المقالات

17 ديسمبر 2025

أعظم من ولدته النساء

أود أن أحدثكم اليوم عن رجل وصفه الرب بأنه أعظم من ولدته النساء ، وأنه أفضل من نبي وسنحاول أن تتأمل في بعض جوانب من حياته يوحنا المعمدان شخصية تقف فى مفترق عهدين يمكن اعتباره آخر أنبياء العهد القديم ويمكن اعتباره من رجال العهد الجديد الملاك الذي أعد الطريق أمام السيد المسيح . عظمة يوحنا : وكان يوحنا إنساناً عظيماً ، وفى عظمتة تذكر ثلاث ملاحظات : أولا : انه كان عظيما بشهادة السماء نفسها كثيرون شهد لهم الناس بالعظمة وكانت شهادات خاطئة أو زائفة أو متعلقة أو عن جهل أما يوحنا المعمدان فكانت عظمته حقيقية ويقينية شهد بها ملاك الرب الذي بشر بميلاده ( لو ١٥:١ ) بل شهد بها الرب نفسه ( متى ۱۱ : ۱۱ ) . وهكذا لصقت العظمة بيوحنا حتى قبل أن يولد. ثانيا : لم يكن عظيما فقط وانما أعظم من كل البشر وفي هذا قال عنه السيد المسيح نفسه للجموع ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا ؟ أنبياً ؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي فان هذا هو الذى كتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ. طريقك قدامك الحق أقول لكم إنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ( متی ۱۱ : ۷ - ۱۱ ) . ثالثا : كانت عظمة يوحنا عظمة امام الرب : قال الملاك الذي بشر بميلاده لأنه يكون عظيماً أمام الرب (لو 1 : ١٥ ) حقاً اننا نقف مذهولين أمام عبارة عظيماً أمام الرب فأمام الرب كلنا لا شيء تراب ورماد تختفى كل عظمة ويستد كل فم أما أن يكون إنسان ما عظيماً أمام الرب فهذا شيء عجيب وعجيب جداً يدل على تواضع الرب وتشجيعه الخليقته ويدل أيضاً على قيمة هذا الانسان في قلب الله فما هو السر في عظمة يوحنا هذه العظمة العجيبة ؟ أعمال عظيمة قد قيلت عنه : منها أنه و يرد كثيرين إلى الرب إلههم. يرد العصاة إلى فكر الأبرار ،و يهيىء للرب شعباً مستعداً و يهيىء الطريق قدام الرب ،و يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته وفي كل ذلك نسأل الملاك الذي بشر بميلاده عن سر هذه العظمة العجيبة فيجيبنا بقوله إنه "من بطن أمه يمتلى بالروح القدس" ( لو ١ : ١٥ ) حقاً هذه هي سر عظمة يوحنا سمعنا في الكتاب المقدس أن الروح القدس حل على كثيرين في العهد القديم : حل روح الرب على شمشون وعلى شاول وعلى داود وعلى كثير من الأنبياء ولكن لم نسمع مطلقاً عن أحد من هؤلاء أنه" من بطن أمه "قد امتلأ بالروح القدس هذا الأمر قد اختص به يوحنا المعمدان ، لم يسبقه اليه أحد ومن نتائج هذا الامتلاء انه ارتكض بابتهاج في بطن أمه تحية للجنين الالهى وهو في بطن العذراء لقد أوتى المعرفة التي يميز بها الرب وهو ما يزال جنيناً في الشهر السادس في بطن القديسة اليصابات بل أنه أيضاً أوتى روح العبادة وهو في بطن أمه أمر لم نسمعه عن أحد من الأنبياء أو القديسين من قبل لقد عرف المسيح وآمن به وسجد له في البطن قبل أن يولد المسيح قالت عنه أمه اليصابات و ارتكض الجنين بابتهاج في بطني لقد ابتهج بالرب فرح به فرح بالخلاص الذي كان مزمعاً أن يأتي إلى العالم من بطن العذراء ! . عجیب مثل هذا الابتهاج من جنين لا يدرك ولا يعى : ولكن يزول العجب إذ كان هذا الجنين ممتلئاً من الروح القدس والروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله ، ( ۱ کو ۱۰:۲ ) . نذير الرب : كان يوحنا المعمدان مفرزاً للرب قبل أن يولد الله العارف بالمستقبل الفاحص القلوب والمدرك الخفيات كان يعرف من سيكون هذا الانسان يوحنا لذلك اختاره الرب لنفسه . وكما يقول الرسول عن الرب ومختاريه "الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم "هؤلاء مجدهم أيضا ( رو ۸ : ۳۰ ) الله نظر إلى المستقبل فرأى قلب هذا الملاك يوحنا ورأى ماذا يمكن أن يفعل فاختاره لنفسه ودعاه وصار نذيرا للرب قبل أن يولد وخمراً ومسكراً لا يشرب وأعد له الرب نوع خدمته قبل أن يولد إنه يذكرنا بقول الرب لأرمياء النبي "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب ، ( ار ١ : ٥ ) "عرفتك " نعم هذه المعرفة السابقة هي سر الاختيار تماماً كما حدث في اختيار الرب ليعقوب دون أخيه عيسو وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً أو شراء ولكن الله كان يعرف خاصته يعرف ماذا سيكون يعقوب وماذا سيكون عيسو لذلك قال لأمهما رفقه و في بطنك امتان ومن أحشائك يفترق شعبان وكبير يستعبد لصغير . ( تك ٢٥ : ٢٣ ) ولعل أعظم ما في حياة يوحنا أنه عمد المسيح له المجد أتى إليه السيد المسيح ليعتمد منه كباقى الناس ومن أجل الطاعة قام يوحنا بعماد المسيح واستحق لذلك أن يرى الروح القدس هيئة حمامة وأن يسمع صوت الاب قائلا " هذا هو إبنى الحبيب الذي به سررت " ( متی ٣: ١٦ -١٧ ) وهكذا تمتع بالثالوث الأقدس ، روحاً وحساً. وتظهر عظمة يوحنا المعمدان فى أنه تم عمله العظيم في مدة قصيرة لعلها ستة أشهر او أزيد قليلا هذه الستة أشهر هي الفرق بين عمره وعمر المسيح وكل منهما بدأ عمله في نحو الثلاثين من عمره وخدم يوحنا هذه الستة أشهر ولما ظهر المسيح بدأ يختفى هو وفى هذه المدة الوجيزة استطاع يوحنا أن يهدى كثيرين إلى التوبة وأن يشهد شهادة قوية للرب وأن يمهد الطريق أمام المسيح وأقنع العالم كله بأن قوة الخدمة ليست في طولها وإنما في عمقها في مدى فاعليتها وتأثيرها أليس عجيباً أن كثير من الخدام النافعين لا يتركهم الرب يخدمون طويلا يكفى أنهم قدموا عينة للخدمة وعينة للبر قدموا شهادة للرب وقدموا مثالا يحتذى واكتفى الله بما فعلوه وأطلقهم بسلام وتبرز عظمة يوحنا في أنه عاش بكماله على الرغم من أن عصره كان مظلما كان عصراً شريراً وكان أشر ما فيه قادته الروحيون من أمثال الكهنة والشيوخ والكتبة والفريسين والصدوقيين وقد قام فيه من قبل بعض المعلمين الكذبة مثل ثوداس ويهوذا الجليلي اللذين تكلم عنهما عمالائيل ( أع ه ) وقد أزاغا كثيرين وكان عصراً يمتاز بالحرفية والبعد عن الروح ويتميز رجال الدين فيه بالرياء والكبرياء وعلى الرغم من وجود أضواء بسيطة مثل حنة النبية وسمعان الشيخ وزكريا الكاهن وأمثالهم إلا أن العصر في مجموعه كان فاسداً يكفى أن الرب وصفه بأنه "جيل فاسق وشرير ' ( متی ۱۲ : ۳۹ ) ولكن يوحنا لم يتلذ من فساد جيله بل على العكس كان بركة لجيله وسبب هداية وتوبة ومن عظمة يوحنا انه كان ابن الجبال كان رجل برية ورجل زهد ونسك وكل ذلك ترك اثره في حياته وفي صفاته طارده الموت من صغره عندما قتل هيرودس الأطفال فأخذوه إلى البرية وعاش في البرارى طوال عمره " ينمو ويتقوى بالروح " ( ۱ : ۸۰) . عاش ناسكاً "و خمراً ومسكراً لا يشرب ."( لو ١٥:١ ) " يلبس وبر الابل ومنطقة من جلد على حقويه ويأكل جراداً وعسلا برياً "( مر ٦:١ ) هكذا تدرب في البرية على حياة الزهد وصدق مار اسحق حينما قال ان مجرد نظر القفر يميت من القلب الحركات العالمية وفي البرية تعلم الصلاة والتامل وتعلم الشجاعة والصلابة وتعلم الايمان أيضا أعده الله في مدرسة البرية كما أعد العذراء في الهيكل فنشأ شجاعاً لا يهاب إنساناً، يصلح أن يكون صاحب رسالة وكانت رسالته هي اعداد الناس للتوبة ومن عظمة يوحنا يوحنا المعمدان انه كان شجاعا جريئا يقول الحق بكل قوة مهما كانت النتائج حقا ان الزاهد لا يخاف أخطأ هيرودس الملك فمن كان يجرؤ أن يوبخه أو يواجهه بكلمة الحق ؟ من الذى يعلق الجرس في عنق القط ؟ ! ليس غير يوحنا المعمدان هو الوحيد الذي استطاع أن يقول لهيرودس "لا يحل لك" القاء هيرودس في السجن فلم يهتم انما يخاف السجن انسان يحب متع العالم وملاذه ويخشى ان يحرمه السجن منها أما إنسان ناسك كيوحنا زهد كل ملاذ العالم وتركها بارادته ففي أي شيء يتعبه السجن ؟ ! ربما يقال له : ستتعطل خدمتك بالسجن ولا ترشد ولا تعمد ولا تهدى الناس إلى التوبة أما يوحنا فلا يهتم ولا يقول : أن كان هذا الباب مفتوحاً من الله فلا يستطيع أحد أن يغلقه . ان كان الله يريد يوحنا أن يبشر فسيبشر ولا يستطيع أحد في الوجود أن يمنعه وان كان الله لا يريد فلتكن مشيئته بهذا المنطق كان يوحنا يشهد للحق وليحدث بعد ذلك ما يكون وكان ما كان وقطعت رأس يوحنا ولكن هذا الصوت الصارخ في البرية ظل يدوى في أذن هيرودس يزعج ضميره وأفكاره و نومه و صحوه ويقول له فى كل وقت " لا يحل لك " ان صوت يوحنا لم يمت بموت يوحنا بل ظل مدويا ضد أعداء الحق وظل هيرودس يخاف يوحنا حتى بعد موته فعندما أحس هيرودس بكرازة المسيح القوية وبمعجزاته قال لغلمانه « هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات " !! ( متى ١٤ : ٢ ) . إن يوحنا قد عامل هيرودس الملك كما عامل باقى الناس كان يدعو الكل إلى التوبة سواء في ذلك الملك أم الجند أم القادة أم أفراد الشعب الكل سواء أمام شريعة الله الكل في حاجة إلى التوبة الملك محتاج إلى من يوبخه على خطيته كما يحتاج الفرد العادى لكي يتوب وإن لم يتب الملك فيكفي يوحنا أنه شهد للحق وأنه نادى بالتوبة كانت معموديته هي معمودية التوبة ورسالته هي دعوة للتوبة ينادي في الناس "توبوا فقد اقترب ملكوت السموات " (متى ٢:٣) وكان شديداً في دعوته يوبخ وينتهر ويبكت وكان الناس يقبلون تبكيته بقلب مفتوح ونجح يوحنا في خدمته " خرج اليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم " ( متى ٦:٣ ) ولما رأى الجموع قد كثرت حوله حول انظارهم منه الى المسيح بذل كل جهده لكي يختفى هو ويظهر المسيح ولعل هذه هي أبرز فضائل يوحنا واقدس أعماله كان يقول لهم " أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتى بعدى سيعمدكم بالروح القدس و نار "( متی ۱۱:۳ ) "أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس "( مر ٨:١ ) وكما كان يجذبهم إلى معمودية أخرى أفضل من معموديته كان يجذبهم بالأكثر إلى صاحب تلك المعمودية الذي هو أقوى منه وأعلى وأقدم كان ينادى فى الناس "يأتى بعدى من هو أقوى منى الذي لست أنا أهلا أن أنحنى وأحل سيور حذائه" ( مر ٧:١ ) " يأتي بعدی رجل صار قدامي لأنه كان قبلى " ( يو ١ : ٣٠ ) "لست أنا المسيح بل اني مرسل أمامه "( يو ٢٨:٣ ) لم يكن تفكير يوحنا منحصرا في ذاته وانما في المسيح لم يكن يبحث عن مجد ذاته وانما عن ملكوت المسيح كان يدرك تماماً أنه ليس هو النور وانما ليشهد للنور (يو ٨:١) إذن فهو مجرد إنسان جاء للشهادة ليشهد للنور ليؤمن الكل بواسطته كان يعرف أنه مجرد سابق أمام موكب الملك الآتى كل عمله أن يعد الطريق الملك واستطاع يوحنا أن يحفظ طقسه ولا يتجاوز حدوده كانت الذاتية ميتةعند يوحنا لم يكن لذاته وجود في خدمته كان المسيح بالنسبه اليه هو الكل في الكل ليته يكون درسا للخدام الذين يبنون ذواتهم على حساب الخدمة أو يتخذون الخدمة مجرد مجال لاظهار ذواتهم !! أروع كلمة تعبر عن خدمة يوحنا هي قوله عن المسيح " ينبغى أن ذلك يزيد وأنى أنا أنقص "( يو ٣٠:٣ ) هذه العبارة هي سر نجاح خدمته وهي المبدأ الذي صار عليه في كل خدمته لذلك عندما بدأت كرازة المسيح وأخذت تكتسح خدمة يوحنا ابتهج يوحنا وفرح وقال "اذن فرحى هذا قد كمل و من له العروس فهو الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالإبن ان يرى حياة بل يمكث العريس عليه غضب الله" ( يو ٣ : ٣٦:٢٦ ) حالما تقابل يوحنا مع المسيح قال له « تفضل هذه العروس انها لك اذا تسلمتها لمجرد ان أوصلها لك حقاً انه من واجبي أن أوصلها لك نظيفة ومزينة وأنادى لها أولا بالتوبة وأقول لها أيتها العروس هوذا العريس مقبل فاستعدى للقائه" على أن اعظم ما في حياة يوحنا كان هو عماده للمسيح وفي العماد ترى موقفين عظيمين فى الاتضاع للرب ويوحنا يوحنا يقول اللرب و أنا محتاج أن أعتمد منك أنا أيضاً خاطي أحتاج إلى معمودية التوبة معترفاً بخطاياي كهؤلاء الباقين وأنا محتاج أن أعتمد منك أنت أنني أمام هؤلاء الناس معلم أما أمامك أنت فأنا تلميذ بسيط امام الناس أنا نبى وملاك ولكن أمامك انا عبد وتراب هم يعتمدون منى وأنا أعتمد منك حقاً انني من سبط لاوى ومن بنی هارون كاهن ابن كاهن وأنت حسب الجسد من سبط يهوذا وليس من سبط الكهنوت ولكننى لا أنى أنك مصدر كل سلطة كهنوتية أنت معطى الكهنوت ومنشؤه أنت كاهن إلى الأبد على طقس ملكى صادق كما تنبأ داود في المزمور ( مز ١١٠ : ٤ ) لذلك أنا محتاج أن أعتمد منك ان كل العظمة التي كانت تحيط به لم تنسه ضالة ذاته التي شعر بها أمام المسيح وكأنه يقول " من أنا حتى أعمد المسيح ؟ ! كما قالت أمه من أين لى هذا أن تأتى أم ربي إلى " أنا مجرد تراب ورماد كيف أضع يدى على رأس الرب خالق هذه اليد ؟ ! ان كل الآلاف الذين يأتون اليه لم ينسوه حقيقة نفسه وكل التوبيخات التي يوبخ بها الناس الخطاة لم تنسه توبيخاً يوجه إلى ذاته كشخص - أمام الله - يشعر أنه خاطى وهكذا قال للرب "أنا محتاج أن أعتمد منك " وكانت هذه العبارة تحمل اعترافاً ضمنياً نلاحظ أن الرب لم يقل له "كلا " انك غير محتاج للعماد بل قال له " اسمح الآن لانه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر "( متى ٣ : ١٥ ) ." حينئذ سمح له "! ! ونحن نقف منذهلين أمام عبارة " اسمح الآن " وهي تخرج من فم الرب موجهة إلى واحد من عبيده انه تعبير مؤدب ولطيف ليتنا نأخذه تدريباً روحياً لنا يقول لعبده " اسمح الآن " أنا احتاج الى سماح منك أطلب موافقتك است آمرك وانما اسمح ويقول وحينئذ سمح له ما أعجب هذا أى شرح لى سيفقد هذا الموقف قوته لذلك سأصمت عنه انه درس في الاتضاع وآداب الحديث يقدمه لنا عماد المسيح لنتعلم وتتدرب قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عظة البابا يوم 5/12/1980
المزيد
10 ديسمبر 2025

باركت طبيعتي

بمناسبة بدء صوم الميلاد الذي نستعد فيه لاستقبال تجسد الله الكلمة ، نتذكر أنه لما اتحد بطبيعتنا بارك هذه الطبيعة وقدسها كما نقول في القداس الالهى باركت طبيعتي فيك لما اتحد السيد المسيح بطبيعتنا البشرية التي اعترف الكل بضعفها بعد الخطية بارك هذه الطبيعة ومنحها قوة وأرضى فيها الله الآب وغلب بها الشيطان وبكل هذا أوصلنا إلى ثلاث نتائج هامة جداً. ۱ - نصر هذه الطبيعة على الشيطان انتصارا كاملاً وكانت الطبيعة البشرية منهزمة قبل ذلك أمام الشيطان في كل الأجيال حتى قيل في الكتاب الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد حتى أن الشيطان وقف متحدياً في قصة أيوب الصديق وادعى أنه يستطيع أن ضرب أيوب - أن يجعله يجدف على الله ... ! وبسبب هذه النصرة الخطيرة للشيطان اطلق عليه لقب و رئيس هذا العالم ولكن السيد المسيح كابن الإنسان انتصر على الشيطان على طول الخط حتى قال و أبصرت الشيطان نازلا مثل البرق من السماء وقال أيضاً رئيس هذا العالم قد دين وقال رئيس هذا العالم يأتى وليس له في شيء أى ليس شيء قد ضعف أمام الشيطان وتحداه في ذلك بقوله للناس و من منكم يبكتني على خطية ؟! لأول مرة يجد الشيطان نفسه أمام بشرية منتصرة. ٢ - وكان انتصار المسيح سبب رجاء للبشر رفع معنوياتهم وأصبح لهم رجاء أن يقودهم الرب في موكب نصرته وقول السيد المسيح ثقوا أنا قد غلبت العالم كان يعنى أن يعطيهم ثقة في أن هذه الطبيعة البشرية التي قدسها لم تعد ضعيفة وإنما أصبحت قادرة أن تغلب العالم بالمسيح ولهذا قال بولس الرسول عبارتة الخالدة أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني. ٣- وبهذا الانتصار استطاع السيد المسيح أن يرضى الآب كما ارضى عدل الله بموته على الصليب إذ قدم وفاء للعدل الإلهى هكذا أرضى الآب بحياته إذ ناب عن البشرية في أن يقدم الآب نموذجاً كاملا للبشرية الطائعة التي تفرح قلب الآب بطاعتها في كل شيء أن السيد المسيح بارك طبيعتنا البشرية في قيامته الا أعطاها ايضا عربون النصرة على الموت و بهذا استطاع القديس بولس أن يتحدى قائلا "أين شوكتك يا موت ؟! أين قسوتك يا هاوية "وأن يقول أيضاً و لا موت ولا حياة يقدر أن يفصلنا عن المسيح يسوع والرب أيضاً أعطى البشرية عربون الانتصار على الموت فقال لتلاميذه في ارساليته لهم أقيموا موتى اخرجوا شياطين. الاقامة من الموت كانت انتصارا على الشيطان الذي جلب الموت الى العالم باسقاطه للانسان في الخطية ولكن كل من أقيم من الموت قبل قيامة المسيح عاد فمات ثانية إلى أن قام المسيح القيامة التي لا موت بعدها وصار باكورة للراقدين حينئذ وجد الشيطان أن أخطر نتيجة لأعماله الشريرة قد تزعزعت وكذلك كان اخراج الشياطين تحطيما الأسطورة الشيطان غير المنهزم فأزال الرب كرامته وأصبحت الطبيعة البشرية قادرة فيما بعد على اخراج الشياطين ولم تعد هذه الطبيعة تخاف الشيطان كما كان الأمر قبلا ليس فقط الرسل بل المؤمنون القديسون عموماً أخذوا قوة يهزمون بها الشيطان السيد المسيح بارك طبيعتنا فبارك الجسد .... بارك الجسد حينما اتحد بجسد وأصبح الجسد بركه وقال القديس بولس الرسول و مجدوا الله في أرواحكم وأجسادكم التي هي الله إذن لم يعد الجسد مجرد مقاوم للروح بل أصبح سبباً ووسيلة لتمجيد الله وأجساد الموتى بعد أن كان من يمسها يتنجس كما في العهد القديم أصبحت اجساد القديسين الذين رقدوا سبب بركة ففي العهد القديم كانت تموت الأجساد وهى تحت الحكم اما بالفداء الذي منحه المسيح صارت هذه الأجساد هى أجساد المفديين الذي محا الدم الطاهر كل نجاسة منهم بالموت مع المسيح في المعمودية.وقدس المسيح الاجساد فصارت هياكل الروح القدس صار روح الله يحل فيها وأصبحت منزلا لله إنه تأميل لهذه الطبيعة البشرية منحه الرب لها . والرب أيضا بمباركة طبيعتنا ، انقذها من الخوف .... سواء الخوف من الشيطان أو الخوف من الخطية أصبحنا "فرحين في الرجاء " (رو ۱۲) "شاعرين أننا بقوة الله التي وهبها الله لطبيعتنا في التجديد أصبحنا قادرين أن تهدم حصوناً ، وأن نستأسر كل فكر الطاعة المسيح كما يقول الرسول وفي مباركة طبيعتنا منحنا الحياة الجديدة وصلب الانسان العتيق وقد ورد ذلك في حديث الرسول عن المعمودية في ( رو ٦ ) حيث ندفن مع المسيح بالمعمودية فيصلب إنساننا العتيق ونقوم مع الرب في جدة الحياة أى فى الحياة الجديدة التي منحها لنا القادرة على الانتصار . وهكذا انقذنا الرب من فساد الطبيعة البشرية ليس فقط بموته خلصنا من عقوبة الخطية إنما أيضاً بمباركة طبيعتنا خلصنا من الفساد وأصبحنا نخلص بحياته (رو ه) وهكذا حررنا الان فصرنا أحراراً كما قال كل هذا إن عشنا في المسيح وعاش المسيح فينا إن ثبتنا فيه وهو فينا ما أجمل أن الرب قد أنقذنا من عبودية الفساد ونقلنا إلى حرية مجد أولاد الله أعاد إلينا الصورة الإلهية التي كانت لنا قبل السقوط إذ أخذ طبيعتنا وهو صورة الله غير المنظورة وامسك الرب بالشيطان وهزمه في كل ميدان سبق للشيطان أن هزم فيه هذه الطبيعة البشرية ولعلنا نسأل كيف حدث ذلك خطوة بخطوة ...؟ أول خطية كانت للانسان هي العصيان فهزمه المسيح في هذه النقطة إذ أطاع حتى الموت موت الصليب وكان يقول للآب باستمرار لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك وكمل كل بر الناموس بلا لوم . خطية الكبرياء التي أوقع الشيطان فيها الانسان تحطمت بالاتضاع قال الشيطان لادم وحواء و تصيران مثل الله فخضعا لهذا الإغراء واشتهى الانسان أن يصير إلهاً فكيف هزمه الرب في هذه النقطة وهو الإلهه أخلى ذاته وأخذ شكل العبد وصار في الهيئة كانسان اتضاع عجيب لم يحتمله الشيطان ولذلك كان يحب في كل وقت أن يتأكد من هذه النقطة الشيطان هزم الانسان بالاغراء فهزمه الرب في كل اغراء وجد الشيطان أمامه على جبل التجربة إنسانية منتصرة أمام كل إغراء وفى كل تجربة حطمت كبرياء المجرب الذي تعود أن ينتصر من قبل وهكذا تتابعت الانتصارات في كل ميدان وقدم الرب مثالا كيف أن ابن الانسان يمكن أن يكون منتصرا في كل موقع سبق للشيطان أن هزم فيه الانسان .... هناك نقطة أخرى هزم فيها حدثت متأخرة وهي الياس اليأس الذي ضرب به الشيطان يهوذا فشنق نفسه وهذه خطية ليست في أيام آدم انما في احداث الصلب كيف رد المسيح على هذه ؟ رد عليها بأن فتح باب الرجاء أمام الكل بقبول اللص اليمين في آخر ساعات حياته وهو معلق على الصليب حتى لا ييأس أحد من قبل وهكذا لا تقع الطبيعة البشرية في اليأس لما تتذكر قول الرب للص " اليوم تكون معى في الفردوس". السيد المسيح هزم الشيطان بضربة قاضية على الصليب . ولكنه هزم بالنقط في كل تجربة حاربه فيها أكانت الخطية الأولى هى الأكل من الشجرة لقد وجد الشيطان نفسه أمام ابن الانسان الذي بدأ خدمته بصوم أربعين يوماً على الجبل لا يأكل من أي ثمر ولا حتى من الخبز ولا سلطان للطعام عليه لقد بارك هذه الطبيعة فانتصرت فيما سقط فيه أبوانا الأولان مقدماً المثالية المطلوبة . ملاحظة أخرى أحب أن أقولها . ان المسيح لا بارك طبيعتنا بارك كل مراحل العمر . بارك الطفولة لما صار طفلا وبارك الشباب وهو شاب وبارك الرجولة وهو رجل بارك كل مراحل وسنى العمر فلم تعد مرحلة منها يمكن أن تنفرد بالتمرد على الرب. كذلك في طبيعتنا ، بارك كل أوضاعها وصورها فمثلا بارك طبيعة الرجل إذ ولد رجلا وبارك طبيعة المرأة إذ ولد من امرأة وبارك البتولية والزواج لما وقف على جبل التجلي بين إيليا البقول وموسى المتزوج انظروا اية بركة منحها الرب لطبيعتنا في المعمودية : يقول الكتاب" لأن جميعكم الذين اعتمدتم المسيح قد لبستم المسيح " ( غل ۳ : ۲۷ ) . ما أعظم أن تلبس طبيعتنا المسيح ! فتصير في حالة تختلف تماماً عن ذي قبل حقاً ما أصدق قول بولس الرسول و الأشياء القديمة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً إنها الطبيعة الجديدة وقد باركها المسيح لما تجسد . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عظة البابا يوم 28/11/1980
المزيد
03 ديسمبر 2025

يهييء له شعباً مستعداً

بمناسبة بدء صوم الميلاد الذي نستقبل فيه عمانوئيل إلهنا نتذكر انه قبل مجيئه أرسل ملاكه ليهيئ الطريق قدامه يهييء له شعباً مستعداً عندما أراد الله أن يكلم الشعب لأول مرة ويعطيهم وصاياه قال لموسى اذهب إلى الشعب وقدسهم اليوم وغداً وليغسلوا ثيابهم ويكونون مستعدين لليوم الثالث لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون الشعب على جبل سيناء ( خر ۱۹ : ۱۰ - ١٥ ) وهكذا هيا موسى للرب شعبا مستعدا لسماعه ونفس الوضع نجده بالنسبة الى صموئيل النبي كان ذاهباً إلى بيت لحم لكى يقدم للرب ذبيحة ويختار مسيحاً للرب ولما كان ليس لكل أحد أن يتقدم إلى الذبيحة بدون استعداد لذلك قال صموئيل النبي عبارته المشهورة " تقدسوا وتعالوا معى إلى الذبيحة" ( ١صم ٥:١٦ ) ويقول الكتاب بعدها " وقدس يسى وبنيه ، ودعاهم إلى الذبيحة" كان لا بد أن يهيىء للرب شعباً مستعداً ، بتقديسه وكانت هذه هي رسالة يوحنا المعمدان كاهن الرب قال عنه الملاك فى البشارة بميلاده " يريد كثيرين من بني اسرائيل إلى الرب إلههم ويتقدم أمامه بروح ايليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيى للرب شعباً مستعداً " ( لو ١ : ١٦، ١٧ ) كما هو مكتوب في الأنبياء : ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب ،اصنعوا سبله مستقيمة "( مر ٣،٢:١ ) ويوحنا المعمدان هيأ الشعب للرب بالتوبة والمعمودية ما أعظم هذه الرسالة التي يقوم بها أولئك القديسون الذين يهيئون للرب شعباً مستعداً "أيها الأخوة : إن ضل أحد بينكم عن الحق فرده أحد فليعلم أن من رد خاطئاً عن طريق ضلاله يخلص نفساً من الموت ويستر كثرة من الخطايا "( يع ٥ : ١٩- ٢٠ ) ." تخليص نفس من الموت" ما أعظم هذا العمل ! إنه عمل الرب من يقوم به إنما يعمل الرب فيه أنظروا إلى بولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس "لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً "( اتى ٣ : ١٦ ) .بل أن بولس الرسول يقول عن نفسه في عمل الخلاص " صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوماً "( ۱ کو ۹ : ۲۲ ) وبطرس الرسول يقول للأخوة الذين في الشتات "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس " ( ۱ بط ٩:١ ) . فماذا يقصد بهذا الخلاص؟ عجيب أن الكتاب يستعمل كلمة الخلاص بالنسبة للبشر بينما هو عمل المسيح إنه أيضاً عمل البشر بمعنى أنه يهيىء للرب الشعب الذي يقبل هذا الخلاص ويؤمن به ويعتمد على أساسه يهیی للرب شعباً مستعداً لنوال الخلاص بالطريقة التي رسمها الرب و لعلك تسأل : ولماذا لم يرسل الله روحه القدوس ليخلص الناس مباشرة، ولا داعى لدخول البشر في هذا الموضوع الإلهى ؟ أجيبك بأن الكتاب المقدس يكشف لنا أن هذا ليس هو أسلوب الله لان أسلوب الله هو أن يرسل أمامه " ملاكه " ليهييء الطريق أمامه ليس الله محتاجا الى من يهيى الطريق له . ولكن محبته تشاء أن ان يشرك معه البشر في عمل المحبة نحو اخوتهم الله يستطيع أن يغرس الشجر بنفسه دون زرع بشر كما غرس جنة عدن ولكنه من محبته ومن تواضعه يسمح أن واحداً يغرس ، والثانى يسقى والله هو الذى ينمى وهو ينمى هذا الغرس المستعد الذي هيئه له "شركاء الطبيعة الإلهية "في عمل المحبة نحو البشر إن الرب هو الذي يعمل فى القلوب لخلاصها يعمل بنعمته و بروحه القدوس ويعمل أيضاً بكل "أناء مختار " تحل فيه قوة الله ،وتنطق على فمه لترد العصاة إلى فكر الأبرار هذا هو عمل الأنبياء ، وعمل الرعاة والكهنة وعمل الوعاظ و عمل "صيادى الناس" من كل جهة وظيفتهم جميعاً أن يهيئوا للرب شعباً مستعداً بل هذا هو أيضاً عمل الملائكة الذين قال عنهم الكتاب "أليسوا جميعاً أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص " (عب ١ : ١٤ ) وهكذا بنفس المعنى فإن المعمدان الذي هيا الطريق أمام الله دعى ملاكاً لأنه يعمل عمل الملائكة وأيضاً رعاة الكنائس السبع دعوا ملائكة لأنهم كذلك يهيئون للرب شعباً مستعداً عن هذا الأمر "تهيئة الشعب للرب " قال بولس الرسول" خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح " ويوحنا المعمدان لما هيأ الشعب بالتوبة ،قدمه للمسيح ، كهروس وقال "من له العروس فهو العريس" أما أنا فصديق للعريس أقف وأفرح هذه العروس المهيأة لعريسها بواسطة عمل الآباء والأنبياء والرعاة والكهنة هي التي رأها الرائي في سفر الرؤيا ( رو ۲۱ : ۲ ) هؤلاء يقومون بتهيئة كل نفس لكى تنضم إلى الكنيسة وتصير عضواً في جسد المسيح كما قال الكتاب : وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون الرب يريد أمثال هؤلاء لكى يعمل فيهم ومعهم وبهم ولذلك قال لتلاميذه " الحصاد كثيرة والفعلة قليلون اطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" هؤلاء الفعلة هم الذين يهيئون للرب شعباً مستعداً ولقد سماهم الرب في بعض الاوقات بالكرامين وبالوكلاء قال إنه سلم الكرم لكرامين صاحب الكرم هو الله أما عمل الكرامين فهو تهيئة الكرم لكى يعطى ثمراً باعطاء الكرم كل ما يحتاجه من ماء الحياة ومن طعام النعمة وهذا ما قاله الرب عن وكلائه "يا ترى من هو الوكيل الامين الحكيم الذي يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه طوبي لذلك العبد الذي إن جاء سيده يجده يفعل هكذا" إن وجده يهيى هؤلاء العبيد للقاء ربهم لعلك تقول : انا لست من هؤلاء الخدام الرسميين في الكنيسة الذين ائتمنهم الرب أن يهيئوا له شعبا مستعدا ؟ أقول إن هذا العمل هو أيضاً عمل الأب والأم أن يشتركوا في تهيئة الشعب المستعد بتهيئة أطفالهم للرب في حياة الإيمان كما مدح بولس الرسول لوئيس وافنيكي اللتين سلمتا الإيمان عديم الرياء لتلميذه تيموثاوس ( ٢ تی ٥:١) وظيفة الاشبين الذي يتلقى المعمد من الكنيسة هي هذه : "أن يهيىء للرب شعباً مستعداً " فيهيىء هذا الطفل الذي لا يدرك شيئاً لحياة الإيمان التي عمد على أساسها يعده ليكون عارفاً بكل قواعد الخلاص ومؤمناً بها من أعماقه وأنت إن كنت لا تستطيع أن تكون خادماً للرب على المستوى العام تهييء له شعباً مستعداً فلتكن هكذا على مستوى الأسرة ولتقل" أما أنا وبيتي فتعبد الرب " وان لم تستطع عن طريق تهيئة أسرتك ، فهيئ نفسك وإن هيأ كل إنسان نفسه فإن الشعب كله سيكون للرب شعباً مستعداً لأن الشعب هو مجموعة أفراد فهل حقاً قد هيأنا أنفسنا للرب ؟ إننا مثلا نقول للرب في كل صلاة "ليأت ملكوتك " فهل نحن قد هيأنا أنفسنا لهذا الملكوت وصرنا مستعدين لملاقاة الرب إذا جاء الآن كما قال "كونوا مستعدين"؟ إن الكنيسة تقدم لنا سر الافخارستيا على المذبح ، ولكل هل هيأنا للرب شعباً مستعداً للتناول ؟ لأن من يتناول بدون استحقاق يتناول دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب ( ۱ کو ۱۱ : ۲۹ ) . وظيفة الكنيسة أن تهيى أولادها ليكونوا مستعدين فكما يكونون مستعدين للتناول يكونون مستعدين أيضاً لمقابلة كل فكر غريب ضد الإيمان فاهمين كل حقائق الإيمان والعقيدة كما قال الرسول "كونوا مستعدين كل حين لمجاوبة كل من يسألكم عن سر الرجاء الذي فيكم" بل أكثر من هذا كانت الكنيسة في العصور الأولى تهيى الرب شعبا مستعدا حتى للاستشهاد .كانت تهيئه بمحبة الله وبذل النفس لأجله والفرح بالملكوت والأبدية وعدم الخوف من الموت بل أن هناك كتباً الفها آباء الكنيسة في القرن الثاني للميلاد وفى القرن الثالث عنوانها "حث على الاستشهاد " أن عمل الخدمة كله يتلخص في هذه العبارة وحدها " تهيئ للرب شعباً مستعداً " وليس للخدام عمل آخر ولكن كيف يمكن لخادم الرب أن يهيئ النفوس له ؟ يهيئها كيوحنا المعمدان بالتوبة والمعمودية ويهيئها أيضاً بالتعليم و بكلمة الله القوية الفعالة ويهيئها بالتشجيع وبخاصة للركب المخلعة والنفوس الصغيرة وبالتأني على الضعفاء و يهينها بالمحبة بما يمنحه لها من حب وبما يكشفه لها من محبة الله لها و عمله لأجل خلاصها وإن احتاج الأمر إلى التوبيخ والتأديب اعادة الناس إلى التوبة وتهيئتهم للرب فلا مانع بمحبة وحكمة ان الله نفسه يهيئ شعبه بالتجارب ليكون مستعدا بالتجربة تنحنى الركبة أمام الله وترتفع القلوب بالصلاة وتلتصق النفوس بالكنيسة بالصوم وانسحاق القلب إن الله يتخذ كل الوسائل ليخلص على كل حال قوماً . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عظة البابا يوم 21/11/1980
المزيد
26 نوفمبر 2025

الصليب

يرمز الصليب إلى الألم والصلبان الثلاثة ترمز إلى ثلاث حالات صليب المسيح يرمز إلى الألم من أجل البر والصليبان الآخران يشيران إلى الألم بسبب الخطية كعقوبة وينقسمان إلى نوعين نوع يتألم بسبب خطاياه فيتوب ويرجع والآخر يتألم بسبب خطاياه ولكنه يشكو ويتذمر ويموت في خطاياه والصليب الذي لأجل البر هو أيضًا على أنواع منها صليب الحب والبذل مثل صليب المسيح الذي تحمل الألم لكي ينقدنا "وليس حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه عن أحبائه" وهناك صليب آخر في العطاء، وأعظم عطاء هو العطاء من العوز، حيث تفضل غيرك على نفسك، وتعتاز لكي يأخذ غيرك، مثلما أعطت الأرملة من أعوازها وهناك أيضًا صليب الاحتمال تحويل الخد الآخر وسير الميل الثاني ليس فقط أن يحتمل الإنسان إساءات الناس إليه، بل أكثر من هذا أن يحسن إلى هؤلاء المسيئين، بل أيضًا أن يحبهم..! مَنْ يستطيع هذا..؟ إنه صليب هناك صليب آخر في الجهاد الروحي في انتصار الروح على الجسد في احتمال متاعب وحروب العالم والجسد والشيطان في صلب الجسد مع الأهواء في الانتصار على الذات في الدخول من الباب الضيق والصليب هو التألم لأجل البر هذا فقط للمبتدئين أما للكاملين فيتحول الصليب إلى لذة ومتعة نشعر بضيق الباب في أول الطريق ولكننا بعد ذلك نجد لذة في تنفيذ الوصية، ونحبه وحينئذ لا يصير الطريق كربًا والصليب الأول يصير متعة كان الاستشهاد صليبًا، ثم تحول إلى متعة وصار القديسون يشتهون الاستشهاد، ويشتهون الموت، ويفرحون به والتعب من أجل الرب أصبح لذة ومتعة، والألم أيضًا وهكذا اعتبر الكتاب أن الألم هبة من الله "وُهِبَ لكم، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أن تتألموا لأجل اسمه"، متى يصبح الصليب في حياتنا متعة؟ قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
19 نوفمبر 2025

الإيمان

ليس الإيمان هو مجرد عقائد جامدة تحفظها عن ظهر قلب من علم اللاهوت وتعليم الكنيسة بل الإيمان هو بالحري يقين داخلي عميق وثقة كاملة بالله وصفاته وعمله إيماننا بالله ووجوده ورعايته وحفظه يعطينا سلامًا داخليًا وراحة في القلب والفكر واطمئنانًا بأن الله مادام موجودًا إذن فهو يهتم بنا أكثر مما نهتم بأنفسنا لذلك علينا أن نعيش في هذا السلام ونثبت فيه والإنسان المؤمن لا يقلق أبدًا لأن القلق ضد الإيمان بمحبة الله وحفظه ورعايته وإذا آمن الإنسان بوجود الله في كل مكان يشعر في داخله بقداسة أي مكان يوجد فيه لوجود الله وكما يشعر باطمئنان للوجود في حضرة الله كذلك يشعر بأنه يلزمه التدقيق في كل تصرفاته فالله ينظره ويسمعه ويشاهد كل أعماله وفى كل خطية يقول الإنسان مع يوسف الصديق "كيف أخطئ وأفعل هذا الشر العظيم أمام الله" وإيمان الإنسان بأن الله يقرأ أفكاره ويعرف خبايا قلبه وكل نياته ومشاعره هذا الإيمان يمنح الإنسان استحياء في فكره وفي مشاعره خجلًا من الله الذي يفحص كل هذا وإيمان الإنسان بالحياة الأخرى وبيوم الدينونة الذي يعطى فيه حسابًا عن كل أعماله وأفكاره ومشاعره وأقواله كل هذا يجعله يوقن بفناء العالم ووجوب الاستعداد لذلك اليوم الرهيب مع العمل من أجل الأبدية التي سيعيشها بعد الموت ويضع هذا الفكر في قلبه قائلًا مع داود "عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي لأعلم كيف أنا زائل" (مز 39) إن الإيمان ليس مجرد اقتناع عقلي إنما هو عمل داخل القلب يقوده في الحياة كلها وهو ليس لحظة معينة يقبل فيها الإنسان الله إنما هو عمل العمر كله الذي يعيشه المؤمن في "الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" لذلك فإن عبارة "الإيمان" تعنى في غالبية الحالات الحياة المسيحية كلها بما فيها من عقيدة وتصرف. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
12 نوفمبر 2025

محبة الانتفاع

الذي يريد أن ينتفع، يمكنه أن ينتفع من كل شيء، ومن كل شخص، ومن كل حدث إنه يستخرج الفائدة من كل ما يمر به يستفيد من الصالح ويستفيد أيضًا من الشرير من الشخص الصالح يأخذ قدوة صالحة ويأخذ حبًا ومعاملة طيبة ومن الشخص الشرير يمكنه أن يقتنى فضائل الصبر والاحتمال والمغفرة للمسيئين كما يمكن تعلم الفضيلة من معرفة مضار ومساوئ الرذيلة التي تقابلها قال أحد الحكماء تعلمت الصمت من الثرثار أي أنه من إدراك مساوئ الثرثرة أمكنني أن أعرف مدى فائدة الصمت في اتقاء هذه الأخطاء يمكننا أن نتعلم من أخطائنا ومن أخطاء الآخرين والحكيم يعرف كيف يستفيد من الخطأ فلا يعود يقع فيه مرة أخرى ويأخذ من الأخطاء خبرة في حياته والإنسان الكثير الخبرات هو مصدر من مصادر المنفعة الذي يريد أن ينتفع يمكنه أن ينتفع ليس من الأشخاص الذين يقابلهم فقط بل من الطبيعة أيضًا قال الحكيم تعلم من النملة أيها الكسلان إنه لأمر جميل حقًا أن تكون النملة مصدرًا من مصادر المنفعة بالنسبة إلينا وكما ننتفع من الطبيعة يمكننا الانتفاع من الأحداث سواء الأحداث التي تحدث لنا أو لغيرنا كلها دروس نافعة في الحياة لمن يحب أن يعتبر إن قصة الغنى الغبي كانت درسًا لكثيرين وكل قصص الكتاب أيضًا وأحداثه هي أيضًا دروس كذلك قصص وأحداث التاريخ كما قال الشاعر ومَنْ وَعَى التاريخ في صدره أضاف أعمارًا إلى عمره إن الانتفاع ليس مصدره الوحيد الآباء الروحيين مادام القلب يبحث عن المنفعة فإن الله لا بُد أن يرسل هذه المنفعة بأنواع وطرق شتى. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
05 نوفمبر 2025

الفضائل الأمهات المحبة، التسليم، الاتضاع

هناك فضائل جزئية، يتعب الإنسان جاهدًا، حتى يصل إليها وهناك فضائل أمهات، تشمل العديد من الفضائل داخلها، وعن هذه نريد أن نتكلم في مقدمة هذه الفضائل: المحبة وقد قال السيد المسيح عن هذه الفضيلة، إنه بها يتعلق الناموس كله والأنبياء وشرح بولس الرسول للعناصر العديدة التي تتضمنها فضيلة المحبة فقال أنها تتأنى، وتترفق، وأنها لا تحسد، ولا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق، وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجوا كل شيء، تصبر على كل شيء ولا تسقط أبدًا (1كو 13) فالذي يقتنى المحبة، يقتنى كل هذه الفضائل وكل ما ذكره بولس الرسول هو من محبتنا للقريب أما محبتنا لله، فإنها تشمل ولا شك أمورًا عديدة تشمل الصلاة بكل درجاتها، التأمل، والهذيذ، وقراءة الكتاب المقدس، ومحبة الكنيسة، ومحبة الأسرار الكنسية، والاجتماعات الروحية، والصوم، والمطانيات كما تشمل أيضًا إطاعة جميع الوصايا، لأن الرب يقول "مَنْ يحبني يحفظ وصاياي". ومن الفضائل الأمهات أيضًا: حياة التسليم.. وحياة التسليم معناها أن يسلم الإنسان حياته تسليمًا كاملًا للروح القدس العامل في قلبه، ليدبر حياته ومن هنا تظهر في هذا الإنسان ثمار الروح التي شرحها بولس الرسول في (غل 5: 22) فقال وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف. ومن الفضائل الأمهات: فضيلة الاتضاع.. والإنسان المتضع، يقتنى الوداعة، والهدوء، والبعد عن الغضب، وإدانة الآخرين، والبعد عن القسوة ويشمل الاتضاع انسحاق القلب، ولوم النفس، وفضيلة الدموع، والحب، ومباركة كل أحد، وطلب بركة كل أحد، والاستماع أفضل من التكلم، وعدم التعالي، وعدم الافتخار، وعدم الحديث عن النفس، والرضا لكل شيء، والقناعة، والشكر، والبساطة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
29 أكتوبر 2025

الوسيلة الطيبة

لا يكفى أن يكون العمل الذي نعمله خيرًا في أهدافه وإنما يجب أن تكون الوسيلة التي نعمله بها، وسيلة خيرة وطيبة العنف مثلًا، والشدة الزائدة، والقسوة، ليست كلها وسائل طيبة للتربية، والحصول على النظام والطاعة إنما كثيرًا ما تكون وسائل منفرة، ولا تصلح لكل أحد. ويمكن أن يصل الإنسان إلى غرضه بغير عنف وبغير قسوة، وبوسائل طيبة والشتيمة أيضًا ليست وسيلة روحية للرد على من يخالفك في الإيمان، ويخالفك في الرأي إنك بهذا الوضع تخسر من تناقشه. وإن كنت كاتبًا ومؤلفًا، تخسر قارئيك أيضًا. والوضع السليم أن يكون الإنسان موضوعيًا في مناقشة الأمور الإيمانية والعقيدة، بدون شتائم وإهانات، لأنه "لا شتامون يدخلون ملكوت السموات" (1كو 6: 10) والهدم، والانتقاد المر، ومحاولة تحطيم الآخرين، ليست وسائل طيبة للتعبير عن الغيرة المقدسة فالغيرة يمكن التعبير عنها بوسيلة إيجابية بناءة، تعالج الأمور في روية، وفي موضوعية، وفي دراسة هادئة، وتقديم حلول مقبولة، وفي نفس الوقت في محبة. لأن الكتاب يقول "لتصر كل أموركم في محبة" (1كو 16: 14) والانقسام ليس وسيلة طيبة للعمل الكنسي، ولا حتى للعمل الاجتماعي والوطني الانقسام يسبب ضعفًا في الصفوف، وهو دليل على عدم التعاون، وعدم القدرة على معاملة الرأي الآخر، وهو برهان على الفشل في إقناع الطرف الآخر وفي كسبه والكتاب يقول "رابح النفوس حكيم" (أم 11: 30) إن الحكيم يختار وسيلة طيبة لعمله الطيب لأن الوسيلة الخاطئة فيها تناقض مع العمل الطيب والعمل الطيب، إذا كانت وسيلته غير طيبة، يكون شركة من النور والظلمة، وخليطًا من البر والخطيئة، ولا يدل على أنه عمل روحي. فلتكن وسائلنا طيبة وهادئة وروحية، أو على الأقل فلتكن غير معثرة ولا خاطئة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد
22 أكتوبر 2025

الفِكْر الخاص

كثير من الناس يهوون نشر أفكارهم الخاصة، وتقديم هذه الأفكار كمبادئ روحية للناس، وكعقائد يجب الإيمان بها وكلما كانت هذه الأفكار جديدة وغير معروفة، يزيد هذا من سرورهم، ويفرحون إذا عرفوا شيئًا جديدًا يقدمونه للناس يجعلهم في نظرهم من أهل العلم والمعرفة! وكلما كان هذا الجديد مختلفًا تمامًا عما يعرفه الناس ويعتقدونه، نرى هؤلاء المفكرين يفرحون بالأكثر، كما لو كانوا يحطمون مفاهيم عامة خاطئة، لكي يقيموا على أساسها الجيد السليم..! وهذا الأمر إذا صلح في أي لون من ألوان المعرفة، فهو لا يصلح في العقيدة، التي لا تحطم إيمانًا قديمًا تبنى على أنقاضه إيمانًا جديدًا. العقيدة كلما كان لها قدم، كانت أكثر رسوخًا والجديد في العقيدة قد يكون بدعة، إذا ما كان يحطم إيمانًا قديما مسلمًا لنا من الآباء لذلك فإن المعجبين بفكرهم الخاص، يحاولون بكافة الطرق أن يبحثوا له عن أصول قديمة تسنده.. وإن لم يجدوها، يختلقونها اختلاقًا! هؤلاء لا يقرأون أقوال الآباء، لكي يفهموا فكرهم.. إنما يقرأون لكي يتصيدوا نصًا، أي نص، يسندهم يقتطعون هذا النص اقتطاعًا، فاصلين إياه عما قيل قبله، وعما قيل بعده، وعن المناسبة التي قيل فيها، وعن الفكر العام للأب الذي أخذوا عنه.. ويتخذون هذا الاقتباس وسيلة لإثبات فكرهم وقد توجد من كتابات القديس الذي نقلوا عنه، أقوال تناقض ما ينسبونه إليه إنهم لا يبحثون عن الحقيقة، إنما يبحثون عن إثبات لفكرهم، مهما كان هذا الإثبات مصطنعًا ومغلوطًا أما أنت أيها المبارك، ففي أمور العقيدة، لا تحاول أن تنشر فكرًا خاصًا، إنما أنشر عقيدة الكنيسة وكل فكر جديد يصل إلى مفاهيمك، لا تعرضه على الناس، إنما اعرضه على المسئولين في الكنيسة.. لإبداء رأيهم فيه، قبل نشره إن التعليم في الكنيسة ليس مجالًا لعرض الأفكار الشخصية، إنما هو مجال للتعليم الواحد الذي يستمد أصوله من التقليد الرسولي، بإيمان واحد للجميع. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب كلمة منفعة الجزء الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل