المقالات

04 سبتمبر 2018

الحرية أبعادها وحدودها

أولاً : ما هو المقصود بالحرية : يختلف مفهوم الحرية مع التطور السياسى والاقتصادى العالمى ، وظهور الهيئات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة من أجل حق تقرير المصير ، والتخلص من الاستعمار ، والحريات الشخصية فى مواجهة السلطة ، وحرية التعبير . ولكن حين وجهنا السؤال للشباب ركزت الإجابات على الحريات الشخصية ، خاصة فى مواجهة سلطة الوالدين . ويمكن ملاحظة الارتباط الوثيق بين الحرية وتحمل المسئولية فمنذ الطفولية يتحول الإنسان تدريجياً إلى الاعتماد على النفس ، يتناول طعامه بنفسه ، ويرتدى ملابسه ، ويختار أصدقاءه ، وينظم لعبه ثم مكتبة ، ويستذكر دروسه دون إشراف الوالدين ... ويتضح هنا تراجع سلطة الوالدين تدريجياً ، مع تزايد تحمل المسئولية الشخصية . وهذا ما يؤكده "سارتر" فهو يؤكد الرابطة بين الحرية والمسئولية، فكل قرار أنت حر فيه تكون مسئولاً عن النتائج المترتبة عليه . وذلك على كل المستويات : من مسئولية الطالب عن نجاحه أو فشله الدراسى، إلى مسئولية الطبيب عن الدواء الذى وصفه لمريض، إلى مسئولية الكاتب عن ما عرضه فى الجريدة ، مسئولية السائق عن حادثة سيارة .. إلى مسئولية رئيس الدولة عما يتخذه من قرارات تدخل فى نطاق سلطته وتؤثر على المجتمع . ثانياً : الحرية وحقوق الآخرين : "بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس: كل من لا يفعل البر فليس من الله ، وكذا من لا يحب أخاه" (1يو10:3) إن أهم حدود الحرية هى حرية واحترام حقوق الإنسان الآخر ، فمثلاً استخدام الراديو بحيث لا يزعج صوته الجار ، وعلى ألا يعطل آخر يريد أن يستذكر. وكذلك التليفزيون والتليفون. بل أنه فى بعض المناطق أصبح هناك عقوبات على استخدام "كلكس" السيارة .. كذلك تم منع التدخين فى أماكن كثيرة ، لأنه يضر بالآخرين ، وما يتم مراجعته حالياً حول إلقاء نفايات فى نهر النيل . ثالثاً: الحرية واحترام القانون : هناك قوانين متعلقة بمواعيد العمل ، اختصاصات كل موظف ، والزى المدرسى أو للمضيفات أو للممرضين والأطباء ، واحترام إشارات المرور ، واحترام التعليمات فى الانتخابات ، والتعامل مع الرؤساء ، والهيئات ، والشركات ، والبنوك .. هناك قوانين تنظم الحريات والتعامل ، وذلك في كل مناحى الحياة . رابعاً: الحرية واحترام التقاليد : فكل مجتمع له تقاليده وعاداته ، والخروج عنها يجعل الإنسان مرفوضاً أو موضع سخرية، مثل نوعية الملابس فتختلف ملابس الهنود عن اليابانيين عن الأوروبيين . كذلك يختلف أسلوب التحية والسلام ، وموقف المرأة فى المجتمعات المختلفة ، وحتى ما يقدم على المائدة ، فحرية كل فرد عند إشباع احتياجاته هى داخل الهامش الذى يسمح به المجتمع وتقاليده ... خامساً: الحرية فى مواجهة الإنسان نفسه : حتى فى مواجهة الإنسان لنفسه هناك حدود للحرية ، ولا يحق له أن يدمر ذاته أو يقتلها ، وإذا ضبط يسعى لذلك تقيد يديه أو يوضع فى مصحة نفسية .. حماية المجتمع ، وأمام الله أيضاً ... قاتل نفسه قاتل فالذى ينتحر تجاوز أبعاد الحرية التى أعطيت له فلقد أعطى حق رعايته نفسه وليس قتلها ... سادساً الحرية ومسئولية الإنسان عن شخصيته : إن حرية الإنسان لا تعنى خروج الجسد أو العاطفة عن المبادئ التى يتمسك بها ، أو المعتقدات والاقتناعات العقلية .فالتدخين مثلاً أو تعاطى المخدرات لا يعنى أن الإنسان حر، بل يعنى أنه غير قادر على قيادة حياته وتحديد مساره . هو استبعاد للعادات السيئة وليس تحرراً . والتخلص منها هو التحرر من عبوديتها . الإدمان عبودية وليس حرية . وحتى عدم قدرة الإنسان على ضبط شهواته ، وأهوائه ، ونزعاته وحدة انفعالاته هو نوع من الخضوع لها ، وهو أسوأ من الخنوع لسلطات خارجية . "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: ) وكل تحرر يتطلب قوة مقاومة وجهاد من اجل الانتصار ، وهو ضمن خطوات بناء الشخصية القوية . سابعاً: الحرية والانقياد للشلة : عجيب أمر الفتى الذى يرفض تماماً الخضوع لأى أوامر أو نواهى من سلطة عليا ، حرصاً على كرامته وحريته ، ثم ينقاد إلى شلة تتحكم فيه دون مناقشة ، أو حتى مراجعة لقراراتها ، وأثر ذلك على مستقبله وحياته وكيانه ، ومادام احتمال الانسياق للشلة قائماً ، يجب التدقيق أصلاً فى اختيار الأصدقاء ، إذ يقول المثل الإنجليزى "الصديق مثل رقعة الثوب يجب أن يكون من نفس النسيج" . أنت حر حين تختار الصديق . ولكن بعد ذلك لا تضمن التأثير إذا أسأت الاختيار . ثامناً: الحرية والقسمة والنصيب : هناك جوانب من الحياة لسنا أحراراً فى اختيارها مثل الأسرة ، المدينة أو القرية ، الوطن ، الجنس ، اللون وغيرها من الصفات الوراثية . ولكن حرية ومسئولية استغلالها مكفولة في حدود معينة وكثير منا يلقى مسئولية فشله على الله أو على قسمته ونصيبه ، أما النجاح فينسبه لنفسه ... نسمع ذلك عند ظهور نتائج الامتحانات ، أو فشل الزيجات ، كل إنسان فى حدود ظروفه وقدراته يختار طريقه ، ويشكل حياته ، وعليه أن يتكيف مع ما لا يمكن تغييره ، يقبله كواقع ويتفاعل معه ، يعدل ويصلح ما يمكن إصلاحه . تاسعاً: الحرية فى علاقتنا بالله : لقد خلق الله آدم وحواء أحراراً ، وأكلوا من الشجرة على عكس الأمر الإلهى ، ولكن تم حسابهم ، فهم وكل بنى آدم مسئولون أمام الله . إن الإنسان مدعو لأن يكون أبناً لله ، والأنبياء والرسل عبر العصور يبلغونهم الدعوة للأحضان البوية ، لكن الاستجابة مسئولية شخصية . الابن الضال هو الذى قرر أن يترك بيت أبيه ، وهو الذى اتخذ قرار العودة . إن الحياة مع الله لا تلغى حريتنا ، بل تضيف إليها إذ أن الروح يعطينا قوة النصرة على إغراءات العالم ، وضغوط الجسد ، إثارات الآخرين ، عدو الخير ... إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 36:8) . وتعرفون الحق ، والحق يحرركم" (يو 32:8) . إنما دعيتم إلى الحرية أيها الأخوة ، لا تصمدوا الحرية فرصة الجسد" (غل 13:5) . فاثبتوا في الحرية التى حررنا بها المسيح" (غل 1:5) . عاشراً : الحرية الحقيقية : هى حرية الروح ، وإمكانية النصرة ، فالحرية هى القدرة على الاختيار ، والقدرة على الانتصار .. وهذا ممكن بالمسيح الذى يسكب فينا روحه القدوس ونعمة الإلهية فتكون أقوياء أمام إغراءات الشر ، ومنتصرين بقوة عمله فينا ، وبأمانة جهادنا معه ... والإنسان المؤمن يضع لنفسه ضوابط هامة مثل : روح الله الساكن فينا . الكتاب المقدس الذى ينير طريقنا . الضمير .. الذى يتحدث داخلنا . الأب الروحى .. الذى يقود حياتنا بنعمة الله . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
21 يناير 2019

