مقالات

عبارة عن جزء مؤلف يعمل على علاج موضوع محدد من ناحية تأثر الكاتب به. • المقال هو أداة الصحفي التي يعبر بها عن سياسة الصحيفة وعن آراء بعض كتابها فى الأحداث الجارية. • المقال فن نثري يبين الكاتب فيه قضية معينة أو فكرة ما بأسلوب منظم ومشوق. • المقال فن ملخص بالكلمات و العبارت حول مسألة بالتلميح أو التصريح. • المقال نوع من النثر الفني يتم عرض موضوع معين بشكل متسلسل مترابط يبين فكرة المؤلف وينقلها إلى القارىء والسامع نقلاً ممتعاً ومؤثراً. المقال هو لسان حال المواطنين وصلة الوصل بينهم وبين الحكام والحكومات.
المقالات (2442)
23 يونيو 2025
الروح القدس المعلم والمعزى
أولاً الروح القدس المعلم....
الروح القدس يهب المؤمنين الحكمة والفهم والأستنارة وهو الذى وهب يوسف الصديق ودانيال النبي موهبة الحكمة وتفسير الأحلام والشفافية الروحية بل حتى فى أعمالنا نحتاج لروح الحكمة من الله للنجاح والتفوق كما منح الله بصلئيل قديما حكمة لصنع أدوات وأواني خيمة الشهادة { وكلم الرب موسى قائلا انظر قد دعوت بصلئيل بن اوري بن حور من سبط يهوذا باسمه وملاته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة} (خر 3 : 1-3) ولهذا علينا ان نصلى ونطلب حكمة من الله { وانما ان كان احدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له} (يع 1 : 5) فروح الله هو روح الحكمة والفهم { ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب }(اش 11 : 2) وقد وعدنا الرب بان الروح القدس هو الذى يتكلم على السنتنا للشهادة للإيمان { فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا بل مهما اعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لان لستم انتم المتكلمين بل الروح القدس }(مر 13 : 11) الروح القدس يعلمنا طريق الرب ووصاياه وكلامه ويقودنا الى الحق ويهبنا الحكمة لكي نسير في طريق الرب الروح القدس هو الذى قاد الأنبياء والرسل فى كتابتهم للكتاب المقدس وعصمهم من الخطأ { لانه لم تات نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس} (2بط 1 : 21). وهو الذى يعلمنا ويذكرنا بكل تعاليم السيد المسيح {وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى، فهو يعلمكم كل شئ، ويذكركم بكل ما قلته لكم} (يو14: 26). والروح القدس يقودنا الى الحق والإيمان {متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق} (يو16: 13). وهو الذى يوحي للبشر بالرؤى والاحلام والأمور المستقبلية كما تنبأ عنه يوئيل النبي{ ويكون بعد ذلك اني اسكب روحي على كل بشر فيتنبا بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم احلاما ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد ايضا وعلى الاماء اسكب روحي في تلك الايام.} ( يوئيل 28:2-29) { ويخبركم بأمور آتية}(يو16: 13). والذين ينقادوا لروح الله يرشدهم وقال القديس يوحنا عن مسحة الروح القدس {وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ثابته فيكم. ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ، وهي حق} (1يو2: 27). إن الروح القدس هو المعلم والمرشد. يعلمنا كل شئ، ويكشف لنا الحق ويذكرنا بكل وصايا السيد المسيح.
ثانياً: الروح القدس المعزي
الروح القدس هو الملازم للنفس والموصل للتعزية والصبر والرجاء وقد دعى أسمه المعزى. فالمؤمنين يجدوا منه التعزية { واما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر } (اع 9 : 31). روح هو الله هو مصدر العزاء لكل المحزونين والمتضايقين ولهذا يقول الرسول بولس { مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح ابو الرافة واله كل تعزية. الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع ان نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله. لانه كما تكثر الآم المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا ايضا.}( 2كو 3:1-5). الروح القدس يهب الفرح للمحزونين والصبر للمتضايقين والرجاء للبائسين والسلام للمجربين والإيمان والقوة للضعفاء والساقطين. وهو الذى يبكت الخاطئين ليتوبوا ويرجعوا لله وهو معلم ومعطي الحكمة للجهال وفيه لنا الرجاء كل حين { وليملاكم اله الرجاء كل سرور وسلام في الايمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس}(رو 15 : 13)فليتنا نطلب منه عزاءنا كل حين، أمين
الروح القدس والتجديد
ثالثاً : الروح القدس واهب التجديد
أن التجديد والنمو دليل حياة الكائن الحي وتطوره للأفضل. والإنسان عليه أن يؤمن بمحبة الله المعلنة فى المسيح يسوع ربنا بالروح القدس والتى تهب لنا بالمعمودية نعمة البنوة لله وغفران الخطايا والإستنارة الروحية. وبالتوبة المستمرة تجدد الذهن ليرفض المؤمن الفكر الشرير والماضي الخاطئ وينطلق في حياة البر والتقوى الى أفاق المستقبل والحياة الأفضل. وهذا من عمل الله بروحه القدوس واهب الحياة الذى يؤازر جهادنا الروحي { ترسل روحك فتخلَق، وتُجدّد وجه الأرض} (مز 104: 30). المؤمن يصلي الى الله ويعترف بضعفاته ويتوب عنها ويكتسب عادات إيجابية جديده ويسعي فى عمل الخير ويستجيب وينقاد لعمل الروح القدس وإرشاده لهذا يدعونا الكتاب المقدس على البعد عن السلوك كأهل العالم ويحثنا علي معرفة إرادة الله الصالحة وتنفيذها فى حياتنا { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2) الروح القدس هو الذى يغير القلب والفكر والروح ليكون لنا فكر المسيح، فنسلك فى محبة الله وطاعة وصاياه بنشاط وفرح وتدقيق { وأعطيهم قلبا واحدا وأجعل في داخلهم روحا جديدًا، وأنزع قلب الحجر من لحمهم، وأعطيهم قلب لحمٍ} (حز 11: 19). لقد أدرك داود النبي حاجته الى التغيير فصلى قائلا { قلبا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله وروحا مستقيما جدّده في أحشائي}(مز 51: 10). ونحن نحتاج لعمل الله بروحه القدوس ليجدد شبابنا الروحي.{ واما منتظروا الرب فيجددون قوة يرفعون اجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون} (اش 40 : 31). الروح القدس يهبنا القوة والحكمة لنواصل مسيرة الحياة فى جد ونشاط ، فنحافظ على إيماننا الأقدس المسلم لنا بالروح القدس من خلال الكتاب المقدس بالاباء الرسل القديسين ونبني عليه حلول للمشاكل المعاصرة، حتى يكمل جهادنا لنصل تجديد الخليقة بمجئ السيد المسيح الثاني فننعم بالسماء الجديدة والأرض الجديدة (رؤ 21: 1)الله يدعونا الى النمو في الحياة الجديدة التي توهَب لنا خلال عمله الخلاصي ويريد لنا الخلاص ومعرفة الحق والسلوك فى طريق الخير والحياة { لا تذكروا الأوليات، والقديمات لا تتأَمَّلوا بها، هأنذا صانع أمرا جديدا. الآن ينبت. أَلا تعرفونهُ؟ اجعل في البرية طريقا، في القفر أنهارا} ( أش43: 18-19). الله يريدنا أن نخلع الإنسان العتيق بأعماله وننشغل بالحياة الجديدة التي تنبت فينا. إنه يجعل في البرية طريقًا، وفي القفر أنهارا. ما هو هذا الطريق الا السيد المسيح الذى قال {أنا هو الطريق والحق والحياة } (يو 14: 6). ليحل المسيح بالإيمان في قلوبنا لكي يدخل بنا إلى ملكوته. والأنهار التي يريد الله تتفجر فى حياتنا القفرة هي ينابيع الروح القدس التي تحول قلوبنا الى فردوس للسلام والمحبة والفرح فتصبح مسكن لله القدوس.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
21 يونيو 2025
معرفة الله
بسم الآب وَالإِبن وَالرُّوح القُدس الإِله الواحِد أمين فلتحِل علينا نعمِته وَبركته الآن وَكُلّ أوان وَإِلَى دهر الدهُور كُلّها أمين
أتكلّم معكُمْ اليوم فِى موضُوع أشعُر أنّنا نحتاج إِليهِ جِدّاً وَلابُد بِنعمِة ربِنا أنْ يكُون فِى حياتنا معرِفة لِهذا الأمر وَهُوَ " معرِفة الله " أُرِيد أنْ أُكلّمكُمْ عَنْ معرِفة الله ، وَلابُد كُلّ واحِد يسأل نَفْسَه وَيقُول " يارب ياترى أعرفك أم لاَ ؟! وَلِكى أعرفك فبِماذا أشعُر ؟ وَما هى الخطوات لِمعرِفتك ؟ " فيوجد ناس يقُولُون أنّ ربِنا هُوَ قوة خفيَّة تحكُم الكُون ، وَآخر يقُول ربِنا غير موجُود ، وَواحِد يقُول إِنْ كان ربِنا موجُود إِقنعنِى ، وَلِكى أنا ألمِس وجُود ربِنا فِى حياتِى كيف يكُونُ ذلِك ؟ فَمَنَ هُوَ الله بِالنسبة لِى ؟
فالكنيسة مثلاً عِندما تُحِب أنْ تتكلّم عَنْ ربِنا يسُوعَ تقُول[ ربِنا وَإِلهنا وَمُخلِّصُنا يسُوع المسيِح ] ، فالمفرُوض أنْ نعرِفهُ كفادِى وَكمُخلِّص وَكرفيِق عُمرنا ، لابُد أنْ أعرِف أنّ قصتِى مَعْ ربِنا لَمْ تبدأ فقط عِندما وُلِدت وَلكِنْ قبل أنْ أُولد ،وَهى لَمْ تنتهِى وَستستمِر إِلَى الأبديَّة مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [ كما إِختارنا فِيهِ قبل تأسيِس العالم ] ( أف 1 : 4 ) ، فقبل أنْ أُولد هُوَ عارفنِى ، وَقَدْ إِختارنِى ، وَعِندما إِختارنِى وجدت أنّ حياتِى تمتد معهُ إِلَى الملكُوت الأبدِى ، وَلِكى نختصِر الكلام وَنرّكِز توجد أربعة مراحِل لِمعرِفة الله :-
1- المعرِفة العقليَّة :-
ياترى هل أنا عِندِى معرِفة عنك بِعقلِى ؟ هل عقلِى بِيرشدنِى إِليك ؟ أنا مُمكِن لاَ يكُون عِندِى إِيمان بِالله وَلكِنْ عقلِى بِيرشدنِى لِمعرِفة الله ، فمُجرّد الإِنسان ينظُر لِلعالم وَالمخلُوقات وَالموجُودات يُؤمِن أنّهُ يوجد إِله ، فلو نظر نظرة مُحايدة كيف يسيِر هذا الكُون فإِنّهُ يقُول بِالحقيقة يوجد إِله فاليونانيين مجموعة فلاسِفة ، مُعلّمِنا بولس الرسُول إِبتدأ يقُول لهُمْ كيف تكُونُون حُكماء وَ لاَ تعرِفُوا ربِنا !! ففِى رِسالتهُ لِرومية يقُول [ إِذْ معرِفةُ اللهِ ظاهِرةٌ فِيهُمْ لأِنَّ اللهَ أظهرها لهُمْ0لأِنَّ أُمُورهُ غير المنظُورةِ تُرَى مُنذُ خلقِ العالمِ مُدركةً بِالمصنُوعاتِ قُدرتهُ السَّرمَدِيَّةَ وَلاَهُوتهُ حتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ ] ( رو 1 : 19 – 20 ) فأنا الآن لاَ أعرِف ربِنا وَلكِنْ أنا مُمكِن أموره غير المنظُورة أُدرِكُها بِالمصنُوعات التَّى صنعها ، فبِمُجرَّد أنْ أنظُر لِلشمسِ وَلِلكواكِب وَالنِجُوم ، مِنْ خِلالِها أُدرِك الله وَ " السَّرمَدِيَّةَ " أىَّ أزلِى أبدِى ، فقُدرة الله مُدركة بِالمصنُوعات قُدرتهُ السَّرمَدِيَّةَ حتَّى أنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ يُرِيد أنْ يقُول أنت لاَ تعرِف ربِنا فأنظُر لِلعالم ، أُنظُر لهُ كيف يسيِر ، أُنظُر لِلتكوينات00 المجموعات الشَّمسيَّة ، أُنظُر لِلكواكِب كيف تسيِر ، أُنظُر لِلبحرِ وَسُلطان ربِنا عليه ، المفرُوض أنْ أؤمِن بِوجوده مِنْ خِلال المصنُوعات ، وَأنْ أعرِفهُ بِعقلِى ، فعقلِى إِبتدأ يُشيِر أنّهُ يوجد إِله ضابِط الكُل ، الّذى صنع الزِرُوع وَالشَّمس ، أُنظُروا لأنواع النباتات ، أُنظُروا لأنواع الزِهُور فعقلِى هُوَ الّذى سيوصلنِى لِربِنا ، صدِّقُونِى ياأحِبَّائِى قصد الله أنْ يخلِق للإِنسان عقل هُوَ أنْ يوصّله لِربِنا ، وَأنْ يعبُد ربِنا بِهِ ، فقصد الله مِنْ عقل الإِنسان هُوَ أنْ يعرِفه بِالعقل الإِنسان عِندما يرى الله بِالمعرِفة العقليَّة هذِهِ يظِل يُمّجِد ربِنا ، وَعِندما نرى مُكّوِنات الجو وَكَمْ أنَّها ضروريَّة لِحياة الإِنسان ، فَخَلاَيا الإِنسان لاَ تشتغل إِلاّ بِالأوكسُجين ،مُخ الإِنسان العامِل الأساسِى لِتنشيطه هُوَ الأوكسُجين ، وَبِذلِك فإِنّ الله أعطى لنا الأوكسُجين فِى الجو لِكى يشّغل أجهزتنا ، فكُل مُكّوِنات الجو ضروريَّة أُنظروا لِلماء فإِنّهُ ضرورِى للإِنسان ، وَمِنْ العجائِب الشديدة جِدّاً لو عرفتِى مُكّوِنات الماء فقط ، فمِنها ما هُوَ سام ، وَمِنها ما يُساعِد على الإِشتعال ، فهى مُكّوِنات عجيبة ،فأنا لو لَمْ أستطع أنْ أصِل لِربِنا فمُمكِن أنْ أصِل إِليه بِالمعرِفة العقليَّة فكُون أنّ ربِنا يسُوعَ فدانِى وَخلّصنِى فكُل هذا يحتاج إِلَى معرِفة عقليَّة ، ففِى مرَّة قُلت لِلشباب تعالوا نفّكر فِى بدائِل لِلتجسُّد ، فإِنّ الله قال لآدم [ يوم تأكُلُ مِنها موتاً تموت ] ( تك 2 : 17 ) ، وَفِعلاً آدم أكل ، فإِنْ موِّت آدم وَخلق إِنسان جدِيد وَهذا الإِنسان خالف ربِنا فإِنّهُ سيُميتهُ وَيخلِق إِنسان آخر ، وَبِذلِك سيستمِر الأمر هكذا فكان رأى آخر أنّ ربِنا يسامِح آدم وَ لاَ ينّفِذ العقُوبة ، فإِنّهُ بِذلِك لاَ يوجد عدل عِند الله ، وَكلام ربِنا يكُون غير صادِق وَكان يوجد رأى آخر هُوَ أنّ الله كان يخلِق آدم مِنْ النوع الّذى لاَ يُخطِىء ،وَيكُون مُصّير لِلبِر ، وَعِندما يقُول لهُ الله لاَ تأكُل فإِنّهُ لاَ يأكُل ، وَلكِنْ عِندما يُحِب أنْ يُكافِىء آدم بِمُكافئة على شيء ، فإِنّهُ لاَ يستحِق المُكافأة صدِّقُونِى سوف لاَ تجِدوا أجمل وَأروع مِمَّا فعلهُ ربِنا معنا ، وَهُوَ أنْ يُعطينِى مِنْ السقطة قِيام ، وَفِى نَفْسَ الوقت حُكم العقُوبة يُنّفذ ، وَكُلّ يوم ربّ المجد يسُوعَ بِيُذبح على المذبح ، وَكُلّ خطيَّة أعترِف بِها أمام المذبح أُنظُروا لِروعِة تدبيِر الله ، فَلاَبُد أنْ أعرِف أنّ ربِنا يسُوعَ هُوَ إِبن الله وَتجسّد ، كُلّ هذِهِ أُمور عقليَّة ، وَلِذلِك فإِنّ بِدايِة معرِفة الله هى معرِفة عقليَّة ، لابُد أنْ أعرِف أنّهُ توجد معرِفة لله بِعقلِى وَفِكرِى ، فياترى أنا عقلِى فِعلاً بِيقدِّمنِى فِى معرِفة ربِنا ، مُهِم جِدّاً أنْ يكُون عقلِى خادِم فِى معرِفة ربِنا 0
2- المعرِفة الوجدانيَّة :-
وَهى معرِفة القلب وَالمشاعِر ،معرِفة العواطِف ، أنا أُعطِى لهُ فِكرِى وَمشاعرِى وَأُعطِى لهُ إِتجاهات محّبتِى ،لأنِّى عرفت أنّهُ صنع العالم هذا كُلّهُ مِنْ أجلِى وَهُوَ عمل لِى البحر وَعمل لِى الماء ، فالمفرُوض إِنِّى أُبادِلهُ حُب بِحُب ، ألَمْ أعترِف بِفضلِةِ علىَّ وَأقُول لهُ [ يا لِعظم حُبَّك أقمت السَّماء لِى سقفاً ، وَثّبت لِى الأرض لأِمشِى عليها ، مِنْ أجلِى ألجمت البحر ] ( مِنْ القُدّاس الغرِيغورِى ) تخيّلوا أنّ البحر لو لَمْ يكُنْ ربِنا قَدْ ألجمه فإِنّهُ كان بِإِستمرار سيدخُل على بلد ، وَيدخُل على النَّاس ، أليست كُلّ صنائِع الله تحتاج أنْ تأخُذ مِنِى إِهتمام ، وَأنْ أقُول لهُ[ أشكُرك ياإِلهِى ، وَتشكُرك عنِّى ملائِكتك وَخليقتك جميعاً لأِنِّى عاجِز عَنْ القيام بِحمدِك كما يستحِق حُبُك ] ( قسمة للإِبن سنوِى ) فالمعرِفة الوجدانيَّة هى التَّى تجعل الإِنسان فِكره يتقدّس ، وَيذكُر حضُور الله ، تعتقِدِى هذا الإِنسان تكُون أفكاره غير مُقدِّسة ؟! بِالتأكيِد لاَ ، فإِنْ كان الإِنسان بِمُجرّد أنّهُ ينظُر لِشجرة فإِنّهُ يُمّجِد ربِنا ، عِندما أرى حشرة أقُول لهُ ما أعظم أعمالك الإِنسان ياأحِبَّائِى الّذى عقله يُمّجِد ربِنا مِنْ المصنُوعات ، يشكُر ربِنا وَيُمّجِد وَيُسّبِح ، وَأقُول لهُ أنت عظيِم ، أنت جبَّار ، مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول[ الله الّذى أعبُدُهُ بِرُوحِى ] ( رو 1 : 9 ) فصليِب ربِنا يسُوعَ وَفِداؤه يجعل وجدان الإِنسان يذوب فِى محّبتِهِ ، فيوجد مُلحِديِن لَمْ يحتمِلُوا أنْ ينظُروا لِربِنا يسُوعَ المصلُوب ، فيقُولُوا مُستحيِل أنّ هذا إِنسان ، هذا إِله ، مُجرّد رؤية صليبه جعلت ناس تؤمِن بِهِ فأنا عرفتهُ بِالمعرِفة العقليَّة ، فالمفرُوض أنْ أعرِفهُ بِالمعرِفة الوجدانيَّة وَأتحِد بِهِ وَأمتزِج بِهِ ، فالبِنت التَّى مشاعِرها مُقدّسة نحو ربِنا لاَ تقُول أنا قابِلت فُلان وَإِستلطفتهُ ، فهى غير مُشبَعَةَ ، فهى لو كانت مُشبعة وَكيانها تقدّس تكُون راسِخة رسُوخ الجِبال ، وَتكُون مُشبعة ، وَمحبِّة ربِنا تكُون فِى داخِل قلبِها وَقَدْ ملكت عليها ، صدِّقُونِى كلِمة " ملكت " هى كلِمة ضعيِفة ، فالإِنسان عِندما تملُك محبِّة ربِنا على قلبه يحِس أنّ حياته عِبارة عَنْ مُناجاة بينه وَبين ربِنا بِإِستمرار وَالكنيسة واعية جعلت لنا تسابيِح وَتماجيِد بحيث تجعل مشاعرِى بِإِستمرار مُتحرِّكة وَمرفُوعة نحو ربِنا بِإِستمرار ، وَتجعلنِى فِى شرِكة مَعْ السَّمائيين ، إِحضرى تسبِحة فإِنَّكِ ستشعُرِى أنَّكِ خرجتِى مُقدّسة ، وَالمشاعِر العميقة لِلإِنسان تقدّست أبونا بيشُوى كامِل تعرّض لِعمليات جِراحيَّة ، وَعِندما يعمِلُوا لهُ العمليَّة كانُوا يُعطوا لهُ بِنج وَيُخرِج الّذى فِى داخِلهُ ، وَأثناء ذلِك كان يقُول القُدّاس ، ففِى مرَّة عمل تمجيِد كامِل لِلسِت العدرا بِكُلّ الألحان الخاصَّة بِالعدرا ، وَخين إِفران وَالمدِيحة ، فهُوَ الباطِن عِندهُ مُقدّس ، وَفِى مرَّة أُخرى صلّى القُدّاس بِالنغمة فأنا وُجدانِى ماذا يكُون ؟ فلو كشفنا الغطاء فماذا سيكُون فِى داخِلهُ ، فهل مشاعرِى مُتحرِّكة بِإِستمرار نحو الله ؟ على كُلّ واحِد يُرِيد أنْ يتحرّك نحو ربِنا لابُد أنْ تكُون مشاعره دافِئة نحو ربِنا ، المفرُوض أنْ تكُون مشاعره بِإِستمرار مُوّجه نحو ربِنا القديس أُوغسطينُوس جلس يُعاتِب نَفْسَه وَيلُوم نَفْسَه على غباؤه لِعدم معرِفته بِربِنا وَقال [ لقد تأخّرت كثيراً فِى حُبِكَ ] ، أنا آسِف ، أنا ضيّعت عُمرِى كثيراً أُدخُلِ مَعْ الله فِى عِلاقة وجدانيَّة ، إِعرفِ كيف تدخُلِ معهُ فِى عِلاقة وجدانيَّة لأِنّ كُلّ يوم لاَ تعرِفِ فِيهِ ربِنا هُوَ خِسارة مُعلّمِنا بُطرُس الرسُول يقُول [ الّذى وَإِنْ لَمْ تروهُ تُحِبُّونهُ ] ( 1 بط 1 : 8 ) ، الإِنسان الّذى كيانه تقدّس بِربِنا بكُون فرحان بِربِنا بِبساطة وَبِتلقائيَّة وَوُجدانه تقدّس فأكثر واحِد عرف ربِنا بعد القيامة وَقال هُوَ الرّبّ وَآمن بِقيامتِهِ وَتلامس معهُ بِقُرب هُوَ يُوحنا الحبيِب ، الّذى إِتكأ على صدرهِ وَعرفةُ بِالمعرِفة الوجدانيَّة ، فَمَنَ هُوَ الّذى مُجرّد أنْ رأى آمن ؟ هُوَ يُوحنا الحبيِب المعرِفة الوجدانيَّة تُسّهِل علينا طُرُق كثيرة ، مُجرّد إِنِّى أتكِأ على صدرِهِ أعرِفةُ ،فعِندما أعرِف ربِنا بِعقلِى وَبِوجدانِى أعرِف أميِّزه ففِى عصر الرُسُل كان يوجد ناس تظاهروا أنّهُمْ رُسُل ، فحاولوا أنْ يُخرِجُوا شيَّاطيِن مِثل الرُسُل ، فالشيَّاطيِن سألوهُمْ مَنَ أنتُمْ ؟ فقالُوا لهُمْ نحنُ نتبع بولس ، فقال لهُمْ الشيَّاطيِن أنتُمْ لستُمْ تبعهُ ، وَقالُوا [ أمَّا يسُوعُ فأنا أعرِفهُ وَبُولُس أنا أعلمهُ وَأمَّا أنتُمْ فَمَنْ أنتُمْ ]( أع 19 : 15 ) ، إِنْ كانت الشيَّاطيِن تعرِفهُ ، ألاَ يليِق أنّنا نحنُ نعرِفهُ !! فأنا إِبنك 0
3- المعرِفة الإِختباريَّة :-
وَهى جميلة جِدّاً ، فَلاَ يكفِى أنْ أعرِف ربِنا بِعقلِى وَ لاّ بِقلبِى وَلكِنْ هى معرِفة إِختباريَّة ، لابُد أنْ أختبِر وجوده فِى حياتِى ، لابُد أنْ أشعُر بِوجوده فِى حياتِى ، وَأنّهُ حىّ فِى حياتِى ، وَأشعُر بِإِحتضانه لىّ ، وَبِأنّهُ كيان حىّ فِى حياتِى ، صعب جِدّاً أنْ تكُون معرِفتنا لله ظاهِريَّة فقط فأحد القديسين يقُول [ إِنّ الكلام عَنْ العسل شيء وَمذاقِة العسل شيء آخر ] ، فهل إِختبرتِى ربِنا أم لاَ ؟ وَهل شعرتِى بِنُوره فِى حياتِك أم لاَ ؟ لابُد أنْ تعرِفِى نُور ربِنا ، فهل دخل فِى داخِل قلبِك عِندما قرأتِ الإِنجيِل أم لاَ ؟ فهل أحياناً وبّخِك على خطيَّة أم لاَ ؟ هل كثيراً سندِك وَشجّعِكَ أم لاَ ؟ نحنُ مُحتاجيِن لِهذا الأمر كثيراً فهل أنا فِى حياتِى إِختبرتهُ ؟ وَهل عِندما تُبتِى وَإِعترفتِى شعرتِى بِكُلّ أمانة وِبِكُلّ صِدق أنّ خطيتك هذِهِ غُفِرت أم لاَ ؟ فأنا لابُد أنْ ألمِس ربِنا فِى حياتِى ، فهل سيظِل مُجرّد معلُومات ، فهل سأظل أنّهُ موجُود فِى غيرِى فقط وَأنا لاَ ؟ فَلاَبُد أنّ الّذى شعرُوا بِهِ نحنُ نشعُر بِهِ أيضاً ، معرِفة إِختباريَّة ، فهل صوت ربِنا الّذى تسمعيه بِتتجاوبِى معهُ ؟ كُلّ هذِهِ هى أُمور ضروريَّة أجمل ما فِى حياة الإِنسان هُوَ أنْ يتغيّر ، المقياس الحقيقِى لِحياتك الرُّوحيَّة هُوَ أنَّكِ تتغيّرِى ، فهل أنتِ مازِلتِ إِنسانة مُتكّبِرة وَالشهوة مسيطرة عليكِ أم لاَ ؟ وَهل بِتتذّوقِى النِعمة فِى حياتِك ؟ فهذِهِ مُهِمَّة جِدّاً إِنْ أنا أشعُر إِنِّى تغيّرت القديس أُوغسطينُوس عِندما أتت إِليهِ السِت التَّى كانت تفعل معهُ الخطيَّة قال لها [ أنتِ هُوَ أنتِ ، وَلكِنْ أنا لستُ أنا ، أُوغسطينُوس الّذى تعرِفينهُ قَدْ مات ] ، أجمل إِختبار هُوَ الّذى تعيشِنهُ فِى حياتِك وَليس الّذى تسمعيه عَنْ غيرِك ، لقد سمعتِى كِفاية مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [ الّذى أحّبنِى وَأسلم نَفْسَهُ لأِجلِى ] ( غل 2 : 20 ) ، فيوجد تغيُّر لابُد أنْ يحدُث فِى حياتِى الشخصيَّة ، فيوم أنّ ربِنا مَلَكَ على قلبِى بدِّل كُلّ شيء ، ربِنا عِندما يدخُل يُقّدِس المشاعِر وَيُقّدِس القلب وَيُغيِّر ، أُسجُدِى لِربِنا بِالرُّوح وَالحق ، وَأحنِى رأسِك وَأحنِى رغباتِك ، لابُد أنْ تكُون معرِفتِى بِربِنا معرِفة إِختباريَّة ، كِفاية معرِفة نظريَّة فما هُوَ دليِل حُبَّك لِربِنا ؟ ماذا فعلتِ مِنْ أجله ؟ فلو قُلت لكِ صلِّى فهل تفضّلِى الراحة؟ وَلو قُلت لكِ إِعطِى ، فهل ستُعطِى القليِل ؟ أين هى محبِّة ربِنا ؟ محبِّة جسده وَدمه جعلتِك لاَ تستطيعِى أنْ تبعِدِى عنهُ أُنظُروا لِواحِد مِثل الأنبا أنطونيُوس ، لقد إِختبر محبِّة ربِنا ، وَكَمْ أنّهُ إِختبار وَقوّة وَسُلطان ، فأنا محتاج أنْ أذُوق ربِنا فِى حياتِى كغافِر كرافِع كصديِق كُنقِذ مُعلّمِنا داوُد النبِى يقُول [ كُنتُ فتىً وَقَدْ شِختُ وَلَمْ أرَ صَدِّيقاً تُخُلِّى عنهُ ]( مز 37 : 25 ) ، خِبره ، الإِنسان مُحتاج أنْ يكُون لهُ مذاقة مَعْ ربِنا ،مُعلّمِنا بُطرُس الرسُول يقُول [ إِنْ كُنتُمْ قَدْ ذُقتُمْ أنّ الرّبَّ صالِحٌ ] ( 1 بط 2 : 3 ) فهل تعلموا أكثر شيء يعرّفنا أنّ الرّبّ صالِح أنّهُ ساكِت علىَّ ، وَأنّهُ ساتِر علىَّ ، فأنت يارب لو مِش صالِح لكُنت قَدْ أفنيتنِى ، كونِى إِنِّى دنِس وَأنت ساكِت علىَّ فهذا يدُل على أنَّك صالِح ، فأكبر دليِل أنّهُ صالِح أنّهُ غافِر لِخطاياى ، فهل إِختبرتِى صلاح الله أم لاَ ؟ ألَمْ يليِق أنّ الإِنسان يجلِس وَيُمّجِد الله على صلاحه ، وَيقُول لهُ أنت صالِح ، الكنيسة تقُول[ سبِحوه لأنّ إِلَى الأبد رحمتهُ ] 0
4- المعرِفة الإِتحاديَّة :-
وَأخِر نوع مِنْ المعرِفة هُوَ المعرِفة الإِتحاديَّة ، ما هُوَ غرض الله وَقصد الله مِنْ خِلقة الإِنسان؟ الإِتحاد بِهِ ، فَلَمْ يوجد عِندهُ هدف آخر غير ذلِك ، فأنا لمّا عرفته وَأحببته وَإِختبرته فَلاَ يكُون عِندِى رغبة إِلاّ محبّتِهُ ، فأقُول لهُ أنا يارب أُريِدك أنْ نكُون أنا وَ أنت شيء واحِد ،لاَ أُريِدك أنْ تفرّقنِى عنك ، وَ لاَ أشعُر أنّهُ يوجد شيء يجعلنِى أنفصِل عنك أبداً ،فإِنْ لَمْ تشعُرِى أنَّكِ أنتِ وَالله فقط فِى هذا الكُون فأنتِ بعيدة عَنْ الراحة إِتحادِى بِربِنا سيجعلنِى أشعُر إِنْ أنا وَإِلهِى فقط الموجوديِن فِى الكُون ، فَلاَ يربكنِى وجُود النَّاس ، وَلِذلِك ربّ المجد يسُوعَ فِى صلانه الوداعيَّة فِى يُوحنا 17 قال [ وَأكُونَ أنا فِيهُمْ ] ( يو 17 : 26 ) ، أولادِى هؤلاء أكُون فِى داخِلهُمْ ، [ لِيكُونُوا مُكمَّليِنَ إِلَى واحِدٍ ] ( يو 17 : 23 ) ، فهل تعلموا إِتحاد الآب وَالإِبن وَالرُّوح القُدس هُوَ إِتحاد لاَ ينفصِل ، تخيّلُوا إِنِّى أكُون مُتحِد بِهِ مِثل إِتحاد الثالُوث القُدُّوس ، وَهُوَ أنْ أكُون فِى داخِل ربِنا وَهُوَ فِى داخِلِى كان فِى مرَّة أحد الآباء الأساقِفة كان يُكلّمنا وَأحضر كوب ماء وَغطاء وَأدخل الغطاء فِى كوب الماء فحدث أنّ الغطاء أصبح شكله كبيِر ، وَعِندما أخرجه صار شكله صغيِر ، فماذا حدث لِلغطاء ؟ فقال لنا أنا فِى داخِل المسيِح أكبر وَبتحّول إِلَى شخص جدِيد ،فعِندما إِتحدت بِالمسيِح أخذت إِمكانيات إِلهيَّة ، فصِرت أسامِح ، المُشكِلة إِنِّى بحاوِل أنْ أنّفِذ الوصيَّة خارِج المسيِح ، وَلكِنْ أنا داخِل المسيِح قوِى وَقادِر فأنتِ لو إِتحدتِ بِالمسيِح ستكُونِى واحدة جديدة ، أضيِفِى إِليكِ المسيِح ، إِمكانيات إِلهيَّة ستأخُذِينها ، ستأخُذِى طهارتهُ ، ستأخُذِى محّبتهُ ، تخيّلِى إِنِّى أنا أكُون فِى داخِل ربِنا ،أكُون جبّار ، وَعِندما أخرُج أقُول لهُ يارب سأغرق ، فألجأ لهُ وَأحتضِنه ، هذِهِ هى المحبَّة الإِتحاديَّة مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول فِى رِسالتهُ إِلَى العبرانيين [ طرِيقاً كَرَّسَهُ لنا حَدِيثاً حَيّاً بِالحِجابِ أىْ جَسَدِهِ ] ( عب 10 : 20 ) ، كرَّسهُ لنا ،طرِيق جدِيد لِلقداسة هُوَ جسدهُ ، فعِندما إِتحدت بِهِ عرفت القداسة ، وَلِذلِك إِتحادِى بِالمسيِح هُوَ تركهُ لنا على المذبح وَلِذلِك نجِد القديس أبو مقَّار إِسمه " اللابِس الرُّوح " ،وَالقديس غرِيغوريُوس " الناطِق بِالإِلهيَّات " ،وَصار الإِنسان عِنده الإِمكانيَّة لِلإِتحاد بِالله ، لِدرجِة أنّ مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُوا [ وَأمَّا نحنُ فلنا فِكرُ المسيِحِ ] ( 1 كو 2 : 16 ) ،وَمُعلّمِنا بُطرُس الرسُول يقُول [ إِنْ كان يتكلَّمُ أحدٌ فكأقوالِ اللهِ ] ( 1 بط 4 : 11 ) فيكُون فِكرِى هُوَ فِكره ، وَفمِى هُوَ فمه ، وَأعمالِى مُستتِرة فِيهِ ، كُلّ هذا بِالإِتِحاد بِهِ ، وَإِنْ أنا وَحبيبِى فقط ، وَلِذلِك يُمّثِل هذا الإِتحاد بِإِتحاد الزوج بِزوجتهُ ، وَإِتحاد العرِيس بِعروستهُ ، إِتحاد لاَ ينفصِل ، صدِّقُونِى ياأحِبَّائِى النَفْسَ التَّى إِتحدت بِربِنا الكلام الّذى يقولهُ العُشَّاق تقُول أكثر مِنهُ القديس أُوغسطينُوس يقُول فِى معرِفته الإِتحاديَّة بِربِنا شعر أنّهُ هُوَ وَربِنا كُتلة واحدة ، فكان يقُول لِربِنا [ أنت تحتضِن وجُودِى بِرعايتك ، تسهر علىَّ وَكأنِّى أنا وحدِى موضُوع حُبَّك وَكأنّ لاَ يوجد غيرِى أنا الّذى تُعطينِى الحُب ] ، ثُمّ يختِم الكلام وَيقُول[ ليتنِى أُحِبُّك ياإِلهِى كما أحببتنِى أنت ] ياليت محّبتنا لِربِنا تكُون ظاهِرة فِى حياتنا فنصِل إِلَى قامِة مِلء المسيِح ، ربِنا يُعطِينا أنْ نُحِبّهُ مِنْ القلب ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين.
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
20 يونيو 2025
فضيلة الوفاء
في أحداث ميلاد السيد المسيح اجتمعت عدة شخصيات سواء قبل أو أثناء أو بعد الميلاد وعاشت هذه الشخصيات إيمانها القلبي في قداسة ونقاوة، وعبرت عن الإيمان بفضائل، فكان الاتضاع في الحوار عند مريم العذراء، والالتصاق بالرب عند حنة النبية والوفاء عند القديسة اليصابات والثقة في وعود الله عند سمعان الشيخ والرجاء عند زكريا الكاهن وهؤلاء كلهم وغيرهم قدموا في إيمانهم فضيلة، بحسب الوصية في رسالة بطرس الثانية الأصحاح الأول: ٥-٧ عن هذه الفضائل تتحدث معك هذه الصفحات.
فضيلة الوفاء (لو ٣٩:١-٥٦)
" فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا، ودخلت بيت زكريا وسلمت على اليصابات فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلات اليصابات من الروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنت في النساء ومباركة هى ثمرة بطنك فمن أين لي هذا أن تأتى أم ربي إلى فهوذا حين صار صوت سلامك في أذنى ارتكض الجنين بابتهاج في بطني فطوبي للتي امنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب"
"فقالت مريم تعظم نفسى الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع امته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لان القدير صنع في عظائم واسمه القدوس، ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم انزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين اشبع الجياع خيرات وصرف الاغنياء فارغين عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة كما كلم اباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر ثم رجعت إلى بيتها"( والمجد الله دائما)
هذا الجزء يقرأ في الأحد الثالث من شهر كيهك اود أن أتأمل في فضيلة من الفضائل الإنسانية الراقية وهي "فضيلة الوفاء"
"الوفاء" كصفة إنسانية يجب أن يتحلى بها هذا الكائن الذي خلقه الله على صورته ومثاله فضيلة راقية نراها في بعض الكائنات الحية الأخرى سواء الحيوانات أو حتى النباتات بصورة ما، ولكن في الإنسان فضيلة الوفاء تثبت أن أصلك حلو يقول في الأمثال الشعبية "على الأصل دور" ويقصد به اصل الإنسان
فضيلة الوفاء في الجزء الذي قرأته نجد امنا العذراء مريم جاءت لها بشارة راقية لم يسمع عنها من قبل "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك " تخيل امنا العذراء تسمع البشارة من الملاك وبصوت إلهي يقول لها ستصيري اما لابن الله (المولود منك يدعى ابن الله) اتضاعها كان واضحا في الحوار، لكن الأهم من هذا أنها تركت كل ما قيل في الحوار وتعلقت باخر معلومة قالها الملاك لها "وهوذا اليصابات نسيبتك هى ايضا حبلی بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا (لوا :٣٦) امنا العذراء في اتضاعها ومحبتها، وفي أصلها نسيت كل هذا وتذكرت شينا واحدا فقط يقول الكتاب "فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا (لوا :۳۹) لقد نسيت أنها نالت هذه البشري الكبيرة وصارت الممتلئة نعمة لكنها وضعت أمامها نقطة واحدة وهي أن اليصابات تلك التي صارت حبلي بابن في شيخوختها، وفى الشهر السادس یعنی 3 شهور وتلد ماذا صنعت أمنا العذراء؟
قامت بسرعة بدون أي تبريرات ولا اعذار وذهبت بسرعة إلى اليصابات، لم تفكر في مشقة الطريق ولا في نفسها، ولا حتى في اعتبار من تكون هى ولكنها فكرت في شيء واحد فقط هو "الوفاء"
الوفاء كلمة غالية في قاموس الإنسانية، ولكنها فضيلة على المستوى العام نجدها تنقرض ظهر الوفاء عند تلاميذ السيد المسيح في الصورة العظمى وبالصورة التي ليس فيها وفاء بالمرة لقد ظهرت في القديس يوحنا الحبيب الذي كان يتكئ على صدر السيد المسيح، وكان قريبا جدا منه ويكاد أن يسمع ضربات قلبه ويوحنا الحبيب صار مقربا وقريبا بسبب وفائه فقد أعطاه الله نعما كثيرة، منها أنه كتب انجيل يوحنا وثلاث رسائل وسفر الرؤيا لقد كتب خمسة أسفار في العهد الجديد لقد أعطاه الله هذه الكرمة الكبيرة لقد کرمه بسبب وفائه، وسمي بيوحنا الحبيب لانه امتلا حبا وظهر ذلك في كتاباته، وفي حياته التي بلغت مائة عام.الصورة المناقضة والعكسية تماما في صورة تلميذ اخر وهو يهوذا الإسخريوطى الذي نقول دائما عليه "التلميذ الخائن" وهذا النموذج الخائن هو الذي انتهت حياته وسيرته ولا يفكر فيها أحد حتى اليوم.
الوفاء كلمة كبيرة جدا تحوي في داخلها معاني كثيرة فهي تحمل معنى الإخلاص والولاء والانتماء كما أنها تحمل صورة الأمانة وكلمة الوفاء لا يمكن ان نحصرها بمصطلحات اللغة لكنها فضيلة تظهر في الوصايا العشر، فالوصية التي تقول "اذكر يوم السبت لتقدسه" (خر ٨:٣٠) كلمة سبت معناها راحة في اللغة العبرية بتعمل وتتعب وتزرع الأرض وتسلمها، هذا حسن جدا، لكن الله له مكان وزمان "اذكر يوم السبت لتقدسه أي اذكر الوقت الخاص الذي لله كن وفيا لله الذي اوجدك وخلقك وأعطاك المهارة والذكاء والقدرة ربنا يعمل معنا خيرا كل يوم، ويقدم لنا عطايا كثيرة في حياتنا وعملنا وبيتنا، ولكن للأسف قد ننسى ربنا . ايضا الوصية التي تقول اكرم أباك وامك (خر ١٢:٢٠)، هي أول وصية بوعد، هذه الوصية هى وصية وفاء من الدرجة الأولى أي إنسان ولد صغيرا، ولولا أنه يوجد أب وأم وأسرة ربوه وكبروه و علموه، وساروا معه مشوار الحياة الطويل هل أنت وفي لأسرتك؟
ان الوفاء ليس من الأمور المظهرية فاعتقد انه لو عاش الإنسان هذه الفضيلة، فقد تختفى نصف القضايا الموجودة في المحاكم، لكن للأسف ينسى الإنسان هذه القيمة الرفيعة في حياته "حقيمة الوفاء".
صفات الإنسان الوفي
1- يتسم بالأصالة
الإنسان الوفي هو الذي نسميه الاصيل إنسان بمعنى الإنسانية، كما أراده الله، وتوجه بالعقل وبالقلب وبالنعم، وهو إنسان تربى تربية روحية أخلاقية، وتربى على الضمير الحي وتربى من صغره كيف يحفظ الجميل الوفي إنسان أصيل أصالته في إنسانيته.
2- إنسان ملتزم
هو شخص ملتزم في حياته ملتزم بوعوده وبالكلمة التي يقولها، وهناك تعبير لطيف يقول: (فلان ده راجل ) هذا التعبير حلو، وكلمة رجل، ليست معناها من حيث جنسه، ولكنها صفة مثلما نقول في المزمور "طوبي للرجل" ای طوبی للانسان هو إنسان ملتزم بكل وعوده و عهوده، سواء يأخذها مع ربنا أو مع البشر إنه شخص بكلمته
3- إنسان إيجابي
هو إنسان متفاعل في حياته والمجتمع والكنيسة والخدمة والعبادة هذا الإنسان الإيجابي يتسم بالعطاء. وهذا العطاء صفة أصيلة في الإنسان الوفي، فليس العطاء فقط في الأمور المادية، وإنما هناك العطاء النفسي والمعنوي لتشجيع شخص هو شكل من أشكال الوفاء هذه الإيجابية تفضل المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة فكثير من مشكلات الوطن في مجتمعنا تمل عندما يكون الشخص المسئول يفضل الصالح العام على المصالح الشخصية أو الفردية، وهذا هو الإنسان الوفي.
4- إنسان واع
هو يعي جيدا ماذا يفعل وماذا يقدم هو لا يقدم عملاً مظهريا أو برياء.. لكنه يقدم هذا العمل من قلبه، فهو يدرس قيمة الإنسان الآخر الوفاء له اشكال والوان هناك الإنسان الوفي للأقارب والوفي للأصدقاء والإنسان الوفي للوعود والعهود هناك الوفي للعقيدة والايمان وللوطن والوفي للعلم الذي تتقدم به البشرية والوفي للمبادئ عند رسامة أب كاهن يلزم بأن يقرأ تعهدا، هذا التعهد هو مجموعة من المبادي هل انت وفي لها ؟ كذلك الراهب أو الراهبة يقرأ تعهدا عند الرسامة، وهذا التعهد به مجموعة من المبادئ تحكم سيرته كراهب او راهبة هل أنت وفي من الممكن أن يكون وفيا سنتين ثلاثة وبعد ذلك ماذا يحدث؟ يحدث ما هو عكس كلمة" الوفاء" الكلمة التي تجرح اذاننا، في كلمة متعبة وغير لائقة بصفة عامة إنها "الخيانة"
صور الوفاء في الكتاب المقدس
1- الوفاء للاقارب
يقصد بها الأسرة بصفة عامة، وإن كانت الوصية تقول "اكرم أباك وأمك لكي تطول ايامك على الأرض" (خر ١٢:٣٠)، فنجدها تمتد إلى كل الأقرباء في كل الأسرة، لأن
الوصية في تعبير عن الوفاء.
راعوث ونعمى
كلمة راعوث معناها الجميلة، وليست الجميلة شكلاً، فالكتاب المقدس لا يهتم بأوصاف الجسد، وإنما يهتم بالأوصاف الداخلية للإنسان حقا فراعوث كانت إنسانة جميلة لقد تغربت عن بلدها وتزوجت في بلاد غريبة، ثم مات زوجها وحماها واخو زوجها. فصارت مترملة ولم يكن لديها أبناء لم تعتبر ماساة واحدة، لكنها عدة مآعاشت راعوث مع حماتها نعمى، وظهر وفاؤها بالرغم من أنها غريبة عنها، لكنها اعتبرتها بمثابة أم بعد زواجها من ابنها. وفضلت أن تعيش في بلاد غريبة مع حماتها التي بلا زوج، وبلا أبناء، وقد كانت نعمي إنسانة أمينة فطلبت منها أن تعود إلى بلدها. ولكن راعوت الرائعة الوفية قالت: لا تلحي على أن أتركك وأرجع عنك، لأنه حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت ابيت شعبك شعبي والهك إلهی (را ١٦:١) ما هذا الجمال؟! كلمة جمال قليلة عليها. فهي بهذه المشاعر أكثر من جميلة ولكن ما الذي جعلها جميلة؟
الذي جعلها جميلة هو وفاؤها، ولذلك استحقت هذه الإنسانة الوفية أن يأتي من نسلها شخص ربنا يسوع المسيح مخلص العالم الله يقدر هذه القيمة إلى أبعد حد. فالوفاء كلمة تحوى في داخلها معاني كثيرة تحوى المحبة والإخلاص والولاء والأمانة والشعور بالآخر.
١- يوسف الصديق
عاش يوسف الوصية قبل أن توجد، وعاش بوفائه لابيه يعقوب واخوته بالرغم أن اخوته كانوا قساة عليه جدا، لكن يوسف لآخر لحظة كان يحتفظ بوفائه لابيه. فكان يخدمه ويحترمه وأيضا إخوته، وتكون صورة يوسف الصديق صورة لامعة، وتقول فعلاً "وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحا، وكان في بيت سيده المصري (تك٢:٢٩) كان يوسف نموذجا الطهارة، برغم كل ما حدث معه، فكان وفيا لم يتخل عن مبادئه ابدا.
2- الوفاء للأصدقاء
داود یوناثان
من أكثر مشاهد الصداقة الحقيقية هو مشهد صداقة داود ويوناثان رغم أن شاول جعل نفسه عدوا لداود وأراد قتله أكثر من مرة وبعد أن تملك داود وصار ملكا نجده يبحث عن أي فرد من عائلة شاول او يوناثان لكي يخدمه وقال داود هل يوجد بعد أحد قد بقى من بيت شاول، فاصنع معه معروفا من أجل یوناثان (٢صم ١:٩) لقد كان داود وفيا لصديقه حتى بعد موته فوفاؤه مستمر حتى أنه وجد واحدا من أبنائه فاخذه وقدم له الطعام على مائدته واعتني به جيدا، لقد كان داود. انسانا أصيلاً، لذلك استحق أن يكون جدا للسيد المسيح "المسيح ابن داود".
3- الوفاء للوعد
بتوعد هل بتاخذ تعهداً كيف تكون وفيا في نهاية العام يبدا الإنسان يحاسب ذاته ويبحث عن إيجابياته وسلبيات ونقصانه، ويتعهد امام الله بتوبة وبداية جديدة ويقول مع المرنم "بارك هذه السنة بصلاحك" ثم يجلس مع أب اعتراف ويحاول زيادة الإيجابيات ادم وحواء سقطا في الخطية، ونالا العقوية، وصارت الخطية حاجزا فاصلاً بينهما وبين الله ولكن الله أعطى وعدا، قائلاً للحية " واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه"( تك ١٥:٣)، ولكن هذا الوعد ظل قرونا كثيرة تحت العهد القديم كله دون تحقيق هل هذا معناه أن الله نسى هذا الوعد؟ اابدل في ملء الزمان أرسل الله ابنة مولودا من امرأة والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده اعطاء الله لينقذه في شخص المسيح ولذلك كان وفاء الله لهذا الوعد هو الصورة الجميلة التي جعلتنا نقول "بداية العهد الجديد " وصار الزمان هناك ما قبل ميلاد المسيح وما بعد الميلاد، كأن ما قبل ميلاد المسيح كان وعدا، وبعد ميلاد المسيح صار وفاءا لهذا الوعد . لذلك يؤكد الكتاب المقدس علينا أنه عندما نعد أو ننذر نذرا يجب أن نوفی به " ان لا تنذر خير من أن تنذر ولا تفى" (جا ٥:٥) فإن أردت أن تنذر فانذر بما في استطاعتك وهذا شكل من اشكال الوعد والالتزام بالوفاء به.
4- الوفاء للإيمان والعقيدة
العقيدة والإيمان الذي نعيش به في كنيستنا الإسمان الأرثونكسي المستقيم هذا الإيمان الذي يسير في خط مستقيم منذ إيماننا مع بداية دخول المسيحية مصر على يد مارمرقس الرسول ويصير هذا الإيمان إيمانا مستقيما تحفظه الكنيسة ويعيش الإيمان نقبا في الكنيسة القبطية مسلمة إياه من جيل إلى جيل كوديعة غالية، وقد ظهر في تاريخ الكنيسة من نسميهم بالهراطقة، وهم أناس غير أوفياء للإيمان ولا للكنيسة ولا للعقيدة ولا للتاريخ نسمع عن أريوس وهرطقته ونسمع عن أوطاخي ونسطور، وأناس ظهروا في أوقات أخرى وبدع ظهرت وصارت غير مناسبة فقامت الكنيسة بعقد المجامع المسكونية كي تقف أمام من كانوا غير اوفياء.فعلى سبيل المثال تم عقد مجمع نيقية كي تقف امام اريوس، وكان المجمع بحضور أساقفة العالم في حضرة الملك قسطنطين، فيكون المجمع على مستوى عالی دولی بدأوا يناقشون أريوس إلا أن اريوس كان مصرا على فكره و هرطقته، وعلى تحريفه للإيمان وكانت النتيجة أن فصلته الكنيسة واستبعدته واعلنت فساد هرطقته تظهر صور من الوفاء الإيمان والعقيدة في سير القديسين القديس الانبا انطونيوس ( أب الرهبان) هر راهب عاش في البرية لكن نزل من البرية مرتين المرة الأولى كي يشارك البابا اثناسيوس في حربه ضد الأريوسية، لأنه عندما ظهرت الأربوسية اخذت نطاقا واسعا جدا لدرجة العبارة المشهورة التي قالها البابا اثناسيوس عندما قالوا له "العالم كله ضدك يا اثناسيوس" فأجاب قائلا "وأنا ضد العالم" قال البابا هذه العبارة لأن الأريوسية قد انتشرت في العالم كله، ولذا عندما قال "وانا ضد العالم" كان يقصد انه ضد العالم الأريوسي.لقد نزل القديس الأنبا انطونيوس وكسر وحدته لان المصلحة العامة للكنيسة أهم من حالته الخاصة. الانبا انطونيوس هذا الرجل الناسك الوفي، كانت نتيجة نزوله لمساندة البابا اثناسيوس أن أناسا كانوا قد بعدوا، رجعوا مرة أخرى للإيمان المستقيم وإلى حضن الكنيسة مرة أخرى.
لقد عاش الأنبا انطونيوس ١٠٥ سنوات وعاش زمانا وعشرات السنين في البرية، لكنه نزل للمرة الثانية إلى العالم عندما بدا عصر الاستشهاد وبدات الكنيسة تتعرض للاضطهاد فبدا يكسر وحدته، لانه يحب أن يكون وفيا للكنيسة، ويسند الشهداء ونزل للعالم لكي يشجع المؤمنين ويقويهم وفي كل مرة يمثل صورة للوفاء والدفاع عن الإيمان والعقيدة في الكنيسة . القديس الأنبا بولا أول السواح عاش في البرية ولا نعلم غير كلمات قليلة من عباراته لكن من العصيب انه عندما تقابل مع القديس الأنبا انطونيوس قبل نياحته تكلما في نقطتين يظهر فيهما صورة من الوفاء الأولى يسأله عن كفاح القديس اثناسيوس الرسولي ضد الأريوسية، وبالتالي هو مشغول بالكنيسة ووفي لها الثانية هو اهتمامه بالوطن فسالة عن النيل، وكان في هذه المقابلة القصيرة ظهر وفاؤه للكنيسة والوطن في عبارتين صغيرتين.
5- الوفاء للمكان
نسمع عن شخص مصرى تعلم في مصر ثم سافر واستكمل دراسته في الخارج ونجح وصار من ألمع أطباء العالم، وهو الطبيب المشهور "الدكتور مجدى يعقوب" الذي لم ينس وطنه فعندما رجع إلى مصر نجده ينشئ مركزا عالميا للقلب في أسوان وصار هو اهتمامه الأكبر كان لديه وفاء للوطن ولأبنائه وللأجيال القادمة هذا الوفاء صورة من صور الوفاء للمكان فضلاً عن أنه أيضا وفاء للعلم. فشخصيته تجمع عدة صور للوفاء وفاء للبلد وفاء للمكان وفاء للأطفال وهكذا وهذا مجرد نموذج صغير حيث توجد صور كثيرة جداً من أبناء مصر في أماكن كثيرة.
6- الوفاء للوطن
الوفاء للوطن أحد السمات التي تظهر أصالة الأوطان فى مصر عام ۱۹۹۲ حدث زلزال في شهر اکتوبر - في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر، وكان هناك طفل صغير يبلغ من العمر حوالي 7 سنوات اول انطباع جاء في ذهن الطفل انه قال" يا ترى مدرستي عاملة إيه" وهذا يدل على أن الطفل تربي على حب المكان الذي يوجد ويتعلم فيه الانتماء للوطن أحد مشاهده الرائعة في الكتاب المقدس مشهد نحميا لقد كان نحميا شخصا عادياً من الذين اخذوا في السبي من أورشليم إلى بلاد بعيدة في مناطق إيران والعراق حاليا وعاش اسيرا ليس له حقوق ولكنه أخذ يبحث عن عمل حتى وفق في أن يعمل ساقيا عند الملك ولكن جاءت إلى اخبار مؤلمة ومحزنة عن وطنه، وفي نفس هذا التوقيت كان من المفترض أن يدخل إلى الملك ليقدم له المشروبات فصلى ودخل وعندما دخل سالة الملك وعلى غير العادة "لماذا وجهك مكمد وانت غير مريض ما هذا إلا كتابة قلبة" (نح ٢ :٢) فيقوم نحميا فى أصالته ويصلي كي يعطيه الرب كلمة على لسانه ويبدا يقول كلمات مبسطة جدا انه سمع اخباراً محزنة عن مدينته وشعبه وان اسوار مدينته مهدومة وأبوابها محروقة بالنار (نح٢ :٣) وأنه عندما مسمع مثل هذه الأخبار وقف يصلى أمام إله السماء وعندما جاءت الفرصة ليقف أمام الملك وبدأ يكلمه عن بلده نجد الملك يعطيه رسائل کی يأتى بمواد للبناء وايضا رسائل للولاة المسئولين ويسمح له أن يرجع لوطنه ويأخذ معه بعض الأفراد لمساعدته في بناء السور (نج ٧:٢-٩)، لكن في ذات الوقت نجد من يعطله إلا أنه يبتكر وسيلة جيدة جدا، فسور اورشليم عليه بيوت كثيرة فقال لأصحاب هذه البيوت إن كل صاحب بيت يبنی جزءا من السور الذي امامه، ويقول الكتاب إنه انجز بناء السور في ٢٥ يوما نحميا يتحمل كل هذا الشقاء من أجل وفائه وانتمائه للوطن على أنهار بابل هناك جلسنا بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون" (مز (۱:۱۳۷) وبذلك يعتبر بناء نحميا لسور مدينتة هو علامة من علامات الوفاء للوطن.
والسؤال الآن هل انت وفى اسأل نفسك.. هل انت وفي لأسرتك (مجتمع الصغير ) عليك انت تعلم أن إهمال أسرتك خطية كذلك الأب والأم اللذان يربيان أولادهما هل تزرعان في أولادكما هذه الصفة الإنسانية هل علمتماهم كيف يكونوا أوفياء واعلما انكما أول من سيستفيد مما غرستماه في أولادكما هل انت وفي للعمل وللمجتمع الذي تعيش فيه؟ هل وفي لكنيستك وخدمتك؟
7- الوفاء للمبادئ
الإنسان يتمسك بمبادئه والمبادئ هي الأفكار التي تبدا منها هناك شخص وفي لزوجته ولأسرته وبالتالي يستمر الزواج ويدوم ويصبح هناك كيان للأسرة أتذكر قصة بسيطة عن مغن مشهور هذا
المغنى كان يغني في عيد ميلاد الملك كل عام. وكانت تذاع اغنيته من إذاعة البلد لكن أراد مجموعة من الناس عمل انقلاب ضد الملك فاتفقوا على أن أفضل يوم لهذا الانقلاب هو اليوم الذى يأتى فيه المغنى ليغنى الاغنية فى الإذاعة واتفقوا على أنهم يهددوه ليقول بيان الانقلاب وبالفعل حدث ما اتفقوا عليه إلا ان المغنى احتفظ بمبادئه ورفض تماما أن يقول كلمة واحدة برغم التهديدات ولحسن الحظ استطاع الملك أن يهزمهم وصار هذا المغنى مشهوراً جداً لما فعله حيث قدرة الملك تخيل معى ماذا كان سيحدث لو تم عكس ذلك؟!
في العهد القديم الفتية الثلاثة عندما طلب منهم أن يعبدوا التمثال الذهب رفضوا ،ويسألهم نبوخذ نصر "من هو الإله الذي ينجيكم من يدي" فكان ردهم إنه لا يلزمهم أن يجيبوه لان المعجزة قد حدثت وصار الأتون باردا ايها الحبيب أبحث عن هذه الفضيلة في حياتك واجعلها حاضرة دائما أمامك في كل مكان وزمان.وفاؤك يعنى أن حياتك دائما أصيلة ،و الله يقدر هذا الوفاء ، هذه الفضيلة ،وإن كنت مقصرا فيها اطلب دائماً من ربنا أن يجعلك وفيا في كل عمل صالح تمتد إليه يدك.
قداسة البابا تواضروس الثاني
عن كتاب قدموا فضيلة في إيمانكم
المزيد
14 ديسمبر 2025
الأحد الأول من شهر كيهك لو 1 : 1 - 25
اذ كان كثيرون قد اخذوا بتاليف قصة في الامور المتيقنة عندنا كما سلمها الينا الذين كانوا منذ البدء معاينين و خداما للكلمة رايت انا ايضا اذ قد تتبعت كل شيء من الاول بتدقيق ان اكتب على التوالي اليك ايها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به كان في ايام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة ابيا و امراته من بنات هرون و اسمها اليصابات و كانا كلاهما بارين امام الله سالكين في جميع وصايا الرب و احكامه بلا لوم و لم يكن لهما ولد اذ كانت اليصابات عاقرا و كانا كلاهما متقدمين في ايامهما فبينما هو يكهن في نوبة فرقته امام الله حسب عادة الكهنوت اصابته القرعة ان يدخل الى هيكل الرب و يبخر و كان كل جمهور الشعب يصلون خارجا وقت البخور فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور فلما راه زكريا اضطرب و وقع عليه خوف فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لان طلبتك قد سمعت و امراتك اليصابات ستلد لك ابنا و تسميه يوحنا و يكون لك فرح و ابتهاج و كثيرون سيفرحون بولادته لانه يكون عظيما امام الرب و خمرا و مسكرا لا يشرب و من بطن امه يمتلئ من الروح القدس و يرد كثيرين من بني اسرائيل الى الرب الههم و يتقدم امامه بروح ايليا و قوته ليرد قلوب الاباء الى الابناء و العصاة الى فكر الابرار لكي يهيئ للرب شعبا مستعدا فقال زكريا للملاك كيف اعلم هذا لاني انا شيخ و امراتي متقدمة في ايامها فاجاب الملاك و قال له انا جبرائيل الواقف قدام الله و ارسلت لاكلمك و ابشرك بهذا و ها انت تكون صامتا و لا تقدر ان تتكلم الى اليوم الذي يكون فيه هذا لانك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته و كان الشعب منتظرين زكريا و متعجبين من ابطائه في الهيكل فلما خرج لم يستطع ان يكلمهم ففهموا انه قد راى رؤيا في الهيكل فكان يومئ اليهم و بقي صامتا و لما كملت ايام خدمته مضى الى بيته و بعد تلك الايام حبلت اليصابات امراته و اخفت نفسها خمسة اشهر قائلة هكذا قد فعل بي الرب في الايام التي فيها نظر الي لينزع عاري بين الناس.
بشارة الملاك لن كريا
قرب ملء الزمان ، ودنا الموعد الذي حدده الله لتجسده .
وكان لابد أن يسبقه من يعد ، يهيء الطريق أمامه ، وكان لابد لهذا السابق أن يكون أعظم مواليد النساء حتى يستحق أن يقوم بهذه الخدمة الجليلة . فأى والدين اختارهما الله لياتمنهما على هذا العظيم الذى سيسبقه ؟ يصفهما الإنجيل قائلا :"و كانا كلاهما بارين أمام الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم "
كان كلاهما بارين أمام الله ، أي أن الله نظر إلى كل منهما وفحصه فوجده باراً ، لم يذكر الإنجيل لنا شيئاً عن ما كانا يظهران به أمام الناس ، فليس لهذا الأمر وزناً عند الله ، ولم يذكر له وزن عند زكريا واليصابات ، ومسكين هذا الإنسان الذي يفهم أن يظهر باراً أمام الناس وينسى أن الله لا يقبل الوجوه ولا يهتم برأى الناس لكنه يفحص أعماق الإنسان الداخلية وكانا أيضاً "سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم " أين نحن من زكريا وإليصابات ، نحن الذين أصبحنا نفحص وصايا الله لنختار منها ما يناسبنا وما يناسب عصرنا وظروفنا ونترك ما لا نراه غير مناسب أما زكريا وإليصابات فقد كانت وصايا الرب وأحكامه عندهما فوق مستوى الجدل والمناقشة وفوق مستوى الفحص والتحليل لذلك كانا سالكين في جميع الوصايا والاحكام بلا لوم لقد كانت وصايا الرب عندهما السلوك وليس للمعرفة في بيت مثل هذا لابد أن ينشأ الطفل باراً قديساً ، ولابد أن يكون مختاراً من الله ومحبوباً لديه لعلنا إذن لا تخطىء إن قلنا ان قلقنا على مستقبل أولاد لا يعيشون فى مثل بيت زكريا واليصابات لأننا لا نعيش في البر ولا نسلك في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم فلا نقدم لهم القدوة بقدر ما نقدم العثرة ولا نشعر بعمل الله في حياتنا بقدر ما نشعر بحرب الشيطان حولنا ولم يكن لهما ولد إذ كانت اليصابات عاقراً وكانا كلاهما متقدمين في أيامهما لم يكن لهما ولد أى لم يكن لهما ثمر في الجسد. ولكن ثمار الروح كانت وفيرة - فسلوكهما في وصايا الرب وأحكامه كلها جعلتهما بركة لمن حولهما ،وبرهما صعد أمام الله ثمرة شهية مفرحة ومع ذلك فعقر اليصابات كان عاراً وخزياً ( إذ كانت كل أمرأة تشتهى أن يأتي من نسلها المسيح ) . فالمرأة العاقر قد حكم عليها أن المسيح لن يأتي من نسلها ،وقد كانت هذه هي شهوة كل امرأة - كان عاراً أمام القرعة أن يدخل إلى الهيكل الذى للرب و يبخر ، كان الكاهن الشيخ يكهن في نوبة فرقته أمام الله و لعل كلمة" أمام الله " هنا تعبر عن شعوره الداخلي الذي كان مؤكداً يختلف عن شعور كثيرين من أخوته الكهنة إذ كانت وظيفة الكهنوت عندهم عملا يؤدونه مثلما يؤدى كل إنسان عمله ، أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب و يبخر - هذه القرعة رآها هو ـ وباقى الكهنة مصادفة أن تقع عليه - أما الحقيقة فهي أن الله قد دبر هذا الأمر حتى يبلغه البشارة المفرحة التي أعدها له في غير موعدها - فهناك عند مذبح البخور ظهر له ملاك الرب واقفاً من يمين المذبح - وقد كانا طبيعيا أن تحيط الملائكة بمذبح البخور حتى تحمل هذا البخور و تصعد به إلى الله ( الذي هو صلوات القديسين ) ولكن لم يكن طبيعياً أن يظهر له هناك ملاك الرب ففي خدمته الكهنوتية الطويلة لم يسبق أن ظهر له ملاك ولا أحد من أخوته لذلك فلما رآه زكريا أضطرب ووقع عليه خوف فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت وأمرأتك اليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا .
ظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور.
الواقع أن ملاك الرب يقف دائما في هذا المكان لا يفارق يمين مذبح البخور ويصعد التقدمة والصلوات ويرفع البخور إلى فوق أمام المذبح الناطق السمائي ولكننا لا نراه من أجل ضعف بصيرتنا فكلما أقتربنا من المذبح وكلما قدمنا بخور صلوات وسكبنا ذبيحة التسبيح فلنتذكر أن الملاك واقف هناك وأنه فى وقت القبول سيقول لنفسى و لا تخف لان طلبتك قد سمعت ولكن على أن لا أضطرب ولا يضعف قلبي إذا ما تأخرت الاستجابة هناك ملء الزمان ووقت معين من قبل الرب من أجل طلبتي ولا بد أن أطلب ولا أكف عن الطلب وأنتظر الرب وأقول" صبرت ننسى لناموسك " ان في نهاية صلواتنا فى الكنيسة نقول " يا ملاك هذا اليوم الطاهر إلى العلا يهذه التسبحة وأذكرنا أمام الرب ليغفر لنا خطايانا" لنثق أن الملاك ينتظر ختام تسبحتنا ليرفعها إلى فوق وفي نهاية القداس يصرف الكاهن ملاك المذبح لينطلق إلى فوق حاملا بخورنا ويعود حاملا استجابة طلبتنا كم يفرح الملاك عندما يحمل بخورنا ويفرحنا عندما يحمل إلينا استجابة الرب لها.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات روحية فى قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية
المزيد
09 نوفمبر 2025
الأحد الخامس شهر بابه يو 6 : 5 - ۱4
" فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا مُقْبِلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ؟ وَإِنَّمَا قَالَ هذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لأَنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ أَجَابَهُ فِيلُبُّسُ لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ،وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ؟ فَقَالَ يَسُوعُ اجْعَلُوا النَّاسَ يَتَّكِئُونَ وَكَانَ فِي الْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَاتَّكَأَ الرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلاَفٍ وَأَخَذَ يَسُوعُ الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى التَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. وَكَذلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ فَجَمَعُوا وَمَلأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ، الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الآكِلِينَ فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا إِنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ!"
"فرفع يسوع عينيه،ونظر أن جمعًا كثيرًا مقبل إليه،فقال لفيلبس من أين نبتاع خبزًا ليأكل هؤلاء؟" [5]
رفع يسوع عينيه ورأى الجمهور الضخم من الطبقة العامة الفقيرة، نفوسهم في عينيه ثمينة جدًا كنفوس الأغنياء بلا تمييز يهتم السيد باحتياجاتهم الروحية كما الجسدية أيضًا لذلك سأل فيلبس "من أين نبتاع خبزًا ليأكل هؤلاء؟" فقد كان يهوذا هو أمين الصندوق، وكان فليبس هو المسئول عن تدبير الطعام اليومي للتلاميذ هذا يظهر أنه لم يجلس قط في أي وقت في خمول مع تلاميذه، وإنما يدخل معهم في حوار، ويجعلهم ينصتون إليه ويتجهون نحوه، الأمر الذي يشير على وجه الخصوص إلى عنايته الحانية وتواضعه وتنازله في سلوكه معهم. لقد جلسوا معه وربما كل ينظر الواحد إلى الآخر، وإذ رفع عينيه شاهد الجماهير قادمة إليه القديس يوحنا الذهبي الفم رفع المسيح عينيه ليعلن أن الذين يحبونه يتأهلون للنظرة الإلهية وكما قيل لإسرائيل في البركة "يرفع الرب وجهه عليك، ويمنحك سلامًا" (عد 6: 26) القديس كيرلس الكبيرأعطى يسوع للبعض خبزًا من الشعير لئلا يخوروا في الطريق، ومنح سرّ جسده للآخرين (مت 26: 26) لكي يجاهدوا من أجل الملكوت القديس أمبروسيوس
يقارن القديس يوحنا الذهبي الفم بين ما فعله الله مع موسى النبي وما فعله السيد المسيح مع فيلبس ففي القديم سأل الله موسى عما في يده،وإذا به يخبره أنها عصا لا حول لها ولا قوة فتصير عصا لله التي يصنع بها عجائب وها هنا يسأل السيد المسيح فيلبس عن إمكانياته وهو والتلاميذ لإشباع الجموع فكادت تكون لا شيء سوى خمسة أرغفة شعير وسمكتان لدي غلام استخدمها السيد لإشباع هذه الألوف مع فيض من الكسر من أجل محبته للإنسان يود الله أن يدخل دومًا في حوار معه،ويسأله عن إمكانياته لكي يقدم الله من جانبه إمكانياته الإلهية القديرة خلال عجزنا وضعف إمكانياتنا.
"وإنما قال هذا ليمتحنه،لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل". [6]
قال السيد المسيح ذلك لكي يختبر إيمانه،ولكي يجتذب قلبه وقلوب إخوته نحو عمله الإلهي هذا وقد كان فيلبس من بيت صيدا في منطقة مجاورة للموضع على إلمام بإمكانيات الموضع وربما يعرف الكثيرين في ذلك الموضع سأل فيلبس ليس لأن السيد المسيح لا يعرف الإجابة، وإنما لكي يتعرف فيلبس على بلادة إيمانه.
"أجابه فيلبس لا يكفيهم خبز بمأتي دينارليأخذ كل واحدٍ منهم شيئًا يسيرًا". [7]
كان الدينار هو الأجرة اليومية العادية للشخص كأن الرسول فيلبس يقول للسيد المسيح أنه لا مجال لمناقشة هذا الأمر، فمن جهة لا توجد إمكانيات في الموضع لإشباع هذه الجماهير، وإن وُجدت الإمكانيات العينية فمن أين لنا أن نشتري هذا فإننا نحتاج إلى 200 دينارًا؟
"قال له واحد من تلاميذه وهو أندراوس أخو سمعان بطرس". [8]
مع أن أندراوس أكبر من سمعان بطرس، وهو الذي دعا أخاه ليتبع المسيح، لكن سرعان ما لمع نجم بطرس حتى صار أندراوس يُعرف بأنه أخ بطرس، أي يُنسب إليه لكي يعرفه القارئ كان أندراوس أسمى من فيلبس لكنه لم يبلغ إلى النهاية. ما نطق به ليس مصادفة بل سمع عن معجزات الأنبياء وكيف صنع أليشع آية بالخبزات (2 مل 4: 43)، ولهذا فقد ارتفع إلى علو معين، لكنه لم يبلغ إلى القمة ذاتها القديس يوحنا الذهبي الفم
"هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان،ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟" [9]
عُرِفَت كنعان بأنها أرض الحنطة (تث 8: 8) اعتاد سكانها أن يأكلوا الحنطة الفاخرة (مز 81: 16) لكن يسوع المسيح سرّ بالخبزات التي من الشعير فلم يحتقرها بل شكر ووزع خلال تلاميذه ليجد الكل شبعًا في ضعف إيمان قال فيلبس: "ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟" [9]. لم يدرك أن يسوع هو الذي أشبع محلة إسرائيل كلها في البرية بالمن النازل من السماء، فهل يصعب عليه أن يشبع ألف عائلة بخبزة شعير؟
يرى القديس أغسطينوس أن الأرغفة الخمسة من الشعير تشير إلى العهد القديم الذي يضم أسفار موسى الخمسة. وهي من الشعير، لأن قشرة الشعير جامدة ويصعب نزعها، كالعهد القديم حين كان اليهود يمارسونه بالحرف، ويستصعبون إدراكه بالروح. أما الغلام فيشير إلى شعب إسرائيل القديم الذي سلك في الروحيات كغلام صغير بلا نضوج، وأما السمكتان فتشيران إلى الشخصيتان الرئيسيتان في العهد القديم، وهما النبي والملك أو الحاكم. كان الغلام يحمل هذا دون أن يأكل منه لقد قُدمت الخبزات والسمكتان لذاك الذي وحده يعطي العهد القديم فهما روحيًا جديدًا. [بعد طول زمانٍ جاء بنفسه في سرّ، هذا الذي عُني به خلال هؤلاء الأشخاص. جاء بعد زمن طويل ذاك الذي يشار إليه بالشعير، ولكنه كان مخفيًا بالقشرة. جاء الشخص الواحد يحمل الشخصيتين للكاهن والحاكم. إنه الكاهن إذ يقدم نفسه للَّه ذبيحة من أجلنا، وهو الحاكم إذ يملك علينا. هذه الأمور التي كانت مغطّاة الآن تُكشف. شكرًا له، فقد حقق بنفسه ما ورد في العهد القديم. أمر بكسر الخبزات، وبكسرها تضاعفت وكثرت. ليس حق أفضل من هذا، أنه إذ تُفسر أسفار موسى الخمسة كم من الأسفار تُكسر وكأنها قد صارت مفتوحة ومحمولة؟
هكذا يشير الغلام إلى الشعب اليهودي الذي كان كطفلٍ في معرفته وفهمه للناموس. كانوا يتمسكون بالحرف دون إدراك للروح. وكانت الخبزات الخمس تشير إلى كتب موسى التي متى وضعت في يدي المسيح تفيض علينا بالفهم الروحي المشبع للنفس، وتقوت قلوبنا بخبز الحياة. أما السمكتان فتشيران إلى المزامير والأنبياء. بالمزامير يعلن المؤمنون شكرهم وتسابيحهم لعمل الله الخلاصي، وخلال الأنبياء يتعرفون على سرّ المسيح مشبع كنيسته بحضرته، واتحادها معه، وثبوتها فيه وهو فيها. وقد تم ذلك بعد عبور بحر طبرية، أي يتحقق خلال مياه المعمودية جاءت الكلمة اليونانية ὀψάρια للسمكتين وهو الاسم المُسْتَخْدَمَ حاليًا في مصر باللغة الدارجة"بساريا" يترجمها البعض سمكتين صغيرتين. ويرى كثير من الدارسين أن السمكتين كانتا مملحتين، ولا يزال الأقباط يأكلون سمكًا مملحًا في يوم شم النسيم swm `nnicim، في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد الخمسة أرغفة تعني أسفار موسى الخمسة التي للناموس. فالناموس القديم هو من الشعير متى قورن بحنطة الإنجيل. في هذه الأسفار توجد أسرار عظيمة عن المسيح. لذلك قال بنفسه: "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني" (يو 5: 46) ولكن كما أنه في الشعير يختفي لُبه في قشرته (القش) هكذا في حجاب إسرار الناموس يختفي المسيح وكما أن هذه الأسرار تصير في تقدم وتُكشف، هكذا هذه الخبزات تتزايد عندما تُكسر في هذا الذي أشرحه لكم أكسر لكم خبزًا الخمسة آلاف رجلًا يشيرون إلى الشعب الخاضع لأسفار الناموس الخمسة. الإثنا عشر قفة هم الإثنا عشر تلميذًا الذين هم أنفسهم امتلأوا بكسر الناموس. السمكتان هما وصيتا حب الله وقريبنا، أو هما الشعبان: أهل الختان والغرلة، أو الشخصيتان للملك والكاهن. إذ تُشرح هذه الأمور، تُكسر، عندما يفهمها الآكلون القديس أغسطينوس يشير بالأرغفة الخمسة إلى كتاب الحكيم جدًا موسى ذي الأسفار الخمسة، أعني الناموس كله الذي كان بمثابة الطعام الأغلظ، أي بالحرف والتاريخ، لأن هذا ما يلمح إليه لفظ "شعير" لكنه يشير بالسمكتين إلى ذلك الطعام الضئيل الذي حصلنا عليه بواسطة الصيادين، إشارة إلى الكتب الشهية جدًا التي لتلاميذ المخلص. وهما اثنتان، إشارة إلى الكرازة الرسولية الإنجيلية التي أشرقت في وسطنا. وكلاهما مخطوطات الصيادين وكتاباتهم الروحية. هكذا يخلط المخلص الجديد بالقديم، والناموس بتعاليم العهد الجديد، فيقود نفوس المؤمنين به إلى الحياة التي هي بلا شك أبدية القديس كيرلس الكبير
إذ يشير القديس كيرلس الكبير إلى عدم الإيمان فيلبس يحذرنا من عدم الإيمان الذي بسببه حُرم موسى وهرون من أن يقودا الشعب إلى الأرض الموعد حين تشككا في إمكانية صدور ماءٍ من الصخرة. يقول: [من ينجو بسبب عدم إيمانه من غضب الله، هذا الذي لا يحابي أحدًا، إذ لم يشفق حتى على موسى الذي قال له: "عرفتك أكثر من الجميع، ووجدت نعمة في عيني" (خر 23: 12) ] تحول عدم إيمانهم إلى شهادة حسنة للمسيح. لأنهم باعترافهم أن مبلغا كبيرًا كهذا المال لن يكفي الجموع ولو لشراء زادٍ طفيف، بهذا ذاته يكللون قدرة رب الجنود التي لا يُنطق بها، هذا الذي عندما لم يتوفر شيء... تمم عمل محبته نحو الجموع بغنى فائق القديس كيرلس الكبير
ربما يتساءل البعض: ألم يكن ممكنًا للسيد المسيح أن يشبع الجموع دون استخدام السمكتين والخمس خبزات؟
يرى كثير من الآباء أن السيد استخدم هذه الأمور لكي لا يظن أحدا أن الخليقة المادية نجاسة، وأنها غير صالحة، كما ادعى الغنوصيون خاصة في القرن الثاني الميلادي. إنه يقدس ما خلقه سواء القمح أو الشعير أو السمك أو الكروم ويستخدم هذه الأمور في صنع عجائبه بمباركته إياها أعتقد (أندراوس) أن صانع العجائب يقدم القليل من القليل، والكثير مما هو كثير. لكن الأمر على خلاف ذلك، فإنه يسهل على السيد في الحالتين أن يجعل الخبز يفيض سواء من الكثير أو من القليل، إذ لا يحتاج إلى مادة (ليفيض منه الخبز) ولكن لئلا يظن أن الخليقة غريبة عن حكمته كما ادعى بعد ذلك المفترون الذين تأثروا بمرض مرقيون (الذي يظن أن المادة دنس والخليقة المادية نجسة لا تليق بالله)، لهذا استخدم السيد الخليقة نفسها (الخبز والسمك) كأساس لعمل عجائبه القديس يوحنا الذهبي الفم
يرى القديس جيروم أن السيد المسيح قدم للجماهير تارة خبزًا من الحنطة وأخرى من الشعير (مت 15:14-21؛ 32:15-38). كل من الحنطة والشعير خليقة اللَّه، بها تشبع الجماهير. وإذ كان الشعير في ذلك الحين طعام الحيوانات، لذا جاء في المزمور: "أنت يا رب تخلص الإنسان والحيوان" (مز 7:36). فهو يُشبع الروحيين، وأيضًا الذين تحت ضعف الجسد. ويبرر بهذا القديس جيروم حديثه عن البتولية أنها كالذهب، والزواج كالفضة، وكلاهما معدنان لهما قيمتهما.
"فقال يسوع اجعلوا الناس يتكئون،وكان في المكان عشب كثير،فاتكأ الرجال وعددهم نحو خمسة آلاف". [10]
طلب السيد المسيح من تلاميذه أن يتكئوا الناس على العشب ليستعدوا للطعام قبل أن يقدم لهم الطعام، أو يروي لهم ما سيفعله. لقد طلب الطاعة المرتبطة بالإيمان ليقفوا ويروا خلاص الله العجيب يشير العشب الكثير إلى الجسد (إش 50: 6)، أو الشهوات الجسدية. فإنه لا يستطيع أحد أن يشبع بالقوت الروحي ما لم يُخضع شهواته الجسدية تحته، أو يطأها بقدميه. إذ اتكأ الرجال الخمسمائة على العشب تمتعوا بالطعام الروحي المقدم لهم من السيد المسيح نفسه خلال تلاميذه كان من عادة اليهود أن يحصوا الرجال وحدهم من سن العشرين فما فوق دون النساء والأطفال أو الصبيان رقم 5 يشير إلى حواس المؤمنين الخمس وقد سمت لتصير سماوية حيث رقم 1000 يشير في الكتاب المقدس إلى الحياة السماوية. لذلك اتكأ الرجال وكان عددهم خمسة آلاف، إذ لم يكن ممكنًا للمؤمنين أن يتمتعوا بالشبع الروحي وفهم الناموس روحيًا ما لم يحملوا سمات النضوج الروحي (رجالًا)، وتتقدس حواسهم الخمس لتحمل سمات سماوية. لذلك فالمؤمن رمزه 5000 (خمس حواس × حياة سماوية "1000" = 5000). أما جلوسهم على الشعب فيحمل رمز خضوع الجسد للنفس المقدسة للرب. فمن يطأ الزمنيات، ولا يرتبك بها، تنفتح طاقات السماء لتقدس كل حواسه وطاقاته وكيانه الداخلي، وتشبعها بالحكمة كما من مائدة إلهية غنية تجاوز تمامًا عن الإناث والأطفال وأحصى الجموع من البالغين، لأنه مكرَّم في كتاب الله كل من هو رجل يافع، وليس من هو طفولي في طلب الصالحات الذين يسلكون كرجال في الصلاح يُعطون الطعام بواسطة المخلص على وجه الخصوص، وليس للذين هم مخنثين ولا يمارسون الصلاح في حياتهم، ولا للذين هم أطفال في الفهم، العاجزين عن إدراك أي أمر ضروري معرفته القديس كيرلس الكبير
بهذا القول أنهض المسيح تمييز تلاميذه وأطاعوه في الحال، ولم يضطربوا، ولا قالوا ما هو هذا، كيف يأمرنا أن نتكئ الجموع ولم يظهر شيئًا في الوسط؟ بهذا ابتدأوا بالإيمان قبل نظرهم إلى المعجزة القديس يوحنا الذهبي الفم
"وأخذ يسوع الأرغفة وشكر ووزع على التلاميذ،والتلاميذ أعطوا المتكئين،وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا". [11]
يعلمنا السيد أن نقدم الشكر لله على كل بركاته الروحية والجسدية، فإن ما لدينا هو عطية مجانية من عنده. وكما يقول الرسول بولس "لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يُرفض شيء إذ أُخذ مع الشكر، لأنه يقدس بكلمة الله والصلاة" (1 تي 4: 4-5) إن كانت الجماهير قد قبلت الخبز من أيدي التلاميذ إلاَّ أن العطية في حقيقتها هي من يدي السيد المسيح نفسه هكذا يليق بالمؤمن أن يدرك أن كل ما يناله هو من الرب نفسه، وإن جاءت بوسيلة أو أخرى صلى لأن الحاضرين كانوا جمعًا عظيمًا ووجب أن يتحقق عندهم أنه جاء إليهم برأي الله، وحتى يصيرهم موقنين أنه ليس ضد الله ولا معاندًا لأبيه القديس يوحنا الذهبي الفم
قبل أن يوزع السيد المسيح الخبز والسمكتان على تلاميذه شكر حتى يعلن فرحه بكل عطية سماوية يقدمها للبشر كي يشبعوا ويغتنوا، أيضًا لكي يدربنا على حياة الشكرعهد السيد المسيح بالطعام للتلاميذ، والتلاميذ قدموه للمتكئين، أي الجمهور. إنه بيديه يقدم لنا الفهم الروحي للناموس والمزامير والأنبياء، ولكن خلال تلاميذه ورسله أو الكنيسة المقدسة.
"فلما شبعوا قال لتلاميذه اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء". [12]
يلتزم المؤمن بجمع الكسر، فلا يبدد الموارد، لأنها عطية إلهية ووزنة يلزمنا أن نكون أمناء فيها مهما بدت تافهة، ولو كانت كسرة خبز من الشعير. كان اليهود يتطلعون إلى الخبز بكونه الطعام الرئيسي يمثل بركة من الرب، لذا يحرصون ألا يسقط فتات خبز على الأرض ولا يطأ أحد بقدميه على فتات الخبز. إلى الآن في صعيد مصر يحمل الناس هذا الاتجاه فيحسبون من يطأ بقدميه على فتات خبز كمن يسيء إلى بركة الرب وعطاياه. جاء في أمثال اليهود: "من يحتقر خبزًا يسقط في أعماق الفقر" إن كان الرب يهتم بكسر الخبز الذي من الشعير، فكم بالأولى لنا أن نحرص على ألا نفقد كلمة الرب أو نفسد وقتنا؟
وضع اليهود لأنفسهم قانونًا أن يتركوا كسرة خبز بعد الطعام إشارة إلى أن البركة قائمة في البيت أما الأشرار فلا يبقون شيئًا على المائدة إشارة إلى نزع البركة عنهم "ليست من أكله بقية، لأجل ذلك لا يدوم خيره" (أي 20: 21) إن كسرت الخمس خبزات لن تملأ اثنتي عشرة قفة، فكيف ما تبقي منها يملأها؟ لم يكن ممكنًا لكائنٍ ما أن يدرك كيف يجمعون كسرًا من الخمس خبزات التي قُسمت على هذه الآلاف من البشر بعد أن شبعوا. هكذا إذ يقدم لنا السيد المسيح طعامًا روحيًا يشبع أعماقنا وتفيض يشبع آخرون من الكسر المتبقية والتي تفوق أحيانا ما قد نلناه جاء هذا الأمر الإلهي الخاص بجمع الفضلات يكشف عن أهمية الإيمان بإله المستحيلات الذي يهب بسخاء، فيشبع النفوس لتفيض بالخيرات والفرح، على خلاف الانحباس في الأرقام والحسابات البشرية مع عدم الإيمان والتي تسبب جفافًا وحرمانًا داخليًا يدعونا السيد لكي نتقبل من يديه حياة أفضل وشبعًا يفيض، فنترنم قائلين: "تعرفني سبل الحياة، أمامك شبع سرور، وفي يمينك نعم إلى الأبد" (مز 16: 11) بجمع الكِسَرْ يتأكد الإيمان بأنه كانت هناك وفرة من الطعام حقًا، ولم يكن الأمر فيه خداع لنظر المشتركين في الوليمة لا يخيب الله من يستعد للتوزيع؛ ويتهلل بمسلك المحبة الأخوية... إذ ننفق قليلًا لأجل مجد الله ننال نعمة أوفر، كقول المسيح: "كيلًا جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا يعطون في أحضانكم" (لو 6: 38)... يقول الله: "افتح أحشاءك بسعة لأخيك المحتاج الذي معك" (انظر تث 5: 11)القديس كيرلس الكبير
يرى القديس كيرلس الإسكندري أن السيد المسيح سمح بامتلاء اثنتي عشرة سلة، لكل تلميذ سلة. وكأن من يتعب في تقديم كلمة الله، الطعام الروحي، للشعب فسينال بسخاء ملء النعمة الإلهية كان يرغب أنه يعلم تلاميذه الذين كانوا معدين ليكونوا معلمين للعالم ربما لم تحصد الجموع أية ثمار من المعجزة (إذ للحال نسوا المعجزة وسألوا معجزة أخرى) بينما هؤلاء التلاميذ اقتنوا نفعًا ليس عامًا إني مندهش من دقة الفائض. الكسر الباقية تحمل النقاط التالية:
أن ما حدث لم يكن تخيلًا، وأنها كسر من الخبزات التي اقتاتت بها الجموع.
أما بالنسبة للسمك فقد جاء عن مادة كانت موجودة فعلًا (أي كان السمك لدى الغلام) ولكن في فترة لاحقة، بعد القيامة وُجد سمك ليس من مادة موجودة (حيث وجدوا سمكًا مشويًا قبل إخراج السمك من الشبكة ( يو 9:21)القديس يوحنا الذهبي الفم
"فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر،من خمسة أرغفة الشعير التي فضلت عن الآكلين". [13]
يشير جمع الكسر التي تملأ 12 سلة إلى الالتزام بالشهادة للثالوث القدوس في كل العالم، أي في المشارق والمغارب والشمال والجنوب (3×4=12) لذلك كان عدد أسباط بني إسرائيل 12 وعدد التلاميذ12 وجاءت الكسر 12 قفة وكأنه يليق بالشعب الذي يتمتع بالطعام الروحي من يد الآب خلال كنيسته أن يقدم فضلاته التي تشبع المسكونة كلها لتجذب غير المؤمنين إلى ملكوت الله.
"فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع،قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم". [14]
واضح من هذا أنه حتى عامة الشعب كانوا يترقبون مجيء المسيا إلى العالم. لقد احتقر الفريسيون عامة الشعب، ناظرين إليهم أنهم بلا معرفة، ولم يدركوا أن العامة ببساطتهم عرفوا ما لم يستطع الفريسيون بعلمهم ومعرفتهم أن يبلغوا إليه. لقد أدرك العامة أنه قد جاء النبي الذي وعد به الله شعبه خلال موسى النبي (تث 18: 15) اقترب العامة من ملكوت السماوات يقارن القديس كيرلس الكبير بين رد فعل اليهود إذ أرادوا رحمة عندما شفى مرضى، أما هنا الذين هم خارج اليهودية، فقد قالوا "بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم" أولئك رأوا معجزات كثيرة لكنهم كانوا قساة قلوب غير مؤمنين، بينما هؤلاء شاهدوا معجزة واحدة فمجدوه [قد حان الوقت أن ينال الأمم أخيرًا نصيبًا من الرحمة من فوق، ونصيبًا من المحبة بالمسيح].
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج
المزيد
07 ديسمبر 2025
الأحد الرابع من شهر هاتور مر ۱۰ : ۱۷ - ۳۱
وفيما هو خارج إلى الطريق ركض واحد وجثا له وسأله أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لارث الحياة الأبدية فقال له يسوع لماذا تدعونى صالحاً ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله أنت تعرف الوصايا لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تسلب أكرم أباك وأمك فأجاب وقال له يا معلم هذه كلها حفظتها منذ حداثتي فنظر إليه يسوع وأحبه وقال له يعوزك شيء واحد أذهب بع كل مالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال أتبعنى حاملا الصليب فأغتم على القول ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة فنظر يسوع حوله وقال لتلاميذه ما أعسر دخول ذوى الأموال إلى ملكوت الله فتحير التلاميذ من كلامه فأجاب يسوع أيضاً وقال لهم يا بنى ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله مرور جمل من ثقب أبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله فبهتوا إلى الغاية قائلين بعضهم لبعض فمن يستطيع أن يخلص فنظر إليهم يسوع وقال عند الناس غير مستطاع ولكن ليس عند الله لان كل شيء مستطاع عند الله وابتدأ بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فأجاب يسوع وقال الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولاداً أو حقولا لاجلى ولأجل الإنجيل الا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحق ولا مع إضطهادات و في الدهر الآتى الحيوة الأبدية ولكن كثيرون أولون يكونون آخرين والآخرين أولين.
يعوزك شيء واحد
وفيما هو خارج إلى الطريق ركض واحد وجثا وسأله أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لارث الحياة الأبدية ؟ فقال له يسوع أنت تعرف الوصايا لا تزن لا تقتل الخ . فاجاب وقال يا معلم هذه كلها حفظتها منذ حداثتى . فنظر إليه يسوع وأحبه وقال له يعوزك شيء واحد أذهب وبع كل مالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعنى حاملا الصليب فاغتم على القول ومضى حزيناً لانه كان ذا أموال كثيرة ثم قال الرب للتلاميذ ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله .
سؤال للغنى :
ماذا أعمل لارث الحياة الأبدية ؟
ان هذا الشاب على ما يبدو مهتم بحياته الأبدية وميراث الملكوت فتراه يركض ويجثوا أمام الرب يسوع ويسأل كيف يرث الحياة الأبدية ؟ ولكن يسوع يمتحن قلب الذين يطلبون الملكوت وكثيراً ما يجيب على سؤالهم بسؤال و لكن سؤال يسوع ليس لعدم معرفته بأحوالنا ،ولكنه يدخلنا مباشرة إلى النور والطريق المؤدى إلى الحياة ويشجعنا لكي تدخل فيه فالرب يسوع يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون وهو لا يشاء موت الخاطئ. ولا يسر بهلاكه بل أن الفتيلة المدخنة والقصبة المرضوضة لها رجاء عنده .
سؤال يسوع :
أنت تعرف الوصايا : لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تسلب وأكرم أباك وأمك العجيب جداً أن الرب يسوع لم يذكر له الوصايا من أولها و تحب الرب إلهك من كل قلبك الخ إن الرب في حنانه يسأله أولا عن الوصايا التي يعرفها والوصايا التي يحفظها وعندما أجاب الشاب بالايجاب نظر إليه الرب نظرة مملوءة حب ، نظرة تشجيع قائلا يعوزك شيء واحد أذهب وبع كل أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال أتبعنى حاملا الصليب وهنا يكشف الرب أمراً في غاية الأهمية والخطورة ماذا تنفع الوصايا بدون محبة الله من كل القلب ؟
قد يقول واحد اللهم انى أشكرك انى لست مثل سائر الناس الخاطفين والظالمين والزناة أصوم مرتين كل أسبوع وأعطى عشراً من كل أموالى ؟
و لكن يا عزيزى هل تحب الله من كل القلب ؟ ما هي علاقتك الشخصية بالله هكذا قال الرب لهذا الشاب يعوزك محبتى من كل القلب أذهب أفعل هذا فمضى حزيناً لأنه كان يحب آخر؟ يحب العالم ، يحب المال من أراد أن يكون محباً للعالم فقد صار عدواً لله اني أؤثر يا ربى أن أكون فقيراً من أجل حبك على أن أكون غنياً بدونك أختار التغرب معك على الأرض أفضل من امتلاك السماء بدونك .
هناك نوع من المعرفة الكاذبة للوصايا الإلهية .
معرفة عقلانية
مثل إنسان يحفظ وصايا المسيح عن ظهر قلب . ويناقش في الأمور الروحية ويتخيل في نفسه أنه يعرف الإنجيل بينما هو مرتبط بمحبة المال محبة العالم محبة الشهوات لمثل هذا الإنسان يقول الرب يسوع يعوزك شيء واحد أذهب وبع وتعال أتبعنى حاملا الصليب ان هذا الشاب لا يزنى ولا يقتل ولا يسرق ويكرم أباه وأمه فماذا يطلب منه الرب أكثر من هذا ؟
ألا يستحق مثل هذا الشاب التقى فى عينى نفسه وفى عينى المجتمع أن يدخل الملكوت ؟ لو وجد مثل هذا الشاب في مجتمعنا الآن لمدحه الجميع من أجل أخلاقياته ومن أجل استقامته ولكن الملكوت لا يوهب من أجل الأخلاق ولكنه يعطى للمحبين لله من كل القلب ومن كل النفس ومن كل القدرة هذا الأساس يحمل الفريسى الذى يصلى إلى الله ويصوم مرتين في الاسبوع مستحقا للسكوت ولكن الرب يسوع يطالبنا بالوصية الأولى والعظمى تحب الرب إلهك من كل القلب ومن كل الفكر ومن كل القدرة وبدون هذه الوصية يصير كل شيء باطلا
هناك أمثلة كثيرة طلب الرب إليهم أن يعملوا أموراً خارقة وفائقة للطبيعة فعملوها بفرح ووصلوا إلى ملكوت الله.
موسى أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله ، حاسباً عار المسيح عنده غنى أفضل من كل خزائن مصر .
ابراهيم قال له الله سر أمامى وكن كاملا فسمع الصوت
الإلهى وأطاع ولما قال له الله اترك أهلك وعشيرتك خرج وهو لا يعلم إلى أين يأتى ولما قال له الله خذ ابنك وحيدك الذي تحبه وقدمه لى محرقة على الجبل الذي أعلمك به قام باكراً وقدم ابنه ولم يمسك ابنه الوحيد.
ولاوى قال له الله اتبعنى فقام من مكان الجباية وترك كل شيء وتبع الرب وهكذا بقية التلاميذ وتركنا كل شيء وتبعناك أما هذا الشاب فعندما قال أذهب وبع أملاكك واعط للفقراء فاغتم على الفور ومضى حزيناً . أين ما كان يبدو من اهتمام من أجل الملكوت ؟ لقد كان يركض ويجثو على ركبتيه أمام المخلص ويسأل بلهفة . و لكن عندما طلب منه أن يبذل شىء من أجل الملكوت اغتم هو يريد أن يحصل على الملكوت ولا يريد أن يبذل من أجل الملكوت يريد أن يأخذ ولا يريد أن يعطى مع أن ملكوت المسيح هو : ( الغبطة في العطاء أكثر من الأخذ )القديس العظيم الأنبا أنطونيوس سمع هذا الفصل من الإنجيل في القرن الرابع ، فمضى على الفور وباع كل ما كان له ( ٣٠٠ فدان من أجود الأرض ) . ومع أن الشاب الذي سمعها لم تنفعه الكلمة . ولكن القديس أنطونيوس قبلها بفرح وخباها في قلبه وخضع لناموسها ونفذها بشجاعة فرفعته الكلمة الإلهية إلى فوق وصار من أكبر القديسين الذين أرضوا الرب .
البعنى حاملا الصليب
هذا هو ملكوت المسيح الحقيقى ، وطريق الخلاص الذي يرفضه كثيرون ، لأن البعض يرسم صورة خيالية للملكوت ويطلبون راحتهم ومتعتهم ويتصورون الملكوت فرصة الذات البشرية وللتمتع . ولكن ملكوت المسيح يبدأ بإنكار الذات و صلب الذات فنحن فى المسيح نموت لنحيا حياة أبدية وتصلب معه القوم فيه ونسلك فى الحياة الجديدة الذين لا يقبلون صلب المسيح لا يكون لهم نصيب في مجده وقيامته و من الأمور اليقينية أن غنى هذا الشاب صار صخرة عثرة أمام خلاصه لقد صار غناه ترف ورفاهية و تلذذ وشهوات وما أبعد هذا الطريق عن الصليب ما أحوجنا إلى الصليب الذي يضع حداً لطغيان الأمور العادية في حياتنا ويسمر إنساننا العتيق ويصلبه فنتحرر من كل رباطات وعبودية هذا العالم وتختبر حرية مجد أولاد الله.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات روحية فى قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية
المزيد