المقالات
17 سبتمبر 2025
الكنيسة
يقول قانون الإيمان "[نؤمن] بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية" فما هي الكنيسة التي يعنيها قانون الإيمان؟
كلمه (كنيسة) تدل على ثلاثة أمور وهي:
أ- مبني الكنيسة.
ب- جماعة المؤمنين.
ج- الرئاسة الكنسيّة أو رجال الكهنوت.
مبنى الكنيسة
من جهة دلالتها على مبنى الكنيسة قول الرسول عن أكيلا بريسكلا "الكنيسة التي في بيتهما" (رو 16: 5) وقوله حين تجتمعون في الكنيسة، أسمع أن بينكم شقاقات" (1كو 11: 18) وقوله أيضًا "أعلم في كل مكان في كل كنيسة" (1كو 4: 17). وواضح في قانون الإيمان أنه لا يعني مبني الكنيسة. وإلا ما كان يقول "كنيسة واحدة". إنما يقصد الكنيسة العامة، كل جماعة المؤمنين.
الكنيسة جماعة المؤمنين
كما يقول سفر أعمال الرسل عن نشأة الكنيسة الأولى "وكان الرب في كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" ( أع 2: 47) أي يضم إلى جماعة المؤمنين يقول نفس السفر أيضًا "وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم" أي حدث اضطهاد على جماعة المؤمنين الذين في أورشليم (أع 8: 1) وأيضًا كتب "فكان بطرس محروسًا في السجن وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله" (أع 12: 5) أي أن جماعة المؤمنين كانوا يصلون وكتب أيضًا أن المسيح أحب الكنيسة وسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها، مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة (أف 5: 25، 26) والمقصود بالكنيسة هنا جماعه المؤمنين الذين صلب المسيح لأجلهم، لكي يقدسهم، ويطهرهم بالمعمودية عن طريق الكلمة أي الكرازة والتعليم.
الكنيسة بمعنى الرئاسة الكنسية أي الكهنوت
قيل في الخصومات والمصالحات "وأن لم يسمع منهم فقل للكنيسة. وأن لم يسمع للكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار" (مت 18: 17) فالمقصود أنه يحتكم إلى الرئاسة الكنسية، وليس إلى كل جماعة المؤمنين!
لذلك قال بعدها مباشرة "الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض، يكون مربوطًا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض، يكون محلولًا في السماء" (مت 18: 18) وطبعًا المقصود بكلمة (الكنيسة) في قانون الإيمان، هو جماعة المؤمنين برئاستهم الدينية ثم يشرح صفات هذه الكنيسة فيقول: كنيسة واحدة.
كنيسة واحدة
أي أنها كنيسة واحدة في الإيمان، في العقيدة. واحدة في الفكر والتعليم وواحدة في الروحانية وقد قيل في الرسالة إلى أفسس "جسد واحد، وروح واحد كما دعيتم في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة" (أف 4: 4-5) الكنيسة واحدة في الإيمان والعقيدة، واحدة في الفهم والفكر اللاهوتي. لذلك كل من كان يخرج عن هذا الإيمان الواحد، كانت الكنيسة تفصله عن عضويتها وتبقي هي واحدة في إيمانها. وهكذا فعلت مع كل المبتدعين والهراطقة في زمن المجامع المقدسة قال الرب في حديثة الطويل مع الآب "لست اسأل من أجل هؤلاء فقط بل من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم ليكون الجميع واحدًا. كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد" (يو 17: 20-22) وعن وحدة الكنيسة، قال السيد المسيح "ولي خراف أخر ليست في هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة لراع واحد" (يو 10: 16) وهذا الراعي الواحد هو السيد المسيح، الذي قال في نفس الإصحاح "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11، 14) الكنيسة واحدة، لأنها جسد واحد ورأس هذا الجسد هو المسيح وقد كتب في الرسالة إلى أفسس أن المسيح هو رأس الكنيسة" (أف 5: 23) كذلك ورد في الرسالة إلى كولوسي أن السيد المسيح هو رأس الجسد، الكنيسة" (كو 1: 18) وقيل "جسده الذي هو الكنيسة" (كو 1: 24) لذلك طبيعي أن تكون الكنيسة واحدة لأن السيد المسيح له جسد واحد ونحن جميعًا أعضاء في هذا الجسد، كما قال الرسول "لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (أف 5: 30) والكنيسة واحدة لأنها عروس المسيح الواحدة وهكذا قال القديس يوحنا المعمدان "لست أنا المسيح، بل أني مرسل أمامه من له العروس فهو العريس وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه، فيفرح فرحًا " (يو 3: 28-29) وقد ورد هذا المعنى أيضًا في الرسالة إلى أفسس (أف 5: 31-32، 25) وواضح أن السيد المسيح له عروس واحدة هي الكنيسة، كما قال الرسول "خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2) وطبيعي أن تكون عروس المسيح واحدة، كما رمز إليها في سفر النشيد بقوله "واحدة هي حمامتي كاملتي" (نش 6: 9) مادامت الكنيسة واحدة، فماذا تعني كلمة (كنائس) حينما ترد في الكتاب المقدس؟
كلمه كنائس المقصود بها الأمكنة، تمييزًا لكل واحدة بمكانها كما قيل "وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة، فكان لها سلام، وكانت تبني وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع 9: 31) كذلك نسمع في سفر الرؤيا عن السبع الكنائس التي في آسيا التي في أفسس، سميرنا، برغامس، ثياتيرا، ساردس، فيلادلفيا، لاوديكية" (رؤ 1: 11) ولكن كل هذه الكنائس عبارة عن أعضاء في الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية إنها كنيسة واحدة: هنا على الأرض وأيضًا في السماء يجتمع الكل معًا في أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس يكونون له شعبًا (شعبًا واحدًا) وهو يكون إلهًا (رؤ 21: 2-3) وهذا الشعب الواحد، أو الكنيسة الواحدة، أو كل جماعة المؤمنين الذين يرثون الملكوت، هم الذين قال عنهم القديس يوحنا الرائي: "بعد هذا نظرت، وإذا جمع كثير، لم يستطيع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة، واقفون أمام العرش وأمام الحمل، متسربلين بثياب بيض هؤلاء الذين أتوا من الضيقة العظمي. وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الحمل "(رؤ 7: 9-14) وهذه الكنيسة الواحدة التي في السماء تشمل الملائكة أيضًا فهي تضم الملائكة القديسين وأرواح القديسين الذين انتقلوا من البشر، والذين سينتقلون من الآن إلى آخر هذا الدهر كلهم -ملائكة وبشرًا- هم شعب الله، وأبناء الله، وأهل بيت الله، ورعيته (أف 2: 19).
كنيسة مقدسة
عن قداسة الكنيسة قال بطرس الرسول "كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا لتقديم ذبائح روحية، مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1بط 2: 5) وقال أيضًا "وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي أمه مقدسة، شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى النور العجيب" (1بط 2: 9) إنها كنيسة مقدسة بدم المسيح كما قيل في سفر الرؤيا "الذي أحبنا، وغسَّلنا من خطايانا بدمه" (رؤ 1: 5) وأيضًا في رسالة يوحنا الأولى ( عن الآب) "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يو 1: 7) وقيل في المزمور الخمسين "انضح عليَّ بزوفاك فأطهر" (مز 51: 7) والزوفا هي التي كانوا يغمسونها في دم الذبيحة في العهد القديم، وينضحون بها للتطهير وللتفكير والكنيسة مقدسة في المعمودية حيث يموت الإنسان العتيق، ويقوم إنسان جديد مقدس على صورة المسيح كما قيل "لأن جميعكم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27) أي لبستم البر والقداسة والطهارة التي للمسيح وهكذا قال الرسول "كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أيضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 27) والكنيسة مقدسة في سر المسحة المقدس، حيث تدهن بزيت الميرون المقدس، فتتقدس بالروح القدس الذي يحل في المعمدين ويصبحون هياكل مقدسة لله، كما يقول الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله" (1كو 6: 19) وطبيعي أن هيكل الله مقدس، الذي هو أنتم (1 كو 3: 17) وهكذا يقول الرسول أيضًا "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح" (1كو 6: 15) وهذا أيضًا برهان على قداستها الكنيسة هي جماعة المؤمنين. والمؤمنون كانوا يدعون قديسين في الكنيسة أيام الرسل كما يقول القديس بولس الرسول "سلموا على كل قديس في المسيح يسوع" (في 4: 21) وكما أرسل إلى القديسين الذين في أفسس"(أف 1:1) قائلًا لهم "الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين وبلا لوم " ( أف 1: 3-4) وقال في رسالته إلى العبرانيين "أيها الأخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية" (عب 3: 1) وهكذا ينشد الغالبون لله القائلين "عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء يا ملك القديسين" (رؤ 15: 3) وفي مجيئه الثاني سيأتي الرب "في ربوات قديسيه" (يه 14) ولذلك يقول الرسول "لكي تثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه" (1 تس 3: 13) والكنيسة مقدسة، لأنها على صورة الله في القداسة كما قال "كونوا قديسين، لأني أنا قدوس" (1 بط 1: 16) (لا 11: 44) "مكملين القداسة في خوف" (2كو 7: 1) "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم" (1 تس 4: 3) ولما كانت الكنيسة مقدسة، لذلك لا تسمح بوجود خطاة داخلها وهكذا قال القديس بولس الرسول "اعزلوا الخبيث من بينكم" (1 كو 5: 13) وفي تفصيل ذلك قال "إن كان أحد مدعوًا أخا، زانيًا أو طماعًا أو عابد وثن أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1كو 5: 11) وبالمثل من كان منحرفًا من جهة العقيدة، يقول القديس يوحنا الرسول "إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلم عليه، يشترك في أعماله الشريرة" (2 يو 1: 11) ولهذا كانت الكنيسة تعزل الهراطقة والمبتدعين من عضويتها فيصدر ضدهم حكم excommunication فيطردون من جماعة المؤمنين لأنهم فقدوا قداسة التعليم، وما أسهل أن ينشروا انحرافاتهم العقيدية بين أعضاء الكنيسة إن بقوا داخلها وكما يشترط القداسة في الكنيسة على الأرض، كذلك في السماء كما قيل عن مدينة الله أورشليم السمائية "ولن يدخلها شيء دنس ولا ما يصنع رجسًا وكذبًا.." (رؤ 21: 27) وأيضًا لأنه لا شركة للنور مع الظلمة، ولا خلطة للبر مع الإثم (2 كو 6: 14) سواء في الكنيسة على الأرض أو في السماء أن الكنيسة مقدسة في حياتها وروحياتها، ومقدسة في تعاليمها وفي أسرارها، ومقدسة في قيادتها وشعبها في كل شيء.
كنيسة جامعة
جامعة، أي تجمع كل المؤمنين، في وحدة الإيمان الكنيسة الجامعة هي التي جمعت اليهود والأمم وجمعت كل الجنسيات والشعوب واللغات، في إيمان واحد هي التي جمعت كل الكنائس المحلية معًا، في كنيسة واحدة تضم الكل، في عقيدة واحدة، بقوانين كنيسة واحدة. فليست الكنائس المحلية مثل جزر في المحيط، لا ترتبط الواحدة بالأخرى بل كلها تكون معًا في الكنيسة واحدة جامعة الكنيسة الجامعة هي التي تضم الكل في حياة الشركة، وكما يشتركون في الأيمان الواحد، يشتركون أيضًا معًا في الأسرار المقدسة، وفي التناول من مذبح واحد وعبارة جامعة تترجم بكلمة Catholic، من جهة المعنى اللغوي للكلمة، وليس من جهة العقيدة (أي المذهب الكاثوليكي) وللحرص لئلا يختلط المعنى، فأن البعض يترجم عبارة جامعة بكلمة Universal والكنيسة الجامعة كانت تعقد المجامع المسكونية التي تضم كل قيادات الكنيسة الجامعة. Ecumenical Councils ليبحث الكل معًا في أمور الإيمان، وفي تنظيمات الكنيسة، ليكون تعليم واحد لكل الكنائس معًا وأول مجمع مسكوني أنعقد في نقية سنة 325 م واشترك فيه 318 من القيادات الكنسية بطاركة وأساقفة حاليًا نتيجة للخلافات في الإيمان بين الكنائس، ليس من السهل أن ينعقد مجمع مسكوني للكنيسة الجامعة إنما يمكننا مثلًا بمشيئة الله أن ينعقد مجمع يضم كنائسنا الأرثوذكسية فقط الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة، هي أيضًا كنيسة رسولية.
كنيسة رسولية
وكلمة (رسولية) تدل على معنيين أنها كنيسة أسسها الرسل وأنها كنيسة تسير حسب تعاليم الآباء الرسل، ولا تعارضها وفي ذلك قال الرسول "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه هو حجر الزاوية" (أف 2: 20) على أساس الرسل في التعليم الذي أخذوه من المسيح كما قال لهم السيد الرب "تلمذوا جميع الأمم وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 28: 19، 20) وهكذا قال بولس الرسول "تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضًا" (1كو 11: 23) والتسليم الذي أخذه الرسل من الرب، تركوه لنا في رسائلهم، وفي حياة الكنيسة، وفي قوانينهم وتعاليمهم وهذا ما يعرف باسم التقليد الرسولي Apostolic Tradition. تسلمته الكنيسة جيلًا بعد جيل. كما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "وما سمعته (تسلَّمته) مني بشهود كثيرين، أودعه أناس أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضًا" (2تي 2:2) هو إذن تعاليم من السيد المسيح، وبخاصة ما قاله للرسل خلال الأربعين يومًا بعد القيامة هذا سلموه لتلاميذهم الذين سلموه لآخرين، وانتقل جيلًا بعد جيل حتى وصل إلينا وهناك أشياء لم يكتبوها بل قالوها فمًا لفم (2 يو 12) (3 يو 13، 14) وصلت إلينا كذلك بالتقليد يضاف إلى هذا حياة الكنيسة أيام الرسل التي انتقلت إلينا مثال ذلك القداسات التي كانوا يقيمونها، وطريقتهم في التعميد وفي إقامة الكهنة وفي كل صلوات الأسرار الكنسية والصلوات الليتورجية هذه مارسوها وعاشوها، وبقيت في حياة الكنيسة عبر الأجيال. وهذا ما تحياه الكنائس الرسوليه القديمة نذكر كمثال تسلسل وضع اليد للكهنوت من الرسل هذا الذي يسمونه Apostolic Succession فالكاهن حاليًا قد أخذ وضع اليد والنفخة المقدسة (يو 20: 22) من أسقفه وأسقفه هذا أخذ ذلك من رئيس الأساقفة أو البطريرك أو البابا وذلك أخذ عن سابقه، حتى نصل إلى الآباء الرسل الذين أخذوا نفس السلطان من السيد المسيح وهذا يثبت أقدمية وشرعية كل كنيسة رسوليه أما الكنائس غير الرسولية فمن أين وصل إليهم السلطان؟!
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
10 سبتمبر 2025
نعم نؤمن بالروح القدس
نؤمن أن الله حي، وهو حي بروحه فالروح القدس هو روح الله، روح الآب، وروح الابن ولأنه روح الله، لذلك سمي الروح القدس The Holy Spirit وهكذا قال السيد الرب وهو يمنح تلاميذه سر الكهنوت "اقبلوا الروح القدس مَن غفرتم خطاياه، غفرت له. ومن أمسكتم خطاياه، أمسكت" (يو 20: 22-23). وقال عن بدء خدمتهم "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا، في أورشليم، وكل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض" (أع 1: 8) وأيضًا قال القديس بولس الرسول لأساقفة كنيسة أفسس "احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة" (أع 20: 28) وقال لليهود في رومه "حسنًا كلم الروح القدس آباءنا" (أع 28: 25) وأحيانًا كان الروح القدس تطلق عليه كلمة (الروح) فقط مثل قول الكتاب "من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" (رؤ2: 29) (رؤ 3: 6،13، 22) أي ما يقوله روح الله للكنائس ومثل قول الرب لنيقوديموس عن المعمودية "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5) يقصد الميلاد من الماء والروح القدس ومثلما قيل عن الرسل في يوم الخمسين "وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" (أع 2: 5). أي كما أعطاهم الروح القدس كذلك ما ورد في (1كو 12) عن مواهب الروح، كله عن مواهب الروح القدس أما عن كون الروح القدس روح الرب أو روح الله، فكما يقول الكتاب "روح السيد الرب علي. لأن الرب مسحني.." (أش 61: 1) "أما الرب فهو روح. وحيث روح الرب هناك حرية" (2كو 3: 17) ومثل قول الرب "أجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي" (حز 36: 27). وكقوله "أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويحلم شيوخكم أحلامًا" (يوء 2: 28) ومثل قول داود النبي لله في صلاته "أين أذهب من روحك؟! ومن وجهك أين أهرب؟!" (مز 139: 7). وأيضًا قوله "روحك القدوس لا تنزعه مني" (مز 51: 11).
أما عن كون الروح القدس، هو روح الآب.
فكقول السيد المسيح لتلاميذه "لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت 10: 20) يطابق هذا ما قيل في (مر 13: 11) "لأن لستم أنتم المتكلين، بل الروح القدس" وأما ورد في (لو 12: 12).
أما عن كون الروح القدس، هو روح الابن، أو روح السيد المسيح فكما يقول القديس بولس الرسول "أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم " (غل 4: 6) وكقول القديس بطرس الرسول "باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم، إذ شهد بالآلام التي للمسيح" (1بط 1: 11) أن كون الروح القدس، هو روح الآب وروح الابن، لا شك أن هذا يدل على الوحدة في الثالوث القدوس.
لاهوت الروح القدس
هذا الذي أنكره مقدونيوس، فحرمه المجمع المسكوني المقدس الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381 م وقرر لاهوت الروح القدس في عبارة "نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب نسجد له ونمجده مع الآب والابن" وكلمة (الرب) هنا تعني (الإله)، والمحيي تعني المعطي الحياة Life giver ومما يدل على لاهوت الروح القدس توبيخ القديس بطرس الرسول لحنانيا (زوج سفيرا) بقوله "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس أنت لم تكذب على الناس، بل على الله" (أع 5: 3-4) ومثال ذلك ما قاله القديس بولس الرسول عن سكني الروح القدس فينا إذ قال "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم" (1كو 6: 19). وقال أيضًا في نفس الرسالة "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو 3: 16) وهكذا قال مرة "هيكل الروح القدس" ومرة أخرى هيكل الله ومما يدل على لاهوت الروح القدس أيضًا، قول الكتاب "أما الرب فهو الروح" (2كو 3: 17) وأيد هذا السيد المسيح نفسه بقوله للسامرية "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا "(يو 4: 24) فما دام الله روح،إذن هو الروح القدس، كما هو الآب والابن ومما يدل على لاهوت الروح القدس، قدرته على الخلق والقدرة على الخلق هي من صفات الله وحده وفي ذلك يقول المرنم لله عن المخلوقات "كلها إياك تترجي لترزقها قوتها في حينه تنزع أرواحها فتموت وإلى ترابها تعود ترسل روحك فتخلق.." ( مز 104: 27، 30) كذلك مما يدل على لاهوت الروح القدس، وجوده في كل مكان وفي هذا يقول المرنم في المزمور لله "أين أذهب من روحك؟! ومن وجهك أين أهرب؟! إن صعدت إلى السماء فأنت هناك. وأن فرشت في الهاوية، فها أنت" (مز 139: 7-8) والوجود في كل مكان من صفات الله وحده ومما يدل على لاهوت الروح القدس أيضًا المواهب التي يمنحها للناس وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنثوس "فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد وأنواع مواهب موجودة، ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل ولكنه لكل واحد يعطي إظهار الروح للمنفعة فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كو 12: 4- 11) وهذه كلها سماها الرسول "مواهب الروح القدس" (عب 2: 4) وقال القديس يعقوب الرسول عن المواهب "كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، هي من فوق، نازله من عند أبي الأنوار، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17) إذن المواهب يرسلها الله بروحه القدوس ومما يدل على لاهوت الروح القدس، أن السيد المسيح له روح أزلي فالكتاب يقول "فكم بالحري يكون دم المسيح، الذي بروح أزلي قدم نفسه لله" (عب 9: 14) فالروح القدس هو روح المسيح كما قلنا كذلك فإن الأزلية هي من صفات الله وحده فهذه الآية أذن تدل على لاهوت المسيح، وعلى لاهوت الروح القدس ومما يدل على لاهوت الروح القدس أيضًا أنه (المحيي) أي المُعْطي الحياة.
الرب المحيي
المعروف أن الروح هو مصدر الحياة إذن فهو المحيي ويظهر هذا من إحياء العظام في (حز 37) حيث يقول حزقيال النبي "كانت عليَّ يد الرب فأخرجني بروح الرب، وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظامًا وقال لي يا ابن آدم أتحيا هذه العظام؟ فقلت يا سيد الرب أنت تعلم" (حز 37: 1- 3) "فدخل فيهم الروح فحيوا" (حز 37: 10) وقال الرب "أجعل روحي فيكم فتحيون" (حز 37: 14) وهكذا قيل أيضًا في سفر الرؤيا على الشاهدين المقتولين "دخل فيهما روح حياة من الله فوقفا على أرجلهم" (رؤ 11:11) حقًا كما قال السيد المسيح "الروح هو الذي يحيي" (يو 6: 63) كما قيل أيضًا أن الله هو "الذي يحيي الموتَى" (رو 4: 17) وقيل أيضًا "اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ" (1تي 6: 13) ولا شك أن الله يحيي الموتى بروحه القدوس يجعل روحه فيهم فيحيون (حز 37: 14) يعلمنا الكتاب في مواضع كثيرة إن الله هو الذي يميت ويحيي (2مل 5: 7) (تث 32: 39) ومادام روحه هو الذي يحيي (حز 37: 14)، إذن فهذا إثبات آخر على لاهوت الروح القدس الذي هو (الرب المحيي) حسبما يعلمنا قانون الإيمان، الذي يقول عن الروح القدس أيضًا: المنبثق من الآب.
المنبثق من الآب
وهذا واضح من قول الرب عن الروح القدس "رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ" (يو 15: 26)غير أن أخوتنا الكاثوليك أضافوا إلى قانون الإيمان كلمة Filioque ومعناها باللاتينية "ومن الابن" وهذه الإضافة كانت سببًا لانقسام في الكنيسة، ولا تزال وإن كان السيد المسيح قد قال "المعزي الذي أنا أرسله إليكم من الآب" (يو 15: 26) وأيضًا "إن لم أنطلق، لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت، أرسله إليكم" (يو 16: 7) فمن المهم أن نعرف إن هناك فرقًا لاهوتيًا كبيرًا بين الإرسال والانبثاق فالإرسال في حدود الزمن أما الانبثاق فهو منذ الأزل السيد المسيح أرسل الروح القدس للتلاميذ في يوم الخمسين ولكن الروح القدس كان موجودًا قبل ذلك، لأنه روح الله وقد قيل عنه في قصه الخليقة "في البدء خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه" (تك 1: 1-2) والكتاب المقدس يذكر لنا عمل الروح القدس في العهد القديم، وحلوله على الأنبياء وبعض شخصيات الكتاب يذكر كيف أن روح الله قد حل على شاول الملك فتنبأ (1 صم 10: 10-11) ثم كيف فارقه روح الرب (1صم 16: 14). ويذكر لنا أن روح الرب حل على داود (1صم 16: 13)وأن روح الرب كان يحرك شمشون (قض 13: 25) وأن روح الرب قد حل على شمشون (قض 14: 6). كما يحدثنا الكتاب عن عمل روح الرب مع حزقيال النبي، كما في (حز 37: 1) وما أكثر ما ورد عن روح الله في مزامير داود النبي والحديث عن عمل روح الله في العهد القديم هو حديث طويل، كذلك فترة ما بين العهدين قبل ميلاد السيد المسيح فقد قيل عن يوحنا المعمدان في البشارة به "ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو 1: 15) وقيل عن أمه أليصابات "وامتلأت أليصابات من الروح القدس" (لو 1: 41) وقيل عن زكريا الكاهن "وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ" (لو 1: 67) قيل أيضًا للسيدة العذراء في بشارتها بالسيد المسيح "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك " (لو 1: 35). وقال ليوسف النجار عنها "أن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس" (مت 1: 20) وقيل عن سمعان الشيخ إنه "كان بارًا تقيًا ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى المسيح الرب" (لو 2: 25-26) إذن مسألة إرسال السيد المسيح للروح القدس على التلاميذ في يوم الخمسين، لا علاقة لها مطلقًا بانبثاق الروح القدس من الآب منذ الأزل فالروح القدس هو روح الله، وهو أقنوم الحياة في الثالوث القدس. والله حي بروحه والروح القدس منبثق من الذات الإلهية منذ الأزل، قبل أن توجد خليقة وقبل أن يوجد تلاميذ يرسله الرب إليهم وكمثال نقول كما أنه قيل عن تجسد الابن "ولكن لما جاء ملْ الزمان أرسل لنا الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس" (غل 4: 4-5) وعلى الرغم من إرسال الابن إلى العالم في ملء الزمان، ألا أن الابن كان مولودًا من الآب منذ الأزل بل أن "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3) فولادته الأزلية شيء، وإرساله في ملء الزمان شيء أخر هكذا الأمر مع الروح القدس انبثاقه الأزلي من الآب شيء، وإرساله في يوم الخمسين على التلاميذ شيء آخر.
ولئلا يظن البعض أن الروح القدس أقل من الآب والابن!!
باعتباره الأقنوم الثالث، أو لأن الابن قد أرسله من عند الآب، لذلك قيل في قانون الإيمان "نسجد له ونمجده مع الآب والابن".
نسجد له ونمجده
نسجد له سجود العبادة، السجود اللائق به لكونه روح الله ونمجده مع الآب والابن بنفس المساواة وهكذا نقول في صلواتنا "المجد للآب والابن والروح القدس الثالوث القدوس المساوي"ونبدأ صلواتنا بعبارة باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين" على أن إرسال السيد المسيح للروح القدس، لا يعني أن الروح القدس أقل منه فالسيد المسيح نفسه (الابن) يقول حسب نبوءة أشعياء - "السيد الرب أرسلني وروحه" (أش 48: 16) ويقول أيضًا "روح السيد الرب عليَّ لأن الرب مسحني" (أش 61: 1) ولا يعني هذا أن الابن أقل من الروح القدس!
وقد أمرنا الرب أن نعمد الناس بقوله "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19) وقال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى "الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة (اللوجوس) والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 5: 7).
نسجد له ونمجده مع الآب والابن
وبنفس الأقانيم الثلاثة معًا تمنح البركة قائلين "محبة الله الآب، ونعمة ربنا يسوع المسيح، وشركة وموهبة الروح القدس تكون مع جميعكم" وذلك حسب تعليم الكتاب في (2كو 13: 14) إن عبارة نمجده مع الآب والابن تعني المساواة بين الأقانيم الثلاثة كل الأقانيم تتساوَى في الصفات الإلهية الذاتية فكم أقنوم أزلي، أبدي، خالق، موجود في كل مكان، غير محدود، قادر على كل شيء في كل هذا يتساوَى الروح القدس مع الآب والابن غير أننا نقول عن الابن مولود من الآب قبل كل الدهور ونقول عن الروح القدس إنه منبثق من الآب، قبل كل الدهور أيضًا وكما نصلي إلى الآب، نصلي أيضًا إلى الابن، وإلى الروح القدس توجد أمثله لكل هذا في الأجبية، وفي الكتاب المقدس والصلاة إلى الآب واضحة وكثيرة والصلاة إلى الابن مثل قول القديس اسطفانوس أول الشمامسة أثناء استشهاده بقوله "أيها الرب يسوع، اقبل روحي" (أع7: 59) ومثل صلاة "يا ربي يسوع المسيح ارحمني" والصلاة إلى الروح القدس، مثل صلاتنا في الأجبية في الساعة الثالثة قائلين "أيها الملك السمائي المعزي، روح الحق الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، هلم تفضل وحل فينا".
الناطق في الأنبياء
ورد بعد هذا في قانون الإيمان عن الروح القدس الناطق في الأنبياء وهذا واضح من قول القديس بطرس الرسول " لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون، مسوقين من الروح القدس" (2بط 1: 21) وقال القديس بولس الرسول لليهود "حسنا كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبي قائلًا " (أع 28: 25) وقال السيد المسيح لتلاميذه "لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس" (مر 13: 11) وهكذا قال القديس بولس الرسول "نتكلم لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية، بل بما يعلمه الروح القدس" (1كو 2: 13) ولعل هذا يذكرنا بقول السيد المسيح لتلاميذه القديسين "وأما المعزي الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم ما قلته لكم" (يو 14: 26) وما أكثر ما تكلم الروح القدس من فم داود النبي وفي ذلك قال السيد الرب "كيف يقول الكتبة إن المسيح ابن داود؟ لأن داود نفسه قال بالروح القدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك" (مر 12: 35-36) وأيضًا (مت 22: 43-44) (مز 110: 1)وقال القديس بطرس الرسول عن يهوذا الإسخريوطي "كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا" (أع 1: 16) (عبارة الناطق في الأنبياء) تعني الوحي الإلهي كما قال الرسول "كل الكتاب هو موحَى به من الله ونافع للتعاليم.." (2تي 3: 16) وكيف هو موحَى به من الله؟ بالروح القدس وهذا دليل آخر على لاهوت الروح القدس بهذا ينتهي الجزء الخاص بالثالوث القدوس في قانون الإيمان ثم يأتي بعد ذلك ما يختص بالكنيسة والمعمودية، والمجيء الثاني وحياة الدهر الآتي.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
03 سبتمبر 2025
وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء
كلمة (تجسد) تعني أنه أخذ جسدًا وبالقبطية أي أخذ جسدًا أي اتحد بهذا الجسد اتحدت به الطبيعة اللاهوتية ولكن كيف أخذ هذا الجسد؟ من أي مصدر؟ لذلك قيل بعد ذلك:
من الروح القدس ومن مريم العذراء:
العذراء وحدها ما كان ممكنا أن تلد طفلا "وهي لا تعرف رجلًا" (لو 1: 34) لذلك قال لها الملاك مُفَسِّرًا الأمر "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك" (لو 1: 35) حلول الروح القدس في بطنها، كان حلولًا أقنوميًا إنها حالة استثنائية فالبشر لا يحل عليهم الروح القدس حلول أقنوميًا وقد حل الروح القدس على مريم العذراء لسببين: أولًا لكي يكون في بطنها جسد المسيح بدون زرع بشر وثانيًا لكي يقدس مستودعها، بحيث أن المولود منها لا يرث الخطية الأصلية وهكذا صار حبلها بالسيد المسيح حبلا بلا دنس وفي هذا المعنى قال الملاك المبشر "الروح القدس يحل عليك لذلك القدوس المولود منك يُدْعَى ابن الله" ( لو 1: 35) هو إذن قدوس "شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية (القداس الغريغوري) حتى أنه إذا مات، لا يموت عن خطية له، إذ هو بلا خطية بل يموت عن خطايا الغير عبارة (تجسد) لا تعني فقط أنه أخذ جسدًا بشريًا، بل طبيعة بشرية كاملة، من جسد وروح لذلك لم يكتف قانون الإيمان بكلمة تجسد، إنما أضاف عليها (وتأنس) أي صار إنسانًا.
وَتَأَنَّس
صار إنسانًا كاملًا، له طبيعة ناسوتية لذلك قال الرسول "يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح" (1 تي 2: 5) ذلك لأن الحكم صدر ضد الإنسان فيجب أن الذي يموت يكون إنسانا من نسل ذلك الإنسان فإن لم يكن إنسانًا كاملًا، لا يكون قد شابهنا في كل شيء ولا يكون قد أخذ طبيعتنا المحكوم عليها بالموت نقول هذا لأنه قامت هرطقة تقول أن السيد المسيح لا يحتاج إلى روح إنسانية يحيا بها يكفي أنه يحيا بلاهوته المتحد به يحيا بالروح القدس المتحد به أقنوميًا وليس بروح بشرية!! وقد حرم المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنه 381 م هذه الهرطقة (هرطقة أبوليناريوس)، لأنها تقلل من ناسوت المسيح فلا تجعل له ناسوتًا كاملا بل مجرد جسدا!! وأصبحت عبارة "تجسد وتأنس" تُتْلَى في قانون الإيمان، ونصليها أيضًا في القداس الإلهي اعترافا بناسوت المسيح الكامل، الذي ناب عن البشر مقدما نفسه ذبيحة عن خطايانا وهكذا قال الرسول "وسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" (1 تي 2: 5-6) وبهذا كان السيد المسيح يتمسك بلقب (ابن الإنسان)، ويكرره كثيرا، لأنه يمثل نيابته عن الإنسان عموما في موته عن الخطية وبالقبطية تأنس أي صار إنسانا صار الإنسان القدوس الذي اتحد به اللاهوت داخل بطن العذراء منذ أول لحظة للحبل المقدس لما حل عليها أما القديسة مريم فقد حبل بها حبلًا عاديًا لذلك تحتاج إلى الخلاص كباقي البشر وهكذا قالت في تسبحتها" وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو 1: 47).
وصُلِبَ عنّا
"وصُلِبَ عنا على عهد بيلاطس البنطي" عبارة "صلب عنا" تعني نيابة عنا أو بدلًا منا نحن الذين كنا مستحقين الموت، لأننا أخطأنا و"أجرة الخطية هي الموت" (رو6: 23) "بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو 5: 12) ثم جاء المسيح الذي بلا خطية تستحق الموت، لكي يموت عن الخطاة الذين هو تحت حكم الموت بهذه الشهادة دافع عنه اللص اليمين، فقال لزميله المجدف "أما نحن فبعدل (جوزينا) لأننا ننال استحقاق ما فعلنا وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله" (لو 23: 41) وأيضًا بيلاطس الذي حكم أخيرًا بصلبه، قال لرؤساء اليهود الذين قدموه للموت "إني لم أجد علة للموت" (لو 23: 22،14) وقال أيضًا "إني بريء من دم هذا البار" (مت 27: 24) وهكذا صلب هذا البار، نيابة عنا نحن المستحقين الموت "كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش53: 6) إذن مات عنا لكي يفدينا بموته والفداء يعني أن بارا يموت عن مذنب فالخاطئ يموت بسبب خطيئته أما البار -في الفداء- فيموت عن خطيئة غيره، ليفدى هذا الغير من حكم الموت ولم يكن هناك بار ولا واحد بل المسيح هو الوحيد البار "الجميع زاغوا معًا وفسدوا وليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (مز 14: 3) أما المسيح فهو القدوس، الذي يمكنه أن يموت عن غيره في البشارة بميلاده، قال الملاك جبرائيل للقديسة العذراء "القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35) والقديس بطرس الرسول لما وبخ اليهود على صلب المسيح، قال لهم "أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل" (أع 3: 14) وقال عنه القديس بولس الرسول "كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السموات" (عب 7: 26) إنه قدوس، ولكنه حمل خطايانا في صلبه لم يكن خاطئًا، إنما حامل خطايانا حامل خطايا غيره خطايا العالم كله، خطايا الماضي والحاضر والمستقبل قال القديس يوحنا الرسول"إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1 يو 2: 1-2) وقال عنه القديس يوحنا المعمدان هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو1: 29) إنه يذكرنا بذبائح ومحرقات العهد القديم التي كانت ترمز إليه في العهد القديم، كان الخاطئ يأتي بذبيحة كفارة عن خطاياه يأتي بحيوان بريء ويضع يده عليه ويقر بخطاياه على رأس الذبيحة وكان وضع يده على رأس الذبيحة، إشارة إلى قبوله لأن تنوب عنه وأيضًا إشارة إلى انتقال خطاياه إليها، حتى تحملها وتموت نيابة عنه وهذه الحيوانات البريئة التي كانت تذبح وتموت، لم تكن خاطئة، وإنما حاملة خطايا، تحمل خطايا الذين يؤمنون بالكفارة والفداء، ويقبلونها عنهم قيل عن ذبيحة الخطية إنها قدس أقداس (لا 6: 25) وتكرر هذا التعبير أيضًا "إنها قدس أقداس" (لا6: 29) ولذلك كانت تذبح في المكان الذي تذبح فيه المحرقة، وقيل عن المحرقة أنها "رائحة سرور للرب" (لا1: 9، 13، 17) كذلك قيل عن تقدمة الدقيق أنها "رائحة سرور للرب" قدس أقداس من وقائد الرب" (لا2: 2-3، 9-10) كذلك قيل عن ذبيحة الإثم قدس أقداس في المكان الذي يذبحون فيه المحرقة، يذبحون ذبيحة الإثم" (لا7: 1-2) وهكذا كان المسيح ذبيحة خطية وذبيحة إثم، وقدس أقداس فيما يحمل خطايا العالم، وكان رائحة سرور للرب كانت هذه الذبائح التي تحمل الخطايا، "تحرق أجسادها خارج المحلة" (عب13: 11) وهكذا المسيح أيضًا "لكي يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب"، صلبوه خارج المحلة، لأننا نحن كخطاة، كنا معتبرين خارج المحلة فخرج هو خارج المحلة نيابة عنا، لكي بذلك يدخلنا إلى داخل المحلة صلب عنا ومات عنا، لكي نحيا نحن بموته لقد تحدوه قائلين "لو كنت ابن الله، انزل من على الصليب" ( مت27: 40) "فلينزل الآن على الصليب فنؤمن به" (مت27: 42) (مر15: 32) ولكنه لم يفعل ذلك لأنه أراد أن يموت عنا، لكي نخلص نحن بموته ولكن لماذا اختار الموت مصلوبًا.
أولا: لأنه كان أكثر أنواع الموت آلامًا تنزف فيه كل دمائه وتتمزق فيه كل أعصابه إلى جوار الآلام بسبب احتكاك المسامير بجسده.
ثانيا: لأن آلام الصلب تستمر مدة أطول ربما قطع الرأس لا يأخذ سوى لحظة وكذلك آلام الحرق تستمر لحظات، وأيضًا الشنق وباقي أنواع الإعدام قد لا تقضي سوى دقائق أما صلبه فقد استمر ثلاث ساعات من السادسة إلى التاسعة، يضاف إليها عملية الاستعداد لصلبه.
ثالثا: لأن الصليب فيه تشهير به وإعلان لعقوبته فالصليب في مكان مرتفع يراه الجميع وكثير من أهل المدينة وخارجها يرونه.
رابعا: لأن الموت صلبًا، كان يعتبر لعنة في العهد القديم، في ناموس موسى (تث21: 22-23) "لأنه مكتوب ملعون كل مَنْ عُلِّقَ على خشبة" (غل 3: 13) فالسيد المسيح بصلبه "افتدانا من لعنه الناموس" باحتماله لها بدلًا منا ولأن موت الصليب موت وعار، لذلك قيل عنه "وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (في 2: 8) لقد ناب في الصلب والموت والعار واللعنة وليس في هذا كله فقط عندما صام، صام عنا وما كان محتاجًا مثلنا إلى الصوم وحينما دخل في معمودية التوبة، إنما دخلها نيابة عنا لأنه ما كان محتاجًا إلى المعمودية، ولا إلى توبة وكذلك في طاعته لكل وصايا الناموس "لكي يكمل بر" (مت3: 15)، إنما خضع للناموس نيابة عنا حيث قدم لله الآب صورة عملية للإنسان الكامل، في وقت لم يوجد فيه الكمال على الأرض. إذ الجميع ضلوا وزاغوا، وأعوزهم مجد الله قدم له ناسوتًا كاملًا بلا خطية يفعل في كل حين ما يرضيه (يو8: 29) لقد صلب المسيح عنا ولكن لماذا قيل قانون الإيمان صلب عنا بيلاطس البنطي إنها حادثة تاريخية، أراد قانون الإيمان أن يثبت زمنها أيضًا من الناحية التاريخية بالضبط، في عهد أي وال من ولاة الرومان وذكر أيضًا إنه "صلب عنا وتألم".
تألم
أهمية إثبات الألم هام جدًا، فلماذا؟
لئلا يظن البعض أن اتحاد اللاهوت بالناسوت في السيد المسيح قد حمي الناسوت من الألم!!
وهنا تكون مسألة الصلب شكلية بحتة! ولا يكون المسيح قد دفع ثمن الخطية للعدل الإلهي حاشا!! إن آلام الصلب حقيقة ثابتة وعنها تنبأ إشعياء النبي فقال "رجل أوجاع ومختبر الحزن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابًا ومضروبًا من الله ومذلولًا وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا أما الرب فَسُرَّ أن يسحقه بالحزن، أن جعل نفسه ذبيحة إثم" (أش 53: 3-10) ومن شدة ألمه على الصليب، قال "إلهي إلهي لماذا تركتني" (مر 15: 34) ومن شدة ما نزل منه عرق ومن دم، قال "أنا عطشان" (يو 19: 28) لقد تألم السيد المسيح آلامًا حقيقة مبرحة وقد تركه الآب للألم، وسر أن يسحقه بالحزن وعبارة "لماذا تركتني" لا تعني انفصاله عنه، حاشا إنما تعني تركه للألم، دون أن يمنع الألم عنه لذلك تحتفل الكنيسة سنويا بأسبوع الآلام وتصوم كل يوم جمعة تذكارا لألم المسيح إن السيد المسيح لم يستخدم لاهوته أبدًا من أجل راحة ناسوته ليس ذلك في وقت الصلب بل طوال فترة تجسده على الأرض حينما هرب من سيف هيرودس إلى مصر كان يستطيع بقوة لاهوته أن يضرب هيرودس ضربة لا قيام بعدها، لكنه لم يفعل، ولم يستخدم لاهوته وفي صومه على الجبل، كان بإمكان لاهوته أن يحمي جسده من الجوع ولكنه لم يفعل، بل قيل عنه أنه "جاع أخيرًا" (مت 4: 2) هكذا احتمل الجوع، ولم يستخدم لاهوته لراحة جسده وأيضًا لم يحول الحجارة إلى خبز حسب اقتراح الشيطان!!
وطوال فتره تجسده على الأرض، كان يجوع ويعطش، ويتعب ويتألم ولم يستخدم لاهوته لمنع شيء من هذا عن نفسه وفي أثناء حمله للصليب إلى الجلجثة (يو 19: 17)، من فرط التعب وقع وحمله عنه سمعان القيراوني (مر 15: 21) وكان يمكنه بقوة لاهوته أن يحمل الصليب بدون القيراوني! كذلك لم يستخدم لاهوته في منع أو إيقاف كل الذين أهانوه ولطموه (مت 27: 29-31) وهو نفسه تنبأ -قبل الصلب- عن هذه الآلام فقال لتلاميذه "إنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة وفي اليوم الثالث يقوم" (مت 16: 21) "وابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرًا، ويُرْفَض من الشيوخ ورؤساء الكهنة ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم" (مر 8: 31) "وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيرا ويرذل" ( مر 9: 12) (لو 9: 22) وكررها مرة أخرى فقال كذلك أيضًا يكون ابن الإنسان في يومه ولكن ينبغي أولًا أن يتألم كثيرًا، ويرفض من هذا الجيل" (لو17: 25) كذلك بعد القيامة، ذكر أن آلامه قد تحدث عنها الأنبياء من قبل، فوبخ تلميذيّ عمواس قائلًا لهما "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء أما كان ينبغي أن المسيح يتألم ويدخل إلى مجده" (لو 24: 25-26) وقال لتلاميذه أيضًا "هكذا مكتوب، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" (لو 24: 46) آلام المسيح كانت ترمز إليها الذبائح في العهد القديم خروف الفصح مثلًا، كان يرمز إلى السيد المسيح، إذ قيل "لأن فصحنا أيضًا، المسيح قد ذبح لأجلنا" (1كو 5: 7) هذا الفصح قيل عنه إنه قيل عنه أنه يكون "مشويًا بالنار" (خر 12: 8) وهذا الشيء رمز للآلام والمحرقة التي كانت ترمز للمسيح في وفاء العدل الإلهي، وأنها رائحة سرور للرب (لا 1: 9) قيل في شريعتها "تكون على الموقدة فوق المذبح كل الليل حتى الصباح والنار على المذبح تتقد عليه لا تطفأ نار دائمة على المذبح، لا تطفأ" (لا 6: 9 - 12) كل هذه النيران رمز للعدل الإلهي الذي يأخذ حقه من المحرقة، حتى تتحول إلى رماد (لا 6: 10) أي آلام أكثر من هذه في تحقيق الرمز! ومما يعبر عن آلامه في الصلب، ما قيل عنه في المزمور "ثقبوا يدي وقدمي، وأحصوا كل عظامي" (مز 22: 16) كل هذا المزمور عن آلام الصلب التي وجهت إلى الجسد والنفس يقول "صار قلبي كالشمع ذاب في وسط أمعائي يبست مثل شقفة قوتي، ولصق لساني بحنكي.." (مز 22: 14 ، 15).
وقُبِرَ
أي وضع في قبر هذا هو الذي حدث بعد أن كفنه يوسف الرامي ونيقوديموس "فأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا وكان في الموضع الذي صلب، فيه بستان وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط فهناك وضعا جسده"(يو 19: 40-42) ونساء كثيرات نظرن القبر وكيف وضع جسده" (لو 23: 55) والقبر الذي دُفِنَ فيه السيد، كان منحوتًا في صخرة ولما وضعه فيه يوسف، "دحرج حجرًا على باب القبر" (مر 15: 46) "وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسي، تنظران أين يوضَع" (مر 15: 47) إلى هذا القبر أتى رؤساء الكهنة والفريسيون -بالاتفاق مع بيلاطس- ومضوا إلى القبر وضبطوه بالحراس، وختموا الحجر وذلك لخوفهم من أن يأتي التلاميذ ليلًا ويسرقوا الجسد، ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات" (مت 27: 62-66) وملخص الموضوع أن يوسف الرامي ونيقوديموس كفنا جسد المسيح، ووضعوه في قبر جديد منحوت في صخرة، ودحرجا حجرًا على فم القبر، ونسوة كثيرات رأين ذلك ثم أن رؤساء الكهنة والفريسيين ضبطوا القبر بالحراس، وختموا الحجر الذي على فم القبر وكل ذلك ساعد إثبات القيامة لأنه كيف يستطيع التلاميذ أن يسرقوا الجسد، مع وجود الحراس، ووجد الحجر الذي يسد باب القبر، والحجر عليه الختم يُضَاف إلى هذا أن السبت قد حل مساؤه (مر 15: 42) واستراح الناس حسب الوصية (لو 23: 56) وعلى الرغم من كل ذلك قام السيد المسيح وكان القبر الفارغ دليل قيامته.
وقام من الأموات
"وقام من الأموات في اليوم الثالث، كما في الكتب" أن قيامة المسيح تختلف عن كل شخص أخر عاد إلى الحياة في الأمور الآتية:
1 - إن السيد المسيح قد قام بذاته، ولم يقمه أحد.
هناك ثلاثة عادوا إلى الحياة في العهد القديم: ابن أرملة صرفة صيدا، أقامه إيليا النبي (1مل 17: 22)، وابن المرأة الشونمية، أقامه أليشع النبي (2مل 4: 25) وثالث مات فطرحوه في قبر أليشع عاش وقام (2مل 13: 21) وهناك ثلاثة أقامهم السيد المسيح ابن أرملة نايين (لو7: 15) وابنة يا يرس (لو 8: 55) ولعازر (يو11: 43-44) وقد أقام بولس الرسول الشاب أفتيخوس (أع 20: 10) وأقام بطرس تلميذة أسمها طابيثا (أع9: 40) كل هؤلاء أقامهم غيرهم أما السيد المسيح فهو الوحيد الذي قام بقوة لاهوته. هو قام، أما أولئك فأقيموا..
2 - هو الوحيد الذي قام بحسد ممجد:
والقديس بولس الرسول عندما تحدث عن أجسادنا في القيامة العامة، قال "ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 20-21) هذا الجسد الممجد الذي للسيد المسيح، استطاع -في القيامة- أن يخرج من القبر وهو مغلق وعلى بابه حجر كبير واستطاع أن يدخل على التلاميذ في العلية، وكانت الأبواب مغلقة (يو 20: 19) واستطاع بهذا الجسد الممجد أن يصعد إلى السماء وأخذته سحابه والتلاميذ ينظرون (أع 1: 9-10) أما إن كان قد أكل مع التلاميذ بعد القيامة، أو أراهم جروحه، فذلك لكي يثبت لهم قيامته، لأنهم ظنوه روحًا (لو 24: 37- 43).
3 - السيد المسيح هو الوحيد الذي قام قيامة لا موت بعدها.
كل الذين أقيموا من قبل، عادوا فماتوا ثانيه وينتظرون القيامة العامة سواء الذين أقيموا في العهد القديم، أو الذين أقامهم الرسل أما السيد المسيح، فقد قام واستمر حيا، وهو حي إلى أبد الآبدين لذلك ليس عجيبا أن يقسم البعض باسم المسيح الحي، أو أن يصلوا إلى المسيح الحي وهكذا أطلق عليه القديس بولس لقب (باكورة الراقدين) (1 كو 15: 20) فهو البكر في القيامة من الأموات، أي أول شخص قام قيامة أبدية لا موت بعدها وهو نفسه قال للقديس يوحنا في سفر الرؤيا "أنا هو الأول والآخر. والحي وكنت ميتًا، وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين" (رؤ1: 17-18) كانت قيامة المسيح أمرًا هامًا جدًا بشَّر به الرسل، وانزعج اليهود جدًا لذلك يقول سفر أعمال الرسل "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع4: 23). وانزعج رؤساء اليهود لهذا الأمر،
لأن المناداة بقيامة المسيح تثبت لاهوته وبره، وتدل على أن اليهود صلبوه ظلمًا، وأنهم مطالبون بدمه لذلك استدعوا الرسل وقالوا لهم "أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع5: 27-28) وكان التوبيخ الذي سمعه اليهود من الرسل "أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه" (أع 3: 14-15).
4- وكانت قيامة المسيح تدل على قوته وانتصاره وبشرى لنا بأنه سيقيمنا معه.
فهو الوحيد الذي انتصر على الموت بقيامته، وداس الموت بقوته وأعطانا الوعد أيضًا بالقيامة "فكما أنه في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع "فإنه إذا الموت بإنسان، فبإنسان أيضًا قيامة الأموات"، "المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه" ( 1كو 15: 21-23) هذا الرجاء في قيامة الأموات، سببه قيامة المسيح وفي هذا يقول القديس بولس الرسول "إن لم تكن قيامة الأموات فلا يكون المسيح قد قام وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلةٌ كرازتنا، وباطل أيضًا إيمانكم ونوجد نحن أيضًا شهود زور وإن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين" (1كو 15: 13- 20) ولو كان المسيح لم يقم، لأصبح مثل أي إنسان عادي ويكون قد أنتصر عليه أعداؤه، وأنتصر عليه الموت أيضًا!!
ولكنه قام "لأن فيه كانت الحياة" (يو 1: 4) ولأنه "رئيس الحياة" (اع 3: 15) لأنه هو القيامة والحياة (يو 11: 25) كما قال لمرثا أخت لعازر قبل أن يقيمه قيامة السيد المسيح كانت أمرًا بشر به تلاميذه قبل صلبه قال لهم انه "ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم" (مت 16: 21) (مر 8: 31) وكرر نفس هذا الكلام في (لو 9: 22) وبعد قيامته أخبرهم أن هذا الأمر وارد في أقوال الأنبياء قال لهم "هكذا مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" (لو 24: 46) وكذلك فإن النسوة اللائي أتين إلى القبر حاملات حنوطًا، قال لهن الملاك "لماذا تطلبن الحي بين الأموات. ليس هو ههنا ، لكنه قام اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلًا إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة، ويصلب، وفي اليوم الثالث يقوم، فتذكرن كلامه" (لو 24: 5-7) وكانت قيامة الرب في اليوم الثالث تطابق الرمز في سفر يونان وهكذا عندما طلب اليهود منه آية، بعد آيات كثيرة صنعها، قال لهم موبخًا "جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطي له آية إلا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال" (مت 12: 39-40) مشيرًا بهذا إلى موته، وقيامته في اليوم الثالث يقوم في اليوم الثالث كما في الكتب، أي كما وردت أخبار هذه القيامة في الكتب المقدسة، وقد كان تسجيلها في الكتب المقدسة دليلًا على أهميتها، وكذلك تبشير الرسل بها.
وصعد إلى السموات
المقصود طبعًا أنه صعد بالجسد ذلك لأن اللاهوت لا يصعد ولا ينزل اللاهوت موجود فوق وتحت، وما بين الفوق والتحت موجود في السماء وعلى الأرض وما بينهما لذلك فهو لا يصعد ولا ينزل، لأنه مالئ الكل، وهو في كل مكان إنما السيد المسيح صعد إلى السماء جسديًا، حسبما نقول له في القداس الغريغوري "وعند صعودك إلى السماء جسديًا" لقد رآه التلاميذ صاعدًا بالجسد إلى فوق "ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابه عن أعينهم" (أع 1: 9) وطبعًا رأوه صاعدًا بالجسد، لأنهم لا يمكن أن يروا اللاهوت وكان صعود السيد إلى السماء بالجسد الروحاني الممجد هذا الجسد الروحاني الذي سنقوم به أيضًا حسبما قال الرسول في رسالته إلى أهل كورنثوس عن قيامة جسدنا "يزرع جسمًا حيوانيًا ويقام جسمًا روحانيًا كما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو 15: 44، 49) وهذا الجسد الروحاني السماوي الذي سنقوم به، هو على شبه جسد الرب يسوع في قيامته، "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 21) وكما قلت من قبل أن معجزة الصعود ليست تحديًا للجاذبية الأرضية بل هي معجزة الجسد الروحاني الممجد، الذي لا يدخل في نطاق الجاذبية الأرضية إنما يخضع للجاذبية الأرضية الجسد المادي أما صعود الرب إلى السماء، فكان بجسد روحاني سماوي ممجد، لا علاقة له بجاذبية الأرض إذن فلم يكن هناك أي تحد لجاذبية الأرض وهكذا نحن في القيامة العامة، حينما "نخطف جميعًا في السحب لملاقاة الرب في الهواء، ونكون كل حين مع الرب" (1 تس 4: 17)، سوف لا يكون اختطافنا في السحب تحديًا للجاذبية الأرضية لا تكون ملاقتنا للرب في الهواء تحديًا للجاذبية الأرضية. لأن الأجسام الروحانية السماوية التي نقوم بها، لا تدخل في نطاق هذه الجاذبية ولا سلطان للجاذبية الأرضية عليها كم بالأكثر صعود السيد المسيح بعد قيامته وعبارة صعد إلى السماوات تعني سماء السموات سماء السموات هذه التي لم يصعد إليها أحد من قبل لا إيليا ولا أخنوخ ولا أحد آخر كما قال الرب لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء (يو 3: 13) عبارة (سماء السموات) وردت في صلاة سليمان يوم تدشين الهيكل، حينما قال للرب "هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت" (1مل 8: 27) وردت أيضًا من قبل ذلك في سفر المزامير، إذ يقول المرتل "سبحوا الرب من السموات، سبحوه في الأعالي سبحيه يا سماء السموات " (مز 148: 1، 4) سماء السموات هي أعلى علو أي لو اعتبرت كل السموات كأنها أرض، لكانت هذه سماءها هي الخاصة بعرش الله ومجده (مت 5: 34).
وجلس عن يمين أبيه
جلوس المسيح عن يمين الآب وارد في مواضع عديدة من العهد الجديد، مع نبوءة في المزاميرقيل في (مر 16: 19) "ثم أن الرب بعدما كلمهم، ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله" وفي (عب 8: 1) "وأما رأس الكلام فهو أنه لنا رئيس كهنة مثل هذا، قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات" وقيل عنه في نفس الرسالة أيضًا "بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي صائرًا أعظم من الملائكة" (عب 1: 3) وأيضًا من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله" (عب 12: 2) وكان هذا أيضًا ضمن كلام الرب أمام مجمع السنهدريم إذ قال لهم "من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة وآتيًا على سحاب السماء" (مت 26: 64) وهذا ما رآه القديس اسطفانوس في وقت استشهاده."إذ شخص إلى السماء -وهو ممتلئ من الروح القدس- فرأي مجد الله ويسوع قائمًا عن يمين الله" (أع 7: 55) "فقال هأنذا أنظر السموات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع 7: 56) وورد في سفر المزامير "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موضعًا لقدميك" (مز 110: 1).
ما معني عبارة "جلس عن يمين أبيه"؟
أولًا نقول أن الله ليس فيه يمين ولا شمال لأن الكائن المحدود هو الذي له يمين يحده من ناحية وله شمال يحده من ناحية أخرى أما الله فغير محدود، لا نقول إن له يمينًا أو شمالًا كذلك لا يوجد فراغ عن يمينه لكي يجلس فيه كائن أخر وأيضًا لو جلس الابن عن يمينه بهذا المعنى المكاني، فلا يمكن حينئذ أن ينطبق قوله "أنا في الآب والآب في" (يو 14: 11)، بل يكون هناك مجرد خط تلامس كأي جالسين إلى جوار بعضهما البعض إذن ما معني كلمة يمين؟
كلمة يمين -في الاصطلاح الكتابي- تعني أحيانًا القوة أو البر أو الكرامة كما يقول المرتل في المزمور "يمين الرب صنعت قوة، يمين الرب رفعتني يمين الرب صنعت قوة، فلن أموت بعد بل أحيا" (مز 118: 15- 17) وأيضًا "يمينك يا رب تحطم العدو" (خر 15: 6) كما في تسبحة موسى، أي قوتك وأيضًا "خلص بيمينك" (مز 60: 5) (مز 108: 6) في مباركة أبني يوسف (أفرايم ومنسى)، كان وضع اليد اليمني يعني كرامة أفضل ( تك 48: 17- 19) ونفس معني الكرامة يقصده المزمور "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك" (مز 45: 9) وبالرمز يعني الكرامة المعطاة للقديسة العذراء وبنفس المعنى قول المزمور "الرب عن يمينك يحطم في يوم رجزه ملوكًا" (مز 110: 5) نلاحظ في يوم الدينونة، جعل الرب الأبرار عن يمينه، والأشرار عن يساره وهنا يرمز اليمين إلى البر وإلى الكرامة، ونحن بنفس المعنى نسمي اللص الذي أخذ وعدًا بالفردوس وهو على الصليب (اللص اليمين) من هنا كان جميلًا أن الملاك الذي بشر زكريا الكاهن بميلاد يوحنا، ظهر له واقفًا عن يمين مذبح البخور (لو 1: 11) إذن عبارة (عن يمين الله) تعني في قوته وبره وكرامته أو مجده وعبارة (جلس) تعني استقر أي أن السيد المسيح عندما صعد إلى السماء، استقر في القوة والمجد والكرامة كما استقر في البدء، بمعنى أن هذا الذي اتهموه ظلمًا وحسدًا، قائلين عنه هذا المضل (مت 27: 62) كاسر السبت (يو 9: 16) الذي ببعلزبول يخرج الشياطين (مت 12: 42) الذي أهانوه قائلين "ألسنا نقول حسنًا أنك سامري وبك شيطان!" (يو 8: 48) كل هذه الاتهامات والإهانات وأمثالها زالت بصعوده إلى السماء، بجلوسه عن يمين الآب عبارة "جلس عن يمين أبيه عن يمين أبيه" تعني انتهاء فترة إخلائه لذاته يقول الكتاب إنه أخلى ذاته، وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان" (في 2: 7) وبهذا الإخلاء احتمل ضعف الطبيعة البشرية، فكان يجوع ويعطش ويتعب وينام كل هذا انتهي بجلوسه في قوته عن يمين الآب الضعف الذي به قبضوا عليه وأهانوه وجلده وصلبوه، وكل هذا انتهي وهكذا في مجيئه الثاني سيأتي في قوة ومجد. وهنا يقول قانون الإيمان.
وأيضًا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات
يأتي في مجد طبيعته الإلهية، وليس في مجد جديد يمنح له. بل في المجد الذي كان له قبل كون العالم (يو 17: 5) المجد الذي أخلى ذاته منه حينما تجسد كإنسان وولد في مزود ثم عاد فأسترده حينما صعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب لذلك قال " ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد الآب والملائكة القديسين" (لو 9: 26) عجيبة جدًا عبارة "يأتي في مجد الآب" إنها مكررة أيضًا في قوله "إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد بحسب عمله" (مت 16: 27) يقول (في مجد أبيه) لأن مجد أبيه هو مجده، ومجده هو مجد أبيه لأنهما واحد في مجد اللاهوت وواضح هنا أن مجيئه الثاني هو مجيء للدينونة "يأتي ليجازي كل واحد بحسب عمله". وهذا ما يقوله أيضًا في (مت 25): يقول "ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره " (مت 25: 31- 46) وتبدأ الدينونة ومجيئه للدينونة واضح في أخر إصحاح من سفر الرؤيا، إذ يقول "ها أنا أتي سريعًا وأجرتي معي، لأجازي كل واحد كما يكون عمله" (رؤ 22: 12) ومجيئه هذا للدينونة سيكون في انقضاء العالم كما يقول في مثل الزارع عن الحصاد "الحصاد هو انقضاء العالم، والحصادون هم الملائكة فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار هكذا يكون في انقضاء العالم يرسل ابن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ويطرحونهم في أتون النار حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (مت 13: 39- 43) وفي مجيئه للدينونة، يكون القيامة العامة "يسمع جميع من في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو 5: 28-29) إذن مجيء المسيح الثاني، تصحبه القيامة العامة والدينونة، وانقضاء العالم وفي الدينونة يدين الأحياء والأموات أي الذين كانوا أحياء على الأرض أثناء مجيئه والذين كانوا أمواتًا فقاموا من الموت، سواء الذين فعلوا الصالحات أو الذين عملوا السيئات وعن الدينونة يقول الرسول أيضًا "لأنه لا بُد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2كو 5: 10) وبالدينونة يدخل المسيح في ملكوته الأبدي وهنا يقول قانون الإيمان الذي ليس لمُلكه انقضاء.
الذي ليس لمُلكه انقضاء
وفي ذلك تقول نبوءة دانيال النبي "سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 14) وعن هذا الملكوت الذي ليس له انقضاء، قال الملاك جبرائيل حينما بشر القديسة العذراء بميلاده "يملك على بيت يعقوب إلى الأبد. ولا يكون لملكه نهاية" (لو 1: 33) ملكوته روحي، وليس ملكوتًا أرضيًا محددًا بزمن!!
إنه الملكوت الذي اشتهاه اللص اليمين قائلًا "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو 23: 42) ولأن ذلك الملكوت كان بعيدًا لا بُد أن تمضي أجيال حتى يجيء لذلك قال له الرب "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43) لأن الفردوس هو عربون الملكوت الذي يدخل الفردوس سيدخل الملكوت بهذا ينتهي ما يخص الابن في قانون الإيمان. وبعده الجزء الخاص بالروح القدس.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
27 أغسطس 2025
مولود غير مخلوق
السيد المسيح -كما قال القديس أوغسطينوس- له ميلادان: ميلاد أزلي من أب بغير أم، قبل كل الدهور. وميلاد آخر في ملء الزمان من أم بغير أب هو مولود من الآب، غير مخلوق، إذ أن له ميلاد أزليًا "لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة" (عب7: 3). ومادامت ليست له بداية أيام، إذن هو غير مخلوق. لأن كل مخلوق له بداية، وهي يوم خلقه هنا قانون الإيمان يُعطي التعليم السليم، الذي هو ضد تعليم الأريوسيين.
إنه مولود من الآب كما يولد الفكر من العقل، وكما يولد الشعاع من الشمس.. لذلك قيل بعد ذلك في قانون الإيمان: مساوٍ للآب في الجوهر.
مساوٍ للآب في الجوهر
إنه رد على الأريوسية التي لم تفهم معني قول الرب "أبي أعظم مني" (يو 14: 28). فالآب ليس أعظم من الابن في الجوهر، لأن الابن له نفس طبيعة الآب، ونفس جوهره ونفس لاهوته: فهو مساو له في كل شيء. ولكن عبارة "أبي أعظم مني" قيلت عن حاله إخلاء الذات في التجسد. كما قيل إنه "إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلَى نفسه آخِذًا صورة عبد، صائرا في شبه الناس. وإذا وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في2: 6-8) حاله الإخلاء هذه هي التي قيل عنها "أبي أعظم مني"، أي من صورة العبد التي أخذتها، مع بقاء جوهر اللاهوت كما هو أعظم من صورة الآلام والصليب. في كل ما تحمله الابن في تجسده من إهانات. أما جوهر اللاهوت المتحد بهذا الناسوت، فهو كما هو، لم ينقصه تواضع الناسوت شيئًا وهكذا استطاع في ناسوته أن يقول ويعمل ما يناسب لاهوته الذي يتساوَى فيه مع الآب فقد قال "أنا والآب واحد" (يو 10: 30) "من رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9) "أنا في الأب والآب فيَّ" (يو 14: 10). وقال "لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (يو 5: 23) كما أنه في تجسده قال للمفلوج "مغفورة لك خطاياك" (مر2: 5، 10). وقال نفس العبارة للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها (لو 7: 48). وفي تجسده مشى على الماء (مت 14: 25)، وانتهر الريح والأمواج فسكنت وهدأت (مر 4: 29). وفي تجسده خلق مادة جديدة في معجزة الخمس خبزات والسمكتين (مت 14: 17)، وفي تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل (يو2). وفي منح البصر للمولود أعمى (يو 9) وعمل أعمالًا كثيرة تدل على لاهوته.. كذلك قيامته والقبر مغلق، ودخوله العلية وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ (يو 20: 19). وصعوده إلى السماء.
الذي به كان كل شيء
هنا يتحدث قانون الإيمان عن الابن كخالق، خلق كل شيء كما ورد في إنجيل يوحنا "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3) وأيضًا كما ورد في الرسالة إلى كولوسي "الكل به وله قد خلق" (كو 1: 16) وهنا نسأل من خلق العالم؟ أهو الآب أم الابن؟ ونجيب الآب خلق كل شيء بالابن "فإنه فيه خلق الكل ما في السموات، وما على الأرض ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين" (كو 1: 16) هو عقل الله الناطق. والله خلق كل شيء بعقله ونطقه وهو "قوة الله وحكمة الله" (1 كو 1: 24). والله خلق كل شيء بقوته وحكمته.
هذا الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا
إن الابن كانت له أعمال كثيرة إلى جوار الغرض الأساسي من التجسد، أعني الفداء فهو قد أعاد إلى الإنسان الصورة المثالية التي خلق عليها كان الإنسان قد خلق على صورة الله ومثاله (تك 1: 26-27) ولكنه بخطيئته فقد هذه الصورة الإلهية. فأتَى السيد المسيح ليعيد هذه الصورة الإلهية مرة أخرى بحياته المثالية في كل شيء كذلك جاء يقدم للناس التعليم السليم، ويصحح المفاهيم الخاطئة التي انتشرت نتيجة لتفسير القادة الجهال، الذين أغلقوا ملكوت الله أمام الناس. فلا هم دخلوا، ولا تركوا الداخلين يدخلون (مت 23). لذلك تكررت في عظته على الجبل عبارة: "سمعتم أنه قيل للقدماء.. أما أنا فأقول لكم.." (مت 5). وهكذا كانوا يسمونه (المعلم الصالح) كذلك جاء يعطي الناس فكرة سليمة عن الله من حيث هو الآب السماوي الذي يحبهم وجاء يؤدي رسالة نحو المساكين المحتاجين، كما قيل عنه في نبوة أشعياء النبي ".. مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ" (أش 61: 1). وهكذا قدم للعالم صورة الراعي الصالح، كما جاءت في سفر حزقيال النبي (حز 34: 15-16) "أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ" ومع هذا كله، كان العمل الأساسي للسيد الرب في تجسده، هو الخلاص والفداء فنزل من السماء من أجلنا ومن أجل خلاصنا. لو أنه لم يعمل شيئًا سوى الفداء والخلاص، لكان هذا يكفي ولكن من الناحية العملية كان لا بُد أن يؤدي المسيح رسالة قبل أن يقوم بعمل الفداء لكي يعرفه الناس. ولأنه لا يمكن أن يبقي بلا عمل. وهكذا أدى رسالة كمعلم وكراعي للخراف الضالة، وكصورة مثلي أمام الناس، وكقلب مملوء بالحب من أجل خلاصنا نزل من السماء.
نزل من السماء
وهذا يعني أن موطنه الأصلي هو السماء كما قيل "من عند الآب خرجت، وأتيت إلى العالم. وأيضًا أترك العالم، وأذهب إلى الآب" (يو 16: 28). وقال أيضًا.. "فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا إلى السماء إلى حيث كان أولًا" (يو 6: 62). إذن هو كان أولا في السماء ونزل منها. ولذلك قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء: ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13) سكناه في السماء أولًا، دليل على لاهوتهفهو -كما يقول القديسون- ليس إنسانًا صار إلها بل هو إله صار كإنسان أخلى ذاته وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان.. وفعل ذلك لأجل خلاصنا لأجل الخلاص كان لا بُد أن يموت الإنسان المحكوم عليه بالموت منذ أكل من الشجرة. فمات المسيح ليفدى الإنسان. عبارة (نزل من السماء) لا تعني تركه للسماء فهو نزل من السماء إلى الأرض، واستمر باقيًا في السماء، لأنه موجود في كل مكان، ولا يخلو منه مكان ولذلك قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13). فهو نزل من السماء، وهو في السماء عبارة "نزل من السماء" تعني إخلاءه لذاته من ناحية (في 2: 7)، وظهوره لنا من ناحية أخرى نزل، أي تنازل "أخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان، ووضع ذاته حتى الموت موت الصليب" (في 2: 7-9). وعبارة (نزل من السماء) تعني لنا، بصورة مرئية، في الجسد. كما قال الرسول "عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد.." (1 تي 3: 16). وهكذا غير المرئي صار مرئيًا.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
20 أغسطس 2025
نؤمن برب واحد
ويبدأ بعد ذلك الكلام عن الابن وأول ذلك نؤمن برب واحد يسوع المسيح كلمه رب معناها سيد، ومعناها إله، مثلما نقول في صلواتنا يا رب بمعنى "يا الله"وقد استخدمت كلمه رب في قانون الإيمان بمعنى إله والسيد المسيح أطلقت عليه كلمه (رب)، في الإنجيل المقدس بتعبير يدل على لاهوته مثال ذلك قوله عن يوم الدينونة الرهيب: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟! فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت7: 22-23) واستخدم نفس اللقب (يا رب) في الدينونة واضح في (مت25: 37، 44). قيل له ذلك وهو جالس على كرسي مجده ليدين (مت25: 31) كذلك قال له القديس اسطفانوس في وقت استشهاده أيها الرب يسوع اقبل روحي (أع7: 59). وكذلك استخدم لقب (رب) في مجال الخلق تعبيرًا عن لاهوته. فقال الرسول "ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به" (1كو 8: 6). وقيل أيضًا إنه "رب السبت" (مت 12: 8) وقيل أيضًا أنه "رب المجد" (1كو 2: 8) واستخدم لقب (رب) بالنسبة إلى السيد المسيح في مجالات المعجزة ومن أجمل ما يقال في هذا المجال أن ربنا يسوع المسيح لم يلقب بكلمة رب فقط، إنما أيضًا رب الأرباب (رؤ 19: 16) وتكرر ذلك أيضًا في (رؤ17: 4) "رب الأرباب وملك الملوك" وهذا اللقب خاص بالله وحده كما قيل في سفر التثنية "لأن الرب إلهكم، هو إله الآلهة، ورب الأرباب، الإله العظيم الجبار المهوب" (تث10: 17) ولئلا يظن البعض أن استخدام كلمة (رب) بدلا من كلمة (إله) هو أن السيد المسيح أقل من الآب!! نرد قائلين:
1- قانون الإيمان ذكر اللقبين بالنسبة إلى السيد المسيح رب وإله فكما قيل "نؤمن برب واحد يسوع المسيح" قيل بعدها "إله حق من إله حق" وهذا يذكرنا بقول القديس توما له بعد القيامة "ربي وإلهي" (يو 20: 28).
2- كما أن كلمة (رب) أطلقت على كل من الأقانيم الثلاثة كما أطلقت على الابن أطلقت أيضًا على الآب وعلى الروح القدس فعن الآب قيل "فدخل الملك داود وجلس أمام الرب وقال يا رب من أجل عبدك داود وحسب قلبك فعلت كل هذه العظائم يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك" (1 أي 17: 16، 19، 20) وقيل عن شاول الملك "وذهب روح الرب من عند شاول وبغتهُ روح رديء من قبل الرب" (1صم 16: 4) أنظر أيضًا (أش 61: 1) وفي قانون الإيمان قيل أيضًا عن الروح القدس "الرب المحيي" إن كل واحد من الأقانيم الثلاثة رب وإله.
3- عبارة "نؤمن بإله واحد الله الآب" يمكن أن تفهم بأننا نؤمن بإله واحد، الذي هو الثالوث القدوس ثم بعد ذلك يدخل قانون الإيمان في تفاصيل الثالوث فيقول الله الآب، ثم بعد ذلك رب واحد يسوع المسيح
نؤمن برب واحد يسوع المسيح كلمه يسوع معناها مخلص وقد قيل في البشارة بميلاده "وتدعو أسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت 1: 21) أما كلمه المسيح فتعني رسالته باعتباره ملكًا وكاهنًا ونبيًّا وقد ورد عنه في نبوءة أشعياء "روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلوب لأنادى للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق" (أش 61: 1) وكلمة (مسيح) كانت تُطْلَق على كل من يُمْسَح بالزيت المقدس بواسطة الأنبياء سواءً كان كاهنًا أو ملكًا أو نبيًا
فهارون رئيس الكهنة مسح كاهنا بواسطة موسى النبي حسب أمر الرب له "وتلبس هرون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة، وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي" (خر 40: 13-14) وهكذا فعل موسى "صب من دهن المسحة على رأس هرون ومسحه لتقديسه" (لا8: 12) وكان الملوك أيضًا يمسحون بدهن المسحة كما مسح صموئيل شاول ملكا، فحل عليه روح الرب" (1صم 10: 1، 10) وكما مسح أيضًا داود ملكًا، فحل عليه روح الرب كذلك (1 صم 16: 13 ) ومن أمثله مسح الأنبياء أمر الرب لإيليا النبي "وامسح أليشع نبيًّا عوضًا عنك" (1مل 19: 16) وكان كذلك وكل من هؤلاء الممسوحين كان يدعى مسيح الرب ولما اضطهد شاول الملك داود وأراد أن يقتله ثم وقع في يد داود وأشار أصحاب داود عليه أن يقتل شاول، امتنع عن ذلك وقال "حاشا لي من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب فأمد يدي إليه لأنه مسيح الرب هو" (1صم 24: 6) والسيد الرب لقب هؤلاء بكلمة (مسحائي) وهكذا قال الرب "لا تمسوا مسحائي، ولا تسيئوا إلى أنبيائي" (مز105: 15) أما ربنا يسوع المسيح، فلم يكن مجرد مسيح، أي أحد المُسَحَاء بل كان المسيح وكانوا يسمونه أيضًا (المسيا) وهكذا قالت المرأة السامرية "أنا أعلم أن المسيا الذي يقال له المسيح يأتي فمتي جاء ذاك يخبرنا بكل شيء ( فقال لها: أنا الذي أكلمك هو) (يو4: 25-26) ثم قالت المرأة لأهل السامرة "هلموا انظروا إنسان قال لي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح" (يو4: 29) ولما استمع إليه أهل السامرة قالوا "نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم" (يو4: 42) والسيد المسيح تميز عن كل أولئك المسحاء بأنه "مسح بزيت البهجة أفضل من رفقاءه" (عب 1: 9) وبأنه جمع الوظائف الثلاثة الخاصة بالمسحاء فكان ملكًا وكاهنًا ونبيًا في نفس الوقت كما أنه كان المسيح يسوع أي مخلص العالم اليهود كانوا ينتظرون المسيا (المسيح المخلص) وهكذا أراد القديس يوحنا الرسول بمعجزاته التي انفرد بها أن يثبت أن يسوع هو المسيح فقال في أواخر إنجيله "وآيات آخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو 20: 30-31) وطبعًا هذا المسيح الذي ينتظرونه هو الذي تتركز فيه كل نبوءات العهد القديم ورموزه نلاحظ أن السيد المسيح لم يلقب نفسه باسم يسوع المسيح، إلا في يوم خميس العهد، في حديثه الطويل مع الآب قبل ذهابه إلى بستان جثسيماني (يو 17: 3) أما الآباء الرسل، فقد كرروا هذا اللقب كثيرا في الحديث عنه فكانوا يقولون "يسوع المسيح ربنا" (رو1: 4) "نعمه ربنا يسوع المسيح تكون مع جميعكم" (2كو 13: 14) "يسوع المسيح له المجد إلى الأبد آمين" (رو16: 27 ) "بولس الرسول يسوع المسيح" (2كو 1: 1) والأمثلة كثيرة جدا، لا داعي لحصرها عجيب أن البعض لا يدعو السيد الرب إلا بكلمة (يسوع) ناسيا لاهوته وأمجاده كلها، وربوبيته، وأنه المسيح ولكن الرسل كرروا كثيرًا عبارة "ربنا يسوع المسيح" ونحن نقول في مقدمة قراءة الإنجيل في الكنيسة "ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا ربنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى الأبد، آمين لذلك نرجو إجلالا للرب أننا لا نستخدم مجرد كلمة يسوع نتابع قانون الإيمان إذ يقول نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد.
يسوع المسيح ابن الله الوحيد
عبارة (الوحيد) لتمييزه عن بنوتنا نحن لله. فهو الوحيد الذي هو ابن الله من نفس طبيعته وجوهره ولاهوته وقد وردت عبارة ابن الله الوحيد في الآيات الآتية (يو 1: 18) "الآب لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر" أي أعطَى خبرًا عنه أي عرفنا به، إذ يقول "مَنْ رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9) (يو 3: 16) "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد. لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 18) "الذي يؤمن به لا يدان. والذي لا يؤمن به قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (1 يو 4: 9) "بهذا أظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به (يو 1: 14) "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا. ورأينا مجده كما لوحيد من الأب مملوءًا نعمة وحقًا"، أي باعتباره وحيدًا للآب عبارة (ابن الله الوحيد) تميزه عن جميع البشر الذين دعوا أبناء الله، وهم ليسوا من طبيعته فنحن أبناء الله بمعنى المؤمنين به كما قيل في بدء إنجيل يوحنا "وأما كل الذين قبلوه، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه" (يو 1: 12) أو دعانا الله أبناء له، من فيض محبته لنا وهكذا يقول القديس يوحنا الرسول "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (1 يو 3: 1) أو أن بنوتنا لله هي نوع من التبني. كما قال القديس بولس الرسول "ولما جاء ملء الزمان، أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة، مولودا تحت الناموس، ليفتدى الذين تحت الناموس، لننال التبني" (غل4: 3، 5) أنظر أيضًا (رو8: 23) ولكننا لسنا أبناء من طبيعة الله ولسنا من جوهره الوحيد الذي هو من طبيعة الله ومن جوهره ومن لاهوته هو ربنا يسوع المسيح لذلك دعي أيضًا (الابن) مجرد كلمة (الابن) تعني ابن الله الوحيد وهكذا قيل في إنجيل يوحنا "الله يحب الابن، وقد دفع كل شي في يده الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن، لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 35-36) وقيل في نفس المعنى "لأن الأب لا يدين أحدًا بل قد أعطَى كل الدينونة للابن لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (يو 5: 22-23) وقيل أيضًا "كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضًا يحيي من يشاء" (يو 5: 2) وكلها -كما هو واضح- آيات تدل على لاهوت الابن يؤكد نفس المعنى بلاهوته (عن طريق عبارة الابن) قول الرب في حواره مع اليهود "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو 8: 36 ) وقيل أيضًا "من له الابن، فله الحياة ومن ليس له ابن الله، فليست له الحياة" (1 يو 5: 12) وهكذا قال الرب عن نفسه "كل شيء دفع إليَّ من أبي ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن، ومَنْ أراد الابن أن يعلن له" (لو 10: 22) وبهذا استخدمت عبارة (ابن الله) للدلالة على ربنا يسوع المسيح وحده كما ورد في (1 يو 5: 12). وكما ورد في سؤال السيد المسيح للمولود أعمي "أتؤمن بابن الله؟" فأجاب "مَنْ هو يا سيد لأؤمن به؟" فقال له "قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو" فقال الرجل "أؤمن يا سيد وسجد له" (يو 9: 35 -38) هذه إذن بنوة تستدعي الإيمان والسجود، وليست بنوة عادية كباقي المؤمنين إنها بنوة من جوهره، بنوة الابن الوحيد وكان الجميع يفهمون وصفه ابن الله بهذا المعنى ولذلك في معجزات الصلب، من حيث أن "حجاب الهيكل انشق، والأرض تزلزلت والصخور تشققت قيل" وأما قائد المئة والذين معه فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدًا وقالوا حقًا كان هذا ابن الله" (مت 27: 51 -54) وطبعًا ما كانوا يقصدون بنوة عامة كسائر البشر، إنما بنوة إلهية، تعني أيضًا ابن الله الوحيد وبسبب هذا طوب الرب اعتراف بطرس الرسول لما سأل الرب تلاميذه قائلًا "وأنتم من تقولون إني أنا؟" فأجاب سمعان بطرس وقال "أنت هو المسيح ابن الله الحي" فطوبه الرب قائلًا "طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحمًا ودمًا لم يُعْلَن لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني بيعتي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت 16: 13-18) أي على صخرة الإيمان بأنني ابن الله حتى الشيطان نفسه كان يعرف معني عبارة (ابن الله) وكان يدرك تمامًا أنها لا تدل مطلقًا على بنوة عامة كبنوة سائر المؤمنين، إنما هي بنوة فيها قوة المعجزات لذلك قال له في التجربة على الجبل "إن كنت ابن الله، فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا" (مت 4: 3) ونفس أعوان الشيطان من الأشرار كانوا يفهمون عبارة (ابن الله) بنفس هذا المعنى اللاهوتي المعجزي وهكذا قيل له أثناء صلبه "إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب" (مت 27: 40) ونفس هذه الحقيقة هي التي قصدها مجمع السنهدريم حيث أجتمع رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله في محاكمة الرب وقال له رئيس الكهنة "استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله" (مت 26: 59 -63) فلو يقصد بنوة لله بالمعنى العام، ما كان يستحلفه ليجيب ولما أجاب الرب بالإيجاب وقال له أنت قلت "حينئذ مزق رئيس الكهنة ثيابه قائلًا قد جَدَّف ما حاجتنا بعد إلى شهود" (مت 27: 65) إن الإيمان بأن السيد المسيح ابن الله، يعني ليس فقط أنه أن نتبع هذا الأمر بشيء من التبسيط فتقول إنه قال لليهود "قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن" (يو 8: 56) فهو لاهوتيًا كان قبل إبراهيم من جهة الزمن ومع إنه قد قيل عنه بالجسد إنه "ابن إبراهيم بن داود" الابن الوحيد، بل يحمل صفات أخرى إنها بنوة أزليه، لا ترتبط بزمن، وليس فيها فارق زمني، كما يحدث في البنوة البشرية ولا يعني ما يقوله شهود يهوه وأمثالهم من الأريوسيين إنها بنوة أخذها مكافأة على طاعته، أو أخذها فقط وقت العماد!!
كلا، بل هي بنوة طبيعية، كما يولد الشعاع من الشمس، وكما يولد النور من النار إنها لا ترتبط بزمن، بل كما نقول في قانون الإيمان (المولود من الآب قبل الدهور) هو ابن الله بمعنى أنه اللوجوس أي عقل الله الناطق، ونطق الله العاقل. وعقل الله هو موجود في الله - بطبيعة الله منذ الأزل وبولادة العقل الإلهي من الذات الإلهية، سمي الآب أبًا وهذه البنوة كانت قبل كل الدهور.
المولود من الآب قبل كل الدهور
سنحاول أن نتبع هذا الأمر بشيء من التبسيط فنقول إنه قال لليهود " قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن" (يو 8: 56) فهو لاهوتيًا كان قبل إبراهيم من جهة الزمن ومع أنه قد قيل عنه بالجسد إنه ابن إبراهيم بن داود"، إلا إنه قال "أنا أصل وذرية داود" (رؤ 22: 16) فهو أصله من جهة لاهوته وهو ذريته من جهة الناسوت إذن لاهوتيًّا كان قبله بل أنه قال للآب في مناجاته معه التي سجلت في (يو 17) "مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 5) وكونه كان قبل كون العالم، هو أمر طبيعي، لأن "العالم به كُوِّن" (يو 1: 10) بل إن "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3) وقال عنه بولس الرسول إن الآب "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي به أيضًا عمل العالمين" (عب 1: 2) فخالق العالمين (أي السماء والأرض)، لا بُد أنه كان قبل كل الدهور أي كان منذ الأزل وعن ذلك قال الرب في سفر ميخا النبي عن بيت لحم أفراته "منك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل (مي 5: 2) يخرج من بيت لحم في ميلاده الجسدي ولكنه مولود من الآب قبل كل الدهور، منذ أيام الأزل وهو الذي قال عنه دانيال النبي "تتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان أبدي، ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 14).
نور من نور
نور بالمعنى اللاهوتي، وليس بالمعنى المادي قال عن نفسه "أنا نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة" وطبعًا المقصود بالنور هنا تعبير غير مادي وقيل عن الله "أن الله نور" (1 يو 1: 5) وقيل أيضًا عن الآب "ملك الملوك ورب الأرباب ساكنًا في نور لا يُدني منه، الذي لم يره أحد من الناس.." (1 تي 6: 15-16) إذن الآب نور والابن المولود منه نور من نور ولعل البعض يسأل لقد قال الرب "أنتم نور العالم" (مت 5: 14)، كما قال عن نفسه "أنا نور العالم" (يو 8: 12) فما الفرق إذن في المعنى؟ الفرق يظهر كما في مثال الشمس والقمر وقيل عنهما في قصة الخليقة "فعمل الله النورين العظيمين النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل" (تك 1: 16) هما الشمس والقمر ولكن الشمس نور بذاتها والقمر ليس له نور في ذاته إنما هو ينير بانعكاس نور الشمس عليه هكذا السيد المسيح هو "النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان" (يو 1: 9) أما نحن فنصير نورًا بقدر ما نأخذ منه بنوره نعاين النور هو ينيرنا فننير وهكذا قيل عن يوحنا المعمدان "هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، ليؤمن الكل بواسطته لم يكن هو النور بل ليشهد للنور" (يو1: 7-8) ونحن -في صلاة باكر- نقول للرب "أيها النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان آتٍ إلى العالم"، ونقول أيضًا "أنر عقولنا وقلوبنا وأفهامنا يا سيد الكل" الرب بطبيعته "نور لا يُدني منه" ولكنه لما أخذ جسدا وحل بيننا، استطعنا أن نقترب إليه ماذا يقول عنه أيضًا قانون الإيمان؟ يقول إله حق من إله حق.
إله حق من إله حق
إله حق، أي له طبيعة الله بالحق وليس مثل الذين دعوا آلهة بمعنى سادة، وليسوا هم آلهة بالحقيقة مثل موسى النبي الذي قال له الله "جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) كلمة إله هنا لا تعني أنه خالق، أو أنه أزلي، أو أنه قادر على كل شيء!! كلا، بل إن موسى قال عن نفسه "لست أنا صاحب كلام، لا اليوم ولا أمس ولا أول من أمس أنا ثقيل الفم واللسان" (خر 4: 10) وقال "أنا أغلف الشفتين فكيف يسمع لي فرعون؟!" (خر 6: 30) فقال له الرب "جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) بمعنى سيدًا له ومتسلطا عليه وليس بمعنى أنه إله حقيقي وبنفس الوضع قال الرب لموسى الثقيل الفم واللسان إنه قد أعطاه هرون أخاه، ليكون له فما فقال له "تكلمه وتضع الكلمات في فمه وأنا أكون مع فمك ومع فمه هو يكلم الشعب عنك هو يكون لك فما وأنت تكون له إلها" (خر 4: 15-16) تكون له إلها، بمعنى أن توحي إليه بما تريد أن تقول وليس بمعنى إله حقيقي يخلق فهرون كان أكبر سنا من موسى وكان موجودا قبل موسى
كذلك استخدمت كلمة (آلهة) عن آلهة الأمم، وعن كثير من البشر الذين دعوا أبناء الله فقيل في مزمور 82 "الله قائم في مجمع الآلهة في وسط الآلهة يقضى إلى متى تقضون ظلمًا وترفعون وجه الأشرار"؟! ولا شك أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا آلهة حقيقيين!! ولكنهم تصرفوا كما لو كانوا آلهة! ويقول في نفس الإصحاح "ألم أقل إنكم آلهة وبني العلي تدعون ولكنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون" (مز 82: 6-7) وطبعًا الذين يموتون ويسقطون، ليسوا هم آلهة بالحقيقة، ولكنهم دعوا كذلك أيضًا قيل في المزامير "الرب إله عظيم، ملك كبير على كل الآلهة" (مز95: 3) أي من يسميهم الأمم آلهة، وهم ليسوا آلهة حقيقيين وأيضًا قيل "الرب عظيم وممجد جدًا، مهوب من كل الآلهة لأن كل آلهة الأمم شياطين" (مز 96: 4-5) وقيل في ترجمه أخرى "لأن كل آلهة الشعوب أصنام"، ومع ذلك أخذوا لقب آلهة ليسوا آلهة حقيقيين ولكن السيد المسيح هو إله حق، أي له كل صفات الألوهية فهو أزلي خالق، قادر على كل شيء، موجود في كل مكان، غير محدود فاحص القلوب والكلى، قدوس، رب الأرباب، غافر الخطايا إلى آخر كل تلك الصفات الخاصة بالله وحده وذلك حتى لا أكرر الكلام وحيث تثبت للسيد كل هذه الصفات الإلهية، سواء ما ذكر عنها الإنجيل، أو ما برهنت عنه أعماله إلهية انظر كمثال ( رو9: 5)، (يو 1: 1)، (1تي 3: 16)، (أع 20: 28) وما قيل عنه من حيث هو الأول والأخر (رؤ 1: 8، 11، 17) إلخ.
إله حق من إله حق.
أي أنه إله حق، مولود من الآب الذي هو أيضًا إله حق فكلًا من الآب والابن إله حقيقي له كل صفات الألوهية، وكل قدراتها، وكل المجد والقدرة، إلى أبد الآبدين وليست كلمة (إله) هنا مجرد لقب كما قيل عن آلهة الأمم أو كما قيل عن بعض البشر.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
13 أغسطس 2025
الله ضابط الكل
أي أنه يضبط كل الكائنات لا يخرج شيء عن رقابته وعن تدبيره وعبارة (الكل) تشمل السمائيين والأرضيين، سواء كانت الكائنات العاقلة أو الجامدة، الكل تحت ضبطه كما تشمل أيضًا الملائكة والشياطين ولكن الله من فرط رحمته وحنانه، وهبنا حرية الإرادة وبحرية الإرادة يمكننا أن نطيع أو نعصى وصاياه ولكن أعمالنا كلها تحت ضبطه، مكتوبة أمامه في سفر التذكرة (مل 3: 16) وسوف يحاسبنا عليها يوم يأتي ليجازي كل واحد حسب أعماله (مت16:27) وقد يجازى عليها على الأرض أيضًا، كما سجل لنا الكتاب عقوبات كثيرة لله، منها عقوبة الطوفان (تك6) وعقوبة سادوم وعمورة (تك 19). ومعاقبة قورح وداثان وأبيرام (عد16) ومعاقبته لفرعون مصر بضربات كثيرة، ثم بالغرق في البحر الأحمر (خر16) بل ذكر الكتاب أيضًا معاقبة الله لأحبائه الذين أخطأوا مثل عقوبته لداود (2صم12) الشيطان أيضًا ليس إلها للشر، بل هو مخلوق تحت سيطرة ضابط الكل Pantocrator إن أراد الله أن يوقفه عن العمل، أو يضع له حدودًا لا يتجاوزها فإنه يستطيع ذلك وفي قصه أيوب الصديق، نجد الشيطان يأخذ إذنا بتجربة أيوب ولا يجرب أيوب إلا في الحدود التي يسمح بها الله ففي التجربة الأولى سمح له الله أن يمد يده إلى مال أيوب وبيته، فلم يتجاوز ذلك (أي1) وفي التجربة الثانية سمح له أن يمد يده إلى جسد أيوب، ولكن لا يمس نفسه (أي 2: 6) وكان كذلك في قصه لجيئون، طلب الشياطين من الرب أن يأذن لهم بالدخول في الخنازير "فأذن لهم" (مر 5: 12-13) إذن لم يكن في سلطانهم حتى أن يدخلوا في الخنازير إلا بإذنه ويحكي لنا سفر الرؤيا أن الله أرسل ملاكه فقيد الشيطان ألف سنة وبعدها حله من سجنه (رؤ20: 2، 7) ونرى أن الرب أعطى تلاميذه السلطان أن يخرجوا الشياطين (مت 10:1) وفرح التلاميذ قائلين له "حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (لو 10:17) وقد أعطانا الرب "السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19) والمقصود بالعدو هنا الشيطان إذن لا نخاف من الشيطان، ما دام تحت سيطرة ضابط الكل ولكن لعل إنسانًا يسأل إن كان الله ضابط الكل، فلماذا تحدث كل المتاعب والأضرار في الكون؟! ولقد سأل ارميا النبي سؤالًا مشابهًا، فقال للرب "أبر أنت يا رب من أن لأخاصمك ولكني أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تنجح طريق الأشرار؟! اطمأن كل الغادرين غدرًا" (أر 12: 1) أو كما قال جدعون للملاك "أسألك يا سيدي إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟!" (قض6: 13) نقول إنه ربما تكون للرب حكمة في ذلك، ليعطي البعض بركة من التجربة أو نعمة الاحتمال فيسمح بالتجربة ويكون معنا فيها، كما حدث ليوسف الصديق هنا ونقول إن هناك فرقًا بين إرادة الله وسماحه إرادة الله هي خير مطلق ومع ذلك فهو يسمح للكائنات العاقلة بحرية التصرف في حدود وقد يخطئون ويسببون أضرارا، وهذا كله بسماح من الله وفي كل ذلك فإن الرب يرقب كل تصرفاتهم،ويحاسب ويعاقب كضابط للكل ويصحح وقد يطيل أناته عليهم وقد يتدخل الله، ويوقف عمل الأشرار فحرية الإرادة الممنوحة لهم ليست حرية مطلقة بل هي حرية تحت رقابة ضابط الكل الذي صرخ إليه داود وأصحابه مرة قائلين "حمق يا رب مشورة أخيتوفل" (2صم 15: 31) وفعلا بطلت مشورة أخيتوفل وقد تدخل الرب مرارًا فأنقذ قديسيه من مؤامرات الأشرار وقد تغني داود بهذا فقال "لولا أن الرب كان معنا -حين قام الناس علينا- لابتلعونا ونحن أحياء نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين الفخ أنكسر ونحن نجونا عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز124) لقد تدخل الرب ونجي داود من مؤامرات شاول الملك، ونجي مردخاي من مؤامرة هامان (أش 7: 10) ونجي الكنيسة كلها من الدولة الرومانية وأمثلة تدخل الله لإيقاف مؤامرات الأشرار كثيرة، سواء في الكتاب أو التاريخ.
الله يسمح للظالم أن يظلم ومع ذلك لا يفلت الظالم من يده والرب يحكم للمظلومين سمح الله لشاول الملك أن يظلم داود ولم يفلت شاول من قضاء الله فمات هو وبنوه في جبل جلبوع وقطعوا رأسه، ونزعوا سلاحه. وسمروا جسده على سور بيت شان (1صم 31: 8- 10) وأبشالوم ظلم داود أباه ولم يفلت أبشالوم من قضاء الله ففي الحرب تعلق شعره بالبطمة وضربه موآب بثلاثة سهام في قلبه وهو بعد حي وأحاط به عشرة غلمان حاملوا سلاح يوآب بثلاثة وضربوا أبشالوم ومات (2صم 18: 9- 15) لقد سمح الله أن يقوم قايين على أخيه هابيل ويقتله ومع ذلك لم يترك الله قايين بدون عقاب، فلعنه وتركه تائهًا وهاربًا في الأرض كل من وجده يقتله (تك 4: 10-14) لو قرأنا عن نهاية مضطهدي الكنيسة، لرأينا عجبًا الله ضابط الكل،لا يفلت أحد من مراقبته ومن معرفته ولا يفلت أحد من سلطانه ومن دينونته ومعاقبته ومن معرفته ولا يفلت أحد من سلطان ومن دينونته ومعاقبته..
إنه يضبط كل شيء، ليس الأفعال فقط، بل أيضًا الأفكار والنيات يضبط حتى الجنين في بطن أمه يضبط الخفيات والظاهرات، ما يري وما لا يري فلا تحزن لأجل ضيقات حلت بك الله لا بُد سيتدخل ويقيم العدل على الأرض ويحكم للمظلومين أنه هو الذي عاقب آخاب وايزابل على قتل نابوت اليزرعيلي (1مل 21) ومع ذلك فإن ضيقات كثيرة وبلايا وتجارب وأضرارًا، منعها الله عنا قبل وصولها إلينا، ونحن لا ندري إننا للأسف نشكر فقط على المتاعب المرئية التي ينقذنا الله منها ولكننا لا نشكر على منعه للمتاعب غير المرئية قبل وصولها إلينا، وربما تكون أكثر منعها عنا ضابط الكل أما التجارب والمتاعب التي يسمح بها، فلعله ينطبق عليها قول الكتاب (كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الله) (رو 8: 28) أو قول الكتاب أيضًا "احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2) فإن عرفت أن الله ضابط الكل، اعرف أنه ليس فقط يضبط ما يحدث لك، وإنما أيضًا ما يحدث منك إنه يقرأ أفكارك ويفحص قلبك، يعرف نياتك، وكل مشاعرك وليس شيء خافيًا عليه الذي قال لكل واحد من ملائكة (رعاة) الكنائس السبع (أنا عارف أعمالك) (رؤ 2، 3) إن عرفت هذا، لا بُد أن يدركك الاستيحاء من كل عمل خاطئ تعمله، ومن كل فكر في قلبك الله عالم به وهكذا تخجل من الله ضابط الكل، خالق السماء والأرض.
الله خالق السماء والأرض
كلمه (خالق) هي صفه لله وحده وتعني أنه يوجد مخلوقات من العدم، من اللاموجود أقصى ما يصل إليه العقل البشري أن يكون صانعًا لا خالقًا نعم، هذا الإنسان في قمة ذكائه وعمله ومعرفته هذا الذي صنع سفن الفضاء ووصل بها إلى القمر، والذي نبغ في التكنولوجيا إلى أبعد الحدود إنه مجرد صانع لا خالق صنع كل ما اخترعه، من المادة التي خلقها الله وصنع الإنسان كل ما صنع، بعقل خلقه الله لذلك إن أثبتنا أن السيد المسيح خلق أشياء، إنما بهذا نثبت لاهوته لأنه لا يوجد خالق إلا الله وحده وهنا نسأل حتى في بدء قصه الخلق (في تك1، 2) من الذي خلق هذا الكون؟ هل هو الآب أم الابن؟ ونجيب الآب خلق كل شيء بالابن ما دام الابن هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل، وما دام هو حكمه الله وقوه الله (1كو1: 23،24) إذن الله قد خلق كل شيء بعقله بنطقه بكلمته بحكمته، أي بالابن وهكذا يقول القديس بولس الرسول عن الابن "الذي به أيضًا عمل العاملين" (عب 1:2) "الكل به وله قد خلق" (كو1: 16) ويقول القديس يوحنا في بدء إنجيله "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيئًا مما كان" (يو1: 3) أليس هو عقل الله الناطق والله وعقله كيان واحد فأنت مثلا إن حللت مشكله، هل تكون أنت الذي حللت أم عقلك؟ أنت حللت المشكلة، وعقلك حلها وأنت حللتها بعقلك مادام الله قد خلق كل شيء فكل شيء تحت سلطانه وطبعا الذي خلق من العدم يمكنه أن يقيم من الموت لقد خلق الله السماء والأرض منذ البدء (تك 1: 1).
السماء والأرض
السماء لغة هي كل ما يسمو، أي ما يرتفع وقد أطلقت اصطلاحًا على أعلى ما ترتفع إليه أبصارنا وهنا نسأل هل هناك سماء واحدة أم عدة سماوات؟ ورد في أول آية في الكتاب المقدس "في البدء خلق الله السماوات والأرض" (تك 1: 1) أي أن هناك سموات ونحن نصلي ونقول" أبانا الذي في السموات" (مت6: 9) ويحكي لنا القديس بولس الرسول إنه "أختطف إلى السماء الثالثة" (2كو12: 2) وذكر أن هذه السماء الثالثة هي الفردوس (2كو12: 4) إن كانت الفردوس هي السماء الثالثة، فما هي السماء الأولى والثانية؟ السماء الأولى هي هذا الغلاف الجوى المحيط بالأرض نسميها سماء الطيور أي التي تسبح فيها الطيور كما قيل "كالنسر يطير نحو السماء "(أم23:5) وكذالك الطائرات التي تمخر عباب السماء أما السماء الثانية فهي الفلك الذي توجد فيها الشمس والقمر والنجوم والمجرات وسائر الكواكب ولا تستطيع طائره أن تقترب من الشمس، وإلا فإنها تحترق وإن كانت سفن الفضاء استطاعت أن تصل إلى القمر، فإن مناطق عديدة جدًا في الفلك لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها والحديث عن النجوم والشهب والمجرات، هو حديث مذهل ومبهر، مع أن الإنسان لم يصل إلا إلى قليل من المعرفة في هذا المجال فوق هذه السماوات الثلاث توجد "سماء السموات" وهي التي يوجد فيها عرش الله وعنها قال السيد الرب "لا تحلفوا ألبته لا بالسماء لأنها كرسي الله" (مت5: 34) أي عرشه وهي التي قال عنها لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13) لقد صعد إيليا إلى السماء ولكن ليس إلى هذه "سماء السموات "، الخاصة بالله وحده وقد ذكر سليمان الملك سماء السموات في صلاته يوم تدشين الهيكل فقال للرب "هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت" (1مل 8: 27) وهنا نذكر سماء السموات في التسبحة فنقول مع داود النبي في المزمور "سبحوا الرب من السموات، سبحوه في الأعالي سبحيه يا سماء السموات" (مز148: 1، 4) ومع كل هذه، أطلق على كل هذه السموات، لقب سماء لسموها كلها وارتفاعها. وهكذا قيل في الوصايا العشر عن الراحة في اليوم السابع "لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع" (خر 20: 11) وقيل عنها (صنع) لأنه خلق أولا المادة ومنها صنع هذه السماء التي نراها،وهذه الأرض التي نسكنها وعبارة "خلق الله السموات والأرض" تعني خلقها وكل سكانها تعني أنه خلق السماء وكل الملائكة والأجناد السماوية، وكل صفوفها وطبقاتها وطغماتها الملائكة، ورؤساء الملائكة، والأرباب والعروش والسلاطين" (كو1: 16) والشاروبيم والسارافيم وكل الجمع غير المحصي الذي للقوات السمائية. (وخلق الأرض) تعني أيضًا كل ما عليها خلق الكل: "ما يُرى وما لا يُرى" (كو 1: 16).
الله خالق ما يُرى وما لا يُرى
عبارة "ما يُرى" سهلة الفهم. فماذا تعني عبارة ما لا يرى"؟
المقصود بعبارة ما لا يرى، الذي لا يرى بواسطتنا نحن، بحواسنا البشرية. لذلك لأن حواسنا البشرية ترى المادة فقط أما ما يخرج عن نطاق المادة فلا نراه.
1- فمثلًا من ضمن "ما لا يُرى" الأرواح.
ومن الأرواح: الملائكة (مز104: 4). فملائكة كثيرون يحيطون بنا ونحن لا نراهم. ولكن إذا اتخذ الملاك شكلًا، فنحن نرى هذا الشكل. أما الملاك من حيث طبيعته كروح، فإننا لا نراه. وبنفس الوضع: الشياطين لأنها هي أيضًا أرواح، أرواح شريرة، أو أرواح نجسة (مت10: 1، 8). فهي تحاربنا ولكننا لا نراها. أما إذا ظهر الشيطان في شكل معين، فإننا نراه في هذا الشكل. ولكننا لا نراها بطبيعته كروح أنت أيضًا كإنسان: فيك ما يرى وهو الجسد، وما لا يرى أي الروح التي لا نراها وهي تخرج من الجسد وقت الموت. أما إذا ظهرت لنا روح قديس (في معجزه مثلًا). فلا بُد أن يتخذ القديس شكلًا تدركه حواسنا المادية..
2-هناك أيضًا أشياء دقيقة جدا أو بعيدة جدا، لا تستطيع أبصارنا المادية أن تراها، ولكنها ترى بأجهزة.
مثال ذلك الميكروبات التي لا ترى بالعين المجردة، ولكن يمكن أن نراها بالميكروسكوب أو بأجهزة أخرى. نشكر الله أن بصائرنا لا تراها، وإلا ما كنا نستطيع أن نعيش، وبخاصة في أجواء يكثر فيها التلوث. حتى الهواء مملوء بذرات. من حسن حظنا أننا لا نراها. أشياء أخرى بعيدة، لا نراها بسبب بعدها. ولكن يمكن رؤيتها بأنواع من التيلسكوبات telescopes. وبخاصة بالنسبة إلى الأجرام السماوية وما فيها. ومركبات الفضاء استطاعت أن ترى في رحلاتها ما لم يكن يرى من قبل ولكن ما رأته الأقمار الصناعية ومكوكات الفضاء هو شيء ضئيل جدًا جدًا من عالم الفلك الذي تدخل تفاصيله في نطاق ما لا يرى.
3- هناك أشياء أخرى لا ترى حاليا، لأنها مخفاة. ولكن بعضها يمكن أن نراه بطرق الكشف:
مثال ذلك كل ما يوجد في باطن الأرض من المعادن، التي بعض منها أمكننا أن نراه بوسائل الاستكشاف العديدة والحفروهكذا أمكننا أن نستخرج من باطن الأرض ومن صخورها الذهب والنحاس والمنجنيز والماس، وما إلى ذلك مما كان لا يرى من قبل. يضاف إلى ذلك ما كشف عنه البحث من آبار البترول والغاز الطبيعي. كذلك ما لم يكن يرى في أعماق البحار، وأمكن استخراجه. وأصبح الآن يرى. وكان قبل ذلك لا يرى. يمكننا أن نضيف إلى هذا البند أيضًا أشياء كانت في جوف الإنسان لا ترى. أصبحت ترى بواسطة الأشعة والكاتسكان والـMRI وغير ذلك من الأجهزة الطبية.
4- هناك خواص أوجدها الله في طبيعة الإنسان، وهي لا ترى. ولكن عملها يظهر.
مثال ذلك العقل: أنت لا تراه، ولكن عمله يظهر ويدل عليه. والضمير أيضًا لا نراه، ولكن عمله يدل عليه.
5- كذلك المواهب التي يمنحها الله للإنسان.
أنت لا ترى الموهبة، ولكنك ترى عملها.. فالله قد يهب بعض الناس الحكمة أو الإيمان (1كو 12) ونحن لا نرى الحكمة ولا الإيمان. ولكن نرى عملهما الذي يدل على وجود كل منهما إلى هنا ينتهي الجزء الخاص بالآب في قانون الإيمان.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
06 أغسطس 2025
قانون الإيمان
قانون الإيمان (دستور الإيمان) هو أساس عقيدتنا المسيحية وتؤمن به كل الكنائس المسيحية في العالم أجمع والذين لا يؤمنون به لا يعتبرون مسيحيين كشهود يهوه والسبتين ومن اهتمام الكنيسة بقانون الإيمان، جعلته جزءًا في كل صلوات الأجبية بالنهار والليل لأن الإيمان هو عنصر أساسي في حياتنا الروحية وليس فقط في معتقداتنا لذلك رأينا أن نصدر هذا الكتاب، ليكون تفسيرًا موجزًا ومركزًا لقانون الإيمان يدرس في الكلية الإكليريكية بكل فروعها في مصر والمهجر، ويدرس في مدارس اجتماعات الشباب وقانون الإيمان يشمل عقائد متعددة: مثل التثليث والتوحيد ولاهوت الابن ولاهوت الروح القدس، والتجسد والفداء، المعمودية، وحياة الدهر الآتي وبهذا فإن الدارس له يكون مستوعب عددًا كبيرًا من العقائد الإيمانية وكانوا يدرسونه قديمًا لفصول قبل عمادهم.
الحقائق الإيمانية الأساسية في قانون الإيمان موجودة من قديم الزمان عاش المسيحيون بها في الأجيال الثلاثة الأولى ووجدت صيغ منها في قوانين الرسل أبوليدس وبعض أقوال الآباء الأول وأهمية قانون الأيمان هو أن جميع كنائس العالم المسيحي تؤمن بقانون إيمان واحد تقره جميع الكنائس ولذلك كان لا بُد أن يضعه مجمع مسكوني يضم ممثلي كل الكنائس المسكونة.
القانون الذي بين أيدينا صيغ في مجمع نيقية المسكوني سنة 325 م وهو أول المجامع المسكونية وذلك ردًّا على البدعة الأريوسية التي أنكرت لاهوت المسيح وكان يمثل الكنيسة القبطية في ذلك المجمع البابا ألكسندروس بابا الإسكندرية التاسع عشر ومعه شماسه أثناسيوس الذي قام بصياغة كل بنود القانون وَأُضيفَ الجزء الخاص بلاهوت الروح القدس في مجمع القسطنطينية المسكوني الذي عقد سنة 381 م. ردًا على مقدونيوس الذي أنكر لاهوت الروح كل كنائس العالم -وإن اختلفت في بعض العقائد- تؤمن بكل بنود قانون الإيمان هذا وأية طائفة لا تؤمن بكل ما في قانون الإيمان لا تعتبر مسيحية مثل شهود يهوه والسبتيين الذين يؤمنون بالكتاب المقدس بعهديه (حسب ترجمه خاصة بهم) ولكنهم لا يؤمنون بكل العقائد المسيحية التي وردت في قانون الإيمان ويشمل قانون الإيمان الحقائق الإيمانية الأساسية وهي:
1 - وحدانية الله، إذ يبدأ بعبارة "بالحقيقة نؤمن بإله واحد".
2- عقيدة الثالوث القدوس. ولاهوت كل أقنوم وعمله.
3- عقيدة التجسد والفداء والخلاص.
4- عقيدة المعمودية لمغفرة الخطايا.
5- عقيدة قيامة الأموات، والحياة الأخرى في الدهر الآتي.
6- عقيدة المجيء الثاني للمسيح، حيث تتم الدينونة.
7- الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية.
وسوف نتناول كل فقرات قانون الإيمان لشرحها واحدة فواحدة.
بالحقيقة نؤمن
والإيمان يشمل الاعتقاد والثقة والاقتناع القلبي والتسليم الكامل عقلا وقلبًا وقد عرفه القديس بولس الرسول " بأنه الثقة بما يُرْجَى، والإيقان بأمور لا ترى" (عب 11: 10) فنحن نؤمن مثلا بالمعجزة وليست هي ضد العقل بل هي مستوى أعلى من مستوى العقل وسميت معجزة لأن العقل يعجز عن تفسيرها إلا بأن الله صانعها إنه يقبلها حتى إن كان لا يفهمها وفي حياتنا العملية من جهة العلم مثلا ومخترعاته الحديثة توجد أشياء يقبلها العقل وإن كانت كثير من عقول الناس لا تفهمها ولا تستوعبها. ليس كل إنسان يفهم مثلًا ما هي الكهرباء واللاسلكي. ولكنة يقبل ذلك دون أن يفهمه. ولا كل إنسان يفهم كيف يعمل على الكومبيوتر. ولكنه يقبله..
الإيمان لا يتعارض مع العقل. ولكنه مستوى أعلى منه.
فنحن جميعًا نؤمن بوجود الروح كسبب لحياة الإنسان، دون أن نراها. فإذا حدث أن إنسانًا فارقته روحه يموت. العقل يقبل هذا، ولكنه لا يدرك كنه الروح. ولا يستطيع أن يعرف كل التفاصيل الخاصة بها. مثل شكلها ومعرفتها ومصيرها. ولكنه يقبل ما يقوله الإيمان عنها قيامة الأجساد نقبلها بالإيمان. دون أن يدرك العقل كيف تتم؟ وكيف تعود الأجساد بعد أن تتحول إلى تراب. لا نفهم ذلك. وليس من المهم أن نفهم. إنما المهم أن نقبل ذلك بالإيمان.
العقل يقبل ما يسلمه الإيمان لنا.
الإيمان يوصلنا إلى مرحلة أعلى من العقل. ثم يأخذ العقل هذه المرحلة ويشرحها. والأمور التي هي فوق العقل، يتسلمها الإيمان من الوحي، من الكتب المقدسة، حسبما كلم الله الأنبياء.
نؤمن
أي أنه ليس مجرد إيمان ورثناه عن آبائنا لأنهم كانوا مؤمنين، ولا عن أمهاتنا. وإنما نحن نؤمن بالحقيقة، باقتناع قلوبنا. بكل حق وبكل صدق. والإيمان يحتاج إلى تسليم، وبساطة. بعض الناس كبرت عقلياتهم ففقدوا بساطة الإيمان! الطفل يؤمن، لأنه لم يصل إلى مرحلة الشك التي تسأل عن كل شيء، وتجادل في كل شيء. تعلمه الصلاة فيصلي معك، ويكلم الله في صلاته، دون أن يسألك: من هو هذا الإله الذي أكلمه وأنا لا أراه لذلك أنا أتعجب من البروتستانت الذين يقولون: لا نعمد الطفل لأنه غير مؤمن. ليتكم لكم إيمان الأطفال!! عجيب أن ينمو العقل على حساب الإيمان. وكلما ينمو، يشك ويناقش.. لذلك من الأفضل أن نغرس كل قواعد الإيمان في نفس الطفل منذ حداثته. الطفل الذي يكون الإيمان عنده أقوى من العقل، أو الإيمان عنده يسبق العقل في درجاته.
مسكين العقل الذي يعيش بدون إيمان.
في إحدى المرات كان أحد الفلاسفة الملحدين سائرًا، فمر على مزرعة، ورأى فلاحًا راكعا على الأرض ورافعا يديه إلى فوق، يصلي بكل حرارة. فتعجب الفيلسوف وقال: أنا مستعد أن أتنازل عن فلسفتي، لمن يعطيني إيمان هذا الفلاح البسيط، الذي يكلم كائنا لا يراه..! وبكل حرارة ومن كل قلبه..
بالحقيقة نؤمن.. نؤمن بماذا؟
نؤمن بإله واحد.
نؤمن بإله واحد
إننا نؤمن بالثالوث القدوس، ومع ذلك نؤمن بإله واحد. وحينما نقول "باسم الأب والابن والروح القدس، نقول بعدها "إلهٌ واحد أمين" والإيمان بإله واحد، هو في أول وصية من الوصايا العشر، إذ يقول الرب "أنا الرب إلهك.. لا تكن لك آلهة أخرى أمامي" (خر20:3) (تث5: 6-7). وما أكثر الآيات الخاصة بوحدانية الله في سفر أشعياء النبي، إذ يقول "أنا الرب وليس غيري. قبلي لم يصور إله، وبعدى لا يكون" (أش 44: 6، 9) (أش 46: 9) (أش 48: 12).
والعهد الجديد يتحدث أيضًا عن التوحيد.
فيقول "الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ." (1 يو 5: 7). وفي رسالة يعقوب الرسول "أنت تؤمن بإله واحد. حسنا تفعل، والشياطين أيضًا يؤمنون ويقشعرون" (يع 2: 19). ويقصد هنا الإيمان العقلي وليس القلبي والفعلي. فالذي لا يؤمن بإله واحد هو في مستوى من الإيمان أقل من الشياطين! والسيد المسيح حينما قال ".. وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدوس" (مت 28: 19)، قال باسم وليس بأسماء..
نحن لا نؤمن بتعدد الآلهة، إنما بإله واحد.
فإن قال أحد كيف يكون الثلاثة واحدًا؟! أليس الحساب يقول إن 1+1+1=3 وليس واحدًا. نقول: ولكن 1 ×1×1 =1 وليس ثلاثة. فالابن مثلًا يقول أنا في الآب والآب في (يو10: 14) ويقول "أنا والآب واحد" (يو10: 30) نحن لا نشرك بالله. لا نجعل له شريكا في لاهوته
والثالوث القدوس لا يعني تعدد الآلهة. وإنما يعني فهم التفاصيل في الذات الإلهية الواحدة.
فالله له ذات إلهية، وعقل، وروح. والله بعقله وروحه كيان واحد. كما أن الإنسان الذي خلق على صورة الله، له ذات بشرية وعقل وروح، والثلاثة واحد. كذلك النار: نلاحظ فيه ذات النار، وما يتولد منها حرارة وما ينبثق منها من نور. والنار وحرارتها ونورها كيان واحد. وكذلك الشمس بحرارتها ونورها كيان واحد. الآب هو الذات الإلهية، والابن هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل، هو حكمة الله (1كو23، 24). والروح القدس هو روح الله. وواضح أن الله وروحه كيان واحد. والله وعقله كيان واحد..
والذي يؤمن بتعدد الآلهة، يتعارض مع المنطق في فهم اللاهوت.
فإن كان هناك عدد من الآلهة، فمن منهم الأقوى. إن كان واحد منهم أقوى يكون هو الله، والباقيان ليسا إلهين وإن كان الكل في قوة واحدة، يكون كل منهم محدود بقوة الآخرين. أي يقوى على كل الكائنات، ما عدا من يشاركه في الألوهية. وهكذا لا يكون أحد من هذه الآلهة إلهًا، لأنه لا يوجد واحد منهم قادرًا على كل شيء ونفس الوضع بالنسبة إلى الخلق: إن وجد عدد من الآلهة، فمن منهم الخالق؟ إن كان واحد منهم هو الخالق وحده، يكون هو الله، والخليقة كلها تتبعه لأنه هو خالقها، ولا تكون الآلهة الأخرى آلهة.. وإن كان هذا الخالق هو خالق الكل، فهل خلق باقي الآلهة؟ إن كان قد خلقهم، لا يكون آلهة. وإن كان لم يخلقهم، تكون قدرته على الخلق محدودة بباقي الآلهة. وإن كان هو محدودًا، لا يكون إلهًا. وهكذا في تطبيق باقي الصفات الإلهية.. ونخرج بنتيجة منطقية حتمية، وهي الإيمان بإله واحد. بالحقيقة نؤمن بإله واحد، الله الأب:
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
30 يوليو 2025
أبانا الذي
إن الصلاة الربية هي صلاة مثالية نموذجية تحمل الكثير من المعاني الروحية:
لو دخل المصلي إلي أعماقها،وأدخلها إلي أعماقه لأمكنه أن يكتفي بها دون أية صلاة أخري هذا إذا صلاها بفهم وتأمل وعمق أما إذا صلاها بسرعة روتينية،ولم يشعر بروحانية الصلاة يكون العيب في السرعة والروتينية، وليس في هذه الصلاة يكفي أنها تسمي الصلاة الربية، لأن الرب علمنا إياها ففي عظته علي الجبل التي تعتبر دستورًا للمسيحية، قال "صلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات" (مت 6: 9- 13) وفي إحدى المرات سأله واحد من تلاميذه قائلًا "علمنا يا رب أن نصلي، كما علم يوحنا تلاميذه. ولاشك أن التلاميذ كانوا يصلون، ويعرفون كيف تكون الصلاة. ولكن السؤال كان يحمل معني معرفة الصلاة المثالية. فقال لهم الرب "متى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السموات.." (لو 11: 1 –4) وعبارة "متى صليتم فقولوا" جعلتنا نقول هذه الصلاة باستمرار بها نفتتح كل صلاة طقسية، وكل صلاة من صلوات الأجبية، وكل صلواتنا الخاصة وبها نبدأ كل اجتماع، وبها نختمه ولسنا نحن فقط الذين نستخدم صلاة "أبانا الذي"، بل كل كنائس العالم أيضًا مادام الله قد علمنا هذه الصلاة، إذن فهي توافق مشيئته كثيرًا ما نصلي صلوات نعبر فيها عن أفكارنا ورغباتنا ومشيئتنا الخاصة، ولا ندري هل توافق مشيئة الله أم لا أما في الصلاة الربية، فإننا نخاطب الله بكلماته هو، بطلبات علمنا هو أن نقدمها. فهي موافقة تمامًا لمشيئته الإلهية وهكذا نصليها ونحن مطمئنون وواثقون أننا لا نطلب من الله إلا ما يريد هو أن نطلبه هذه الصلاة تشتمل علي سبع طلبات الثلاثة الأولي خاصة بالله، والباقية خاصة بنا وكما أنه في الوصايا العشر التي كتبها الله بإصبعه (خر 31: 18) كان اللوح الأول خاصًا بالوصايا تجاه الله، وكان اللوح الثاني خاصًا بالوصايا المتعلقة بمعاملات البشر والبشر ذلك لأن العلاقة بالله أهم وإن استطعنا أن نكون في علاقة طيبة مع الله فإننا سنكون بالتالي وبالضرورة في علاقة طيبة مع الناس وهكذا الصلاة التي علمنا إياها الطلبات الثلاث الأولي منها خاصة بالله ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك أما الطلبات الأربع الأخيرة فهي خاصة بنا "خبزنا أعطنا" اغفر لنا ذنوبنا لا تدخلنا في تجربة نجنا من الشرير.
تعلمنا هذه الصلاة، أن الله ينبغي أن يكون أولًا.
نحن نطلب قبل كل شيء من أجل أن يكون اسم الله مقدسًا بين الناس، وأن تكون مشيئته نافذة، وملكوته قائمًا فهذا هو المهم بغض النظر كانت طلباتنا أو لم تكن نطلب أولًا ملكوت الله وبره (مت 6: 33) إننا إن أحببنا اسم الله ومشيئته وملكوته، فلابد أن أمورنا الخاصة ستتحسن، وباقي طلباتنا تستجاب وكل هذه تُزاد لنا، حتى دون أن نطلب.. إن الله هو الأول في الوصايا العشر، والأول في الصلاة الربية وكذلك هو الأول في الطاعة، لأنه " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29) وإن كان هناك ما يرضي الناس علي حساب طاعة الله، فالله يفضل حتى لو غضب الناس وفي ذلك يقول الرسول " إن كنت بعد أرضي الناس، فلست عبدًا للمسيح" (غل 1: 10) هذا الذي قال "مَن أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني" (مت 10: 37) والله أيضاَ الأول في الحب فقد قال " تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك هذه هي الوصية الأولي والعظمي" (مت 22: 37-38) وطبيعي إن كان الإنسان يحب الله من كل قلبه، فلابد أنه بالتالي سيحب قريبه نحب الله ومشيئته وملكوته، ثم بعد ذلك نطلب لأنفسنا.
ونحن في الصلاة، نطلب من الله وليس من البشر فقد قال الكتاب [ملعون مَن يتكل علي ذراع بشر] (أر 17: 5) ويقول المزمور "الاتكال علي الله خير من الاتكال علي البشر الرجاء بالرب خير من الرجاء بالرؤساء (مز 117) في كل احتياجاتنا نتجه إلي الله نرفع إليه قلوبنا قبل أيدينا "لأن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة، إنما هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار" (يع 1: 17) الله مصدر كل خير هو يريد أن يعطي، وهو قادر أن يعطي وهو وحده الذي يعطي وليس البشر وفي بعض صلوات الكنيسة نكرر عبارة "من الرب نطلب" حتى العطايا التي نأخذها من الناس، إنما نأخذها من الله عن طريقهم هو الأصل هو الذي أعطاهم ما يعطونه لغيرهم. وهو الذي وضع في قلوبهم أن يعطوا لذلك فنحن نطلب منه كل طلباتنا كذلك فإن العطية التي نأخذها من الله، نضمن أنها سليمة وصالحة ثم نقول بعد طلباتنا "بالمسيح يسوع ربنا" ذلك لأن الرب قال لتلاميذه "كل ما طلبتموه من الآب باسمي يعطيكم إلي الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو 6: 23-24) وقال أيضًا" لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي" (يو 15: 16) وكرر عبارة "تطلبون باسمي" في (يو 16: 26) فنحن لذلك نقدم كل طلباتنا باسمه ونختم هذه الصلاة الربية بتمجيد لائق بالله هذا الله المعطي، نتجه إليه كأب ونقول له: "يا أبانا"..
أبانا إننا نكلم الله في هذه الصلاة ليس كملك أو خالق إنما نكلمه كأب لقد بدأ السيد المسيح يدخل الناس في عاطفية الصلاة ومشاعر الصلاة الابن يكلم أباه وليس المخلوق يكلم خالقه أو العبد يكلم سيده نحن نكلم الله كأب ومن هنا كانت الصلاة حديثًا عاطفيًا بين ابن وأبيه في غير استجداء أو توسل فإذا خرجت صلواتكم عن هذا المستوي تكونون قد خرجتم عن روحانية الصلاة الربانية لقد علمنا السيد أن نخاطب الله كأب ونتذكر أن علاقتنا بالله ليست علاقة عبودية أو مجرد علاقة مخلوقات بخالقها، إنما هي علاقة أبناء بأبيهم والله نفسه يفضل أن يدعي أبًا، ويسمينا أبناء ونحن في صلاتنا إنما نطلب من الله، بدالة البنين.
وأبوة الله لنا معرفة منذ القدم.
فقد قيل في مقدمة قصة الطوفان "أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ" (تك 6: 2) بنات الناس من نسل قايين القاتل أما أبناء الله فهم نسل شيث الذي أنجبه آدم بعد مقتل هابيل (تك 4: 25-26) "حينئذ ابتدئ أن يدعي باسم الرب"، أم أبناء قايين فلم يدخلوا في النسب الإلهي وفي سلسة أنساب السيد المسيح قيل " ابن أنوش بن آدم ابن الله" (لو 3: 38). وهذا يدل علي أن آدم دعي ابن الله كل مؤمن بالله، يسميه الله ابنًا (يو 1: 12) وهكذا يوجه إليه الوصية قائلًا "يا ابني أعطني قلبك" (أم 23: 26) وفي سفر أشعياء النبي يكرر هذه العبارة فيقول لله "فإنك أنت أبونا أنت يا رب أبونا" (أش 63: 16) والآن يا رب أنت أبونا وكلنا عمل يديك (إش 64: 8).
العجيب أنه حتى الخطاة، لا يتخلَّى الله عن أبوته لهم هكذا يقول في أول سفر أشعياء النبي "ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا عليَّ" (أش 1: 2) أنهم بنون، علي الرغم من كونهم عصاه! ولعل هذا يذكرنا بقول الرب "ابني هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالًا فوجد" (لو 15: 24) كان ميتًا وكان ضالًا ومع ذلك كان لا يزال ابنًا! وأبوة الله لنا، ركز عليها السيد المسيح كثيرًا في العهد الجديد وقال لنا الله " أبوكم السماوي".
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب أبانا الذي في السموات
المزيد
23 يوليو 2025
روحانية الصلاة
ما أجمل أن يصلي الإنسان إنه يشعر في صلاته إنه قد انتقل من مستوى الأرضيين إلي مستوي السمائيين، لكي يشارك الملائكة في طقسهم إن الصلاة شرف عظيم لا نستحقه فنحن بها ندخل في عشرة مع الله، ونذوق وننظر ما أطيب الرب وفيها تكون أذنا الرب ملتصقة بأفواهنا ما هي الصلاة أذن..؟
1 - الصلاة في معناها البسيط هي حديث الله؟
ولكن هل هي حديث اللسان، أم هي حديث القلب؟ لاشك أنها حديث القلب ولذلك فإن السيد المسيح وبخ الذين يصلون بشفاههم فقط، وذكرهم بقول الكتاب "هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مر 6:7) إذن الصلاة ليست مجرد كلام، ولا مجرد محفوظات أو تلاوات.
2- أنما الصلاة -من الناحية الروحية- اشتياق إلي الله.
وفي هذا يقول داود النبي "كما يشتاق الإيل إلي جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله عطشت نفسي إلي الله، إلي الإله الحي متى أجيء وأتراءى قدام الله" (مز 42: 1،2) ويقول أيضًا "يا الله أنت إلهي، إليك أبكرعطشت نفسي إليك" (مز 63: 1) كلما تشتاق نفسك إلي الله، وتكلمه عن شوق، تشعر أنك تكلمه من قلبك، وتستفيد من الصلاة.
3 - لآن الصلاة ليست مجرد اشتياق، إنما اشتياق صادر عن حب.
فالصلاة تبدأ أولًا في القلب حبًا، ثم ترتفع إلي الذهن أفكارًا، ثم ينطق بها اللسان ألفاظا هي أصلا حب يقول فيه المرتل "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119) من محبته لله، اسم الله لاصق بعقله، لاصق بقلبه، هو طول النهار تلاوته بل يقول له أيضًا "باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما شحم ودسم" (مز 4:63).
4 - فالصلاة هي إذن شبع روحي بالله:
كما يتغذى الجسد بالطعام، تتغذى الروح بالوجود في حضرة الله وبالحديث مع الله، وبالصلة القلبية مع الله إن كنت تصلي ولا تشعر بشبع، فأنت في الواقع لا تصلي كما تسري نقطة الماء في النهر إلي أن تصب في البحر الكبير وتندمج فيه، هكذا قلب الإنسان يسري في الصلاة إلي أن يتحد بقلب الله،و أول وسيلة لذلك هي الصلاة لذلك قيل:
5 - ان الصلاة هي جسر ذهبي، يصل بين المخلوق والخالق.
أنها تذكرنا بسلم يعقوب الواصل بين السماء والأرض، يصعد عليه الملائكة، يوصلون الصلوات، وينزلون باستجابة الله.
6 - قيل أن الصلاة هي عمل الملائكة، أو هي أنشودة الملائكة.
تصوروا السارافيم وقوفًا أمام العرش الإلهي يقولون "قدوس قدوس قدوس" (أش 6) وترتوي بهذا نفوسهم هذه هي الصلاة. صدقوني إن كثيرين يقولون إنهم يتحدثون إلي الله، بينما في الواقع هم لا يصلون لأنه حديث لا مشاعر فيه ولا عواطف، ولا صلة.
7 - لذلك الصلاة هي صلة مع الله:
وهكذا تشعر بالوجود في الحضرة الإلهية تشعر بوجود الله، وبوجودك مع الله، وبالصلة بينكما البعض يظنون الصلاة مجرد ألفاظ ينتقونها وينمقونها، بينما لا توجد بينهم وبين الله صلة أريد أن اضرب لكم مثلا لنفرض أن أمامنا لمبات كهربائية قوية جدًا، ونجفات جميلة، وكشافات، ومع ذلك هي ليست متصلة بالتيار الكهربائي فما قيمتها إذن؟ وما فائدتها للإنارة؟! لا شيء كذلك في صلاتك لابد أن تشعر بهذا التيار يجري في عروقك..
8 - تشعر بلذة في الوجود مع الله. تري الصلاة متعة روحية.
وهكذا إن بدأت الصلاة، لا توجد قدرة علي إنهائها كلما تريد أن تختم صلاتك، لا تستطيع بل تقول له "دعني أبقي معك فترة أخري يا رب لا أريد أن أفارقك لا أريد أن اقطع حديثي معك" وتتشبه بعذراء النشيد التي قالت "أمْسَكْته ولم أرخه" (نش 4:3).
9 - هذه الصلاة هي تنقية للقلب..
مع الصلة مع الله يتطهر القلب، ويستحي الذهن أن يتقبل أية فكرة خاطئة أو يتعامل معها يقول لنفسه "كيف أفكر في هذا الأمر، وأنا الذي كان كل فكري مع الله؟! "وهكذا تراه يصد كل فكر خاطئ يأتي إليه بل أن الصلاة تجعله يزهد هذا العالم وكل ما فيه كما قال الشيخ الروحاني "إن محبة الله غربتني عن البشر والبشريات" أي جعلتني غريبا عنها، لأني صرت من وطن آخر سمائي سئل القديس يوحنا الأسيوطي مرة "ما هي الصلاة الطاهرة؟!" فقال " هي الموت عن العالم " أي أن الإنسان الذي ينشغل قلبه مع الله بالتمام في الصلاة، يكون العالم ميتًا بالنسبة إليه لا يحيا فيه هو يصلي والعالم لا وجود له في زمنه لا يحس بهذه الدنيا وما فيها..
10 - الصلاة شرف بالنسبة إلي الإنسان، وتواضع بالنسبة إلي الله:
فمن نحن التراب والرماد، حتى نتحدث إلي الله ملك الملوك ورب الأرباب؟! حقًا إن هذا شرف عظيم بالنسبة إلينا، لا نستحقه وهو تواضع من الله إذ يتحدث إلينا بينما قد نجد صعوبة في التحدث إلي بعض عبيده من البشر!!
11- الصلاة هي اخذ وليست عطاء..
احذر من أن تفكر في وقت من الأوقات، أنك حينما تصلي، إنما تعطي الله وقتًا، وتعطيه مشاعر! ولذلك تعتذر عن الصلاة أحيانًا وتقول "ليس لدي وقت !" كلا، بل أنت في الصلاة تأخذ من الله الكثير، تأخذ بركة، وعشرة طيبة، ومتعة روحية، وهبات لا تحصي وهكذا نقول لله في القداس "لست أنت محتاجًا إلي عبوديتي، بل أنا المحتاج إلي ربوبيتك" أنا المحتاج أن أخذ منك حينما أصلي يريحني ويسعدني مجرد الشعور بأنني في حضرتك الشعور بالأمان في حضرة الله القوي والمتحنن والرحيم في حضرة الآب الذي يحب أولاده، ويمنحهم من قلبه ومن عطفه.
12 - الصلاة هي أغنية نقدمها إلي الله من قلوب سعيدة به.
داود النبي حينما كان يغني مزاميره، لم يكن يصلي بالمزمار فقط بل أحيانًا بالعود، وبالقيثارة، والعشرة الأوتار وأحيانًا معه جوقة عجيبة من المغنين والموسيقيين، يستخدمون هذه الآلات الموسيقية، وأيضا البوق والصنج والصفوف والدفوف وباقي آلات العزف الكل معًا يغنون للرب أغنية جديدة، في فرح بالرب كما حدث مع مريم النبية أخت موسى وهرون، إذ أخذت الدف في يديها، وخرجت وراءها النساء بدفوف ورقص، وهي تقول "رنموا للرب، فإنه قد تعظم.." (خر 15: 20،21) حقًا ما أجمل أن تكون الصلاة أغنية يقول الرسول "بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب" (أف 5: 19)..
13 - إذن فالصلاة هي وقت فرح بالرب:
وهكذا نجد غالبية صلواتنا ملحنة ومنغمة ولها موسيقاها، تغني بها للرب أغنية جديدة وبالمثل صلاة القداس الإلهي، هي أيضا أغنية روحية مرتلة وكذلك صلوات الإبصلمودية وكل التسابيح حتى قراءة المزمور والإنجيل أثناء القداس الإلهي هو أغنية نقدمها إلي الله إنها قلوب فرحة بالرب،تقف أمامه وتغني لا نضرب علي أوتار عود، بقدر ما نضرب علي أوتار قلوبنا فالألحان عندنا هي صلاة، والصلاة هي لحن، هي أغنية كلما نوجد في حضرة الله، تمتلئ قلوبنا فرحًا بالرب، ونغنى له في كل المناسبات بكل عواطفنا حتى في مناسبات الحزن، نغني أيضًا في حضرة الرب بأسلوب الحزن، إنما هي عواطف مقدمة لله قديمًا كان كل مزمور له لحن، مثل المزامير الأخيرة التي تكون الهوسات الثاني والثالث والرابع هذا هو العنصر العاطفي في الصلاة وهنا نذكر ان الصلوات المقبولة لها صفات:
صفات الصلاة المقبولة
ليست كل صلاة مقبولة أمام الله فهناك صلوات رفضها، مثل صلوات المرائين، وصلوات قساة القلوب الذين قال لهم "حين تبسطون أيديكم، أستر عيني عنكم، وإن أكثرتم الصلاة، لا أسمع أيديكم ملآنة دمًا" (أش 1: 15) فما هي صفات الصلاة المقبولة إذن؟
1 - ينبغي أولًا أن نصلي بفهم:
بحيث كل كلمة تقولها في الصلاة، تكون فاهما لمعناها، كل كلمة تقولها لها عمقها عندك كل كلمة في صلاتك، يشترك فيها اللسان مع العقل، والقلب، والمشاعر، والجسد يشترك فيها الإنسان كله كما نقول في بعض صلواتنا " قلبي ولساني، يسبحان القدوس" فالصلاة ليست مجرد كلام بل لسانك يتحدث، وعقلك مركز في الكلام ومعانيه،وتشترك بمشاعرك وكل قلبك،وروحك تقود العملية كلها
2 – وأيضا يشترك جسدك وتشترك حواسك في الصلاة:
جسدك يشترك بالركوع، بالسجود، بالخشوع، برفع اليدين، ورفع النظر إلي فوق وجمع الحواس، فلا يتشتت السمع والبصر هنا وهناك، ولا تتشتت الحركات، بل يكون الإنسان ثابتًا، باحترام شديد في صلاته يعرف أمام من هو واقف إن الشاروبيم والسارافيم وهم يقفون أمام الله، بجناحين يغطون وجوههم، وبجناحين يغطون أرجلهم، من هيبة الله الذي يقفون أمامه فكم بالأولي نحن إن الأب الكاهن في صلاة الصلح في القداس، يمسك لفافة أمام وجهه، رمزًا لهيبة الله الذي هو يقف أمام عظمته.
3 – وهكذا ينبغي أن تكون الصلاة أيضا بفكر مجتمع، غير مشتت:
فلا يصح أن تتكلم مع الله،وأفكارك شاردة في موضوعات أخري بل حاول أن تجمع أفكارك وتركزها في الصلاة ويحسن أن تمهد لذلك بقراءة روحية أو بترتيلة أو تأمل ولا تقف للصلاة وعقلك مشغول بشتى الموضوعات البعض يغمض عينيه أثناء الصلاة حتى لا ينشغل بصره بأمور تجلب له أفكارًا المصلي الحقيقي لا يحس بكل ما حواليه هو مع الله فقط، وحده كما أن الإنسان إذا صلي بفهم، سيصلي حتما بتركيز وعمق كما يقول داود "من الأعماق صرخت إليك يا رب" (مز130: 1) من عمق قلبي من عمق مشاعري من عمق احتياجي من عمق مشاكلي وسقطاتي أريد أن أرتفع إليك.
4 – مثل هذه الصلاة لابد أنها تكون بحرارة:
لأن الإنسان يسكب نفسه أمام الله، انظروا إلي حنة التي صارت أمًّا لصموئيل النبي، يقول الكتاب عنها إنها "صلت إلي الرب، وبكت بكاءً،ونذرت نذرًا" وإنها كانت تتكلم في قلبها، وشفتاها فقط تتحركان، وصوتها لا يسمع حتى أن عالي الكاهن ظنها سكري" (1صم 1: 10-13) بكل عواطفها كانت تصلي، بكل حرارة، بنفس منسكبة أمام الله وما أجمل ما قيل عن إيليا النبي أيضا إنه "صلي صلاة" (يع 5: 17) ماذا تعني عبارة "صلي صلاة".؟ تعني أنها ليست أي كلام بل صلاة لها عمقها ولها حرارتها يصلي صلاة، أي يصلي بالمعني العميق لهذه الكلمة فقد يقف كاهن أمام المذبح، وتشعر في أعماقك أنه يصلي بينما يقول كاهن آخر نفس القطعة من القداس، فتلحظ أنه يتلو كلامًا ولا يصلي وقد تسمع لحنًا واحدًا من اثنين من المرتلين، فتحس أن أحدهما يصلي، أما الآخر فيقدم نغمات وألحانًا بلا روح، بلا صلاة هناك إنسان يزعم انه يصلي، ولا يصل إلي السموات من صلاته شيء بينما آخر يصلي، فإذا واحد من الأربعة والعشرين كاهنًا الذين تحدث عنهم سفر الرؤيا، يأتي ومعه مجمرته الذهبية، فيحمل فيها هذه الصلاة لتصعد كرائحة بخور أمام الله إنه صلي صلاة بعض الملائكة في السماء يشتمون رائحة بخور زكية، فيبحثون عن سببها، ويكون أن (فلانًا) قد وقف يصلي الصلاة بحرارة، قد تظهر في ألفاظ الصلاة أو في قوتها، أو في لهجتها، وقد تظهر في دموع تصاحب الصلاة أما عبارة أن الإنسان يسكب نفسه في الصلاة، فلست أجد ألفاظًا في اللغة يمكن أن تعبر عنها أتركها لكم لتفهموها بأنفسكم. ولكن علي الأقل أقول إن الإنسان يعصر نفسه عصرًا، ويسكبها أمام الله.
5 – تصلي أيضًا بتأمل..
فمثلًا إن صليت الصلاة الربية، ووصلت إلي عبارة ليأت ملكوتك، يمكن أن تدخل إلي عمق مفهوم هذا الملكوت، كأن يملك الله علي قلوب الناس وأفكارهم،وعلي أهدافهم ووسائلهم أو أن تتأمل ملكوت الله علي الأمم والشعوب والممالك إلى لا تعرفه أو تسرح في الملكوت الأبدي في أورشليم السمائية وهكذا تجد نفسك -في تأملاتك- وأنت داخل في عمق أعماق هذا الملكوت.
6 – صفات أخري كثيرة:
هناك صفات أخري كثيرة للصلاة المقبولة، كأن تكون صلاة بحب كما سبق أن قلنا، وكذلك صلاة بخشوع، وصلاة بإيمان يؤمن المصلي أن الله سيستجيب صلاته، أو علي الأقل يؤمن أن الله سيعمل ما فيه الخير له.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب أبانا الذي في السموات
المزيد