القيم التي تنبع من غسل الأرجل ج١

01 يوليو 2022
Large image

يتحدث الكتاب المقدس في الأصحاح الثالث عشر من إنجيل معلمنا يوحنا ، عن عمل قام به المسيح لفت نظر الجماهير ، وأصبح أيضا عملا متميزا عبر الأجيال كلها وهو " غسل الأرجل " . كون المسيح له المجد يغسل الأرجل لتلاميذه ، هذا درس عملي يقدمه المعلم ، والمعلم الناجح يقدم وسيلة إيضاح عندما يشرح درس ، لأن الإنسان بطبيعته روح مرتبط بجسد ، فالإنسان يتأثر بالمحسوسات أكثر من التعليم النظري ، التعليم النظري قابل لأن ينسي ، وقابل أيضا بأن يشرد عنه الذهن فلا يلتفت الإنسان إليه ، أو يمر عليه مروراً سطحياً أو عابرا . إنما النموذج العملي والممارسات العملية ووسائل الإيضاح الحسية ، تطبع في الإنسان أثراً أعمق وأقوى مما يطرحه التعليم النظرى القابل لأن ينسى .
القيمة الأولي إراحة الآخر :
فسيدنا له المجد كونه يضع ماء في مطهرة أو في مغسل أو في حوض أو ما نسميه اللقان في خميس العهد ويأخذ وضع الخادم ، في العهد الذي ظهر فيه سيدنا في فلسطين لم يكـن هناك طرق مواصلات متوفرة مثل زماننا الحاضر ، ولم يكن هناك سيارات ، وكان الإنسان يمشى على رجليه ، ومع قطع المسافات الطويلة كان الإنسان يشعر بالإعياء ، فكان أول شيء يصنعوه له عندما يدخل بيت ، أن يغسل رجليه ، سواء كان في بيته فالشخص بنفسه أو خادمه يغسل له رجليه . وأيضا إذا دخل بيت آخر كضيف ، لهذا كان من أولى واجبات الضيافة أن الضيف تغسل رجليه ، فكان يكلف الخادم أن يأتى بحوض ويضع فيه ماء ثم يغسل رجلي هذا الإنسان ، غسل الأرجل مع التعب تعطيه راحة ، فتعد هذه خدمة للإنسان المتعب والمرهق من قطع المسافات وهم وأيضا عندما كنا نذهب إلى الأديرة في الثلاثينيات ، كنا نلاحظ أن الآباء الرهبان أول شيء عندما نصل لأننا كان نسير على أرجلنا ، كانوا يحضروا حوض به ماء دافيء وأحياناً يضعوا فيها شيء من الملح البسيط ، فأول شيء يصنعوه عند استقبالنا هو غسل الأرجل ونحن كنا شباب صغير فكنا نتمنع أو نستكلف ، وهم آباء كبار كيف يغسلوا أرجلنا ؟ فكانوا يقولوا لنا لا تحرمونا من هذه البركة ، لماذا ؟ لأنه يشعر أنه يعمل العمل الذي عمله السيد المسيح ، فيشعر أنه يتمم واجب ويعمل فضيلة ، وتسمعوا في الكنيسة عن الأنبا بيشوى ومذكور عنه حتى في القداس أنه غسل قدمی مخلصنا الصالح ، فسيدنا له المجد من محبته للأنبا بيشوى ظهر له شكل إنسان كأنه ضيف من مكان بعيد ، فقام الأنبا بيشوى بغسل قدميه وهو لا يعلم أنه هو المسيح ، فسيدنا له المجد تلطف به وظهر له بكامل حقيقته ، فذهل الأنبا بيشوى أن سيدنا له المجد بذاته نزل إلى قلايته أو إلى غرفته وشرفه بهذا الشرف ، ولاشك أنه نال بركة كبيرة جدا لأنه غسل قدمي المسيح نفسه ، فهذه تعتبر بإستمرار فضيلة ، وكان في بداية المسيحية إختيار المرأة الشماسة يقوم كما جاء في رسالة بولس الرسول إلى تلميذه تيموثيئوس ، على أنها قد غسلت أرجل القديسين . كأول مؤهلاتها لكي تنال درجة الشماسية . فهنا بالنسبة للكل رجال ونساء هذه فضيلة ، فسيدنا له المجد كونه هو نفسه يأخذ هذا الوضع وينحنى كخادم ، وقال أنا بينكم كالذي يخدم وكلمة " يخدم " في اليوناني " دياكون " وهي المصطلح الكنسي لكلمة " الشماس " فالمسيح مارس مهمة الشماس كما مارس أيضا مهمة القارىء ، عندما قرأ الفصول المقدسة التي يقرأها الأناغنوستيس ، ومارس جميع درجات الكهنوت بما فيها الأسقفية ولذلك يقول الكتاب : " لأنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم وأسقفها " ( 1 . بط ٢ : ٢٥ ) ، المهم أنه عندما غسل المسيح الأرجل ، بطرس الرسول استعظم هذا الأمر وقال له " لن تغسل رجلي ، فقال له " أنت لا تفهم الآن ولكنك ستفهم فيما بعد، لماذا أنا عملت ذلك ، هناك هدف وراء هذا العمل ، يوجد درس أنا أعطيه وسيلة إيضاح ، " إن كنت لا أغسلك فليس لك معى نصيب " ، هدده ، وأصر المسيح على أن يغسل.رجليه ، فقال له : " ياسيد ليس رجلي فقط بل يدي ورأسي " لأنه يهمنى أن يكون لي نصيب معك . وبعد أن غسل الأرجل جلس ، لاحظوا في عملية غسل الأرجل كونه أخذ مئزرة وائتزر بها وأخذ وضع الخادم ، لأنه في هذا الوقت كان الناس يلبسوا ملابس طويلة فيحتاج أن يرفع ملابسه ، لأن عملية الغسل تحتاج منه أن ينحنى فلا تبتل ملابسه ، رجال الكهنوت يلبسوا ما يسمى بالحياصة أو المنطقة ، وقد ظهر بها السيد المسيح في سفر الرؤيا للقديس يوحنا الحبيب ، عندما رأه في الرؤيا العظيمة ، يصفه في الأصحاح الأول من سفر الرؤيا أنه كان يلبس ملابس بيضاء إلى القدمين ومتمنطقا بمنطقة عند صدره ، ولهذا السبب يلبس الأسقف مثل هذه الملابس لأنه يمثل سيده ، وهذه المنطقة دليل أو علامة أنه خادم ، وفي بعض الكنائس الأخرى يعطوا الكهنة رغم أنه ليس أسقفاً لقب مونسنيير وتعنى سيدنا ، ولذلك يلبس حزام أحمرلكي يشير به إلى أنه خادم . وقال لهم السيد المسيح : أنتم تدعوني معلماً وسيداً وحسنا تقولون لأني أنا كذلك ، أي هذا ليس نفاق ولا ادعاء ، فأنا المعلم وأنا السيد ، ولكن إن كنت أنا المعلم والسيد قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض ، لم يطلب منهم أن يخدموه أو أنه يقوموا بغسل رجليه ، إنما طلب منهم أن يصنعوا ذلك بعضهم نحو بعض . ما الحكمة في هذا ؟ !! عملية غسل الأرجل في ذاتها خدمة ، أذكر رجل الآن في العالم الآخر ، كان يذكر من بين فضائل زوجته ، يقول : حتى لو دخلت الساعة ١٢ بالليل تدفىء الماء وتغسل رجلي ، لم ينس لها هذا الفضل ، لأن هذه فعلا خدمة مريحة ، فعندما نريح إنسان تعبان تعد خدمة .
نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
عن كتاب الخدمة والخدام المفاهيم والمجالات والمؤهلات والمعوقات
وللحديث بقية

عدد الزيارات 452

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل