مجموعة مؤلفين أخرى

الكتب (98)

القديس كيرلس عامود الدين مجموعة مؤلفين أخرى

من قصائد مار يعقوب مجموعة مؤلفين أخرى

المئويات الأربع للقديس مكسيموس المعترف(للأب منيف حمصي) مجموعة مؤلفين أخرى

معاينة الله كما هو مجموعة مؤلفين أخرى

مراقي الكمال الرهباني مجموعة مؤلفين أخرى

مدخل إلى اللاهوت الأدبي مجموعة مؤلفين أخرى

مختارات تعليمية للمنفعة الروحية مجموعة مؤلفين أخرى

القديس مار افرام السرياني مجموعة مؤلفين أخرى
المقالات (78)
26 مايو 2025
ما معنى عيد الصعود وكيف نعيشه؟
في خميس الصعود نُعيّدُ صعود ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح إلى السمّاء بعد أربعين يومًا من قيامَتِه وظهوره للتّلاميذ كما جاء في تاريخ أعمال الرسل: "يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء" (أعمال 11:1). صعود يسوع اللي السماء هو تتويج أفراح القيامة. صعد يسوع إلى السماء بعد أن أتمَّ عمل الفداء وأكمل خطة الخلاص عائدا إلى ملكوته وواعدا تلاميذه بإرسال الروح القدس (يوحنا 18: 36). ومن هنا نسأل ما هي أبعاد عيد الصعود وكيف نعيشه؟ يمكننا أن نميّز ثلاثة أبعاد للصعود على صعيد المسيح والكنيسة وصعيدنا.
أولاً: الصعود على صعيد المسيح:
عبارة "صعود" من العبرية יַעֲלֶה مأخوذة من سفر المزامير " مَن ذا الَّذي يَصعَدُ جَبَلَ الرَّبِّ ومَنْ ذا الَّذي يُقيمُ في مَقَرِّ قُدْسِه؟" (مزمور 24: 3). للصعود له ثلاث أبعاد وهي تمجيده وتساميه على الكون وتمهيد لعودته.
1- الصعود تمجيد المسيح السماوي:
إن المسيح قبل أن يعيش على الأرض يمكن القول إنه كان لدى الله كابن، و"كلمة"، وحكمة. فصعوده إلى السماء إلى يمين الأب وإنما هو عودة إلى العالم السماوي الذي منه سبق ونزل من السماء، مسكن الألوهية (رؤيا 1: 5) رحمةً بنا ليفتقد الناس (مزمور144:5). بالصعود والنزول ارتبطت السماء بالأرض (يوحنا 1: 51). وأما جلوس يسوع عن يمين الله فيعني أنه قد أكمل عمله وأن له سلطاناً وقد توّج ملكاً. وبالتالي ما صعوده إلاَّ تعبير عن مجد المسيح السماوي (أعمال 2: 34). ومن ناحية أخرى يشير صعود المسيح إلى الدخول النهائي لناسوت يسوع إلى مقر الله السماوي من حيث سيعود، ويخفيه هذا المقر في هذا الوقت عن عيون البشر. (ت ك 665) وفي الليتورجيا السريانية نجد هذه الصلاة التي تعبّر عن تمجيد المسيح بصعود إلى السماء: “نزل ربّنا بحثًا عن آدم وبعد أن وجد مَن كان ضائعًا، حمله على كتفيه وبالمجد أدخله السماوات معه (لوقا 15: 4). أتى وأظهر لنا أنّه الله؛ ولبس جسدًا وكشف لنا أنّه إنسان. نزل إلى الجحيم وبيّن لنا أنّه مات؛ صعد وتمجّد وأظهر لنا أنّه كبير. فليتبارك مجده!".
2- الصعود دلالة على تسامي المسيح على الكون والقوات السماوية (1 قورنتس 15: 24)
أنه منذ الآن يجلس على العرش في السماوات ليتقلد السيادة على الكون (أفسس 1: 20-21). ويكشف لنا إنجيل متى سلطان يسوع الذي يتمتع به في السماء وعلى الأرض (متى 28: 18)، وأكد لنا بولس الرسول هذا النصر الذي اكتسبه بالصلب (كولسي 2: 15) وبطاعته (فيلبي 2: 6-11). فالصعود ما هو إلا استمرار لقيامة المسيح واستكمال لعمليّة الفداء. ويقول القديس قبريانس: "لا من لسان بشر ولا ملائكي يستطيع أن يصف كما يجب عظيم الاحتفال والإكرام الذي صار للإله المتجسد بصعوده في هذا اليوم".
3- الصعود تمهيد لعودة المسيح في مجيئه الثاني:
إن "يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء" (أعمال 1: 11). هذه العبارة تقيم ارتباطاً عميقاً بين ارتفاع المسيح إلى السماء وبين عودته ثانية في آخر الأزمنة، عند التجديد الكلي الشامل (أعمال 3: 21) حينذاك سيأتي كما انطلق (أعمال 11:1)، نازلاً من السماء (1 تسالونيقي 4: 16) على الغمام (رؤيا 14: 14-16)، بينما يصعد مختاروه لملاقاته، هم أيضا على غمام (1 تسالونيقي 4: 17). فالتاريخ يتحرك نحو نقطة محددة هي مجيء يسوع المسيح ثانية ليدين العالم، ويملك على كل المسكونة. ومن هذا المنطلق، ينبغي علينا، أن نكون مستعدين لمجيئه المفاجئ (1 تسالونيقي 5: 2).
ثانيا: الصعود على صعيد الكنيسة:
الصعود على مستوى الكنيسة هو تمجيدها بحلول الروح القدس: تمجيد المسيح في صعوده كان لا بدَّ أن يسبق تمجيد الكنيسة بحلول الروح القدس. صعد يسوع إلى السماء ليرسل الروح القدس ليحلّ محلّه لدى التلاميذ كما وعد تلاميذه “الرُّوحَ القُدُسَ يَنزِلُ علَيكم فتَنَالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض (أعمال 1: 8). صعد يسوع إلى السماء كي يرسل روحه ليحلّ محلّه لدى التلاميذ. وبحلول الروح يتحوَّل الرب من كائن معنا إلى كائن فينا؛ أن كائن معنا محدودة، لكن كائن فينا غير محدودة وذلك نتيجة عمل الروح القدس. وهذا مما يؤكده القديس بولس الرسول في صلاته إلى أهل أفسس: "أَن يُقيمَ المسيحُ في قُلوبِكم بالإِيمان" بفعل الروح القدس (أفسس 3: 17)
ثالثا: الصعود على صعيدنا
الصعود على صعيدنا له بعدان: التشفع فينا وإعداد لنا مكاناً في السماء.
1- صعود يسوع ليشفع فينا في حضرة الله (عبرانيين9: 14).
تصور الرسالة إلى العبرانيين صعود المسيح في ضوء نظرتها لعالم سماوي تقوم فيه حقائق الخلاص، ونحوه تتَّجه مسيرة البشر. إن الكاهن الأعظم، لكي يجلس هناك عن يمين الله (عبرانيين 1: 3) فوق الملائكة (عبرانيين 1: 4-9) صعد أول الجميع، مجتازاً السماوات (عبرانيين 4: 14) يشفع فينا في حضرة الله (عبرانيين9/ 24) على انه الوسيط الذي يضمن لنا فيض الروح القدوس (ت ك 667).
2-الصعود لإعداد مكان لنا في السماء:
يعودُ الربّ بالمجد إلى أبيه ليُعدّ لنا مكانًا (يوحنا 14: 1-3). فقد دخل يسوع أولاً تلك الحياة، ليُعدَّ لمختاريه مكاناً، ثم يأتي ويأخذهم إلى هناك ليكونوا على الدوام معه (يوحنا 14: 22). فيسوع المسيح، رأس الكنيسة، سبقنا إلى ملكوت الآب المجيد حتى نحيا نحن، أعضاء جسده، في رجاء أن نكون يوماً معه إلى الأبد (ت ك 666). ويعلق العلامة القديس أوغسطينوس " إن قلبي سيبقى مضطربا إلى إن يستريح فيك تسريح فيك يا الله". وهذا يذكِّرنا بكتاب للكاتبة الروسية التأملية زنتا مورينا بعنوان " جذورنا في السّماء". واليوم يرينا يسوع بصعوده أين هو منزلنا الذي وعدنا به " في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ " (يوحنا 14: 2).
خلاصة
تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود:
أولا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود كي نفرح لان الذي نزل من السماء لأجل خلاصنا هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السماوات ملك على الأمم، الله جلس على كرسي مجده (مزمور 47: 8)، ولكي يملأ الكل (أفسس 4/ 9-10). وتتطلب الكنيسة من المؤمنين أن يجدِّدوا إيمانهم به كلما يتلون قانونَ الإيمانِ قائِلين: "وَصَعِدَ إلى السّماءِ، وَجَلَسَ عَن يمينِ الآب". هذا هو إيمان الرّسل، هذا هو إيمان الكنيسة الأولى. وهذا هو إيماننا.
ثانيا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود كي نشكر ونمّجد الرب هو الذي أنهض طبيعتنا الساقطة وأصعدنا وأجلسنا معه في السماويات (أفسس 2: 6). كما يقول القديس أوغسطينوس: "اليوم صعد ربنا يسوع المسيح إلى السماء. ليصعد قلبنا معه. مع كونه هناك، هو معنا هنا أيضا. ونحن مع كوننا هنا، نحن معه أيضا هناك. رفع فوق السماوات، ولكنه ما زال يتألم في الأرض بكل ألم نشعر به نحن أعضاءه. لأنه رأسنا ونحن جسده" PLS 2: 494)). فعيد الصعود هو امتداد لرسالة يسوع وتعْليمِه، كما فهو راس الجسد أي الكنيسة، ونحن أعضاء هذا الجسد كما جاء في تعليم بولس الرسول " فأَنتُم جَسَدُ المَسيح وكُلُّ واحِدٍ مِنكُم عُضوٌ مِنه"(1 قورنتس 12: 27) ويضيف في موضع آخر "وإِذا عَمِلْنا لِلحَقِّ بِالمَحبَّة نَمَونا وتَقدَّمْنا في جَميعِ الوُجوه نَحوَ ذاك الَّذي هو الرَّأس، نَحوَ المسيح" (أفسس 4: 15).
ثالثا: تحتفل الكنيسة تحتفل بعيد الصعود ك كي نهيأ نفوسنا لاستقباله: أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيعود (أعمال 1: 11) للدينونة (متى 16: 17). وتقوم الكنيسة بإطفاء الشمعة الفصحية القائمة منذ 40 يوما جانب الهيكل وتوضع جانب جرن المعمودية وتُضاء لدى الاحتفال بالعمادات. وهذه الشمعة ترمز لوجود المسيح، نور العالم. يسوع غاب عن أنظارنا، لكنه بقي حاضراً بنعمته، كما هو موجود معنا في القربان، تحت شكلي الخبز والخمر.
الأب لويس حزبون - فلسطين
المزيد
27 مايو 2025
كيف نعيش روحانية عيد الصعود؟
من أبعاد عيد الصعود تنبع روحانية الصعود متكاملة، مؤسسة على الرجاء، لأنها تجعل المسيحي يحيا منذ الآن في حقيقة العالم الجديد الذي يملك المسيح فيه. إن على المسيحيين وهم في انتظار تلك الساعة، أن يظلوا متَّحدين بفضل الإيمان وأسرار الكنيسة، بسيدهم الممجّد. فعليهم أن يسعوا " إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله"، لأن "حَياتُهم مُحتَجِبةٌ معَ المسيحِ " (قولسي 3: 1-3)، ومدينتهم كائنة في السماوات (فيلبي 3: 20). والبيت السماوي ينتظرهم (2 قورنتس 5: 31) هو المسيح المُمجّد نفسه (فيلبي 3: 21)، "الإنسان السماوي" (1 قورنتس 15: 45-49) على أن المسيحي ليس لذلك فقط أن يكون منسلخاً عن العالم، بل له رسالة على أن يحيا فيه بطريقة جديدة، وهي تحرك العالم نحو المجد الذي يدعوه الله إليه. في هذا العصر تزايد اضطهاد المسيحيين أكثر من أي عصر مضى. لكن العداء والخطيئة والخوف والرعب والمعاناة على الأرض ليس لها الكلمة الأخيرة. سيعود يسوع بالمجد والبهاء ويُضفي سيطرة على ممالك هذا العالم الصعود عيد يسوع نعترف به مسيحاً، نعترف به ربّاً ارتفع ليجتذب الجميع ويصل كلمته إلى العالم كله. ومن هنا علينا أن نتابع كرازة الإنجيل كما أوصانا الرب "إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض، فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 18-20) التلاميذ لم يعيشوا كل الأيام في حين الكنيسة تدوم إلى الأبد (أعمال 1: 4-9). وعلينا أن نعلن انتظارنا لمجيئه الثاني. إنه سيأتي كما صعد، لذلك انتظار مجيء المسيح عقيدة موجودة في قانون الإيمان "ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين" ومع الليتورجيا السريانيّة نردد "يوم ولادته، فرحت مريم؛ يوم مماته، تزلزلت الأرض. يوم قيامته، تزعزعت ظلمات الجحيم؛ يوم صعوده، اغتبطت السماوات. فليتبارك صعوده!". والقديس ابيفانوس يقول: أن هذا اليوم هو مجد بقية الأعياد وشرفها لأنه يتضح أن الرب أكمل في هذا العيد عمل الراعي العظيم (لوقا 15/ 4-7). فالكنيسة تدعونا لتحمل مسؤولية الشهادة لرسالة الإنجيل التي تركه لنا السيد المسيح وإعلانها بعون الروح القدس وإرشاداته. فليؤيدنا الرب للقيام بمسؤوليتنا، وشهادتنا كلٌ في موقعه وحسب طاقاته كي نواصل الرسالة التي بدأها يسوع فنصير ليسوا شهود عياّن كالجماعة المسيحية الأولى بل شهود عنه بالإيمان.
في أي مزار يُحيي المؤمنون ذكرى صعود الرب؟
بُني مزار على قمة جبل الزيتون في القدس كي يُحيي صعود الرب يسوع إلى السماء. إذ يروي لوقا الإنجيلي أن السيد المسيح – بعد أربعين يوماً من قيامته “خَرَجَ بِهم إِلى القُرْبِ مِن بَيتَ عَنْيا، ورَفَعَ يَدَيهِ فبارَكَهم. وبَينَما هو يُبارِكُهم اِنفَصَلَ عَنهم ورُفِعَ إِلى السَّماءِ "(لوقا 24/ 50 -52 أعمال الرسل 1/ 1-12) وفي عام 378 شيّدت بومينا إمراء تقية من عائلة الإمبراطور كنيسة بيزنطية عرفت باسم “امبومن” أي “على المرتفع”. وهي عبارة عن بناء مستدير الشكل بلا سقف ليدل الجميع على طريق السماء تتوسطه الصخرة المباركة حيث ارتفع المخلص تاركاً أثر قديمة الطاهرتين. وأرضيتها مرصوفة بالفسيفساء في عام 614 دمّر كسرى ملك الفرس مزار الصعود. وبعد سنتين قام البطريرك مودستس بترميم الكنيسة. وإبان الفتح العربي عام 638 حافظ المسلمون على الكنيسة. ولكن السلطان الفاطمي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز أمر بهدم الكنيسة عام 1009 وفي القرن الثاني عشر بنى الصليبيون كنيسة مثمنة الشكل فوق أنقاض الكنيسة المهدمة ويتوسطها بناء مستدير يحوي مذبحاً تحته صخرة تشير إلى موقع صعود الرب وفي عام 1187 هدم صلاح الدين الأيوبي الكنيسة ولم يبق سوى المزار الصغير المثمن الشكل في وسط الساحة. وتحوّلت ممتلكات الكنيسة إلى وقف إسلامي عام 1198. ويعلو المزار قبة أقامها المسلمون عام 1200 ولم يُنصب على القبة صليب أو هلال بل عمود رخامي ليشير أن المزار هو مكان صلاة لجميع المؤمنين. اذ يؤيد القرآن الكريم رواية الصعود بقوله “إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ (سورة آل عمران 55) يذهب الآباء الفرنسيسكان والطوائف الأخرى: الروم الأرثوذكس والأرمن والأقباط والسريان كل سنة في عشية عيد الصعود إلى هذا المقام الشريف فيقضون الليل هناك تحت الخيام، ثم يجتمع الشعب في صباح العيد لحضور المراسيم الدينية وتلاوة التسابيح وصلاة المزامير. ويجدر بنا أن نورد ما تأمله يوما القديس أوغسطينوس “هنا عاش المسيح. هنا أثر قدميه الطاهرتين فلنؤدي له الإكرام حيث أراد أن يقف في المكان الأخير. ومنه صعد إلى السماء وأرسل تلاميذه إلى العالم”. ولنتذكر ما وعدنا به الرب: “وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم” (متى 28/ 20).
الأب لويس حزبون - فلسطين
المزيد
19 يناير 2025
الظهور الإلهي عند ق. يوحنا ذهبي الفم
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم إن كثيرين يحتفلون ويعرفون أسماء الأعياد، ولكنهم يجهلون الأسباب التي من أجلها صارت هذه الأعياد إن احتفال اليوم كما يقول، يسمى "أبيفانيا" أي ظهور، وهو معروف للجميع، ولكن هذه الأبيفانيا، هل هي واحدة أم أثنين. هذا ما لا يعرفونه. فبينما يحتفلون بهذا العيد كل عام، إلاّ أنهم يجهلون أمره هكذا أراد القديس يوحنا ذهبي الفم أن يوضح بعض الحقائق الغائبة عن الشعب فيما يختص بعيد الظهور الإلهي. فالأمر بحسب رؤيته لا يتعلق بظهور واحد، بل بظهورين، واحد هو الذي حدث في مثل هذا اليوم، والثاني سيحدث بطريقة مجيدة في المستقبل، في المجيء الثاني. ويستند في هذا إلى ما قاله الرسول بولس، عن كل ظهور من الاثنين. فيما يختص بالظهور الأول، يقول: " لأنه قد ظهرت نعمة الله المُخلِّصة لجميع الناس معلِّمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر" وعن الظهور الثاني في المجيء الثاني يكتب "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تي11:2ـ13) ويقول يوئيل النبي وعن هذا الظهور الثاني " تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف" (يوئيل2ـ31) ثم يتساءل ق. يوحنا ذهبي الفم لأي سبب سُمى ”أبيفانيا“؟ يقول بسبب أن المسيح صار معروفاً للجميع، عندما تعمد، لأنه حتى ذلك اليوم، لم يكن معروفاً من الكثيرين. هذا ما يتضح من قول يوحنا المعمدان " وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي. الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس" (يو1ـ33). ثم يطرح القديس يوحنا ذهبي الفم تساءل أخر، وهو لأي سبب آتى المسيح ليعتمد، وما هو نوع معموديته؟ ويجيب على ذلك بالآتي كانت توجد المعمودية اليهودية، وهذه المعمودية كانت معنية بنظافة الجسد فقط، وليس بخطايا الضمير، مثل مس عظام الأموات، تناول الأطعمة المحرمة، الاقتراب من الأموات، مثل هذا كان عليه أن يغتسل، ويبقي دنساً حتى المساء، بعد ذلك يتطهر، هكذا جاء بسفر اللاويين " من مس فراشه (الذي له السيل) يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء" (لا15ـ5). وبعد ذلك يتطهر. وقد أعدهم الله بهذه الممارسات لتلك اللحظة، لكي يكونوا أكثر استعداداً، وفي صورة أفضل لفهم الأمور الأكثر سمواً إذاً فالمعمودية اليهودية لم تكن تخلِّص من الخطايا، ولكنها فقط كانت معنية بالتطهير من النجاسة الجسدية. ثم كانت هناك معمودية يوحنا والتي هي بالتأكيد أفضل من المعمودية اليهودية، لكنها أقل من معموديتنا فهي بمعنى ما تمثل جسراً بين المعموديتين. لأن يوحنا لم يقد الشعب نحو حفظ التطهيرات الجسدية، لكنه نصحهم ووعظهم أن يبتعدوا عن هذه الأمور (الخاصة بالجسد فقط) وعن الخطية، ويعودوا إلى الفضيلة، وأن يعتمدوا، ويترجون خلاصهم بالأعمال الحسنة وليس بنظافة الجسد بالماء. فهو لم ينصح بغسل الملابس وغسل الجسد، لكي يصيروا في حالة نظيفة، بل قال: " أصنعوا ثماراً تليق بالتوبة" (مت8:3) أما من جهة أن معمودية يوحنا هي أفضل من المعمودية اليهودية، وأقل من معموديتنا نحن، فهذا راجع إلى أن معمودية يوحنا لا تمنح الروح القدس، ولا تهب غفران الخطايا، الذي يعطى بالنعمة الإلهية، لأن يوحنا كان يكرز بالتوبة فقط، ولا يملك سلطان غفران الخطايا. ومن أجل هذا قال: " أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت11:3)
وهنا تحديداً يطرح سؤال آخر، حول معنى عبارة " بالروح القدس ونار"؟ في الحقيقة هذا الأمر مرتبط بحادثة حلول الروح القدس يوم الخمسين، حيث ظهرت ألسنة من نار أمام الرسل وحلّتْ على كل واحد منهم أما من جهة أن معمودية يوحنا لم تكن تملك منح الروح القدس، ولا غفران الخطايا، فهذا واضح من اللقاء الذي تم بين الرسول بولس وبعض التلاميذ، فعندما سألهم: " هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم. قالوا ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم فبماذا اعتمدتم. فقالوا بمعمودية يوحنا. فقال بولس إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة" (أع2:19ـ4) هكذا يظهر من هذا الحوار القصير، أن معمودية يوحنا، كانت للتوبة فقط، ولم تكن معمودية غفران.
السؤال الآخر المطروح، لأي هدف كان يوحنا يعمد؟ كان يوحنا يعمد تمهيداً لمجيء المسيح الذي كان يعمد بالروح بحسب شهادته هو شخصيًا " الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الأرض فهو أرضي ومن الأرض يتكلم" (يو31:3). ثم يكمل " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو36:3) ولذلك يخبرنا سفر الأعمال، في الحوار الذي أشرنا إليه، والذي دار بين ق. بولس والتلاميذ، أن التلاميذ " لما سمعوا من بولس اعتمدوا باسم الرب يسوع ولما وضع يديه عليهم حل الروح القدس عليهم" (أع4:19ـ6). وهكذا كما هو واضح أن معمودية يوحنا كانت ناقصة، وإلاّ لما كان ق بولس قد عمّدهم ووضع عليهم يديه.
د. سعيد حكيم يعقوب
المزيد
13 يناير 2025
التجسد وثماره عند القديس يوحنا ذهبي الفم
لقد حمل التجسد الإلهي للبشرية ثمارًا مفرحة وجديدة، ذلك لأنها ثمار روحية، أي ثمار يهبها الروح، وهذا هو الجديد، أن الهبات والعطايا الممنوحة للبشر، صارت لها ملامح متميزة، بسبب أن مصدرها روحي.
عطية الروح القدس
هذا ما يؤكده القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة له عن الميلاد، قائلاً [ أخذ جسدي لكي أسع الكلمة في داخلي.. ومادام قد أخذ جسدي فقد أعطاني روحه، حتى تقدم لي كنز الحياة الأبدية. يأخذ جسدي لكي يقدسني. ويعطيني روحه لكي يخلصني] هنا يشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى عطية الروح، باعتبارها كنز الحياة الأبدية، ومصدر التمتع بالخلاص، كما ذكر [ يعطيني روحه لكي يخلصني]، ذلك لأن الروح هو في كل شئ يقود الإنسان نحو الكمال ولذلك فإن حضور روح الله وعمله سواء في الكتاب المقدس أو في التقليد الآبائي، قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بعطية الحياة. هكذا كُتب في المزمور 32 " بكلمة الرب تأسست السموات وبروح فيه كل قواتها" (6:32س). ولذلك لا تستطيع أي نفس أن تتمتع بثمار الروح، إن لم تدخل في شركة هذا الروح المحيي. يقول القديس مقاريوس: [ إن النفس العريانة والمقفرة من شركة الروح، الواقعة تحت فقر الخطية المرعب، لا تستطيع ـ حتى إذا رغبت ـ أن تثمر أي ثمر من ثمار روح البر بالحق. قبل أن تدخل في شركة الروح] . ليس هذا فقط، بل إن عطية الحياة العظمى والمتمثلة في الاتحاد بشخص المسيح، تتطلب شركة الروح.
الاتحاد بشخص المسيح
ومن أجل هذا، فقد أكد الرسول بولس على مدى الارتباط الوثيق بين نوال "قوة الروح القدس" وبين "حلول المسيح" بالإيمان في قلوب المؤمنين للحصول على كل ملء الله؛ " بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح.. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" (أف14:3ـ17) هذه الرؤية التي تشدد على أهمية عمل الروح القدس داخل النفس الإنسانية، لنوال الشركة الحقيقية مع الله هى رؤية مشتركة لدى الآباء ولهذا فإن الثمر الفائق الوصف الذي ناله الإنسان بالتجسد، هو شخص المسيح نفسه. هذا ما يشرحه القديس يوحنا ذهبى الفم قائلاً: [ إن الاتحاد بالمسيح هو أعظم مكافأة لأنه هو الملكوت وهو الفرح، وهو المتعة، وهو المجد والكرامة، وهو النور، وهو السعادة غير المحدودة، الذي لا يستطيع الكلام أن يُعبّر عنه، غير الموصوف، غير المدرك ] . فالمسيح له المجد كان كل شئ بالنسبة للتلاميذ، ولم يكن في حساباتهم الفوز بملكوت السموات. يقول داود النبى: " ما لى في السماء ومعك لا أريد شيئًا على الأرض ". أى أنه لا يتمنى شيئًا من الأمور السمائية، ولا من الأمور الأرضية، لا شئ يتمناه سوى الله. إذن التمتع بالحياة الأبدية، لا يكون إلاّ عن طريق الاتحاد بالابن، كما يقول الرسول يوحنا: " إن الله أعطانا حياة أبدية. وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة. ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يو11:5). وهو ما جعل الرسول بولس يقول: " ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة بل إني أحسب كل شئ أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه" (في7:3ـ8).
نوال البنوة لله (التبنى)
وأيضًا فإن نوال البنوة لله، لم يكن ممكنًا أن يتم إلاّ من خلال الابن كما أشار القديس بولس: " لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غل26:3)، ويشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى أهمية اتحاد الإنسان بالمسيح قائلاً: [ لقد أخذ جسدًا إنسانيًا لكي يسكن فينا] . وسكنى المسيح داخل الإنسان تعنى بالضرورة القدرة على السلوك كما سلك المسيح، هذا ما يؤكده القديس يوحنا الإنجيلي قائلاً: " من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2).
نتائج اجتماعية
ولم يكن المسيح له المجد بالنسبة للناس نموذجًا نمطيًا، لكنه كان يمثل اتجاهًا جديدًا، يحمل رؤية جديدة للحياة، قادت إلى تغيير جذري للتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة، ولذلك أحبه الجميع، لأنه أحب الجميع، والتف حوله كل الناس. وهذا ما دعا رؤساء الكهنة أن يقولوا " هوذا الكل قد صار وراءه". والحقيقة أن الكل قد صاروا وراءه، لأنه رفع من مكانة الفئات المتدنية في المجتمع، وألغى الفوارق الاجتماعية والعنصرية بين الناس. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن ميلاد المسيح العجيب [ ذاك الذي يفك ربط الخطية لُف في لفائف، لأن هذه هي إرادته، لأنه أراد للهوان أن يتحوّل إلى كرامة، وللعار أن يكتسي بالمجد، ولحالة الهوان أن تتحول إلى حالة الفضيلة] هذه الإرادة لتغيير حالة الإنسان من وضع الهوان والعار والمذلة إلى وضع الكرامة والمجد والفضيلة، تكشف عن المحبة غير المحدودة من قِبل الله تجاه الإنسان. فكل الفوارق الاجتماعية لم يعد لها وجود: " ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر وانثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع" (غل28:3)، أي أن الجميع صاروا واحد في المسيح، هكذا أكد القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن التناول: [ هل أنت غنى؟ حتى وإن كنت؛ فليس لك أفضلية على الفقير. هل أنت فقير؟ إنك لست أدنى
من الغنى. فالفقر لن ينتقص من أفراح المائدة الروحية. لأن النعمة هى من الله وهى لا تميز بين الأشخاص. هذه هى العطايا الروحية، التى لا تقسم المجتمع بحسب المناصب، بل بحسب المستوى الروحى وبحسب استقامة أفكار كل أحد. ولهذا فإن الملك والفقير يتقدمان معًا نحو الأسرار الإلهية بنفس الثقة وبنفس الكرامة، لكى يتمتعا بالتناول منها. لأن لباس الخلاص هنا هو واحد للجميع أغنياء وفقراء، والرسول بولس يقول " لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح " (غل27:3) هذه هى ملامح الحياة الجديدة في المسيح، اختفاء كل أثر للتمييز بين البشر، الجميع في المسيح واحد، وهذا كان واضحًا منذ البداية، عندما دخل إلى المجمع ودُفع إليه سفر إشعياء النبي ليقرأ، فوجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه: " روح الرب علىَّ لأنه مسحني"، لماذا؟
لأبشر المساكين.
لأشفي المنكسرى القلوب.
لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر.
لأرسل المنسحقين إلى الحرية.
لأكرز بسنة الرب المقبولة..
" ثم طوى السفر وأعطاه للخادم وقال: اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم". أي أنه بحضور المسيح في الزمن، قد تحقق كل هذا، لقد رفع المسيح من شأن الفئات المُهمشة، والتي ليس لها أحد يذكرها. وفي حديث القديس يوحنا ذهبى الفم عن ميلاد المسيح العجيب يقول: [ إن الرجال أتوا لكى يسجدوا لذاك الذي صار إنسانًا وخلّص العبيد من الشرور التي أصابتهم. أتى الرعاة لكى يسجدوا للراعى الصالح الذي قدم حياته من أجل الخراف، أتى الكهنة لكى يسجدوا لذاك الذي أخذ شكل العبد لكى يمنح الحرية للمستعبدين ] هكذا أسس المسيح له المجد ملكوت الله في الزمن، وجعل الأرض سماء وجمع الناس مع الملائكة كما يقول القديس يوحنا ذهبى الفم في عظة له عن الصليب.
د. سعيد حكيم
المزيد
09 يناير 2025
رحمة الله الظاهرة للبشر في تجسد ابن الله للقدّيس يوحنا الذهبي الفم
يقول القديس بولس الرسول: "لأنّه هو سلامنا جعل الإثنين واحداً ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة" (افسس2: 14) الحق! إن المتجسد من العذراء نقض حائط السياج الحاجز، وصار الاثنان واحداً. تبدّد الظلام وأشرق النور وغدا العبيد أحراراً والأعداء بنين. زالت العداوة القديمة وساد السلام المرغوب من الملائكة والصِدّيقين منذ القديم، لأن الأمر المدهش قد تمّ، وهو أنّ ابن الله صار إنساناً، فتبعته الأشياء كلّها، المخلص يضع ذاته ليرفعنا، ولد بالجسد لتولد أنت بالروح. سمح للعبد أن يكون له أباً، ليكون السيد أباً لك أيها العبد. فلنفرح ونبتهج كلنا. لأن البطريرك "إبراهيم قد ابتهج ليرى فرأى وفرح" (يوحنا8: 56) فكم بالحري نحن الذين رأينا الرب في الأقمطة! لذلك، يجب علينا أن نسَّر ونبتهج بعظمة إحسانه إنه لأمر يستحق الانذهال. لقد ساد السلام لا لمبادرتنا إلى الرب نحن الذين أخطأنا إليه وكدرناه، بل لأن الساخط علينا نفسه قد شفق علينا. "فأسألكم من قبل المسيح أن تتصالحوا مع الله" (كورنثوس الثانية 5: 20) إذ خلق العلي بنعمته وحدها الانسان وأعطاه على الأرض أجمل مكان ليعيش فيه، ووهبه وحده العقل بين المخلوقات كلها، وسمح له برؤيته تعالى، والتلذذ بالحديث معه، ووعده بالخلود، وملأه بالنعم الروحية حتى أن الإنسان الأول تنبأ؛ ولكنه بعد هذه الخيرات كلها رأى العدو أجدر بالايمان ممن وهبه جميع ما ذكر، فاحتقر وصية الخالق وفضل من كان يعمل على هلاكه بكل الوسائط. ومع ذلك فما أباد الله الارض كما تقتضي العدالة، لما أظهر الإنسان من العقوق وعدم معرفة الجميل. بل صار يُعنى به أكثر من الأول، لأن الخطر اشتد كثيراً بعد استسلام جنسنا للإثم، وتعرضه للهلاك. ولكن الآب السماوي اهتم للخاطئ وحدثه كصديق مبيناً له خطر الهلاك المحدق به، ثم أعطاه الشريعة كمساعد له، وأرسل الأنبياء لتعلمه ما يجب عليه أن يفعل. "ثم أرسل له وريثه نفسه – أي ابنه – مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية4: 4و5) لذلك نرى نبي الله متعجباً من حكمة الضابط الكل وصارخاً : "هذا هو إلهنا قد تراءى على الأرض وتردد بين البشر" (باروك 3: 38) ابن حقيقي لاب أزلي لا يعبر عنه ولا يدرك، اجتاز أحشاء بتولية، وتنازل ان يُولَد من عذراء، ولم يكفّ عن العمل والشروع بالأشياء حتى جاء بنا نحن الأعداء إلى الله، وصيّرنا اصدقاء له، فكان كمن يقف بين اثنين متقابلين باسطاً ذراعيه لهما ليوحدهما معاً. هكذا فعل ابن الله موحداً الطبيعة الإلهية مع البشرية، أي خاصته مع خاصتنا. هذه وفرة نعمة الرب. إن الذي غضب يسعى للسلام قاهراً المغتصب. قد يخلع الملك تاجه أحياناً ويلبس حلة جندي بسيطة حتى لا يعرفه أحد من أعدائه. أما السيد المسيح فقد جاء لابساً حلتنا حتى يُعرف، ولا يدع العدو يفر هارباً قبل القتال، ويدعو أتباعه إلى الاضطراب، إن غاية ابن الله هي الخلاص لا الإرهاب ربما تقول: لماذا لم تكمل هذه المصالحة بواسطة أحد الأرواح غير المتجسدة أو أحد البشر، بل بواسطة كلمة الله؟ فالجوابلأنه لو حصلنا على الخلاص بواسطة أحد الصديقين لما علمنا مقدار عظم اهتمام السيد بنا، ولما أصبح موضوعاً للإعجاب مدى الأجيال. فانه ليس بالأمر المدهش الفريد لو دخل مخلوق في الاتحاد مع مخلوق آخر؛ وبالتالي، لما قدر الإنسان أن يعمل عملاً إلهياً. وسرعان ما يسقط الأرضي، كما عمل اليهود، إذ حوّلوا خلاصهم المعطى لهم بواسطة موسى إلى شرور أشدّ من التي تحمّلوها في أرض مصر، وكادوا يؤلهون موسى بعد موته. إنهم أرادوا أن ينادوا به إلهاً، وهم يعلمون أنهم معه من طبيعة واحدة. وأخيراً لو أرسل ملكاً أو بشراً لاجل إنقاذنا من السقوط لما حصلنا على الخلاص ولا قدرنا أن نقترب من الذي حصلنا عليه الآن. ولو أن قوام خلاصنا حصل من طبيعة ملائكية أو بشرية فكيف يُعطى لنا أن نجلس عن يمين الآب السماوي ونصير أعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة، ونستحق ذلك الشرف الذي تتمنى القوات العلوية الدخول في مجده. ولو حرم الجنس البشري من هذا النصيب المغبوط ألا يظهر عدونا القديم كبرياء أعظم من الاولى ويفكر بتهييج السماء ذاتها؟ فمن أجل هذه الاسباب وغيرها أخذ ابن الله الطبيعة البشرية وكمّل خلاص الجنس البشري كله وعليه إذا تصورنا عظمة تنازل الله فلنعطِ السيد الشرف الواجب، لأننا لا نقدر أن نكافئه إلا بخلاص نفوسنا، وبالاهتمام بالقريب. وليس من عيد أفضل من اهتمام المسيحي الحقيقي بالقريب، والاجتهاد بخلاصه. لأنّ المسيح لم يرضِ ذاته بل الكثيرين. هكذا يقول رسول المسيح: "غير طالب ما يوافقني بل ما يوافق الكثيرين لكي يخلصوا " (كورنثوس الاولى 10: 33).
عن كتاب منهج الواعظ لأبيفانيوس مطران عكار، 1971
المزيد
04 يناير 2025
الأحد الرابع ميمر ميلاد يوحنا المعمدان للقديس يوحنا ذهبي الفم
أريد الآن أن أشرح لكم مديح القديس يوحنا المعمدان فأقول أنا الناقص طوباك أيها المغبوط يوحنا المعمدان ولوالداك زكريا الذي طلب من الله فرزق بك طوباك أيها القديس يوحنا وطوبى لوالدتك اليصابات التي ولدتك وأرضعتك لبن ثدييها الطاهرين أي لسان جسداني يقدر أن ينطق بميلادك كما يليق بكرامتك فانه لا يستطيع لسان ملائكي أن ينطق بكمال سيرتك الا من كان الله معه طوباك أيها القديس يوحنا لأنك بالحقيقة قلت الحق طوباك أيها القديس يوحنا وطوبى لوالدتك اليصابات التي ولم تغير في أقوالك ولم ترجع عن الحق أشاء اليوم يا كاهن الله العلى أن أتكلم بقدر يسير من فضائلك وحسن سيرتك وتأخرت عن ذلك لاني انسان و عاجز وثقيل اللسان كثير الخطايا فليس لى أن اكمل سيرتك أو أن أسرد نسكيات فأنا أعرف ضعفى وعدم معرفتي يا سيدي يوحنا ان سيدك متحنن ورؤوف وقبل من الأرملة المسكينة الفلسين اللذين القتهما فى الخزانة أكثر من أموال الأغنياء فلتقبل منى تقدمتى الحقيرة في خزائنك المملوءة غنى من الخيرات الدائمة لأنك غنى بالرب ولا تحتاج الى أقوال هذا العالم فان السيد مدحك ودعاك الملاك المرسل أمام وجهه فما تحتاج الى مديح البشر لأن سيرتك تشبه سيرة الملائكة ،ومن في جميع الأبرار والرؤساء يستطيع أن يصف ما يليق بك ؟ من فى الحكماء والفلاسفة يستطيع أن ينطق أقوالا توافق كرامتك ؟ وتطابق جنسك الكريم أيها النبي الصادق والكاهن الحقيقى المتقدم أمام عمانوئيل والكارز القوى ، والبتول العفيف الذى لا يعرف شهوات العالم ان قلت أنك ملاك فأنت الملاك الجسداني ،والانسان الروحاني لأنك تشبهت بسيرة الملائكة ،وان قلت انك نبي فأنت أفضل من نبى كما شهد عنك ربك وسيدك ،وان قلت أنك شهيد فأنت أول شهيد في العهد الجديد قد قطعت رأسك وان قلت انك ناسك فأنت أول من سكن البرية وتنسك فيها بالحياة الشظفة ،وان قلت انك راهبا فأنت رئيس الرهبان وأول من لبس ثوب البر على جسده وتمنطق بمنطقة على حقويه وان قلت انك رسول ومنذر ومبشر فأنت أول من كرز وبشر بمجيء السيد المسيح عمانوئيل فكنت تقول للجميع "أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن يأتى بعدى من هو أقوى منى الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار " ( مت ۳ : ١١) لقد كنت مبشرا قدامه ولم تستح أن تقول الحق لهيرودس حتى الموت لم ترهب سطوته فماذا أقول وفكرى منذهل ومتعجب،ومن أهلا في هذا العالم أن يشاركني مديحك أو يفهمني الكلام الذي يليق بك ! أريد غبريال الملاك الذي ابتدأ يمدحك بقوله عنك لزكريا أبيك ( يكون عظيما أمام الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب ومن بطن أمه يمتلىء من الروح القدس ) ( لو ١ : ١٥ ) وقال عنك أنك تتقدم الابن الكلمة بالروح بقوة ايليا فترد قلوب الآباء الى الأبناء ، والعصاة الى عالم الأبرار وتعد للرب شعبا مستقيما احتاج اليوم الى جبرائيل الملاك وزكريا ليمدحوك عنك ( وانت أيها الصبي نبي العلى تدعى لانك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه لتعطى شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم » ( لو ١ : ٧٦ - ٧٧ ) احتاج اليوم الى جبرائيل الملاك وزكريا ليمدحوك بالسنتهم الصادقة ، الواحد ناري من السماء ،والآخر انسان من الأرض ملاك الرب النار المتقدة ،وكاهن العلى خادم الهيكل المقدس فقد مدحك السمائيون والأرضيون لا سيما سيد الخليقة جميعها قال عنك للجموع « لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان » فأهل الأرض لا يستطيعون مديحك ،وأنا المسكين لا أستحق أن أذكر اسمك الطاهر على شفتى النجستين وانما تجاسرت بشرح اليسير من سيرتك لأجل فرح الشعب المجتمع معنا اليوم في تذكارك متهللا فرحا مسرورا طالبين شفاعتك والرحمة من الله لأجل اسمك فان كنتم تحبون يوحنا المعمدان فاسمعوا أقواله توبوا فقد اقترب منكم ملكوت السموات اعملوا أعمالا تليق بالتوبة أيها الرعاة ارعوا رعية الله التي دفعت اليكم بمحبة وفرح لكيما اذا ظهر رئيس الرعاة تفتخرون لديه أيها الرهبان احبوا النسك مع الصوم والصلاة لتكونوا أولادا ليوحنا المعمدان البار والكارز المختار فرح البراري والقفار أيها النساء أحببن الطريق المستقيمة لتكونوا بناتا لاليصابات البارة أيتها البنات ،والعذارى أحببن الطهارة والنقاوة لكيما تكن بنات لمريم القديسة العذراء أيتها الأرامل أحببن الله من كل قلوبكن واخد منه بمخافة لتكن بنات لحنة النبية بنت فنوئيل فانها أقامت أربعة وثمانين سنة ملازمة الهيكل ليلا ونهارا كونوا محبين بعضكم بعضا مصلين بعضكم لأجل بعض شاكرين عمانوئيل الهنا الذى بمجد أبيه وروح قدسه له المجد الدائم الى الأبد آمين .
المتنيح القمص سمعان السريانى
عن كتاب روحانية قراءات شهر كيهك
المزيد