التجسد و الاورثوذكسية

تتسم الأرثوذكسية – بالذات - بالتركيز على سرَ التجسد الإلهى، ويتضح ذلك فى أمور كثيرة مثل: 1- تهتم الكنيسة جداً بشرح هذا السّر لشعبها، ليعرفوا ما لهم فيه من: تعليم، وفداء، وسكنى إلهية فينا، وتأسيس للكنيسة المقدسة، جسد المسيح وعروسه. 2- تقدم الكنيسة حياة الرب يسوع كاملة، فى سّر الافخارستيا، منذ اختيار حمل بلا عيب، إلى مسحه بالماء، ثم تقميطه، ثم الدوران به حول المذبح إشارة للكرازة،ثم موته، ودفنه،وقيامته المجيدة!! 3- وتحرص الكنيسة أن تقدم لنا الافخارستيا يومياً، وذلك تنفيذاً لوصية الرب:"إصنعوا هذا لذكرى" (لو19:22).ومن غير المعقول أن نتذكر الرب كل بضعة أشهر، بل من المناسب أن نفعل ذلك يومياً. 4- والذكرى هنا ليست فكرية أو معنوية، بل من نفس نوع ما قدمه الرب بي ديه الطاهرتين، فى خميس العهد،جسداً هو "مأكل حق"، ودماً هو "مشرب حق" (يو55:6).تماماً كما وضع بنو اسرائيل بعض المن، فى قسط خاص،فى تابوت العهد، وذلك من نفس المن الذى كان ينزل من السماء لغذائهم، إشارة للمن السماوى، جسد الرب ودمه. 5- ولقبت الأرثوذكسية السيدة العذراء "بوالدة الإله"، إيماناً منها بأن المولود من أحشائها ليس مجرد إنسان، بل هو الإله المتجسد، أو الكلمة المتأنس. 6- واستمرت الكنيسة تطوَّب أم النور، تتميماً لما قالته بالروح القدس: "هوذا منذ الآن، جميع الأجيال تطوبنى" (لو 48:1)... وهذا ما نفعله كل يوم، وبخاصة فى التسبحة اليومية، وبالذات فى شهر كيهك. 7- إن تمجيدنا لسر التجسد، هو تمجيد لرب المجد يسوع الذى تجسَد لخلاصنا، كما أنه تمجيد لهذا السّر المقدس، سّر التقوى: "عظيم هو سرّ التقوى، الله ظهر فى الجسد" (1تى16:3)... فالتجسد من أمنا العذراء هو سر التقوى البشرية، وبدونه ليس لنا خلاص!! 8- الصورة الأساسية للسيدة العذراء فى الطقس القبطى، هى صورتها واقفة عين يمين الرب، تحمله طفلاً على ذراعها، وترتدى ثوباً أزرق به نجوم، رمز السماء... وبهذا نعبر عن النبوة القائلة: "جعلت الملكة عن يمينك" (مز 9:45). 9- والبشارة الموضوعة دائماً على المذبح، وكذلك الكرسى، يحملان صورة السيدة العذراء، حاملة الطفل الإلهى. 10- والأساقفة يحملون على صدورهم صورة "الثيؤطوكوس" (العذراء والدة الإله)، تأكيداً لإيمانهم بهذه الحقيقة، ورفضهم للنسطورية التى فصلت الطبيعتين ونادت بأن العذراء هى أم المسيح "كريستوطوكوس" أى أنها والدة "الإنسان"، الذى حلّ عليه بعد ذلك اللاهوت حيناً، وتركه حيناً آخر!! سر التجسد... فى الثيؤطوكيات: ما أجمل ما ترتله الكنيسة فى الثيؤطوكيات!! وكلمة "ثيؤطوكية" مكونة من مقطعين هما: "ثيؤ" = الله، طوكوس= والدة، أى "والدة الإله"، فالعذراء حينما ولدت رب المجد، لم تلد إنساناً عادياً، بل ولدت ابناً، دعى "عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام" (إش 6:9)، لهذا دعته بروح النبوة: "عمانوئيل" أى "الله معنا" وليس مجرد إنسان، فهو الإله المتجسد. ونحن لا نقول عن السيد المسيح أنه "إنسان تأله"، بل نقول عنه أنه "الإله وقد تأنس"، أى إتخذ جسداً، وحلّ بيننا، وأثبت فى كل تصرفاته وكلماته ومعجزاته وقداسته المطلقة، أنه الإله المتجسد!! وكمثال موجز عن حب كنيستنا القبطية لسرّ التجسد، وتطويبها لأم النور، نورد هذه الأمثلة: فى ثيؤطوكية السبت: (أيتها الغير الدنسة، العفيفة القديسة فى كل شئ، التى قدمت لنا الله? محمولاً على ذراعيها. تفرح معك كل الخليقة، صارخة قائلة: السلام لك يا ممتلئة نعمة، الرب معك. السلام لك يا ممتلئة نعمة. السلام لك يا من وجدت نعمة. السلام لك يامن ولدت المسيح. الرب معك). (من قبل ثمرتك، أدرك الخلاص جنسنا، وأصلحنا الله معه? مرة أخرى، من قبل صلاحه). (كخدر بغير فساد، الروح القدس حلّ عليك، وقوة العلى? ظللتك يا مريم. لأنك ولدت الكلمة الحقيقى، ابن الآب، الدائم إلى الأبد، أتى وخلصنا من خطايانا). (صرت سماء ثانية على الأرض، يا والدة الإله، لأنه أشرق لنا منك? شمس البر). ثم تبدأ الثيؤطوكية فى تقديم رموز التجسد فى العهد القديم، مثل: سلم يعقوب، والقبة، والتابوت... والحمامة الحسنة.. إلخ فى ثيؤطوكية الأحد: * (مدعوة صديقة، أيتها المباركة فى النساء، القبة الثانية، التى تدعى قدس الأقداس، وفيها لوحا العهد... هذا الذى تجسد منك بغير تغيير، وصار وسيطاً لعهد جديد، من قبل رش دمه المقدس، طهر المؤمنين، شعباً مبرراً. من أجل هذا كل واحد يعظمك، يا سيدتى والدة الإله، القديسة كل حين. ونحن أيضاً نطلب أن نفوز برحمة بشفاعاتك، عند محب البشر). (واحد من اثنين: لاهوت قدوس، بغير فساد، مساوٍ للآب، وناسوت طاهر،? بغير مباضعة، مساوٍ لنا كالتدبير. هذا الذى أخذه منك، أيتها الغير الدنسة، واتحد به كأقنوم). (أنت هى القسط الذهب النقى، الذى المن مخفى فى وسطه، خبز الحياة الذى? نزل من السماء، وأعطى الحياة للعالم). (الإله الحق من الإله الحق، الذى تجسد? منك، بغير تغيير). (أنت هى المجمرة الذهب النقى، الحاملة جمر النار المباركة،? الذى يؤخذ من المذبح، يطهر الخطايا، ويرفع الآثام، أى الله الكلمة الذى تجسد منك، ورفع ذاته، بخوراً إلى أبيه). وتستمر الكنيسة فى ذكر رموز العذراء والتجسد فى العهد القديم، فهى القبة، والتابوت، والقسط الذهب، والمنارة الذهبية،والمجمرة الذهبية، وعصا هرون التى أفرخت، وزهرة البخور، والمائدة الذهبية... ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن أمثلة كثيرة أخرى فى ثيؤطوكيات بقية الأيام. لكن خلاصة القول: أن كنيستنا القبطية تهيم حباً بالعذراء البتول، والدة الإله، التى ولدت لنا المسيح، مخلصنا الصالح، لهذا فهى لا تكف عن تمجيد هذا السّر الإلهى العظيم، سرّ التجسد، سرّ التقوى، وسرّ الخلود!! فبعد أن تجسد الرب وعلمنا، ثم فدانا وخلصنا، قام وصعد إلى السماء جسدياً، ووعدنا بأننا سنقوم معه بأجساد نورانية، ونرث معه فى ملكوته. أليس مناسباً أن تتهلل السماء والأرض، بميلاد الرب يسوع، وترنم جوقات السماء قائلة: "المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة" (لو 14:2). فها قد تمت بشارة الملاك: "قد ولد لكم اليوم فى مدينة داود، مخلص هو المسيح الرب" (لو 11:2) فلنذهب إليه مع الرعاة الساهرين، لنقدم له العبادة والسجود... ومع المجوس العابدين، نعطيه الذهب (أغلى ما نملك)، واللبان (صلواتنا وتسابيحنا)، والمرّ (آلامنا وأتعابنا)... وهكذا نسجد عند قدميه، تصحبنا شفاعة العذراء، أم الخلاص، ومثال يوسف البار، خادم سرّ الخلاص نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
09 أكتوبر 2018

وحدة الأسرار السبعة

يتصور البعض أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد استحدثت الأسرار السبعة على أساس غير إنجيلي، ولكن الدراسة المتأنية للإنجيل تبرهن أن الأسرار السبعة ذات أساس إنجيلي راسخ. وفي الموضوعات التالية سوف ندرس هذه الأسرار المقدسة مع آيات كثيرة - اِحفظ منها ما أمكنك، فهي تؤكد لك أن عقيدتنا مستقاة من الإنجيل، ومُدعّمة من التقليد الرسولي والمجامع المقدسة وأقوال الآباء.كلمة عامة عن الأسرارأ- أسرار الكنيسة هي أعمال مقدسة ومنح إلهية، بها ننال نعمًا غير منظورة تحت مادة منظورة. ب- أسرار الكنيسة سبعة وهي: 1- سر المعمودية. 2- سر المسحة المقدسة أو الميرون. 3- سر القربان أو تناول جسد الرب ودمه. 4- سر التوبة أو الاعتراف. 5- سر مسحة المرضى. 6- سر الزيجة. 7- سر الكهنوت.ج- هذه الأسرار مؤسسة من الله لتكون واسطة لنيل المؤمنين فيض النعمة، وذلك واضح من الكتاب المقدس عن كل سر من الأسرار. فمثلًا:1- عن المعمودية : «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ» (يو3: 5)، «لِكَي يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ» (أف5: 26)، «وَهَكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لَكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلَهِنَا» (1كو6: 11). 2- وعن سر الميرون: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيءٍ» (1يو2: 20). 3- وعن سر التوبة: «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يو20: 23).4- وعن سر الشكر: «فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي، فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي، يَثْبُتْ فِيّ وَأَنَا فِيهِ» (يو6: 53-56).5- وعن سر مسحة المرضى: «أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَة،ِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ» (يع5: 14-15).6- وعن سر الزواج: «هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ» (أف5: 32).7- سر الكهنوت: «لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ» (1تي4: 14)، «فَلِهَذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ» (2تي1: 6).د- للأسرار مفعولان هامان: النعمة والوسم. المفعول الأول عام ويشمل جميع الأسرار. والثاني خاص بثلاثة منها وهي المعمودية والميرون والكهنوت. ولذلك تُمنَح هذه الأسرار الثلاثة مرة واحدة ولا تجوز إعادتها، لأنها تترك وسمًا في النفس لا يُمحَى، حيث كلمة "وسم" تعني سمة أو علامة كختم يعني الملكية الدائمة. ه‍- يشترط لتتميم السر ثلاثة شروط وهي:1- مادة ملائمة للسر كالماء للمعمودية، والخبز والخمر لسر الشكر.2- كاهن قانوني موضوعة عليه اليد. 3- استدعاء الروح القدس بالعبارات المعينة لتقديس السر. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
09 يوليو 2018

قيمة الخدمة

إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة.. لكى يكون برا الله فينا" (2كو 17:5). قيمة الخدمة التى نؤديها تتحدد من خلال 5 أسئلة وهى : 1- ما مدى صدق الدافع (ما وراء خدمتى)؟ 2- ما مدى صدق الغاية (ليه)؟ 3- ما مدى وضوح الهدف.. هل هناك زعل أو أهداف أخرى؟ 4- ما مدى سلامة الوسيلة؟ وسيلتى صح ولا خطأ؟ 5- ما مدى سلامة العائد؟ هل النمو علاقات اجتماعية أم الناس أحزت أيه من خدمتك... ما هو مردود خدمتك؟ 1- صدق الدافع : هناك من يخدم بدافع ذاتى.. دافع مادى.. دافع عاطفى (مجموعة يتحب بعض لذلك يستخدم مع بعض فإذا ما تفتت المجموعة نلاقى الخادم امتنع عن الخدمة). الدافع الحقيقى يتلخص فيما يلى: آمنت ثم فأخذت ثم فأجبت ثم فتكلمت ثم فخدمت. آمنت : " آمنت لذلك تكلمت".. "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" اختبرت المسيح اختبار شخصى لولا أن الرجل الأعمى مؤمن لم يصرخ قائلاً: "يا ابن داود ارحمنى". أخذت : هذا الإيمان صار اختبار بدأت بشركة مع المسيح فاختبرت فى الضيقة فى السقوط فى العبودية فى المخاوف فى الاضطهادات... ما عندك من مواهب أخذته من عند ربنا لا تفتخر إنها حاجتك إيمان = ثقة الأخذ = اختبار. حب الناس : أول ما الإنسان يأخذ يمتلأ قلبه بالحب تجاه الناس فيبدأ يفكر فى خدمتهم بحب. تكلمت : ومن هذه المحبة يتكلم الخادم.. "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب".. "قد وجدنا يسوع".. "تعالوا وأنظروا إنسان قال لى كل ما فعلت العل هو المسيح". خدمت : لخدمة أعمال محبة وليست كلام.. عطية وبذل حتى الدم فتكون دعوتك وخدمتك مؤيدة بفعل صادق. السامرية ذهبت تكرز للسامريين فنها اكتشفت المسيح اللى أعلن لها عن كل خطاياها التى لا يعلمها أحد.. قيمة الخدمة تصدر عن صدق الدافع... آمنت.. أخذت.. أحببت.. تكلمت.. خدمت. 2- صدق الغاية : بتخدم ليه؟.. هل علشان نستخدم مواهبنا.. نتقبل مديح الناس نشبع غرورنا.. نمجد أنفسنا؟.. نعلم الناس..؟ ثلاثة أمور هى :المسيح.. الإنسان.. الملكوت. المضمون هو أيها البشر.. يسوع يحبكم.. فتح لكم الملكوت هذا المنهج سلكه يوحنا المعمدان ثم المسيح ثم التلاميذ.وهذا المنهج يشهد له كثيراً معلمنا مرقس ومعلمنا متى فى إنجيليهما.. "توبوا قد أقترب منكم ملكوت الله" توبوا خاصة بالبشر أقترب منكم المقصود بها تجسد السيد المسيح. ملكوت الله اللى ها نقتنيه فى القلب.. فيكون فى الكنيسة فيؤهلنا إلى ملكوت الأبدية بقوله: "لاتخف ايها القطيع الصغير. لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت" لو ضاع هذا المثلث تصير الخدمة بلا ثمر.. الإنسان المسيح خلصك لتحيا الملكوت... إذن صدق الغاية يعطى قيمة للخدمة "غايتى فى المسيح" نائلين غاية إيمانكم هى خلاص نفوسكم. 3- وضوح الهدف : هل هدفى من الخدمة خلاصى.. وخلاص أخوتى أحياناً أركز على خلاص نفسى ,اهمل خلاص المخدومين والعكس "جعلونى ناطورة الكروم وأما كرمتى فلم أنظره".. الخادم الناجح يسلك بمعادلة بحيث إن فعلت ذلك.. تخلص نفسك وآخرين الخادم الأمين لا يفيض فقط إنما قناة سالكة تمتلأ تقدم .. قناة سالكة بين خزانات المياه الإلهية وبين احتياجات الخدمة وهنا الهدف واضح: خلاص النفس وليس إظهار الذات "أقمع جسدى واستعبده" المقصود بالجسد جسد النفس والذات وهو ما يسمى بالروحانية الجسدانية (انشقاق وتحزب) أى أقمع خطاياه وأستعبد كيانى ا داخلى لئلا بعد ما كرزت للآخرين أصير أنا مرفوضاً. إذن الهدف الواضح هو : أخدم لكى أخلص ولكى يستخدمنى الرب لخلاص الآخرين.. ممكن بعد ما يثمر الخادم ربنا يأمر باستقالته يأتى خادم جديد يدخل على تعب الخادم الأول ويكون كل شئ على مايرام نجد الخادم الثانى يصور لنفسه أنه أنجز وأثمر رغم أن التعب كان تعب الأول. 4- سلامة الوسيلة : لوسيلة لابد أن تكون سماتها :شرعية - روحانية - مستقيمة. شرعية : أى بإرسالية من الكنيسة.. فبولس الرسول كان مع التلاميذ وقال عنه: افرزوا لى برنابا وشاول كان باستطاعته أن يرفض وضع يد بطرس عليه بعد هذا النداء بالإفراز ونجد بمثابة دعوة لخلاصه ليس لأنه أفضل من البقية إنما لكى تحفظه عندما يأتى بطرس ويوحنا لوضع ايديهما عليه يشعر أنه غير مستحق ولكن يقبل لأجل الدعوة.. روحانية : فلتكن الخدمة مكتبة - معرض - حضانة .. الخ ليست الخدمة خدمة كلام فقط.. ممكن تكون ابتسامة "بكلامك تتبرر وبكلامك تدان"... قيمة الخدمة ليست بنوعيتها من حيث معوقين - مكتبة - معرض إنما بالدسم الروحى الذى بداخلها.. فلتكن خدمة نظافة ولكن نؤديها باتضاع.. عمل مشغل.. الهدف منه جمع النفوس من الشارع.. يرتلوا.. إنجيل مفتوح.. كلمة صغيرة (مسحة روحية). مستقيمة : من خلال الخدمة لا تكسر المبادئ.. خدمة خالية من التلوث.. التحزب.. الشقاق.. البدع.. الخ. 5- سلامة العائد : وهو يظهر فى المخدومين.. وذلك بأن يرتبط المخدوم بخمسة وهى : 1- يرتبط بربنا : أحسن لاهوتى هو المصلى. أحسن لا هوتى هو الشهيد إذن أحسن لاهوتى هو ما يعيش مع ربنا.. 2- بوليكاربوس لما أرادوا أن يحرقوه سخر منهم قائلاً.. أن هذه وسيلة سريعة توصله لربنا. يرتبط بالكنيسة يصبح المخدوم عضو فى الكنيسة فى جسد المسيح يشعر بشركة القديسين يعيش الأسرار داخل الكنيسة سيدة بسيطة تسكن بجوار كنيسة لما سألوها عن ربنا ماذا تعرف عنه وضعت يدها على حائط الكنيسة وقالت هنا.. 3- يرتبط بالخدمة يصبح له دور فى الخدمة والكنيسة. 4- الشهادة : الناس الذين من الخارج يروا الأعمال مثلما يقول الكتاب: "ليرى الناس أعمالكم فيمجدوا أبوكم الذى فى السموات".. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
23 يوليو 2018

المسيحي والعالم

أحبائى الشباب ... فى كل مرة نحضر القداس الإلهى، نسمع فى نهاية الكاثوليكون، عبارة:"لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم" (ايو15:2). بينما يقرأ فى إنجيل معلمنا يوحنا: "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد.." فهل من تناقض؟!بالطبع ليس هناك تناقض لسبب بسيط، أن كلمة "العالم" فى الآية الأولى تعنى "الأشياء"... كما هو واضح فى بقية الآية، أما كلمة "العالم" فى الآية الثانية فتعنى "الأشخاص" كما يتضح أيضاً فى بقية الكلام: "لكى لا يهلك كل من يؤمن به" (يو 16:3)، إذن، فالرب يدعونا إلى أن نفطم عن "شهوات سائر الأشياء".. وعن "غرور الغنى".. فهذه الأمور تأخذ من رصيد محبتنا للرب، حينما تتحول إلى محبة منافسة لمحبتنا للسيد المسيح، فتفقدنا تكريس قلوبنا لله ولقد كان الرب يسوع واضحاً جداً حينما تحدث عن المال، فهو لم يدعنا إلى عدم استخدام المال أو التعامل معه، بل إلى عدم "محبة" المال، عدم "خدمة" المال "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر، لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (مت 24:6) من هنا كانت المشكلة فى "خدمة المال"، "ومحبة المال"، وليس فى استخدام المال وقد استعمل الرسول بولس تعبيراً مشابهاً حينما حذرنا من شهوة أن نكون أغنياء، فقال لنا: "إن كان لنا قوت وكسوة، فلنكتف بهما، وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء، فيسقطون فى تجربة وفخ، وشهوات كثيرة غبية ومضرة، تغرق الناس فى العطب والهلاك. لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تى 11:6) لذلك فهو يدعونا قائلاً: "أما أنت يا إنسان الله، فأهرب من هذا" (1تى 11:6). نفس الأمر يؤكده لنا معلمنا يوحنا حينما يقول: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب، لأن كل ما فى العالم شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم، والعالم يمضى وشهوته، وأما الذى يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1يو15:2-17)، إذن، فعلينا أن نحب كل من فى العالم، ولا نحب كل ما فى العالم!. العالم.. كشهوات : حدد القديس يوحنا الحبيب شهوات العالم، فى ثلاثة أنواع، حتى نتحفظ منها: 1- شهوة الجسد : أى النزول إلى مستوى الحسيات، لتسيطر على الإنسان وهنا ينبغى أن نفرق بين كلمات ثلاث: ايروس.. شهوة الحس والجسد. فيلو.. المحبة الإنسانية العائلية والصداقة. أغابى.. المحبة الروحانية المتسامية. والرب يريد منا أن تتنقى من "الأيروس"، أى شهوات الجسد، وأنواع الانحرافات المختلفة. كذلك لا يرضى لنا بمستوى "الفيلو" أن العلاقات الإنسانية، التى يمكن أن تقوم بين البشر على أساس الاجتماعيات، أو العواطف البشرية أو علاقات الدم.. إنه يريد منا أن نرتفع إلى مستوى "الأغابى" المحبة الروحانية، التى تتسم بالقداسة، والثبات، والعطاء.. هذه السمات الثلاثة لا يمكن أن تتوافر إلا حينما يقدس الرب مشاعرنا وعواطفنا، فتصير نقية وطاهرة، ولأنها من الله فهى ثابتة بثبات الله، لا تتغير حسب الظروف، أو المعاملات، وكذلك فهى سخية فى العطاء، لا تنتظر العوض والمقابل، فهى تنسكب بسخاء صادرة من الله نفسه، وهى كالمحبة الإلهية لا تنتظر المكأفاة... 2- شهوة العيون : والمقصود بها حب الإمتلاك، يرى الإنسان شيئاً فلا يستطيع أن يقاوم الرغبة فى امتلاكه!! وهذا ما نراه حولنا فى كل يوم.. ما نسميه بالشهوة الإستهلاكية، فالتليفزيون يعرض أمامنا كل يوم أنواعاً من المقتنيات والمأكولات.. فنسير وراء هذه الشهوة، ونصرف الكثير من النقود، ونسبب الكثير من المشاكل العائلية. أما النفس الشبعانة فهى "تدوس العسل"، أى إنها لا تسقط تحت إغراء الإعلان، ولا تحت إيماءات غريزة حب التملك.. فهى تمتلك اللانهاية، الخلود، الأبدية.. وتهتف مع العروس: "أنا لحبيبى وحبيبى لى" ولهذا فهى لا تشعر بالجوع، بل تقول مع المرنم: "الرب راعىّ، فلا يعوزنى شئ"!! 3- تعظم المعيشة: هذا ما يصبو إليه الكثير من الشباب، كيف يقود حياة فيها بذخ وترف ولهو وملذات.. وينسى إن هذا التعظيم والتنعم ليس هو سر الفرح والسعادة، بل بالعكس يقول الكتاب: "المتنعمة ماتت وهى حية" ذلك لأنها فقدت شبع الروح، وعظمة المركز الإلهى، فالمولود من الله يرى فى نفسه كرامة وعزة ورفعة، يستحيل أن يحس بها الإنسان الغريب عن الله!!وهنا أتذكر كلمات الشيخ الروحانى: "يا ابن الملك، لماذا تبحث عن كسرة خبز؟!".إن أولاد الله يشعرون بكرامة فائقة، ويحسون أنهم أبناء ملك الملوك، وليس فى كل العالم من مركز أعلى من هذا المركز!!. ولكن.. كيف ؟ إن محبتنا للعالم كأشياء وشهوات، لا يمكن أن تنتهى إلا بالبديل!! والبديل هو الرب يسوع!!. "حاشا لى أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذى به صلب العالم لى، وأنا للعالم". هنا الدواء : أن نتحد بصليب الرب!! فالصليب هو الحب!! وهو العطاء!! وهو دواء الشهوة النجسة!! وهو الاتحاد بالله!! وهو التطلع إلى أورشليم السماوية!! وكل من اقتنى المسيح، اقتنى الخلود.. من هنا يسهل عليه أن يتخلى عن العالم المادى المحدود الخاطئ الزائل، لكى يشترى الملكوت الروحى واللانهائى والمقدس والخالد إلى الأبد!! نعم .. إنها صفقة!! الصلب المتبادل : إن الاتحاد بصليب الرب يحدث لنا نوعاً من الصلب المتبادل: "صلب العالم لى، وأنا للعالم".. أى أن الإنسان المسيحى يصير العالم بالنسبة إليه شيئاً مصلوباً، ميتاً، تفوح منه رائحة النتانة، فلا يجد فيه شيئاً يشتهى!! وفى المقابل، يصير المسيحى نفسه مصلوباً بالنسبة إلى العالم، أى أن أهل العالم لا يستطيعون تحريك شهواته.وطوبى لمن يردد مع المرنم: "من لى فى السماء.. ومعك لست أريد شيئاً على الأرض". نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
30 يوليو 2018

ماذا يقول المسيح للشباب؟

حاولت أن أتسمع إلى همس السيد المسيح، فى إن شباب اليوم... تراه... ماذا يقول لهم؟ هلموا نضع آذاننا قرب شفتيه الطاهرتين، أو نتكئ مثل يوحنا الحبيب على صدره الرحب، لنسمع دقات قلبه الحنون، الذى يخفق بحب العالم كله.. ابنى الحبيب... ابنتى المباركة : أننى أحب كلا منكما بصدق، صدق قد يخفى عليكما، وربما قد يشوهه بعض أبنائى عمداً أو دون قصد. أنا أهمس إلى كل قلب فى الوجود، متجاهلاً كل الفروق الظاهرية، من جنس أو لون أو دين أو عقيدة، بل متجاهلاً كل ما يبدو عميقاً فيكم، فهذا متدين، وذاك بعيد، والثالث عنيد، والرابع مستعبد لخطية معينة.. ورغم كل هذا فأنا أهمس لكل قلب فأقول: "لاتخف لأنى فديتك، دعوت باسمك، أنت لى" (أش 1:43). أننى أحب كلا منكما بصدق، صدق قد يخفى عليكما، وربما قد يشوهه بعض أبنائى عمداً أو دون قصد. أنا أهمس إلى كل قلب فى الوجود، متجاهلاً كل الفروق الظاهرية، من جنس أو لون أو دين أو عقيدة، بل متجاهلاً كل ما يبدو عميقاً فيكم، فهذا متدين، وذاك بعيد، والثالث عنيد، والرابع مستعبد لخطية معينة.. ورغم كل هذا فأنا أهمس لكل قلب فأقول: "لاتخف لأنى فديتك، دعوت باسمك، أنت لى" (أش 1:43). لاتخف لأنى فديتك : نعم... لاتخف يا حبيبى.. فمع أنى الإله القدير، والخالق غير المحدود، إلا أن قلبى يذوب حباً من نحو. لاتخف منى.. فأنا الآن لا أحاكم أحداً، ولا أقاضى إنساناً.. أنا معك الآن فى زمان الحب، زمان الرحمة.. لذلك فلا تخف منى. لقد قال لك خدامى أننى سوف أدين المسكونة بالعدل.. وهذه حقيقة.. لكن كل ما يشتهيه قلبى هو أن تأتى إلىّ.. كما أنت.. بكل ضعفاتك، وسلبياتك، وتطلعاتك، وطموحاتك، وتمردك، وعبودياتك، تعالى كما أنت... ولاتخف.. والسبب بسيط.. لاتخف لأنى فديتك. نعم فدمى الذى سأل من أجلك على عود الصليب، سال حباً فيك، وسدد كل ديونك.. لذلك فحينما ستقف يوماً أمام العدل الإلهى، تستطيع أن تحتج بكل ثقة وتقول: "ديونى دفعها السيد.. دفعها حين مات نيابة عنى". دعوتك باسمك : نعم.. لا تتعجب.. أنا أعرف اسمك.. فأنا لست زعيم قطيع، ولا أبحث عن شعبية! أنا أحبك شخصياً، وصدقنى لو أنهم سألونى على الصليب من أجل من ستموت يارب؟ لكنت قد أجبتهم: "من أجل فلان وفلان وفلان".. وكنت سأذكر اسمك فعلاً.. حاول أن تقول الآن: يسوع مات من أجلى، فمن الطبيعى إذن أن أعيش من أجله. ومعرفتى باسمك ليس المقصود بها اسمك فقط، بل ظروفك وطبيعتك ومستقبلك الزمنى والأبدى، كل خلاياك، وثنايا حياتك الأرضية والأبدية، وما قابلت سوف تقابل، كل هذا أنا أعرفه. لهذا أحبك.. من أجل النجاح الذى سوف تنجحه.. ومن أجل الفشل الذى سوف يبكيك ويبكينى معك، ومن أجل كل لحظة سقوط أو نصرة.. أنا معك.. أنا فيك!! أنت لى : لا لكى احتكرك أو أستولى عليك.. كلا.. والسبب بسيط: أننى لا نهائى.. وأى إضافة إلى مالا نهاية تساوى صفراً.. أنا لا أحتاج إليك وأنت لى تضيف إلى شيئاً.. بصراحة أنا محتاج أن أعطيك.. أعطيك حبى، وجسدى، ودمى، وخلاصى، وأبديتى، وفرحى اللامحدود. ابنى الحبيب... ابنتى المباركة.. أنا فى انتظاركما... بكل الحب.. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
07 يوليو 2020

القوة الروحية فى حياة الخادم

الخادم الروحى لابد أن يكون قويا روحيا، حيث يستمد قوته الروحية من الله مباشرة، هو إنسان قوى، لأنه صورة الله ومثاله (تك 1: 27)، والله قوى. وهو كابن لله، من المفروض أن يكون قويا في الروح.. والإنسان الروحي هو هيكل للروح القدس (1كو 6: 19). والروح القدس ساكن فيه (1كو 3: 16). وهكذا ينال قوة من الروح الذي يعمل فيه بقوة.. ويتحقق فيه وعد السيد المسيح الذي قال: “ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم” (أع 1: 8).وقد قال عنها إنها قوة من الأعالي” (لو 24: 49). وظهرت هذه القوة في كرازة الآباء الرسل. وهكذا ورد في سفر أعمال الرسل “وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم” (أع 4: 33). فما هى مظاهر هذه القوة، وماهى مظاهرها فى حياة الخادم.لاشك أن مصدر القوة الروحية، هو الله نفسه ولذلك يقول المرتل في المزمور “أحبك يا الله يا قوتى” (مز 18: 1) ويقول “قوتى وتسبحتى هو الرب” (مز 118: 14). ويقول أيضًا “الله ملجأ لنا وقوة (مز 46: 1). وكما يقول القديس بطرس الرسول عن القوة في الخدمة “إن كان أحد يخدم، فكأنه من قوة يمنحها الله، لكي يتمجد الله في كل شئ” (1بط 4: 11). ويترنم داود بقوة الله العاملة فيه فيقول “الله الذي يمنطقنى بالقوة.. الذي يعلم يدى القتال” (مز 18: 32، 34).لذلك فإن كل قوة، ليس الله مصدرها، هي قوة باطلة، ومصيرها إلى الزوال.كقوة فرعون مثلا، وكقوة الشيطان.. وقوة آخاب الذي قتل نابوت اليزرعيلى.. وقوة مشورة أخيتوفل..! ومثل قوة جليات.. وكل الأقوياء بدهائهم أو بكبريائهم. أما الإنسان الروحي ففوته من الله العامل فيه. وعن هذا يقول القديس بولس الرسول: الأمر الذي لأجله أتعب أنا أيضًا مجاهدًا، بحسب عمله الذي يعمل في بقوة” (كو 1: 29) “بحسب القوة التي تعمل فينا” (أف 3: 20).. إنها قوة الروح القدس. الصلاة :- مادامت القوة من الله، فنحن نطلبها بالصلاة، وننالها بالإيمان ونعمة الله.الإنسان الروحي يقف أمام الله ضعيفا، يلتمس منه القوة يصلى قائلا “أعطنى يا الله قوتك”، “فأنا بدونك لا أستطيع شيئًا” (يو 15: 5). وبالصلاة يمنحه الله قوة مثل آخر صلاة صلاها شمشون، واستجاب الرب له (قض 16: 28، 30).والإيمان يمنح الخادم قوة، لأن كل شيء مستطاع للمؤمن (مر 9: 23).حتى إن أدركه ضعف في وقت ما، فإن الإيمان يعيد غليه قوته. ألم يقل الرب “لو كان لكم إيمان مثل حبه خردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل” (مت 17: 20).. وإن شعر الإنسان الروحي أن إيمانه قد ضعف، يصرخ إلى الرب قائلا أؤمن يا رب: فأعن ضعف إيمانى.. (مر9: 24). وهكذا نجد أن الإيمان والصلاة يعملان معا في جلب القوة للإنسان. وبالصلاة يصارع الله مع الإنسان، ولا يتركه حتى ينال منه القوة. يصلى وهو مؤمن أن القوة ستأتيه.. عمل الروح القدس :- الخادم ينال القوة بعمل الروح القدس فيه وهكذا فإن الذي يشترك مع الروح القدس في العمل، لابد أن يكون قويا.. فإن وجدت نفسك ضعيفا في وقت ما، راجع شركتك مع الروح القدس.. إن سبب فقد شمشون لقوته، هو أن روح الرب فارقه (قض 16: 20). تمسك إذن إلى أبعد حد بعمل الروح فيك. وهيئ نفسك بالنقاوة والقداسة، حتى يكون هيكلك مستحقًا لسكنى روح الله فيك.. فتستمر قويا. كلمة الله الخادم يحتفظ بقوته الروحية بثبات كلمة الله فيه طالما تضع وصية الله أمامك، وتحب كلمة الله وتخبئها في قلبك، وترددها بلسانك، ستجد أن كلمة الله ستمنحك قوة، تمنحك استحياء من الخطية، لأن “كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين” (عب 4: 12)، وما أجمل قول القديس يوحنا الرسول للشباب “كتبت إليكم أيها الأحداث، لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير” (1يو 2: 14). الإتضاع:- لأن “الرب يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيمنحهم نعمة” (يع 4: 6). المتكبر يطن أنه بقوته البشرية سينتصر، فيعتمد على قوته فيفشل. أما المتواضع، فإن يشعر بضعفه، يعتمد على قوة الله، فيمنحه الله هذه القوة “ليكون فخر القوة لله، لا منا” (2كو 4: 7) أنظروا كيف قال الشياطين للقديس مقاريوس الكبير “بتواضعك وحده تغلبنا”. وكيف قال القديس الأنبا أنطونيوس: أبصرت فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض كلها. فقلت يا رب من يفلت منها؟ فقال: المتواضعون يفلتون منهاإن المتواضعين الذين يقفون أمام الله كضعفاء، هم الذين قال عنهم الوحى الإلهي “اختار الله ضعفاء العالم، ليخزى بهم الأقوياء” (1كو1: 27) “لكى لا يفتخر كل ذى جسد أمامه”.. المتواضع لا يخاف، لأن الله معه. ولكن متى يخاف الإنسان بحق؟ يخاف عندما يتعجرف قلبه، ويظن أنه قوى، وأنه قد ارتفع إلى السماء، وجلس على عرش الله، وأصبح الشيطان تحت قدميه. انظروا إلى قول القديس العظيم بولس الرسول “لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوى” (2كو 12: 10). نقاوة القلب :- فالقلب النقى هو حصن لا ينال، ومنه مخارج الحياة” (أم 4: 23). والقلب النقي هو الذي ارتفع عن شهوات العالم. وفى هذا المجال، ما أجمل قول القديس أوغسطينوس “جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أنى لا اشتهى شيئا ولا أخاف شيئا”.. حقا إن القلب الزاهد هو قلب قوى، لا توجد شهوة تغلبه، ولا يوجد شيء يخيفه. الزهد وعدم الخوف:- تعرض الشهداء لكل الإغراءات والتهديدات، ولكل ألوان التعذيب، وبقوا صامدين في قوة عجيبة، لأنه لم تكن هناك أية شهوة في قلوبهم تستجيب للإغراءات، ولا أي خوف تزعجه التهديدات، ولم يكن فيهم خوف الموت أيضًا. فاحتفظوا بقوتهم أمام كل الملوك والولاة والقضاة. كانوا أقوى من مضطهديهم. كذلك الرهبان، لأنهم تجردوا من الشهوات، أمكنهم أن ينتصروا على العالم، وكانوا أقوياء في احتمال الوحدة وسكنى الجبال والبرارى، بل وسكنى المقابر أيضًا وكانوا أقوياء في حروب الشياطين. كانوا أقوياء أيضًا في تأثيرهم الروحي على الآخرين. أمراء صاروا رهبانا، لأنهم كانوا أقوى من شهوة الملك. القديس الأنبا أنطونيوس حاول الشياطين أن يخيفوه بكل المناظر المفزعة، ولكنه كان أقوى منهم. وأمكنه أن يغلبهم باتضاعه وبإيمانه. والقديس مقاريوس لم يخف، حينما بات في مقبرة وقد أسند رأسه على جمجمة، وتحدث الشياطين معها. ولكن قلبه كان قويا بالإيمان لا يخاف. عزيزى الخادم المبارك تحدثنا فى النقطة السابقة عن مصادر القوة الروحية فى حياة الخادم ، و ولكن ماذا عن المظاهر الروحية للقوة فى حياة الخدام؟ المظاهر الروحية للقوة فى حياة الخدام؟ 1 – قوة الحب والبذل:- تحدث سفر النشيد عن قوة الحب فقال “المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها” (نش 8: 6، 7). وقال القديس بولس الرسول “المحبة لا تسقط أبدًا” (1كو 13: 8).هذه هي المحبة الحقيقية، التي ليست بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق (1يو 3: 18). ولعل من أعمقها محبة الأم لرضيعها، ومحبة داود ليوناثان (2صم 1: 26). بل محبته لابنه أبشالوم الذي خانة، وكيف بكى عليه بمرارة لما سمع بموته (2صم 18: 33).وتظهر قوة المحبة في البذل. وأقوى بذل هو بذل الذات.ظهر هذا الأمر واضحا في سيرة الشهداء، وكيف بذلوا كل شيء حتى الحياة، من أجل محبتهم لله. وكذلك ظهرت قوة هذه المحبة في حياة الآباء الرهبان والسواح، الذين تركوا العالم وكل ما فيه. “وسكنوا الجبال والبراري من أجل عظم محبتهم للملك المسيح”. كذلك محبة الآباء الرسل الذين من أجل محبتهم للرب وملكوته، احتملوا الجلد والسجن والرجم والتشريد والموت أيضًا.. وقالوا للرب أيضًا “تركنا كل شيء وتبعناك” (مت 19: 27). وفي ذلك يقول بولس الرسول أيضًا “خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح” (فى 3: 8).وقوة المحبة تظهر إن كانت من كل القلب.وفى ذلك قال الكتاب “تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك”. (تث 6: 5) (مت 22: 37). وعبارة “كل “تعنى أنه لا توجد محبة أخرى تنافس محبة الله في قلبك. وفي ذلك قال السيد الرب “من أحب أبًا أو أمًا أكثر منى فلا يستحقنى. ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر منى فلا يستحقنى” (مت 10: 37). بل من أحب حياته أكثر من الرب، لا يستحقه. وفي ذلك قال “من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته لأجلى يجدها” (مت 10: 39). المحبة تقود إلى البذل، وقوة البذل لها أسباب. يوجد بذل سببه الحب كما قيل “هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد” (يو 3: 16). وكما بذل الشهداء لأجل محبتهم للرب. وهناك قوة في البذل سببها الطاعة، كما رفع أبونا ابراهيم السكين ليبذل ابنه وحيده ذبيحة للرب. توجد قوة في البذل سببها الزهد، كآبائنا الرهبان. 2- قوة الإيمان:- قوة الإيمان تظهر في أنه يصدق كل شيء. يؤمن أن الرب يمكن أن يشق طريقا في البحر، وأن يفجر من الصخرة ماء، وأن يصنع المعجزات والعجائب.. الإيمان الذي جعل بطرس يمشى على الماء (مت 14: 29). الإيمان بأن الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون (خر 14: 14).. الإيمان الذي يجعلك تقدم الحياة لأجل الرب، وتقدم عشورك وأنت تدفع من أعوازك.. الإيمان الذي يقول “إن سرت في وداى ظل الموت، لا أخاف شرأ لأنك أنت معى” (مز 23).. الإيمان بأن كل لأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الرب” (رو 8: 28).. الإيمان القوى بالأبدية الذي يجعل الإنسان يستعد لها بكل قوته. 3- النصرة على المحاربات الروحية :- كما ظهرت قوة يوسف الصديق في انتصاره العجيب على اغراءات زوجة فوطيفار (تك 39: 9) قوله في حزم عملى “كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟!”الإنسان الروحي لا تظهر قوته في انتصاره على غيره، إنما في انتصاره على الخطية، مهما كانت الحروب شديدة، سواء من الشيطان، أو من الناس الأشرار، أو من أخوة كذبة (2كو 11: 26) أما الذي يضعف ويسقط فينطبق عليه قول الكتاب “وزنت بالموازين، فوجدت ناقصًا” (دا 5: 27). 4 – الخادم القوى إذا أخطأ، له القوة على الاعتراف بخطئه:- القوة فى حياة الخادم تظهر أيضا في انتصاره على المحاربات الروحية وعلى الإغراءات. كثيرون يجدون صعوبة بالغة في الاعتراف بأخطائهم.. أما القديس أو غسطينوس، فقد نشر اعترافاته في كتاب قرأه كل أهل جيله. وما تلته من أجيال.. والإنسان الروحي ايضًا، إذا أحس أنه آساء إلى أحد، تكون له القوة على الاعتذار إليه والاعتراف بإساءته، دون محاولة للتبرير أو المجادلة.. وإذا أحس أن رأيه مخطئ، يكون قادرا بسهولة أن يتنازل عن راية، بغير عناد كما يفعل البعض. 5 – القوة في ضبط النفس:- الإنسان الروحي قوى من الداخل. يستطيع أن يضبط نفسه، كما قال الكتاب “مالك نفسه خير ممن يملك مدينة” (أم 16: 22). فهو يضبط أفكاره فلا تسرح فيما لا يليق، متبعا قول الرسول “مستأثرين كل فكر إلى طاعة المسيح” (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 10: 5). يضبط أيضًا حواسه، فلا يخطئ بالنظر ولا بالسمع ولا باللمس. كذلك يضبط مشاعر قلبه وعواطفه. ويضبط لسانه أيضًا، فلا تخرج من فمه كلمة خاطئة، ولا كلمة زائدة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي ذلك قال القديس يعقوب الرسول “إن كان أحد لا يعثر في الكلام، فذاك رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسد أيضًا” (يع 3: 2) هنا القوة الداخلية في ضبط النفس، وضبط الفكر والحواس والمشاعر، وضبط اللسان ايضًا. 6- الإنسان الروحي يضبط أيضًا غرائزه وانفعالاته، ويرفع فوق مستوى الإثارة:- الإثارة الخارجية لا تثيره من الداخل، بل يكون أقوى منها. لا ينفعل مثلا إذا تعرض لإساءة ما، ولا يقاوم الشر بالشر (رو 12: 17). ولا يرد على الكلمة الخاطئة بمثلها. لا يغلبه الشر، بل يغلب الشر بالخير (رو 12: 21). ويستطيع أن يسيطر على الغضب. ويكون قويا في أعصابه، لا تفلت منه. 7- قوة الشخصية والتأثير:- الخادم إنسان قوى في عقله، فهمه، في قدرته على الاستيعاب وعلى الاستنتاج، قوى في ذاكرته، في سرعة بديهته، في حكمته وحسن تصرفه. هو أيضًا قوى الإرادة، قوى العزيمة، قوى في حكمة تصرفه، حسن إراداته للأمور. وقوى أيضًا في أنه لا يهتز أمام أي تهديد أو تخويف. ينطبق عليه قول الكتاب “من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلا” (زك 4: 7).تظهر قوته أيضًا في كل عمل يعمله، وكل مسئولية يحملها.هو إنسان قادر على تحمل المسئوليات، مهما بدت كبيرة أو خطيرة، ويقوم بعمله بكل جدية، وبكل أمانة ودقة والتزام، ويأتى بالنتائج المرجوة في انجاز سليم. وهو أيضًا حازم، ولا يتردد. ومهما حدثت من عوائق، ولا يلق ولا يضطرب ولا يخاف.. بل يقف كالجبل الراسخ، واثقًا بأن كل مشكلة لها حل. وواثقا بالله يعمل معه ويعمل به له تأثير المجتمع الذي يعيش فيه، ربما يمتد إلى أجيال إن الروحيين الأقوياء لا يتأثرون باخطاء البيئة التي يعيشون فيها “ولا يشاكلون أهل هذا الدهر” (رو 12: 2). بل لهم القدرة التأثير في المجتمع، في فكره. واتجاهه وروحياته، كما فعل الآباء الأول، حتى ليقال: عصر أثناسيوس، عصر أنطونيوس.. يؤثرون بقدوتهم، أو بكتاباتهم التي يمتد تأثيرها إلى أجيال وأجيال.. ننتقل إلى نقطة أخرى وهى: 8- القوة في الكلمة والخدمة:- الخادم الروحي الحقيقى، كل كلمة تخرج منى فمه تكون قوية وفعالة، ولا ترجع فارغة، بل تعمل عمل الرب (أش 55: 11). كلماته قوية في تأثيرها على الآخرين، وخدمته ملتهبة ومثمرة. بولس الرسول، وهو أسير في سلاسل أمام فيلكس الوالى، حينما تحدث عن البر والدينونة والتعفف، ارتعب فيلكس (أع 24: 25). ولما تحدث أمام أغريباس “بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا” (أع 26: 28). ويعوزنا الوقت أن تحدثنا عن خدمة القديس بولس فو قوتها وانتشارها. وكذلك قوة الخدمة في ايام الآباء الرسل.. في قوة خدمة الآباء، وقفت المسيحية العزلاء أمام الإمبراطورية الرومانية بكل سلطتها وقسوتها. وأمام اليهود بكل دسائسهم ومؤامرتهم. ووقفت أمام فلسفات العصر. وبعظة واحدة من القديس بطرس إنضم إلى الإيمان ثلاثة آلاف، نالوا نعمة العماد في نفس اليوم (أع 2: 41). وإنها قوة الروح القدس العاملة في الكلمة.وبقوة (كو1: 29). إنه قوى في شهادته للرب، يقول مع داود النبي “تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز” (مز 119). 9- يختفى ليظهر المسيح :- ذهبا اثنين لاصطياد سمك من احدى الترع وكان احدهما ولد صغير والاخر رجل كبير,اصطاد الولد الصغير سمكا كثيرا واما الرجل فلم يصطاد شيئا !فذهب الرجل الى الولد ليسأله عن سبب ذلك رغما من استعدادات الرجل من حيث طعم السمك والسنارة وغيرها ..واكثر من ذلك ان تيار المياه كان يمر على الرجل قبل وصوله للفتى فقال له الولد : (( انك تصطاد وانت واقف على شاطىء الترعه فتلقى بظلك على المياة فيراك السمك ويهرب منك اما انا فمختبأ وراء الحشائش فلا يرانى السمك فأصطاد سمكا كثيرا)) صديقى الخادم هل علمت السر وراء الصيد الوفير؟لابد من صياد الناس ان يختفى ويظهر المسيح لكى يحصل على الصيد الوفير من اجل هذا قال المسيح له كل المجد لبطرس : من الان تكون تصطاد الناس ((لو5:10))ولقد استطاع بطرس ان يصطاد بشبكه واحدة (عظة) ثلاثه آلاف نفس من الناس لانه اختفى ليظهر المسيح.ليكن فى قلبك وفكرك دائما أن تختفى أنت ليظهر المسيح مهما كانت قوتك ومهاراتك وأمكانياتك فلتكن أنت حضرة شفافة يظهر المسيح دائما من خلالها ويجتذب هو بقوته الإلهية كل نفس اليه له المجد الدائم نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
27 أغسطس 2018

دعوة للإبداع

لاشك أن إلهنا العظيم هو المبدع الأول فى هذا الوجود، لأنه أصلالوجود، واجب الوجود، وعلة كل الموجودات 1- الله المبدع الأول "فى البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله: ليكن نور، فكان نور" (تك 1:1-3). كانت هذه بداية الإبداع الإلهى، فبينما يعيش إلهنا العظيم فى أزليته، ليس فى حاجة إلى شئ، وفى تيار الحب المتدفق من الآب إلى الإبن فى الروح القدس، خلق الله الزمن "كان مساء وكان صباح.." (تك 4:1)، كما خلق الكون المادى: النور، ثم الجلد، ثم اليابسة، ثم النبات، ثم الشمس والقمر والنجوم، ثم الزحافات والطيور، ثم الحيوان، فالإنسان.. (تك 1) الذى أبدعه الله على صورته ومثاله: فى القداسة والبر، إذ كان متشحاً بنقاوة الله. وفى الحكمة والنطق آخذاً ذلك من "اللوغوس". وفى الحياة والخلود، إذ كان يأكل من شجرة الحياة. وفى الروح العاملة الحرة، التى ترفعه إلى الإلهياتوقبل أن يبدع الرب الإنسان: المملكة الشاسعة فى الداخل، الروح والعقل والنفس والجسد، الأعضاء والأنسجة والخلايا المتنوعة،التفاعلات الحية داخل كل خلية، الوظائف المحددة لكل عضو، مع تناغم مذهل.. خلق الرب للإنسان الخليقة المادية، بما تتميز به من جمال أخاذ، وحياة لا يهبها إلا الله الحىّ، ورعاية حتى لأصغر فيروس، وطبيعة رائعة ذات ألوان، ومنافع ودورات حياة.. ملايين الأنواع من الكائنات التى تحار العلوم الإنسانية فى سبر أغوارها: سواء فى عالم النبات أو الحيوان أو البحار.. وبالأكثر فى عالم الأفلاك والنجوم، حيث المجرات الشاسعة بالملايين، وكل مجرة تحوى شموساً بلا عدد، ونجوماً..كيف أبدع الله الكون؟!نعم.. فإلهنا هو "مهندس الكون الأعظم".. فيه عظمة الخالق، ودقة القوانين الطبيعية، وبراعة الطبيب الخالد، وروعة المدبر والمنظم.. لهذا هتف معلمنا داود النبى قائلاً: "أيها الرب ربنا، ما أعجب أسمك على الأرض كلها، لأنه قد أرتفع جلالك فوق السموات. من أفواه الأطفال والرضعان هيأت سبحاً.. السموات أعمال يديك، القمر والنجوم أنت أسستها" (مز 1:8،2). "السموات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه.. جعل فى الشمس مظلته، وهى مثل العريس الخارج من خدره، من أقصى السماء خروجها، ومنتهاها إلى أقصى السماء" (مز 1:18،4،5). ولهذا أيضاً قال الرسول بولس، أن من يتأمل فى الكون يرى الله، ولذلك فهو بلا عذر إذا لم يؤمن به، وإنساق وراء عبادة الأصنام:"الذين يحجزون الحق بالإثم.. معرفة الله ظاهرة فيهم.. لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم، مدركة بالمصنوعات، قدرته السرمديةولاهوته.. حتى إنهم بلا عذر" (رو 18:1-20) 2- الله.. أساس الإبداع الإنسانى:فلأن الله مبدع، ولأنه خلق الإنسان على صورته ومثاله، وأعطاه روحاً عاقلة حرة، صار الإنسان مبدعاً مثل الله.. الفرق هو أن الله هو المبدع اللانهائى، والإنسان هو المبدع النسبى.. أى أن إبداعاته مأخوذة أساساً من عمل روح الله فى داخله، وفى عقله، وفى وجدانه، وبطريقة محدودة، تمجد الله، وبدون الله ليس لها وجود ولا إستمرارية.الفنان مثلاً.. سواء من يستخدم حنجرته أو بنانه، فى الإنشاء أو الرسم.. الله هو الذى أعطاه هذه الحنجرة. والإنسان يصقل هذه المواهب بالعلم والدراسة.. هذا من حيث أصل هذه المواهب. أما من حيث إستمراريتها، فمستحيل أن يضمن الإنسان سلامة صوته أو عينيه أو أصابعه، فى خضم هذه الحياة الزاخرة بالأمراض والحوادث.. الله فقط هو الضمين الوحيد لهذه العطايا كى تستمر. ونفس الأمر نجده فى الإبداع الفكرى أو العلمى أو الثقافى.. فالله "اللوغوس" الحكمة اللانهائية، هو الذى يعطينا الحكمة المحدودة، التى بها نفكر وندرس، ونحلل، ونلاحظ، ونستنتج ونربط، ونصل إلى إكتشافات وإختراعات علمية، أو إلى إنجازات فكرية وثقافية. الكل رأى التفاح يسقط من الشجر إلى أسفل كما رأى نيوتن. والكل يرى المياه تفيض من "البانيو" كما رأى أرشميدس. والكل رأى غطاء الابريق يتحرك إذا غلى الماء.. والكل يعرف أن الزمن مهم فى قياس الأشياء والحركة كما رأىاينشتاين. لكن هناك شئ ما، يسميه المفكرون "الومضة" (glimpse).. إشعاعة من فوق.. فكرة من العلا.. أتت إلى ذهن العالم أو المفكر بشئ جديد.. وادت إلى إبداعات مذهلة: من البخار إلى الكهرباء إلى الذرة .. ومن فلسفات القدماء إلى أفكار المحدثين. ومع أن الإنسان كثيراً ما يدعى أن بمفرده إنجاز كل ذلك، إلا أن العالم المتضع هو القادر أن يكتشف الإله غير الظاهر حسياً، والمعلن فى كل هذه الإبداعات.. لهذا قال نيوتن حينما سئل عن إحساسه بعد الإنجازات الهائلة فى قوانين الطبيعة: "كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم" وقال اينشتاين: "كلما ازدادت دراستى لهذا الكون، ازداد إحساسى بالجهالة".3- إذن... فلنبدع نحن:نعم.. فأنت مدعو للإبداع.. ولكن أنصحك أن تعيد قراءة السطور السابقة.. فالله هو أساس الإبداع الإنسانى المتنوع..أ- أقتن الصفاء الإلهى :فبصفاء النفس بالتوبة، وشبع الروح بالصلاة والكلمة والأسرار، واستنارة الذهن بالقراءة والتأمل.. يمكن أن تهدأ نفس الإنسان ويستشرق الآفاق الجديدة، ويستشعر الحضور الإلهى، ويكتشف جديداً فى الفكر والمعرفة والفنون.." من أجل ذلك كل كاتب متعلم فى ملكوت السموات، يشبه رجلاً رب بيت، يخرج من كنزه جدداً وعتقاء"(مت52:13) ب- تحفظ من الكبرياء :فالكبرياء طريق السقوط، ولكنها بالأكثر طريق الجهالة.. فالإنسان المتكبر متمركز حول ذاته، ولهذا لا يرى سواها، ولا يكتشف العالم المحيط، ولا إبداعات الآخرين، وبالتالى لا يستعمق شيئاً، ولا يجدد شيئاً، لا فى حياته، ولا فى حياة الآخرين!ج- إحذر الإنحراف :فمع أهمية أن "تكون نفسك"، (BE YOUR SELF)، لأن الإنسان لديه حاجة نفسية إلى التفرد والخصوصية، وقد اختص الله كل إنسان بعطايا ومزايا خاصة.. إلا أن الإنسان أيضاً بحاجة إلى المرجعية، التى تراجع أفكاره وأعماله وإبداعاته، فتطمئن وتطمئنه إلى صحة ما أنتج من فكر أو علم أو ثقافة..الإبداع شئ، والبدعة شئ آخر.. فالأول ناتج عن عمل الله فى الملكات الإنسانية، التى أستودعها الإنسان، أما البدعة فهى نتاج عمل الشيطان، لتدمير الإنسان والإنسانية!! وها "عبادة الشيطان" قد أتت إلينا من الغرب، تخرب وتدمر روح الإنسان وفكره، بل حتى جسده وأسرته ووطنه..إذن.. فطريق الإبداع مفتوح.. لكن بعمل إلهى، وتجاوب إنسانى... فالرب لم يهمل الإنسان حتى فى الوحىّ المقدس... حينما رفض أن يلغى الإنسان، بل استخدمه فى إيصال الوحىّ الإلهى، مستخدماً ملكاته فى اللغة والأسلوب، ومعلوماته التى أخذها عن التقليد الشفاهى أو المكتوب.. ولكن مع عصمة إلهية من الزلل، إذ يكتب "مسوقاً منالروح القدس" (2بط 21:1) أحبائى الشباب هيا إلى مزيد من الشركة الروحية مع الله، والنفس الصافية الهادئة، والذهن المستنير بالكلمة، لكى يأتى الإبداع سليماً فى مصدره وغاياته... سواء أكان إبداعاً فكرياً أو فنياً أو علمياً. أو حتى إذا كان إبداعاً روحياً.. فأمامنا تأملات السروجى، واعماق يوحنا سابا، وتفسيرات ذهبى الفم وروحانية أنطونيوس، وشركة باخوميوس، وتوحد الأنبا بولا.. وكلها إبداعات أثرت الإنسان والكنيسة...والرب معكم، نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
06 أغسطس 2018

فضائل فى حياة العذراء مريم

بنت السيدة العذراء حياتها على فضائل أساسية وبدونها صعب أن يخلص الإنسان، أو أن يكون له حياة أبدية، أو يقتنى المسيح فى أحشائه كما اقتنته السيدة العذراء فى أحشائها، وهذه الفضائل الأربعة هى: 1- فضيلة النعمة. 2- فضيلة الحوار. 3- فضيلة الاتضاع. 4- فضيلة التسليم. 1- فضيلة النعمة : قال لها الملاك: "سلام لك أيتها الممتلئة نعمة" كلمة (نعمة = خاريس).. أصل الكلمة يقصد "فعل الروح القدس".. فعندما يملأ روح الله الإنسان يملأه من النعمة. ما معنى يملأه نعمة؟ أى يفعل فيه فعلاً إلهياً مقدساً ومكرساً ومدشناً هذا الإنسان، فيصبح هذا الإنسان مكان وهيكل لسكنى الروح القدس. "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" إذن النعمة هى عمل الروح القدس.. فالعذراء وهى طفلة فى الهيكل.. فتحت قلبها لعمل الروح القدس، لذا كان طبيعياً أن يحل فيها الروح القدس. وهنا أريد أن أسألكم أحبائى الشباب ما مدى شبعى بوسائط النعمة؟ فالسيدة العذراء: فى الهيكل إما أن تصلى أو تقرأ.. أو تخدم الذبيحة بطريقة ما، هذه الثلاث وسائط التى تملأنا نعمة. نصلى كثير.. نقرأ الإنجيل كثير.. نتحد بذبيحة الأفخارستيا، هذه هى النعمة وسكنى الروح القدس والمصاحبة الربانية للإنسان. ألا يقال أنه: "يوجد صديق ألزق من الأخ" المسيح يحب أن يكون صديق لنا وساكن بداخلنا، والمسيح لا يسكن بداخلنا إلا بعد أن يملأنا بالنعمة أولاً.. ألم يسكن داخل العذراء بعد أن ملأها نعمة. وهكذا فأنت عندما تصلى تتغذى، لأن الصلاة تماماً كالحبل السرى للجنين فى بطن أمه، لولا هذا الحبل السرى يموت الجنين.. وأيضاً يوجد بيننا وبين الله حبل سرى. فالله يسكب دمه الإلهى ويسكب نعمته فى أحشائنا، الله يعمل فينا من خلال نسمة الحياة التى هى الصلاة، فالصلاة هى الأكسجين أو الغذاء. يقول الكتاب: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.. بل بكل كلمة تخرج من فم الله". إذن الذى لا يقرأ الكتاب المقدس يجوع... ومن يجوع يموت... الخبز للجسد كالكتاب المقدس للنفس، ومثلما الخبز يشبع الجسد وأساسى لحياته، كذلك الكتاب المقدس أساسى لشبع النفس. فى الصلاة نشبع بالسمائيات، وفى الكتاب المقدس نشبع بكلمة الله "وجد كلامك فأكلته فكان كلامك كالشهد فى فمى". ونتغذى أيضاً من خلال الأسرار المقدسة "لأن من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىّ وأنا فيه" الصلاة خبز والكتاب خبز والتناول خبز. والإنسان يشبع من خلال هذه الثلاثة أنواع من الخبز الروحانى. 2- فضيلة الحوار : لم يكن هناك تعامل مع الله على أنه ساكن بالسموات، ونحن هنا على الأرض وبيننا وبين الله مسافة كبيرة، ولكن السيدة العذراء أحست أن الله أباها، وبدأت تقيم حواراً معه، فحتى عند بشارة الملاك لها بأنها ستحبل وتلد أبناً كانت تستطيع أن تصمت على الأقل خوفاً ورهبة، ولكنها بدأت تسأل: "كيف يكون لى هذا؟" وكان رد الملاك لها محاولاً أن يوضح لها ويفسر ذلك... "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك..." وكان سؤال العذراء استفسارى فى حوار بنوى، وليس حوار فيه روح الشك، فالعذراء كان بينها وبين الله دالة، ما أحلى أن تكون موجودة بينك وبين ربنا يسوع هذه الدالة البنوية. نحن لا نريد أن نتكلم والله يسمع فقط، ولكن الله أيضاً يتكلم وأنت تسمع "تكلم يارب فإن عبدك سامع" بيننا وبين ربنا حوار.. مناجاة.. محادثة. ولنتأمل يا أحبائى فى قصة السامرية.. 8 مرات يسألها الرب يسوع وتجيبه هى، وتسأله السامرية ويجيبها رب المجد... فالله لا يسكن فى الأعالى ويتركنا، ولكن هو يريدنا أن نتحدث معه دائماً وأن نسمعه "هلم نتحاجج يقول الرب" نريد أن نتعلم الحوار مع الله، وداود يقول إنى أسمع ما يتكلم به الرب الإله. 3- فضيلة التواضع : عندما أعلن لها الملاك أنها ستكون أم لله كان ردها "هوذا أنا آمة الرب" آمة.. عبدة.. خادمة.. تواضع لا مثيل له من السيدة العذراء، تواضع حقيقى.. نعم فأنت تضع فى يا رب وتعطينى من محبتك، ولكن ما أنا إلا خادمة.. هل عندنا هذا التواضع الذى يحول الأم إلى آمة؟ كلما أنكسر الإنسان أمام الله كلما أنتصر على التجارب، فالانكسار أمام الله، هو طريق الانتصار، من يتواضع يرفعه الله "أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتواضعين". وكانت السيدة العذراء كلها وداعة، وكلها تواضع، فهى سمة ظاهرة جداً فى حياة السيدة العذراء. 4- فضيلة التسليم : كانت هذه الفضيلة عجيبة ومؤثرة "ليكن لى كقولك"، تسبب لكِ متاعبِ.. يشك فيك يوسف.. لتكن مشيئتك يا رب، ربنا تدخل وأفهم يوسف. ولكن أين كانت الولادة؟ لا بيت ولا فندق ولا حتى غرفة حقيرة.. إنه مزود حيوانات.. لتكن مشيئتك يارب، وها هم المجوس فى زيارة المولود، يقدم المجوس ذهباً ولباناً ومراً.. إذن لماذا الألم يارب؟ إنها رحلة صليب.. لتكن مشيئتك يارب، ويأتى سمعان ويقول: "أنه وضع لقيام وسقوط كثيرين فى إسرائيل ولعلامة تقاوم" لتكن مشيئتك يارب إنه كنز العذراء، وحتى عند تعذيب اليهود له، وعند صعوده على الصليب.. كان التسليم عجيباً "أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائى فتلتهب عند نظرى إلى صلبوتك، الذى أنت صابر عليه من أجل الكل يا أبنى وإلهى". هل سألته لمن تتركنى؟ من ينساها... إنه تسليم فى كل مراحل الحياة.. لتكن مشيئتك. هل نحن نفعل ذلك أن نقول: "ليكن لى كقولى" تأملوا فى هذه العبارة "لست تفهم الآن ماذا اصنع ولكن ستفهم فيما بعد". يا أحبائى .... أمام السيدة العذراء نذوب حباً وخجلاً من أنفسنا، ونشعر بالنورانية الحلوة التى تشع من وجهها، وننظر إلى سيرتها العطرة فنتمثل بإيمانها. السيدة العذراء كانت ممتلئة نعمة.. تحاور الله فى دالة متواضعة، تسلم حياتها لله كل الأيام. نيافة الحبر الجليل انبا موسى أسقف الشباب
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل