المقالات

13 أغسطس 2022

عذراء العهدين

" السلام للسماء الجديدة التي صنعها الآب وجعلهـا موضع راحة لابنه الحبيب " ( ذكصولوجية باكر ) رموز وحقائق : لـقـد كـان سر التجسّد الإلهى مخفياً في طقوس وعبادات وشرائع العهـد القـديـم ، كـان حكمة مكتومة منذ الدهور وأعلنها لنا الله في ملء الزمان ( أف ٣: ٩ ، ١٠) وهكـذا مـا كان مخفياً ومرموزاً إليه في العـهـد القـديـم صـار مستعلناً وجلياً في العهد الجديد . ولأن العذراء القديسة قد ارتبطت بمقدار هكذا عظيم بسر التجسّد ، فنجدها قد أحاطتها الرموز في العهـد القـديـم وهذا ما تسبح به في ثيؤتوكية يوم الأحـد مـن كـل أسبوع ، فبسبب قلبها المتضع وحياتها النقية صارت هي الموضع الذي ارتاح فيه ضابط الكل ووجد موضعاً لسكناه بين الناس . كانت هي " القبة الثانية " موضع قدس الأقداس موضع حلول الله وسكناه وسط شعبه إنها المدينة المقدسة ، مدينة الله التي سكن فيها ومن أجلها تنبأ كثيرون " أعمال مجيدة قد قيلت لأجلك يا مدينة الله " ( مز ۸۷ : ۳ ) . لقد أتى الله إلى مدينته وصار إنساناً مثلنا ، هو الله القدوس الذي خلقهـا وهـيا مـن جسدها مسكناً له وصار انساناً منها " الأم صهيون تقول إن إنساناً وإنساناً حـل فيها وهو العلى الذي أسسها إلى الأبد " ( مز ٣:٨٧ ) ، إنها العـذراء التي امتلأت بالمجد الإلهي والتحفت به بحلول ابن الله القدوس فيها ، كانت نقاوة حياتها مقدمة لأن تحل عليها نعمة الله ، ليسكن فيها القدوس وتصير عرشاً له ، حقاً قال فيها المزمور " كلهـا مجـد ابـنة الملـك مـن داخـل " ( مز ٤٥ : ١٣ ) ، صارت عرشـا الهـياً تخدمه الشاروبيم " السلام للعرش الملوكى المحمول على الشاروبيم " ( ذكصولوجية باكر ) . هي " تابوت العهـد " المصنوع من خشب السنط ، ولكـنـه قـد اكتسى بالذهب النقـى مـن داخـل ومـن خـارج ، کما التحفت هي بمجـد لاهوت ابن الله الكلمة ، لقد كان التابوت علامة عهد بين الله وشعبه ، عهـد محبة وخلاص ، علامة أنه حاضر فيهم ويسير بينهم ، وهكـذا صـارت هـي تابوتاً عقلياً حملت لنا عهداً جديداً بحلول الله في طبيعتنا إلى الأبد ، وفى أحشائها قد تزينت طبيعتنا واكتست بمجد الألوهة ! كـان الكاروبـان يظلـلان عـلى غطـاء التابوت حراسـة ومجـداً وتكـريمـاً وصـار الـسيرافيم والشيروبيم يسبحون خالقهم وهـو في بطنها ويرفرفون عليها كل حين . هي " القسط الذهبي " الموضوع فيه المن السماوي الذي يقتات به شعب الله في برية الغربة ، فمن أحشائها صار لنا قوت الحياة الأبدية ينبوع الخلود وترياق عدم الموت ، الذي نزل من السماء وأعطى الحياة للعـالم " خبـز الحـيـاة الـنـازل مـن الـسـماء الـواهـب حـيـاة للعـالم . أنـت أيـضـاً يـا مـريـم حملت في بطنك المن العقلي الذي أتى من الآب " ( لحن بي أويك - للتوزيع ) . لم يكـن ينير خيمة الإجتماع سوى " المنارة الذهبية " تحمل المصباح المتقد كـل حين ، وصارت العذراء منارة جديدة وسط ظلمة فساد الطبيعة البشرية ، تحمل مصباحاً لا ينطفىء نوره أبداً ، لقد أنار بنوره طبيعتنا البشرية ، بـل الخليقة كلها ، لقـد حملت لبـن الله الذي صار إنساناً " كان هو النور الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم " ( يو ٩ : ۱ ) . كانت العذراء هي " المجمرة الذهب " التي يحملها هارون يفوح منها بخـور عـطـر ، يدخل به إلى قـدس الأقداس موضع حلول الله ، هي المجمرة الذهب الجديدة التي يفوح منها بخـور عطر ، أعطى العالم كله رائحة جديدة وجعل البشرية تفوح منها رائحة عطرة رائعة أمام الله الآب ، بعد أن كانت قد فاحت منها رائحة نتانة الخطية والشر ، فتنسم الله رائحة جديدة منا في شخص ابنه الحبيب ، الذي أخذ طبيعتنا من أحشاء العذراء رائحة رضى وسرور ! " هـذا الـذي أصـعـد ذاتـه ذبيحة مقبولة عـلى الـصليب عـن خـلاص جنـسنا فتنـسمها أبـوه الصالح وقـت المـسـاء عـلى الجلجثة " ( لحن الصليب ) . هكذا إلتقى العهـدان في مـريـم العذراء ! العهد القديم برموزه واشاراته ، والعهـد الجديد الذي تحققت فيه كل الرموز والإشارات الخاصة بسر تجسّد ابن الله واتحاده بنا ، وأمام السيدة العذراء ليس لنا سـوى التأمل الهادئ الوقور ، والتسبيح القلبي المفعم بالفرح إذ أننا أمام السر الإلهي كله ، وسر محبة الله للبشر . " لأنه إذا ما تأملك أحد أيتها العذراء القديسة والدة الإله والسر العجيب الذي صار فيك لأجل خلاصنا فإنه يسكت من أجل ما لا ينطق به ويقيمنا إلى التسبيح " ( ثيؤتوكية الثلاثاء ) أمام العذراء ليس لنا إلا أن نسبح ونشكر ونمجد ، نسبح تدبير الله لخلاصنا ونشكر عميق محبته لنا ، ونمجد عظم الأعجوبة التي صارت لنا بتجسّده من البتول القديسة . تأمـل اتـضاع وتسليم العذراء مـريـم وقـد قبلت البشارة بالحبل الإلهى : باتضاع كامل وتسليم طفولى وعذراوية مطلقة ! من منا لا يعجب لإتضاعك يا أم النور ؟! من منا لا ينذهل لتسليمك المطلق لمشيئة الله ؟ ! من منا لا يندهش لحسن جمال بتوليتك ؟ ! لقد قدمت العذراء لنا الطريق لظهور ابن الله في حياتنا . يسوع ما زال يبحث عن عذراء ! نفوس عذراء ! نفوس انقطعت عن الارتباط بالعالم والأرضيات . عذراء تقدست وتطهرت من الخطية والشهوة والجسدانيات . نفـس عـذراء تُسلم حياتها بجهاد أمين ورؤية ثابتة نحو السماء ، نفس لا تجادل أو تناقش أو تضع منطق العقل وقواعد الحساب بينها وبين الله . يسوع يبحث عن عذراء تثق في وعوده رغم تعارضها مع منطق الناس . نفس تتضع مع كل بركة تحصل عليها وكل تدبير الله في حياتها قائلة " هـوذا أنـا أمـة الـرب " الـرب مـا زال يبحث عن هذه النفس العذراء كي " يولد " فيها ويظهر ذاته للعالم كله . نفسي لا يمكن أن تكـون ( حاملة ) للمسيح ما لم تتكرس لـه وحده في عذراوية مطلقة واقتران كامل . المتجسّد يريد أن تظل كنيسته عذراء ، دائمة البتولية ، على المسيح مثال مريم ، حتى ما يمكنه أن يظهر منها للعالم كله كل حين ، العذراء وهي حاملة للسر الإلهي داخل أحشائها ، انطلقت تخدم بلا عائق وذهبت إلى بيت زكـريـا تخـدم اليصابات ، لتبرهن مـن جـديـد عـلى استحقاقها لهذا السر واحتفاظها بعذراويتها واقترانها بيسوع ، وهكذا رسمت لنا وللكنيسة كلها طريق الكرامة والمجد الحقيقي ، أنه طريق الإتضاع والخدمة ! " إنـه طـريق الكاملين المخصصين ليسوع ، الذين تحـرروا مـن سـلطان الـذات ومشيئات الـنـاس ورغـبـات العـالم ، للإقـتران بيسوع وحـده في عذراويـة كاملـة منطلقـين بـلا عـائـق في طـريق المحبة والخدمة ! يا نفسى المسكينة .. تلهثين خلف الكرامة والإنتماء والاتساع ولـكـن يـسـوع يريد عذراء جديدة يظهر منها للعالم ، يحل بمجده فيها لتصير سماء جديدة تفوح منها رائحة القداسة تعطر العالم وتنير ظلمته بالحياة الجديدة . أعطني يا رب أن أتعلم منك كيف أتضع مثلما فعلت أمك . أن أسلم لك وأخضع لمشيئتك . أن أحتفظ بعذراوية نفس بلا ربط تقيدني بعيداً عنك . القمص بنيامين مرجان باسيلى كاهن كنيسة مارمرقس الجيزة عن كتاب والدة الإله مريم العذراء فى فكر الأباء
المزيد
06 أغسطس 2022

السيدة العذراء وشفاعة القديسين

نحـن نحـب العذراء القديسة مريم ونكرمها باعتبارها الشيفعة الأمينة لجنسنا عـنـد ابنها الحبيب ، ويكفي أن ننتبه إلى حرص الناس جميعهم ـ الصغار والكبار ـ على ممارسة الصوم الذي يحمل اسمها والإحتفال بأعيادها ، لندرك عمق الصلة والخبرة الروحية التي لنا مع أم الله الحنونة ، التي تشفع فينا في كـل حـين ونحـن نسميها في التسبحة " القديسة أم جميع الأحياء “ ( ثيؤتوكية الثلاثاء ) . وقبل أن نعطـر ألسنتنا بالحديث عن أم النور الطاهرة يلزمنا أن نعرف لماذا نكـرم القديسين في كنسيتنا الأرثوذكسية ، ونحرص على أعيادهم وتذكاراتهم والتسمى بأسمائهم ؟؟ أولاً : كنيستنا في تكريمها للقديسين لا تؤمن بأي وساطة من جانبهم بيننا وبين الله ، بالمعنى الخلاصي ! بـل أنها لا تؤمن بأي وساطة يمكـن أن يقترب بها الإنسان إلى الله بدالة وجسارة ، سوى وساطة وشفاعة دم ربـنـا يـسوع المسيح المسفوك عـن خـلاص البشرية " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح “ ( ۱ تی ٢ : ٥ ) ، « إن اخطـأ أحـد فـلـنـا شـفيـع عـند الآب يسوع المسيح البار وهـو كـفـارة لخطايانا ، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً “ ( ١ يو ۲ : ۱ ، ۲ ) لذلك فالكنيسة في كل صلواتها على الإطلاق تختم كل الطلبات والتوسلات والصلوات بعبارة قصيرة هي " بالمسيح يسوع ربنا “ وهو تقليد إنجيلي وروحي أصيل يتطابق مع وصية رب المجد لنا " الحق الحـق اقـول لـكـم إن كل ما طلبتم من الآب باسمى يعطيكم .. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً “ ( يو ١٦ : ٢٣ ، ٢٤ ) . إنها شفاعة كفارية فريدة ووحيدة بها نجد قبولاً ودالة عند الله الآب . إنها شفاعة للتطهير والتقديس وغفران الخطايا ، حين يخضع الإنسان لتبكيت الروح القدس وعمله داخل النفس ، فيدفعه دفعاً إلى أحضان الآب السماوى محتمياً في كفارة المسيح بالتوبة الصادقة وتنهدات القلب الطاهـر " الروح القدس يشفع فينا بأنات لا ينطق بها “ ( رو ۸ : ٢٦ ) . إنهـا أنـات القلب التائب الواثق من قبول الله له وغفران خطاياه بدم المسيح . ثانياً الكنيسة هي جسد المسيح الحي الواحد والكنيسة تدرك تماماً هذه الحقيقة ( أف ۱ : ۲۲ ، ۲۳ ) . لهذا فهى تعيش وتختبر وتحقـق شهوة قلب فاديها الحبيب ليلة آلامه حين صلى لأجل جسده قائلاً : " أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحـداً كـما نـحـن . ولـسـت اسـأل مـن أجـل هـؤلاء فقط ، بل أيـضاً مـن أجـل الـذين يؤمنون بـي بكلامهـم لـيـكـون الجميع واحـداً كمـا أنـك أنـت أيها الآب في وأنـا فـيـك ، ليكونوا هـم أيـضاً واحـداً فيـنا ، ليؤمن العالم أنك أرسلتني وأنـا قـد أعطيتهم المجـد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً ، وليعلم العالم أنك ارسلتني وأحببتهم كما أحببتني “ ( یو ۱۷ : ۲۰-۲۳ ) هذه الوحدانية ، وهذه الشركة هي سمة رئيسية في حياة العهد الجديد ، والتمتع بخلاص المسيح ، لأنه كما تغرب الإنسان بالخطية عـن الله وعـن أخيه ، حين فقد امكانية الحب الإلهى ، فإنه حين ينال الخلاص والحياة الجديدة يعود إلى الشركة مع الله ويسترد أيـضاً إمكانية المحبة ليعود إلى حياة الشركة مـع إخـوته ، لذلك يقـول القديس مقاريوس الكبير : " لا خلاص للإنسان خارج أخوته “ ! وذلـك صـدى لتعليم القديس بولس الرسول حين يؤكد على ضرورة هذه الشركة لاختبار سر المسيح ، سر الخلاص حين يقول : « ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قـبلاً بعيدين صـرتـم قـريبين بـدم المسيح ( شفاعته الكفارية عن خلاصنا ) لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ( اليهود والأمم ) .. لأن به لنا كلينا قدوماً في روح واحـد إلى الآب ( كشعب واحـد وكنيسة واحـدة ) ، " فلستم اذا بعـد غـرباء ونزلاء بـل رعـية مع القديسين وأهـل بـيـت الله مبنين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الـذي فـيـه كـل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب “ ( اف ۲ : ۱۳-۲۲ ) » وقد ربط الرسول ربطاً مبدعاً بين إيماننا بالمسيح ، وبين انسكاب المحبة في قلوبـنـا مـن نـحـو بعضنا البعض كأعضاء في كنيسة المسيح ، وبين ادراكنا للخلاص وعمق عمل المسيح حين قال : " ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلـو وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله “ ( اف ۳ : ۱۷-۱۹ ) . لذلك وباختصار ، فإن القديسين في كنيستنا الواحدة هم جزء حى وأعضاء حية في جسد المسيح الواحد ، ونحن حين نقف لنصلى إنمـا نقـف كنيسة واحـدة معهـم ، تجمع المرئيين على الأرض وغير المرئيين الذين هـم أرواح قـد أكملـوا جـهـادهم ، وانتقلوا إلى السماء ، تقف الكنيسة كلها لتقدم حياتها للمسيح رأسها ، وفى وحدة حقيقية يصنعها الروح القدس بيننا وبين ربنا يسوع المسيح من ناحية ، وبين بعضنا البعض من ناحية أخرى . " العبادة في كنيستنا تقـوم عـلى أساس اجتماع المؤمنين مع أرواح الشهداء والأبرار المنتقلين والملائكة والعذراء القديسة مريم . وصور القديسين على حامل الأيقونات ، كـإنها الكنيسة قـد احتجزت لهم الصف الأول لحضورهم على الدوام ، وجعلت ظهورهم نحو الشرق أنهم لم يعودوا بعد ينتظرون المسيح الآتي مثلنا ، بل هم معه الآن كل حين ، وجعلت وجوههم نحونا لكي يعزوننا ويؤازرونا ويتقبلوا توسلاتنا وصلواتنا “ . كيف يمكـن إذا في هـذه المحبة الإلهية المنسكبة في الكنيسة بالروح القدس ألا يصلى القديسون من أجلنا ، ويشاركوننا الصلاة والجهاد في غربتنا على الأرض ؟ ! كيف يمكـن ألا تتحرك قلوبهم نحونا بالحب ، نحن أخوتهم في الجسد الواحد يسندوننا ويرفعون عنا الصلوات ، ونحن أيضاً نصلى من أجلهم بكل اتضاع وإحتياج ؟ " هؤلاء الذين بسؤالاتهم وطلباتهم ارحمنا كلنا معاً وانقذنا من أجل اسمك القدوس المبارك الذي دعى علينا " وأيضاً نصلى : " إننا يا سيدنا لسنا أهلاً أن نتشفع في طوباوية أولئك بل هم قيام أمـام مـنـبـر ابـنـك الـوحـيـد لـيكونوا عوضـاً عـنـا يـشفعون في ضعفنا ومذلتـنا . كـن غافـراً لآثامـنـا مـن أجـل طلباتهم المقدسـة ومـن أجـل اسمك العظيم الذي دعي علينا " ( القداس الإلهى ) لذلك حين يصف سفر الرؤيا منظر كنيسة المسيح نراه يقدم صورة رائعة عن هذه الشركة في الصلاة والحب : " وجاء ملاك آخـر ووقـف عـنـد المذبح ومعـه مبخرة من ذهب وأعطي بخوراً كثيراً لكى يقدمه مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله " ( رؤ ٧ : ٣ ، ٤) لذلك فإنـنـا نقـدم البخور أمام أيقونات القديسين في يقين أننا نقدمه مع صلواتهم عنا أمام الله !! " ثالثا " إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا ، لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع " ( عب ۱۲ : ۱ ، ۲ ) حين نطلب صلوات القديسين عنا ، وحين نكرمهم فإننا نؤمن أن الـذي عـمـل فـيـهـم لأجـل تقديسهم ، قـادر أن يعمـل فـيـنـا أيـضاً لنصير قديسين مثلهم ، إنهم ليسوا شخوصاً تاريخية وإنها شخصيات إنسانية ضعيفة قـد أطاعـت صـوت الـروح واستسلمت لعمـل الله فيها ، فتحولت عـن صـورتها الترابية إلى صـورة القداسـة والـنور ، لذلك يوصينا الرسول بولس أن ننظر إلى سيرتهم ونتمثل بإيمانهم ( عب ١٣ : ٧) ، إنهـم الـنـماذج الحية التي نسعى لنصير مثلها ، نجاهد جهادهم ونحيا إيمانهم ونختبر قوة النعمة التي عملت فيهم . لذلك لـن نستفيد كثيراً مـن تـكـريمنا للقديسين والتشفع بهم ، دون أن يكون جهادنا وحياتنا هي حياتهم بتوبة وتقديس وتكريس الكيان كله لله . لأجل ذلك تضع الكنيسة أمامنا نموذجاً حياً في كل يوم في السنكسار ، لكي ما يكون نبراساً لحياة الإيمان والرجاء الحي ، و لنسعى خلف المسيح واثقين من نصرتنا وتقديس حياتنا . إن العالم يحتاج اليوم إلى نماذج قداسـة مـن هـذا النوع ، وهـو يتشوق كثيراً أن يرى نور المسيح هكذا مضيئاً في الذين يحملون اسمه ويتحدثون بكلامه ، حتى يكتمل جيش القديسين المنتظرين في السماء اذ أنهم لا يمكن أن يكملوا بدوننا ، بهم تكمل نصرتنا وبنا يكتمل فرحهم وشركتنا جميعاً في المسيح الواحد . وببساطة نقـول انـه إذا كـان مـن المفيد والنافع أن نـصـادق الصالحين مـن الـناس الذين يعيشون بينـنـا عـلى الأرض ، لننتفع بصلاحهم وصلواتهم فكم تكون صداقة القديسين الذين تحرروا من ثقل الجسد والخطية وصاروا مثل ملائكة في السماء ؟ إن واحداً منهم قد تحرك قلبه بالحب لأجل خلاص أخوته وهو في الجسد مـا زال يـئـن فقـال " كنت أود لو أكون أنا نفسى محروماً من المسيح لأجـل أخوتـى أنـسبائي حسب الجسد " ( رو ۹ : ۱-۳ ) . ألا يصلي إذا الآن من أجلنا ، من له مثل هذا القلب وهذا الحب ؟ ! " بركتهم المقدسة تكـون مـعـنا آمين . المجـد لـك يـا رب . يا رب ارحم یا رب باركنا . یا رب نيحهم آمين . " ( القداس الإلهى ) القمص بنيامين مرجان باسيلى كاهن كنيسة مارمرقس الجيزة عن كتاب والدة الإله مريم العذراء فى فكر الأباء
المزيد
10 يونيو 2022

بمناسبة اقتراب عيد حلول الروح القدس - غِنى الروح ومنفعة الآخرين

تتميّز عظات القديس مكاريوس الكبير، والملقّب باللابس الروح، بالتشبيهات الجميلة النابعة من خبرة شخصيّة حيّة مع الروح القدس..في هذا المقال، انتقيت لكم هذا التشبيه البديع، من العظة الثامنة عشرة.. والكلام يناسب جدًّا الكهنة والخُدّام والعاملين في حقل التعليم الروحي.. إذ يركِّز القديس مكاريوس في هذا التشبيه على أهمّية أن يغتني الإنسان بالروح أوّلًا، قبل أن يحاول أن يُطعِم الآخرين روحيًّا..!+ إذا كان إنسانٌ غنيٌّ يريد أن يصنع وليمةً فاخرة، فإنّه يصرف من ثروته والكنز الذي يملكه.. ولأنّه غنيٌّ جدًّا، فإنّه لا يخاف من عدم كفاية أمواله لتجهيز كلّ لوازم الوليمة. وهكذا فإنّه يُكرم الضيوف الذين دعاهم، ببذخٍ وأُبّهة، واضعًا أمامهم أنواعًا كثيرة من المأكولات وبأحدث أنواع التجهيز.+ وأمّا الفقير الذي ليس عنده مثل هذا الغِنَى، فإنّه إذا رغب في عمل وليمة لأصدقاء قليلين، فإنّه يضطرّ أن يستعير كلّ شيء، من الأواني والأطباق والمفارِش وكلّ شيء آخَر. وبعد ذلك حينما تنتهي الوليمة، ويخرُج المدعوّون، فإنّه يُعِيد كلّ الأشياء التي استعارها إلى أصحابها، سواء أطباق فِضّة أو مفارِش أو أي أشياءٍ أخرى.. وهكذا حينما يُرجِع كلّ شيء، يظلّ هو نفسُهُ فقيرًا وعريانًا إذ ليس له غِنى خاص يُعزِّي به نفسه.+ بنفس الطريقة، فإنّ أولئك الذين يكونون أغنياء بالروح القدس، الذين عندهم الغِنى السماوي حقًّا، وشركة الروح في داخل نفوسهم، فإنّهم حينما يكلّمون أحدًا بكلمة الحقّ أو حينما يتحدّثون بالأحاديث الروحانيّة، ويريدون أن يُعزّوا النفوس، فإنّهم يتكلّمون ويُخرِجون من غِناهم ومن كنزهم الخاص الذي يمتلكونه في داخل نفوسهم. ومن هذا الكنز يُعزّون ويُفرِّحون نفوس الذين يسمعون أحاديثهم. ولا يخافون أن ينضُب مَعينهم، لأنهم يملكون في داخلهم كنز الصلاح السماوي، لذلك يأخذون منه ليعزّوا ويفرِّحوا ضيوفهم الروحيّين.+ أمّا الفقير الذي لم يملك غِنّى المسيح، وليس عنده الغِنى الروحي في داخل نفسه، الذي هو ينبوع كلّ صلاح، سواء في الأقوال أو الأعمال أو الأفكار الإلهيّة والأسرار التي لا يُعبَّر عنها. فحتّى إذا أراد هذا الفقير أن يتكلّم بكلمة الحقّ، ويعزّي بعض سامعيه، بدون أن ينال في نفسه كلمة الله بالقوّة والحقّ، فإنّه يكرِّر من الذاكرة، ويقتبس فقط كلمات من أجزاء مختلفة من الكتاب المقدّس، أو مِمّا سمعه من الرجال الروحيّين، فيخبر ويعلّم بها الآخَرين.. وهكذا يَظهَر كأنّه يُعزّي ويُفَرِّح الآخرين، والآخَرون يبتهجون بما يُخبرهم، ولكن بعد أن ينتهي من الكلام تعود كلّ كلمة إلى مصدرها الأصلي الذي أُخِذَت منه، ويَبقى هذا الإنسان ويعود كما كان عريانًا وفقيرًا لأنّ ليس له كنزُ الروح الخاصّ به، ليأخُذ منه ويُعزِّي ويفرِّح الآخَرين، إذ أنّه هو نفسه لم يتعزّ أوّلًا ولا ابتهجَ بالروح.+ لهذا السبب ينبغي لنا أوّلًا أن نطلب من الله باجتهادِ قلبٍ وبإيمان، حتّى يهبنا أن نجد في قلوبنا هذا الغِنى، أي كنز المسيح الحقيقي بقوّة الروح القدس وفاعليّته. ولهذا فعندما نجد الرب أوّلًا في نفسنا، لمنفعتنا أي للخلاص والحياة الأبديّة، فحينئذِ يمكننا أن ننفع الآخَرين أيضًا إذ يصير هذا مُمكِنًا، لأننا نأخُذ من المسيح الذي هو الكنز الموجود في داخلنا، ونُخرِج منه كلّ الصلاح الذي للكلمات الروحانيّة، ونكشِف أمامهم أسرار السماء. القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
31 مايو 2022

شـتـان بين قـيـامـة وإقـامـة

شـتـان بين قـيـامـة وإقـامـة رب المجد يسوع ( قام ) من الأموات أمـا غـيـره مـمـن حـدث مـعـهـم أمـر مشابه فقد ( أقيموا ) وما أبعد الفرق بين كلـمـة ( قـام ) ( وأقـيـم ) . لذلك يسمى تذكار قيامته ( بعيد القيامة ) لقد ( قام ) الرب في اليوم الثالث كما قـال ... أمـا الذين ( أقـيـمـوا ) فلم يكونوا يعلمـون شـيـئا عن أمـر إقامتهم ولا نحن أيضا في القيامة العامة نعلم عن موعدها شيئا بالمرة . قـام هـو بسلطانه الإلهي الذاتي كاله ... أما نحن فسنقوم في اليوم الأخير عند سماع صـوته « تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته » ( يوه ) . ليس هناك أدلة على حقيقة قيامته أكثر من الآتي : ۱- شهادة الإنجيل المقدس لها على امتداد أسـفـاره وأعماله ورسائله التي لا تخلو مطلقا من الإشـارة إليها . ۲- شهادة الآباء الرسل عنها قولاً ووعظا وكتابة بصفتهم شهود عيان لذلك . 3- شهادة ملائكة السماء خلال أحداث القيامة المختلفة وحواراتهم مع النسوة والرسل . ٤- شـهـادة النسـوة اللاتي رأين يسوع قائما حيا كمريم المجدلية وبقية المريمات الأخريات . 5- شهادة القبر الفارغ الذي كان ألفي سنة ولا يزال حـتى الآن معلنا خواءه التام . 6- شهادة الحـجـر الكبير دحــرج بواسطة رئيس الملائكة ميخائيل بعدما قام الرب وخرج . 7- شـهـادة الكفن المقدس الذي لا يزال حتى اليوم محفوظاً في مدينة تيرنتو بإيطاليا . ۸- شـهـادة الظـهـورات الجـمـيلة والمبهرة بعد قيامته لأفراد وجماعات على امتداد أربعين يوما. ۹- شهادة الحراس من الجند رغم ما أخذوه من رشوة من رؤساء كهنة اليهود . ۱۰- شهادة التاريخ والإجماع العام لدى مسيحي العالم كله شـرقـا وغرباً وشمالا وجنوبا . لأجل هذا كله كانت قيامة المسيح من الأموات هو الحدث الأكبر الذي هز كيان اليهود فحاولوا أن يقاوموه بكافة الطرق حـتى إنهـم قـالـوا عن القـيـامـه إن هذه الضلالة الاخيرة ستكون أقـوى من الضـلالة الأولى التي هي كرازة المسـيح ( مت ۲۷ ) لأجل ذلك بشر المسيح بقيامته قبل يصلب كما جاء في ( مت ۲۰ ) انه ضـعـفـوا سـاعـة صـلـبـه سـيـتـقـوى ينبغي أن يقـوم من الاموات فـإن إيمانهم بعد قيامته سيرون قيامته قوته كما يرون فيها صدقه والقيامة ستثبت الإيمان به وبخاصة أنه قام وحـده بدون أي قـوة خـارجـيـة لذلك كان زعـمـاء الـيـهـود يـخـشـون هذه القـيـامـة ويريدون تعطيلـهـا بكافة الطرق حتى لا يثبت طريق المسيح الذي حـاربوه ولا يزال يـحـاربونه ذهبوا الى بيلاطس وطلبوا منه ان يختم القبر ويحرسه الحراس لئلا يأتي التلاميذ ويسـرقـوه ويدعوا أنه قام ( مت ٢٧ ) وإذ بالإجراءات التي اتخذت ضد القيامة أصبحت دليلاً عليها وشاهدا لها وإثباتا لصحتها فـوجـدوا الـخـتـم على القـبـر وكـذلك الحراس مع أن القبر فارغ . وختاما أقول القيامة أقوى رد على من يتهمون المسيح بالضعف أو من يظنون صلب المسيح دليـلاً على عجزه. القمص ساويرس القمص جرجس کاهن كنيسة الشهيد أبو قسطور بردنوها . مطای
المزيد
27 مايو 2022

قيامة المخلّص

عندما وقف السيّد المسيح في مواجهة الموت أمام قبر لعازر، أوضح لمرثا بكلّ ثِقَة أنّه هو القيامة والحياة، وأكّد لها أنّه واهب الحياة لكلّ مَن يؤمن به، والحياة التي يعطيها هي حياة لا يغلبها الموت.. «أنا هو القيامة والحياة، مَن آمن بي ولو مات فسيحيا، وكلّ مَن كان حيًّا وآمَن بي فلن يموت إلى الأبد» (يو11: 25-26).ولم يكُن هذا مجرّد كلام يتلاشى عندما يدخل يسوع بنفسه إلى الموت، بل لقد اقتحم الموت بإرادته.. اقتحمه اقتحامًا بكلّ قوّة، وداسه، وأبطل سلطانه، وقام هادمًا كلّ أوجاعه (أع2: 24).. فأظهر للعالم أنّه بالفِعل رئيس الحياة وقاهر الموت..!إذن ما يهمّنا بالأكثر، أنّ السيّد المسيح وَهَبَ لكلّ مَن يؤمن بصليبه وقيامته وقوّة دمه الغافر أن ينال قوّة الحياة هذه، وأظهَرَ بهذا أنّه مُحيي النفوس ومخلّص العالم.. وصار المؤمنون به لا يخافون الموت.. وهنا أتذكّر مقولة جميلة لقدس الأب المتنيّح القمص بيشوي كامل (1931-1979م): [إنّ الموت مُخيف ومُرعِب جدًّا، ولكن بقدر ما تمتزج حياتنا بدم الحَمَل بقدر ما يصير عبورنا مُفرِحًا ومحفوفًا بالملائكة] (نبذة رحلة العبور بالدمّ).في العهد القديم كشف الله أنّ حياة الإنسان هي في دمه (لا17: 11).. وهذا يعني أنّنا عندما نتناول من دمّ المسيح تثبت حياته فينا، وتغلِب كلّ آثار الموت في جسدنا.. فمهما كانت خطايانا، وهي الأشواك التي يدخل من خلالها الموت إلينا، فإنّ دم المسيح يطهّرنا من كلّ خطيّة (1يو1: 7)، ويمحو كلّ آثار الموت ويهبنا حياة جديدة غالبة للموت.. وهذا ما يؤكّده القديس بطرس الرسول؛ أنّ الرب أنقذنا وخلّصنا ليس بثمن رخيص بل بدمه الغالي.. «أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ.. بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ..» (1بط1: 18-19).عندما نتناول من دم المسيح فإنّنا نأخُذ قوّة قيامته، أيْ حياته الغالبة للموت.. ومِن هنا اهتمّت كنيستنا المجيدة بأن يكون سرّ التناول في قلب عبادتها، فبه ينال المؤمنون باستمرار الحياة الإلهيّة فيهم.. فهم يتناولون جسد ودم المسيح الذي مات وقام، فينالون به قوّة موت عن شهوات العالم، وقوّة قيامة وغلبة على كلّ شروره.. وهذه هي قمّة الخبرة الروحيّة التي يعيشها المسيحيّون، ويلخِّصها القديس بولس الرسول في آية خالدة: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ» (في3: 10-11).وقيامة الأموات التي يتكلّم عنها الرسول هي الحياة الأبديّة المجيدة التي يشتاق إليها المؤمنون كلّما تناولوا من الأسرار المُحيية، فيأخذون بها قوّة للكرازة بالمسيح المخلّص، المصلوب والقائم، متطلّعين بشغف لمجيئه الثاني المملوء مجدًا.. وهذا ما يؤكّده القديس بولس: «فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ» (1كو11: 26).. وهو أيضًا ما نصلّيه في كل قدّاس: "آمين آمين آمين بموتك يارب نبشّر، وبقيامتك المقدّسة وصعودك إلى السموات نعترف، نسبحك نباركك نشكرك يارب، ونتضرّع إليك يا إلهنا".لقد كُنّا بدون المسيح المخلّص عاجزين، وتحت حكم الموت.. أمّا الآن فإنّه «يعظم انتصارنا بالذي أحبنا» (رو8: 37).إنّ قيامة المخلّص قد أكّدت لنا عظمة ألوهيّته وقُدرته على الخلاص.. فعندما نثبت فيه، نحيا به إلى الأبد..طوبي لمن يتناولون على الدوام من شجرة الحياة، هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم (رؤ2، 20)..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
20 مايو 2022

المسيح هو الطريق

أجمل ما في مسيحيّتنا هو شخص المسيح نفسه.. فنحن لسنا مجرّد "أهل كتاب" كما يدعونا البعض، ولكنّنا "أهل شخص"؛ أحبّنا إلى المنتهى.. أخذ جسدنا، وهزم الموت لحسابنا، وفتح لنا باب العضويّة في جسده، لكي يهبنا الحياة فيه..في حديث السيّد المسيح المُمتِع مع توما، في ليلة الصليب، ألمح له وللتلاميذ أنّه سيتركهم، ولكنّهم سيعرفون أين سيذهب، وسيعلمون الطريق.. فتحيّر توما بالأكثر، وقال له: «يَا سَيِّدُ، لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي.» (يو14: 4-6)..هنا ينفتح لنا مفهوم جميل، وهو أنّه بوجودنا في المسيح فنحن في الطريق المؤدّي إلى الله.. وحول هذا المفهوم عاشت الكنيسة منذ عصر الرسل وحتّى الآن.. فقد كان المسيحيّون الأوائل، يُسَمَّوْن «أهل الطريق»، كما جاء في سِفر أعمال الرسل (أع9: 2 - أع19: 9، 23 - أع22: 4 - أع24: 14، 22)..!أحيانًا ننزعج، عندما نفكّر في كلام السيّد المسيح عن الطريق المؤدّي إلى الحياة (مت7: 13-14)، عندما وصفه بأنّه طريق كرب، وبابه ضيّق جدًّا.. ولكن بعد أن فهمنا أنّ الطريق هو المسيح نفسه، فهذا يطمئنّا جدًّا، بأنّ ثباتنا في المسيح سيضمن لنا الوصول بكلّ تأكيد..!لكن لعلّنا نفكِّر، ما هو دورنا نحن بالتحديد؟! فإذا كان السيّد المسيح هو الطريق، هو طريق الخلاص، هو طريق الحياة الأبديّة.. فماذا نفعل لكي نضمن الخلاص والحياة الأبديّة؟!ينبّهنا القديس بولس الرسول قائلاً: «كَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ، مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ..» (كو1: 6-7).. فسلوكنا وكلّ تصرفاتنا ينبغي أن تكون نابعة من عضويّتنا في المسيح؛ فهو الطريق الذي يحملنا فيه..وأيضًا يضع لنا القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية (2بط1: 3-11) روشتّة متكاملة عن كيفيّة السلوك في الطريق.. فبعد أن يؤكِّد لنا أنّه قد وُهِبَت لنا المواعيد العُظمى والثمينة، وصِرنا شركاء الطبيعة الإلهيّة، باتحادنا بالمسيح.. يطلب مِنّا ما يلي:1- رفض الفساد والشهوات العالميّة، بل والهروب منها تمامًا.2- بذل كلّ الجهد في النمو الروحي.. فنُضيف على الفضيلة معرفة نقيّة وصبرًا، ونتحلّى بمخافة الله والمودّة الأخويّة، ويمتلئ قلبنا حُبًّا للجميع..3- تثبيت أقدامنا في طريق الذي اختارنا ودعانا هذه الدعوة السماويّة.ثمّ يختم كلامه بالقول: «أَنَّهُ هكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ».. وهذا كلام مُشجِّع جدًّا، ويُعني أنّه إذا سلكنا حسب الخطوات السابقة، سيكون باب الملكوت مفتوحًا لنا على اتّساعِهِ.. وسيكون السير في الطريق مُمتِعًا، ومُفرِحًا.. وغاية في الأمان والطمأنينة..!فإذا كان الأمر هكذا، فلماذا يصفّ الرب يسوع الباب بأنّه ضيّق والطريق أنّه كَرْبٌ وصعب، مادام الطريق هو المسيح نفسه..؟!الحقيقة أنّ صعوبة الطريق تأتي من أنّ المسيح الذي نحن ثابتون فيه هو مسيحٌ مصلوب، ومُهان، ومجروح، ومرفوض من العالم.. مع أنّه قائم وغالبٌ أيضًا..!الطريق بالتأكيد مؤدّي إلى الحياة، ولكنّه يمرّ عبر أرض غربة هذا العالم، وسط مقاومة شرسة من عدوّ الخير.. ولذلك فإنّ السائر فيه بثبات ينبغي أن يتألّم مع المسيح، كعضو في جسده.. لابد أن يأخُذ نصيبه من آلام هذا الجسد الذي دخل إلى عضويّته بالمعموديّة (1كو12: 13)، لكي يأخُذ أيضًا نصيبه من المجد والقوّة والفرح..! القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
17 مايو 2022

قيامة المسيح هي الحدث الفريد في تاريخ الإنسانية

قام السيد المسيح له المجـد من القـبـر مـنـتـصـرا لأنه هو القـيـامـة والحياة .. والحياة تحررت من قيودها ، فقال لمرثا « أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا أيها الأولين والآخرين تمعتوا بالجزاء على حد سواء ، أيها الأغنياء والفـقـراء أطربوا مـعـافرحين ، أيهـا الذين صـامـوا والذين لم يصـومـوا إفـرحـوا اليوم ، المائدة جاهزة فتنعموا كلكم ، يخرج أحد جائعا ، تمتعوا كلكم بوليمة الإيمان ، تمتـعـوا كلكم بكل غنى صلاحه ، لا يبكين أحـد زلاته في كابة لأن الغفران قـد أشـرق من القبر ، يخف أحد الموت لان موت المخلص قد حررنا « أين شـوكـتك يامـوت ؟ أين غلبتك ياهاوية ؟ قـام المسيح وأنت صـرعت ، قـام المسيح والشياطين ، تساقطت ، قام المسيح والملائكة ابتهجوا ، قام المسيح والحياة تحررت ، قام المسيح ولم يبق في القبر ميت ، لأن المسيح بقيامته من الأموات صار باركورة الراقدين ، فله المجد والعزة إلى دهر الدهور ، المسيح قـام داس الموت والذين في الـقـبـور أنعم لـهـم بـالحـيـاة الأبدية ، فـجـسـد المصلوب مات لأجلنا ، نؤمن أن لاهوته لم يفـارق ناسـوته لحظة واحـدة ولا طرفة عين فـقـيـامـتـه تـدل دلالة قاطعة على أن وداعته أعظم قوة في العالم ، لأن الموت لم يجـد قـوة وحـقـا فـيـمن يمتلئ بثـمـار روح الله ، ونحن نطلق على احتفالنا بقيامة ابن الله « العيد الكبير » لأن هذا الحدث العظيم قد أعاد لنا سلامنا مع الله وبداية موكب انتـصـار المسيح الغـالـب وراءه كل أعدائه أسرى منكسرين بينما أتباعه المؤمنون يتبـعـونه بهاتف وتهليل ، لأنه أشـركـهـم بإيمانهم بقوته المنتـصـرة ومن يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا وجلست مع أبي في عرشه ( رؤ ۲۱ : ۳ ) ليتنا نقـوم من غفلتنا ونعيش القيامة المجيدة ذات الطبيـعـة الجـديدة والانطبـاع الجديد والفاعلية الأصيلة للقـيـامـة المفرحة والمبهجة . نيافة الحبر الجليل الأنبا بسنتى أسقف حلوان والمعصرة ومدينة 15 مايو والتبين
المزيد
13 مايو 2022

معجزة صيد السمك بعد القيامة

هذه المعجزة الفريدة سجّل تفاصيلها القديس يوحنا في إنجيله، الأصحاح 21، وبوجه عام فإنّ صيد السمك يشير إلى اصطياد النفوس للملكوت، كما جاء في تعليم السيّد المسيح وأمثاله..هناك معجزتان حدث فيهما صيد سمك كثير، الأولى قبل القيامة والثانية بعدها.. وكما يشرح القديس أغسطينوس فإنّ المعجزة الأولى توضِّح طبيعة الكنيسة الآن، بينما الثانية تُظهِر الطبيعة التي ستكون عليها الكنيسة بعد القيامة وانقضاء هذا العالم.+ المعجزة الأولى (لوقا5) نلاحظ فيها أنّ إلقاء الشِباك لم يكُن في اتّجاه محدِّد، وتمّ اصطياد سمك كثير جدًّا، حتّى كادت الشباك تتخرّق، وتمّ وضع السَمَك في المركب الذي كاد يغرق أيضًا... بينما المعجزة الثانية: الشَبَكة تُجمَع فقط من الجانب الأيمن، والسمك كبير وعدده 153، والشباك سليمة على الرغم من كثرة السمك وكِبَر حجمه، ونلاحظ أيضًا أنّ السمك سُحِب في الشبكة إلى الشاطئ مباشرةً، والمركب لا يتعرّض للغرق..!+ في المعجزة الأولى الشباك أُلقيت من دون تحديد اتّجاه، مثل الكنيسة الآن في الأرض تجمع من كلّ نوع ومن كلّ اتجاه، وأحيانًا يختلط الأبرار والأشرار في الكنيسة معًا.. بخلاف المُعجزة الثانية التي فيها الشبكة والسمك على الجانب اليمين، وهذا يعني أنّ الكنيسة في الدهر الآتي يوجَد فيها فقط الأبرار الذين عن يمين الملك ويستحقّون المجد الأبدي.+ الشباك في المعجزة الأولى تتخرّق من كثرة السمك، وهذا يشير لبعض الانشقاقات والانقسامات في الكنيسة الآن.. أمّا في المعجزة الثانية فالشباك سليمة تمامًا علامةً على وحدانيّة الإيمان وسلام الكنيسة في الأبديّة..!+ المركب في المعجزة الأولى يتعرّض للغرق، ولكنه لم يغرق.. وهذا يعني أنّ انضباط الكنيسة يكون مهدّدًا بسبب كثرة عدد الناس الموجودين فيها وتنوّعهم..+ السمك في المعجزة الأولى وُضِع في المركب، إشارة إلى وضع المؤمنين حاليًا داخل الكنيسة.. أمّا في الثانية فقد تمّ سحب الشبكة مع السمك إلى الشاطئ الذي يمثّل الأبديّة.. فالشاطئ يَظهَر حيث ينتهي البحر، ونحن حين ننتهي من عبور بحر هذا العالم نَصِل إلى الأبديّة.. كما نلاحِظ أنّه عن طريق الرسل، يجتذبُ المسيحُ العالمَ إلى شبكته المقدّسة..+ السمك الكبير يشير إلى أصحاب القلوب الكبيرة الممتلئين ثمرًا، إشارة إلى العظماء فقط الذين وضعوا أنفسهم وخدموا الآخرين (متى18)، والذين عملوا وعلّموا (متى5)..+ رقم 153، بحسب تفسير القدّيس أغسطينوس هو عدد مرتبط بالأرقام من 1 إلى 17 فعند جَمْع كلّ السبعة عشر رقمًا معًا يكون حاصل الجمع 153. ورقم 17 هو حاصل جمع 10+7 (الوصايا العشر + عمل الروح القدس الكامل).. ومعنى هذا أنّ الأبرار الذين سيصلون بسلام إلى شاطئ الأبديّة هم الذين حفظوا الوصايا العشر وسلكوا فيها بقوّة الروح القدس وبمعونة عمله فيهم.+ رقم 7 يشير إلى التقديس بعمل الروح القدس.. «سبعة أرواح الله» (رؤ4: 5).. «رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ» (إش11: 2). «بارك الله اليوم السابع وقدّسه» (تك2: 3).. أي أنّ كمال تقديسنا سيكون هناك، حينما نستريح مع الله إلى الأبد..وأخيرًا.. فإنّ المسيح ينتظرنا على شاطئ الأبديّة.. يجب ألاّ نأتي إليه فارغين.. يلزمنا طاعة وصاياه والاهتمام في حياتنا الأرضيّة بالجانب اليمين، أيّ نسلك في طريق النور.. فنأتي إليه محمّلين بثمار تنفيذ وصاياه بعمل الروح القدس فينا.[معظم أفكار المقال مأخوذة عن عظة للقديس أغسطينوس] القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
10 مايو 2022

قام ولكن

قام ولكن لم يقم أحد مثله: فقيامته كانت فريدة تختلف عن كل من قام في العهدين، سواء أقامهم هو أو أنبياء أو قديسين.. ففي كل معجزات أقامة الموتى في الكتاب المقدس نرى:أ. لم يقم أحد بقوته دون مساعدة، إلا السيد المسيح له المجد هو الوحيد الذي أقام ذاته بقوته الذاتية دون ان يطلب عنه أحد أو يصلي له أو يقف عند قبره أو يفتح له الباب.ب. كل من قام، قام بجسده الذي مات به، إلّا السيد المسيح الذي قام بجسده ولكنه تحول إلى جسد روحاني ممجد، كأول من قام بهذا الجسد، والذي سنقوم به كلنا في القيامة العامة، حيث سنقوم بأجسادنا ثم تتحول إلى هذه الصورة الروحانية لنستطيع أن نحيا بها في السماء.ج. أول من قام ولم يمت مرة أخرى، لأنه قام بجسد روحاني غير قابل للموت.د. وعلى الرغم من قيامته بجسد روحاني إلّا أنه احتفظ بآثار الجراح في جسده الممجد، وهي معجزة فريدة لن تتم مع أحد إلّا المسيح، فجميعنا سنقوم بلا عيوب.2. قام ولكن ليس الكل يستحق رؤيته:حينما قام كان يمكن أن يظهر لبيلاطس ورؤساء الكهنة والكتبة ومجمع السنهدريم لتوبيخهم على عدم قبوله وما فعلوه معه حتى موته... ولكن ليس الكل يستحق رؤية المسيح القائم، إنه لا يظهر إلّا لمن يريده ومن يحبه، ومن يقبله ومن يبحث عنه، أمّا من يرفضه فلا يفرض نفسه عليه... حقًا هو أحب العالم كله، ولكن لا يجبر العالم كله على الإيمان به أو رؤيته، بل إن كان أحد يريد أن يراه فهو يظهر له ذاته، ولكن من لا يريد فلا يستحق.. لذا فهوأ. ظهر لمريم المجدلية ومريم الأخرى لأنهما أكثر من ذهب لرؤيته.ب. ظهر لبطرس لإعادته لوضعه.ج. ظهر للتلاميذ أحبائه ليزيل خوفهم.د. ظهر لتلميذي عمواس ليردهم إلى التلمذة.ه. ظهر لتوما ليزيل شكّه.و. ظهر للتلاميذ وقضى معهم أربعين يومًا يعلّمهم ويسلمهم كل ما يختص بملكوت الله، والكنيسة وما فيها مِن طقوس وإيمانيات.ز. وقد يرى في بعض الناس استعدادًا فيظهر لهم مثل شاول الطرسوسي الذي كان يحتاج إلى تصحيح مسار.3. قام ولكن هل قمنا معه؟إن الموضوع طويل، ولكن يمكن تلخيصه في نقاط قليلة:أ. نقوم معه بالإيمان: من يحيا الإيمان الحقيقي هو القائم من الأموات؛ ومن يحيا الإيمان الحقيقي والثقة به في كل مواقف الحياة فلا يضطرب ولا يخاف من شيء، ولا يحزن على شيء، بل يحيا في الفرح الدائم.ب. نقوم معه بالمعمودية: إذ أن من يعتمد يموت معه، يقوم أيضًا معه.ج. نقوم معه بالتوبة: فإن كانت الخطية هي موت، فالتوبة هي قيامة.د. نقوم معه بالتناول: من يتناول يحيا إلى الأبد وهو يقيمه.ه. نقوم بالاحتمال: من يحتمل من أجل الرب ظلمًا أو تعبًا أو اضطهادًا أو ألمًا أو فراقًا أو مرضًا وقد حمل صليبه هذا بفرح وشكر، هذا سيفرح معه بقيامته.و. نقوم معه بالأمل والرجاء: فاليأس موت والأمل قيامة.ز. نقوم معه بالفرح: فكما أن الحزن موت، فالفرح هو أيضًا قيامة. نيافة الحبر الجليل الأنبا تكلا اسقف دشنا
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل