إن سيدنا ومخلصنا له المجد جعل نفسه خادماً ، وقال : " أنا بينكم كالذي يخدم " ( لو ٢٢ : ٢٧ ) ، " أنتم تدعونني معلماً وسيداً وحسنا تقولون لي لأني أنا كذلك ، فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فيجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض " ( يو ١٣ : ١٣ ، ١٤ ) . والحقيقة عندما نتأمل ما معنى غسل الأرجل ؟ ولماذا كان غسل الأرجل في يوم خميس العهد ؟ وما حكمة المسيح في أنه يقوم ويغسل أرجل تلاميذه ؟ هل هو مجرد ممارسة عمل من أعمال الضيافة التي كانت تقتضيها ظروف ذلك الزمان ؟ لم يكن هناك أحد يوم خميس العهد جاء من مكان بعيد حتى أنه يغسل أرجلهم بإعتباره المضيف ، إنما كان هناك لاشك معانى واسعة في أنه وهو المعلم وهو السيد يأخذ وضع الخادم . فهنا قلب المسيح مفهوم الخدمة . الخادم ليس هو الإنسان الذي يتكلم من فوق والناس من تحت ، لا .. ، الخادم هو الذي ينحنى ويأخذ الوضع الأدنى ، والمخدوم يكون هو في الوضع الأعلى ، هذا الكلام ليس معناه التواضع ، ولكن هذا هو مفهوم لمعنى الخدمة . ما معنى الخدمة ؟ الخدمة أن يسدى الإنسان الخير لإنسان في حاجة إليه ، وإحتياجات النفس البشرية كثيرة ، ليست نوع واحد ، إذن كل نوع من الخير يسديه الإنسان إلى آخـر في حاجة إليه ، هذه خدمة بكل معنى كلمة الخدمة ، فالخدمة ليست فقط أن يلقى الإنسان درساً أو أن يلقى عظة أو أن يقف على منبر ليكلم غيره من الناس ، ينقل إليهم خبرا أو ينقل إليهم تعليما ، ليس هذا هو المفهوم الكامل للخدمة ، هذا جزء من عمل الخدمة ، إنما هناك مفهوم أعم وأشمل للخدمة . فإذا وجد الإنسان أعمى في الطريق وأمسكه بيده وقاده فهذه خدمة ، حتى لو كانت خدمة ليس فيها نوع من الكلام ، في بعض الأحيان يكون هناك إنسان مجرب أو متألم أو حزين ، لمناسبة أو لأنه فقد قزيبه أو عزيزاً عليه ، في بعض الأحيان عندما تكون التجربة صعبة الإنسان لايجد كلام يقوله لهذا الإنسان المكلوم ، مثل هذا الإنسان ذو التجربة القاسية عندما تعزيه ، تكون حالته النفسية متعبة ، لدرجة أنه يشعر أن أي نوع من الكلام كأنه رجم الطوب بالنسبة له ، خصوصا بأن يوجد بعض الناس عندما تعزى ، يكون عزاؤها فيه نوع من اللوم والتقريع لهذا الإنسان ، إذا صدر منه أي مظهر من مظاهر الحزن غير المرغوب فيه ، ففي بعض الأحيان لايفيد الكلام ، أو يكون مؤلم بالنسبة لهذا الظرف المعين رغم أنه يحتاج إلى من يكلمه كلاماً يعزيه أو يصبره أو يجعله يحتمل ، لكن في بعض الأحيان مجرد الوجود مع الشخص حتى لو لم يكن هناك كلام ، يكون له فائدة ويكون نوع من الخدمة . عندما الإنسان يحس أن من هم حوله يحملون معه التجربة أو الألم ، هذه بمفردها وبدون كلام تعمل على التخفيف وعلى الترطيب وعلى التهدئة ، وأقول في بعض الأحيان ، يكون الصمت أفضل من الكلام أمام بعض التجارب المؤلمة . فمجرد وجودك مع إنسان متعب ، كونك تجلس معه حتى لو لم تكلمه كلاما ، وجودك بجواره خدمة ، إذن ليست الخدمة فقط في مفهومنا هي الدرس الذي يلقيه الإنسان ، أو العظة أو التعليم ، لا شك أننا محتاجين لهذا ، لكن هذا ليس كل شيء ، نريد أن نوسع مفهوم الخدمة ، فلا تكون الخدمة فقط الدرس الذي هي نلقيه أو العظة أو المحاضرة أو الحديث ، وإن كان لا غنى لنا عن هذا ، إنما أيضا هناك أنواع أخرى من الخدمات ، يمكن أنها تسدى خيرا لأشخاص في حاجة إليها ولا يكونون في حاجة إلى وعظ أو إلى درس أو إلى محاضرة .
نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات
وللحديث بقية
غسل الأرجل ومفهوم الخدمة
24 يونيو 2022
عدد الزيارات 420