المقالات
03 ديسمبر 2025
يهييء له شعباً مستعداً
بمناسبة بدء صوم الميلاد الذي نستقبل فيه عمانوئيل إلهنا نتذكر انه قبل مجيئه أرسل ملاكه ليهيئ الطريق قدامه يهييء له شعباً مستعداً عندما أراد الله أن يكلم الشعب لأول مرة ويعطيهم وصاياه قال لموسى اذهب إلى الشعب وقدسهم اليوم وغداً وليغسلوا ثيابهم ويكونون مستعدين لليوم الثالث لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون الشعب على جبل سيناء ( خر ۱۹ : ۱۰ - ١٥ ) وهكذا هيا موسى للرب شعبا مستعدا لسماعه ونفس الوضع نجده بالنسبة الى صموئيل النبي كان ذاهباً إلى بيت لحم لكى يقدم للرب ذبيحة ويختار مسيحاً للرب ولما كان ليس لكل أحد أن يتقدم إلى الذبيحة بدون استعداد لذلك قال صموئيل النبي عبارته المشهورة " تقدسوا وتعالوا معى إلى الذبيحة" ( ١صم ٥:١٦ ) ويقول الكتاب بعدها " وقدس يسى وبنيه ، ودعاهم إلى الذبيحة" كان لا بد أن يهيىء للرب شعباً مستعداً ، بتقديسه وكانت هذه هي رسالة يوحنا المعمدان كاهن الرب قال عنه الملاك فى البشارة بميلاده " يريد كثيرين من بني اسرائيل إلى الرب إلههم ويتقدم أمامه بروح ايليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيى للرب شعباً مستعداً " ( لو ١ : ١٦، ١٧ ) كما هو مكتوب في الأنبياء : ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب ،اصنعوا سبله مستقيمة "( مر ٣،٢:١ ) ويوحنا المعمدان هيأ الشعب للرب بالتوبة والمعمودية ما أعظم هذه الرسالة التي يقوم بها أولئك القديسون الذين يهيئون للرب شعباً مستعداً "أيها الأخوة : إن ضل أحد بينكم عن الحق فرده أحد فليعلم أن من رد خاطئاً عن طريق ضلاله يخلص نفساً من الموت ويستر كثرة من الخطايا "( يع ٥ : ١٩- ٢٠ ) ." تخليص نفس من الموت" ما أعظم هذا العمل !
إنه عمل الرب من يقوم به إنما يعمل الرب فيه أنظروا إلى بولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس "لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً "( اتى ٣ : ١٦ ) .بل أن بولس الرسول يقول عن نفسه في عمل الخلاص " صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوماً "( ۱ کو ۹ : ۲۲ ) وبطرس الرسول يقول للأخوة الذين في الشتات "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس " ( ۱ بط ٩:١ ) . فماذا يقصد بهذا الخلاص؟
عجيب أن الكتاب يستعمل كلمة الخلاص بالنسبة للبشر بينما هو عمل المسيح إنه أيضاً عمل البشر بمعنى أنه يهيىء للرب الشعب الذي يقبل هذا الخلاص ويؤمن به ويعتمد على أساسه يهیی للرب شعباً مستعداً لنوال الخلاص بالطريقة التي رسمها الرب و لعلك تسأل : ولماذا لم يرسل الله روحه القدوس ليخلص الناس مباشرة، ولا داعى لدخول البشر في هذا الموضوع الإلهى ؟ أجيبك بأن الكتاب المقدس يكشف لنا أن هذا ليس هو أسلوب الله لان أسلوب الله هو أن يرسل أمامه " ملاكه " ليهييء الطريق أمامه ليس الله محتاجا الى من يهيى الطريق له . ولكن محبته تشاء أن ان يشرك معه البشر في عمل المحبة نحو اخوتهم الله يستطيع أن يغرس الشجر بنفسه دون زرع بشر كما غرس جنة عدن ولكنه من محبته ومن تواضعه يسمح أن واحداً يغرس ، والثانى يسقى والله هو الذى ينمى وهو ينمى هذا الغرس المستعد الذي هيئه له "شركاء الطبيعة الإلهية "في عمل المحبة نحو البشر إن الرب هو الذي يعمل فى القلوب لخلاصها يعمل بنعمته و بروحه القدوس ويعمل أيضاً بكل "أناء مختار " تحل فيه قوة الله ،وتنطق على فمه لترد العصاة إلى فكر الأبرار هذا هو عمل الأنبياء ، وعمل الرعاة والكهنة وعمل الوعاظ و عمل "صيادى الناس" من كل جهة وظيفتهم جميعاً أن يهيئوا للرب شعباً مستعداً بل هذا هو أيضاً عمل الملائكة الذين قال عنهم الكتاب "أليسوا جميعاً أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص " (عب ١ : ١٤ ) وهكذا بنفس المعنى فإن المعمدان الذي هيا الطريق أمام الله دعى ملاكاً لأنه يعمل عمل الملائكة وأيضاً رعاة الكنائس السبع دعوا ملائكة لأنهم كذلك يهيئون للرب شعباً مستعداً عن هذا الأمر "تهيئة الشعب للرب " قال بولس الرسول" خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح " ويوحنا المعمدان لما هيأ الشعب بالتوبة ،قدمه للمسيح ، كهروس وقال "من له العروس فهو العريس" أما أنا فصديق للعريس أقف وأفرح هذه العروس المهيأة لعريسها بواسطة عمل الآباء والأنبياء والرعاة والكهنة هي التي رأها الرائي في سفر الرؤيا ( رو ۲۱ : ۲ ) هؤلاء يقومون بتهيئة كل نفس لكى تنضم إلى الكنيسة وتصير عضواً في جسد المسيح كما قال الكتاب : وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون الرب يريد أمثال هؤلاء لكى يعمل فيهم ومعهم وبهم ولذلك قال لتلاميذه " الحصاد كثيرة والفعلة قليلون اطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" هؤلاء الفعلة هم الذين يهيئون للرب شعباً مستعداً ولقد سماهم الرب في بعض الاوقات بالكرامين وبالوكلاء قال إنه سلم الكرم لكرامين صاحب الكرم هو الله أما عمل الكرامين فهو تهيئة الكرم لكى يعطى ثمراً باعطاء الكرم كل ما يحتاجه من ماء الحياة ومن طعام النعمة وهذا ما قاله الرب عن وكلائه "يا ترى من هو الوكيل الامين الحكيم الذي يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه طوبي لذلك العبد الذي إن جاء سيده يجده يفعل هكذا" إن وجده يهيى هؤلاء العبيد للقاء ربهم لعلك تقول : انا لست من هؤلاء الخدام الرسميين في الكنيسة الذين ائتمنهم الرب أن يهيئوا له شعبا مستعدا ؟
أقول إن هذا العمل هو أيضاً عمل الأب والأم أن يشتركوا في تهيئة الشعب المستعد بتهيئة أطفالهم للرب في حياة الإيمان كما مدح بولس الرسول لوئيس وافنيكي اللتين سلمتا الإيمان عديم الرياء لتلميذه تيموثاوس ( ٢ تی ٥:١) وظيفة الاشبين الذي يتلقى المعمد من الكنيسة هي هذه :
"أن يهيىء للرب شعباً مستعداً " فيهيىء هذا الطفل الذي لا يدرك شيئاً لحياة الإيمان التي عمد على أساسها يعده ليكون عارفاً بكل قواعد الخلاص ومؤمناً بها من أعماقه وأنت إن كنت لا تستطيع أن تكون خادماً للرب على المستوى العام تهييء له شعباً مستعداً فلتكن هكذا على مستوى الأسرة ولتقل" أما أنا وبيتي فتعبد الرب " وان لم تستطع عن طريق تهيئة أسرتك ، فهيئ نفسك وإن هيأ كل إنسان نفسه فإن الشعب كله سيكون للرب شعباً مستعداً لأن الشعب هو مجموعة أفراد فهل حقاً قد هيأنا أنفسنا للرب ؟ إننا مثلا نقول للرب في كل صلاة "ليأت ملكوتك " فهل نحن قد هيأنا أنفسنا لهذا الملكوت وصرنا مستعدين لملاقاة الرب إذا جاء الآن كما قال "كونوا مستعدين"؟
إن الكنيسة تقدم لنا سر الافخارستيا على المذبح ، ولكل هل هيأنا للرب شعباً مستعداً للتناول ؟ لأن من يتناول بدون استحقاق يتناول دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب ( ۱ کو ۱۱ : ۲۹ ) .
وظيفة الكنيسة أن تهيى أولادها ليكونوا مستعدين
فكما يكونون مستعدين للتناول يكونون مستعدين أيضاً لمقابلة كل فكر غريب ضد الإيمان فاهمين كل حقائق الإيمان والعقيدة كما قال الرسول "كونوا مستعدين كل حين لمجاوبة كل من يسألكم عن سر الرجاء الذي فيكم" بل أكثر من هذا كانت الكنيسة في العصور الأولى تهيى الرب شعبا مستعدا حتى للاستشهاد .كانت تهيئه بمحبة الله وبذل النفس لأجله والفرح بالملكوت والأبدية وعدم الخوف من الموت بل أن هناك كتباً الفها آباء الكنيسة في القرن الثاني للميلاد وفى القرن الثالث عنوانها "حث على الاستشهاد " أن عمل الخدمة كله يتلخص في هذه العبارة وحدها " تهيئ للرب شعباً مستعداً " وليس للخدام عمل آخر ولكن كيف يمكن لخادم الرب أن يهيئ النفوس له ؟
يهيئها كيوحنا المعمدان بالتوبة والمعمودية ويهيئها أيضاً بالتعليم و بكلمة الله القوية الفعالة ويهيئها بالتشجيع وبخاصة للركب المخلعة والنفوس الصغيرة وبالتأني على الضعفاء و يهينها بالمحبة بما يمنحه لها من حب وبما يكشفه لها من محبة الله لها و عمله لأجل خلاصها وإن احتاج الأمر إلى التوبيخ والتأديب اعادة الناس إلى التوبة وتهيئتهم للرب فلا مانع بمحبة وحكمة ان الله نفسه يهيئ شعبه بالتجارب ليكون مستعدا بالتجربة تنحنى الركبة أمام الله وترتفع القلوب بالصلاة وتلتصق النفوس بالكنيسة بالصوم وانسحاق القلب إن الله يتخذ كل الوسائل ليخلص على كل حال قوماً .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عظة البابا يوم 21/11/1980
المزيد
26 نوفمبر 2025
الصليب
يرمز الصليب إلى الألم والصلبان الثلاثة ترمز إلى ثلاث حالات صليب المسيح يرمز إلى الألم من أجل البر والصليبان الآخران يشيران إلى الألم بسبب الخطية كعقوبة وينقسمان إلى نوعين نوع يتألم بسبب خطاياه فيتوب ويرجع والآخر يتألم بسبب خطاياه ولكنه يشكو ويتذمر ويموت في خطاياه والصليب الذي لأجل البر هو أيضًا على أنواع منها صليب الحب والبذل مثل صليب المسيح الذي تحمل الألم لكي ينقدنا "وليس حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه عن أحبائه" وهناك صليب آخر في العطاء، وأعظم عطاء هو العطاء من العوز، حيث تفضل غيرك على نفسك، وتعتاز لكي يأخذ غيرك، مثلما أعطت الأرملة من أعوازها وهناك أيضًا صليب الاحتمال تحويل الخد الآخر وسير الميل الثاني ليس فقط أن يحتمل الإنسان إساءات الناس إليه، بل أكثر من هذا أن يحسن إلى هؤلاء المسيئين، بل أيضًا أن يحبهم..! مَنْ يستطيع هذا..؟ إنه صليب هناك صليب آخر في الجهاد الروحي في انتصار الروح على الجسد في احتمال متاعب وحروب العالم والجسد والشيطان في صلب الجسد مع الأهواء في الانتصار على الذات في الدخول من الباب الضيق والصليب هو التألم لأجل البر هذا فقط للمبتدئين أما للكاملين فيتحول الصليب إلى لذة ومتعة نشعر بضيق الباب في أول الطريق ولكننا بعد ذلك نجد لذة في تنفيذ الوصية، ونحبه وحينئذ لا يصير الطريق كربًا والصليب الأول يصير متعة كان الاستشهاد صليبًا، ثم تحول إلى متعة وصار القديسون يشتهون الاستشهاد، ويشتهون الموت، ويفرحون به والتعب من أجل الرب أصبح لذة ومتعة، والألم أيضًا وهكذا اعتبر الكتاب أن الألم هبة من الله "وُهِبَ لكم، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أن تتألموا لأجل اسمه"، متى يصبح الصليب في حياتنا متعة؟
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
19 نوفمبر 2025
الإيمان
ليس الإيمان هو مجرد عقائد جامدة تحفظها عن ظهر قلب من علم اللاهوت وتعليم الكنيسة بل الإيمان هو بالحري يقين داخلي عميق وثقة كاملة بالله وصفاته وعمله إيماننا بالله ووجوده ورعايته وحفظه يعطينا سلامًا داخليًا وراحة في القلب والفكر واطمئنانًا بأن الله مادام موجودًا إذن فهو يهتم بنا أكثر مما نهتم بأنفسنا لذلك علينا أن نعيش في هذا السلام ونثبت فيه والإنسان المؤمن لا يقلق أبدًا لأن القلق ضد الإيمان بمحبة الله وحفظه ورعايته وإذا آمن الإنسان بوجود الله في كل مكان يشعر في داخله بقداسة أي مكان يوجد فيه لوجود الله وكما يشعر باطمئنان للوجود في حضرة الله كذلك يشعر بأنه يلزمه التدقيق في كل تصرفاته فالله ينظره ويسمعه ويشاهد كل أعماله وفى كل خطية يقول الإنسان مع يوسف الصديق "كيف أخطئ وأفعل هذا الشر العظيم أمام الله" وإيمان الإنسان بأن الله يقرأ أفكاره ويعرف خبايا قلبه وكل نياته ومشاعره هذا الإيمان يمنح الإنسان استحياء في فكره وفي مشاعره خجلًا من الله الذي يفحص كل هذا وإيمان الإنسان بالحياة الأخرى وبيوم الدينونة الذي يعطى فيه حسابًا عن كل أعماله وأفكاره ومشاعره وأقواله كل هذا يجعله يوقن بفناء العالم ووجوب الاستعداد لذلك اليوم الرهيب مع العمل من أجل الأبدية التي سيعيشها بعد الموت ويضع هذا الفكر في قلبه قائلًا مع داود "عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي لأعلم كيف أنا زائل" (مز 39) إن الإيمان ليس مجرد اقتناع عقلي إنما هو عمل داخل القلب يقوده في الحياة كلها وهو ليس لحظة معينة يقبل فيها الإنسان الله إنما هو عمل العمر كله الذي يعيشه المؤمن في "الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" لذلك فإن عبارة "الإيمان" تعنى في غالبية الحالات الحياة المسيحية كلها بما فيها من عقيدة وتصرف.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
12 نوفمبر 2025
محبة الانتفاع
الذي يريد أن ينتفع، يمكنه أن ينتفع من كل شيء، ومن كل شخص، ومن كل حدث إنه يستخرج الفائدة من كل ما يمر به يستفيد من الصالح ويستفيد أيضًا من الشرير من الشخص الصالح يأخذ قدوة صالحة ويأخذ حبًا ومعاملة طيبة ومن الشخص الشرير يمكنه أن يقتنى فضائل الصبر والاحتمال والمغفرة للمسيئين كما يمكن تعلم الفضيلة من معرفة مضار ومساوئ الرذيلة التي تقابلها قال أحد الحكماء تعلمت الصمت من الثرثار أي أنه من إدراك مساوئ الثرثرة أمكنني أن أعرف مدى فائدة الصمت في اتقاء هذه الأخطاء يمكننا أن نتعلم من أخطائنا ومن أخطاء الآخرين والحكيم يعرف كيف يستفيد من الخطأ فلا يعود يقع فيه مرة أخرى ويأخذ من الأخطاء خبرة في حياته والإنسان الكثير الخبرات هو مصدر من مصادر المنفعة الذي يريد أن ينتفع يمكنه أن ينتفع ليس من الأشخاص الذين يقابلهم فقط بل من الطبيعة أيضًا قال الحكيم تعلم من النملة أيها الكسلان إنه لأمر جميل حقًا أن تكون النملة مصدرًا من مصادر المنفعة بالنسبة إلينا وكما ننتفع من الطبيعة يمكننا الانتفاع من الأحداث سواء الأحداث التي تحدث لنا أو لغيرنا كلها دروس نافعة في الحياة لمن يحب أن يعتبر إن قصة الغنى الغبي كانت درسًا لكثيرين وكل قصص الكتاب أيضًا وأحداثه هي أيضًا دروس كذلك قصص وأحداث التاريخ كما قال الشاعر ومَنْ وَعَى التاريخ في صدره أضاف أعمارًا إلى عمره إن الانتفاع ليس مصدره الوحيد الآباء الروحيين مادام القلب يبحث عن المنفعة فإن الله لا بُد أن يرسل هذه المنفعة بأنواع وطرق شتى.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
05 نوفمبر 2025
الفضائل الأمهات المحبة، التسليم، الاتضاع
هناك فضائل جزئية، يتعب الإنسان جاهدًا، حتى يصل إليها وهناك فضائل أمهات، تشمل العديد من الفضائل داخلها، وعن هذه نريد أن نتكلم في مقدمة هذه الفضائل: المحبة وقد قال السيد المسيح عن هذه الفضيلة، إنه بها يتعلق الناموس كله والأنبياء وشرح بولس الرسول للعناصر العديدة التي تتضمنها فضيلة المحبة فقال أنها تتأنى، وتترفق، وأنها لا تحسد، ولا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق، وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجوا كل شيء، تصبر على كل شيء ولا تسقط أبدًا (1كو 13) فالذي يقتنى المحبة، يقتنى كل هذه الفضائل وكل ما ذكره بولس الرسول هو من محبتنا للقريب أما محبتنا لله، فإنها تشمل ولا شك أمورًا عديدة تشمل الصلاة بكل درجاتها، التأمل، والهذيذ، وقراءة الكتاب المقدس، ومحبة الكنيسة، ومحبة الأسرار الكنسية، والاجتماعات الروحية، والصوم، والمطانيات كما تشمل أيضًا إطاعة جميع الوصايا، لأن الرب يقول "مَنْ يحبني يحفظ وصاياي".
ومن الفضائل الأمهات أيضًا: حياة التسليم..
وحياة التسليم معناها أن يسلم الإنسان حياته تسليمًا كاملًا للروح القدس العامل في قلبه، ليدبر حياته ومن هنا تظهر في هذا الإنسان ثمار الروح التي شرحها بولس الرسول في (غل 5: 22) فقال وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف.
ومن الفضائل الأمهات: فضيلة الاتضاع..
والإنسان المتضع، يقتنى الوداعة، والهدوء، والبعد عن الغضب، وإدانة الآخرين، والبعد عن القسوة
ويشمل الاتضاع انسحاق القلب، ولوم النفس، وفضيلة الدموع، والحب، ومباركة كل أحد، وطلب بركة كل أحد، والاستماع أفضل من التكلم، وعدم التعالي، وعدم الافتخار، وعدم الحديث عن النفس، والرضا لكل شيء، والقناعة، والشكر، والبساطة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
29 أكتوبر 2025
الوسيلة الطيبة
لا يكفى أن يكون العمل الذي نعمله خيرًا في أهدافه وإنما يجب أن تكون الوسيلة التي نعمله بها، وسيلة خيرة وطيبة العنف مثلًا، والشدة الزائدة، والقسوة، ليست كلها وسائل طيبة للتربية، والحصول على النظام والطاعة إنما كثيرًا ما تكون وسائل منفرة، ولا تصلح لكل أحد. ويمكن أن يصل الإنسان إلى غرضه بغير عنف وبغير قسوة، وبوسائل طيبة والشتيمة أيضًا ليست وسيلة روحية للرد على من يخالفك في الإيمان، ويخالفك في الرأي إنك بهذا الوضع تخسر من تناقشه. وإن كنت كاتبًا ومؤلفًا، تخسر قارئيك أيضًا. والوضع السليم أن يكون الإنسان موضوعيًا في مناقشة الأمور الإيمانية والعقيدة، بدون شتائم وإهانات، لأنه "لا شتامون يدخلون ملكوت السموات" (1كو 6: 10) والهدم، والانتقاد المر، ومحاولة تحطيم الآخرين، ليست وسائل طيبة للتعبير عن الغيرة المقدسة فالغيرة يمكن التعبير عنها بوسيلة إيجابية بناءة، تعالج الأمور في روية، وفي موضوعية، وفي دراسة هادئة، وتقديم حلول مقبولة، وفي نفس الوقت في محبة. لأن الكتاب يقول "لتصر كل أموركم في محبة" (1كو 16: 14) والانقسام ليس وسيلة طيبة للعمل الكنسي، ولا حتى للعمل الاجتماعي والوطني الانقسام يسبب ضعفًا في الصفوف، وهو دليل على عدم التعاون، وعدم القدرة على معاملة الرأي الآخر، وهو برهان على الفشل في إقناع الطرف الآخر وفي كسبه والكتاب يقول "رابح النفوس حكيم" (أم 11: 30) إن الحكيم يختار وسيلة طيبة لعمله الطيب لأن الوسيلة الخاطئة فيها تناقض مع العمل الطيب والعمل الطيب، إذا كانت وسيلته غير طيبة، يكون شركة من النور والظلمة، وخليطًا من البر والخطيئة، ولا يدل على أنه عمل روحي. فلتكن وسائلنا طيبة وهادئة وروحية، أو على الأقل فلتكن غير معثرة ولا خاطئة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
22 أكتوبر 2025
الفِكْر الخاص
كثير من الناس يهوون نشر أفكارهم الخاصة، وتقديم هذه الأفكار كمبادئ روحية للناس، وكعقائد يجب الإيمان بها وكلما كانت هذه الأفكار جديدة وغير معروفة، يزيد هذا من سرورهم، ويفرحون إذا عرفوا شيئًا جديدًا يقدمونه للناس يجعلهم في نظرهم من أهل العلم والمعرفة!
وكلما كان هذا الجديد مختلفًا تمامًا عما يعرفه الناس ويعتقدونه، نرى هؤلاء المفكرين يفرحون بالأكثر، كما لو كانوا يحطمون مفاهيم عامة خاطئة، لكي يقيموا على أساسها الجيد السليم..!
وهذا الأمر إذا صلح في أي لون من ألوان المعرفة، فهو لا يصلح في العقيدة، التي لا تحطم إيمانًا قديمًا تبنى على أنقاضه إيمانًا جديدًا.
العقيدة كلما كان لها قدم، كانت أكثر رسوخًا والجديد في العقيدة قد يكون بدعة، إذا ما كان يحطم إيمانًا قديما مسلمًا لنا من الآباء لذلك فإن المعجبين بفكرهم الخاص، يحاولون بكافة الطرق أن يبحثوا له عن أصول قديمة تسنده.. وإن لم يجدوها، يختلقونها اختلاقًا!
هؤلاء لا يقرأون أقوال الآباء، لكي يفهموا فكرهم.. إنما يقرأون لكي يتصيدوا نصًا، أي نص، يسندهم يقتطعون هذا النص اقتطاعًا، فاصلين إياه عما قيل قبله، وعما قيل بعده، وعن المناسبة التي قيل فيها، وعن الفكر العام للأب الذي أخذوا عنه.. ويتخذون هذا الاقتباس وسيلة لإثبات فكرهم وقد توجد من كتابات القديس الذي نقلوا عنه، أقوال تناقض ما ينسبونه إليه إنهم لا يبحثون عن الحقيقة، إنما يبحثون عن إثبات لفكرهم، مهما كان هذا الإثبات مصطنعًا ومغلوطًا أما أنت أيها المبارك، ففي أمور العقيدة، لا تحاول أن تنشر فكرًا خاصًا، إنما أنشر عقيدة الكنيسة وكل فكر جديد يصل إلى مفاهيمك، لا تعرضه على الناس، إنما اعرضه على المسئولين في الكنيسة.. لإبداء رأيهم فيه، قبل نشره إن التعليم في الكنيسة ليس مجالًا لعرض الأفكار الشخصية، إنما هو مجال للتعليم الواحد الذي يستمد أصوله من التقليد الرسولي، بإيمان واحد للجميع.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
15 أكتوبر 2025
الذي يحب أن ينتفع
الذي يحب أن ينتفع، يبحث عن المنفعة، وليس الكلام الكثير هو الذي ينفعه بل إن مجرد كلمة واحدة قد تغير حياته كلها.. بل أنه ينتفع أيضًا من الصمت، كما قال القديس بفنوتيوس عن أحد ضيوفه "إن لم ينتفع من سكوتي، فمن كلامي أيضًا سوف لا ينتفع" عبارة واحدة سمعها الأنبا أنطونيوس، كانت سببًا في رهبنته، وفى تأسيس هذا الطقس الملائكي. وعبارة أخرى كانت سببًا لدخوله في البرية الجوانية وحياة الوحدة) إن الله لا يشترط أن يعلمك بكلام كثير، إنما تكفى عبارة واحدة، والوصايا العشر عبارات قصيرة، ولكنها تحمل كل التعليم والصلاة الربانية عبارات قصيرة وتحمل عمق طلبات الصلاة والذي يحب أن ينتفع، يسعى وراء المنفعة بأي ثمن كان السواح يتحملون أسفارًا طويلة، لكي يسمعوا مجرد كلمة من أحد الآباء، والآباء أنفسهم كانوا ينتفعون، من أي منظر، وحتى من أبنائهم إن الذي يطلب الخير يجده ولو في كلمة عابرة، من أي أحد، ولو في حادث عابر، حدث له أو لغيره. ينتفع حتى من أخطائه، ومن أخطاء الناس قال أحد القديسين "لا أتذكر أن الشياطين أطغوني في خطية واحدة مرتين" ذلك لأنه انتفع من سقطته الأولى، فاحترس من الثانية والسيد المسيح دعانا أن ننتفع من منظر زنابق الحقل، ومن طيور السماء، ونأخذ منها دروسًا في الإيمان وفي رعاية الله.
إن مصادر المنفعة موجودة: ليست في كلام الوعاظ فقط، ولا في الكتب الروحية فحسب، وإنما في كل مكان، وفي كل وقت. والمهم هو: هل تريد أن تنتفع أم لا وصوت الله يصل إلى كل أحد، بأنواع وطرق شتى. ولكن "مَنْ له أذنان للسمع فليسمع".
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
08 أكتوبر 2025
الانقسام
قال أحد القديسين لو اجتمع عشرة آلاف من الملائكة، لكان لهم رأى واحد، للأسف حينما يجتمع عدد قليل من البشر، فإنهم يختلفون..!
والانقسام قد يكون دليلًا على وجود الذات الذات التي تعمل وحدها، بعيدًا عن روح الله والتي تريد أن تنفذ رأيها، مهما كانت النتيجة والتي لا تبالي بالنتائج الخطيرة التي يسببها الانقسام!
وما هي هذه النتائج..؟ قال أحد الأدباء تنازع نسران على فريسة، كانت من نصيب الثعلب ولهذا قال السيد المسيح "كل بيت منقسم على ذاته يخرب"، إنها عبارة ينساها المنقسمون كثيرًا ما تقوم جماعة بعمل انقسام، تترك الجو خرابًا، ثم تمضى لحالها، وكأنها لم تفعل شيئًا! بينما يطالبها الله بدم ما قد خربته بأفعالها..
الانقسام بين الأخوة يدل على عدم محبة وانقسام الصغير على الكبير يدل على التمرد، وعدم الطاعة، وعدم احترام الرئاسات وكلها خطايا وكما قد يدل الانقسام على كبرياء في النفس، واعتداد بالذات. وغالبًا ما يكون أب الاعتراف خارج الدائرة في كل هذا، لا يستشار في شيء في رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس، وبخهم على الانقسام، ووصفهم بأنهم جسديون (1كو3) ذلك لأن المنقسمين بعيدون عن وحدانية الروح إن أعضاء الجسد الواحد تتعاون معًا لخير الذي يتعاون فيه الكل معًا والوحدانية تحتاج إلى احترام الرأي الآخر، وعلى الأقل التدريب على التعامل مع الرأي الآخر، دون ثورة، ودون غضب، ودون تشهير، ودون تحطيم نصيحة نقولها لكل من يسير في طريق الانقسام حاول أن تكسب غيرك، بدلًا من انقسامك عليه كُن موضوعيًا، وابعد عن المسائل الشخصية دَرِّب نفسك على التعاون وروح الجماعة.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد