بمناسبة أحد الرفاع وبدء الصوم الكبير

23 فبراير 2020
Large image

بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
يُعرف هذا الأحد المبارك بأحد الرفاع، وكلمة الرفاع يُقصد بها أن يرفع الطعام الإفطارى أو الطعام الدسم، يُرفع فى هذا اليوم ليبدأ الصوم المعروف بالصوم الكبيروالصوم الكبير يُسمى بالصوم الكبير، ليس فقط لطوله وإنما لأهميته، لأنه هو ذاته صوم ربنا يسوع المسيح، ونحن نصوم من بعده وقياساً عليه، لأنه إذا كان هو قد صام وهو فى غير حاجة إلى الصوم، فمن باب أولى ومن الأحرى أن نصوم نحن لنستغفر الله ونطلب رحمته، والصوم عبادة. " اعبدوا الرب بخشية (بخوف)" (مز2: 11)، هذا هو المزمور الذى سبق الإنجيل " اعبدو الرب بخشية، واهتفوا له برعدة " فنـحن علاقتنا بالله علاقة العبد بالسيد، فنحن بالعبادة نربط أنفسنا ونتواصل مع الله، هذا التواصل هو إقرار بعبوديتنا له، هذا هو معنى العبودية ومنه التعبد بتقديم الصلوات والأصوام وأعمال الرحمة التى نقدمها برهانا لعبوديتنا لجلاله وإقراراً بأنه سيدنا ونحن عبيده، نقدم له صلواتنا وأصوامنا، خصوصاً وأن هذا الصوم وغيره من الأصوام العامة فى كنيستنا أصبحت أصواما تذهب وتجىء كل عام من هنا أصبحت أصواماً تعبدية، كنيستنا كنيسة تعبدية تقسم فترات السنة على مواسم، فبعض أيام السنة إفطار وبعضها أصوام، نصوم ثم نفطر ثم نصوم ثم نفطر وهكذا كل أيام السنة، والسبب فى هذا الإختلاف لأن الإنسان بطبيعته يميل إلى التغيير حتى لا يقع الإنسان تحت فعل الحياة النمطية التى تكون على وتيرة واحدة، فكنيستنا ترتب أيام السنة ترتيبا فيه تغيير، لأن التغيير فيه لفت للنظر وفيه تحويل للفكر وفيه تنبيه للإنسان، أما الحياة النمطية التى تسير على وتيرة واحدة فهذه حياة مؤداها إلى الفتور. لكن لكى يبقى الإحساس بالفارق موجوداً رأت الكنيسة أن تنظم أيام السنة على فترات تختلف فى الصوم والإفطار قلنا أن الصوم الكبير يُسَمى بالكبير ليس فقط لطوله وإنما لأهميته ، وكذلك هو من الأصوام التى تُسمى بأصوام الدرجة الأولى، وهى الأصوام التى حُدت بقانون، فكـل مسيحى مفروض أن يصوم هذه الأصوام، وهى لازمة وضرورية لكى يكون حقاً مسيحياً ومسيحياً متعبداً فهذه الأصوام الثلاثة هى الأربعين المقدسة، وأسبوع الآلام، والأربعاء والجمعة، حدها القانون الرسولى " مَن لا يصوم الأربعين المقدسة وأسبوع الآلام والأربعــاء والجمعة إن كان كاهناً يُقطع، وإن كان علمانياً يُفرز ". وذلك لأهميتها وهى تسمى أصوام المرتبة الأولى، إن على كل مسيحى هذا الواجب الذى لايصح أن يفلت منه إلاّ إذا كان مريضاً ويجرى مجرى هذه الأصوام الثلاثة فى الأهمية صوم البرمون، وهو اليوم السابق على عيد الميلاد مباشرة واليوم السابق على عيد الغطاس مباشرة، كلمة برمون معناها استعداد فوق العادة. وكذلك الصوم المعروف بصوم يونان نظراً للعلاقة والرباط بين هذا الصوم، وبين رب المجد يسوع المسيح حينما كان فى باطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال. ولذلك يسمى يوم الإفطار فصح يونان. وهذا هو التعبير الوحيد الذى يستخدم فيه كلمة فصح، فى إفطار صوم يونان، هذا نظراً للعلاقة الرمزية بين يونان الذى كان فى باطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، وبين رب المجد يسوع المسيح.
الصوم الكبير يتألف فى الواقع من ثلاثة أصوام :
1- الأسبوع الأول يسمى مقدمة الصوم الكبير.
2- وبعد الأسبوع الأول مباشرة تبدأ الأربعون المقدسة. وفى نهاية الأربعين المقدسة نختم هذا الصوم بيوم الجمعة المعروف بجمعة ختام الصوم .
3- بعد ذلك يبدأ اسبوع الآلام .
إن اسبوع الآلام فى الواقع اسبوع صوم مستقل بذاته، لأن سيدنا لم يتألم بعد أن صام مباشرة، إنما الكنيسة فى ترتيبها الحكيم رأت أن يُحتفل باسبوع الآلام بأن يصام صوماً نسكياً، ولكى يصام صوماً نسكياً جعلت الأربعين المقدسة مقدمة لأسبوع الآلام، حتى يكون الإنسان فى نهاية الصوم الأربعينى فى حالة من الزهد والنسك والروحانية تسمح له أن يدخل بورع وتقوى فى اسبوع الآلام. الـ 47 يوم الأولى تعتبرها الكنيسة مقدمة لأسبوع الآلام كما نعتبر الأسبوع الأول مقدمة للأربعين المقدسة وفرضت قوانين الكنيسة احتراما لهذا الصوم، وللإستفادة منه أن يصام إلــى الغروب وخصوصا للشباب، ممكن يُعفى من هذا الصوم الإنقطاعى الطويل المرضى والشيوخ والنساء الحوامل والنساء المرضعات والأطفال الصغار. إنما الشباب مدعوون إلى أن يصوموا الصوم الكبير إنقطاعيا إلى الغروب وبعد ذلك يأكل طعاماً نباتياً وعن هذا الطريق تكون الاستفادة الحقيقية من الصوم، ومن غير ذلك لا تكون الإستفادة كاملة أو تامة من الصوم، فإذا كان الإنسان لا يصوم إنقطاعياً فصومه ليس كاملاً ولا منطقياً، لأن الصوم يقتضى الإنقطاع عن الطعام، فإذا أفطر الإنسان فى الصباح فكيف يُعّد صائما، لابد أن ينقطع عن الطعام فترة مناسبة، وكما قلنا احتراماً لهذا الصوم وتوقيراً له رأت الكنيسة أن تربط هذا الصوم بقانون، أن القادرين وخصوصا من الشباب يصومونه إلى الغروب، أما الشيوخ والأطفال والمرضى والنساء الحوامل والنساء المرضعات والأطفال يعفون من هذا الصوم الإنقطاعى الطويل، وإن كانوا لا يعفون من الطعام النباتى.
الأسبوع الأول نسميه مقدمة الصوم الكبير، السبب الأساسى فى هذه المقدمة هو ذات الاحترام والتقديس الذى للأربعين المقدسة التى صامها الرب يسوع. فمن منطلق هذا التقديس والاحترام والتوقير ندخل إلى الصوم بعد فترة معينة، نكون قد أعددنا أنفسنا لها، ولما كان هذا الصوم ينبغى أن يكون نسكياً فنبدأ بمقدمة، ففى الأسبوع الأول ممكن أن يصوم الإنسان إلى الثالثة أو إلى ما قبل ذلك، إذا لم يكن قادراً، حتى إذا دخل إلى الأربعين المقدسة يصوم إلى الغروب مثل أى حركة طبيعية فى الدنيا لابد أن تبدأ بطيئة، وئيدة، قطار السكة الحديد لا يمكن أن يبدأ بسرعة حينما يقوم، فهو لا يبدأ بسرعة 80 كيلو مثلا، إنما يبدأ بحركة وئيدة إلى أن تتمكن المحركات أن تسير بالسرعة الكبيرة المطلوبة.
لازال السبت له كرامته:-
فنحن تقديساً لهذا الصوم نبدأ بهذه المقدمة، وفى نفس الوقت هى تعويض عن أيام السبوت التى لا تصام إنقطاعياً، فى ترتيب كنيستنا أن يوم السبت لايصام إنقطاعيا، لأن يوم السبت عيد الشريعة القديمة، والكنيسة المسيحية لم تلغ احترام السبت، وهذه نقطة مهمة فيها رد على إخوتنا الذين يسموا أنفسهم بالسبتيين، نحن لم نبدل السبت بالأحد، هذا التعبير غير أرثوذكسى، لم يحدث أبداً أننا استبدلنا السبت بالأحد، إنمــا لازال السبت له كرامته، لكن مجد الأحد غطى على مجد السبت. كلمة أبدلنا السبت بالأحد، هذا ليس تعبيرنا لم يحدث فى الكنيسة الأرثوذكسية أن أبدلنا السبت بالأحـد، لازال يوم السبت مكرماً فى الكنيسة الأرثوذكسية:
أولاً: لأن هذا اليوم لايصام فيه إنقطاعيا. إحتراما لأن السبت عيد ولازال عيداً فى الكنيسة الأرثوذكسية.
ثانيا: فى الألحان يعامل يوم السبت معاملة الأعياد، ويعامل معاملة الأحد تماما، مما يدل على أن يوم السبت فى المسيحية الأرثوذكسية له كرامته بإعتباره عيداً.
ثالثا: أنه تُمنع فيه الميطانيات مثل يوم الأحد، الميطانيات معناها الصلوات الراكعة، حتى بالنسبة إلى الرهبان، تمنع الميطانيات يوم السبت مثل يوم الأحد، وتُمنع فيه الصلاة الراكعة كما قال الكتاب المقدس عن بولس الرسول يقول " جثونا على ركبنا وصلينا "، هذا الجثو يعفى المسيحيون منه يوم السبت ويوم الأحد وكذلك أيام الخماسين المقدسة، تكريماً لها وكذلك لفتا للنظر ولتحريك القلب إلى الشعور، بأنه يجب أن تكون رؤوسنا مرفوعة وقائمة وليست مذلة لأن الرب قد صنع خلاصه معنا إذن لهذه النقط الثلاثة يوم السبت له كرامته فى الكنيسة الأرثوذكسية، فيعامل معاملة الأحد من حيث أنه لايصام إنقطاعيا، وكذلك فى الألحان وعدم الصلاة الراكعة أو الميطانيات إنما مجد يوم الأحد غطى على مجد يوم السبت، فهنا لا يوجد إبدال، وأنا أضرب مثل لهذا، عندما تشرق الشمس ننظر فى السماء فلا نجد النجوم، هل النجوم انعدم وجودها، لا.. طبعا فى النهار لاتزال النجوم موجودة، بدليل أنه إذا حدث كسوف للشمس تظهر النجوم، إذن النجوم كانت موجودة ولاتزال موجودة، إنما حينما تكون الشمس ساطعة، بهاء الشمس يغطى على بهاء النجوم، فالنجوم لاتظهر لكن ليس معنى ذلك أنها غير موجودة. فنحن لم نلغ السبت، وإنما مجد يوم الأحد لأن فيه قام المسيح من بين الأموات وصنع الخليقة الجديدة، فمجد الخليقة الجديدة ومجد العمل العظيم الذى صنعه المسيح بمجده وقيامته فاق مجد الخليقة الأولى، فمجد يوم الأحد غطى على يوم السبت. والسيد المسيح قال " لاتظنوا أنى أتيت لأنقض الشريعة والأنبياء، ماجئت لأنقض بل لأتمم "فنظرتنا فى المسيحية إلى أمور العهد الجديد إنما هى تتميم للقديم، فحتى فى مسألة يوم السبت لازال يوم السبت له كرامته، ولازال عيداً فى الكنيسة المسيحية، وأقدم المصادر المسيحية تشير إلى أن القداس كان يُحتفل به فى بدء المسيحية فى يومى السبت والأحد، فإقامة قداس يوم الأربعاء والجمعة هذه جاءت متأخرة فى الزمن، إنما فى بدء المسيحية كان الإحتفال بالقداس يوم الأحد ويوم السبت. وهذا تكريم آخر ليوم السبت وهو عيد الشريعة القديمة، فلا زالت له فى العهد الجديد كرامته.
ففى الأربعين المقدسة فيه خمسة سبوت، فهذه يعوض عنها بخمسة أيام، الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ومع إضافة السبت والأحد يكون أسبوع المهم أن هذا هو الأسبوع الأول المعروف بمقدمة الصوم الكبير، الذى كما قلنا أنه تمهيداً للدخول فى الصوم نسكياً، الأمر الثانى أنه تعويض عن خمسة أيام السبوت التى لا تصام إنقطاعياً ثم بعد ذلك الأربعين المقدسة مباشرة، أنا أقول هذا الكلام أيضا تصحيحاً لبعض أولادنا الأقباط، الذين يصوموا الأربعين المقدسة، ويفطرون الـ 15يوم الأولى، ويقولوا نبدأ من الأربعين المقدسة، هذا خطأ، الأربعين المقدسة تبدأ بعد اسبوع واحد من الصوم، لأن الأسبوع الأخير هو اسبوع الآلام وهو صوم منفصل عـن الأربعين المقدسة نقول كما قال المزمور" اعبدوا الرب بخشية واهتفوا له برعدة "، اختارت الكنيسة هذا المزمور لتؤكد أننا فى حاجة إلى من يلفت نظرنا إلى أهمية العبادة فى حياتنا الدينية، نحن عبيد والرب هو سيدنا، فعلامة خضوعنا وتقديرنا واحترامنا وإجلالنا لخالقنا وسيدنا أن نعبده العبادة، عبد يعبد بمعنى خدم يخدم، وخدم بأن جعل نفسه عبداً لسيد وهذا السيد هو الله. فعلامة إعترافنا وإقرارنا بالله وبسيادته علينا أن نعترف له بعبوديتنا، فنحن عبيده وهو سيدنا، ومن هنا جاءت العبادة كمراسم يعبر بها الإنسان عن تعبده لله، والعبادة مراسم فيها روح وفيها شكل، روح وشكل، الإثنين معا لأننا روح وجسد، الإنسان يتألف من روح ومن جسد، فالعبادة فيها روح وفيها شكل، فيها جوهر وفيها مظهر، القلب يخضع ويخشع ويخنع ويتعبد ويقر ويتواضع وينسحق، والجسد أيضا لإرتباطه بالروح يعبر عما تنفعل به الروح، فالروح التى تخشع، يخشع معها الجسد، ومن هنا كان إنحناء الإنسان أو ركوعه أو سجوده تعبير عما ينطوى عليه ضميره وقلبه من خضوع وخشوع وورع وانسحاق أمام العزة الإلهية هذه العبادة تقوم على أركان ثلاثة: هى التى شملها كلام المسيح فى عظته على الجبل وفى هذا الفصل الذى تلى علينا فى هذا الصباح :
الرحمة - الصدقة – الصوم
والجميل أن يسوع المسيح ربنا لم يبدأ لا بالصلاة ولا بالصوم، إنما بدأ بالكلام عن الصدقة أو الرحمة. وهذه عظمة الشريعة المسيحية وعمق نظرة الله إلينا، ولفت لنظرنا أنه قبل أن يطالبنا بالصلاة أو الصوم يطالبنا بالرحمة، فالرحمة أفضل من الذبيحة عند الله، الرحمة للفقراء والمساكين، والشىء الذى يبدو لنا غريباً حسب النظرة الإنسانية أنه فى يوم الحساب وفى يوم الدينونة لن يسألنا لا عن الصلاة ولا عن الصوم أبدا، إنما يقول للذين عن يمينه "تعالوا أيها المباركون من أبى رثوا الملكوت المعد لكم قبل إنشاء العالم لأنى كنت جائعا فأطعمتمونى، عطشاناً فسقيتمونى، عرياناً فكسوتمونى غريباً ومحبوساً فأتيتم إلىّ " لا يوجد كلام آخر لا عن الصوم ولا عن الصلاة، كل الحساب قائم على أساس الرحمة، وهذا يؤكد تماما أن الله يريد الرحمة قبل أن يريد الذبيحة، إن عبادة الإنسان لها واجب على الإنسان لكن الله لا يطلبها، لو كنت إنسان عظيم ومرتفع النفسية وتعمل الخير لا تتطلب من الشخص أن يشكرك، هو من واجبه أن يشكرك، لكن لأنك خَيّر تعمل الخير لأجل الخير فى ذاته، فالله لو أنه يطلب منا الصلاة والصوم كفريضة ويحاسبنا عليها يكون الله خلقنا لغرض يعود عليه هو، وفى هذه الحالة يكون الله أنانياً، وهذا ما نسمعه أحيانا فى بعض الناس، يقول: ربنا خلقنا لكى يعذبنا !! هذا المفهوم خاطىء، الله خلقنا لخير يعود علينا نحن وليس عليه هو، الله كان فى غنى عنا، لكن لماذا خلقنا؟ خلقنا لخير يعود على الإنسان لأن الله فى سعـادة لا تستقصى، فأراد أن يشرك معه كائنات غير موجودة، يوجدها لكى تشترك معه فى هذه السعادة التى لا تستقصى، إذن الوجود خير من العدم، لماذا ننظر هذه النظرة البائسة الشقية أن الله خلقنا لكى نشقى، لا.. بل خلقنا لكى نسعد، والله لأنه السعيد الأعظم وسعادته لا تستقصى، خلقنا لنشترك معه فى سعادته التى لا تستقصى. اضرب لك مثل بسيط، عندما يكون إنسان غنى جدا وليس عنده أولاد يكون حزين لأنه ليس له ابن يتمتع بهذا الخير العظيم، لكن لو كان له ابن يكون له فرح لأنه اطمئن إلى أن هذا الغنى والإرث الذى له، له ابن يأخذه بدلا من أن يتدمر هذا الخير عندما يكون الإنسان سعيد أو عنده فرح، نراه يدعو الأصدقاء والجيران ليشتركوا معه فى هذا الفرح، لأن هذا يزيد فرحه على الرغم من التكاليف التى يتحملها.
لماذا خلقنا الله ؟
جاءنا هذا الإحساس الخَيّر من الله، لأن الله هو خالقنا، والله فيه صفة الخيرية وصفة الجودة التى تجعله يفرح بأن يخلق كائنات لكى تشترك معه فى سعادته التى لا تستقصى، وهذا معنى أن الله جعل لذته فى بنى آدم عندما قال الملاك: " المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة "، بالناس المسرة أى بالناس مسرته؟ الله مسرور بخليقته، فرحان بخليقته، وبالنـاس مسرته، يعنى لذته فى بنى آدم، يفرح بهم إذن الله عندما خلقنا لم يخلقنا لكى يعذبنا كما يقول بعض الناس حاشا .. إنما لأن الله هو الخير الأعظم، كما يقول بعض الفلاسفة: فلأنه الخير الأعظم فمن خيريته وجودته محبته للبشر، لذلك نحن فى الصلوات نقول يامحب البشر، فالله يحب البشر قبل أن يخلقنا، ولأنه كان يتمتع بسعادة لا تستقصى لذلك خلقنا لنتنعم نحن بها ومعه. توجد كلمة جميلة يقولها يوحنا الرسول: " نحن الآن أولاد الله "، طبعا بالتبنى وبالفضل، نحن الآن أولاد الله بالمعمودية، أعطاهم الحق أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنين باسمه " نحن الآن أولاد الله ولم يتبين بعد ماذا سنكون !! " ياإلهى، ما هذا الجمال كله، لم يتبين بعد ماذا سنكون، هنا فتح أمامنا طريق الترقى، نحن اليوم فى درجة أولاد الله لكن أمامنا طريق مفتوح إلى فوق، طريق صاعد، قال: " كونوا كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل " نقطة البداءة أننا أولاد الله " لم يتبين بعد ماذا سنكون، غير أننا سنصير مثله " لأننا سنراه كما هو، سنراه كما هو فى حقيقته، فى طبيعته، ندخل إليه وإلى طبيعته دخولا، هو الله والإنسان خُلق ليكون إلهاً. كما يقول القديس اكليمنضس الاسكندرى، نحن خُلقنا لنكون آلهة، طبعا تحت قيادة الإله الأكبر العظيم، هذا هو الشرف الذى نحن فيه، لم نُخلَق لكى نشقى كما قال بعض الناس، لا.. نحن خُلقنا لكى نكون عائلة الله ، الله هو رب الأسرة، رب العائلة ، ونحن عائلة بيت الله ، هذا تعبير الكتاب المقدس، عائلة بيت الله، " لا أعود بعد أسميـكم عبيداً "، انظر الجمال لا أعود بعد، حتى كلمة عبيدك، هى أمر طبيعى لأننا عبيدك يارب، لكن الجمال أنه لا يريد أن نكون عبيد أو فى مرتبة العبيد، نحن نقول عبيد، وبولس الرسول يقول: عبد يسوع المسيح وأسيره، لكن المسيح له نظرة أخرى، نظرة ترفعنا إلى فوق، لا أعود أسميكم بعد عبيد إنما أحباء، لأنى أعلمتكم بكل ما سمعته من أبى. هنا يدخلنا إلى المعرفة، يدخلنا إلى فوق، يدخلنا إلى المكاشفات الروحانية التى ترفع مكانتنا من مكانة العبيد إلى أسرة بيت الله هنا العبادة تتألف من الرحمة أولا ثم بعد ذلك يتكلم عن الصلاة ويتكلم عن الصوم، والشىء الغريب أنه لم يقل صلوا، ولا مرة تجد المسيح يقول صلوا، أبداً، ولا يقول صوموا أبداً، ممكن تجد هذا الكلام من الرسل أو من نبى من الأنبياء، إنما الله لم يحدث أن قال صلوا أو صوموا، لأن هذا واجبنا نحن، هذه هى واسطتنا لكى نترقى إلى فوق، العبادة ليس المقصود بها أننا نثبت فقط أننا عبيد لخالقنا، وأن هذا برهان على عبادتنا، نظرة الله إلينا على أن الصلاة والصوم هذا واجبنا نحن، علينا أن نشكر الله، هو صنع معنا الخير ولا يتطلب حتى الشكر، لكن نحن علينا أن نشكر، هذا واجبنا، كذلك السيد المسيح لا يقول أن تصلى أو تصوم، أبدا، هذا واجبك، واجـب التعبد. أنت الذى تقدر فضل من يحسن إليك، ولذلك هو يقول متى صليتم، متى صمتم، لم يقل صلوا ولم يقل صوموا، واجبى أنا كإنسان يثبت أنه كريم وأنه يقدر فضل من أحسن إليه.
سوء الفهم للصوم:
أريد أن أنبه الناس التى ترى أن أولادها فى المدارس ويخافوا عليهم من الصوم، هذه نظرية خاطئة مبنية على سوء فهم للصوم، الإنسان الذى يتصور أن ابنه أو ابنته عندما يأكل طعام نباتى يضعف وخصوصا وهو يذاكر، هذا الكلام غير سليم، الثور الذى هو رمز القوة، ماذا يأكل؟ يأكل النبات فقط، النبات هو غذاء الإنسان فى حياته الأولى، الإنسان أصله نباتى، الفيل أقوى الحيوانات، الفيل لو أمسك الأسد بزلومته يقطمه، الفيل يضرب الشجرة برجله فتميل، الفيل يأكل النباتات. القرد الذى قوته عشرة أمثال قوة الرجل وعشرين مرة مثل المرأة، يأكل النباتات وجوز الهند إذن الأكل النباتى لا يضعف، كذلك الأكل النباتى يساعد على صفاء الذهن وهذه مهمة للأولاد والبنات الذين يدرسوا، بل أكثر من هذا أن الإنسان الذى يعيش نباتى لا تهاجمه الشيخوخة العقلية أو ما يسموه تصلب شرايين المخ، وهذه مسألة معروفة لذلك تجد من يسموهم النباتيين، الذين يعيشون طول أيام حياتهم يأكلوا نباتات ولا يسمحوا لأنفسهم أن يأكلوا اللحوم لأسباب صحية ولأسباب ذهنية، وليس لأسباب دينية وإنما لأسباب صحية، يوجد أديب ايرلندى كتب كتاب اسمه العودة إلى متوشالح، متوشالح عاش 960 سنة أطول إنسان عمراً، فيقول لو عاد الإنسان نباتيا طول أيام حياته لأصبح أطول عمراً، وأكثر صحة، وأكثر صفاءا ذهنياً، وهناك الرياضى العظيم فيثاغوراس كان نباتى أيضا، وهناك من العلماء والفلاسفة والمفكرين الذين يروا أن الحياة النباتية حياة أنسب للذهن وأيضا لصحة الإنسان، فلا تهاجمه الأمراض. الفيل يعيش أحيانا 300 سنة والأسد يعيش30 سنة والعشر سنين الأخيرة يكون فيها ضعيف أيضا هناك شىء مهم من الناحية الأخلاقية، النباتات تساعد على الدم الهادىء وعلى الأخلاقيات الطيبة، وأكل اللحوم يساعد على التوحش وعلى إثارة الغرائز ولهذا السبب الكنيسة المسيحية التى أباحت أكل اللحوم منعت أكل الدم والمخنوق؟ لأنه يثير الغرائز، الحيوانات آكلات النبات تجدها هادئة، الحيوانات آكلات اللحوم هى المتوحشة، الأطفال الصغار يركبون الفيل ويلعبون عليه ولا يشعروا بأى خطر لماذا ؟ لأنه من آكلات النبات، بينما كلب صغير كل الناس تخاف منه، حتى الرجل الكبير يخاف منه لماذا؟ لأنه من آكلات اللحوم. فالطبع يتأثر بالأكل وهى نظرية معروفة علمياً، فالحيوانات آكلات اللحوم دائما متوحشة، تعالوا معى إلى الطيور وإلى الدواجن والفراخ والبط والوز والحمام والعصافير، كل هذه هادئة لأنها من آكلات النبات أو الحبوب، بينما النسر والصقر وما إليها لأنها من آكلات اللحوم فيسموها الطيور الجوارح، ممكن نسر يخطف طفل يأكله، فهنا نظرية أخلاقية أن النبات يساعد على هدوء الطبع وعلى التحكم فى الغرائز، بينما اللحوم وما إليها تعمل على الإثارة، لذلك لو سيدة أخطأت وأعطت الفراخ مصارين فرخة ذبحتها تتوحش الفراخ، تأكل فى بعضها الخلاصة ياأولادنا أريد أن أقول أننا نخطىء عندما نلقن أولادنا وبناتنا خصوصا الذين فى المدارس أن الأكل الصيامى يُضعف أفلاطون فيلسوف وثنى غير مسيحى قبل المسيحية وقبل التجسد يقول " المدينة الصحية التى يأكل أهلها حبوباً وبقولاً وفواكه ولا يأكلون لحماً قط "، نريد أن نغير الأفكار التى فى أذهاننا، فلو صمنا فالصوم يفيدنا روحياً ويفيدنا صحياً ويفيدنا ذهنياً ويفيدنا أخلاقياً.
ونعمة الرب تشملنا جميعا وله الإكرام إلى الأبد آمين .
‬ نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا غريغوريوس اسقف البحث العلمى

عدد الزيارات 3767

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل