المقالات
05 نوفمبر 2025
الفضائل الأمهات المحبة، التسليم، الاتضاع
هناك فضائل جزئية، يتعب الإنسان جاهدًا، حتى يصل إليها وهناك فضائل أمهات، تشمل العديد من الفضائل داخلها، وعن هذه نريد أن نتكلم في مقدمة هذه الفضائل: المحبة وقد قال السيد المسيح عن هذه الفضيلة، إنه بها يتعلق الناموس كله والأنبياء وشرح بولس الرسول للعناصر العديدة التي تتضمنها فضيلة المحبة فقال أنها تتأنى، وتترفق، وأنها لا تحسد، ولا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق، وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجوا كل شيء، تصبر على كل شيء ولا تسقط أبدًا (1كو 13) فالذي يقتنى المحبة، يقتنى كل هذه الفضائل وكل ما ذكره بولس الرسول هو من محبتنا للقريب أما محبتنا لله، فإنها تشمل ولا شك أمورًا عديدة تشمل الصلاة بكل درجاتها، التأمل، والهذيذ، وقراءة الكتاب المقدس، ومحبة الكنيسة، ومحبة الأسرار الكنسية، والاجتماعات الروحية، والصوم، والمطانيات كما تشمل أيضًا إطاعة جميع الوصايا، لأن الرب يقول "مَنْ يحبني يحفظ وصاياي".
ومن الفضائل الأمهات أيضًا: حياة التسليم..
وحياة التسليم معناها أن يسلم الإنسان حياته تسليمًا كاملًا للروح القدس العامل في قلبه، ليدبر حياته ومن هنا تظهر في هذا الإنسان ثمار الروح التي شرحها بولس الرسول في (غل 5: 22) فقال وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف.
ومن الفضائل الأمهات: فضيلة الاتضاع..
والإنسان المتضع، يقتنى الوداعة، والهدوء، والبعد عن الغضب، وإدانة الآخرين، والبعد عن القسوة
ويشمل الاتضاع انسحاق القلب، ولوم النفس، وفضيلة الدموع، والحب، ومباركة كل أحد، وطلب بركة كل أحد، والاستماع أفضل من التكلم، وعدم التعالي، وعدم الافتخار، وعدم الحديث عن النفس، والرضا لكل شيء، والقناعة، والشكر، والبساطة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
29 أكتوبر 2025
الوسيلة الطيبة
لا يكفى أن يكون العمل الذي نعمله خيرًا في أهدافه وإنما يجب أن تكون الوسيلة التي نعمله بها، وسيلة خيرة وطيبة العنف مثلًا، والشدة الزائدة، والقسوة، ليست كلها وسائل طيبة للتربية، والحصول على النظام والطاعة إنما كثيرًا ما تكون وسائل منفرة، ولا تصلح لكل أحد. ويمكن أن يصل الإنسان إلى غرضه بغير عنف وبغير قسوة، وبوسائل طيبة والشتيمة أيضًا ليست وسيلة روحية للرد على من يخالفك في الإيمان، ويخالفك في الرأي إنك بهذا الوضع تخسر من تناقشه. وإن كنت كاتبًا ومؤلفًا، تخسر قارئيك أيضًا. والوضع السليم أن يكون الإنسان موضوعيًا في مناقشة الأمور الإيمانية والعقيدة، بدون شتائم وإهانات، لأنه "لا شتامون يدخلون ملكوت السموات" (1كو 6: 10) والهدم، والانتقاد المر، ومحاولة تحطيم الآخرين، ليست وسائل طيبة للتعبير عن الغيرة المقدسة فالغيرة يمكن التعبير عنها بوسيلة إيجابية بناءة، تعالج الأمور في روية، وفي موضوعية، وفي دراسة هادئة، وتقديم حلول مقبولة، وفي نفس الوقت في محبة. لأن الكتاب يقول "لتصر كل أموركم في محبة" (1كو 16: 14) والانقسام ليس وسيلة طيبة للعمل الكنسي، ولا حتى للعمل الاجتماعي والوطني الانقسام يسبب ضعفًا في الصفوف، وهو دليل على عدم التعاون، وعدم القدرة على معاملة الرأي الآخر، وهو برهان على الفشل في إقناع الطرف الآخر وفي كسبه والكتاب يقول "رابح النفوس حكيم" (أم 11: 30) إن الحكيم يختار وسيلة طيبة لعمله الطيب لأن الوسيلة الخاطئة فيها تناقض مع العمل الطيب والعمل الطيب، إذا كانت وسيلته غير طيبة، يكون شركة من النور والظلمة، وخليطًا من البر والخطيئة، ولا يدل على أنه عمل روحي. فلتكن وسائلنا طيبة وهادئة وروحية، أو على الأقل فلتكن غير معثرة ولا خاطئة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
22 أكتوبر 2025
الفِكْر الخاص
كثير من الناس يهوون نشر أفكارهم الخاصة، وتقديم هذه الأفكار كمبادئ روحية للناس، وكعقائد يجب الإيمان بها وكلما كانت هذه الأفكار جديدة وغير معروفة، يزيد هذا من سرورهم، ويفرحون إذا عرفوا شيئًا جديدًا يقدمونه للناس يجعلهم في نظرهم من أهل العلم والمعرفة!
وكلما كان هذا الجديد مختلفًا تمامًا عما يعرفه الناس ويعتقدونه، نرى هؤلاء المفكرين يفرحون بالأكثر، كما لو كانوا يحطمون مفاهيم عامة خاطئة، لكي يقيموا على أساسها الجيد السليم..!
وهذا الأمر إذا صلح في أي لون من ألوان المعرفة، فهو لا يصلح في العقيدة، التي لا تحطم إيمانًا قديمًا تبنى على أنقاضه إيمانًا جديدًا.
العقيدة كلما كان لها قدم، كانت أكثر رسوخًا والجديد في العقيدة قد يكون بدعة، إذا ما كان يحطم إيمانًا قديما مسلمًا لنا من الآباء لذلك فإن المعجبين بفكرهم الخاص، يحاولون بكافة الطرق أن يبحثوا له عن أصول قديمة تسنده.. وإن لم يجدوها، يختلقونها اختلاقًا!
هؤلاء لا يقرأون أقوال الآباء، لكي يفهموا فكرهم.. إنما يقرأون لكي يتصيدوا نصًا، أي نص، يسندهم يقتطعون هذا النص اقتطاعًا، فاصلين إياه عما قيل قبله، وعما قيل بعده، وعن المناسبة التي قيل فيها، وعن الفكر العام للأب الذي أخذوا عنه.. ويتخذون هذا الاقتباس وسيلة لإثبات فكرهم وقد توجد من كتابات القديس الذي نقلوا عنه، أقوال تناقض ما ينسبونه إليه إنهم لا يبحثون عن الحقيقة، إنما يبحثون عن إثبات لفكرهم، مهما كان هذا الإثبات مصطنعًا ومغلوطًا أما أنت أيها المبارك، ففي أمور العقيدة، لا تحاول أن تنشر فكرًا خاصًا، إنما أنشر عقيدة الكنيسة وكل فكر جديد يصل إلى مفاهيمك، لا تعرضه على الناس، إنما اعرضه على المسئولين في الكنيسة.. لإبداء رأيهم فيه، قبل نشره إن التعليم في الكنيسة ليس مجالًا لعرض الأفكار الشخصية، إنما هو مجال للتعليم الواحد الذي يستمد أصوله من التقليد الرسولي، بإيمان واحد للجميع.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
15 أكتوبر 2025
الذي يحب أن ينتفع
الذي يحب أن ينتفع، يبحث عن المنفعة، وليس الكلام الكثير هو الذي ينفعه بل إن مجرد كلمة واحدة قد تغير حياته كلها.. بل أنه ينتفع أيضًا من الصمت، كما قال القديس بفنوتيوس عن أحد ضيوفه "إن لم ينتفع من سكوتي، فمن كلامي أيضًا سوف لا ينتفع" عبارة واحدة سمعها الأنبا أنطونيوس، كانت سببًا في رهبنته، وفى تأسيس هذا الطقس الملائكي. وعبارة أخرى كانت سببًا لدخوله في البرية الجوانية وحياة الوحدة) إن الله لا يشترط أن يعلمك بكلام كثير، إنما تكفى عبارة واحدة، والوصايا العشر عبارات قصيرة، ولكنها تحمل كل التعليم والصلاة الربانية عبارات قصيرة وتحمل عمق طلبات الصلاة والذي يحب أن ينتفع، يسعى وراء المنفعة بأي ثمن كان السواح يتحملون أسفارًا طويلة، لكي يسمعوا مجرد كلمة من أحد الآباء، والآباء أنفسهم كانوا ينتفعون، من أي منظر، وحتى من أبنائهم إن الذي يطلب الخير يجده ولو في كلمة عابرة، من أي أحد، ولو في حادث عابر، حدث له أو لغيره. ينتفع حتى من أخطائه، ومن أخطاء الناس قال أحد القديسين "لا أتذكر أن الشياطين أطغوني في خطية واحدة مرتين" ذلك لأنه انتفع من سقطته الأولى، فاحترس من الثانية والسيد المسيح دعانا أن ننتفع من منظر زنابق الحقل، ومن طيور السماء، ونأخذ منها دروسًا في الإيمان وفي رعاية الله.
إن مصادر المنفعة موجودة: ليست في كلام الوعاظ فقط، ولا في الكتب الروحية فحسب، وإنما في كل مكان، وفي كل وقت. والمهم هو: هل تريد أن تنتفع أم لا وصوت الله يصل إلى كل أحد، بأنواع وطرق شتى. ولكن "مَنْ له أذنان للسمع فليسمع".
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
08 أكتوبر 2025
الانقسام
قال أحد القديسين لو اجتمع عشرة آلاف من الملائكة، لكان لهم رأى واحد، للأسف حينما يجتمع عدد قليل من البشر، فإنهم يختلفون..!
والانقسام قد يكون دليلًا على وجود الذات الذات التي تعمل وحدها، بعيدًا عن روح الله والتي تريد أن تنفذ رأيها، مهما كانت النتيجة والتي لا تبالي بالنتائج الخطيرة التي يسببها الانقسام!
وما هي هذه النتائج..؟ قال أحد الأدباء تنازع نسران على فريسة، كانت من نصيب الثعلب ولهذا قال السيد المسيح "كل بيت منقسم على ذاته يخرب"، إنها عبارة ينساها المنقسمون كثيرًا ما تقوم جماعة بعمل انقسام، تترك الجو خرابًا، ثم تمضى لحالها، وكأنها لم تفعل شيئًا! بينما يطالبها الله بدم ما قد خربته بأفعالها..
الانقسام بين الأخوة يدل على عدم محبة وانقسام الصغير على الكبير يدل على التمرد، وعدم الطاعة، وعدم احترام الرئاسات وكلها خطايا وكما قد يدل الانقسام على كبرياء في النفس، واعتداد بالذات. وغالبًا ما يكون أب الاعتراف خارج الدائرة في كل هذا، لا يستشار في شيء في رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس، وبخهم على الانقسام، ووصفهم بأنهم جسديون (1كو3) ذلك لأن المنقسمين بعيدون عن وحدانية الروح إن أعضاء الجسد الواحد تتعاون معًا لخير الذي يتعاون فيه الكل معًا والوحدانية تحتاج إلى احترام الرأي الآخر، وعلى الأقل التدريب على التعامل مع الرأي الآخر، دون ثورة، ودون غضب، ودون تشهير، ودون تحطيم نصيحة نقولها لكل من يسير في طريق الانقسام حاول أن تكسب غيرك، بدلًا من انقسامك عليه كُن موضوعيًا، وابعد عن المسائل الشخصية دَرِّب نفسك على التعاون وروح الجماعة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
01 أكتوبر 2025
ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا
المعمودية هي أول الأسرار الكنسية، وبها يصبح المؤمن عضوًا في الكنيسة وفي يوم الخمسين، لما آمن اليهود ونخسوا في قلوبهم وسألوا "ماذا نفعل أيها الرجال الأخوة؟" قال لهم بطرس الرسول "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا" (أع 2: 37-38) فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس (أع 2: 41) لم يكن سهلًا تعميد 3000 إنسان في يوم واحد. ولكن ذلك كان لازمًا لأهمية المعمودية، لمغفرة الخطايا ومما يدل على أهمية المعمودية قول السيد المسيح لنيقوديموس "الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5) وهذا يدل على أهمية المعمودية للخلاص وكما قال الرب لتلاميذه قبل صعوده "مَن آمن واعتمد خلص" (مر 16:16) والذي يتتبع سفر الأعمال يجد أن المعمودية كانت تتبع الإيمان باستمرار كما حدث يوم الخمسين (أع 2: 41). وفي إيمان السامرة (أع 8) وفي أيمان الخصي الحبشي (أع 8: 36-38) وفي إيمان كرنيليوس وأصحابه (أع 10: 47-48) وإيمان ليديا بائعة الأرجوان (أع 16: 14-15)، وإيمان سجان فيلبي (أع 16: 31-33) إلخ ونرى أهمية المعمودية لمغفرة الخطايا في أيمان شاول الطرسوسي هذا الذي ظهر له الرب في طريق دمشق، ودعاه بنفسه ليكون إناء مختارًا ورسولًا للأمم (أع 9: 3-16) شاول هذا، قال له حنانيا الدمشقي "أيها الأخ شاول لماذا تتوانى؟ قم اعتمد وأغسل خطاياك، داعيًا باسم الرب" (أع 22: 16) هذا الإنسان العظيم، الذي صار اسمه بولس الرسول -على الرغم من هذه الدعوة العظيمة- كان محتاجًا إلى المعمودية ليغسل خطاياه ولم تكن خطاياه قد غسلت بعد، ولا بالدعوة الإلهية، ولا بإيمانه بل من أهمية المعمودية وخطورتها، قول القديس بولس الرسول " لأن جميعكم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27) أي لبستم البر الذي في المسيح بمعموديتكم. لماذا؟
لأن المعمودية، هي موت مع المسيح وقيامة معه كما يقول الرسول "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه" (كو 2: 12) في هذا الدفن يكون إنساننا القديم قد صلب مع الرب ومات (رو 6:6) ويشرح الرسول هذا الأمر فيقول "فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته" (رو 6: 4-5) المعمودية موت وميلاد: موت للإنسان العتيق، وميلاد إنسان جديد على شبه المسيح هي ميلاد من الماء والروح (يو 3: 5) وهكذا قال الرسول "بل بمقتضي رحمته خلصنا، بغسل الميلاد الثاني، وتجديد الروح القدس" (تي 3: 5).= وفي هذا الميلاد الثاني، نصير أبناء لله وأبناء للكنيسة. وكما قال أحد القديسين "لا يصير الله لك أبًا، إلا إذا صارت الكنيسة لك أمًا" في المعمودية ننال استحقاقات دم المسيح للمغفرة، فتغفر لنا جميع الخطايا السابقة للمعمودية، سواء الخطية الأصلية الجدية أو الخطايا الفعلية السابقة للمعمودية ومادامت الخطية الأصلية قد غفرت، فلا داعي لتكرار المعمودية إذن أما الخطايا الفعلية التي ترتكب بعد المعمودية فتغفر بواسطة سر التوبة نظرًا للزوم المعمودية، لمغفرة الخطايا، ولدخول الملكوت، حسب قول السيد الرب (يو 3: 5) لذلك نحن نعمد الأطفال المعمودية لا بُد أن يسبقها الإيمان بالنسبة إلى الكبار، حسب قول الرب "مَنْ آمن واعتمد خلص" (مر 16: 16) أما الطفل الصغير، فيعمد على إيمان والديه المعمودية موت مع المسيح. ولما كان الموت واحدًا، لذلك تكون المعمودية أيضًا واحدة.
المعمودية الواحدة
كما قال الرسول "رب واحد وأيمان واحد. ومعمودية واحدة" (أف 4: 5)هي معمودية واحدة، ولكن بشرط:
1- بإيمان واحد، وإيمان سليم.
ولذلك نحن نقبل معمودية الكنائس التي معنا في إيمان واحد.
2- أن تكون المعمودية بواسطة كهنوت معترف به، وليس تحت حكم. وهذا كان حكم مجمع قرطاجنة سنة 276 م برئاسة القديس كبريانوس.
3- يشترط أيضًا أن تكون المعمودية سليمة ثلاث غطسات باسم الآب والابن والروح القدس (مت 28: 19) ولأن المعمودية واحدة، إذا حدث وارتد إنسان عن الإيمان المسيحي، ثم عاد إليه، لا تُعَاد معموديته.
وننتظر قيامة الأموات
إننا نؤمن بقيامة جميع الأموات الأبرار والأشرار حسبما ورد في إنجيل يوحنا "تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو 5: 28-29) كانت قيامة السيد المسيح باكورة لقيامتنا جميعًا أن الإصحاح 15 من الرسالة الأولى إلى كورنثوس كله عن قيامة الأموات يقول الرسول "قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة للراقدين فإنه إذ الموت بإنسان أيضًا قيامة الأموات ولكن كل واحد في رتبته المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه" (1كو 15: 20- 23) وسنقوم بأجساد روحانية سماوية غير مادية وهكذا قال الرسول عن جسد القيامة " يزرع جسمًا في هوان ويقام في مجد" "يزرع في ضعف ويقام في قوة يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي إن لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله" ( 1 كو 15: 42- 50) وقال في موضع آخر "وننتظر مخلصًا هو الرب يسوع الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 20-21) أي إننا سنقوم على شبه الجسد الممجد الذي قام به السيد الرب.
قيامة الأموات
القيامة العامة ستعقبها الدينونة والدينونة تكون في المجيء الثاني للرب لذلك قيل عن الرب "إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله" (مت 16: 27) وقيل أيضًا "متي جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار" (مت 25: 31- 33) وتبدأ الدينونة وتنتهي بعبارة "فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 46) وقيل في سفر الرؤيا عن الدينونة "ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما، ودينوا كل واحد بحسب أعماله وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار هذا هو الموت الثاني وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طرح في بحيرة النار" (رؤ 20: 12-15) في القيامة سيختطف الأحياء على الأرض، وتتغير أجسامهم يقول الرسول أن الذين سبق رقادهم، سيحضرهم الرب معي في مجيئه (1تس 4: 14) لأن الرب "سيأتي في ربوات قديسيه" (يه 14) الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب، لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون في كل حين مع الرب" (1تس 16، 17) وفي القيامة وفي لحظة الاختطاف Rapture، نتغير إلى الجسد الروحاني يقول الرسول "لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغيرفي لحظة في طرفة عين، عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد، ونحن نتغير لأن هذا الفاسد لا بُد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت عدم موت" (1كو 15: 51- 53) أي نلبس الأجساد الروحانية السماوية التي لا تفسد ولا تموت.
إذن ثلاثة أحداث خطيرة ستتم معًا متتابعة. وهي:
1- المجيء الثاني لربنا يسوع المسيح، مع ملائكته وربوات قديسيه.
2- قيامة الأموات: الأبرار والأشرار.
3- الدينونة العامة كما قال الرسول "لا بُد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2كو 5: 10) بعد ذلك ينتهي هذا العالم الحاضر كله وتبدأ حياة الدهر الآتي "كل واحد في رتبته".
نهاية العالم الحاضر
كما قال السيد الرب من قبل إن السماء والأرض تزولان (مت 5: 18) وقال القديس يوحنا الرائي "ثم رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا والبحر لا يوجد فيما بعد" (رؤ 21: 1) وقال أيضًا "رأيت عرشًا عظيمًا أبيض والجالس عليه، الذي من وجهه هربت الأرض والسماء، ولم يوجد لهما موضع" (رؤ 20: 11) ويقول القديس بطرس الرسول عن نهاية هذه الأرض "سيأتي كلص في الليل، يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط 3: 10) وشرح سفر الرؤيا أمورًا كثيرة تمس نهاية هذا العالم وردت في الضربات التي تلحق العالم عندما يبوق الملائكة السبعة (رؤ 8) كذلك ما تكلمت به الرعود السبعة ( رؤ 10: 3-4) وقال السيد الرب في العلامات التي تسبق مجيئه "وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء، وقوات السموات تتزعزع" (مت 24: 29) وورد ما يشبه هذا في سفر الرؤيا، عندما فتح الختم السادس (رؤ 6: 12- 16).
وحياة الدهر الآتي
بعد ذلك يتقدم الرب يسوع، فيسلم الملك لله الآب وتبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة ويخضع الكل لله، ويصير الله الكل في الكل وآخر عدو يبطل هو الموت (1 كو 15: 24- 28) تبدأ حياة الدهر الآتي، في أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس (رؤ 21: 2) بعد أن ينتقل إليها الأبرار المنتظرون في الفردوس الموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا وجع، لأن الأمور الأولى قد مضت ويقول الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديدًا (رؤ 21: 4-5) وأورشليم السمائية لا تحتاج إلى شمس ولا قمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله هو الذي ينيرها، ولا يكون هناك ليل ولا يوجد فيها إلا المكتوبون في سفر الحياة (رؤ 21: 23- 27) ويتمتع الأبرار بالوعود التي وعد الرب بها الغالبين (رؤ 2-3) وأيضًا ما أعده الله لمحبي أسمه القدوس ما لم تره عين ولم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر (1كو 2: 9) وحياة الدهر الآتي، هي حياة النعيم الأبدي للأبرار في السماء يعيشون هناك كملائكة الله في السماء (مت 22: 3) وسيكون الله هو نعيمهم وفرحهم "وهم ينظرون وجهه الرب الإله ينير عليهم. وسيملكون معه إلى أبد الآبدين" (رؤ 22: 4-5). قال القديس بولس الرسول "أننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهًا لوجه الآن أعرف بعض المعرفة ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (1كو 13: 12) ليس سهلًا ولا في الإمكان أن نشرح حياة الدهر الآتي إن كان القديس بولس الرسول لما صعد إلى الفردوس، قال إنه "سمع كلمات لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها" (2كو 12: 4). فماذا يقال إذن عن النعيم الأبدي ماذا يقال عن الحياة مع الله، وكل مصاف ملائكته وجميع الطغمات السمائية، وكل ربوات قديسيه؟! ماذا يُقال في التعرف على كل هؤلاء؟!
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
24 سبتمبر 2025
الرب ملك على خشبة (مز ٩٥ )
إن أصلح صورة للمسیح كملك، ھي صورته وھو مصلوب ذلك لأنه على الصلیب اشترانا بدمه (رؤ ٥: 9) فصرنا ملكًا له، وھكذا ملك الرب على العالم الذي اشتراه، وھكذا بدأت مملكة روحیة للرب ونحن
ننظر إلى ھذا الملك الذي اشترانا، ونغني له في یوم الجمعة الكبیرة لحن "بیك إثرونوس" أي "عرشك یَا الَلهُ إِلَى دَھْرِ الدُّھُورِ قَضِیبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِیبُ مُلْكِكَ" نقول له " تَقَلَّدْ سَیْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَیُّھَا الْجَبَّارُ، واستله
وانجح واملك" (مز ٤٤).
كیف ملك الرب على خشبة؟ وما قصة ھذا المُلك؟
الرب یملكنا منذ البدء، لأنه خلقنا وأوجدنا من العدم، ولكننا بالخطیة انفصلنا عن ملكوت الله، وبالخطیة ملك الموت علینا (رو ٥: 17 , 14) إذ صرنا تحت حكمه والسید المسیح على الصلیب، بالموت داس الموت، وخلصنا من حكم الموت، ووھبنا الحیاة، فصرنا له بمُلك الخطیة والموت، كان الشیطان أیضًا یملك، ولذلك تلقب في الإنجیل أكثر من مرة بأنه "رَئِیسُ ھذَا الْعَالَمِ" (یو ۱۲: 31) ، أي العالم الذي تحت الخطیة والموت وبالصلیب، استطاع المسیح أن یقضي على مملكة الشیطان،ویدوس الموت، ویدفع ثمن الخطیة وإذا بالرب یقول عن الشیطان "رَئِیسَ ھذَا الْعَالَمِ قَدْ دِینَ" (یو ۱٦: 11) ویقول أیضًا "رَأَیْتُ الشَّیْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ" (لو ۱۰: 18) إن السید المسیح قد ھزم الشیطان في كل تجاربه وكل حروبه، ولكنه بالصلیب تمم الفداء الذي قضى على ملكه كل ما اقتناه الشیطان خلال آلاف السنین، أفقده المسیح إیاه على الصلیب لما افتدى الناس من خطایاھم، لذلك فإن الشیطان یخاف الصلیب الذي یُذكِّره بھزیمته ولھذا كان لعلامة الصلیب سلطان على الشیطان ھذا الفادي ھو ابن الله الذي یقدم كفارة غیر محدودة، تكفي لغفران جمیع الخطایا لجمیع الناس في جمیع العصور، لذلك صرخ الشیطان على أفواه تابعیه بعبارته المشھورة "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِیبِ" (مت ۲۷: 40 ؛ مر ۱٥ : 30) وسكت المسیح لأنھا عبارة لا تستحق الرد فھو، لأنه ابن الله، صعد على الصلیب، وملك اللص على الصلیب اعترف بملكوت المسیح فقال "اذْكُرْنِي یَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (لو ۲۳: 42) ولعله كان یقصد الملكوت الآتي،ولكن السید المسیح نبه اللص إلى موضوع ھام، وھو أن ھناك مملكة قد تأسست على الصلیب ، وبدلاً من عبارة "متى جئت" قال له "الیوم تكون معي" أبشر، فالیوم قد بدأت مملكة المسیح، وقد تقلد سیفه على فخذه،وقید الشیطان ألف سنة، وسقط الشیطان مثل برق من السماء كان المسیح على الصلیب أكثر جمالاً وجلالاً من كل أصحاب التیجان حینما نقول له "قَضِیبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِیبُ مُلْكِكَ" نقصد أنه ملك بكل استقامة، بكل عدل، بدفع ثمن الخطیة ووفاء العدل الإلھي تمامًا مبارك الرب في ملكه.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
17 سبتمبر 2025
الكنيسة
يقول قانون الإيمان "[نؤمن] بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية" فما هي الكنيسة التي يعنيها قانون الإيمان؟
كلمه (كنيسة) تدل على ثلاثة أمور وهي:
أ- مبني الكنيسة.
ب- جماعة المؤمنين.
ج- الرئاسة الكنسيّة أو رجال الكهنوت.
مبنى الكنيسة
من جهة دلالتها على مبنى الكنيسة قول الرسول عن أكيلا بريسكلا "الكنيسة التي في بيتهما" (رو 16: 5) وقوله حين تجتمعون في الكنيسة، أسمع أن بينكم شقاقات" (1كو 11: 18) وقوله أيضًا "أعلم في كل مكان في كل كنيسة" (1كو 4: 17). وواضح في قانون الإيمان أنه لا يعني مبني الكنيسة. وإلا ما كان يقول "كنيسة واحدة". إنما يقصد الكنيسة العامة، كل جماعة المؤمنين.
الكنيسة جماعة المؤمنين
كما يقول سفر أعمال الرسل عن نشأة الكنيسة الأولى "وكان الرب في كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" ( أع 2: 47) أي يضم إلى جماعة المؤمنين يقول نفس السفر أيضًا "وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم" أي حدث اضطهاد على جماعة المؤمنين الذين في أورشليم (أع 8: 1) وأيضًا كتب "فكان بطرس محروسًا في السجن وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله" (أع 12: 5) أي أن جماعة المؤمنين كانوا يصلون وكتب أيضًا أن المسيح أحب الكنيسة وسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها، مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة (أف 5: 25، 26) والمقصود بالكنيسة هنا جماعه المؤمنين الذين صلب المسيح لأجلهم، لكي يقدسهم، ويطهرهم بالمعمودية عن طريق الكلمة أي الكرازة والتعليم.
الكنيسة بمعنى الرئاسة الكنسية أي الكهنوت
قيل في الخصومات والمصالحات "وأن لم يسمع منهم فقل للكنيسة. وأن لم يسمع للكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار" (مت 18: 17) فالمقصود أنه يحتكم إلى الرئاسة الكنسية، وليس إلى كل جماعة المؤمنين!
لذلك قال بعدها مباشرة "الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض، يكون مربوطًا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض، يكون محلولًا في السماء" (مت 18: 18) وطبعًا المقصود بكلمة (الكنيسة) في قانون الإيمان، هو جماعة المؤمنين برئاستهم الدينية ثم يشرح صفات هذه الكنيسة فيقول: كنيسة واحدة.
كنيسة واحدة
أي أنها كنيسة واحدة في الإيمان، في العقيدة. واحدة في الفكر والتعليم وواحدة في الروحانية وقد قيل في الرسالة إلى أفسس "جسد واحد، وروح واحد كما دعيتم في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة" (أف 4: 4-5) الكنيسة واحدة في الإيمان والعقيدة، واحدة في الفهم والفكر اللاهوتي. لذلك كل من كان يخرج عن هذا الإيمان الواحد، كانت الكنيسة تفصله عن عضويتها وتبقي هي واحدة في إيمانها. وهكذا فعلت مع كل المبتدعين والهراطقة في زمن المجامع المقدسة قال الرب في حديثة الطويل مع الآب "لست اسأل من أجل هؤلاء فقط بل من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم ليكون الجميع واحدًا. كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد" (يو 17: 20-22) وعن وحدة الكنيسة، قال السيد المسيح "ولي خراف أخر ليست في هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة لراع واحد" (يو 10: 16) وهذا الراعي الواحد هو السيد المسيح، الذي قال في نفس الإصحاح "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11، 14) الكنيسة واحدة، لأنها جسد واحد ورأس هذا الجسد هو المسيح وقد كتب في الرسالة إلى أفسس أن المسيح هو رأس الكنيسة" (أف 5: 23) كذلك ورد في الرسالة إلى كولوسي أن السيد المسيح هو رأس الجسد، الكنيسة" (كو 1: 18) وقيل "جسده الذي هو الكنيسة" (كو 1: 24) لذلك طبيعي أن تكون الكنيسة واحدة لأن السيد المسيح له جسد واحد ونحن جميعًا أعضاء في هذا الجسد، كما قال الرسول "لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (أف 5: 30) والكنيسة واحدة لأنها عروس المسيح الواحدة وهكذا قال القديس يوحنا المعمدان "لست أنا المسيح، بل أني مرسل أمامه من له العروس فهو العريس وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه، فيفرح فرحًا " (يو 3: 28-29) وقد ورد هذا المعنى أيضًا في الرسالة إلى أفسس (أف 5: 31-32، 25) وواضح أن السيد المسيح له عروس واحدة هي الكنيسة، كما قال الرسول "خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2) وطبيعي أن تكون عروس المسيح واحدة، كما رمز إليها في سفر النشيد بقوله "واحدة هي حمامتي كاملتي" (نش 6: 9) مادامت الكنيسة واحدة، فماذا تعني كلمة (كنائس) حينما ترد في الكتاب المقدس؟
كلمه كنائس المقصود بها الأمكنة، تمييزًا لكل واحدة بمكانها كما قيل "وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة، فكان لها سلام، وكانت تبني وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع 9: 31) كذلك نسمع في سفر الرؤيا عن السبع الكنائس التي في آسيا التي في أفسس، سميرنا، برغامس، ثياتيرا، ساردس، فيلادلفيا، لاوديكية" (رؤ 1: 11) ولكن كل هذه الكنائس عبارة عن أعضاء في الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية إنها كنيسة واحدة: هنا على الأرض وأيضًا في السماء يجتمع الكل معًا في أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس يكونون له شعبًا (شعبًا واحدًا) وهو يكون إلهًا (رؤ 21: 2-3) وهذا الشعب الواحد، أو الكنيسة الواحدة، أو كل جماعة المؤمنين الذين يرثون الملكوت، هم الذين قال عنهم القديس يوحنا الرائي: "بعد هذا نظرت، وإذا جمع كثير، لم يستطيع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة، واقفون أمام العرش وأمام الحمل، متسربلين بثياب بيض هؤلاء الذين أتوا من الضيقة العظمي. وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الحمل "(رؤ 7: 9-14) وهذه الكنيسة الواحدة التي في السماء تشمل الملائكة أيضًا فهي تضم الملائكة القديسين وأرواح القديسين الذين انتقلوا من البشر، والذين سينتقلون من الآن إلى آخر هذا الدهر كلهم -ملائكة وبشرًا- هم شعب الله، وأبناء الله، وأهل بيت الله، ورعيته (أف 2: 19).
كنيسة مقدسة
عن قداسة الكنيسة قال بطرس الرسول "كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا لتقديم ذبائح روحية، مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1بط 2: 5) وقال أيضًا "وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي أمه مقدسة، شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى النور العجيب" (1بط 2: 9) إنها كنيسة مقدسة بدم المسيح كما قيل في سفر الرؤيا "الذي أحبنا، وغسَّلنا من خطايانا بدمه" (رؤ 1: 5) وأيضًا في رسالة يوحنا الأولى ( عن الآب) "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يو 1: 7) وقيل في المزمور الخمسين "انضح عليَّ بزوفاك فأطهر" (مز 51: 7) والزوفا هي التي كانوا يغمسونها في دم الذبيحة في العهد القديم، وينضحون بها للتطهير وللتفكير والكنيسة مقدسة في المعمودية حيث يموت الإنسان العتيق، ويقوم إنسان جديد مقدس على صورة المسيح كما قيل "لأن جميعكم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27) أي لبستم البر والقداسة والطهارة التي للمسيح وهكذا قال الرسول "كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أيضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 27) والكنيسة مقدسة في سر المسحة المقدس، حيث تدهن بزيت الميرون المقدس، فتتقدس بالروح القدس الذي يحل في المعمدين ويصبحون هياكل مقدسة لله، كما يقول الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله" (1كو 6: 19) وطبيعي أن هيكل الله مقدس، الذي هو أنتم (1 كو 3: 17) وهكذا يقول الرسول أيضًا "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح" (1كو 6: 15) وهذا أيضًا برهان على قداستها الكنيسة هي جماعة المؤمنين. والمؤمنون كانوا يدعون قديسين في الكنيسة أيام الرسل كما يقول القديس بولس الرسول "سلموا على كل قديس في المسيح يسوع" (في 4: 21) وكما أرسل إلى القديسين الذين في أفسس"(أف 1:1) قائلًا لهم "الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين وبلا لوم " ( أف 1: 3-4) وقال في رسالته إلى العبرانيين "أيها الأخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية" (عب 3: 1) وهكذا ينشد الغالبون لله القائلين "عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء يا ملك القديسين" (رؤ 15: 3) وفي مجيئه الثاني سيأتي الرب "في ربوات قديسيه" (يه 14) ولذلك يقول الرسول "لكي تثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه" (1 تس 3: 13) والكنيسة مقدسة، لأنها على صورة الله في القداسة كما قال "كونوا قديسين، لأني أنا قدوس" (1 بط 1: 16) (لا 11: 44) "مكملين القداسة في خوف" (2كو 7: 1) "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم" (1 تس 4: 3) ولما كانت الكنيسة مقدسة، لذلك لا تسمح بوجود خطاة داخلها وهكذا قال القديس بولس الرسول "اعزلوا الخبيث من بينكم" (1 كو 5: 13) وفي تفصيل ذلك قال "إن كان أحد مدعوًا أخا، زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1كو 5: 11) وبالمثل من كان منحرفًا من جهة العقيدة، يقول القديس يوحنا الرسول "إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلم عليه، يشترك في أعماله الشريرة" (2 يو 1: 11) ولهذا كانت الكنيسة تعزل الهراطقة والمبتدعين من عضويتها فيصدر ضدهم حكم excommunication فيطردون من جماعة المؤمنين لأنهم فقدوا قداسة التعليم، وما أسهل أن ينشروا انحرافاتهم العقيدية بين أعضاء الكنيسة إن بقوا داخلها وكما يشترط القداسة في الكنيسة على الأرض، كذلك في السماء كما قيل عن مدينة الله أورشليم السمائية "ولن يدخلها شيء دنس ولا ما يصنع رجسًا وكذبًا.." (رؤ 21: 27) وأيضًا لأنه لا شركة للنور مع الظلمة، ولا خلطة للبر مع الإثم (2 كو 6: 14) سواء في الكنيسة على الأرض أو في السماء أن الكنيسة مقدسة في حياتها وروحياتها، ومقدسة في تعاليمها وفي أسرارها، ومقدسة في قيادتها وشعبها في كل شيء.
كنيسة جامعة
جامعة، أي تجمع كل المؤمنين، في وحدة الإيمان الكنيسة الجامعة هي التي جمعت اليهود والأمم وجمعت كل الجنسيات والشعوب واللغات، في إيمان واحد هي التي جمعت كل الكنائس المحلية معًا، في كنيسة واحدة تضم الكل، في عقيدة واحدة، بقوانين كنيسة واحدة. فليست الكنائس المحلية مثل جزر في المحيط، لا ترتبط الواحدة بالأخرى بل كلها تكون معًا في الكنيسة واحدة جامعة الكنيسة الجامعة هي التي تضم الكل في حياة الشركة، وكما يشتركون في الأيمان الواحد، يشتركون أيضًا معًا في الأسرار المقدسة، وفي التناول من مذبح واحد وعبارة جامعة تترجم بكلمة Catholic، من جهة المعنى اللغوي للكلمة، وليس من جهة العقيدة (أي المذهب الكاثوليكي) وللحرص لئلا يختلط المعنى، فأن البعض يترجم عبارة جامعة بكلمة Universal والكنيسة الجامعة كانت تعقد المجامع المسكونية التي تضم كل قيادات الكنيسة الجامعة. Ecumenical Councils ليبحث الكل معًا في أمور الإيمان، وفي تنظيمات الكنيسة، ليكون تعليم واحد لكل الكنائس معًا وأول مجمع مسكوني أنعقد في نقية سنة 325 م واشترك فيه 318 من القيادات الكنسية بطاركة وأساقفة حاليًا نتيجة للخلافات في الإيمان بين الكنائس، ليس من السهل أن ينعقد مجمع مسكوني للكنيسة الجامعة إنما يمكننا مثلًا بمشيئة الله أن ينعقد مجمع يضم كنائسنا الأرثوذكسية فقط الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة، هي أيضًا كنيسة رسولية.
كنيسة رسولية
وكلمة (رسولية) تدل على معنيين أنها كنيسة أسسها الرسل وأنها كنيسة تسير حسب تعاليم الآباء الرسل، ولا تعارضها وفي ذلك قال الرسول "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه هو حجر الزاوية" (أف 2: 20) على أساس الرسل في التعليم الذي أخذوه من المسيح كما قال لهم السيد الرب "تلمذوا جميع الأمم وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 28: 19، 20) وهكذا قال بولس الرسول "تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضًا" (1كو 11: 23) والتسليم الذي أخذه الرسل من الرب، تركوه لنا في رسائلهم، وفي حياة الكنيسة، وفي قوانينهم وتعاليمهم وهذا ما يعرف باسم التقليد الرسولي Apostolic Tradition. تسلمته الكنيسة جيلًا بعد جيل. كما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "وما سمعته (تسلَّمته) مني بشهود كثيرين، أودعه أناس أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضًا" (2تي 2:2) هو إذن تعاليم من السيد المسيح، وبخاصة ما قاله للرسل خلال الأربعين يومًا بعد القيامة هذا سلموه لتلاميذهم الذين سلموه لآخرين، وانتقل جيلًا بعد جيل حتى وصل إلينا وهناك أشياء لم يكتبوها بل قالوها فمًا لفم (2 يو 12) (3 يو 13، 14) وصلت إلينا كذلك بالتقليد يضاف إلى هذا حياة الكنيسة أيام الرسل التي انتقلت إلينا مثال ذلك القداسات التي كانوا يقيمونها، وطريقتهم في التعميد وفي إقامة الكهنة وفي كل صلوات الأسرار الكنسية والصلوات الليتورجية هذه مارسوها وعاشوها، وبقيت في حياة الكنيسة عبر الأجيال. وهذا ما تحياه الكنائس الرسوليه القديمة نذكر كمثال تسلسل وضع اليد للكهنوت من الرسل هذا الذي يسمونه Apostolic Succession فالكاهن حاليًا قد أخذ وضع اليد والنفخة المقدسة (يو 20: 22) من أسقفه وأسقفه هذا أخذ ذلك من رئيس الأساقفة أو البطريرك أو البابا وذلك أخذ عن سابقه، حتى نصل إلى الآباء الرسل الذين أخذوا نفس السلطان من السيد المسيح وهذا يثبت أقدمية وشرعية كل كنيسة رسوليه أما الكنائس غير الرسولية فمن أين وصل إليهم السلطان؟!
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
10 سبتمبر 2025
نعم نؤمن بالروح القدس
نؤمن أن الله حي، وهو حي بروحه فالروح القدس هو روح الله، روح الآب، وروح الابن ولأنه روح الله، لذلك سمي الروح القدس The Holy Spirit وهكذا قال السيد الرب وهو يمنح تلاميذه سر الكهنوت "اقبلوا الروح القدس مَن غفرتم خطاياه، غفرت له. ومن أمسكتم خطاياه، أمسكت" (يو 20: 22-23). وقال عن بدء خدمتهم "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا، في أورشليم، وكل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض" (أع 1: 8) وأيضًا قال القديس بولس الرسول لأساقفة كنيسة أفسس "احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة" (أع 20: 28) وقال لليهود في رومه "حسنًا كلم الروح القدس آباءنا" (أع 28: 25) وأحيانًا كان الروح القدس تطلق عليه كلمة (الروح) فقط مثل قول الكتاب "من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" (رؤ2: 29) (رؤ 3: 6،13، 22) أي ما يقوله روح الله للكنائس ومثل قول الرب لنيقوديموس عن المعمودية "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5) يقصد الميلاد من الماء والروح القدس ومثلما قيل عن الرسل في يوم الخمسين "وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" (أع 2: 5). أي كما أعطاهم الروح القدس كذلك ما ورد في (1كو 12) عن مواهب الروح، كله عن مواهب الروح القدس أما عن كون الروح القدس روح الرب أو روح الله، فكما يقول الكتاب "روح السيد الرب علي. لأن الرب مسحني.." (أش 61: 1) "أما الرب فهو روح. وحيث روح الرب هناك حرية" (2كو 3: 17) ومثل قول الرب "أجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي" (حز 36: 27). وكقوله "أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويحلم شيوخكم أحلامًا" (يوء 2: 28) ومثل قول داود النبي لله في صلاته "أين أذهب من روحك؟! ومن وجهك أين أهرب؟!" (مز 139: 7). وأيضًا قوله "روحك القدوس لا تنزعه مني" (مز 51: 11).
أما عن كون الروح القدس، هو روح الآب.
فكقول السيد المسيح لتلاميذه "لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت 10: 20) يطابق هذا ما قيل في (مر 13: 11) "لأن لستم أنتم المتكلين، بل الروح القدس" وأما ورد في (لو 12: 12).
أما عن كون الروح القدس، هو روح الابن، أو روح السيد المسيح فكما يقول القديس بولس الرسول "أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم " (غل 4: 6) وكقول القديس بطرس الرسول "باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم، إذ شهد بالآلام التي للمسيح" (1بط 1: 11) أن كون الروح القدس، هو روح الآب وروح الابن، لا شك أن هذا يدل على الوحدة في الثالوث القدوس.
لاهوت الروح القدس
هذا الذي أنكره مقدونيوس، فحرمه المجمع المسكوني المقدس الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381 م وقرر لاهوت الروح القدس في عبارة "نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب نسجد له ونمجده مع الآب والابن" وكلمة (الرب) هنا تعني (الإله)، والمحيي تعني المعطي الحياة Life giver ومما يدل على لاهوت الروح القدس توبيخ القديس بطرس الرسول لحنانيا (زوج سفيرا) بقوله "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس أنت لم تكذب على الناس، بل على الله" (أع 5: 3-4) ومثال ذلك ما قاله القديس بولس الرسول عن سكني الروح القدس فينا إذ قال "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم" (1كو 6: 19). وقال أيضًا في نفس الرسالة "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو 3: 16) وهكذا قال مرة "هيكل الروح القدس" ومرة أخرى هيكل الله ومما يدل على لاهوت الروح القدس أيضًا، قول الكتاب "أما الرب فهو الروح" (2كو 3: 17) وأيد هذا السيد المسيح نفسه بقوله للسامرية "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا "(يو 4: 24) فما دام الله روح،إذن هو الروح القدس، كما هو الآب والابن ومما يدل على لاهوت الروح القدس، قدرته على الخلق والقدرة على الخلق هي من صفات الله وحده وفي ذلك يقول المرنم لله عن المخلوقات "كلها إياك تترجي لترزقها قوتها في حينه تنزع أرواحها فتموت وإلى ترابها تعود ترسل روحك فتخلق.." ( مز 104: 27، 30) كذلك مما يدل على لاهوت الروح القدس، وجوده في كل مكان وفي هذا يقول المرنم في المزمور لله "أين أذهب من روحك؟! ومن وجهك أين أهرب؟! إن صعدت إلى السماء فأنت هناك. وأن فرشت في الهاوية، فها أنت" (مز 139: 7-8) والوجود في كل مكان من صفات الله وحده ومما يدل على لاهوت الروح القدس أيضًا المواهب التي يمنحها للناس وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنثوس "فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد وأنواع مواهب موجودة، ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل ولكنه لكل واحد يعطي إظهار الروح للمنفعة فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كو 12: 4- 11) وهذه كلها سماها الرسول "مواهب الروح القدس" (عب 2: 4) وقال القديس يعقوب الرسول عن المواهب "كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، هي من فوق، نازله من عند أبي الأنوار، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17) إذن المواهب يرسلها الله بروحه القدوس ومما يدل على لاهوت الروح القدس، أن السيد المسيح له روح أزلي فالكتاب يقول "فكم بالحري يكون دم المسيح، الذي بروح أزلي قدم نفسه لله" (عب 9: 14) فالروح القدس هو روح المسيح كما قلنا كذلك فإن الأزلية هي من صفات الله وحده فهذه الآية أذن تدل على لاهوت المسيح، وعلى لاهوت الروح القدس ومما يدل على لاهوت الروح القدس أيضًا أنه (المحيي) أي المُعْطي الحياة.
الرب المحيي
المعروف أن الروح هو مصدر الحياة إذن فهو المحيي ويظهر هذا من إحياء العظام في (حز 37) حيث يقول حزقيال النبي "كانت عليَّ يد الرب فأخرجني بروح الرب، وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظامًا وقال لي يا ابن آدم أتحيا هذه العظام؟ فقلت يا سيد الرب أنت تعلم" (حز 37: 1- 3) "فدخل فيهم الروح فحيوا" (حز 37: 10) وقال الرب "أجعل روحي فيكم فتحيون" (حز 37: 14) وهكذا قيل أيضًا في سفر الرؤيا على الشاهدين المقتولين "دخل فيهما روح حياة من الله فوقفا على أرجلهم" (رؤ 11:11) حقًا كما قال السيد المسيح "الروح هو الذي يحيي" (يو 6: 63) كما قيل أيضًا أن الله هو "الذي يحيي الموتَى" (رو 4: 17) وقيل أيضًا "اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ" (1تي 6: 13) ولا شك أن الله يحيي الموتى بروحه القدوس يجعل روحه فيهم فيحيون (حز 37: 14) يعلمنا الكتاب في مواضع كثيرة إن الله هو الذي يميت ويحيي (2مل 5: 7) (تث 32: 39) ومادام روحه هو الذي يحيي (حز 37: 14)، إذن فهذا إثبات آخر على لاهوت الروح القدس الذي هو (الرب المحيي) حسبما يعلمنا قانون الإيمان، الذي يقول عن الروح القدس أيضًا: المنبثق من الآب.
المنبثق من الآب
وهذا واضح من قول الرب عن الروح القدس "رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ" (يو 15: 26)غير أن أخوتنا الكاثوليك أضافوا إلى قانون الإيمان كلمة Filioque ومعناها باللاتينية "ومن الابن" وهذه الإضافة كانت سببًا لانقسام في الكنيسة، ولا تزال وإن كان السيد المسيح قد قال "المعزي الذي أنا أرسله إليكم من الآب" (يو 15: 26) وأيضًا "إن لم أنطلق، لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت، أرسله إليكم" (يو 16: 7) فمن المهم أن نعرف إن هناك فرقًا لاهوتيًا كبيرًا بين الإرسال والانبثاق فالإرسال في حدود الزمن أما الانبثاق فهو منذ الأزل السيد المسيح أرسل الروح القدس للتلاميذ في يوم الخمسين ولكن الروح القدس كان موجودًا قبل ذلك، لأنه روح الله وقد قيل عنه في قصه الخليقة "في البدء خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه" (تك 1: 1-2) والكتاب المقدس يذكر لنا عمل الروح القدس في العهد القديم، وحلوله على الأنبياء وبعض شخصيات الكتاب يذكر كيف أن روح الله قد حل على شاول الملك فتنبأ (1 صم 10: 10-11) ثم كيف فارقه روح الرب (1صم 16: 14). ويذكر لنا أن روح الرب حل على داود (1صم 16: 13)وأن روح الرب كان يحرك شمشون (قض 13: 25) وأن روح الرب قد حل على شمشون (قض 14: 6). كما يحدثنا الكتاب عن عمل روح الرب مع حزقيال النبي، كما في (حز 37: 1) وما أكثر ما ورد عن روح الله في مزامير داود النبي والحديث عن عمل روح الله في العهد القديم هو حديث طويل، كذلك فترة ما بين العهدين قبل ميلاد السيد المسيح فقد قيل عن يوحنا المعمدان في البشارة به "ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو 1: 15) وقيل عن أمه أليصابات "وامتلأت أليصابات من الروح القدس" (لو 1: 41) وقيل عن زكريا الكاهن "وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ" (لو 1: 67) قيل أيضًا للسيدة العذراء في بشارتها بالسيد المسيح "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك " (لو 1: 35). وقال ليوسف النجار عنها "أن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس" (مت 1: 20) وقيل عن سمعان الشيخ إنه "كان بارًا تقيًا ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى المسيح الرب" (لو 2: 25-26) إذن مسألة إرسال السيد المسيح للروح القدس على التلاميذ في يوم الخمسين، لا علاقة لها مطلقًا بانبثاق الروح القدس من الآب منذ الأزل فالروح القدس هو روح الله، وهو أقنوم الحياة في الثالوث القدس. والله حي بروحه والروح القدس منبثق من الذات الإلهية منذ الأزل، قبل أن توجد خليقة وقبل أن يوجد تلاميذ يرسله الرب إليهم وكمثال نقول كما أنه قيل عن تجسد الابن "ولكن لما جاء ملْ الزمان أرسل لنا الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس" (غل 4: 4-5) وعلى الرغم من إرسال الابن إلى العالم في ملء الزمان، ألا أن الابن كان مولودًا من الآب منذ الأزل بل أن "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3) فولادته الأزلية شيء، وإرساله في ملء الزمان شيء أخر هكذا الأمر مع الروح القدس انبثاقه الأزلي من الآب شيء، وإرساله في يوم الخمسين على التلاميذ شيء آخر.
ولئلا يظن البعض أن الروح القدس أقل من الآب والابن!!
باعتباره الأقنوم الثالث، أو لأن الابن قد أرسله من عند الآب، لذلك قيل في قانون الإيمان "نسجد له ونمجده مع الآب والابن".
نسجد له ونمجده
نسجد له سجود العبادة، السجود اللائق به لكونه روح الله ونمجده مع الآب والابن بنفس المساواة وهكذا نقول في صلواتنا "المجد للآب والابن والروح القدس الثالوث القدوس المساوي"ونبدأ صلواتنا بعبارة باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين" على أن إرسال السيد المسيح للروح القدس، لا يعني أن الروح القدس أقل منه فالسيد المسيح نفسه (الابن) يقول حسب نبوءة أشعياء - "السيد الرب أرسلني وروحه" (أش 48: 16) ويقول أيضًا "روح السيد الرب عليَّ لأن الرب مسحني" (أش 61: 1) ولا يعني هذا أن الابن أقل من الروح القدس!
وقد أمرنا الرب أن نعمد الناس بقوله "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19) وقال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى "الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة (اللوجوس) والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 5: 7).
نسجد له ونمجده مع الآب والابن
وبنفس الأقانيم الثلاثة معًا تمنح البركة قائلين "محبة الله الآب، ونعمة ربنا يسوع المسيح، وشركة وموهبة الروح القدس تكون مع جميعكم" وذلك حسب تعليم الكتاب في (2كو 13: 14) إن عبارة نمجده مع الآب والابن تعني المساواة بين الأقانيم الثلاثة كل الأقانيم تتساوَى في الصفات الإلهية الذاتية فكم أقنوم أزلي، أبدي، خالق، موجود في كل مكان، غير محدود، قادر على كل شيء في كل هذا يتساوَى الروح القدس مع الآب والابن غير أننا نقول عن الابن مولود من الآب قبل كل الدهور ونقول عن الروح القدس إنه منبثق من الآب، قبل كل الدهور أيضًا وكما نصلي إلى الآب، نصلي أيضًا إلى الابن، وإلى الروح القدس توجد أمثله لكل هذا في الأجبية، وفي الكتاب المقدس والصلاة إلى الآب واضحة وكثيرة والصلاة إلى الابن مثل قول القديس اسطفانوس أول الشمامسة أثناء استشهاده بقوله "أيها الرب يسوع، اقبل روحي" (أع7: 59) ومثل صلاة "يا ربي يسوع المسيح ارحمني" والصلاة إلى الروح القدس، مثل صلاتنا في الأجبية في الساعة الثالثة قائلين "أيها الملك السمائي المعزي، روح الحق الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، هلم تفضل وحل فينا".
الناطق في الأنبياء
ورد بعد هذا في قانون الإيمان عن الروح القدس الناطق في الأنبياء وهذا واضح من قول القديس بطرس الرسول " لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون، مسوقين من الروح القدس" (2بط 1: 21) وقال القديس بولس الرسول لليهود "حسنا كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبي قائلًا " (أع 28: 25) وقال السيد المسيح لتلاميذه "لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس" (مر 13: 11) وهكذا قال القديس بولس الرسول "نتكلم لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية، بل بما يعلمه الروح القدس" (1كو 2: 13) ولعل هذا يذكرنا بقول السيد المسيح لتلاميذه القديسين "وأما المعزي الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم ما قلته لكم" (يو 14: 26) وما أكثر ما تكلم الروح القدس من فم داود النبي وفي ذلك قال السيد الرب "كيف يقول الكتبة إن المسيح ابن داود؟ لأن داود نفسه قال بالروح القدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك" (مر 12: 35-36) وأيضًا (مت 22: 43-44) (مز 110: 1)وقال القديس بطرس الرسول عن يهوذا الإسخريوطي "كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا" (أع 1: 16) (عبارة الناطق في الأنبياء) تعني الوحي الإلهي كما قال الرسول "كل الكتاب هو موحَى به من الله ونافع للتعاليم.." (2تي 3: 16) وكيف هو موحَى به من الله؟ بالروح القدس وهذا دليل آخر على لاهوت الروح القدس بهذا ينتهي الجزء الخاص بالثالوث القدوس في قانون الإيمان ثم يأتي بعد ذلك ما يختص بالكنيسة والمعمودية، والمجيء الثاني وحياة الدهر الآتي.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد