا لبعض التي هي علامة مسيحيتنا وعنوان تبعيتنا للمسيح بهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي إن كان لبعضكم حب بعض"نعود إلى كلمات الرب إن أخطأ إليك أخوك وتاب فاغفر له وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم ورجع إليك سبع مرات في اليوم قائلاً أنا تائب فاغفر له هذا القبول للإخوة يرتكز على الروح الذي فينا روح المسيح غافر الخطايا ويرجع إلى تمتع الإنسان نفسه بنعمة غفران الخطايا وإدراكه الحقيقي لقيمة هذه النعمة فإن تمتع بها يستطيع أن يعطيها أيضًا إذ يصير سريع الصفح وكثير الغفران مدركًا تمامًا أنه بمقدار ما يغفر يُغفر له، وبقدر ما يتسع قلبه لأخيه يقبل من الرب أضعاف قبول والكلام هنا كثير كرره ربنا يسوع في تعاليمه المحيية فمرة يقول"أخطأ إليك أخوك اذهب وعاتبه" هو أخطأ
وأنت تذهب تسعى إليه لكي تربح أخاك وتربح نفسك وبينما المنطق العالمي أن الذي أُسيئ إليه هو صاحب حق وإذا أتى إليه المسيئ وسامحه يُحسب صاحب فضل فإن ناموس المسيح يتخطى هذه العقبات النفسية ويرتفع بنا إلى علو السماوات فيصير الإنسان قادرًا بالنعمة على كسر حواجز الشر ويرتمي في حضن أخيه ويقبله ويربحه المسيحي الحقيقي لا يخسر له أخا مهما كانت الأحوال! رسالتنا في المسيح هي رسالة ربح النفوس بحكمة الروح
وسلطان المحبة.
سبع مرات في اليوم
إن رقم سبعة يُعبر دائمًا عن الكمال فإن كان الأخ يُخطئ إليك سبع مرات أي إلى أقصى درجة ممكن أن نتخيلها أو لا نتخيلها فهناك باب المسيح المفتوح لقبول أعتى الخطاة ويمين المسيح تقيم ليس من العثرات والسقطات بل قادرة أن تقيم من الأموات !!.قلب المسيح متسع اتساعًا أبديًا، يسبي النفوس ويخضع
الوحوش فمن يؤتمن على قلب يسوع يستطيع أن يحفظ
وصايا يسوع هذا هو إنساننا الداخلي المخلوق من جديد
بقوة قيامة المسيح من الأموات هذه هي الطبيعة الجديدة،والطبيعة الجديدة من يحياها يغلب بها كما غلب ذاك الذي هو رأسنا جرب قول الرب أخضع ذاتـك لــه واطلب معونة المسيح واكسر حاجز الشر لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير لا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في حينه إن كنا لا نكل الإنسان هو الذي يُحجّم عمل الروح القدس فيه ويحصره في أطار المحدودية حين يقول أنا حاولت مرة ومرتين ولم أفلح في أن اقتني أخي وأربحه أنا عملت ما علي أن أفعله ولا أستطيع أن أفعل أكثر هذا يكفي وهذه حدودي؟.
هنا يصير الإنسان قد أغلق على نفسه، وحبس الروح الذي لا حدود له ولا يُعطي بكيل الروح يا إخوة لا يحد بحدود والعمل الروحي يستطيع أن يعمل ويعمل حتى الكمال ولا يكف ولا يكتفي ولا ييأس حتى من الفتيلة المدخنة والقصبة المرضوضة.الحفاظ على محبة الإخوة هي رسالتنا وهدفنا المحبة
القلبية هي كنزنا ليس بسهولة نبيعها أو نفرط فيها سبب ضعف الكنيسة الآن هو القصور في تكميل المحبة وعدم السعي الجاد في أثر الصلح بالروح. العاجز في تكميل المحبة يركن دائما على أعذار وأعذار ولكنها غير مقبولة لدى المسيح لأن المسيح هو الحب الكامل حتى للأعداء .
زد إيماننا :
قال الرسل للرب إذ سمعوا كلامه عن هذا الحب السماوي السامي الفاخر سبع مرات في اليوم - بل إلى سبعين مرة - قالوا للرب إذ أدركوا أن الأمر يحتاج إلى إيمان وتصديق قلبي لكلام المسيح وتبعية مطلقة وإلقاء كل الحياة على رجاء كلمة المسيح.قالوا زد إيماننا أي زودنا بهذا الإيمان القوي القادر على بغض البغضة وكره الكراهية زد إيماننا لكي نستطيع أن نغفر سبع مرات في اليوم فقال الرب لو كان لكم إيمان كحبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعي وانغرسي في البحر فتطيعكم"يارب زد إيمان أولادك بأن المحبة هي البقاء والحياة وأن
البغضة والقطيعة هي الموت بعينه من يحب أخاه فقد أحب الله ومن يبغض أخاه يبقى في الموت من يبغض أخاه فهو قاتل نفس ما أجمل أن نبدأ صومنا بهذا الاستعداد الروحي في السعي نحو السلام وتكميل المحبة الذي جعلته الكنيسة منطلق المسيرة والدافع الروحي للحركة هو الآب.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
02 مارس 2024
إنجيل عشية الأحد الرابع من شهر أمشير ( لو ۱۷ : ۱ - ۱۰ )
" وقال لتلاميذه لا يُمكن إلا أن تأتي العثرات، ولكن ويل للذي تأتي بواسِطَتِهِ خَيْرٌ لَهُ لو طوّقَ عُنْقُهُ بِحَجَرٍ رحى وطُرِحَ في البحر، مِنْ أَنْ يُعثِرَ أَحَد هؤلاء الصغار. احترزوا لأنفُسِكُمْ وإن أخطأ إليك أخوك فوبخه، وإنْ تاب فاغْفِرْ لَهُ وإن أخطأ إِلَيْكَ سبعَ مَرَّاتٍ في اليوم، وَرَجَعَ إلَيكَ سبعَ مَرّاتٍ في اليوم قائلاً أنا تائب، فاغفر له فقال الرُّسُلُ للرَّبِّ زِدْ إيماننا! فقال الرب لو كان لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، لكُنتُمْ تقولونَ لِهَذِهِ الجُمِّيزَةِ انقلعي وانغرسي في البحر فتُطِيعُكُمْ وَمَنْ مِنكُمْ لَهُ عَبدٌ يَحرُثُ أو يرعى، يقولُ له إذا دَخَلَ مِنَ الحَمْلِ تَقَدَّم سريعًا واتَّكِي بل ألا يقولُ لَهُ أعدد ما أتعَشَّى به، وتمنطق واخد مني حَتَّى أَكُلَ وأَشْرَبَ، وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت؟ فهل لذلك العبد فضل لأنَّهُ فَعَلَ ما أُمِرَ بهِ ؟ لا أظُنُّ كذلك أنتُمْ أيضًا، مَتَى فعلتُمْ كُلَّ ما أُمِرْتُمْ بِهِ فقولوا إِنَّنا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عملنا ما كانَ يَجِبُ علينا "
العثرات :
قال الرب للرسل الأطهار إن العثرات في طريق الملكوت والبلوغ إليه في العالم ولا مفر من وجودها لابد أن تأتي العثرات لأن عدو الخير المقاوم لله، روح الظلمة كائن في العالم، بل هو رئيس هذا العالم والعامل في أبناء الظلمة، وهم إذا يعملون لحسابه ضد المسيح أحد النفوس البسيطة ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسبي كالأطفال إلى سبي الخطايا ويوقعه في فخ إبليس ويل لذلك الإنسان، خير له لو طوّق عنقه بحجر الرحى وطرح في البحر لأنه إن كان المسيح المُخلّص قد أقام الساقطين ورد الضالين وصار طريقًا للمفديين فمن هو ذلك الإنسان الذي يجسر أن يكون عثرة في طريق المفديين بدم المسيح إنه يكون قد باع نفسه للشيطان فمسكين من قد صار له هذا
الويل أما بنو الملكوت فيقال لهم "قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة لكي لا يعتسف الأعرج بل بالحري يبرأ اسندوا الضعفاء ، شجعوا صغار النفوس، تأنوا على الجميع". إن الصغار أي النفوس الضعيفة والمبتدئة هي عند المسيح في مركز الاهتمام والحب كمثل الحملان الصغار عند راعي الخراف يحملها على منكبيه ويحميها من كل الأخطار احترزوا لأنفسكم وإن أخطأ إليك أخوك" كان الرب يُخاطب التلاميذ كأطفاله الصغار وكان يحنو عليهم بحبه الفائق فلما كلمهم عن العثرات قال"احترزوا لأنفسكم" وقد كررها كثيرًا ليوقظ فيهم حاسة الإفراز والتمييز والصحو الروحي لأن الفخاخ منصوبة في كل مكان والشيطان طلب أن يغربلهم وكم مرة قال لهم تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين بهذا المفهوم العالي في النظر إلى أخيك وحرصك على خلاصه وأن لا يتعثر في طريق خلاصه، بهذا المفهوم يصير الإنسان مسيحيًا، تابعًا لوصية المسيح من القلب مستنير البصيرة فإن أخطأ أخوك فقد سقط أمامك !! أفلا تقيمه؟
هذا هو جوهر الأمر : إنني أنظر إلى أخي بحب فإن سقط أقيمه أمد يدي وأساعده وأقيل عثرته.ربما ينغلب الإنسان من شيطان الغضب فيسقط أو من فخ تعظيم الذات أو تدليل الذات، أو الكبرياء أو يكون شيطان البغضة وعدم المحبة قد جربه أو أطنان الأفكار التي يبيعها الشيطان لعقل الإنسان أو فخاخ الشياطين المنصوبة حولنا شيء مهول ومن فينا لم يذق مرارة
السقوط إننا ضعفاء ومساكين. إن أخطأ إليك أخوك فوبخه أي عاتبه) وإن تاب فاغفر له وفي موضع آخر قال المسيح "إن أخطأ إليك أخوك اذهب (أنت إليه وعاتبه وإن قبل منك فقد ربحت أخاك وإن لم يقبل خذ معك واحدًا أو اثنين إلخ وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم ورجع إليك "، إذن الأمر يرجع إلينا إننا في حال قبول الأخوة نكون قد ربحنا وإن لم يغفر الإنسان لأخيه فقد خسر خسر أخاه وأية خسارة جسيمة هذه أن أخسر أخي !!.
إنه لحمي ودمي هو عضو في جسد المسيح، هو لي كباقي أعضاء الجسد وهل يستغنى الجسد عن عضو فيه؟!. المحبة المسيحية في هذه الحالة ليست كلامًا أجوف أو شعارات بل هي طريق عملي للحفاظ على وحدانية الجسد، وحيويته. كيف أخسر أخي وأعيش هادئ البال؟ شيء مستحيل، بل كيف لا أربحه حتى لو وضعت نفسي عنه إنني مصر على ربح أخي حتى لو حاولت ذلك سبع مرات سبعين مرة في اليوم هذا هو روح المسيح الذي لا يعرف الفشل في خلاص الآخرين إن قبولي لأخي الراجع إلي يرفعني إلى صورة مخلصي، لأنه من يقبل التائب؟ ومن يفرح برجوع التائب؟
المسيح لا يُسر بموت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا نحن نعمل مع الله، إن كنا بالحقيقة أولاد الله نحن نسعى كسفراء عن المسيح إن كنا بالحقيقة للمسيح.وعمل المسيح الرئيسي هو الفداء وغفران الخطايا حتى للصالبين فكم بالحري للإخوة إن تمتعنا بغفران المسيح
مشروط دائما بغفراننا للآخرين كما علمنا في الصلاة اغفر
لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا فإن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم"وقد قال الرب المثل عن العبد الذي لم يترفق بالعبد رفيقه بل طالبه بما عليه متشددًا ولم يمهله بل عامله بقسوة كيف أن سيد ذلك العبد رجع فطالبه بكل الدين الذي كان قد سامحه به وقال الرب "هكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته" (مت ١٨ : ٣٥). قال الرسل إذ سمعوا وصية الرب من جهة الغفران للأخ، قالوا : "زد إيماننا". الأمر إذن كما فهمه الآباء الرسل يحتاج إلى إيمان قوي لتنفيذ وصية المسيح وهذا حق لأن من يستطيع أن يفتح قلبه باتساع ليستوعب أخطاء أخيه مرة وسبعين مرة إلا إذا صدق إيمانه بزيادة في المسيح الذي
يقوي ويعين إن الغفران عمل إيماني بالدرجة الأولى... يحتاج إلى شجاعة وجسارة بها يغلب الإنسان العداوة بالحب ويغلب الكبرياء بالاتضاع ووداعة المسيح وهل بدون إيمان نستطيع أن نفعل شيئًا ؟.
بدون إيمان لا يمكن أرضاء الله !!
ختام فصل الإنجيل هو صمام الأمان لجميع الوصايا وهو إنكار الذات وإن عملنا كل البر نقول إننا عبيد بطالون لم نفعل سوى ما أمرنا به. وأين نحن من عمل كل البر ؟ وأين نحن من هذه الوصايا العالية؟! نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور نحن بالكاد نحب الأحباء وصدرنا يضيق أحيانًا بأقرب الأقربين وبالكاد نجد أسرة متحابة أو أخوة غير متخاصمين لقد زرع الشيطان زرعه وألقى فخاخه وعثراته وتعثر بها كثيرون وسقط آخرون ونحتاج إلى أن تدركنا مراحم الله ليتنا نصلي مع الرسل ونطلب بتوسل إلى المسيح قائلين زد إيماننا وأعطنا هذه النعمة الغافرة تسكن فينا واجعل الحنان في قلوبنا نحو جميع الإخوة فنغفر ونسامح ونطيع وصاياك، وإن فعلنا ذلك فنحن عبيد بطالون طالبون رحمتك ولم نفعل حتى ما أمرنا به فلتدركنا مراحمك سريعًا لأننا قد تمسكنا جدًا.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
24 فبراير 2024
إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر أمشير ( يوه : ٣٩ - ٤٧ )
" فتشوا الكُتُبَ لأَنَّكُمْ تظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيها حياةً أبديةً. وهي التي تشهد لي. ولا تُريدون أن تأتوا إليَّ لتكونَ لَكُمْ حَياةُ. مَجِدًا مِنَ الناس لستُ أقبل، ولكني قد عَرَفتُكُمْ أَنْ ليستْ لَكُمْ مَحَبَّةُ الله في أَنفُسِكُمْ. أنا قد أتيتُ باسم أبي ولستُم تقبلونني. إنْ أَتَى آخَرُ بِاسمِ نفسه فذلك تقبلونه. “كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتُمْ تقبلُونَ مَجِدًا بَعضُكُمْ مِنْ بَعضِ، والمَجدُ الذِي مِنَ الْإِلَهِ الواحِدِ لستُم تطلبونَهُ؟
لا تظُنُّوا أنّي أشكوكُمْ إِلَى الآب. يوجد الذي يَشكوكُمْ وهو موسَى، الذي عَلَيْهِ رَجَاؤُكُمْ. لأَنَّكُمْ لو كنتُم تُصَدِّقون موسَى لَكُنتُمْ تُصدقونني، لأنَّـه هــو كتَبَ غني. . فإِنْ كُنتُم لستُمْ تُصَدِّقُونَ كُتُبَ ذَاكَ، فكيف تُصَدِّقُونَ كلامي؟ " .
علل عدم الإيمان:
ما دار من حديث في الأصحاح الخامس بعد أن شفى المسيح له المجد مريض بركة بيت حسدا في يوم السبت... وقال: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل، فطلبوا أن يقتلوه ليس لأنه نقض السبت فقط بل قال إن الله أبوه معادلاً نفسه بالله" فأجاب يسوع في حديث مشوق وكشف لهم سر الآب والابن وسر الوحدانية في ذات الله، ولكن من يفهم ومن يؤمن. لقدأضمروا أن يقتلوه فكيف يسمعون كلامه؟. فصل إنجيل العشية هو ختام حديث المسيح له المجد وفيه كشف العلل التي كانت تعمل في قلب الرؤساء معلمي الشعب.
١ - إن كلمة الله لا مكان لها في القلب:
فهم يعرفون معرفة العقل وكلام الشفاه. أما القلب فمبتعد عن الله بعيدًا كما قال إشعياء النبي: "هذا الشعب يكرمني بشفتيه". لذلك دلّهم المسيح على الطريق إن أرادوا... قائلاً: "فتشوا الكتب" والمطلوب ليس قراءة الكتب الإلهية، بل أن يتعمق الإنسان القصد الإلهي من المكتوب "لأن كل ما كتب كتب لأجل تعليمنا".إن المعرفة العقلية للكتب المقدسة دون ممارسة حياة التقوى وحياة الفضيلة والسير بحسب الكتب وحفظ الوصايا يغلق على الإنسان باب الخلاص. تفتيش الكتب معناه أن يبحث الإنسان عن حياته الأبدية فيما هو مكتوب تظنون أن لكم فيها حياة أبدية". فيأخذ الإنسان
لنفسه كلمة يحيا بها ويخضع لها ويخبئها في كنز قلبه. ليست الكتب الإلهية كتب معرفة عقلية كباقي علوم الدنيا. بل هي كلام الحياة الأبدية إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك"، لذلك فالكلام يؤكل وجد كلامك فأكلته". كما فعل الرب مع حزقيال وإرميا وباقي الأنبياء الذين أكلوا كلمة الرب فصارت في فمهم كالعسل ولكن مرة في الجوف لأنها مبكتة على الخطايا ومطهرة للضمير.
٢- لا تريدون أن تأتوا لتكون لكم حياة هذه هى العلة الرئيسية التي صدت جماعة اليهود ورؤسائهم عن معرفة المسيح - العناد - لا يريدون. وهذا ما أبكى المسيح على أورشليم وهو منحدر من جبل أحد الشعانين بكى على المدينة وقال: كم مرة الزيتون يوم أردت أن أجمع بنيك ولم تريدوا".إن مريض بركة بيت حسدا الذي صار الكلام كله بسبب
شفائه في يوم السبت سأله الرب قائلاً: أتريد أن تبرأ ؟. فإن كانت الإرادة حاضرة فالخلاص يصيـر فـي يـد الإنسان لأن المسيح أكمل الخلاص، لمن يريد، ومن يؤمن، ومن يقبل كل من يسأل يأخذ وكل من يطلب يجد أما إذا رفض الإنسان مشورة الله من جهة نفسه فمن يشفع فيه؟ هم لم يريدوا أن يقبلوا المسيح، والمسيح يحترم حرية الإنسان الذي أبدعها فيه وخلقها كصورته المسيح لا يضطر الإنسان أن يقبله ولا يجبره قسرًا أن هو يريد أن الجميع يخلصون ولا يشاء موت الخاطئ بل يُسر برجوعه إليه ولكن من يتمسك بخطاياه ويرفض يسير وراءه الخلاص ويصر على العناد يخسر ويندم حيث لا ينفع الندم.
٣- كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من
بعض
هذه العلة خطيرة تُخرج الإنسان خارج دائرة الإيمان: كل
من يسعى ويقبل مجدًا من الناس !!.قال الرب بغاية الوضوح واضعًا المنهج الإلهي للحياة الفضلي: "مجدًا من الناس لست أقبل". من يقبل مجد الناس وأجرة من يد الناس فقد حرم نفسه من مجد الله ومجازاة الله.كانوا يصومون ليمدحهم الناس.وكانوا يصلون ليعظمهم الناس.وكانوا يصنعون صدقة ليظهروا أمام الناس.فأغلق قدامهم باب ملكوت المسيح.مجد الناس يُزكي الذات ويضخمها ويعلي الكبرياء والافتخار الباطل، وهذه كلها ضد ملكوت المسيح الوديع متواضع القلب.مسيحنا هو مسيح المذود والصليب والمتكأ الأخير فهو تقبله !! .كبرياء اليهود ومدح أنفسهم أخرجهم خارجًا. "إن أتى آخر باسم نفسه تقبلونه، لقد قبلوا ما هو بشري
ورفضوا ما هو إلهي تمركزوا حول الذات البشرية البغيضة فرذلوا الحق بل رذلوا من الحق."لا تظنوا إني أشكوكم إلى الآب".هكذا قال الرب موضحًا أنه أضمر من جهتهم كل حب وكل إرادة صالحة. لقد جاء المسيح مخلصًا للعالم... جاء إلى خاصته..وخاصته لم تقبله.لما رفضته إحدى البلاد قال ابني زبدي: "أتشاء أن نطلب أن تنزل عليهم نار من السماء فقال الرب لستما تعلمان من أي روح أنتما ابن الإنسان لم يأتِ ليهلك بل ليخلص". ما كانت إرادته أن يهلك أحد وحتى ساعة صلبه غفر للذين سمروه والذين صلبوه!!.
فهو لا يشكوهم إلى الآب ولا يدينهم على رفضهم إياه
ولكن يوجد من يشكوهم.الناموس الذي يعلمونه والكلمة الإلهية التي أؤتمنوا عليها فحفظوها في الخزائن للأجيال ولم يحيوا بها، وموسى كاتب الناموس هو الذي يشكوهم لأنه قال عن المسيح وكتب عن المسيح وقال : إن نبيًا مثلي يقيم لك الرب من إخوتك ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تقطع تلك النفس من شعبها". هذه هي الدينونة علل كثيرة كمنت في داخل نفوسهم فأعمت عيونهم عن النظر ومسامعهم عن قبول الحق . فكان النور الحقيقي أمامهم ولكنهم عميان وكان الحق متجسدًا بينهم ولكنهم لم يفتشوا فيمجدوه.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
17 فبراير 2024
إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر أمشير ( يو ٤ : ٤٦ - ٥٣ )
فجاءَ يَسوعُ أيضًا إلى قانا الجليل، حيث صَنَعَ الماء خمرًا. وكان خادمٌ للمَلِكِ ابْنُهُ مَريض في كفرناحوم.هذا إذ سمِعَ أَنَّ يَسوعَ قد جاءَ مِنَ اليَهوديَّةِ إِلَى الجليل انطلَقَ إِليهِ وسألهُ أَنْ يَنزِلَ ويَشفِي ابْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الموت. فقالَ لَهُ يَسوعُ: لا تؤمِنونَ إِنْ لم تروا آيات وعجائب. قالَ لَهُ خادِمُ المَلِكِ: يا سيد، انزل قَبلَ أنْ يَموت ابني. قالَ لَهُ يَسوعُ: اذْهَبْ ابْنُكَ حَيُّ. فَآمَنَ الرَّجُلُ بالكَلِمَةِ التي قالها لهُ يَسوعُ، وذَهَبَ. وفيما هو نازِلُ اسْتَقبَلهُ عَبيدُهُ وأخبروه قائلين: إِنَّ ابْنَكَ حَي.فاستَخبَرَهُمْ عن السّاعَةِ التي فيهـا أخـذ يتعافى، فقالوا له: أمس في السَّاعَةِ السَّابِعَةِ تركتهُ الحُمَّى. فَفَهِمَ الأَبُ أنَّهُ فِي تِلكَ السَّاعَةِ التي قالَ لَهُ فيها يَسوعُ: إِنَّ ابْنَكَ حَيُّ. فَآمَنَ هو وبَيتُهُ كُلُّهُ .
"لا تؤمِنونَ إِنْ لم ترَوْا آيَاتٍ وعَجائب":
الإيمان بحسب ما عرَّفه الروح القدس في رسالة العبرانيين هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى.. فكيف إن كان الإيمان يعتمد على رؤية الآيات والعجائب؟ لما طلب خادم الملك من المسيح. وقد كان هذا من كفرناحوم حيث صنع المسيح أكثر آياته ولكن إيمانهم كان ضعيفًا متعثرًا حتى بكتها الرب وقال: "وأنتِ يا كفرناحوم أترتفعين إلى السماء إنك تنحطين إلى أسفل الجحيم" وذلك بسبب عدم الإيمان وبسبب الكبرياء والاعتداد. نقول لما طلب خادم الملك شفاء ابنه في الواقع كان هذا الرجل صاحب إيمان بالرب وثقة كبيرة في كلمة المسيح لأنه لما قال له الرب اذهب ابنك حي، آمن الرجل بالكلمة وشفي ابنه في اللحظة عينها بحسب ما تحقق من عبيده بعد ذلك. ورغم كون الرجل من كفرناحوم إلا أن إيمانه بالمسيح لم يتأثر بالضعف العام في الإيمان الذي أصاب البلدة كلها حتى وقعت تحت تبكيت الرب وإنذاره، وهذا يجعل هذا الرجل مستحقًا للنعمة التي نالها من المسيح، مثل لوط الذي عاش في سدوم واحتفظ بكماله ومثل الأبرار في كل جيل
وفي كل مكان يبقى إيمانهم شاهدًا للمسيح.ولكن الكلمة التي وجهها الرب: "لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب"، في الواقع وجهها للجميع وغالبًا ما كان الكثيرون منهم من كفر ناحوم لقد ربط الرب عندهم الإيمان بالمعجزات المرئية. فإن لم يروا آيات لا يؤمنون، وإن كان الإيمان يرتبط بالحس والرؤيا فبئس الإيمان يصير !.
وهذا الإيمان يزول بزوال تأثير الآية أو المعجزة، فإيمان المعجزات إيمان الانبهار من الأشياء فائقة الطبيعة، وهو إيمان عن عجز حيث يرى الإنسان نفسه عاجزا عن فهم أو إدراك ما يرى، ويرى نفسه مضطرا للتصديق ولا يملك سواه. هنا تكون إرادة الإنسان ملغاة تماما . بل إن الإنسان لا يملك إرادته ولا يملك قدرته على الاختيار بحرية، إذ تكون المعجزة قد شلت حركة الإرادة. فلما يذهب عنه هذا التأثير المؤقت ويعود الإنسان مالكًا إرادته ويعود إليه وعيه الطبيعي وينسى ما رأى وما لمس لأن العادة في الإنسان أن ينسى. حينئ يعود الإنســـــان إلى ما كان عليه من عدم الإيمان وقساوة القلب ويسير في طريقه الذي اعتاد عليه ويمارس حياته كأن شيئًا لم يحدث. ومرة بعد الأخرى لا يعبأ الإنسان بما يرى إذ تكون شدة الانبهار عنده قد .ضعفت فلا يتحرك القلب نحو الإيمان بل على العكس يصير إلى البلادة وعدم التصديق بالأكثر .فالآية عند المسيح ليست عنصرًا ضاغطا على إرادة الإنسان للإيمان... ولكنها إعلان حبه ورحمته وحنانه نحو خليقته وهى شهادة للمسيح الذي جاء يطلب
ما قد هلك.وليس كل الذين رأوا الآيات آمنو ولو أنهم آمنوا إلـى حين !!
أين الذين رأوا المرضى يشفون والعميان يبصرون والخرس يتكلمون والشياطين يخرجون؟ بل أين الذين رأوا الموتى يقومون؟.
وأين الذين رأوه يكسر خمس خبزات الشعير للخمسة
آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد؟.
لم تكن المعجزات بحال من الأحوال هي العامل الرئيسي للإيمان، ولكن من كان له إيمان فبإيمانه نال مواعيد الله ورضاه ،ونعمته وحتى الذين نالوا على مستوى الجسد شفاءً أو إحسانًا من المسيح كان إيمانهم في شخصه هو المحرك الذي اقتادهم إلى المسيح وبحسب إيمانهم كان لهم كقول الرب.نحتاج إلى كلمة الرب يسوع في هذه الأزمنة، لأن الناس صاروا يطلبون الآيات والمعجزات بشغف شديد، ويجرون وراء ها باندفاع بلا وعي ويزيدون الأمر حكايات وإشاعات ودعاية من كل نوع ويسمون هذا تقوية للإيمان الضعيف وتمجيدًا الله ولكـن إلى أين؟
وقد حذر الرب كثيرًا من هذا الأمر لأنه في الأيام الأخيرة ستكون آيات وعجائب كثيرة ويضل كثيرون ولو أمكن المختارون أيضًا !! حذار من الجري وراء هذا وحذار من أن نعلّق إيماننا على ما نرى أو ما نسمع. سألني البابا كيرلس السادس نيّح الله نفسه يومًا وكنت قد صليت قداسًا في كنيسة السيدة العذراء بالزيتون سألني صليت فين؟ قلت له في كنيسة السيدة العذراء في الزيتون فدعى لي قلت له هل ذهبت يا سيدنا إلى هناك؟
قال لي: : لماذا ؟.
قلت له: لكي ترى العذراء القديسة مريم قال لي: يا ابني العذراء معانا كل يوم. فبالرغم من الظهور الحقيقي للعذراء القديسة مريم في تلك الأيام وبالرغم من أنه كلف لجنة من الآباء الأساقفة فعاينت وشاهدت وأصدرت البطريركية بيانا وافيا عن الظهور وبرغم كل ذلك لم يذهب البابا ولم يرغب في رؤيا بالعين بحسب الناس، فقد كانت رؤى الإيمان وعينا قلبه شاخصتين إلى السماء كل حين كان ذلك عنده أكثر بكثير من رؤية العين ولمس اليد وسماع الأذن. يا ليت إيماننا بالمسيح يظل راسخًا مؤسسا على صخر الدهور لا تحركه العوامل الخارجية، لا تزيده رؤيا حسية. ذُكر في البستان عن أحد الآباء أن الشيطان جاءه بشكل ملاك قائلاً : أنا الملاك جبرائيل أرسلت لأبشرك فقال له الراهب مشيحًا بوجهه عنه لعلك أرسلت إلى غيري وآخَر قال: لا أريد أن أرى الملاك على الأرض. لقد عزفت نفوسهم عن الرؤيا المادية إذ كانت أبصارهم قد تعلقت بالروحيات.
الإيمان تصديق القلب وليس رؤيا العين.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
10 فبراير 2024
إنجيل عشية الأحد الأول من شهر أمشير (يو ٦ : ١٥ - ٢١)
" وأَما يَسوعُ فإِذ عَلِمَ أنهُم مُزمِعون أن يأتوا ويَحْتَطِفوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انصَرَف أَيْضًا إِلَى الجَبَلِ وحده. ولمّا كانَ المساءُ نَزَلَ تلاميدُهُ إِلَى البحرِ، فَدَخَلُوا السفينة وكانوا يَذهَبونَ إِلَى عَبر البحر إلى كفرناحوم. وكانَ الظَّلامُ قد أقبل ، ولم يَكُنْ يَسوعُ قد أتى إليهِمْ. وهاج البحـر مـن ريـح عظيمةٍ تهب. " فَلَمّا كانوا قـد جَدَّفوا نحو خمس وعِشرين أو ثلاثينَ غَلَوَةً، نَظَرُوا يَسُوعَ ماشيًا على البحرِ مُقتَرِبًا مِنَ السَّفِينَةِ، فخافوا. فقالَ لَهُمْ: أنا هو، لا تخافوا. "فرضوا أن يقبلوه في السَّفِينَةِ. وللوقتِ صارَتِ السَّفِينَةُ إِلَى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها ".
الشاطئ الآخر:
في شهر أمشير تكثر الرياح التي تهب عنيفة، فشهر أمشير معروف لدى كافة أنه شهر الزوابع في كل أنحاء مصر.
وإنجيل العشية يُشير إلى الرياح العظيمة التي هبت وهيجت البحر وداهمت سفينة الرسل الأطهار. ولكن المسيح أتاهم ماشيًا على الماء وحين رضوا أن يقبلوه. صارت السفينة إلى الشاطئ الآخر.عمل إعجازي فائق أن تصل هذه السفينة بسلام إلى الشاطئ الآخر حالما دخلها المسيح.الشاطئ الآخر بالنسبة للمسافرين في بحر هذا العالم. الأبدية... والوصول إلى الأبدية... إلى شاطئ الأمان حيث لا اضطراب ولا خوف ولا زوابع ولا ظلام... هو أمنية غالية على نفس الإنسان المسيحي. كل ما يشغل باله هو
متى أصل بسلام إلى الشاطئ الآخر؟ مادامت السفينة في وسط الماء، وفي وسط البحر، فهى عرضة لهذه الأهوال وللرياح والأمواج.لا تأمن للبحر إذا صار هادئًا إلى زمان. فهدوء البحر لا يدوم. قد تمر أيام سلام بلا حروب وبلا اضطراب وكأن الحروب الروحية بطلت وكأن الشيطان قد أوقف نشاطه
وكأن التجارب صارت بعيدة عنا !! إن كل هذا إلى حين. حينما جرب الشيطان السيد المسيح على جبل التجربة قيل: "فلما أكمل إبليس كل تجربة تركه إلى حين". ثم بعد
ذلك عاود مناوشاته وحروبه حتى الصلب. ولما حارب موسى عماليق وكسره . قال: "للرب حرب مع عماليق من دور فدور". عادت الحرب وتعود طالما عماليق الروحي كائن. فإن هدأت مناوشات الجسد وحروبه إلى حين. فهل مات الجسد؟ وإن سكنت الأفكار المضادة والخيالات. فهل بطل الفكر أن يكون ؟ هكذا كان الآباء القديسون يقظون لا يعطون الأمان ولا يسلمون نفوسهم للتعاون بل كان انتباههم ووعيهم في حالة الصحو الدائم. وكانوا يقولون إلى أن تبلغ السفينة الشاطئ الآخر لا يجب أن ينام الملاحون ولا يتهاونوا لحظة لا أمان للبحر لأنه في لحظة تهيج الرياح وتنقلب أحوال البحر الهادئ فيصير صاخباً بالأمواج.جاء العدو المجرّب للقديس أنبا مقار وهو على فراش الموت يقول له: طوباك يا مقاره لقد غلبت" فقال له القديس وهو في يقظة الروح ولو أنه في انحلال الجسد،
قال له: "لم أبلغ بعد إلى الشاطئ الآخر". القديس بولس الرسول أيضًا رغم ما صنع به الرب من العجائب ورغم ما تعب وكرز وشفى مرضى وأقام موتى، يقول: "الست أني قد نلت أو صرت كاملاً... ولكنـي أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام نحو جعالة دعوة الله"، والجعالة هى الملكوت ... فإلى أن يصل إلى الشاطئ الآخر يظل يسعى ويمتد ويجاهد... حتى يأخذ إكليله.يُخطئ الذين يمدحون أحدًا وهو في وسط جهاده ولم يصل بعد إلى الشاطئ الآخر لأن كثيرين بعد أن قطعوا شوطًا كبيرًا من السير، انقلبت بهم الأحوال وانقلبوا إلـى سيطرة غير مرضية ولم يصلوا إلى الميناء. وانكسرت سفنهم في وسط البحر. كثيرون من الذين كنت أذكرهم لك أذكرهم الآن باكيًا وهم أعداء صليب المسيح". شيء محزن "ديماس قد تركني لأنه أحب العالم الحاضر". فالعبرة دائما بالنهايات ... حين تصل السفينة إلى الشاطئ الآخر بسلام. كثيرون بدأوا بالروح ولكن أكملوا بالجسد. كنت مرة جالسًا مع أبينا عبد المسيح الحبشي الراهب المتوحد ، فسألني كيف الحال ؟ وكان كلامه للغة العربية وفهمه لها ضعيفًا ، قلت له أشكر الله، ففهم أنني أقول أشكر الله أنني وصلت أو أنني صرت كاملاً، فصار يضربني ويقول، حمد الله إيه؟ إيه شمشون؟ إيه نهاية؟ إيه أبو مقار؟.
وكان أبونا بيشوي كامل جالسًا بجواري، وهو يعرفه تمامًا فقال له: أبونا بيقول حمدًا لله أنا خاطئ وضعيف!!. فهدأ الرجل وابتسم.لقد كان القديسون حريصين أن لا يثق الإنسان في شيء طالما هو مازال في الجسد . فهو عرضة للحروب وعرضة للسقوط "من هو قائم فلينظر لئلا يسقط". حتى القائم أي الذي يعيش في المستويات العالية بعيدًا عن الخطايا والأهواء فلينظر لئلا يسقط لأنه لا يوجد من هو فوق مستوى السقوط.فإن كان الإنسان يسهو أو يتغافل فإنه يسقط. آباء وأنبياء أخطأوا في لحظات ضعف أو رياح مفاجئة أو فخاخ الشياطين. فأين نحن من هؤلاء؟.فلنحذر من غدر البحر، وقسوة الرياح وتلاطم الأمواج ولا نأتمن الحياة في الجسد طالما نحن لم نصل إلى الشاطئ
الآخر.وليكن معلومًا أن ضمان وصول السفينة إلى الشاطئ الآخر هو المسيح فيها ، فبدونه لا خلاص ولا وصول ليس بأحد غيره الخلاص".ووصول السفينة إلى الشاطئ الآخر هكذا بسلام هو عمله الإعجازي لأن ليس في مقدور أحد - مهما بلغ من خبرة أو فن - أن ينجو من هياج بحر العالم وتلاطم أمواجه. فالخلاص ليس بالقوة ولا بالقدرة البشرية بل بنعمة المسيح وحده وهو الذي يحملنا إلى الأبدية بذراع قوية ويد ممدودة فلنسبحه ونمجده ونزيده علوا.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
03 فبراير 2024
إنجيل عشية الأحد الرابع من شهر طوبه( يو٥ : ٣١-٤٦ )
" إِنْ كُنتُ أَشْهَدُ لَنَفسي فشهادتي ليست حقا. "الذي يَشْهَدُ لي هو آخَرُ ، وأنا أعلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ التي يَشْهَدُها لي هي حَقٌّ. " أنتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يَوحَنَا فَشَهِدَ للحَقِّ.وأنا لا أقبَلُ شَهادَةً مِنْ إنسان، ولكني أقولُ هذا لتخلصوا أنتُم. كـان هـو السراج الموقدَ المُنير، وأنتُمْ أَرَدتُمْ أن تبتهجـوا بنوره سـاعَةً. "وأما أنا فلي شَهادَةً أَعظَمُ من يوحنا، لأنَّ الأعمال التي أعطاني الآب لأكملها،هذِهِ الأعمالُ بعينها التي أنا أعمَلُها هى تشهَدُ لِي أَنَّ الْآبَ قد أرسلني. والآبُ نَفسه الذي أرسَلَني يَشهَدُ لي.لم تسمعوا صوته قط، ولا أبصرتُمْ هَيئَتَهُ، وليست لكُمْ كَلِمَتُهُ ثابتَةً فيكُم، لأنَّ الذي أرسله هو لستُم أنتُمْ تؤمِنونَ بهِ. فتّشوا الكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيها حياة أبدية. وهى التي تشهَدُ لي. ولا تُريدون أن تأتوا إلَيَّ لتكونَ لكُم حياة.مجدًا مِنَ الناسِ لستُ أقبَلُ، ولكني قد عَرَفتُكُمْ أن ليستْ لَكُمْ مَحَبَّةُ الله فى أنفُسِكُمْ. أنا قد أتيتُ باسم أبي ولستُم تقبلونني. إنْ أَتَى آخَرُ بِاسمِ نَفسِهِ فذلك تقبلونَهُ. كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتُمْ تقبلُونَ مَجِدًا بَعضُكُمْ مِنْ بَعض، والمجد الذي مِنَ الإِلَهِ الوَاحِدِ لستُم تطلبونَهُ؟ لا تظُنُّوا أني أشكوكُمْ إِلَى الآب. يوجَدُ الذي يَشكوكُمْ وهو موسَى، الذي عَلَيهِ رَجَاؤُكُمْ. لأَنَّكُمْ لو كنتُم تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنتُمْ تُصَدِّقُونَنِي، لأَنَّهُ هُو كَتَبَ عنى شهادة القديس يوحنا المعمدان عن المسيح شهادة صادقة قاطعة من جهة أنه عمّد ابن الله وقد رأى الروح نازلاً عليه مثل حمامة ورأى بعينه أن السموات انشقت بأذنه صوت الآب الصارخ قائلاً: "هذا هو ابني الحبيب الذي به وسمع
سررت".ويوحنا المعمدان لم يكن يعرفه ولكن الذي أرسله قال له الذي ترى الروح نازلاً ومستقرًا عليه هو هو الذي سيعمّد بالروح القدس. وشهد يوحنا المعمدان في الغد أن المسيح هو حامل خطية العالم وقال: "من له العروس فهو العريس". فالمسيح هو العريس الحقيقي الذي اشترى الكنيسة بسفك دمه. أما صديق العريس فيفرح فرحًا من أجل صوت العريس.وقال عن المسيح: إن" رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع الحنطة إلى مخازن الأبدية ويحرق القش بنــار لا تُغنى".وقال يوحنا المعمدان عن المسيح: "ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص". وقال: "أنا لست مستحقًا أن أنحني وأحل سيور حذائه".
وقال: "إن الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء إلى يده. الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن
يرى حياة بل سيمكث عليه غضب الله".هذه هي شهادة يوحنا التي شهدها للحق الذي هو المسيح.ولم يشهد يوحنا من نفسه بل ما سمعه من الذي أرسله وما نطق به الروح القدس الذي يشهد للمسيح كروحه الخاص.وليس كثيرًا على يوحنا أن ينطق بهذه الشهادة لأنه امتلأ من الروح القدس من بطن أمه وارتكض ساجدًا للمسيح وهو بعد في الحشا. وقد سبقت أمه القديسة أليصابات فطوبت العذراء القديسة مريم كأول البشر الذين مجدوا أم ربي وبهذا صارت أليصابات باكورة من مجدوا العذراء .
لا أقبل شهادة من إنسان:
لم يكن المسيح محتاجًا إلى شهادة إنسان، لأن من هو الإنسان حتى يشهد الله؟ هل تُزكي المسيح شهادة إنسان؟حاشا .الذي يشهد لبنوته الحقيقية هو الآب والروح القدس،
الشهادة للمسيح جاءت دائمًا من فوق ولم تأت من الأرض. لما ولد المسيح في صورة العبد وأخلى ذاته وولد في مذود، جاءت الشهادة من فوق بجمهور من جند السماء يسبحون ومجد الرب أضاء على الرعاة وبشارة من فم الملاك ونجم سماوي قاد المجوس إلى حيث كان. ولما تعمّد الرب في الأردن جاءت الشهادة من السماء صوت الآب هذا هو ابني الحبيب... وحلول الروح بهيئة جسمية. ولما قارب الصليب قال: مجدني بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم. فكان صوت الآب: "مجدت وأمجد أيضًا". وقد ظن الذين سمعوا أنه رعد هو الذي حدث أو
ملاك كلمه.ولما صلب على الصليب جاءت الشهادة من فوق إذ غابت الشمس في وسط النهار وكانت الظلمـة علـى الأرض كلها من وقت الساعة السادسة إلى وقت الساعة التاسعة والصخور تشققت والأموات قامت وانشق حجاب الهيكل من فوق.وأيضًا شهدت للمسيح أعماله ، فهو لا يحتاج إلى شهادة الناس بل على العكس كان يأمر الذين نالوا النعم والآيات والأشفية ألا يقولوا لأحد . وأعماله شهدت للاهوته أنه هو هو الخالق رب الطبيعة آمر الريح ومسكن الأمواج. وهو مقيم الموتى من القبور وهو غافر الخطايا وقابل الخطاة وهو الأزلى الأبدي الكائن في كل مكان وفوق الزمان. فما حاجته إذن إلى شهادة الناس؟
شهادة الكتب :
"فتشوا الكتب التي تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى
التي تشهد لي". إن شهادة يسوع المسيح هي روح النبوة. فكل الكتب الموحى بها من الله، والتي هي أنفاس الروح القدس، وهى التي كتبها وتكلم بها أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس وهي ليست كلمة إنسان، بل هي بالحق كلمة الله الحية الفعالة التي هي أمضى من كل سيف ذي حدين.وهى قول الله وكلمته المرسلة بيد عبيده الأنبياء. "قال الرب لموسى"، قول الرب الذي صار إلى إرميا،وحزقيال... كلمة الرب التي جعلها في فمهم وعلى لسانهم. هذه هى الكتب التي صار اليهود أمناء عليها يحفظونها في خزائنهم ويحرصون على تمجيدها شكليًا. ولكن المسيح يوجههم أن يفتشوها ويفحصوها ويدخلوا إلى أعماقها ليدرك قصد الله من كل كلمة وكيف أنها كلها كتبت عنه وله ولأجله وأنها كلها تُشير إليه وتتحدث عن أنه هو هو المسيا وليس غيره وأنه كما قال إشعياء : "يُدعى اسمه مشيرًا إلها قديرًا أبا أبديًا رئيس السلام". لأن كل من وعى المكتوب رأى المسيح لأن الذين كتبوا رأوا المواعيد من بعيد وصدقوها وحيوها. وها القديس بطرس يوم الخمسين يوم أن امتلأ من الروح القدس أخرج ما كان مكنونا في كنوز العهد القديم والمزامير شهادة عن المسيح. والقديس اسطفانوس وهو ممتلئ من الروح القدس أيضًا شرح في إيجاز معجز وتسلسل بديع من إبراهيم إلى موسى وكيف أنهم عندما رفضوا موسى (المُخلَّص من العبودية) كرمز للمسيح - كان هذا عين ما فعله رؤساء الكهنة وكتبة الشعب حين رفضوا المسيح وقال لهم اسطفانوس: "أنتم دائما تقاومون الروح القدس كما كان أباؤكم أيضًا، يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان. هذه هي الشهادة للمسيح الكائن منذ الأزل وإلى الأبد واحدًا مع الآب والروح القدس الذي تجسد من أجل خلاصنا.شهادة من الآب والروح القدس الناطق في الأنبياء وشهادة أعماله التي تنطق بلاهوته ووحدانيته مع الآب، كما أن الآب يقيم الموتى ويحييهم كذلك الابن أيضًا يُحي من يشاء . كل ما هو للآب هو لي"، "أنا والآب واحد". لكن قبل شهادة يوحنا المعمدان - التي هي أصلاً من الله - لكي تؤمنوا أنتم هكذا قال الرب، لأنهم إن كانوا يشهدون ليوحنا المعمدان بنسكه وبره وتعففه عن العالم، وقوة إرساليته ككارز بالتوبة... إلخ، فلعلهم يقبلون كلامه من جهة المسيح. ولكن كان يوحنا المعمدان بالنسبة لهم كسراج منير مؤقت فابتهجوا بنوره ،ساعة، ثم أهملوه وانطفأ نوره في قلوبهم فلم يعبأوا به ولا بكلامه ولا بكرازته. بل رفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم غير معتمدين منه فأغلقوا على أنفسهم في الظلام. ولكن طوبى لأولئك الذين قادهم هذا السراج الموقد المنير إلى شمس البر. فأقبلوا إلى النور الحقيقي الذي يُضيء لكل إنسان. إن كل تلاميذ يوحنا المعمدان جاءوا إلى المسيح وأصبحوا له، وقادتهم تلمذتهم للمعمدان لمعرفة المسيح المُخلّص. وهذه هى غاية كرازة المعمدان وإرساليته. لأنه جاء كسابق يُهيئ الطريق قدام المسيا، ويُهيئ للرب شعبًا مستعدًا ويرد القلوب ويشفي تجبر العصاة ويقودهم إلى حمل الله حامل خطية العالم.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد