المتنيح البابا شنوده الثالث

البابا شنودة الثالث (وُلِد باسم نظير جيد روفائيل) (3 أغسطس 1923 - 17 مارس 2012)[1]، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر، وهو البابا رقم 117. كان أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البابا، وهو رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر (1928 - 1942) ومكاريوس الثالث (1942 - 1944) ويوساب الثاني (1946 - 1956).[2]. وهو من الكتاب أيضا إلى جانب الوظيفة الدينية العظمى التي يشغلها، وهو ينشر في جريدة الأهرام الحكومية المصرية بصورة منتظمة.

دراسته
التحق بجامعة فؤاد الأول، في قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947. وفي السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليركية. وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج من الكلية الإكليركية عمل مدرساً للتاريخ. حضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي وكان تلميذاً واستاذاُ في نفس الكلية في نفس الوقت.

كان يحب الكتابة وخاصة كتابة القصائد الشعرية ولقد كان ولعدة سنوات محررا ثم رئيسا للتحرير في مجلة مدارس الآحد وفي الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا في علم الآثار القديمة. كان من الأشخاص النشيطين في الكنيسة وكان خادما في مدارس الآحد. ثم ضباطاً برتبة ملازم بالجيش. [بحاجة لمصدر]

انخراطه في العمل الديني
كان نظير جيد (اسمه الحقيقى) كان خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة وطالباً بمدارس الأحد ثم خادماً بكنيسة الانبا انطونيوس بشبرا في منتصف الأربعينات.[3]

رسم راهباً باسم (انطونيوس السرياني) في يوم السبت 18 يوليو 1954، وقد قال أنه وجد في الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء. ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد حوالي 7 أميال عن مبنى الدير مكرسا فيها كل وقته للتأمل والصلاة.

وبعد سنة من رهبنته تمت سيامته قساً. أمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادره. عمل سكرتيراً خاصاً للبابا كيرلس السادس في عام 1959. رُسِمَ أسقفاً للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الاكليريكية، وذلك في 30 سبتمبر 1962.

باباويته
وعندما مات البابا كيرلس في الثلاثاء 9 مارس 1971 أجريت انتخابات البابا الجديد في الأربعاء 13 أكتوبر. ثم جاء حفل تتويج البابا (شنودة) للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في 14 نوفمبر 1971 وبذلك أصبح البابا رقم (117) في تاريخ البطاركة.

في عهده تمت سيامة أكثر من 100 أسقف وأسقف عام؛ بما في ذلك أول أسقف للشباب، أكثر من 400 كاهن وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرة والإسكندرية وكنائس المهجر. أولى اهتماما خاصا لخدمة المرأة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. يحاول دائما قضاء ثلاثة أيام أسبوعيا في الدير، وحبه لحياة الرهبنة أدى إلى انتعاشها في الكنيسة القبطية حيث تم في عهده سيامة المئات من الرهبان والراهبات. وكان أول بطريرك يقوم بإنشاء العديد من الأديرة القبطية خارج جمهورية مصر العربية وأعاد تعمير عدد كبير من الأديرة التي اندثرت.

في عهده زادت الابارشيات كما تم إنشاء عدد كبير من الكنائس سواء داخل أو خارج جمهورية مصر. في عهده تمت سيامة أكثر من 100 أسقفاً؛ بما في ذلك أول أسقف للشباب، ومئات من الكهنة وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرة والإسكندرية وكنائس المهجر. في عهده زادت إلايبارشيات كما تم إنشاء عدد كبير من الكنائس سواء داخل أو خارج جمهورية مصر العربية.

المقالات (341)

30 ديسمبر 2025

سقوط وقيام كثيرين

في متابعة محاضراتنا الخاصة بالميلاد تتناول عبارة قالها سمعان الشيخ عن السيد المسيح "ها إن هذا وضع لسقوط وقيام كثيرين ولعلامة تقاوم "( لو ٢ : ٣٤ ) . سقوط وقيام كثيرين : عجيب أن يكون الرب سبب فرح للبعض وحزن للبعض الآخر فرح المجوس فرحاً عظيماً لما رأوا النجم ( متى ١ : ١٠ ) وسألوا عن مكان المسيح وقدموا له هداياهم وسجدوا له وآمنوا وبينما هم يفرحون به قيل عن هيرودس الملك انه لما سمع" اضطرب وجميع أورشليم معه" ( متى ٣:١ ) ميلاد المسيح كان سبب فرح المجوس وسبب اضطراب هيرودس في القيامة العامة سيفرح المؤمنون الحقيقيون بمقابلة الرب إذ يأخذهم معه على السحاب في المجد ويكونون مع الرب كل حين ومع ذلك فإن آخرين سيقولون للجبال غطينا ، وللتلال أسقطى علينا ( رؤ ٦ : ١٦ ) وذلك من شدة خوفهم كما يقول الكتاب "مخيف هو الوقوع في يدى الله الحي " ( عب ۱۰ : ۳۱ ) . مجيء المسيح الثاني سيكون سبب فرح للبعض وخوف لغيرهم و في ذلك قال الرائى وستنظره كل عين والذين طعنوه وتنوح عليه جميع قبائل الأرض ( رؤ ۱ : ۷ ) . ان القيامة اذن " سبب سقوط وقيام كثيرين " فيها يتقرر مصير البعض للسقوط والبعض للقيام كذلك كان عبور البحر الأحمر سبب سقوط وقيام كثيرين كان سبب خلاص أولاد الله وفى نفس الوقت كان سبب هلاك فرعون وكل جنوده ومن جهة مجيء السيد المسيح من الذين سقطوا ومن الذين قاموا بمجيئه ؟ وكيف كان مجيئه سبب بركة وخوف ؟ اول عدو سقط بمجيء السيد المسيح هو الشيطان لقد قال الرب عنه و أبصرت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء ( لو ۱۰ : ۱۸) نعم كل ما فعله الشيطان في آلاف السنين ضيعه السيد المسيح حينما قال على الصليب و قد اكمل فصار تعب الشيطان كله باطلا بما في ذلك ما سيجد من عمله بالنسبة إلى المفديين .كان مجيء المسيح خوفاً للشيطان الذي قال عنه الرب" رئيس هذا العالم قد دين " (يو ١٦: ۱۱) لذلك كان الشياطين يصرخون قائلين له " أجئت قبل الوقت لتعذبنا "( مت ۸ : ٢٩) وعبارة سقوط كثيرين لا تعنى الشيطان فقط بل كل جنده أيضاً كما قيل في سفر الرؤيا "حدثت حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وملائكته فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي كان يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته "( رو ۱۲ : ۷ - ۹ ) و آخر عدو سيسقط بتجسد المسيح وفدائه هو الموت وفي ذلك قال معلمنا بولس الرسول "متى سلم الملك لله الآب متى أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة آخر عدو يبطل هو الموت " ( ١ کو ٢٦،٢٤:١٥ ) من الأعداء الكثيرين الذين يسقطون الانسان العتيق إن الرب بتجسده وفدائه منح نعمة للمؤمنين ينالونها في المعمودية إذ يسقط الانسان العتيق يموت ويدفن ( رو ٦ ) ويقوم إنسان آخر في جدية الحياة على صورة الرب هو الذي قيل عنه "لأنكم جميعاً الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح" ( غل ۳ : ۲۷ ) حقاً اننا نرى في المعمودية سقوط وقيام كثيرين من الامثلة الجميلة للسقوط والقيام قصة شاول الطرسوسي شاول الطرسوسي بكل جبروته الذي كان يأتي برسائل من رؤساء الكهنة ويجر رجالا ونساء إلى السجن شاول هذا لم يستطع أن يرفس مناخس وسقط لكى يقوم مكانه بولس الرسول الذي يتعب أكثر من جميع الرسل ويتكلم بلسان أكثر من جميعهم ويصنع المعجزات ويكرز ويؤسس الكنائس وينال إكليل الشهادة لقد سقط أيضا المعلمون الكذبة الكتبة والفريسيون والصدوقيون وأمثالهم من كهنة اليهود ورؤساء الكهنة.سقطت هيبتهم في أعين الناس وسقط تعليمهم وسقطت كبرياؤهم وأفحمهم السيد المسيح فى أكثر من مناقشة وأثبت للكل فساد ما يعلمون به ورأى الناس معلماً آخر عظيماً و بهتوا من تعليمه وكان يعلمهم بسلطان وليس كالكتبة وسار الكل وراءه وتركوا كل شيء وتبعوه وأخيراً تحطم الكتيبة والفريسيون بقول السيد المسيح لهم في ( متی ۲۳ ) ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون وشرح في تفصيل شديد كل اخطائهم وانتهوا من تاريخ اليهود ومحيط العمل الديني ليقوم مكانهم معلمون آخرون عينهم الرب وسقط الكهنوت الهاروني ليقوم كهنوت على طقس ملكي صادق وقال السيد المسيح فى تغيير هؤلاء الوكلاء" إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لامة تصنع ثماره" ( متى ٢١ : ٤٣ ) وبالمثل فعل مع الناموسيين والصدوقيين وشهد العالم سقوط كثيرين وفي سقوط كثيرين نضع أيضا الوثنية بكل رجالها كل فلسفاتها وفلاسفتها سقطوا سواء مدرسة الاسكندرية الوثنية التي سقطت أمام المدرسة اللاهوتية بالاسكندرية أو مثلما حدث في قصة اسطفانوس الشماس الأول الذي قيل عنه أن ثلاثة مجامع وقفت ضده الليبرتينيين والقيروانيين والاسكندريين مع الذين من كيليكيا وآسيا " لم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به "( أع ٦ : ٩ ، ١٠ ) ووقفت المسيحية في نشأتها في صراع مع الاديان الأخرى كما قال السيد المسيح و ما جئت لالتقى سلاماً على الأرض بل سيفاً أي الصراع الذي يقوم بين الإيمان وكل معارضيه وشهد العالم فترة من الكرازة ومن الاستشهاد ظهر فيها سقوط وقيام كثيرين أما ما سقط فهو الأديان الأخرى مع الدولة الرومانية التي استسلمت لتأثير المسيحية بعد كل اضطهادها لهاوسقطت مع الوثنية كل فلسفتها وكل حكمتها وتحقق قول الرسول "اختار الله جهال العالم ليخزى بهم الحكماء وضعفاء العالم ليخزى بهم الأقوياء واختار المزدرى وغير الموجود ليبطل ما كان موجوداً " وإذا بالصياد الأمى يقف أمام أساطين مجمع السنهدريم ليقول لهم في شجاعة ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس ويقف السيد المسيح ليقول "أحمدك أيها الاب لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للأطفال" وشهد التاريخ في انتشار المسيحية سقوط وقيام كثيرين ومن الذين قاموا ؟أولا أقام الرب المتواضعين . لقد تحققت تسبحة السيدة العذراء التي قالت فيها " أنزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين "( لو ١ : ٥٢ ) هذه العذراء المسكينة اليتيمة التي سلموها لنجار يرعاها أصبحت جميع الأجيال تطوبها والمقيمون فى مزود البقر صاروا مقصد العالم كله والمزود صار مزاراً مقدساً تنحنى أمامه تيجان الأباطرة والملوك تطلب بركة ترابه والصيادون الفقراء صاروا قادة العالم و كهنته ورعاته ومعلميه الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً بل انه من الكثيرين الذين سقطوا مفاهيم كثيرة كل مفاهيم الناس عن العظمة والقوة والحرية وما أشبه تغيرت إلى العكس ووضع السيد المسيح مفاهيم جديدة أقامها مكانها فلم يعد القوى هو الذي يضرب غيره على الخد الأول والخد الآخر إنما القوى هو الذي يحتمل كما قال الرسول "أطلب إليكم أيها الأقوياء أن تحتملوا ضعف الضعفاء" وأصبحت الحرية هي حرية الإنسان من الداخل وليست حريته من الخارج فى فعل ما يشاء وكما قال الرب" إن حرركم الإبن في الحقيقة أنتم أحرار" والعظمة صارت في الاتضاع وليس في الكبرياء ووضع الرب ذلك المبدأ الجميل "من رفع نفسه يتضع ومن وضع نفسه يرتفع من وجد نفسه يضيعها ومن أضاع نفسه من أجلى ومن أجل الانجيل فانه يجدها" كان المسيح نوراً جاء إلى العالم فانقشعت أمامه كل قوى الظلمة سقطت أمامه ولكنها قاومت كثيراً في باديء الأمر وبالأكثر قاومت علامته التي هي الصليب التي قال عنها سمعان الشيخ " وعلامة تقاوم " أننا على ابوب عام جديد ونريد أن تنطبق علينا عبارة قيام كثيرين فيقيمنا الرب بنعمته وبروحه القدوس وبعمله الدائم فينا يقيمنا عن يمينه ويقول لنا : " تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم " إنه أقام كثيرين بل لا تستطيع أن نحصى عدد من أقامهم ربوات ربوات وألوف أولئك الذين ينشدون الرب أغنية جديدة في ملكوته فلتكن نحن من هؤلاء الكثيرين الذين قال عنهم و في بيت أبي منازل كثيرة وأنا إن ارتفت أجذب إلى الجميع بقى ان نقول ان السقوط والقيام هنا على الأرض بصفة مؤقته يمكن أن تتغير بعد حين لتعد لسقوط وقيام أبديين وليت الجميع يهتمون بأبديتهم منذ الآن التناول أيضا لسقوط وقيام كثيرين لقيامهم في حالة الاستحقاق ولسقوطهم في حالة عدم الاستحقاق إذ يتناولون دينونة لانفسهم . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عظة البابا يوم 19/12/1980
المزيد
24 ديسمبر 2025

ليكن لى كقولك

بمناسبة تذكارنا للعذراء في صوم الميلاد المجيد وفي ليالى كيهك المباركة نود أن نتأمل في عبارة قالتها العذراء للملاك المبشر هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك ( لو ۱ : ۳۸ ) . ليكن لى كقولك لا شك أن العذراء ما كانت تفكر مطلقاً انها ستحبل وتلد ولكن لما جاءتها المشيئة الإلهية تركت مشيئتها الخاصة وفي ملء التسليم للرب قالت "ليكن لى كقولك" ومع أنه بشرها بمخلص يخلص شعبه جاءها الأمر أن تهرب بهذا المخلص إلى أرض مصر إلى بلاد غريبة عنها موضعاً وديانة إلا أنها قالت" ليكن لى كقولك "وكان مجيئها مع الرب سبب بركة لكل أرض مصر حتى الآن لا شك إنها كانت تحب البقاء في الهيكل في حياة الصلاة والتأمل والعبادة ولكن الرب نقلها إلى أماكن متعددة من الهيكل إلى بيت يوسف إلى بيت لحم إلى مصر إلى الناصرة وهي لا تقول سوی "ليكن لي كقولك "مثال آخر : قديس متوحد في جبل الكرمل هو إيليا نقله الرب من حياة العبادة والنسك فى الجبل إلى صميم مشاكل المجتمع مرة يرسله إلى صرفة صيدا حيث تعوله امرأة ومرة يرسله إلى آخاب الملك الذي يزمع قتله ومرة يرسله إلى حيث يقتل كل الانبياء الكذبة وهو في كل ذلك لا يقول سوى" لكن لى كقولك" ليست الوحدة في الكرمل هي هدفى انما هدفى مشيئتك أنا معك ومع مشيئتك حيثما أردتني أن أكون على الجبل معك وفي المدينة معك في التأمل معك وفي الخدمة معك ليس لي أن أقر أنت الذي تقرر وأنا أنفذ . مثال آخر أرمياء الرقيق الهادي الصغير الذي لا يحتمل المشاكل الذي دموعه في عينيه باستمرار يرسله الرب ليدخل في عمق المشاكل ليوبخ ملوك يهوذا ورؤسائها وكهنتها وشعب الأرض ويحاربونه والكل يخاصمه وهو يكشف خطاياهم ويتنبأ لهم ينبوءات لا تريحهم ليس له أن يقول إلا " ليكن لى كقولك "وإن قال و لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد يقول الرب " إلى كل من أرسلك إليه تذهب و تتكلم بكل ما آمرك به "( أر ١) ومع أن الله وعده أن يجعله مدينة حصينه وعمود حديد وأسوار نحاس إلا انهم القوه في الوحل وهو يغنى بانشودته الجميلة "ليكن لى كقولك " وأخيراً لخص أرمياء النبى اختباراته الروحية في تلك العبارة الخالدة "عرفت يارب أنه ليس للإنسان طريقة ليس لانسان يمشى أن يهدى خطواته " ( ار ۲۳:۱۰ ) يحدث كثيراً أن يحب أحد الرهبان حياة الوحدة والتأمل ثم يدعوه الله إلى خدمة فهل يحتج على الرب ويرفض أم يقول له في استسلام كما قالت مريم" ليكن لى كقولك " سهل علينا أن نطيع الله فيما يوافق هوانا ولكننا في هذه الحالة نكون قد اطعنا هوانا وليس الله أما عبارة" ليكن لى كقولك " فتنطبق حينما نقول معها " لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك " نقولها بلا تذمر بل بملء الثقة مؤمنين بمحبة الله ومؤمنين بحكمته وحسن تدبيره غير مخضعين الأمور لافكارنا الخاصة ودون أن ندخل في جدل مع الله انظروا الى يوسف الصديق وكم عاش في هذا المبدأ اظهر له الله رؤى واحلاماً مؤداها أن أباه وأمه واخوته سيأتون ويسجدون له وإذا الواقع أن اخوته يحسدونه ويلقون به في بئر ثم يبيعونه كعبد وينتهى به الأمر إلى بيت فوطيفار ثم تلفق ضده وضد امانته تهمة رديئة ويلقى في السجن ظلماً ! ! وهو في كل هذا لا يحتج وليس أمامه سوى عبارة" ليكن لى كقولك " لم يقل للرب أين وعودك ؟ وأن الاحلام والرؤى ؟ وأين العدل فيما لاقيته من ظلم ؟ وإنما قال" ليكن لى كقولك" و نفذ الله وعوده له ، ولكن فى الوقت المناسب حسب حكمة الله و حسن تدبيره اننا لا نقول عبارة « ليكن لى كقولك » لاننا نريد أن نخطط لانفسنا ويكون الله بالنسبة الينا جهاز تنفيذ ! ! نحن ندبر وهو ينفذ 11 واثقين بافكارنا وعقولنا وكل تدابير الله معنا نريد أن نراجعها حسب مقاييسنا الخاصة التي كثيراً ما تكون خاطئة وكثيراً ما تخفى عليها عوامل متعددة ... ! قصة ابراهيم أب الآباء مثال رائع لهذا المبدأ الروحي في يوم من الأيام قال له الرب "خذ ابنك وحيدك الذى تحبه اسحق وقدمه لى محرقة على الجبل الذي أريك إياه " أمر يبدو وكأنه ضد الطبيعة البشرية ! كيف يقدم إبنه محرقة ؟ ! أما أبونا ابراهيم فلم يكن فى قلبه ولا فى فكرة سوى عبارة" ليكن لى كقولك" سهل جدا أن نرتل في الكنيسة ترتيلة "حيث قادني اسير "ولكن نحن نسير وفق كلمات الترتيلة ؟ ! أم نحن نسير فى كل ما يحيط بنا لا تقبل إلا ما يوافقنا ، ولا نسير بسهولة فيما يريده الله لنا كلام التسليم لله موجود فقط في الترتيلة وليس في واقع الحياة يعقوب أبو الآباء خطب راحيل لتكون زوجة له وفي يوم الزواج أعطوه ليئه فقبلها لتكون له إلى جوار راحيل قائلا في قلبه" ليكن لي كقولك "وما أعجب حكمة الرب أنه من ليئه هذه التي فرضت على يعقوب ولد المسيح ولما ظهر الرب ليعقوب وباركه في نفس وقت البركة ضربه الرب على حق فخذه فظل يخمع عليه طول حياته وقبل يعقوب هذه الضربة وفي قلبه" ليكن لى كقولك " كل شيء من الله هو نافع ومفيد حتى لو كان لا يبدو لنظرنا كذلك ."كل الاشياء تعمل معا للخير " ان حكمتنا قاصرة وتدبير الله هو فوق فهمنا نتقبله من الله في فرح والقلب يغنى" ليكن لى كقولك " فهمت أنا أو لم أفهم ليس هذا هو المقياس الحقيقي انما المقياس هو محبتك للبشر وحكمتك التي لا تحد وهكذا في نفس قصة داود النبي وعلاقته بالملك مسحه صموئيل النبى ملكاً ثم تركه دون أن يسلمه من الملك شيئاً وإذا به يخدم شاول الملك المرفوض من الله ويذوق منه الأمرين مطارداً من برية إلى أخرى والموت يتهدده فلم يحتج ولم يقل أين الملك والمسحة بل تقبل الأمر في هدوء قائلا في قلبه " ليكن لى كقولك " ان الله يحب الذين يتقبلون تدبيره في وداعة وثقة لا يناقشون الله في شك أو في تذمر لذلك كان البسطاء الودعاء هم المختارون من الله الذي يكشف لهم قلبه ويعلن لهم ذاته ويختارهم لتنفيذ مشيئته لقد اختار الصيادين البسطاء وليس الحكماء والفلاسفة ليكونوا رسله لأنهم هم الذين يقولون في صدق "ليكن لى كقولك" ان الانسان الذي يحيا حياة التسليم له صفات : لا يمكن أن يسلم إرادته لله ما لم يثق به كل الثقة ،ولا يثق به إن لم يعرفه ويختبره ويحبه ويوقن تماماً أن الله صانع الخيرات وأن كل ما يعمله هو للخير والذي يحيا حياة التسليم يحيا في الفرح الدائم أما الذي يناقش ويحتج ويتذمر ويراجع كل أعمال الله فإنه يحيا باستمرار فى قلق واضطراب وتعب لا يتمتع بسلام القلب ولا بالفرح الحقيقي يونان النبي اعتمد على فكره أكثر من حكمة الله أمره الله أن يذهب إلى نينوى وينادى عليها فرفض أن يذهب رفض أن يقول "ليكن لى كقولك " وأخذ سفينة وهرب بها إلى ترشيش فماذا كانت النتيجة ؟ هاج البحر واضطربت السفينة والقي يونان في البحر وأعد الله حوتاً عظما فابتلع يونان ولما عاد يونان واستسلم لمشيئة الله قذفه الحوت الى الخارج لينفذ أمر الرب ويسير حسب قوله وكل قصة التمرد التي عاشها لم يستفد منها شيئاً . تدرب على حياة الطاعة ... طاعة بحب وثقة . تقول للرب إن أردتني أن أمشى معك على الماء سأمشى ولا شك وإن أردتنى أن أتمشى معك في أتون النار سأسير فيها بفرح الكلمة التي تضعها فى فمى سأنطق بها والكلمة التي تضعها في أذني سأعمل بها أن تكون لى إرادة غير إرادتك لن أدبر حیاتی بفکری بل "ليكن لي كقولك " ما أجمل حياة أيوب الصديق حينما كان في حياة التسليم وأحاطت به الضيقات من كل جانب واحتجت امرأته فقال لها" تتكلمين كلاماً كأحدى الجاهلات الخير من الله نقبل والشر لا تقبل ؟! " ( أى ١٠:٢ ) إن الخير يتوقف على صلاح الله وحكمته ومحبته ولا تحكمه ظواهر الأمور ولا فهمنا القاصر. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عظة البابا يوم 12/12/1980
المزيد
22 ديسمبر 2025

كيف تعترف

استعدادا للعام الجديد : 1 - لا بد أولا أن تقتنع بأنك مخطئ لكى تعترف بذلك أمام الله وأمام الأب الكاهن أما الذي يبرر ذاته أو يرى أنه على حق في تصرفاته فطبيعي أنه سوف لا يعترف. 2- في الاعتراف تعترف بخطاياك أنت وليس بخطايا غيرك ولا تلق التهمة على غيرك كما فعل آدم وحواء . 3- اجلس أولا وحاسب نفسك حتى لا تنسى. 4- كن مركزا في كلامك حتى لا تضيع وقت أب الاعتراف ووقت باقي المعترفين المنتظرين. 5- الاعتراف ليس هو في سرد حكايات إنما في ما تحكيه أذكر أين أخطأت لأن الاعتراف هو أن تدين ذاتك أمام الله في سمع الكاهن . 6- أذكر خطايا العمل وخطايا الفكر والقلب واللسان والحواس والنية بنوعيات وليس حكايات . 7- أذكر أيضاً أخطاءك بالنسبة إلى العبادة وكل وسائط النعمة كالصلاة والقراءة والصوم والاجتماعات الروحية .. الخ 8- الذكر اخطاءك بالنسبة إلى الفضائل الرئيسية کالایمان والتواضع والمحبة والوداعة وباقي ثمار الروح( غل ٢٢:٥ ) . 9- لا مانع من ذكر مقارنة بما قبل، وهل أتت في نمو روحي أم تأخر أم توقف أم فتور . ١٠- تقدم إلى الاعتراف بروح التوبة والخشوع مصمما من كل قلبيك على عدم الرجوع، مبتدأ من أسباب الخطية. ١١- ليكن يوم الاعتراف يوماً مثالياً له طابع خاص سواء في الاستعداد له أو في ما بعد الاعتراف بحيث لا تصرف تصرفاً يفقدك حرارتك الروحية. ۱۲- في عزيمتك على التوبة احترس من الاعتماد على ذاتك ، وإنما صل باستمرار أن يتحك الرب قوة . ١٣ - قد يحاربك الشيطان بعد الاعتراف ليسقطك ويوقعك في اليأس، وتتشوه البداية الجديدة التي بدأت بها فاحترس جداً وتنبه لكل محاربة وإن سقطت لا تقل لا فائدة وإنما قم بقوة أوفر وعزيمة أصدق . ١٤ - اعط أهمية كبيرة لمقاومة الخطايا المتكررة . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
17 ديسمبر 2025

أعظم من ولدته النساء

أود أن أحدثكم اليوم عن رجل وصفه الرب بأنه أعظم من ولدته النساء ، وأنه أفضل من نبي وسنحاول أن تتأمل في بعض جوانب من حياته يوحنا المعمدان شخصية تقف فى مفترق عهدين يمكن اعتباره آخر أنبياء العهد القديم ويمكن اعتباره من رجال العهد الجديد الملاك الذي أعد الطريق أمام السيد المسيح . عظمة يوحنا : وكان يوحنا إنساناً عظيماً ، وفى عظمتة تذكر ثلاث ملاحظات : أولا : انه كان عظيما بشهادة السماء نفسها كثيرون شهد لهم الناس بالعظمة وكانت شهادات خاطئة أو زائفة أو متعلقة أو عن جهل أما يوحنا المعمدان فكانت عظمته حقيقية ويقينية شهد بها ملاك الرب الذي بشر بميلاده ( لو ١٥:١ ) بل شهد بها الرب نفسه ( متى ۱۱ : ۱۱ ) . وهكذا لصقت العظمة بيوحنا حتى قبل أن يولد. ثانيا : لم يكن عظيما فقط وانما أعظم من كل البشر وفي هذا قال عنه السيد المسيح نفسه للجموع ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا ؟ أنبياً ؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي فان هذا هو الذى كتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ. طريقك قدامك الحق أقول لكم إنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ( متی ۱۱ : ۷ - ۱۱ ) . ثالثا : كانت عظمة يوحنا عظمة امام الرب : قال الملاك الذي بشر بميلاده لأنه يكون عظيماً أمام الرب (لو 1 : ١٥ ) حقاً اننا نقف مذهولين أمام عبارة عظيماً أمام الرب فأمام الرب كلنا لا شيء تراب ورماد تختفى كل عظمة ويستد كل فم أما أن يكون إنسان ما عظيماً أمام الرب فهذا شيء عجيب وعجيب جداً يدل على تواضع الرب وتشجيعه الخليقته ويدل أيضاً على قيمة هذا الانسان في قلب الله فما هو السر في عظمة يوحنا هذه العظمة العجيبة ؟ أعمال عظيمة قد قيلت عنه : منها أنه و يرد كثيرين إلى الرب إلههم. يرد العصاة إلى فكر الأبرار ،و يهيىء للرب شعباً مستعداً و يهيىء الطريق قدام الرب ،و يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته وفي كل ذلك نسأل الملاك الذي بشر بميلاده عن سر هذه العظمة العجيبة فيجيبنا بقوله إنه "من بطن أمه يمتلى بالروح القدس" ( لو ١ : ١٥ ) حقاً هذه هي سر عظمة يوحنا سمعنا في الكتاب المقدس أن الروح القدس حل على كثيرين في العهد القديم : حل روح الرب على شمشون وعلى شاول وعلى داود وعلى كثير من الأنبياء ولكن لم نسمع مطلقاً عن أحد من هؤلاء أنه" من بطن أمه "قد امتلأ بالروح القدس هذا الأمر قد اختص به يوحنا المعمدان ، لم يسبقه اليه أحد ومن نتائج هذا الامتلاء انه ارتكض بابتهاج في بطن أمه تحية للجنين الالهى وهو في بطن العذراء لقد أوتى المعرفة التي يميز بها الرب وهو ما يزال جنيناً في الشهر السادس في بطن القديسة اليصابات بل أنه أيضاً أوتى روح العبادة وهو في بطن أمه أمر لم نسمعه عن أحد من الأنبياء أو القديسين من قبل لقد عرف المسيح وآمن به وسجد له في البطن قبل أن يولد المسيح قالت عنه أمه اليصابات و ارتكض الجنين بابتهاج في بطني لقد ابتهج بالرب فرح به فرح بالخلاص الذي كان مزمعاً أن يأتي إلى العالم من بطن العذراء ! . عجیب مثل هذا الابتهاج من جنين لا يدرك ولا يعى : ولكن يزول العجب إذ كان هذا الجنين ممتلئاً من الروح القدس والروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله ، ( ۱ کو ۱۰:۲ ) . نذير الرب : كان يوحنا المعمدان مفرزاً للرب قبل أن يولد الله العارف بالمستقبل الفاحص القلوب والمدرك الخفيات كان يعرف من سيكون هذا الانسان يوحنا لذلك اختاره الرب لنفسه . وكما يقول الرسول عن الرب ومختاريه "الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم "هؤلاء مجدهم أيضا ( رو ۸ : ۳۰ ) الله نظر إلى المستقبل فرأى قلب هذا الملاك يوحنا ورأى ماذا يمكن أن يفعل فاختاره لنفسه ودعاه وصار نذيرا للرب قبل أن يولد وخمراً ومسكراً لا يشرب وأعد له الرب نوع خدمته قبل أن يولد إنه يذكرنا بقول الرب لأرمياء النبي "قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب ، ( ار ١ : ٥ ) "عرفتك " نعم هذه المعرفة السابقة هي سر الاختيار تماماً كما حدث في اختيار الرب ليعقوب دون أخيه عيسو وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً أو شراء ولكن الله كان يعرف خاصته يعرف ماذا سيكون يعقوب وماذا سيكون عيسو لذلك قال لأمهما رفقه و في بطنك امتان ومن أحشائك يفترق شعبان وكبير يستعبد لصغير . ( تك ٢٥ : ٢٣ ) ولعل أعظم ما في حياة يوحنا أنه عمد المسيح له المجد أتى إليه السيد المسيح ليعتمد منه كباقى الناس ومن أجل الطاعة قام يوحنا بعماد المسيح واستحق لذلك أن يرى الروح القدس هيئة حمامة وأن يسمع صوت الاب قائلا " هذا هو إبنى الحبيب الذي به سررت " ( متی ٣: ١٦ -١٧ ) وهكذا تمتع بالثالوث الأقدس ، روحاً وحساً. وتظهر عظمة يوحنا المعمدان فى أنه تم عمله العظيم في مدة قصيرة لعلها ستة أشهر او أزيد قليلا هذه الستة أشهر هي الفرق بين عمره وعمر المسيح وكل منهما بدأ عمله في نحو الثلاثين من عمره وخدم يوحنا هذه الستة أشهر ولما ظهر المسيح بدأ يختفى هو وفى هذه المدة الوجيزة استطاع يوحنا أن يهدى كثيرين إلى التوبة وأن يشهد شهادة قوية للرب وأن يمهد الطريق أمام المسيح وأقنع العالم كله بأن قوة الخدمة ليست في طولها وإنما في عمقها في مدى فاعليتها وتأثيرها أليس عجيباً أن كثير من الخدام النافعين لا يتركهم الرب يخدمون طويلا يكفى أنهم قدموا عينة للخدمة وعينة للبر قدموا شهادة للرب وقدموا مثالا يحتذى واكتفى الله بما فعلوه وأطلقهم بسلام وتبرز عظمة يوحنا في أنه عاش بكماله على الرغم من أن عصره كان مظلما كان عصراً شريراً وكان أشر ما فيه قادته الروحيون من أمثال الكهنة والشيوخ والكتبة والفريسين والصدوقيين وقد قام فيه من قبل بعض المعلمين الكذبة مثل ثوداس ويهوذا الجليلي اللذين تكلم عنهما عمالائيل ( أع ه ) وقد أزاغا كثيرين وكان عصراً يمتاز بالحرفية والبعد عن الروح ويتميز رجال الدين فيه بالرياء والكبرياء وعلى الرغم من وجود أضواء بسيطة مثل حنة النبية وسمعان الشيخ وزكريا الكاهن وأمثالهم إلا أن العصر في مجموعه كان فاسداً يكفى أن الرب وصفه بأنه "جيل فاسق وشرير ' ( متی ۱۲ : ۳۹ ) ولكن يوحنا لم يتلذ من فساد جيله بل على العكس كان بركة لجيله وسبب هداية وتوبة ومن عظمة يوحنا انه كان ابن الجبال كان رجل برية ورجل زهد ونسك وكل ذلك ترك اثره في حياته وفي صفاته طارده الموت من صغره عندما قتل هيرودس الأطفال فأخذوه إلى البرية وعاش في البرارى طوال عمره " ينمو ويتقوى بالروح " ( ۱ : ۸۰) . عاش ناسكاً "و خمراً ومسكراً لا يشرب ."( لو ١٥:١ ) " يلبس وبر الابل ومنطقة من جلد على حقويه ويأكل جراداً وعسلا برياً "( مر ٦:١ ) هكذا تدرب في البرية على حياة الزهد وصدق مار اسحق حينما قال ان مجرد نظر القفر يميت من القلب الحركات العالمية وفي البرية تعلم الصلاة والتامل وتعلم الشجاعة والصلابة وتعلم الايمان أيضا أعده الله في مدرسة البرية كما أعد العذراء في الهيكل فنشأ شجاعاً لا يهاب إنساناً، يصلح أن يكون صاحب رسالة وكانت رسالته هي اعداد الناس للتوبة ومن عظمة يوحنا يوحنا المعمدان انه كان شجاعا جريئا يقول الحق بكل قوة مهما كانت النتائج حقا ان الزاهد لا يخاف أخطأ هيرودس الملك فمن كان يجرؤ أن يوبخه أو يواجهه بكلمة الحق ؟ من الذى يعلق الجرس في عنق القط ؟ ! ليس غير يوحنا المعمدان هو الوحيد الذي استطاع أن يقول لهيرودس "لا يحل لك" القاء هيرودس في السجن فلم يهتم انما يخاف السجن انسان يحب متع العالم وملاذه ويخشى ان يحرمه السجن منها أما إنسان ناسك كيوحنا زهد كل ملاذ العالم وتركها بارادته ففي أي شيء يتعبه السجن ؟ ! ربما يقال له : ستتعطل خدمتك بالسجن ولا ترشد ولا تعمد ولا تهدى الناس إلى التوبة أما يوحنا فلا يهتم ولا يقول : أن كان هذا الباب مفتوحاً من الله فلا يستطيع أحد أن يغلقه . ان كان الله يريد يوحنا أن يبشر فسيبشر ولا يستطيع أحد في الوجود أن يمنعه وان كان الله لا يريد فلتكن مشيئته بهذا المنطق كان يوحنا يشهد للحق وليحدث بعد ذلك ما يكون وكان ما كان وقطعت رأس يوحنا ولكن هذا الصوت الصارخ في البرية ظل يدوى في أذن هيرودس يزعج ضميره وأفكاره و نومه و صحوه ويقول له فى كل وقت " لا يحل لك " ان صوت يوحنا لم يمت بموت يوحنا بل ظل مدويا ضد أعداء الحق وظل هيرودس يخاف يوحنا حتى بعد موته فعندما أحس هيرودس بكرازة المسيح القوية وبمعجزاته قال لغلمانه « هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات " !! ( متى ١٤ : ٢ ) . إن يوحنا قد عامل هيرودس الملك كما عامل باقى الناس كان يدعو الكل إلى التوبة سواء في ذلك الملك أم الجند أم القادة أم أفراد الشعب الكل سواء أمام شريعة الله الكل في حاجة إلى التوبة الملك محتاج إلى من يوبخه على خطيته كما يحتاج الفرد العادى لكي يتوب وإن لم يتب الملك فيكفي يوحنا أنه شهد للحق وأنه نادى بالتوبة كانت معموديته هي معمودية التوبة ورسالته هي دعوة للتوبة ينادي في الناس "توبوا فقد اقترب ملكوت السموات " (متى ٢:٣) وكان شديداً في دعوته يوبخ وينتهر ويبكت وكان الناس يقبلون تبكيته بقلب مفتوح ونجح يوحنا في خدمته " خرج اليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم " ( متى ٦:٣ ) ولما رأى الجموع قد كثرت حوله حول انظارهم منه الى المسيح بذل كل جهده لكي يختفى هو ويظهر المسيح ولعل هذه هي أبرز فضائل يوحنا واقدس أعماله كان يقول لهم " أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتى بعدى سيعمدكم بالروح القدس و نار "( متی ۱۱:۳ ) "أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس "( مر ٨:١ ) وكما كان يجذبهم إلى معمودية أخرى أفضل من معموديته كان يجذبهم بالأكثر إلى صاحب تلك المعمودية الذي هو أقوى منه وأعلى وأقدم كان ينادى فى الناس "يأتى بعدى من هو أقوى منى الذي لست أنا أهلا أن أنحنى وأحل سيور حذائه" ( مر ٧:١ ) " يأتي بعدی رجل صار قدامي لأنه كان قبلى " ( يو ١ : ٣٠ ) "لست أنا المسيح بل اني مرسل أمامه "( يو ٢٨:٣ ) لم يكن تفكير يوحنا منحصرا في ذاته وانما في المسيح لم يكن يبحث عن مجد ذاته وانما عن ملكوت المسيح كان يدرك تماماً أنه ليس هو النور وانما ليشهد للنور (يو ٨:١) إذن فهو مجرد إنسان جاء للشهادة ليشهد للنور ليؤمن الكل بواسطته كان يعرف أنه مجرد سابق أمام موكب الملك الآتى كل عمله أن يعد الطريق الملك واستطاع يوحنا أن يحفظ طقسه ولا يتجاوز حدوده كانت الذاتية ميتةعند يوحنا لم يكن لذاته وجود في خدمته كان المسيح بالنسبه اليه هو الكل في الكل ليته يكون درسا للخدام الذين يبنون ذواتهم على حساب الخدمة أو يتخذون الخدمة مجرد مجال لاظهار ذواتهم !! أروع كلمة تعبر عن خدمة يوحنا هي قوله عن المسيح " ينبغى أن ذلك يزيد وأنى أنا أنقص "( يو ٣٠:٣ ) هذه العبارة هي سر نجاح خدمته وهي المبدأ الذي صار عليه في كل خدمته لذلك عندما بدأت كرازة المسيح وأخذت تكتسح خدمة يوحنا ابتهج يوحنا وفرح وقال "اذن فرحى هذا قد كمل و من له العروس فهو الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالإبن ان يرى حياة بل يمكث العريس عليه غضب الله" ( يو ٣ : ٣٦:٢٦ ) حالما تقابل يوحنا مع المسيح قال له « تفضل هذه العروس انها لك اذا تسلمتها لمجرد ان أوصلها لك حقاً انه من واجبي أن أوصلها لك نظيفة ومزينة وأنادى لها أولا بالتوبة وأقول لها أيتها العروس هوذا العريس مقبل فاستعدى للقائه" على أن اعظم ما في حياة يوحنا كان هو عماده للمسيح وفي العماد ترى موقفين عظيمين فى الاتضاع للرب ويوحنا يوحنا يقول اللرب و أنا محتاج أن أعتمد منك أنا أيضاً خاطي أحتاج إلى معمودية التوبة معترفاً بخطاياي كهؤلاء الباقين وأنا محتاج أن أعتمد منك أنت أنني أمام هؤلاء الناس معلم أما أمامك أنت فأنا تلميذ بسيط امام الناس أنا نبى وملاك ولكن أمامك انا عبد وتراب هم يعتمدون منى وأنا أعتمد منك حقاً انني من سبط لاوى ومن بنی هارون كاهن ابن كاهن وأنت حسب الجسد من سبط يهوذا وليس من سبط الكهنوت ولكننى لا أنى أنك مصدر كل سلطة كهنوتية أنت معطى الكهنوت ومنشؤه أنت كاهن إلى الأبد على طقس ملكى صادق كما تنبأ داود في المزمور ( مز ١١٠ : ٤ ) لذلك أنا محتاج أن أعتمد منك ان كل العظمة التي كانت تحيط به لم تنسه ضالة ذاته التي شعر بها أمام المسيح وكأنه يقول " من أنا حتى أعمد المسيح ؟ ! كما قالت أمه من أين لى هذا أن تأتى أم ربي إلى " أنا مجرد تراب ورماد كيف أضع يدى على رأس الرب خالق هذه اليد ؟ ! ان كل الآلاف الذين يأتون اليه لم ينسوه حقيقة نفسه وكل التوبيخات التي يوبخ بها الناس الخطاة لم تنسه توبيخاً يوجه إلى ذاته كشخص - أمام الله - يشعر أنه خاطى وهكذا قال للرب "أنا محتاج أن أعتمد منك " وكانت هذه العبارة تحمل اعترافاً ضمنياً نلاحظ أن الرب لم يقل له "كلا " انك غير محتاج للعماد بل قال له " اسمح الآن لانه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر "( متى ٣ : ١٥ ) ." حينئذ سمح له "! ! ونحن نقف منذهلين أمام عبارة " اسمح الآن " وهي تخرج من فم الرب موجهة إلى واحد من عبيده انه تعبير مؤدب ولطيف ليتنا نأخذه تدريباً روحياً لنا يقول لعبده " اسمح الآن " أنا احتاج الى سماح منك أطلب موافقتك است آمرك وانما اسمح ويقول وحينئذ سمح له ما أعجب هذا أى شرح لى سيفقد هذا الموقف قوته لذلك سأصمت عنه انه درس في الاتضاع وآداب الحديث يقدمه لنا عماد المسيح لنتعلم وتتدرب قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عظة البابا يوم 5/12/1980
المزيد
10 ديسمبر 2025

باركت طبيعتي

بمناسبة بدء صوم الميلاد الذي نستعد فيه لاستقبال تجسد الله الكلمة ، نتذكر أنه لما اتحد بطبيعتنا بارك هذه الطبيعة وقدسها كما نقول في القداس الالهى باركت طبيعتي فيك لما اتحد السيد المسيح بطبيعتنا البشرية التي اعترف الكل بضعفها بعد الخطية بارك هذه الطبيعة ومنحها قوة وأرضى فيها الله الآب وغلب بها الشيطان وبكل هذا أوصلنا إلى ثلاث نتائج هامة جداً. ۱ - نصر هذه الطبيعة على الشيطان انتصارا كاملاً وكانت الطبيعة البشرية منهزمة قبل ذلك أمام الشيطان في كل الأجيال حتى قيل في الكتاب الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد حتى أن الشيطان وقف متحدياً في قصة أيوب الصديق وادعى أنه يستطيع أن ضرب أيوب - أن يجعله يجدف على الله ... ! وبسبب هذه النصرة الخطيرة للشيطان اطلق عليه لقب و رئيس هذا العالم ولكن السيد المسيح كابن الإنسان انتصر على الشيطان على طول الخط حتى قال و أبصرت الشيطان نازلا مثل البرق من السماء وقال أيضاً رئيس هذا العالم قد دين وقال رئيس هذا العالم يأتى وليس له في شيء أى ليس شيء قد ضعف أمام الشيطان وتحداه في ذلك بقوله للناس و من منكم يبكتني على خطية ؟! لأول مرة يجد الشيطان نفسه أمام بشرية منتصرة. ٢ - وكان انتصار المسيح سبب رجاء للبشر رفع معنوياتهم وأصبح لهم رجاء أن يقودهم الرب في موكب نصرته وقول السيد المسيح ثقوا أنا قد غلبت العالم كان يعنى أن يعطيهم ثقة في أن هذه الطبيعة البشرية التي قدسها لم تعد ضعيفة وإنما أصبحت قادرة أن تغلب العالم بالمسيح ولهذا قال بولس الرسول عبارتة الخالدة أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني. ٣- وبهذا الانتصار استطاع السيد المسيح أن يرضى الآب كما ارضى عدل الله بموته على الصليب إذ قدم وفاء للعدل الإلهى هكذا أرضى الآب بحياته إذ ناب عن البشرية في أن يقدم الآب نموذجاً كاملا للبشرية الطائعة التي تفرح قلب الآب بطاعتها في كل شيء أن السيد المسيح بارك طبيعتنا البشرية في قيامته الا أعطاها ايضا عربون النصرة على الموت و بهذا استطاع القديس بولس أن يتحدى قائلا "أين شوكتك يا موت ؟! أين قسوتك يا هاوية "وأن يقول أيضاً و لا موت ولا حياة يقدر أن يفصلنا عن المسيح يسوع والرب أيضاً أعطى البشرية عربون الانتصار على الموت فقال لتلاميذه في ارساليته لهم أقيموا موتى اخرجوا شياطين. الاقامة من الموت كانت انتصارا على الشيطان الذي جلب الموت الى العالم باسقاطه للانسان في الخطية ولكن كل من أقيم من الموت قبل قيامة المسيح عاد فمات ثانية إلى أن قام المسيح القيامة التي لا موت بعدها وصار باكورة للراقدين حينئذ وجد الشيطان أن أخطر نتيجة لأعماله الشريرة قد تزعزعت وكذلك كان اخراج الشياطين تحطيما الأسطورة الشيطان غير المنهزم فأزال الرب كرامته وأصبحت الطبيعة البشرية قادرة فيما بعد على اخراج الشياطين ولم تعد هذه الطبيعة تخاف الشيطان كما كان الأمر قبلا ليس فقط الرسل بل المؤمنون القديسون عموماً أخذوا قوة يهزمون بها الشيطان السيد المسيح بارك طبيعتنا فبارك الجسد .... بارك الجسد حينما اتحد بجسد وأصبح الجسد بركه وقال القديس بولس الرسول و مجدوا الله في أرواحكم وأجسادكم التي هي الله إذن لم يعد الجسد مجرد مقاوم للروح بل أصبح سبباً ووسيلة لتمجيد الله وأجساد الموتى بعد أن كان من يمسها يتنجس كما في العهد القديم أصبحت اجساد القديسين الذين رقدوا سبب بركة ففي العهد القديم كانت تموت الأجساد وهى تحت الحكم اما بالفداء الذي منحه المسيح صارت هذه الأجساد هى أجساد المفديين الذي محا الدم الطاهر كل نجاسة منهم بالموت مع المسيح في المعمودية.وقدس المسيح الاجساد فصارت هياكل الروح القدس صار روح الله يحل فيها وأصبحت منزلا لله إنه تأميل لهذه الطبيعة البشرية منحه الرب لها . والرب أيضا بمباركة طبيعتنا ، انقذها من الخوف .... سواء الخوف من الشيطان أو الخوف من الخطية أصبحنا "فرحين في الرجاء " (رو ۱۲) "شاعرين أننا بقوة الله التي وهبها الله لطبيعتنا في التجديد أصبحنا قادرين أن تهدم حصوناً ، وأن نستأسر كل فكر الطاعة المسيح كما يقول الرسول وفي مباركة طبيعتنا منحنا الحياة الجديدة وصلب الانسان العتيق وقد ورد ذلك في حديث الرسول عن المعمودية في ( رو ٦ ) حيث ندفن مع المسيح بالمعمودية فيصلب إنساننا العتيق ونقوم مع الرب في جدة الحياة أى فى الحياة الجديدة التي منحها لنا القادرة على الانتصار . وهكذا انقذنا الرب من فساد الطبيعة البشرية ليس فقط بموته خلصنا من عقوبة الخطية إنما أيضاً بمباركة طبيعتنا خلصنا من الفساد وأصبحنا نخلص بحياته (رو ه) وهكذا حررنا الان فصرنا أحراراً كما قال كل هذا إن عشنا في المسيح وعاش المسيح فينا إن ثبتنا فيه وهو فينا ما أجمل أن الرب قد أنقذنا من عبودية الفساد ونقلنا إلى حرية مجد أولاد الله أعاد إلينا الصورة الإلهية التي كانت لنا قبل السقوط إذ أخذ طبيعتنا وهو صورة الله غير المنظورة وامسك الرب بالشيطان وهزمه في كل ميدان سبق للشيطان أن هزم فيه هذه الطبيعة البشرية ولعلنا نسأل كيف حدث ذلك خطوة بخطوة ...؟ أول خطية كانت للانسان هي العصيان فهزمه المسيح في هذه النقطة إذ أطاع حتى الموت موت الصليب وكان يقول للآب باستمرار لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك وكمل كل بر الناموس بلا لوم . خطية الكبرياء التي أوقع الشيطان فيها الانسان تحطمت بالاتضاع قال الشيطان لادم وحواء و تصيران مثل الله فخضعا لهذا الإغراء واشتهى الانسان أن يصير إلهاً فكيف هزمه الرب في هذه النقطة وهو الإلهه أخلى ذاته وأخذ شكل العبد وصار في الهيئة كانسان اتضاع عجيب لم يحتمله الشيطان ولذلك كان يحب في كل وقت أن يتأكد من هذه النقطة الشيطان هزم الانسان بالاغراء فهزمه الرب في كل اغراء وجد الشيطان أمامه على جبل التجربة إنسانية منتصرة أمام كل إغراء وفى كل تجربة حطمت كبرياء المجرب الذي تعود أن ينتصر من قبل وهكذا تتابعت الانتصارات في كل ميدان وقدم الرب مثالا كيف أن ابن الانسان يمكن أن يكون منتصرا في كل موقع سبق للشيطان أن هزم فيه الانسان .... هناك نقطة أخرى هزم فيها حدثت متأخرة وهي الياس اليأس الذي ضرب به الشيطان يهوذا فشنق نفسه وهذه خطية ليست في أيام آدم انما في احداث الصلب كيف رد المسيح على هذه ؟ رد عليها بأن فتح باب الرجاء أمام الكل بقبول اللص اليمين في آخر ساعات حياته وهو معلق على الصليب حتى لا ييأس أحد من قبل وهكذا لا تقع الطبيعة البشرية في اليأس لما تتذكر قول الرب للص " اليوم تكون معى في الفردوس". السيد المسيح هزم الشيطان بضربة قاضية على الصليب . ولكنه هزم بالنقط في كل تجربة حاربه فيها أكانت الخطية الأولى هى الأكل من الشجرة لقد وجد الشيطان نفسه أمام ابن الانسان الذي بدأ خدمته بصوم أربعين يوماً على الجبل لا يأكل من أي ثمر ولا حتى من الخبز ولا سلطان للطعام عليه لقد بارك هذه الطبيعة فانتصرت فيما سقط فيه أبوانا الأولان مقدماً المثالية المطلوبة . ملاحظة أخرى أحب أن أقولها . ان المسيح لا بارك طبيعتنا بارك كل مراحل العمر . بارك الطفولة لما صار طفلا وبارك الشباب وهو شاب وبارك الرجولة وهو رجل بارك كل مراحل وسنى العمر فلم تعد مرحلة منها يمكن أن تنفرد بالتمرد على الرب. كذلك في طبيعتنا ، بارك كل أوضاعها وصورها فمثلا بارك طبيعة الرجل إذ ولد رجلا وبارك طبيعة المرأة إذ ولد من امرأة وبارك البتولية والزواج لما وقف على جبل التجلي بين إيليا البقول وموسى المتزوج انظروا اية بركة منحها الرب لطبيعتنا في المعمودية : يقول الكتاب" لأن جميعكم الذين اعتمدتم المسيح قد لبستم المسيح " ( غل ۳ : ۲۷ ) . ما أعظم أن تلبس طبيعتنا المسيح ! فتصير في حالة تختلف تماماً عن ذي قبل حقاً ما أصدق قول بولس الرسول و الأشياء القديمة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً إنها الطبيعة الجديدة وقد باركها المسيح لما تجسد . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عظة البابا يوم 28/11/1980
المزيد
03 ديسمبر 2025

يهييء له شعباً مستعداً

بمناسبة بدء صوم الميلاد الذي نستقبل فيه عمانوئيل إلهنا نتذكر انه قبل مجيئه أرسل ملاكه ليهيئ الطريق قدامه يهييء له شعباً مستعداً عندما أراد الله أن يكلم الشعب لأول مرة ويعطيهم وصاياه قال لموسى اذهب إلى الشعب وقدسهم اليوم وغداً وليغسلوا ثيابهم ويكونون مستعدين لليوم الثالث لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون الشعب على جبل سيناء ( خر ۱۹ : ۱۰ - ١٥ ) وهكذا هيا موسى للرب شعبا مستعدا لسماعه ونفس الوضع نجده بالنسبة الى صموئيل النبي كان ذاهباً إلى بيت لحم لكى يقدم للرب ذبيحة ويختار مسيحاً للرب ولما كان ليس لكل أحد أن يتقدم إلى الذبيحة بدون استعداد لذلك قال صموئيل النبي عبارته المشهورة " تقدسوا وتعالوا معى إلى الذبيحة" ( ١صم ٥:١٦ ) ويقول الكتاب بعدها " وقدس يسى وبنيه ، ودعاهم إلى الذبيحة" كان لا بد أن يهيىء للرب شعباً مستعداً ، بتقديسه وكانت هذه هي رسالة يوحنا المعمدان كاهن الرب قال عنه الملاك فى البشارة بميلاده " يريد كثيرين من بني اسرائيل إلى الرب إلههم ويتقدم أمامه بروح ايليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيى للرب شعباً مستعداً " ( لو ١ : ١٦، ١٧ ) كما هو مكتوب في الأنبياء : ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب ،اصنعوا سبله مستقيمة "( مر ٣،٢:١ ) ويوحنا المعمدان هيأ الشعب للرب بالتوبة والمعمودية ما أعظم هذه الرسالة التي يقوم بها أولئك القديسون الذين يهيئون للرب شعباً مستعداً "أيها الأخوة : إن ضل أحد بينكم عن الحق فرده أحد فليعلم أن من رد خاطئاً عن طريق ضلاله يخلص نفساً من الموت ويستر كثرة من الخطايا "( يع ٥ : ١٩- ٢٠ ) ." تخليص نفس من الموت" ما أعظم هذا العمل ! إنه عمل الرب من يقوم به إنما يعمل الرب فيه أنظروا إلى بولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس "لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً "( اتى ٣ : ١٦ ) .بل أن بولس الرسول يقول عن نفسه في عمل الخلاص " صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوماً "( ۱ کو ۹ : ۲۲ ) وبطرس الرسول يقول للأخوة الذين في الشتات "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس " ( ۱ بط ٩:١ ) . فماذا يقصد بهذا الخلاص؟ عجيب أن الكتاب يستعمل كلمة الخلاص بالنسبة للبشر بينما هو عمل المسيح إنه أيضاً عمل البشر بمعنى أنه يهيىء للرب الشعب الذي يقبل هذا الخلاص ويؤمن به ويعتمد على أساسه يهیی للرب شعباً مستعداً لنوال الخلاص بالطريقة التي رسمها الرب و لعلك تسأل : ولماذا لم يرسل الله روحه القدوس ليخلص الناس مباشرة، ولا داعى لدخول البشر في هذا الموضوع الإلهى ؟ أجيبك بأن الكتاب المقدس يكشف لنا أن هذا ليس هو أسلوب الله لان أسلوب الله هو أن يرسل أمامه " ملاكه " ليهييء الطريق أمامه ليس الله محتاجا الى من يهيى الطريق له . ولكن محبته تشاء أن ان يشرك معه البشر في عمل المحبة نحو اخوتهم الله يستطيع أن يغرس الشجر بنفسه دون زرع بشر كما غرس جنة عدن ولكنه من محبته ومن تواضعه يسمح أن واحداً يغرس ، والثانى يسقى والله هو الذى ينمى وهو ينمى هذا الغرس المستعد الذي هيئه له "شركاء الطبيعة الإلهية "في عمل المحبة نحو البشر إن الرب هو الذي يعمل فى القلوب لخلاصها يعمل بنعمته و بروحه القدوس ويعمل أيضاً بكل "أناء مختار " تحل فيه قوة الله ،وتنطق على فمه لترد العصاة إلى فكر الأبرار هذا هو عمل الأنبياء ، وعمل الرعاة والكهنة وعمل الوعاظ و عمل "صيادى الناس" من كل جهة وظيفتهم جميعاً أن يهيئوا للرب شعباً مستعداً بل هذا هو أيضاً عمل الملائكة الذين قال عنهم الكتاب "أليسوا جميعاً أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص " (عب ١ : ١٤ ) وهكذا بنفس المعنى فإن المعمدان الذي هيا الطريق أمام الله دعى ملاكاً لأنه يعمل عمل الملائكة وأيضاً رعاة الكنائس السبع دعوا ملائكة لأنهم كذلك يهيئون للرب شعباً مستعداً عن هذا الأمر "تهيئة الشعب للرب " قال بولس الرسول" خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح " ويوحنا المعمدان لما هيأ الشعب بالتوبة ،قدمه للمسيح ، كهروس وقال "من له العروس فهو العريس" أما أنا فصديق للعريس أقف وأفرح هذه العروس المهيأة لعريسها بواسطة عمل الآباء والأنبياء والرعاة والكهنة هي التي رأها الرائي في سفر الرؤيا ( رو ۲۱ : ۲ ) هؤلاء يقومون بتهيئة كل نفس لكى تنضم إلى الكنيسة وتصير عضواً في جسد المسيح كما قال الكتاب : وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون الرب يريد أمثال هؤلاء لكى يعمل فيهم ومعهم وبهم ولذلك قال لتلاميذه " الحصاد كثيرة والفعلة قليلون اطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" هؤلاء الفعلة هم الذين يهيئون للرب شعباً مستعداً ولقد سماهم الرب في بعض الاوقات بالكرامين وبالوكلاء قال إنه سلم الكرم لكرامين صاحب الكرم هو الله أما عمل الكرامين فهو تهيئة الكرم لكى يعطى ثمراً باعطاء الكرم كل ما يحتاجه من ماء الحياة ومن طعام النعمة وهذا ما قاله الرب عن وكلائه "يا ترى من هو الوكيل الامين الحكيم الذي يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه طوبي لذلك العبد الذي إن جاء سيده يجده يفعل هكذا" إن وجده يهيى هؤلاء العبيد للقاء ربهم لعلك تقول : انا لست من هؤلاء الخدام الرسميين في الكنيسة الذين ائتمنهم الرب أن يهيئوا له شعبا مستعدا ؟ أقول إن هذا العمل هو أيضاً عمل الأب والأم أن يشتركوا في تهيئة الشعب المستعد بتهيئة أطفالهم للرب في حياة الإيمان كما مدح بولس الرسول لوئيس وافنيكي اللتين سلمتا الإيمان عديم الرياء لتلميذه تيموثاوس ( ٢ تی ٥:١) وظيفة الاشبين الذي يتلقى المعمد من الكنيسة هي هذه : "أن يهيىء للرب شعباً مستعداً " فيهيىء هذا الطفل الذي لا يدرك شيئاً لحياة الإيمان التي عمد على أساسها يعده ليكون عارفاً بكل قواعد الخلاص ومؤمناً بها من أعماقه وأنت إن كنت لا تستطيع أن تكون خادماً للرب على المستوى العام تهييء له شعباً مستعداً فلتكن هكذا على مستوى الأسرة ولتقل" أما أنا وبيتي فتعبد الرب " وان لم تستطع عن طريق تهيئة أسرتك ، فهيئ نفسك وإن هيأ كل إنسان نفسه فإن الشعب كله سيكون للرب شعباً مستعداً لأن الشعب هو مجموعة أفراد فهل حقاً قد هيأنا أنفسنا للرب ؟ إننا مثلا نقول للرب في كل صلاة "ليأت ملكوتك " فهل نحن قد هيأنا أنفسنا لهذا الملكوت وصرنا مستعدين لملاقاة الرب إذا جاء الآن كما قال "كونوا مستعدين"؟ إن الكنيسة تقدم لنا سر الافخارستيا على المذبح ، ولكل هل هيأنا للرب شعباً مستعداً للتناول ؟ لأن من يتناول بدون استحقاق يتناول دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب ( ۱ کو ۱۱ : ۲۹ ) . وظيفة الكنيسة أن تهيى أولادها ليكونوا مستعدين فكما يكونون مستعدين للتناول يكونون مستعدين أيضاً لمقابلة كل فكر غريب ضد الإيمان فاهمين كل حقائق الإيمان والعقيدة كما قال الرسول "كونوا مستعدين كل حين لمجاوبة كل من يسألكم عن سر الرجاء الذي فيكم" بل أكثر من هذا كانت الكنيسة في العصور الأولى تهيى الرب شعبا مستعدا حتى للاستشهاد .كانت تهيئه بمحبة الله وبذل النفس لأجله والفرح بالملكوت والأبدية وعدم الخوف من الموت بل أن هناك كتباً الفها آباء الكنيسة في القرن الثاني للميلاد وفى القرن الثالث عنوانها "حث على الاستشهاد " أن عمل الخدمة كله يتلخص في هذه العبارة وحدها " تهيئ للرب شعباً مستعداً " وليس للخدام عمل آخر ولكن كيف يمكن لخادم الرب أن يهيئ النفوس له ؟ يهيئها كيوحنا المعمدان بالتوبة والمعمودية ويهيئها أيضاً بالتعليم و بكلمة الله القوية الفعالة ويهيئها بالتشجيع وبخاصة للركب المخلعة والنفوس الصغيرة وبالتأني على الضعفاء و يهينها بالمحبة بما يمنحه لها من حب وبما يكشفه لها من محبة الله لها و عمله لأجل خلاصها وإن احتاج الأمر إلى التوبيخ والتأديب اعادة الناس إلى التوبة وتهيئتهم للرب فلا مانع بمحبة وحكمة ان الله نفسه يهيئ شعبه بالتجارب ليكون مستعدا بالتجربة تنحنى الركبة أمام الله وترتفع القلوب بالصلاة وتلتصق النفوس بالكنيسة بالصوم وانسحاق القلب إن الله يتخذ كل الوسائل ليخلص على كل حال قوماً . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عظة البابا يوم 21/11/1980
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل