المقالات

30 أبريل 2025

يعمل بين الصلب والقيامة

إن الله في قيامته، قدس الطبيعة البشرية القابلة للموت، وجعلها قابلة للقيامة وقبل القيامة، كان الرب يعمل من أجلنا أيضًا، حتى حينما كان جسده في القبر بالموت انفصلت روحه عن جسده ولكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن روحه ولا عن جسده. واستطاعت روحه المتحدة بلاهوته أن تعمل عملًا خلاصيًا عجيبًا من أجل الراقدين على رجاء كان بموته قد دفع ثمن الخطية، واشترانا بدمه، لذلك كان من حقه وقد فدي البشرية، أن ينقل الراقدين من الجحيم إلى الفردوس. وقد كان بروحه المتحدة باللاهوت، ذهب إلى الجحيم، ليبشر الراقدين هناك على رجاء لقد نزل إلى أقسام الأرض السفلى، وسبي سبيًا (أف 4: 8، 9). وفتح باب الفردوس، ونقل إليه الأبرار المنتظرين في الجحيم، وادخل معهم في الفردوس اللص اليمين أيضًا حقًا ما اصدق قوله للقديس يوحنا الرائي إن "بيده مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 18) وإن كان قد فتح باب الفردوس، فهو كما قال أيضًا "أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ تأسيس العالم" (رؤ 17: 8) (في 4: 3) حقًا طوبى لهؤلاء الذين أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة. إذ لا سلطان للموت عليهم قد يقيمون فيه حينًا، كما أقام يونان في بطن الحوت، ثم أخرجه الرب بسلام، دون أن يكون للحوت سلطان على أذيته..! هكذا أخرج الرب الذين في الجحيم، وبسلطانه على الفردوس أدخلهم إليه وهذا العمل العظيم عمله الرب في الخفاء وتهللت له السماء، وتحققت به أقوال الأنبياء،وفي الخفاء أيضًا قام الرب من بين الأموات أتت روحه المتحدة بلاهوته، واتحدت بجسده المتحد بلاهوته وقام بقوة لاهوته، وخرج من القبر المغلق. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
23 أبريل 2025

قوة القيامة

قيامة السيد المسيح من الأموات، كانت الحدث الأكبر، الذي هز كيان اليهود فحاولوا أن يقاوموه بكافة الطرق، حتى أنهم قالوا عن القيامة إن هذه الضلالة الأخيرة، ستكون أقوى من الضلالة الأولى، التي هي كرازة المسيح. فماذا كانت قوة القيامة، وماذا كان مفعولها؟ 1- لقد خرج المسيح من القبر وهو مغلق ولم يكن ذلك غريبًا عليه، أو على القوة المعجزية التي له فقد خرج أيضًا من بطن القديسة العذراء وبتوليتها مختومة. وكذلك في ظهوراته لتلاميذه بعد القيامة، دخل على التلاميذ وهم مجتمعون في العلية "والأبواب مغلقة" (يو 20: 19). 2- ومن قوة القيامة، أن المسيح قام بذاته لم يقمه أحد كل الذين قاموا من قبل، أقامهم غيرهم: فابن أرملة صرفة صيدا أقامة إيليا النبي (1 مل 17: 22) وابن الشونمية أقامة أليشع النبي (2 مل: 36) وأما ابنة يايرس وابن أرملة نايين، ولعازر، فهؤلاء أقامهم المسيح. ولكن المسيح نفسه قام بذاته، لأن قوة القيامة كانت فيه، وما كان ممكنًا أن يمسك من الموت، إذ أن فيه كانت الحياة (يو 1: 4). 3- وقد قام المسيح على الرغم من كل الحراسة المشددة، وضبط القبر، والحراس، والأختام والحجر الكبير الذي على باب القبر القوة العالمية بذلت كل جهدها، ولكنه كان أقوى منها ودلت قيامته على أنه كان أقوى من كل العوائق كانت قيامته انتصارًا على كل معارضيه ومقاوميه، وانتصار على الموت وعلى الهاوية وعلى القبر وعلى الحجر الكبير وعلى الأختام وعلى الأكفان اللاصقة لذلك لما عرفه القديس بولس، قال "لأعرفه وقوة قيامته" (في 3: 10) إنه عرف قوة قيامته، إذ رآه بعد هذه القيامة حينما ظهر له نور عظيم في طريق دمشق (أع 9). لذلك وثق هذا الرسول بقوة قيامة المسيح، أمكنه أن يدخل في شركة آلامه متشبهًا بموته ونفس هذه القوة في القيامة، اختبرها القديس يوحنا الحبيب بالنسبة إلى المسيح، حينما ظهر له "ووجهه يضيء كالشمس في قوتها" (رؤ 1:16) كانت قوته وهو داخل القبر، أعظم من كل قوة تقف خارج قبره لقد ترك القبر في وقت لم يعرفه أحد، في فجر الأحد وبقي الحجر الكبير في موضعه، إلى أن أتى ملاك ودحرجه لإعلان القيامة التي كانت قد تمت وبذلك أمكن للنسوة أن يرين القبر فارغًا... 4- مظاهر قوته بعد القيامة: هذه بعض نواحي القوة التي رآها الناس على الأرض، إلى جوار قوة الظهورات المتعددة، وقوة الصعود إلى السماء والجلوس عن يمين الآب وقوة دخوله إلى العلية والبواب مغلقة وقوة تحويله للتلاميذ من قوم ضعفاء خائفين إلى أبطال ينشرون الكرازة بكل قوة وبلا مانع وكما كانت قيامته قوية، هناك قوة أخرى سبقت قيامته. 5- قوته ما بين الموت والقيامة: تلك قوته بعد موته، التي استطاع بها أن يفتح أبواب الجحيم، ويخرج الأرواح التي في السجن بعد أن كرز لها بالخلاص (1 بط 3: 19) استطاع بهذه القوة أن ينزل إلى أقسام الأرض السفلي، وأن يسبي سبيًا، ويعطي الناس عطايا الفداء، ثم يصعد أيضًا بعد القيامة فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 4: 8-10). 6- أما السيد المسيح فقد دل بقيامته على أنه كان أقوى من الموت، وعلى أن موته لم يكن ضعفًا منه،ولا كان صمته أثناء محاكمته ضعفًا منه لو كان قد تكلم، لأفحم سامعيه وأقنعهم. ولكن هذا لم يكن هدفه، إنما هدفه كان أن يفدينا ولذلك عندما طلبوا إليه أن ينزل من على الصليب لم يفعل مع أنه كان يستطيع إذ كان هدفه أن يموت عنا ويتألم نيابة عنا، ويدفع ثمن الخطية كفارة لنا وفداء القيامة دلَّت على أن صمت المسيح لم يكن ضعفًا فقوة القيامة أقوى رد على من يتهمون المسيح بالضعف، أو من يظنون صلب المسيح دليلًا على معجزة!! بالقيامة، ثبت أن صمت المسيح، كانت له أهدافه السامية لقد صمت، لأنه كان يريد أن يبذل نفسه عنا لو أنه تكلم لأفحم سامعيه وأقنعهم ولو أنه دافع عن نفسه، لكان سيكسب القضية بلا شك. وكم من مرة رد على رؤساء اليهود وشيوخهم وكهنتهم، فلم يجدوا جوابًا بل أنهم شاهدوا قوة كلامه وهو بعد صبي في الثانية عشر من عمره والشعب الذي سمعه، شهد أنه كان يتكلم بسلطان إن صمت المسيح في محاكمته، دليل على أنه مات بإرادته ولقد قال عن نفسه، إنه يضعها من ذاته، لا يستطيع أحد أن يأخذها منه. له سلطان أن يضعها، وسلطان أن يأخذها ولقد قدمها ساعة الصلب، وأخذها ساعة القيامة لقد أسلم المسيح روحه حبًا وبذلًا، وليس ضعفًا وعجزًا وكما قام في قوة لا ننسى أنه مات في قوة لقد صرخ بصوت عظيم عندما أسلم الروح، بينما كان الجسد في عمق الإنهاك، وقد تصفي ماؤه ودمه، وأرهقه الجلد والمشي والضرب والنزيف، والتعليق على الصليب وهو قد مات بالجسد ولكنه بلاهوته كان حيًا لا يموت استطاع في موته أن يبشر الراقدين في الجحيم على رجاء، واستطاع أيضًا أن يفتح الفردوس المغلق، ويدخل فيه اللص مع آدم وبنيه من قديسي العهد القديم واستطاع أيضًا أن يقوم، وتسخر قيامته من الحراس ومن الأختام، ومن الحجر الكبير الموضوع على القبر لم يحد أن أحدًا -غير المسيح- هزم الموت بسلطانه وحده، وقام بإرادته، وخرج من قبر مغلق، عليه حجر ضخم ويحرسه جنود مسلحون. 7- وقوة قيامة المسيح كانت تحطيمًا لرؤساء كهنة اليهود ولكل الصدوقيين. كان دليلًا على جريمتهم في محاكمته وتقديمه للصلب وكان دليلًا على كذب كل إدعاءاتهم السابقة. وبالقيامة يصبحون مدانين أمام الشعب لذلك لما نادي التلاميذ بالقيامة في كل مناسبة، قال لهم رؤساء الكهنة "أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع 5: 28) وكانت قوة القيامة ترعب رؤساء اليهود لأنها كانت تدل على بره فلو كان مدانًا، ما كان ممكنًا له أن يقوم وكما كانت القيامة دليلًا على بره، كانت في نفس الوقت دليلًا على ظلم هؤلاء الرؤساء، وعلى تلفيقهم للتهم ضده، هؤلاء الذين كانوا فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلصوا منه وقتلوه إن الحديث عن ظهوره بعد قتلهم له، كان يرعبهم والرسل القديسون لم يكفوا مطلقًا عن توبيخهم في هذه النقطة بالذات وهكذا قال لهم القديس بطرس الرسول بعد معجزة شفاء الأعرج "إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم، وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه! ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل! ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود على ذلك" (أ ع 3: 13-15). 8- أما الصدوقيون فلا يؤمنون بالقيامة عمومًا. لذلك كانت قيامة المسيح برهانًا عمليًا خطيرًا على مسار عقائدهم وتعليمهم ولذلك قاوموا القيامة بكل قواهم، وقاوموا التلاميذ في مناداتهم بالقيامة وهكذا يقول الكتاب "فقام رئيس الكهنة، وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين، وامتلأوا غيرة فألقوا أيديهم على الرسل، ووضعوهم في حبس العامة" (أ ع 5: 17، 18) ولكن قوة القيامة، كانت أقوى من هؤلاء جميعهم ومن مقاوماتهم حقًا إن قيامته من الموت كانت أقوى من نزوله عن الصليب، كما أن قيامته كانت دليلًا على أنه مات بإرادته وليس مرغمًا وبخاصة لأنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد وخرج من القبر بذاته والقبر مغلق، كما خرج من بطن العذراء وبتوليتها مختومة حقًا كما قال عن نفسه إن له سلطان أن يضعها، وله سلطان أن يأخذها (يو 10: 18). 9- كانت قيامته دليلًا على أنه أقوى من الموت، وبالتالي فهو أيضًا أقوى من كل قوة البشر التي تقتل وتميت كان أقوى من ظلم الأشرار، ومن كل مؤامرتهم وسلطتهم عملوا كل ما يستطيعونه، حتى حكموا عليه، وسمروه على الصيب، وتحدوه مستهزئين به وظنوا أنهم قد انتصروا، وبخاصة لأن المسيح ظل طوال فترة محاكمته وتحدياتهم صامتًا "وكشاة تساق إلى الذبح، كنعجة صامته أمام جازيها" قيامته دلت على أن موته كان بذلًا، ولم يكن قهرًا وكان الإيمان بقيامته يعني الإيمان بحبه وبذله وفدائه للبشرية وكان يعني الإيمان بقوته وبكل ما قاله من قبل عن نفسه وعلاقته بالآب هذه قوة الذي مات بالجسد، وكان بلاهوته حيًا لا يموت إنها قوة ذلك الذي قال ليوحنا في سفر الرؤيا "أنا الأول والآخر، والحى وكنت ميتًا وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 17، 18) هذا القوي الذي قام "ناقضًا أوجاع الموت "إذ لم يكن ممكنًا أن يمسك منه (أع 2: 24). 10- وقوة قيامة المسيح التي تمتاز بها عن كل قيامة سابقة إنها قيامة لا موت بعدها، قيامة دائمة أبدية فكل الذين أقيموا من الموت، عادوا فماتوا ثانية، ولا يزالون حتى الآن تحت سلطان الموت، ينتظرون القيامة العامة أما المسيح فقد قام حيًا إلى أبد الآبدين، لا سلطان للموت عليه وبهذا لقبه الكتاب بأنه "باكورة الراقدين" (1 كو 15: 20). 11- ومن قوة قيامة المسيح، أنها قيامة ممجدة... لقد قام بجسد ممجد: لا يتعب، ولا يمرض ولا ينحل، ولا يجوع ولا يعطش جسد أمكنه أن يخرج من القبر المغلق، وأن يدخل والأبواب مغلقة، كما أمكنه أن يصعد إلى السماء ونحن ننتظر في القيامة العامة أن نقوم هكذا أيضًا وكما قال الرسول "ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 21). 12- وكما كانت قيامة المسيح قوية في ذاتها كذلك كانت قوية في تأثيرها على الكنيسة والجميع استطاعت أن تغير مجري الأمور تمامًا من كل ناحية: فالتلاميذ الذين كانوا خائفين لا يجرأون على المجاهرة بانتسابهم للمسيح، أخذوا من القيامة قوة عجيبة على الكرازة وبطرس الذي سبق فأنكر المسيح أمام جارية، استطاع بكل شجاعة أن يقول لرؤساء الكهنة "ينبغي أن يُطَاع الله أكثر من الناس" (أ ع 5: 29) "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 4: 19). 13- ولعل القوة التي أخذها التلاميذ من القيامة تتركز في نقطتين: (أ‌) عرفوا تمامًا أن السيد المسيح أقوى من الموت. لقد انتصر على الموت وكما نقول في صلوات الكنيسة "بالموت داس الموت "أي أنه لما مات، أمكنه أن يدوس هذا الموت حينما قام ومعرفة التلاميذ بهذه الحقيقة، تثبت إيمانهم، وتذكروا قول الرب "إني أضع نفسي لآخذها أيضًا ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضًا" (يو 1: 17، 18). (ب‌) وعرفوا أيضًا بقيامة المسيح أنهم سيقومون مثله إن ماتوا. وبهذا ما عادوا يخافون مطلقًا من الموت، إذ تحطمت كل هيبة الموت أمامهم لما داسه المسيح وخرج من القبر حيًا وبكل مجد وظل عدم الخوف من الموت صفة ملازمة لهم، وضفة ملازمة لكل أعضاء الكنيسة بل أن بولس الرسول يقول أكثر من هذا "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فذاك أفصل جدًا" (في 1: 23). 14- ومن قوة قيامة المسيح تثبيت الإيمان: أربعين يومًا قضاها المسيح مع تلاميذه يحدثهم عن الأمور المختصة بالملكوت (أع 1: 3) في هذه الفترة ثبتهم في الإيمان، وشرح لهم جميع التفاصيل الخاصة به ووضع لهم كل نظم الكنيسة وطقوسها وكل قواعد الإيمان وعقائده فخرج من الفترة التي قضاها معهم المسيح بعد القيامة،وهم في منتهى القوة الروحية والإيمانية، استطاعوا بها أن يواجهوا العالم كله، ثابتين راسخين وأصبحوا يتكلمون عن القيامة بخبرة قوية كما يقول القديس يوحنا الحبيب "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1 يو 1: 1) فلم تعد القيامة مجرد عقيدة نظرية، بل صارت شيئًا رأوه بأنفسهم وعاينوه ومنحتهم هذه الخبرة قوة في الإيمان أمكنهم أن ينقلوها إلى العالم بأسره في ثقة وفي يقين. 15- قوة القيامة تظهر في القيامة ذاتها، وفي ملابساتها، وفي نتائجها وما حدث بعدها أيضًا فهي لم تكن قيامة فردية للسيد المسيح فحسب، إنما كانت قيامة لنا جميعًا كانت عربونًا للقيامة العامة، ولأورشليم السمائية، وللأبدية بكل ما فيها من نعيم حسب الوعود الإلهية وكانت قوية في الدلالة على طبيعة المسيح ما هي ومَن هو هذا الذي يستطيع أن يقوم هكذا وكانت مقدمة أيضًا لمعجزة الصعود وكانت ردًا مفحمًا على الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالأرواح ولا بالملائكة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
09 أبريل 2025

الخفيات والظاهرات

أريد أن أكلمكم اليوم عن موضوع "الخفيات والظاهرات" نحن نصلي بهذه العبارة في: 1) صلاة الشكر: حيث نطلب من الله أن "ينجينا من الأعداء الخفيين والظاهرين". 2) التقديسات الثلاثة: حيث نقول: "اغفر لنا خطايانا التي فعلناها بمعرفة وبغير معرفة الخفية والظاهرة". 3) تحليل نصف الليل للآباء الكهنة: حيث نطلب من الله: "واغفر لهم خطاياهم الخفية والظاهرة". ما هي الخطايا الخفية التي نطلب من الله أن يغفرها لنا؟ طبعًا الخطايا الظاهرة واضحة ومعروفة، ولذلك سنتكلم عن الخطايا الخفية مثل: خطايا الفكر: فلا أحد يعلم ما هي أفكارك، أي أنها خطايا خفية على الناس. الخطايا الخاصة بمشاعر القلب: فالخطايا الخاصة بمشاعر القلب هي أيضًا خطايا خفية. فلا أحد يعلم ماذا في قلبك؟ وما هي شهواتك؟ الخطايا الخاصة بالنيات: وأيضًا الخطايا الخاصة بالنيات من الخطايا الخفية. فقد تقول في قلبك عن شخص معين: "هذا الشخص سأنتقم منه"! بالرغم من أنك لم تؤذيه فعليًا، لكن مجرد نيتك من الداخل نية خاطئة، تعتبر من الخطايا الخفية. الخطايا المُخَزَّنة في العقل الباطن: ومن الخطايا الخفية، الخطايا المخزنة في العقل الباطن، وأحيانًا من العقل الباطن تخرج أحلام خاطئة. الأحلام الخاطئة: والأحلام الخاطئة من الخطايا الخفية أيضًا فهناك خطايا خفية يقع فيها كل واحد تقريبًا. وفي المزمور هناك آية لطيفة جدًا حيث يقول: "الهفوات من يشعر بها، من الخطايا المستترة يا رب أبرئني" (سفر المزامير 19: 12)، والخطايا المستترة أي الخطايا الخفية لذلك لابد للإنسان أن يعرف نفسه كما يقول الحكيم "أعرف نفسك". فيجب أن تعرف نفسك ليس فقط بالنسبة للأشياء التي تعملها وتظهر للناس، بل تعرف ما يحتاج لإصلاح بداخل نفسك وتصلحه وتعَّدله (الخطايا الخفية). خطايا الجهل: ومن الجائز أن تكون من الخطايا الخفية خطايا الجهل. أي تفعل أشياء خاطئة دون أن تعلم أنها خطايا. فهذه خطايا الجهل. وكلما تنمو في الروحيات تبدأ في اكتشاف خطايا كنت ترتكبها دون أن تشعر بخطئها لأن مستواك كان ضعيفًا، ثم تبدأ تعرف أنها كانت خطايا وفي هذا يقول الشاعر: إذا كانت فضائلي اللائي أتيه بها عدّت ذنوبًا فقل لي كيف أعتذر أي أحيانًا يكون بداخلك أشياء تعتبرها فضائل، ولكنها في الواقع ذنوب وأنت لا تعلم. وفي الحقيقة ما لا نعرفه عن أنفسنا أكثر بكثير من الذي نعرفه عن أنفسنا. نحن نجهل أنفسنا وبداخلنا توجد أشياء كثيرة يجب أن نصلحها. خطايا مخفية يغطيها البر الذاتي: وهناك خطايا مخفية يغطيها البر الذاتي. فهناك أناس يقعون في خطية البر الذاتي، أي يظن الإنسان نفسه أنه بار فيكون بارًا في عيني نفسه فقط. ولكن له خطايا لا يعرفها أو يعرفها ولكنه يغطيها، قد يغطيها بالأعذار، أو بالتبريرات، أو بالكذب.. بأي شيء ولكنها خطايا.. خطايا خفيّة في داخله سعيدٌ هو الإنسان الذي يفحص ذاته باستمرار، ويرى ما بداخله من خفيات ويصلحها. الخطايا الخفية سيكشفها الله في اليوم الأخير: أريد أن أقول لكم كلمة مخيفة عن الخطايا الخفية: فالخطايا الخفية لابد أن يكشفها الله. فهناك كشف في اليوم الأخير، حين تُفْتَح الأسفار، وتُقْرَأ الأفكار وتُعْرَف النيَّات، في ذلك الوقت أين نخبئ وجوهنا؟! لذلك الإنسان الحكيم يبحث عن الخطايا الخفية من الآن. ويحاول أن يعالجها لأن السيد المسيح يقول: "ما تقولونه في المضاجع يُنادى به فوق السطوح" (إنجيل لوقا 12: 3) ويقول ليس خفي إلا ويُعرَف ولا مكتوب إلا ويُسْتَعلَن (إنجيل لوقا 12: 2) إذن هذه الأشياء الخفية يأتي وقت وتنكشف. فلا بد أن تكتشفها أنت وتتوب عنها بدلًا من أن تنكشف في وقت لا يكون هناك توبة. الخفيات والرجل: نقطة أخرى في الخطايا الخفية. أحيانًا الرجل يظن أنه رجل بحق، ولكن هناك أشياء تكشفه وتُخْرِج خفاياه قد تنكشف خفاياه بواسطة المرأة، أو بواسطة المال، أو بواسطة الوظائف والألقاب فالمرأة قد تُسَيطِر على عقل الرجل سيطرة كاملة. فبعض الرجال تسيطر عليه المرأة إلى الدرجة التي تجعله يترك حتى دينه من أجلها! مما يدل على أنه: إما أنه ضعيف من الداخل لا يستطيع مقاومة المرأة، أو أن إيمانه ضعيف من الممكن أن يغيره من أجل امرأة أتذكر زمان وأنا شاب صغير كنت قرأت كتاب للكاتب الشهير أحمد الصاوي محمد، واسم الكتاب: "المرأة لعبتها الرجل". أي أن المرأة إذا شاءت تستطيع أن تلعب بالرجل. وطبعًا ليس كل الرجال هكذا. والكاتب الشهير/ أحمد الصاوي محمد له كتابين: "المرأة لعبتها الرجل" و"الشيطان لعبته المرأة"؛ أي أن الشيطان يهوى اللعب بالمرأة، والمرأة التي يلعب بها الشيطان تقوم بدورها باللعب بالرجل. فنحن نختبر الرجل هل هو رجل على حق أم لا، عندما يُواجَه بامرأة لها تأثير عليه وجاذبية عليه أو نختبره هل هو رجل على حق أم لا، وذلك عندما يُحارَب بالمال ونرى هل سيهتز أمام المال أم لا؟ هل سيغير مبادئه من أجل المال أم لا؟ أو عندما يحارب بمنصب من المناصب أو لقب من الألقاب، فيبدأ يهتز من الداخل فكلمة رجل قد تكون كلمة خارجية فقط، والخفيات تظهر بهذه الاختبارات. الخفيات والزواج: نقطة أخرى في الخطوبة والزواج، ففي الخطوبة يظهر الرجل في منتهى اللطف، والتودد للمرأة وطلب رضاها، ويُظهر ذوق رفيع، وبمجرد الزواج تظهر الخفيات في طريقة معاملته. أنا أتعجب عندما تأتي إليَّ بعض الزوجات ويخبرونني أن أزواجهن يضربوهن. كيف هذا؟ أين أيام الحب وأيام الخطوبة وأيام الوِد والهدايا؟! هل كان هذا من الظاهر فقط؟ وكان هناك خفيات؟ المرأة الذكية هي التي تدرك هذه الخفيات عند الرجل، قبل الارتباط به.لكن أحيانًا السيدات يقولون: نار الزوج أحسن من جنة الأب! هل هذا كلام؟! وهل تحتمل هذه المعاملة السيئة؟! والأعجب أن بعض السيدات تكون سعيدة بذلك!! الخفيات والرهبنة: في الرهبنة مثلًا. الرهبنة هي حياة الوحدة والصلاة. لكن بمجرد أن يتقدم شخص للرهبنة، لا نتركه للوِحدة مباشرة، لئلا نضعه في الوحدة فيغلق نفسه على طباعه الخاطئة، وخطاياه. فلابد أن نضعه في بداية الأمر في المجمع ليتعامل مع الآباء، فيظهر هل عنده غضب أم لا؟ هل يحتمل أم لا؟ هل لو غضب يفقد أعصابه؟ أم يحتفظ بغضبه في قلبه؟ وعندما يفقد أعصابه، هل يشتم؟ هل يضرب؟ ونبدأ نرى الراهب في المجمع كيف يسير؟ فإذا استطاع أن يكشف أخطاءه الخفية، في المجمع ويعالجها نسمح له بالوحدة بقلب نقي وفكر نقي أحيانًا راهب يقول ما هذا؟ هل يدخلوني الدير لأشتغل؟ أنا أريد التوحد. فنقول له: يا حبيبي تتوحد بعد أن تتنقى من الداخل.. بعد أن تكتشف الخفيات التي بداخلك وتعالجها. الخفيات والكهنوت: وأيضًا في الترشيح للكهنوت هناك خطأ يقع فيه الكثيرين حيث يكون هناك أحدهم مرشح للكهنوت ونسأل لماذا رُشح للكهنوت؟ فيقولون إنه خادم ممتاز يخدم في الأماكن كذا وكذا وكذا إلخ وكتلة نشاط ويعظ جيدًا ولديه معلومات ولكن عندما يرسم كاهن، يجب أن نتعرف على خفياته. كيف نعرف خفياته؟ نعرفها من كيفية معاملته مع زوجته وأولاده في البيت؟ هذه النقطة كثيرًا ما نهمل البحث فيها. لا أدري كيف سنعرف ذلك! فإذا امرأته قالت زوجي هذا لا يصلح أن يكون كاهنًا، ستكون الطامة الكُبرى وستتلقى منه العقاب الرادع! ويوجه لها اتهامات بأنها خائنة كيهوذا وغيره من الاتهامات!! ولكن في الحقيقة للتأكد من صلاحية هذا المرشح للكهنوت لابد أن نبحث عن الخفيات والخفيات هي معاملته في البيت مع زوجته وأولاده لا يجب أن نسير بالظاهرات. الخفيات في علاقة الإخوة: الإخوة مثلًا كل واحد يقول عن أخوه "لا يوجد من أحبه أكثر من أخي هذا"ولكن ممكن أن تختبر محبة الأخ بخفيات معينة فلو تنازع الأخوة على الميراث، فهذه النقطة قد تحول هذا الأخ الذي يدعي حبه لأخوه إلى عداوة وقضايا في المحاكم. الخفيات في علاقة الصداقة: في الصداقة مثلًا، قد تقول صديقي هذا أنا أعرفه جيدًا وأثق به فيسألوك هل جربته أم لا؟ إذا قلت لا إذن أنت لا تعرفه هل حدث نوع من الاحتكاك بينكما أم لا؟ إذا لم يحدث إذن أنت لا تعرفه فعندما تحتك بشخص تظهر الخفيات لكن طوال فترة الهدوء لا تظهر الخفيات وكما قال السيد المسيح "أي فضل لكم إن سلمتم على الذين يسلمون عليكم؟! لا شيء"( إنجيل متى 5: 47). نحن نقول: "نجنا من الأعداء الخفيين".. من هم الأعداء الخفيين؟ الشيطان: طبعًا أول عدو خفي هو الشيطان والشيطان يوسوس في الفكر ويوسوس في القلب، ويأتي بمُغريات وأشياء كثيرة فالشيطان من الأعداء الخفيين هو وأعوانه. مؤامرات الناس الأشرار: أيضًا مؤامرات الناس الأشرار الخفية والظاهرة ما أكثر المؤامرات التي ينقذك منها الله دون أن تعرف ودون أن تصل إليك الله أبعدها عنك دون أن تدري. الأصدقاء غير المخلصين: هناك أعداء خفيين هم الأصدقاء غير المخلصين كما يقولون "في الوش مرايا وفي القفا سلاية"!! سلاية أي شوكة. الشخص المنافق: من الأعداء الخفيين أيضًا الشخص الذي يكون بوجهين أمامك بوجه ومن وراءك بوجه آخر تقابله، يا سلام! ينطبق عليه قول الشاعر: يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب هذا الشخص يكون من الأعداء الخفيين، وإن كان يظهر كصديق أحدهم قال "نجني يا رب من أصدقائي أما أعدائي فأنا أعرفهم جيدًا" ما يقوله في وجهك غير ما يقوله في غيابك هؤلاء من قال عنهم الكتاب يلبسون ثياب الحملان وهم ذئاب خاطفة ثياب الحملان في الظاهرات، وذئاب خاطفة في الخفيات. المتملقون ممكن أن يكون هناك شخص في مركز كبير، يقابلوه بعض العاملين تحت إدارته بالتملق والنفاق والرياء كلها في ظاهرها أشياء طيبة بينما في الخفيات متعبة. المرشدون الروحيين بطريقة خاطئة: أحيانًا الأعداء الخفيين يكونون بعض المرشدين الذين يرشدون بطريقة خاطئة! الله قال لبني إسرائيل "يا إسرائيل مرشدوك مضلون"(سفر إشعياء 3: 12) فالكتبة والفريسيون والكهنة والصدوقيون ورؤساء الشعب أيام السيد المسيح، كانوا مرشدين مضلين، لذلك قال عنهم السيد المسيح "أعمى يقود أعمى كلاهما يسقطان في حفرة" (إنجيل متى 15: 14) ما أكثر الناس الذين أضاعهم مرشدون مضلون. الخفيات والظاهرات في العلاقات: قد يكون إنسان مخلص من الظاهر، ثم يحب علاقة أخرى، فينقلب! وتدخل حكاية "مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِيءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ" (سفر الأمثال 17: 15) أو الألفاظ التي ليس معنى أو معناها عكسي مثل شخص يقول لك عن شخص آخر "فلان هذا الله يسامحه"، وهو في نيته يريد أن يقول "الله يجازيه حسب أعماله"ّ! ربما الكثير منكم يستخدم هذه العبارة أو شخص يسيء إلى آخر فيقول له "اذهب الله يسامحك"، وكلمة الله يسامحك هنا معناها "أنا متضايق منك إلى أقصى درجة". التجربة أيضًا تكشف المخفي فيظهر. الخفيات والظاهرات بالنسبة لله: أولًا: الله لا يوجد أمامه أبدًا خفيات. كل شيء مكشوف أمامه يعلم ما في القلب وما في الفكر وما في النية ولا يخفى عليه شيء. ثانيًا: يعمل الله في الخفاء بواسطة نعمته فنعمة الله تعمل معك في الخفاء فمن ضمن الخفيات، عمل نعمة الله وعمل روحه القدوس. ثالثًا: الله يعمل معنا بواسطة ملائكته في الخفاء ومن ضمن العمل في الخفاء عمل ملائكته القديسين يقول الكتاب "مَلاَكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ، وَيُنَجِّيهِمْ" ( سفر المزامير 34: 7) ويقول "يرسل ملائكته إليك يحفظونك في كل طرقك" (سفر المزامير 91: 11) ومن ضمن الأشياء الجميلة في الملائكة وعملهم في الخفاء، أيام إليشع النبي عندما كان الجنود الأعداء يحيطون بالمدينة، وتلميذه جيحزي كان يرتعش فقال إليشع النبي "يا رب افتح عيني الغلام ليرى إن الذين معنا أكثر من الذين علينا"، فعندما فٌتِحَت بصيرته وجد ملائكة كثيرين موجودة حولهم نجوهم من الأعداء (سفر الملوك الثاني 6: 17) الملائكة تعمل في الخفاء وعملهم قوي دائمًا الأشياء التي تعمل في الخفاء تكون قوية لذلك الله أمرنا أن نعمل الخير في الخفاء دون أن يشعر أحد به وهذه الأشياء التي تعمل في الخفاء يكشفها الله في اليوم الأخير، فإذا هي نور ومجد أمام الناس لذلك يقول الله "بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ،" (إنجيل متى 6: 20) فهي أعمال في الخفاء، ولكنها كنوز تذهب إلى السماء البعض لا يحبوا أن يصنعوا كنوزًا في السماء، ولا على الأرض! آخر شيء أقوله في الخفيات والظاهرات: العالم الحاضر هو من الظاهرات والحياة الأبدية هي من الخفيات لأنه ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر هو من الخفيات. مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث عظة الأربعاء يوم 19 - 5 - 2010 كاتدرائية الأنبا رويس بالقاهرة
المزيد
02 أبريل 2025

النور و الظلام في الكنيسة

أكلمكم اليوم عن النور والظلام في الكنيسة، مجرد كلام من الكتاب المقدس لا أقول فيه شيء من عندي إنما أردد ما يقوله الروح للكنائس. معنى النور: عندما ندخل للكنيسة ونضيء شمعة أمام أيقونة قديس من القديسين، المسألة ليست مجرد شمعة، إنما لها معنى ورموز ودلالات، أي نتذكر أن هذا القديس كان نورًا لمن حوله من الناس ونتذكر أنه كان يبذل حياته من أجل غيره كما تبذل الشمعة ذاتها لكي تنير للآخرين أي هذه المسائل لها معنى. وهكذا نأخذ الأمر من جهة دلالاته ورموزه في الكنيسة. الله يحب النور: أول ما خلقه الله هو النور: أول شيء أقوله عن النور، أن الله يحب النور، بدليل أن أول يوم في الخليقة خلق الله النور. ففي اليوم الأول "وَقَالَ اللهُ «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ" (سفر التكوين 1: 3-4). يومين من أيام الخليقة للنور: وليس فقط في أيام الخليقة اليوم الأول كان للنور، بل هناك يومين للنور اليوم الأول خلق الله النور، وَرَأَى أَنَّهُ حَسَنٌ وفي اليوم الرابع، صنع النورين العظيمين الشمس والقمر الشمس لضياء النهار والقمر لضياء الليل أي يومين من الستة أيام كانا للنور. الله نفسه نور: الله نفسه قيل عنه أنه نور لا يدنى منه ولذلك نحن "أولاد الله" لنا أسم "أولاد النور" أيضًا وأول ما يقال في التسبحة "قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات"، "تين ثينو إى إبشويس نى شيرى إنتى بى أوؤينى" وممكن شخص ينتسب إلى النور يسمونه "عبد النور" أي "عبد الله". أنا هو نور العالم: الابن أيضًا قال: "أنا هو نور العالم، من يتبعني لا يمشي في الظلمة" ونحن نقول عليه "هو النور الحقيقي" وهكذا ورد في إنجيل يوحنا في الإصحاح الأول وهو نفسه قال عن ذاته قبل الصلب بفترة بسيطة "النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ" (إنجيل يوحنا 12: 35) أتذكر أني في عام 1945 أو 1946 تقريبًا أي منذ حوالي 65 أو 64 سنة كنت أسير في شارع إبراهيم باشا (الجمهورية حاليًا) فوجدت دار للكتاب المقدس يضعون في "الفاترينة" إنجيل كبير، فوقفت وقرأت هذه الآية التي أعجبتني وهي "النور معكم زمانًا قليلًا بعد، فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام" وكنت أكتب هذه الآية على كراسات محاضراتي باستمرار لأنها أعجبتني "النور" الذي هو "السيد المسيح" وفي سفر الرؤيا يقال عن السيد المسيح عندما ظهر للقديس يوحنا الحبيب "وجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها" – بعد القيامة – هل يوجد نور أكثر من ذلك؟! الروح القدس نور: والروح القدس كانت تظهر في ألسنة من نار وهي مضيئة أيضًا. وماذا أيضًا عن النور: الملائكة نور: والملائكة أيضًا ملائكة من نور كما ورد في كورنثوس الثانية إصحاح 11. الأبرار نور: الأبرار أيضًا نور حيث يقول الإنجيل"فليضيء نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الحسنة"(إنجيل متى 5: 16) والمسيح قال للأبرار تلاميذه"أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ" (إنجيل متى 5: 14) وفي القيامة يقوم الأبرار بأجسام نورانية روحانية. الكتاب المقدس نور: ليس فقط الله وملائكته والأبرار نور، حتى وصايا الله والكتاب المقدس هو أيضًا نور حيث يقول المزمور 19 "وصية الرب مضيئة تنير العينين عن بُعد" (سفر المزامير 19: 8) ويقول "مصباح لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (سفر المزامير 119: 105 - قطعة ن). الكنيسة نور: الكنيسة نفسها عبارة عن منارة تشبه السماء في نجومها وفي ملائكتها لذلك الكنيسة دائمًا تكون منيرة لأننا لا يمكن أن نتصور السماء مظلمة ولو كانت السماء مظلمة كنا لا نشبه الكنيسة بالسماء أو النجوم أو الملائكة. أقوال القديسين نور: النور أيضًا نجده في تعاليم القديسين، لذلك في أسبوع الآلام عندما ننتهي من قراءة أي فصل من أقوال أحد الآباء نقول: "فلنختم عظة أبينا القديس (فلان) الذي أنار عقولنا بتعاليمه النافعة". النور هو الاستعداد للقاء الرب: النور أيضًا هو الاستعداد للقاء الرب، لذلك يقول الكتاب، لتكن "مناطقكم مشدودة ومصابيحكم موقدة وأنتم تنتظرون الرب" (إنجيل لوقا 12: 35). النور نطلبه في صلواتنا: النور أيضًا هو ما نطلبه كل يوم في صلواتنا. في صلاة باكر نقول "عندما دخل إلينا وقت الصباح أيها المسيح إلهنا، فلتشرق فينا الحواس المضيئة والأفكار النيرة" ونقول "أنر عقولنا وقلوبنا وأفكارنا وهب لنا في هذا اليوم أن نرضيك فيه"ونقول باستمرار: "بنورك يا رب نعاين النور". النور في أورشليم السمائية: وإن كان أول الكتاب المقدس يتكلم عن النور الذي خلقه الله في اليوم الأول. فآخر الكتاب المقدس أيضًا يتكلم عن أورشليم السمائية المنيرة التي يقول فيها: "مجد الله أنارها والرب سراجها"، ونص الآية هو: "مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْخَرُوفُ سِرَاجُهَا" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: 23)،لذلك ما دام الله قد أنارها لا تحتاج إلى نور شمس ولا قمر لأن نور الرب هو الذي أنارها. كنيستنا منارة من ذهب: إن كان الأمر بهذا النور وأهميته، فما علاقة الكنيسة بالنور؟ كما قلت لكم أن الكنيسة تسمى "منارة" أي "مصدر النور" وفي سفر الرؤيا قيل أن الرب في وسط الكنائس السبع "السبع منائر من ذهب" وكلمة ذهب تعطي قيمة. فالكنيسة شُبِّهَت بمنارة ومنارة من ذهب. النور في خيمة الاجتماع وفي هيكل سليمان: هذا الكلام ليس فقط في العهد الجديد إنما من العهد القديم. الرب أمر موسى أن تكون هناك منارة وهناك سبع شهب مضيئة السبع شهب لكي تنير خيمة الاجتماع باستمرار. ومن اهتمام الرب بها، أنه قال أنها سرج من ذهب نقي لتضيء (خر 25: 37، 38) وأيضًا قال: "أنها تنير من زيت زيتون مرضوض لإصعاد السرج" (سفر الخروج 27: 20؛ سفر اللاويين 24: 2) وأصبح واجب باستمرار إيقاد هذه السرج لكي تكون خيمة الاجتماع منيرة باستمرار وعندما بني سليمان الحكيم الهيكل اهتم بـ"الْمَنَائِرَ وَسُرُجَهَا لِتَتَّقِدَ حَسَبَ الْمَرْسُومِ" (سفر أخبار الأيام الثاني 4: 20) أي كانت خيمة الاجتماع مضيئة بالسرج وسليمان أيضًا في الهيكل اهتم بالسرج وبالمناير وحدث في أيام حزقيا الملك الصالح عندما أراد أن يصلح الأخطاء السابقة قال: "آبائنا من قبل خانوا الرب فأطفأوا السرج"(سفر أخبار الأيام الثاني 29: 6، 7) أي اعتبر إطفاء السرج خيانة للرب وكما قلت لكم أن أورشليم السمائية كان الرب هو السراج. النور في الأديرة: وحتى الآن إضاءة السرج موجودة في الأديرة، وغير السرج يوجد الشموع والقناديل وغيرها لذلك كان يوجد في الدير كما عاصرت أنا هذا الأمر راهب يسمى القندلفت. وكلمة "قندلفت" جاءت من كلمة "القنديل" أي هو المختص بإضاءة القناديل وهو الذي ينير الكنيسة وأتذكر عندما بدأت بنعمة الله في تعمير دير البراموس كنت أسكن في حجرة في الدير وأقوم بضبط المنبه على ربع ساعة قبل صلاة نصف الليل وبمجرد أن أسمع الجرس أنزل وأكون أول من يدخل الكنيسة وينورها بالشموع وغيرها. النور يملأ الكنيسة حتى في طقوسها وصلواتها: وظلت الشموع في الكنيسة رمز للنور. وأصبحت موجودة في الخدمة وأصبحت الشموع موجودة أمام الأيقونات فتجد كل أيقونة أمامها مكان يوضع فيه الشموع والشموع تستخدم في قراءة الإنجيل عند بدء قراءة الأنجيل توقد شموع يمين وشمال ونقول الآية التالية سرًا: "مصباح لرجلي كلامك ونور لسبيلي"(سفر المزامير 119: 105). النور في ليلة أبو غلامسيس: وفي ليلة "أبو غلامسيس" نكون محاطين بالأنوار وكلما نقرأ عن كنيسة من الكنائس: "وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أَفَسُسَ أو الَّتِي فِي سِمِيرْنَا.. إلخ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2، 3) نضيء شمعة رمز للكنيسة أنها منيرة. ونقول: "من له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 7، 11، 17، 29؛ 3: 6، 13، 22). النور في رسامة الأساقفة: وفي زفة الأسقف الجديد يسير مجموعة من الشمامسة ومعهم شموع يلفون بها أمام الشعب كله. النور في زفة القيامة: وفي زفة أيقونة القيامة نَمر بالشموع والأنوار في الكنيسة. النور في صلاة القنديل: وفي القناديل يكون على المذبح قنديلين كبيرين يضاءوا، الأصل في الطقس أن يكونوا سبعة ولكن الآن يستعيضوا عنها بسبع لمبات كهرباء (4 و3) أو (5 و 2). النور في زفة الجمعة العظيمة: وفي زفة الجمعة العظيمة بعد الانتهاء من الصلاة وألحان الدفن نضع الصليب وبجواره نور،رمز للملائكة الذين كانوا يحرسون القبر، ملاك على اليمين وملاك على الشمال. في سر مسحة المرضى: وفي سر مسحة المرضى نسميه القنديل لوجود أنوار في كل صلاة من الصلوات حيث نقوم بوضع أنوار. كما أننا نضع شمعدان في الكنيسة أيضًا. النور في الأعياد والمناسبات العامة: ولا ننسى أيام الأعياد حيث تكون أكثر الأيام التي تكون فيها أنوار في الكنيسة وفي كل المناسبات العامة لكي تكون الكنيسة فعلًا منارة ومنيرة للناس. ماذا عن الظلام؟ أما من جهة الظلام فأريد أن أقول: ما أبشع الكلمات التي قيلت في الكتاب عن الظلام. الظلام رمز للشر: أول شيء أن الظلام رمز للشر، لذلك يقولون عن الأشرار: "أحبوا الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة" (إنجيل يوحنا 3: 19) وفي سفر الأمثال يقول: "أما طريق الأشرار فظلام ومن أعمق الكلام الذي قيل عن الظلام كلام السيد المسيح للناس الذين أرادوا اتهامه وصلبه قال لهم: "هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ" (إنجيل لوقا 22: 53) حيث اعتبر كل ما مر به من خيانة ومن هتاف الناس ضده ومن تسليمه للحكام ومن الحكم عليه كل هذا ظلام فقال: "هذه ساعتكم وسلطان الظلام". الظلام يرمز إلى عدم الإيمان: وكان الظلام أيضًا في الكتاب المقدس يرمز إلى عدم الإيمان ولذلك في أفسس 5: 8 بولس الرسول يقول لأهل أفسس: "كنتم من قبل ظلمة" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 8) أي لم يكن عندكم إيمان. "أما الآن فأنتم نور". ضربة الظلام: والعجيب أن الظلام كان إحدى الضربات التي ضرب بها فرعون وشعبه أيام موسى بأمر من الله لموسى. كانت إحدى الضربات، وهذه المسألة موجودة في خروج إصحاح 10.وأيضًا الظلام كضربة موجود في سفر الرؤيا. في إصحاح 8 وإصحاح 9 من ضمن الضربات التي جاءت نتيجة لأبواق الملائكة الذين بوقوا. الظلام عقوبة الأشرار: والله عندما يتكلم عن عقوبة الأشرار يقول ليكن طريقهم ظلامًا وملاك الرب طاردهم. الظلام رمز الجهل: والظلام أيضًا يرمز للجهل ففي سفر الجامعة 2: 14 يقول: "اَلْحَكِيمُ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَسْلُكُ فِي الظَّلاَمِ" (سفر الجامعة 2: 14). الظلام في أواخر الأيام: والظلام موجود في أواخر الأيام، في أواخر الأيام السيد المسيح يقول في متى 24 ومرقص 13 أن: "في الآخر بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه""وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ" (إنجيل متى 24: 29؛ إنجيل مرقس 13: 24). أصعب ما قيل عن الظلام: ولكن أصعب شيء قيل عن الظلام هو: "إن الأشرار يُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ" (إنجيل متى 8: 12؛ 22: 13؛ 25: 30) ولماذا سميت بالظلمة الخارجية؟ يسموها الظلمة لأنها بعيدة عن الله الذي هو نور وبعيدة عن الملائكة الذين هم نور وبعيدة عن الأبرار الذين هم نور وبعاد عن أورشليم السمائية التي هي نور وخارجية أي خارج ملكوت الله أقصى ما يمكن أن ينتظر الناس هو الظلمة الخارجية لذلك نحن نكره الظلام. ونحب أن الكنيسة تكون مملوءة بالنور باستمرار كما سبق وشرحنا فيما مضى. الظلام هو الشر وهو أيضًا نتيجة للشر: ومن كلام الله ضد الظلام يقول: "إن كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون" ويقول: "الذي عينه شريرة يكون جسده كله مظلمًا"، "سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا"، "فَإِنْ كَانَ جَسَدُكَ كُلُّهُ نَيِّرًا لَيْسَ فِيهِ جُزْءٌ مُظْلِمٌ، يَكُونُ نَيِّرًا كُلُّهُ" (إنجيل متى 6: 23؛ إنجيل لوقا 11: 34؛ إنجيل لوقا 11: 36) لم يقل جسده كله شرير بل قال مظلم أي الظلام والشر شيء واحد ولذلك يعتبروا أن الشخص الذي يعاقبه الله يقول الكتاب: "سِرَاجُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ" (أمثال 24: 20)، "يَنْطَفِئُ سِرَاجُ الأَشْرَارِ" (سفر أيوب 21: 17), ويقول "تظلم عيونهم كي لا يبصروا" (سفر المزامير 69: 23). في رشم الصليب: صدقوني حتى في رشم الصليب نقول الله من فوق نزل إلى تحت لينقلنا من الظلمة إلى النور. والظلمة يرمز إليها الشمال مصير الأشرار. إستثناءين تطفأ فيهم الأنوار في الكنيسة؟ الاستثناءين الوحيدين في الكنيسة هم الآتي: الجمعة العظيمة: هو يوم الجمعة الكبيرة من الساعة السادسة إلى التاسعة (تكون ظلمة على الأرض من الساعة السادسة إلى التاسعة) حيث أنه من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة كانت أكثر وقت لآلام المسيح المُرة لذلك نقول: يا من في اليوم السادس وفي الساعة السادسة سمرت على الصليب. وفي الساعة التاسعة نقول: "يا من ذاق الموت في وقت الساعة التاسعة" إذن من السادسة للتاسعة كان أصعب وقت للمسيح على الصليب. ويقول الكتاب: حدثت ظلمة على الأرض كلها لأن الطبيعة في آلام المسيح كانت متألمة معه ولذلك كانت ظلمة على الأرض. تمثيلية القيامة: وثاني استثناء في تمثيلية القيامة يوم عيد القيامة يطفأ النور ونبدأ نقول الألحان الخاصة بالقيامة "افتحوا أيها الملوك أبوابكم ليدخل ملك المجد....الخ". هذه الظلمة لمدة عدة دقائق ترمز إلى ظلمة القبر الذي قام منه السيد المسيح لذلك عندما نقول "المسيح قام بالحقيقة قام" تضاء الأنوار أنا لم أكلمكم في هذا الأمر عن رأيي الخاص وإنما عما يقوله التعليم في الكتاب المقدس وطقوس الكنيسة وما قاله الوحي الإلهي. مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث عظة يوم الأربعاء 12 مايو 2010 الكاتدرائية الكبرى بالقاهرة
المزيد
26 مارس 2025

شجعُوا صِغار النفوس

لا شك أن الله يحب الأقوياء، ويريد أن يكون كل مؤمن قويًا في حربه مع الشيطان، قويًا في إيمانه وجهاده، ويعطي الطوبى للغالبين المنتصرين. ولكنه مع ذلك.. بكل حب يشجع صغار النفوس، ويسند الضعفاء، ويتأنى عليهم..بل إن السيد المسيح جعل صغار النفوس هؤلاء في مقدمة الذين يخدمهم. فقيل عنه في نبوءة اشعياء «رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ.. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ» (إش61: 1-2).وهكذا جعل رسالته من أجل المساكين والمنكسرين والمسبيين والمأسورين والنائحين. وماذا تراه يفعل لأجل هؤلاء؟ إنه يقول: "لأعطيهم جمالًا عوضًا عن الرماد، ودهن فرح عوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة".هذا هو السيد المسيح الذي قيل عنه في تشجيعه للآخرين:"قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ".إنه يعطي رجاء حتى لهؤلاء، وينفخ في الفتيلة المدخنة فربما تشتعل بعد حين، وتضيء لآخرين.ولذلك لما كان يهوشع واقفًا بثياب قذرة والشيطان يقاومه، قال ملاك الرب للشيطان، لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب.. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار.. وأمر أن ينزعوا عن يهوشع ملابسه، ويلبسوه ثيابًا مزخرفة طاهرة (زك3: 1-5).ومعلمنا بولس الرسول يهتم بصغار النفوس فيقول: «اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَدِ» (عب13: 3). ويقول الرب: "لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار"... وهو نفسه قد اهتم بكل صغار النفوس الذين قابلهم. ومن هؤلاء الخطاة والعشارون. وحتى المرأة التي ضُبِطت في ذات الفعل، وأحضروها إليه وهي في مرارة الذل طالبين رجمها، أنقذها من أيديهم ولم يشأ أن يخجلها، بل قال لها في حب: «وأنا أيضًا لا أدينك، اذهبي بسلام».طريقة الرب هي أن يبني النفوس المسكينة، لا أن يحطمها.ولذلك قال عبارته المملوءة حبًا وتشجيعًا «ما جئت لأدين العالم، بل لأخلّص العالم». وهكذا نراه يترك الجموع، ويقف عند خاطئ هو زكا رئيس العشارين، ويشجعه بعبارة حب هي «ينبغي اليوم أن أكون في بيتك»، بل يقول له: «اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت». ويريه أن خطاياه مهما كانت، لا تمنع عنه الخلاص. وأن سمعته مهما كانت ردية، لا تمنع دخول الرب في بيته.إن الرب في تشجيعه، يجعل باب الخلاص مفتوحًا للكل.حتى أمام اللص اليمين، في اللحظات الأخيرة من حياته، وهو مصلوب، يستمع قول الرب «اليوم تكون معي في الفردوس». وحتى مع المرأة السامرية، رأى فيها الرب شيئًا حلوًا، على الرغم من سيرتها الخاطئة، فقال لها في تشجيع «حسنًا قلتِ.. هذا قلتِ بالصدق» (يو4: 17، 18). إنه القلب الطيب، صاحب الكلمة الطيبة.ليست من فم الرب دينونة، بل من فمه كلمة بركة.حقًا إن حلقه حلاوة، وكله مشتهيات (نش5: 16).انظروا موقفه الجميل من بطرس الرسول، بعد أن أنكره ثلاث مرات، وكانت نفسه مرة للغاية، وقد بكى بكاءً مرًا.. ظهر له بعد القيامة، ولم يقل له كلمة توبيخ واحدة.. وإنما قال له في تشجيع «ارعَ غنمي. ارعَ خرافي» (يو21: 15، 16).وتوما الرسول، لما وجده الرب قد شك في القيامة، وأصر أن يرى ويلمس، ويضع إصبعه مكان الجروح، وإلا لا يؤمن..! لم يوبخه الرب، وإنما ظهر له، وسند ضعفه وقلة إيمانه، وحقق له رغبته، وقال له «لا تكن بعد غير مؤمن، بل مؤمنًا»..إنها طريقة الرب، منذ البدء، منذ آدم وحواء.كان آدم منكسر القلب، خائفًا، مختبئًا خلف الأشجار بعد سقوطه، لا يجرؤ أن يرى الله.. ولكن الله بطريقته في تشجيع صغار النفوس، ذهب إليه، وناداه، وفتح معه الحديث، ووعد بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية.ولما رأى الرب يونان النبي في صِغر نفسه. وقد اغتمت نفسه، وطلب الموت قائلًا: «موتي خير من حياتي»، لم يتركه الرب في صغر نفسه، وأنبت له اليقطينة لتظلّله، ثم ظلّ به حتى تفاهم معه، وخلصه من غمه، وشرح له الموقف مع أهل نينوى، وأنقذ نفسه كما أنقذهم.ولما رأى إيليا النبي خائفًا من إيزابل، ظانًا أنه قد بقى وحده بعد قتل الأنبياء، وقد طلبوا نفسه ليهلكوها، كلمه الرب وقال له «مالك هنا يا إيليا؟» وأرسل له معونة من عنده وقوّاه، وأخبره بأن هناك سبعة آلاف ركبة لم تنحنِ لبعل. وكلفه بأن يمسح أشخاصًا للقضاء على فساد الوثنية (1مل19).إن عبارة «شجعوا صِغار النفوس» عبارة مملوءة حنانًا.ولكن من هم صِغار النفوس الذي نشجعهم..؟إنهم الساقطون، واليائسون، والفاشلون، والأطفال، والخطاة، والخائفون. ومن تنهار نفوسهم وتضعف، ويفقدون الثقة في القدرة على القيام...هؤلاء لا ندينهم، ولا نشهّر بهم، ولا نستهزئ بهم أو نتهكم عليهم، ولا نعاملهم بقسوة، وإنما نسند ضعفهم بتشجيعنا.قيل عن القديس الأنبا إيسيذورس قس القلالي، إنه كان إذا طَرَدَ بعض الآباء خاطئًا ويئسوا منه، يأخذه الأنبا إيسيذورس إليه، ويطيل أناته عليه، ويظل به حتى يقيمه من خطيئته. وقد فعل هذا مع موسى الأسود، الذي كان في بدء حياته مُحارَبًا جدًا من العدو، حتى أنه أتى إلى الأنبا إيسيذورس 11 مرة في ليلة واحدة.. وبطول أناة معلمه تحول إلى قديس عظيم.لا تحتقر تفاهة في إنسان، إنما أنقذه من تفاهته.كن يدًا منقذة للضعيف، وكلمة رجاء لليائس، وافتح طاقة من نور أمام من أضلتهم الظلمة. ولا تكن قاسيًا ولا ديانًا. ولا توبخ أحدًا على سقطته، بل ساعده على القيام منها. ولا تتهكم على مستوى ضعيف لأحد من الناس، وإنما خذ بيده لكي ترفع مستواه..كان موسى النبي "ثقيل الفم واللسان"، و"ليس صاحب كلام" وقد اعتذر عن إرسال الرب له لهذا السبب، لكن الرب شجعه، وأعطاه هارون أخاه لكي يكون فمًا له.. وهذا الذي لم يكن صاحب كلام، صار لقبه كليم الله.وإرميا النبي كان صغير السن، وكانت نفسه صغيرة لهذا السبب، وقال للرب «لا أعرف أن أتكلم لأني ولد»، ولكن الرب لم يدعه يستسلم لضعفه، وإنما شجعه بقوله «هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود جديد، وأسوار نحاس على كل الأرض.. فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب لأنقذك» (إر1: 6، 18).ويشوع بن نون الذي صغرت نفسه بعد وفاة موسى النبي، ووجد نفسه أصغر من المسئولية، شجعه الرب بقوله «تشدد وتشجع.. لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك. لا أهملك ولا أتركك.. لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب» (يش1: 5، 9).إنها كلمات الرب المشجعة. وكثيرًا ما يشجع الرب بوعوده، أو بالمعونة التي يرسلها إلى الإنسان، فيقويه.وقد كان هذا التشجيع هو أيضًا عمل الأنبياء، وكان أنشودة في المزامير.وما أكثر التشجيع الذي يقوله الكتاب للخطاة.يقول إن الرب يغسل خطاياهم، فتبيضّ أكثر من الثلج، وأنه ينساها ولا يعود يذكرها، وأنه كبعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا، لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن (مز103). ويقول الكتاب أيضًا: «لا تشمتي بي يا عدوتي، فإني إن سقطت أقوم»، ويقول إن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم!داود النبي لما رأى الجيش خائفًا أمام جليات شجعهم بقوله: «لا يسقط قلب أحد بسببه» (1صم16).ولم يشجعهم بالألفاظ فقط، إنما أيضًا بالقوة، بشجاعته.ونحميا وقف مع الشعب الضعيف اليائس المطحون، وشجعهم على بناء سور أورشليم، ليس بالكلام فقط، وإنما اشترك معهم في العمل، وشجعهم باشتراكه.وموسى النبي لما رأى الشعب وقد صغرت نفسه أمام عبودية فرعون، وإزادة الضغط عليهم، شجعهم بأن واجه الموقف بنفسه. وأيضًا قال لهم «قفوا وانظروا خلاص الرب. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون».وكانت الكنيسة تشجع الشهداء والمعترفين في ساحة الاستشهاد.حتى أثناء محاكماتهم، وأيضًا في السجون. وكم من كتب كتبها الآباء حثًا على الاستشهاد، وكم من أمهات شجعن أولادهن على تقبل الموت..حتى العمل الصغير الضئيل، كان يلاقي تشجيعًا.السيد المسيح لم يمتدح فقط الزرع الذي أتى بمائة أو بستين، وإنما حتى الذي أتى بثلاثين فقط قال عنه أنه زرع جيد.ليتنا نسلك بأسلوب المسيح، ونشجع الكل مثله. مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
المزيد
19 مارس 2025

لست أريد شيئاً من العالم

هذا هو أول شيء يجب أن يقوله الإنسان الذي يحب أن يصل إلى انطلاق الروح: لست أريد شيئًا من العالم، فليس في العالم شيء أشتهيه، أنها تجارب تحارب المبتدئين. لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم أفقر من أن يعطيني لو كان الذي أريده في العالم، لانقلبت هذه الأرض سماءً، ولكنها ما تزال أرضًا كما أرى، ليس في العالم إلا المادة والماديات، وأنا أبحث عن السماويات، عن الروح، عن الله. لست أريد شيئًا من العالم، فأنا لست من العالم، لست ترابًا كما يظنون، بل أنا نفخة إلهية، كنت عند الله منذ البدء، ثم وضعني الله في التراب، وسأترك هذا التراب بعد حين وأرجع إلى الله لست أريد من هذا التراب شيئًا، من عند الآب خرجت وأتيت إلى العالم، وأيضًا أترك العالم وأرجع إلى الآب. لست أريد شيئًا من العالم، لأن كل ما أريده هو التخلص من العالم أريد أن أنطلق منه، من الجسد، من التراب! وأرجع -كما كنت- إلى الله، نفخة قدسية لم تتدنّس من العالم بشيء. لست أريد شيئًا من العالم، لأني أبحث عن الباقيات بل الخالدات، وليس في العالم شيء يبقى إلي الأبد، كل ما فيه إلى فناء، والعالم نفسه سيفنى ويبيد وأنا لست أبحث عن فناء. لست أريد شيئًا من العالم، لأن هناك من أطلب منه هناك الغني القوي الذي وجدت فيه كفايتي ولم يعوزني شيء إنه يعطيني قبل أن أطلب منه، يعطيني النافع الصالح لي ومنذ وضعت نفسي في يده لم أعد أطلب من العالم شيئًا. لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم لا يعطيني لفائدتي وإنما يعطي ليستعبد والذين أخذوا من العالم صاروا عبيدًا له. يعطيهم لذة الجسد، ويأخذ منهم طهارة الروح يعطيهم متعة الدنيا، ويأخذ منهم بركة الملكوت ويعطيهم ممالك الأرض كلها ليخرّوا ويسجدوا له ويعطيهم كل ما عنده لكي يخسروا نفوسهم أما أنا فقد خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح ( في 8:3 ) وهذا العالم الذي يأخذ أكثر وأفضل مما يعطي، هذا العالم الذي يستعبد مريديه، لست أريد منه شيئًا. لست أريد شيئًا من العالم لأنني أرقى من العالم إنني أبن الله صورته ومثاله إنني هيكل للروح القدس ومنزل لله. إنني الكائن الوحيد الذي يتناول جسد الله ودمه أنني أرقى من العالم، وأجدر بالعالم أن يطلب مني فأعطيه، أنا الذي أُعطيت مفاتيح السماوات والأرض وأنا الذي شاء الله في محبته وتواضعه أن يجعلني نوراُ للعالم وملحًا لأرض ( مت 5). لست أريد من العالم لأنني أريد أن أحيا كآبائي، الذين لم تكن الأرض مستحقة أن يدوسوها بأقدامهم هكذا عاشوا، لم يأخذوا من العالم شيئًا بل على العكس كانوا بركة للعالم من أجل صلواتهم أنزل الله الماء على الأرض، ومن أجلهم أبقى الله على العالم حياة حتى اليوم. لست أريد شيئًا من العالم لأن الخطية قد دخلت إلى العالم فأفسدته في البدء نظر الله إلى كل شيء فرأى أنه حسن جدًا إذ لم تكن الخطية دخلت بعد، حتى التنين العظيم في البحر باركه الرب ليثمر ويكثر، أمّا الآن وقد تشوهت الصورة البديعة التي رسمها الله في الكون فقد مجت نفسي العالم، ولم أعد اشتهي فيه شيئًا،هذا العالم الذي أحب الظلمة أكثر من النور. لست أريد شيئًا من العالم، لأني أريدك أنت وحدك،أنت الذي أحببتني حتى المنتهى، وبذلت ذاتك عني أنت الذي كوّنتني إذ لم أكن، ولم تكن محتاجًا إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك أريد أن أنطلق من العالم وأتحد بك، أنت الذي أعطيتني علم معرفتك. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
المزيد
12 مارس 2025

المغفرة والله الغفور

نحن يا إخوتي كلنا خطاة وكما قال القديس يوحنا الرسول «إن قلنا إنه ليست لنا خطية،نضل أنفسنا وليس الحق فينا »(1يو 8:1 ) ومادامت لنا خطايا، فنحن نحتاج إذًا إلى المغفرة وهكذا فإننا نطلب المغفرة في كل يوم،قائلين في الصلاة «أغفر لنا ذنوبنا » حسب ما أوصانا الرب أن نقول وفي كل هذا نعتمدعلى الله الغفور. الله الغفور: ورد في سفر إشعياء النبي «هلمَ نتحاجج – يقول الرب – إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضَ كالثلج إن كانت حمراء كالدودي تصير بيضاء كالصوف » (إش 18:1 ) ويقول في سفر حزقيال النبي «إذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي وفعل حقًا وعدلاً، فيحاة يحيا، لا يموت كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه في بره الذي عمل يحيا » (حز 21:18 -22 ) وداود النبي يشهد في المزمور فيقول «باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته –الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يفدي من الحفرة حياتك » ( مز 2:103-3 ) ويقول أيضًا «الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض، قويت رحمته على خائفيه كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا كما يترأف الأب على البنين، يترأف الرب على خائفيه لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن »( مز 8:103 - 14 ). والرب يغفر لأن هذه هي طبيعته: المحبة والرحمة وأيضًا لأنه يقول: «هل مسرة أسرَ بموت الشرير – يقول الرب – إلا برجوعه عن طرقه فيحيا » ( حز 23:18 ) إنه لم يغفر فقط، وإنما أعطى سلطان المغفرة لكهنته، فقال «من غفرتم خطاياه تغفر له » ( يو23:20)« وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء » ( مت 18:18 ) بل وأمر الناس أيضًا أن يغفروا بعضهم لبعض وقال «اغفروا يُغفر لكم » ( لو 37:6 ) وحذّر من عدم المفغرة قائلاً «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم زلاتكم » ( مت 15:6 ) ولما سأله بطرس الرسول «كم مرة يارب يخطئ إلىّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟ » أجاب الرب «لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات » (مت 2221:18 ) أى ما لا يُحصى من المرات. أمثلة للمَغفرة: لقد غفر الرب لأهل نينوى بعد أن كان قد حكم عليهم بالهلاك ويقول الكتاب في هذا «فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم، فلم يصنعه » ( يون 10:3 ). وقال ليونان النبي «أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة؟ » ( 11:4) وغفر الرب لزكا العشار، ودخل بيته غير مبالٍ بتذمر اليهود لأنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ بل قال «اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضًا ابن لإبراهيم » ( لو 5:19 – 9) وبالمثل كان يحضر وليمة للعشارين فلما تذمر الفريسيون، قال لهم «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى فأذهبوا وتعلّموا ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني لم أتِ لأدعو أبرار اً بل خطاة إلى التوبة » (مت 10:9 - 13 ) ولقد غفر الرب للص اليمين المصلوب معه، وأعطاه وعدًا بالدخول إلى الفردوس قائلاً له «الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس » ( لو 43:23 ) أى أنه غفر لهذا اللص الذي قضى كل حياته في الشر، ونال الوعد بالخلاص في آخر ساعات حياته وغفر الرب لكثير من النساء للمرأة التي بللت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها، وفضّلها على الفريسي وقال «إن خطاياها الكثيرة قد غُفرت لها لأنها أحبت كثيرأ » ( لو 36:7 -46 ) وغفر للمرأة الزانية المضبوطة في ذات الفعل، التي أراد الكتبة والفريسيون رجمها حسب شريعة موسى فوبخهم الرب قائلاً «من كان منكم بلا خطية فليَرمها بأول حجر » ولما صرفهم عنها، قال لها «أين المشتكون عليك؟ أما دانك أحد وأنا أيضًا لا أدينك أذهبي ولا تخطئي أيضًا » ( يو 3:8 - 11 ) وغفر أيضًا للسامرية التي أخطأت مع خمسة رجال، والذي كان معها وقتذاك لم يكن لها وحدثها عن الماء الحى، وعن السجود لله بالروح والحق فصارت مبشرة لأهل مدينتها ( يو 6:4 - 29 ) وغفر الله للذين في السبى، وأرجعهم منه وغفر ليهوشع الكاهن العظيم وجعل ملاكه يوبخ الشيطان المقاوم له ويقول له «لينتهرك الرب أيها الشيطان، لينتهرك الرب أليس هذا شعلة مُنتشلة من النار » وبعد أن كان يهوشع بملابس قذرة، قال له أنظر، قد أذهبت عنك آثمك، وألبسك ملابس مزخرفة، وألبسوه عمامة طاهرة (زك 3) وحكى لنا عن قصة الابن الضال الذي رجع، فقبله الآب وذبح له العجل المُسمَّن، وألبسه الحلة الأولى وقال «نفرح لأن ابني هذا كان متيًا فعاش، وكان ضالاً فوُجد » ( لو 21:15 - 24 ) وقال الرب «هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب، أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة » ( لو 7:15 ) ومن أمثلة مغفرته أنه غفر لبطرس الذي أنكره 3 مرات وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل ولكن الرب غفر له ذلك وقال له «أرعَ غنمي أرعَ خرافي » ( يو 15:21 - 18 ) كذلك غفر لشاول الطرسوسي الذي كان مُضطهِدًا للكنيسة، ويجر رجالاً ونساءً إلى السجن فظهر له الرب في طريق دمشق، ودعاه إليه، وجعله رسولاً للأمم، ومنحه نعمة كبيرة (أع 9) وأيضًا غفر لتوما الذي شكَ في قيامته، وظهر له وأزال شكوكه كما غفر لكل التلاميذ الذين هربوا أثناء القبض عليه فلم يعاتبهم على ذلك، بل ظهر لهم بعد القيامة، وقال لهم «كما أرسلني الآب،أرسلكم أنا » ومنحهم الروح القدس وسلطان الكهنوت ( يو 19:20 - 23 ) نلاحظ أيضًا أن الرب غفر لداود الذي زنى وقتل ولكنه لما قال «أخطأت إلى الرب » قيل له «والرب قد نقل عنك خطيئتك لا تموت » (2صم 13:12 ) بل أكثر من هذا حينما أخطأ سليمان وقرر له أن يمزق مملكته،قال له الرب «إلا أني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود عبدي بل من يد ابنك أمزقها »( 1مل 12:11 ). مَعنى المغفرة: ليس معنى المغفرة تنازل الرب عن عقوبتها، وإلا فإن ذلك يعتبر نقصًا في عدل الله،ونقضًا لقوله «النفس التي تخطئ هي تموت »( حز 20:18 ) إنما مغفرة الخطية معناها نقلها إلى حساب المسيح، الذي يتألم عنها ويموت،ويمحو هذه الخطية بدمه ونقل الخطية واضح في مغفرة خطية داود، إذ قيل له «الرب نقل عنك خطيئتك، لا تموت»( 2صم 13:12) والأمر واضح أيضًا في نبوءة إشعياء النبي عن آلام المسيح، قوله«هو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا » ( إش5:53 -6). مَا يصاحب المغفرَة: مع المغفرة يستر الرب الخاطئ، ويمحو إثمه، ولا يعود يحاسبه على ما أخطأ به بل أيضًا لا يذكر خطيته بعد وينال الخاطئ تطهيراً له من خطاياه ويغسله الرب فيبيضَ كالثلج أو أكثر من الثلج وهذا كله واضح في المزامير والنبوءات وتعليم الإنجيل كما سنرى ففي (مز 1:32 -2) «طوبى لمن غُفر إثمه، وسترت خطيته طوبى لإنسان لا يحسب له الرب خطية » وفي المزمور الخمسين «أغسلني كثير اً من إثمي، ومن خطيئتي تطهرني »، وأيضًا «مثل كثرة رأفاتك تمحو إثمي » وفي ( 2كو19:5)« الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم » وفي (حز22:18)« لأني أصفح عن خطاياهم ولا أذكر خطيتهم بعد » وفي ( إش18:1)«إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيضَ كالثلج » على أنه في المزمور الخمسين يقول «أبيض أكثر من الثلج » التوبَة وشروطها: التوبة مهمة جدًا للمغفرة وفي ذلك قال الرب «إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون » ( لو 3:13 ,5) وقيل في سفر الأعمال إن الله أعطى الأمم التوبة للحياة ( أع 18:11 ) وقال الرب كثيراً «أرجعوا إليّ فأرجع إليكم » وركّز في أسفار الأنبياء على أن ترجعوا بكل قلوبكم،ومعنى هذا إن الإنسان لا يعرّج بين الفرقتين، بين الله والخطية. ومن شروط المعفرة أن نغفر للآخرين فقال «إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم زلاتكم » ( مت 15:6 ). ومن شروط التوبة للمغفرة: أن يصلح التائب نتائج خطيئته على قدر الإمكان وفي ذلك قال زكا في توبته «وإن كنت ظلمت أحدًا في شئ، أردّ أربعة أضعاف » ( لو 8:19 ) فالسارق الذي يتوب، عليه أن يرد ماسرقه والظالم في توبته يجب أن يرفع ظلمه ومن أساء إلى سمعة إنسان، عليه أن يرد له اعتباره. أخيراً يقول الكتاب «إن سمعتم صوته،فلاتقسوا قلوبكم » (عب 7:3 ,8). مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
المزيد
05 مارس 2025

صورة الله

مَنْ هُو الإنسَان؟ لعل هذا السؤال يُوجَّه إلى كل إنسان: منْ أنت؟ وما هو الإنسان؟ وقد يجيب البعض بأن الإنسان هو جسد وروح ونفس، حسبما قال القديس بولس الرسول«ولتُحفَظ روحكم وجسدكم ونفسكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح »(1 تس 23:5 ) أو يجيب البعض بلون من الاتضاع الإنسان هو تراب ورماد، حسبما قال أبو الآباء والأنبياء إبراهيم «شرعتُ أن أكلم المولى، وأنا تراب ورماد » ( تك 27:18 ) أو يجيب البعض بأن الإنسان مخلوق حيّ عاقل ناطق حرّ مريد على أن أحسن إجابة تحمل المعنى الروحي والمعنى اللاهوتي هي أن الإنسان صورة الله، شبهه ومثاله فهكذا قال الرب الإله في قصة خلق الإنسان «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه » ( تك 26:1 -27) تواضع كبير من الله، أنه خلق الإنسان على صورته لقد خلقه على صورته، وأراد له أن يحتفظ بهذه الصورة الإلهية إن كنت صورة الله، فأنت إنسان بالحقيقة وإن لم تكن كذلك، فلا تكون إنسانًا حسب قصد الله وحكمته في خلقه ولعل الإنسان بصورته الإلهية، هو ما كان يبحث عنه ديوجين الفيلسوف أو هو الصورة المثالية للإنسان في ما يقصده المفكرون بعبارة سوبرمان Super Man على أن الإنسان عندما خلقه الله كان أرقى بكثير مما يجول بذهن المفكرين والفلاسفة وطبعًا ليس المقصود بالصورة الإلهية للإنسان، أنه يشابه الله في صفاته الإلهية الذاتية مثل الأزلية، والوجود في كل مكان، والقدرة على كل شيء، ومعرفة الغيب، وما إلى ذلك مما يخص الله وحده وسنبحث هذا الموضوع في النقاط التالية: كيف كان الإنسان على صورة الله حينما خُلق، قبل سقوطه طبعًا. كيف فَقَد الصورة الإلهية؟ محاولات للرجوع إلى الصورة الإلهية جزئيًا. في الأبدية يكون الاتساع على صورة الله بطريقة أفضل فما هي الصفات التي كان فيها الإنسان على صورة الله؟ وعندما نتحدث عن هذا الأمر، فبلا شك نقصد روح الإنسان. 1- لقد خُلق على صورة الله في الطهارة والبر والقداسة فقبل السقوط كان الإنسان في منتهى البراءة وفي منتهى الطهارة والشفافية آدم وحواء كانا عريانين، وهما لا يشعران بهذا في حالة من الطهارة القصوى، كالأطفال كذلك فإن الحية (أي الشيطان) خدعت أمنا حواء وكذبت عليها بينما أمنا حواء ما كانت تعرف ما هو الكذب ولا الخديعة، ولا تعرف الشك فيما يقوله الغير مثل هذه الأمور ما كانت تُعرَف أن أحدًا يمكن أن يكذب أو يخدع، إذ كانت بسيطة جدًا وطاهرة. 2- كان الإنسان أيضًا على صورة الله في الكمال ونقصد طبعًا الكمال النسبي فالله هو الوحيد الذي له الكمال المطلق ولكن الإنسان يمكن أن يكون كاملاً بالنسبة إلى مستواه ومقدرته، وحسب مقدار النعمة المُعطاة له، وعمل الروح القدس فيه،ومدى تجاوبه مع عمل الروح القدس وهكذا كان الإنسان بلا لوم وإن كان قد كُتِب في سفر التكوين أن الله نظر إلى كل ما خلقه فإذا هو حسن جدًا ( تك 31:1) فبلا شك أن هذا كان ينطبق أيضًا على آدم وحواء وحتى بعد سقطة الإنسان، نقرأ في الكتاب المقدس عن بعض أشخاص أنهم كانوا كاملين،كما قيل عن أبينا نوح الذي بنى الفلك أنه كان كاملاً ( تك 9:6 ). كذلك قيل عن أيوب أنه كان رجلاً كاملاً ( أي 1:1 ). 3- الإنسان خُلِق أيضًا على صورة الله في السلطة لقد قال له الله «أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحروطير السماء وعلى كل كائن حى يدب على الأرض » ( تك 1: 2 ) ونفس هذه البركة والسُلطة أعُطِيت لأبينا نوح بعد رسو الفلك، وكما كُتِب في سفر التكوين، الأصحاح التاسع. 4- الإنسان أيضًا خُلِق على صورة الله كسيد وملك على كل الخليقة وعندما فقد صورته الإلهية بدأت الخليقة تتمرد عليه الحية تسحق رأسه ( تك 15:3 ) وبعض الحيوانات أصبحت وحوشًا يمكن أن تقتله والأرض نفسها ما عادت تعطيه قوتها( تك 12:4 ) وهكذا فقد سلطته. 5- هو أيضًا كان على صورة الله في القوة فالإنسان الروحي يكون دائمًا قويًا ولا أقصد قوة الجسد، كما كان شمشون وإنما يكون قويًا في شخصيته، وفي تفكيره وإرادته واحتماله، وفي نصرته على حروب الشيطان إلخ والنفس القوية لا تهتز ولا تخاف ولا تتردد ولا تيأس والذي على صورة الله حتى الآن لا يخاف على الإطلاق وكمثال لذلك داود النبي والملك الذي قال في ( مز3:27 )«إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي وإن قام علىّ قتال، ففي هذا أنا مطمئن » ولذلك فإن الخائفين لا يدخلون ملكوت الله ( رؤ 8:21 ) إن الأنبياء والقديسين قدموا صورة عميقة لعدم الخوف، كما كان القديس أنطونيوس في البرية، أو القديس أثناسيوس الذي قيل له: «العالم كله ضدك » فأجاب: «وأنا ضد العالم »، لذلك دُعِي «أثناسيوس الذي هو ضد العالم » Athanasius Contra Mondum وأيضًا الشهداء إذ كانوا في صورة الله، ما كانوا يخافون دانيال النبي ما كان يخاف جب الأسود )دا 16:6 (والثلاثة فتية ما كانوا يخافون أتون النار ( دا 17:3 ). 6- أيضًا الذين في صورة الله، يكونون دائمًا ناجحين كما نقرأ في المزمور الأول لداود أن الأشخاص الأبرار يكونون كشجرة مغروسة على مجاري المياه تعطي ثمرها كاملاً في حينه، وورقها لا ينتثر، وكل ما يعملونه ينجحون فيه ( مز 3:1 ) كذلك قيل عن يوسف الصديق إنه كان رجلاً ناجحًا ( تك 2:39 ) لذلك فإن الإنسان الفاشل لا يكون في صورة الله. 7- الإنسان أيضًا خُلق على صورة الله في التواضع حقًا إن الله هو المتواضع الوحيد لأنه وهو العالي جدًا، ينزل إلى مستوانا ويتعامل معنا يتكلم معنا، ويستمع إلى صلواتنا ولكن الإنسان يمكن حسب مستواه أن يكون متواضعًا على الأقل إذ يعرف أنه تراب ورماد، لا يميل إلى أفكار الكبرياء والمجد الباطل، ظانًا في نفسه أنه أعلى ما ينبغي ولذلك فالشخص المتكبر لا يكون في صورة الله. 8- الإنسان على صورة الله في أمور كثيرة، كالمحبة مثلاً كما قال القديس يوحنا الإنجيلي «الله محبة من يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه »( 1يو 16:4 ). 9- الإنسان أيضًا على صورة الله في الجمال الله جميل، وكذلك الملائكة وعندما خُلق الإنسان الأول على صورة الله، كان جميلاً كان آدم جميلاً جدًا، وكانت حواء جميلة جدًا، وأيضًا قيل نفس الأمر عن بعض أشخاص كما قيل عن موسى النبي ( خر 2:2 ) وعن داود النبي، كل منهما كان جميلاً جدًا ( 1صم 42:17 ) ولكن الخطية تغير ملامح الإنسان، فيفقد جمال وجهه وجمال جسده وجمال روحه. 10- الإنسان أيضًا هو صورة الله من جهة النور الله هو نور العالم كما ذُكر في ( يو 21:8 ) هو أيضًا النور الحقيقي ( يو 9:1 ) والإنسان كصورة الله، قيل عنه «أنتم نور العالم » ( مت 14:5) بهذا الوضع، فإن رسالة أولاد الله أن ينقلوا صورة الله إلى العالم إن الله يريدنا أن نكون مثله حتى في العمل أن نسلك في طرقه، وتكون لنا نفس مشيئته على الأرض كما في السماء وأن نتحدث كما لو كان الله ينطق من أفواهنا فننطق بكلامه، كما قيل «لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم » ( مت 20:10 ) أيضًا كصورة الله، نقوم بعمله في حياتنا،حتى أن كل من يرانا، يقول: «حقًا هؤلاء هم أولاد الله إنهم مثل أبيهم السماوي لأن لهم نفس صورته » كل من يرى أولاد الله في محبتهم وهدوئهم ورقتهم، وفي مثالهم الحي في قداستهم،فإنه يمجد أباهم الذي في السموات إن ربنا يسوع المسيح قد صعد إلى السماء، ولكنه ترك صورته في تلاميذه لينقلوها من جيل إلى جيل ولكن لعل البعض يقول: «كيف يمكن أن يكون الإنسان صورة الله بينما الله غير محدود؟! فهل الإنسان غير محدود؟! » طبعًا لا فالإنسان بلاشك محدود، ولا يمكن أن يكون مثل الله الذي هو غير محدود على أيّة الحالات، الله خلقه على صورته،ووضع فيه الاشتياق إلى غير المحدود وكنتيجة لذلك فإن الإنسان في طبعه الطموح وعدم الاكتفاء، والجهاد لأجل النمو وكمثال لذلك بولس الرسول الذي تعب أكثر من جميع الرسل ( 1كو 10:15 ) واُختُطِف إلى الفردوس( 2كو 1:12 ) إلى السماء الثالثة على الرغم من كل ذلك فإنه يقول «لست أحسب نفسي أني أدركت بل أنسى ما هو وراء، وامتد إلى قدام » (في 13:3 ). مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
المزيد
26 فبراير 2025

الأحلام

1- هناك أحلام من الله: مثل الأحلام التي ظهرت ليوسف النجار، وللمجوس، قيل له في حلم أن يأخذ الطفل وأمه ويمضى إلى مصر وقيل لهم في حلم أن يرجعوا من طريق آخر وكذلك الأحلام التي رآها والتي فسرها يوسف الصديق ودانيال النبي وكلها أحلام موجهة، ومنبئة بشيء يحدث في المستقبل. 2- وهناك أحلام من الشياطين: يخدعون بها الإنسان ويضللونه، ليسير في طريق خاطئ ويزعجونه بأحلام معينة وقد ورد فصل طويل في بستان الرهبان عن أمثال هذه الأحلام. 3- وهناك أحلام من ترسيبات العقل الباطن: فكل ما تراه، وما تسمعه، وما تقرؤه، وما تجمعه الحواس من كافة المصادر، وما يجمعه الفكر كل ذلك يترسب في عقلك الباطن، ويختزن هناك ويخرج ولو بعد سنوات، في هيئة أفكار وظنون وأحلام وهذا وضع طبيعي جدًا وقد يخرج هذا الرصيد من عقلك الباطن، صور متغيرة قد تختلف الأسماء، والأزمنة، والأماكن، وبعض التفاصيل، ولكنها تقدم معنى راسخًا في داخلك، كان يكمن كشريط تسجيل. 4- وهناك أحلام هي انعكاس لوضع جسدي كإنسان نام وهو مرهق، يدق إلى جواره جرس منبه ليوقظه، وهو لا يريد الاستيقاظ، فيحلم بأنه جالس إلى جوار تليفون، جرسه يدق والإنسان الحكيم لا يسمح للأحلام بأن تقوده ولا يصدق كل حلم، ولا يعتبر كل حلم صادرًا من الله لأنه لو عرفت الشياطين بأنه يصدق الأحلام، تظهر له في أحلام كاذبة، لكي تضلله والأحلام الشريرة لها أسباب كثيرة بعضها جسدي، وبعضها نفسي، وبعضها حروب من الشياطين ومن الأفضل أن الإنسان لا يعاود التفكير فيها حينما يستيقظ، لئلا يكون تفكيره هذا سببًا في تثبيتها، وفي أحلام أخرى قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل