المقالات

19 أغسطس 2019

عِيدُ التَّجَلّي

تجلِّي الرب حادث مِفْصَلي في الإنجيل. قَبْلَه وفيه وبعده، فقد أظهر المسيح فيه نفسه محقِّقًا ما جاء عنه في الأسفار المقدسة ونبوءاتها عن المسيا، الممسوح لأجل خلاصنا، قبل أن يتمم تدبير خلاصنا بالصليب والقيامة والصعود... هناك على جبل التجربة انتصر على المجرِّب وأبطل حُجَجه، وهنا على جبل التجلي أعلن مجده الإلهي الفائق قبل رحلة الآلام، ومن مجد التجلي على الجبل إلى مجد الآلام على رابية الجلجثة، فلا تجلي إلا بالصليب.في التجلي تغيرت هيئته وأضاء وجهه كالشمس وصار كله مُشِعًّا بمجد عظيم، وصارت ثيابه بيضاء كالنور، هيئة وجهه صارت متغيرة وثيابه بيضاء جدًا كالثلج مُبيَضًّا لامعًا، وظهر معه النبيان موسى وإيليا الذان كانا قد رحلا من العالم منذ مئات السنين. ظهر معه إيليا الحي وموسى من عالم الأموات، لأنه هو إله الأحياء والأموات، وكانت سحابة تظللهم، وصار صوت من السحابة قائلاً "هذا هوابني الحبيب له اسمعوا"(لو ٣٤:٩).كان معه تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا "للتأكيد المثلث للشهادة"، وهم الذين عاينوا عظمته وسمعوا صوت المجد الأسنىَ المُقبِل من السماء، صعدوا ليروا التجلي وتسلقوا القمم حتى تبْيَضّ ملابسهم... ارتقوا ليعاينوا الجمال الإلهي الذي لا يقدر قَصّارٌ على الأرض أن يُجليه... إنها رحلة رؤيوية كشف فيها الرب عن طبيعته الإلهية النورانية، وعن كيانه المجيد الذي هو عتيد أن يكمله بالآلام، وسيظهر به في مجيئه الثاني الآتي من السموات، المخوف والمملوء مجدًا والدائم إلى الأبد. أضاء يسوع نفسه لأنه هو شمس البر الذي ينير لكل إنسان آتٍ إلى العالم... وضَمَّ إليه رداءه التي هي كنيسته المجيدة التي جمعها في عُشّ أبيه وبيّضها وزينها وغسّلها ومَحَا خطاياها القرمزية لتبيَضّ كالثلج، حوَّط عليها بثيابه التي هي كلام إنجيله "أنفاس الله" لتكون بيضاء نورانية مُشِعّة وطاهرة بنور ضياء كلمته التي لا يقدر أي قَصّارٌ على الأرض أن يبيّض مثلها مهما كانت حكمتهم أو أيدولوجياتهم، لأن كلمته روح وحياة، حية ولامعة... كان مجد الآلام موضوع حديث ربنا مع الزائرين السماويين. فناموس موسى ونبوءة إيليا والأنبياء قد سبقوا ورمزوا للمرموز إليه. ظهرا النبيان في مجد، وسط السحابة النيّرة التي هي شَكِينَة الحضرة الإلهية، ومعهم الابن الوحيد رب الناموس والأنبياء، الذي جمَّع ووحَّد في شخصه العهد القديم والجديد بالرسل، والكنيسة المنتصرة مع المجاهدة.إن مجد التجلي هو استباق لمجد الآلام والقيامة، حيث خروج الرب وسِرّ تدبيره الخلاصي الثمين، وتحقيق الظلال والرموز والنبوءات. حضر الأنبياء كشاهدين لربنا يسوع المسيح، باعتبارهما ممثلين للناموس والأنبياء، وقد ظهر الآن بر الله بدون ناموس، وها مسيحنا القدوس مشهود له من الناموس والأنبياء، وهو حاضر فيهم بالمجد الذي كان عتيدًا أن يكمله في أورشليم.إن عيد تجليك يا ربنا هو عيد المظال الحقيقي، ليس مصنوعًا من أوراق الأشجار ليقدم طعامًا بائدًا، لكنه مزيَّن بنور لاهوتك البهي غير الفاني، في مظلة دائمة أبدية تثبُت بنعمتك... ومجد سحابتك مضيء في مجد صوت أبيك، وفي مَعيّتك موسى الكليم الذي تكلم عن المستقبل وشهد عن ما هو حاضر كل حين، ذاك الذي في وسطنا قائم وسيأتي، وفي مَعيّتك إيليا مركبة إسرائيل وفرسانها الذي حفظته مع مركبته، وهو الآن يراك متجهًا نحو الآلام ولك كل العلو والعمق... لقد أعلنتَ مجدك في ميلادك وعمادك وصومك على جبل التجربة، وسلطانك على الشياطين وإقامة الموتى وشفاء المرضى، وسلطانك على الطبيعة كلها، ومجد تجليك هو إعلان لقيامتك.إن مجد تجليك الذي أظهرته قبل قيامتك موجود أصلاً فيك كل حين، لأنه مجد لاهوتك الذي كان محتجبًا في الجسد، وهو مجد تدبيرك وحضرتك في كنيستك كل حين... لكنه مَخفيٌّ لا يحسه إلا مَن يتبعك ويصعد معك ومَن أردتَ أن تعلنه له. إن مجد ملكوتك الآتي سيَظهَر علانية ويغمر الخليقة كلها، عندما تأتي في نهاية الزمان وتَصِير الكل في الكل. مجدك هذا سيظهر بقوة ليقيم أجساد القديسين، فتتغير إلى تلك الصورة عينها، وتضيء كالجَلَد، وتكون على صورة مجدك عندما نراك ونعاين مجد الحياة والبهجة، وصلاح بر الحق الذي ستعطيه لمن يرتضي حمل صليبك، ولمن لا يترجّىَ له مظالًا هنا، ولمن لا يضع النور تحت المكيال، عندئذٍ تحسبه أهلاً لرؤية مجد ظهورك المجيد، وتغيِّر شكل جسده لتجعله على صورة جسد مجدك، فصليبك هو طريقنا للتمجيد، مدركين نفقة صعود جبل تجليك.إن مجد تجليك في كشفك عن المجد الذي فيك والذي لك، بظهورك بهيئتك الحقيقية الأصلية، التي لونها اللمعان والصفاء البرّاق، أظهرته قبل أن تعلَّق على الصليب لتكمل سر التدبير وآلامك الخلاصية على الصليب المكرَّم (قد اُكمِل)... فرأوك ممجدًا كحقيقتك ومعك اتفاق شهادة النبوءات والشريعة التي انحنت لك يا رب الشريعة وواضع الناموس، حيث تقابلا العهدان وتلاثما وصارا في خيمة الإنجيل.ونحن يا سيدنا بالسجود والصلاة والتبعيّة لك نتلمَّس سِرّ تجليك ممجَّدًا من أجلنا حتى نختبر الارتقاء لملكوتك في شركة ميراث القديسين في النور، حيث يقوم فيك الكل. سحابتك النيرة تغطينا بظلها، وصوت أبيك المفرح يدوّي كي نسمعك ونَقبَلك ونطيعك يا ديان الأحياء والأموات، يا صاحب المظال الأبدية.إن سحابة مجدك والصوت المسموع سبقا وقيلا في معموديتك، فصوت نهر الأردن هو نفسه صوت جبل التجلي (هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ له اسمعوا)... فمضمون المعمودية ومضمون التجلي واحد، والقضية كلها من البداءة إلى النهاية هي فداؤك الثمين وقيامتك. إننا في المعمودية نأخذ العربون وننال بنوَّتنا فيك، والمشروطة بأن (له اسمعوا)عندما نقبَلك ونستجيب لعمل نعمتك ونسلك في رضاك، فننال محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد وشركة وموهبة وعطية الروح القدس. القمص أثناسيوس چورچ
المزيد
09 فبراير 2019

لاهُوتُ الوَقْتِ للوَقْتِ عَلاَمَةٌ

في أي امتحان يكون للوقت علامة، بحيث تكون الإجابة الصحيحة بعد انقضاء الموعد المحدد بلا معنى، لأنها أتت في الوقت الضائع، وبالتالي يكون للوقت الحاسم في تحديد العلامة المؤشر الدقيق للمستوى الذي يؤهل الممتحن للوصول إلى أعلى مستوى. لذلك بكل الجهد نفتدي الوقت، كما نصلي قائلين: (تُوبي يا نفسي ما دُمتِ في الأرض ساكنة) لأن هذا العمر ليس ثابتًا وهذا العالم ليس مؤبدًا. علامة وقتنا هي أعمال الملكوت؛ من دون التعريج بين محبة الله ومحبة العالم؛ إذ لا يمكن أن تنظر إلى السماء بعين وتكون العين الأخري ناظرة إلى الأرض في نفس الوقت؛ حتى تبلغ الشرارة مكان زيت النعمة، وتخرج قوة عظيمة من أيادينا، ولا نسلم إناءنا ليد عدونا الشرير، الذي يزأَر ليُلهينا حتى يختطف إناءنا، التي هي أشواقنا الصالحة التي يجب أن تخدم الله نهارًا وليلاً وكل الأوقات. فعلامة وقتنا هو امتحاننا وسلوكنا على طريق الملك، محروسين بعناية الملائكة القديسين ليلاً ونهارًا، مع كل السالكين بالنهار وبالليل، الذين يجتهدون من أجل حفظ نفوسهم من عثرة المهالك، فيكون تعب جهادنا حلوًا وشهيًا بلا ملل ... لأن الطوبىَ لمن يبقى في تعبه فرح القلب؛ ويدوم فيه بلا تكلف حتى باب الفردوس المفتوح. وكل واحد عمله محسوب له، إن كانت خدمة أو صلاة أو ميطانيات أو عمل خير أو ليتورجيا، فحتى الكلمة الواحدة التي يقولها الإنسان بالمحبة المسيحية في شأن الله للتعزية ... هذا كله محسوب؛ لأن مخلصنا لا يظلمنا بشيء، وكل شيء سوف يُستعلن لنا وقت خروج النفس من الجسد . الإنسان مدعو في حياته الأرضية أن يجعل من الزمن الحاضر وسيلة لتذوق الأبديات، على مسار تصاعد الزمن، لملاحظة علامة الوقت بحرص والالتفات لتحويل بصره في انتباه نحو الوقت المقبول، لأن اليوم يوم خلاص، ويوم غرس وزرع وجمع للحصاد وتخزين، فيكون خلاصنا دائمًا موضع سعي وإكمال، ولا سطوة للزمن علينا، بل يكون الزمن خاضعًا لنا، نقر ونختار مصيرنا، متحررين من المفهوم الدائري للزمن، متجهين إلى أبديتنا في اليوم الثامن الجديد. نملأ آنيتنا زيتًا دون أن نهمل فيها ثقبًا، حتى نصل إلى نهاية سعينا التي هي (علامة للوقت)؛ لئلا يصير الإناء فارغًا مما فيه، بل نحيا أمناء للوصية؛ لأن الله مخفي فى وصاياه، حتى يقبل تعبنا منا ولا يضيع ... حريصين على حالنا مميزين أعمالنا، ولا يلحقنا تفريط. عالمين أن التوبة قائمة الآن ومستعدة، وكل الفضائل تلحقها مثل السلسلة لكل من يجاهد فيها. وشأن التوبة جليل وعظيم، وهي حسنة العاقبة إلى الأبد، كسُلّم خيرات الحياة الدائمة. فنحيا ونجتاز وقتنا دون غفلة ولا استرخاء ولا دفن للوزنات ولا انعدام للنعمة بترك العلل والمطامع في نفوسنا، حتى نمضي إلى الرب بدالة، ووجوهنا مكشوفة وأعمالنا نيّرة؛ كي نستحق الدخول إلى أورشليم السمائية . لكننا لن نقوي على اجتياز الوقت، إلا بقوة ونعمة الله المقدسة، لا نميل يمنة ولا يسرة؛ بل نسلك في الطريق المستقيم كأولاد للنور، بذبيحة الروح المنسحق الخاضع لترتيب الروح القدس، والارتماء على الله والثقة به؛ لأن عنده طعام الفرح وخبز الخلود؛ ومَصل عدم الموت ونبع الخلاص وماء الحياة وحلاوة كل الحلاوة . إيماننا هو منبع التقوي، لذلك منذ الآن ينبغي أن يكون كل واحد منا كنيسة لله، لكي نرسل إلى فوق المجد والإكرام للثالوث الاقدس، باعترافنا بالإيمان الأرثوذكسي. مهتمين بكرمنا في أوان الإثمار؛ حتى لا ندع الثعالب المفسدة تُتلفه، وبشجرة حياتنا لئلا يبدد طرحها طيور السماء، وبكنزنا حتى لا ينقبه السارقون، وبمركبنا التي وسقت الخيرات الملكية لئلا يفسد العدو خطتها ... متمنطقين كجنود بأس في ميدان الركض، حتى يأتي وقتنا لنقول عند علامة النهاية يا ربي يسوع المسيح في يديك أستودع روحي .. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
15 ديسمبر 2018

سَهَرَاتُ كِيَهْك فِي التَّقْوَى الشَّعْبِيَّة

التقويم الليتورجي الذي تأسس في الكنيسة صار طريقنا التقليدي الرسمي للدخول في عمق الروحانية الأرثوذكسية... وقد صارت التسبحة الكيهكية فرصة لخبرات روحية وتأملية عميقة، وفيضًا لملء داخلي نناله، وتظل يُنبوعًا باقيًا في مسيرة الكنيسة... ذبيحة الروح المنكسر... ذبيحة البر... ذبيحة التسبيح ومحرقات سمينة مع بخور وكِباش تستقيم قدام الله الذي أعطانا روح البنوة لنسبحه ونباركه ونزيده علوًا إلى الأبد. في كنيستنا - (كنيسة التسبيح والترتيل والترنُّم) - صارت سهرات الشهر المريمي ممارَسة تَقَوية شعبية، نجتمع فيها بالأحْقاء الممنطَقة والسُرُج الموقدة مع كل الجموع الساهرة العابدة من عبيد الله القوي المتعالي، الذي غُلِب من تحننه، وأرسل لنا ذراعه العالية وأشرق لنا جسديًا... نسهر بنور اليقظة التي لا تغلبها الظلمة، منتظرين إشراقة رب الأرباب ومُنشئ الأكوان. ناهضين مع كل بني النور لنسبح رب القوات الذي اتخذ شكل العبد، ومجد ربوبيته غير منفصل عنه، نستقبل ميلاده في مجيئه إلى الأرض القفرة كي يفدينا ويهزم حِيَل الشيطان. لقد صارت سهرات كيهك متجذرة في التقوى الشعبية القبطية، حيث نقف جميعًا في وسط الجماعة في كنيسة العهد والوعد، سفينة النجاة لنسبح ربوات مضاعفة، ومسيحنا يقود قلوبنا قبل أصواتنا، لأنه هو المركز في وسط خورس المسبِّحين... نجتمع اثنين أو ثلاثة بل وألوف، حيث يأتي العريس للمنتظرين مجيئه الوشيك. وهكذا يكون شهر ديسمبر (كيهك) بجملته زمنًا يأخذ مَنحىً استعداديًا بالصوم والتسبيح، كي يأتي ويحل ملكوت الابن الوحيد الكلمة المتجسد... هذا الملكوت الذي نتدرب عليه في الكنيسة ونبدأه منذ الآن، بعد أن دخل المسيح إلى التاريخ بتجسده الإلهي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، لا ليلغي إرادتنا بل ليسند ضعفنا ويحيطنا بوصاياه المعطية الحياة. لم يأنَف من مشاركتنا بشريتنا، لكنه أهَّلنا لشركة ميراث النور... إنه (الألف) الذي جاء لتحقيق (الياء) بتدبير الخلاص الثمين، وليخلصنا من خطايانا ويكون لنا عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا. تفيض سهرات كيهك بالتسبيح والمدائح. نعترف ونمجد ونشكر فضل إنعام المسيح مخلصنا الذي رفع شأن طبيعتنا، وصار آية ومعجزة خلاصنا، عندما أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له... كذلك نمجد كورة الفرح، الملكة المشتملة بالنور والحُلة، وننطق بطوباوية سيدة الأكوان، ست الأبكار على العشرة أوتار، لأنها أول مذبح في التاريخ... ونقول لها: يا أمنا يا عذراء إحنا ولادك. ونمدحها قائلين: سَبَاني حبك يا فخر الرتب، لأنكِ عَجَب من عَجَب... ومدحك زاد قلبي فرحًا وجعل نفسي تنشرح... فمَن يمدحكِ شطرًا تشفعي فيه ألوفًا. وتأخذنا الكنيسة في تسبيحها الليتورجي إلى البشارة والميلاد، بداية الأعياد وأساس كل المحطات في طريق خلاصنا، حيث تجسد المسيح وأتى إلينا، وينتظر إرادتنا وقبولنا وتجاوبنا مع نعمة تجسده، ليصير واقعًا شخصيًا وكنسيًا وكونيًا... نلهج الهوسات والثيؤطوكيات والمدائح والطلبات والطروحات... نسجد مع الرعاة ونقدم هدايا المجوس للملك المولود، ونسبح (الذوكصا) مع القوات السماوية، ذكصولوجية مجد الله وسلام الأرض ومسرة الناس والرأي الحسن، وسط الأخبار السارة لاستعلان ظهوره في هذا العالم مُعلنين مجده كإله مولود في الجسد من عذرا بسر عجيب. يختبر الساهرون دسمًا وزخمًا روحيًا وقلبيًا عندما يتجاوبوا متأملين حضور المسيح فيهم وقبولهم معرفة السر، فبالتجسد الإلهي بطُلت الأفكار الفلسفية التي تجعل الله في حيِّز المبدأ والفكرة... وأن ما تربطه بالإنسان مجرد شريعة أو تعاليم، متذوقين عظمة سر التقوى في عبادة وفرحة عقلية... لأن آدم الحزين استرد رئاسته/ لأن آدم خلص من الغواية وحواء عُتقت من طلقات الموت/ لأن آدم الأول من التراب دخل إلى الفردوس وسُر خاطره/ لأن زلة آدم قد انحلت وتم خلاص ما قد هلك، بل وصار آدم مدنيًا في السموات/ لأن آدم الأول صار مردودًا إلى الفردوس دفعة أخرى، وصار الصلح به موجودًا، وقد كمل السر المعهود/ لأن كتاب عبودية آدم وحواء قد تمزق، وهما قد تحررا/ لأن الخطية عندما كثرت تزايدت النعمة وتفاضلت/ لأن بيت لحم مدينة الأنبياء ولدت آدم الثاني، والمغارة قد أشرق منها مجد اللاهوت الذي لخالق الأدهار. وتُدخل عبادة السهرات الكيهكية فرحة العبادة وبهجتها في نفوس العابدين بتعزية وتثبيت وتقوى ورجوع بغير ترفع... نعطي التسبيح والسجود لعظمة إلهنا العجيب الصانع الإحسان الذي يعول كل أحد بكل نوع... من اجل سر تجسده الناطق، مسبحين علانية بأحلى لهجة وبصحيح اليقين نفسًا وعقلاً ولسانًا، مرنمين بقيثارات روحية للثالوث القدوس، ناطقين بتماجيد حسنة متفقة مع الأجناد النورانية والطغمات الروحانية، مُصَلين من أجل الحُضَّار والغياب، بالأصوات الشجية والمديح الحسن بفنون. إن شعبنا التقي الساهر المحب لكنيسته - (قُم وانهضْ يا مسكين، وإلبس ثوب اليقين) - يستعد للعيد العذروي البتولي بالفرح الروحاني مع تهليل الخليقة بمجيء المخلص وكمال كل المكتوب... جاعلين الخدمة حية بقانون الصلاة وفكر إيمان الكنيسة المجتمعة، التي نُقيمها ونذوقها... فتذوب المسافات وتتحد الأجيال وتلتقي النبوات والمواعيد وتتجمع الأزمان والأوقات في ذلك اليوم... الذي فيه تلد البتول الفائق الجوهر، والأرض تقرب المغارة لمن هو غير مقترب منه، ونتطلع إلى المضجع في المذود، ونبصره كإله مالك لكل شيء، الضابط الكل، ساهرين مرنمين بالمشيئة الصالحة... شاهدين بعبادتنا (رأينا وشهدنا) شهود لله، لأنه شاء لنا ان نكون له شهودًا حتى يكون هو لنا بدوره شاهدًا ومخلصًا ومدافعًا من ضربات المكار. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
03 نوفمبر 2018

عِظَةُ القُدَّاسِ الإِلَهِيِّ

كانت عظة الرب يسوع المسيح ؛ التي وردت في إنجيل لوقا ( 6 ؛20 )هي التي أعطت المفتاح لما كان آباؤنا في القرون الأولى يفعلونه في كنائسهم، أثناء الليتورچية الإلهية ؛ تلك التي تطورت حتى ازدهرت في أيام العلّامة أوريجين وديديموس الضرير. والعظة تأتي ضمن قداس الموعوظين (قداس الكلمة) لتكون توزيعًا له ، وخطبة للعريس الحمل ؛ الذﻱ نتحد به اتحادًا وثبوتًا متبادلاً في (قداس المؤمنين) ؛ عند تناولنا من أسراره الإلهية وقت التوزيع ؛ إذ لا يوجد فصل بين الكلمة المقروءة على المنجلية والكلمة المذبوحة على المذبح ، ولهما وحدتهما الجوهرية التي لا تنفصل. وعظة القداس لو أُلقيت على أصولها ، تكون موضوعة للتأكيد على ارتباط قراءات قطماروس القداس بالافخارستيا ، ولتبرز الوحدانية بين الليتورچيتين.. فهي توزيع للكلمة التي تؤهلنا لنكون أنقياء من أجل الكلام الذﻱ كلمنا به مسيحنا ؛ حتى يتسنَى لنا الارتباط وشركة أسراره الذكية السمائية .. لذا العظة هي جزء حيوﻱ من القداس ؛ يأتي في سياق ليتورچي للخدمة السرائرية ، موضوعة بين قسمَي القداس لتربط كرازة الإنجيل بالافخارستيا ؛ حيث مركزنا الواحد شخص ربنا يسوع المسيح محور اجتماعنا (كموعوظين ومؤمنين). نستمع إلى تفسير فصول الكلمة في عظة تتبعها شركة افخارستيا ، فنأخذها بجدية وإلتزام ووقار ، واقفين بخوف أمام الله ؛ سامعين كلمة الإنجيل المقدسة ؛ التي وضعها الطقس الليتورچي لتجعل مسيح الإنجيل حاضرًا معنا في العلية ، فتنفتح أعيننا ويمكث معنا ، عندما نصنع ذكر آلامه المقدسة ؛ ونقرِّب له قرابينه من الذﻱ له ؛ على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال ، لا بإعتباره فعلاً ماضيًا ؛ لكن كفعل حاضر ومضارع ومستمر ، حتى مجيئه الثاني الآتي من السموات ؛ المخوف المملوء مجدًا ... وهنا يكون القداس كرازة بالإنجيل في كل ملئه ، وتُستعلن الكلمة مسموعة ومقروءة ومرنمة ومأكولة ومشروبة معًا ... حيث يكون الإنجيل (ليتورچية) والليتورچية (إنجيلاً) في بنية عبادة مُحْكَمة الارتباط والتكوين البنيوﻱ... كلمة منطوقة افخارستيًا ، ترتبط ببعضها ارتباطًا لاهوتيًا وروحانيًا مع كل ما تحمله من خبرة تقوًى روحانية ؛ فلا نعود نميز بين من (يفسر) من ... الإنجيل يفسر الافخارستيا ؛ وهي بدورها أيضًا تفسره. إن عظة القداس فعل ليتورچي كامل ؛ تأتي بعد القراءات ؛ شاهدة لكلمة الله الحية؛ لا في حبر وورق ؛ ولكن معطاة على المذبح خلاصًا وغفرانًا للخطايا ؛ وحياة أبدية لكل من يتناول منه... نستمع إلى القراءات الموضوعة في القطماروس حسب ترتيب السنة الطقسية الليتورچية ، ثم تأتي العظة لتعد المؤمنين وتذكِّرهم بأنهم قد صاروا هكذا ؛ وأنهم لم يعودوا موعوظين فيما بعد ؛ لكن عليهم أن يستعدوا مميزين مستحقين للاتحاد بالثالوث القدوس (واحد هو الآب القدوس ؛ واحد هو الابن القدوس ؛ واحد هو الروح القدس القدوس). فكما نتقابل مع ربنا ومخلصنا في جسده ودمه عند (التوزيع) ، نتقابل معه لنتأهل بالفهم والإدراك الروحي للالتقاء معه هو ذاته في كلمات الوعظ ، التي هي (توزيع قداس الكلمة). فلا نكون مجرمين في جسد الرب ودمه ؛ لأن من لا يبالي بكلمة الله لا يمكنه أن يميز جسد الرب عندما يتقدم إلى مائدته السرية ... نتزود في العظة ببذار الإنجيل إلى أن نقترب من العلامة المحسوسة لكلمة الله (جسده ودمه الكريميْن) ، نتعرف ونتحد به معرفة الثبوت ، ونقول "ألم يكُنْ قلبنا ملتهبًا فينا؟! إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب" (لو ٢٤ : ٣٠) ؛ وكلمته المشروحة التي توزع في العظة تعلن الافخارستيا في معناها وقوتها ؛ لأن رسالة الإنجيل المعاش هي وحدها القادرة على السماح لنا بالاشتراك في صبغة ذبيحة كأس مسيحنا الأبدية. لكي وبهذا تقدم العظة الخلاص المفرح لمن يأخذ كأس البركة ويتناول ويدعو بإسم الرب ؛ ويوفي له نذوره ويرد له إحساناته ... عظة مبنيّة على ما تتضمنه قراءات الإنجيل الخاص المختار لقداس اليوم ، مشروحًا بالآباء ومعاشًا في القديسين ؛ ومختبرًا في الليتورچيا ؛ ومترجمًا عمليًا في الحياة والسلوك. وبذلك يكون مضمون عظة القداس متمحورًا حول القراءات ، وهي بمثابة برقع أو مرآة لصعيدة الكلمة بنورها المحيي ، مربوطة بخدمة الليتورچية وبرسالة الدخول في الاتحاد مع الله والبقاء في علم معرفته الإلهية ؛ عندما تتحد بالأذهان لتدرك التعاليم الإنجيلية، فنسمع ونعمل بها بطلبات القديسين .. معتقدين وعاملين ما يرضيه . وقد قيل عن الكنيسة نفسها "أما كلمة الله فكانت تنمو وتزداد" (أع ١٢ : ٢٤) وبالافخارستيا نتحد بذاك الذﻱ أتى وسكن بيننا في أقواله وكلامه. على الواعظ أن يربط بين كلمة البشارة وسر الافخارستيا ، لتكتمل كلمة الإنجيل في الأسرار وتصير معقولة ؛ حتى وإن كانت - غير مرئية - من المرئيين ؛ وكأن الواعظ يمثل الكاهن الأعظم ؛ موزعًا الروح والحياة من على منبر الكنيسة ، ومبقيًا على بقاء الخيوط التي تربط كلمة الله بالسر المقدس ؛ منسوجة بإحكام ، تأكيدًا على أن الكنيسة وحدها هي الحارسة والحافظة للمعنى الحقيقي للكتاب المقدس....لاننا بعد العظة تنكشف لنا الاسرار الهية غير المائتة،وماتم الانباء عنه بخصوص حضور الملك المسيح وسر تجسد الكلمة ،الذي نخدمه بالانافورا وتقدمة الكلمة ونشترك في لاهوت الكلمة وعمل محبته الالهية ...نسمعه ونعيش ونشترك ونقتني حياته وحضوره،وما كنا ننتظره ونتهيئا له قد اتي الينا وجذبنا لاكتعليم لكن كحدث وفعل شركة ،وقد اكتملت الكلمة الممنوحة ،وصارت منظورة كل يوم علي المذبح . وبحسب قوانين وتقليد الكنيسة الأصلية ؛ يجب أن يكون الواعظ أحد الرتب الكهنوتية الثلاثة : الأسقفية أو القسيسية أو الشماسية ؛ ومن المشهود لهم ، فكان من أشهر الآباء الوعاظ في الكنيسة الأولى أثناسيوس الرسولي وكيرلس الأول عمود الدين وأوغسطينوس وكبريانوس القرطاجي وأمبروسيوس وذهبي الفم وكيرلس الأورشليمي . هذا وقد رتبت الكنيسة أوشية خاصة من أجل عظة الموعوظين. القمص اثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
25 يناير 2022

عِطْر التَّجَسُّدِ الخَلاصِي

يدعو التقليد القبطي القديس كيرلس عمود الدين (ختم الآباء) كذلك يعتبره دكتور التجسد.. فقد أبدع واستفاض في شرح سر التجسد الإلهي، وجمع في تعليمه ما قاله السابقون له وأبرزه في صورة واضحة متكاملة. رأىَ أن التجسد سر يُعبد في صمت إيمان بدون التواء، لأنه فائق للوصف، عميق وسري ولا يُنطق به، فائق للعقل… ففي المسيح حل كل ملء اللاهوت جسديًا، ويرمز القديس كيرلس لسر التجسد الإلهي بالتشبيهات: العليقة، جمرة اشعياء، اتحاد النار بالحديد، النار والماء، تابوت العهد. ذلك الاتحاد الأقنومي هو اتحاد اللاهوت بالناسوت، طبيعة واحدة للكلمة المتجسد… من غير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، هذا الاتحاد الأقنومي ليس نسبيًا وليس مجرد سُكنَى ولا مشاركة، بل اتحاد غير قابل للانفصال، إذ لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة ولا طرفة عين... اتحاد حقيقي طبيعي وجوهري، فالمسيح هو واحد من اثنين (لاهوت وناسوت في وحدة حقيقية). تجسَّدَ الكلمة وحل بيننا وفينا بالنعمة لكي يوحدنا به، ولكي يرفع الذي بلا كرامة إلى كرامته الخاصة، فنغتني نحن بشركته، ونستمد منه نعمة التبنّي وننعتق من الفساد. ذلك هو سر المسيح؛ سر الاتحاد الفائق الذي تم في المسيح بين اللاهوت والناسوت عندما جعل الاثنين واحدًا (لاهوت قدوس بغير فساد، مساو للآب في الجوهر، وناسوت مقدس بغير استحالة، (مساوٍ لنا كالتدبير). بتجسده وحّدنا به بكيفية؛ هو وحده يعلَمها، سرية فائقة… وتجسده هو وسيلة اتحادنا به، وهو غاية غنى شركتنا معه، وهو سبب نوالنا نعمة البنوية، فهو من جهة متحد بالبشرية التي يتوسط لها، ومن جهة أخرى بالله الآب، فهو بطبيعته إله حق من إله حق، غير منفصل عن جوهره الذي وُلد منه.. ومن جهة أخرى هو الابن المتجسد الذي شابهنا ليوحدنا بالله بواسطة نفسه، أي أن المسيح هو بعينه إله وإنسان واحد، يوحد في نفسه الإنسان مع الله؛ ويعطينا الإمكانية للاتحاد وللشركة وللبنوية ولغنى الميراث، إنه حلقة الوصل الذي يجمع الله بالإنسان لأنه واحد مع الآب في الجوهر بحسب الطبيعة، ومن جهة أخرى هو ابن الإنسان الكلمة المتجسد. بتجسده صرنا أقرباء لله الآب، وشركاء في طبيعته الإلهية ونلنا غنى التبنّي، صار مثلنا لنصير مثله أبناء، صار ابنًا بكرًا بين إخوة كثيرين لنصير نحن فيه وبواسطته أبناء لله.. صار بكر القديسين، وهو نفسه الباكورة للذين يولدون من الله بالروح، أي الذين وُلدوا لا من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشئية رجل؛ لكن من الله. صار مثلنا ليحررنا وينقلنا إلى حرية مجد أولاد الله، فنُدعى أولاد الله بالنعمة، بينما هو ابن الله الوحيد بالطبيعة... هو هيئة وشعاع وصورة وحكمة الله الآب؛ الذي كان من البدء وارثًا لكل شيء وبه أيضًا عمل العالمين. إنه يتصور فينا ويغيرنا تغييرًا جذريًا ويُرقّينا إلى كرامة رتبة البنين؛ فنترك صفاتنا البشرية البهيمية، ونتغير لصفاته هو... تنطبع فينا صورته وبهاؤه عندما يضيء في نفوسنا بالتقديس، ونقبل نحن عمله فينا بالطاعة والقبول وتوافق الإرادة (السينرجي) Συνεργεία ومن ثَمَّ نخبر بأعماله الكريمة، وبفضل هذا التدبير الإلهي العجيب والذي به خلّص الله العالم ووضع على كل واحد منّا نِير ملكوته.. مسيحنا المولود مع كونه إلهًا؛ تراءَى لنا وأخذ شكل العبد، ولم يتوقف عن أن يكون على ما كان عليه قبل التجسد.. فقد أتت القوات الناطقة التي في السماء تحمل الأخبار المفرحة لاستعلانه وظهوره في العالم... كذلك أعلن نفسه للساهرين من الرعاة الروحيين؛ حتى يبشروا الباقين ويعلنوا مجده كإله مولود في الجسد من امرأة بسرّ عجيب من العذراء مريم ومن الروح القدس. أخذ شبهنا واتخذ صورة عبد؛ إلا أن مجد الربوبية ظل ملازمًا له بغير انفصال، الابن الوحيد صار جسدًا ليرفع الشقاء عن جنس البشر، وليعتقنا من لدغة الموت، وليحل عنا سطوة اللعنة، ويزيل سلطان الموت ويدين الخطية.. وبميلاده انكسر طغيان الشيطان وسُلبت قوته، ومن ثم تصالحنا نحن مع الله وتمتعنا بمجد الأعالي وبمسرة وسلام وإيمان وبر أُناس الله ذوي المشيئة الصالحة. فالسر الحاصل في المسيح قد صار بداية ووسيلة لشركتنا ووحدتنا وبنوّتنا في الله؛ بعد أن غرس نفسه فينا باتحاد لا يقبل الافتراق؛ فلا نُدعَى بعد أولادًا بالجسد؛ بل نتحول بالحري إلى ما هو فوق الطبيعة، فنُدعى أولاد الله بالنعمة – الكلمة صار مثلنا لكي نصير نحن أيضًا على مثاله - على قدر تجاوبنا وتجديدنا الروحي وقبولنا النعمة... وضع المسيح نفسه لكي يرفعنا إلى رفعته الخاصة، ولبس صورة العبد مع كونه بحسب الطبيعة هو الرب، لكي يجعل الذي هو عبد بالطبيعة يرتقي إلى مجد التبنّي على مثاله هو، أخذ لنفسه ما هو لنا؛ وأعطانا في المقابل ما هو له، فلا نكون مرفوضين بل نحيا به ونكون فيه ونثبت فيه؛ وإليه نأتي؛ وعنده نصنع منزلًا؛ وننال عطية الحياة الإلهية وغنى رجاء المجد. اتحد اللوغوس بطبيعتنا لكي يشفيها ويخلصها ولكي يغرس نفسه فينا بوحدة لا تنحل ويجعلنا أقوى من الموت والفساد. لبس جسدنا لكي يقيمه من الموت ولكي يجعلنا نُوجَد فيه، ولكي يخلصنا ويزجر حركات الفساد التي فينا، ويقيم طبيعتنا البشرية كلها، ويجعلنا منتسبين إليه بامتياز خاص. دخل الابن الوحيد البكر إلى العالم وسجدت له كل ملائكة الله، ورغم أنه هو الابن الوحيد من جهة ألوهيته، إلا أنه صار أخًا لنا وهو الباكورة لتبني البشرية، جاعلاً منا أبناء لله... وهو البكر من جهة التدبير، إله حق من إله حق، وحيد من وحيد، إله أشرق من إله، نور من نور... اضطجع في مذود ولم يكن له موقع في منزل، وضع نفسه مثل علف المذود ليرفع حياتنا الحيوانية إلى درجة التعقل والبصيرة، وقربنا إلى مائدته الخاصة لنجده جسد وخبز الحياة والخلود النازل من السماء.. إنه لم يزل كما كان قبل أن يتجسد، فأتت القوات السمائية بالأخبار المفرحة عن ظهوره، وكان الرعاة الساهرون أول من حصل على معرفة السر. رب الكل في شكل عبد، لكن مجد ربوبيته غير منفصل عنه، مجده أضاء علينا وتهللت الخليقة كلها بمجيئه، صنع سلامًا مصالحًا الجميع، جامعًا فيه كل الأشياء، الذين في السماء والذين على الأرض، رافعًا من وسطنا الذنب المؤدي للعداوة موحدًا ومصالحًا الجميع.. افتقر وهو الغني لكي يغنينا بفقره، أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له، أخذ شكل العبد لكي ينعم علينا بما له، فصرنا نحن على ما هو عليه؛ بسر عظيم وحقيقي ومكرم جدًا. إن الكلمة الذي هو بهاء مجد الآب ورسم جوهره الذي هو صورة الله، هذا الكلمة هو بنفسه وبعينه صار شكلنا وأخذ صورة عبد؛ جعل جسد البشر جسده الخاص. هو نفسه إله وإنسان معًا. الكلمة منذ الأزل جاء ووُلد في الزمان جسديًا من العذراء مريم ومن الروح القدس. احتفظ بطبيعة اللاهوت وبطبيعة الناسوت؛ احتفظ بهما معا في طبيعة واحدة، طبيعة الإله المتأنس، الجسد لم يتحول إلى طبيعة اللاهوت ولا طبيعة كلمة الله التي تفُوق التعبير تغيرت إلى طبيعة الجسد. لأنه غير قابل للتبدل أو للتغيير. حينما كان منظورًا، وكان لا يزال طفلاً مقمطًا، وكان في حضن العذراء التي حملته، فإنه كان يملأ كل الخليقة كإله "الرب يسوع المسيح هو واحد "(١ كو ٨ : ٦) هو عمانوئيل الله معنا وما يقال عن أنه كان ينمو في القامة وفي الحكمة وفي النعمة (لو ٢ : ٥٢) يخص التدبير؛ لأن كلمة الله سمح لبشريته أن تنمو حسب خواصها وقوانينها، لكنه واحد مع الله في الجوهر، له نفس الطبيعة والسلطان والقوة والعمل والطاقة والإرادة والمشيئة. بالتماثل والتساوي والمشابهة.. في عيد ميلاده أظهر محبته وقبوله لنا ونقض أعمال إبليس ليطهرنا من كل خطية ويبدد عنا كل معقولات الشيطان والضلال، به نحيا حياة النور والحق والقداسة والمعرفة الحقيقية والكمال والثبات فيه والبصيرة الأبدية. لقد وُلد ليولد فينا لا لنُحيي هذه المناسبة، وُلد في التاريخ ليولد فينا، لا لمجرد أن نحيي ذكرى ولادته. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
29 سبتمبر 2018

تدبير خدمة الرعاية

عمل التدبير الكنسي كالخيط المحكم يجمع الحزمة الروحية ويدبرها... عملاً مسكوبًا موهوبًا إلهيًا ، ليكون إدارة الله وعمله فينا ، بالسهر على مواهبه وحفظها ؛ لأن التقديس والتدبير لا يأتي من التقليد ، لكن من عمل الروح القدس في المدبر ... وجميعنا يعلم أن إحراز الانتصارات إنما يكون بإيمان القائد أكثر من شجاعة الجنود، فإبراهيم دخل المعركة ومعه ٣١٨ رجلاً واسترد الغنائم من الأعداء الكثيرين ؛ وبقوة تلك العلامة التي كانت إشارة إلى صليب مخلصنا واسمه (T I H) قهر قوة خمسه ملوك مع جيوشهم ونال النصرة وفدى ابن أخيه لوط... وبالمثل فإن يشوع انتصر بصوت سبعة أبواق مقدسة وبمعونة ميخائيل رئيس جند السماء ، هكذا كل مدبر حقيقي يحمل روحًا رئاسيًا للتدبير لا تدبير بدون المدركات الإلهية : التي بها نُعطىَ عينًا مقابل عينٍ ، وأُذُنًا مقابل أُذُنٍ، ورأسًا مقابل رأسٍ ، فلا تدبير إلا بإقتناء امتيازات حكمة أبي الأنوار ، التي تجعل المدبر كله نورًا وعينًا ... كذلك لا تدبير ناجح من غير محبة وتقوَى إنجيلية متسعة ، وعكس ذلك ليس في مجال خدمه المسيح ؛ لأن منطق العالم أو ما يسمى "بالدَهْرَنَة" تقترن فيه الأولية بالسلطة والسطوة والقوة ، لذا يعتمد البطش والقهر والدس أسلوبًا ، أما منطق كنيسة المسيح هو تواضع القلب والدعة وحمل نير راحة النفوس بكل إتفاق روح ... فكل أساليب العالم الدهرية بما فيها من ذات ومراوغة تعطل الخدمة وتبطل ماهيتها ، لأن الأول في الخدمة هو الخادم الذﻱ على مثال العبد المتألم والفقير الأبدﻱ ، الأول هو في بذله ، في محبته ، في تجرده ، في أن لا تكون نفسه ثمينة عنده ، إذ لا مجال في الخدمة للإستئساد والتسلط على الأنصبة ولا للإكتناز وتخمة المقتنيات كل مظاهر وشكليات تُحدث تباعدًا أو فجوةً بين الفكر الكتابي والأساس الليتورچي وبين الواقع الكنسي ، لا بُد من التوبة والإقلاع عنها فورًا وبالمطلق ، لأن الروح المجمعية والشركة واحترام المواهب وتكميلها يصب في خانة الكمال المسيحي ، مع عدم الاستغناء عن موهبة ما . لهذا تحرص الكنيسة في تسبحة باكر النهار أن نرتل معاً "ها ما هو الحسن وما هو الحُلو إلا إتفاق أخوة ساكنين معاً ... متفقين متحدين بمحبة مسيحية إنجيلية رسولية كمثل الرسل" عندها تلتئم الكنيسة لعمل الخلاص غير مستغنية عن أحد إن الصراحة والإنفتاح لا تجعل القشور متربعة في المركز بدلاً من الجوهر المطلوب ، لذلك غياب التواضع الإنجيلي ، يلغي الحوار ويهمش المشورة ويشرخ الجسد ، الأمر الذﻱ يحجب خيرًا وصيدًا كثيرًا ، ويقف حائلاً أمام إلتقاط المواهب واكتشافها وتوظيفها وملاحظتها وما أصعب غياب الإحساس الكنسي بإكتشاف وتطوير المواهب والطاقات المتجددة ، الأمر الذﻱ يتسبب في إهدارها أو انحرافها أو وأدها ... فعلى عاتق الآباء والمرشدين الكبار في الكنيسة تقع مسئولية الاعتراف بالمواهب وتوزيع الأدوار وتجديد الطاقات وانتقائها بعناية ، وعدم تجاهلها عمليًا سواء بقصد أو بغير؛ لأن ذلك يصد التيار العام لديناميكية الكنيسة ، وبه ننكر عمل الروح القدس فيما بيننا ، عندما نختزل المواهب ولا نثق بها كذلك تدبير هذه الطاقات والمواهب ، يحتاج إلى تجهيزها وتأهيلها ، لأننا لازلنا على عتبات سلم التدريب الكلاسيكي ، ولازلنا نعتمد لغة خشبية في مواجه عالم نقدي لا يرحم ... والبداية تبدأ من رصد الطاقات الفكرية والتدريبية في الكنيسة ، ووضعها في مشروع بلورة وحضور واعد ، يمكن ان يحقق نقلة نوعية في خدمة كنيستنا المعاصرة ، لتكون محركاً أساسياً في بلورة التوجهات الخلقية "Ethique " المستقبلية ؛ لأنها مسئولة عن خدمة إنارة وقيادة العالم ، ومن ثم ينبغي أن تكون ورشة عمل مفتوحة وخلية نحل لفرز عسل الخدمة والكرازة بالبشارة المفرحة ... وتتميم رسالتها مع كل ذخيرة الكنيسة من صفوفها العاملة ، وفق جدول عمل يبني الكنيسة ويبقيها ويديمها نامية من جيل إلى جيل بمواهب الله التي تعين الوظائف الكنسية في الخدمة والتعليم والوعظ ورعاية النفوس لأجل تكميل القديسين وعمل خدمة بنيان الكنيسة حضور مسيحنا في خدمتنا وتدابيرنا ، لا يأتي إلا بالصلاة الدائمة والإنسكاب على كلمه الإنجيل والتلمذة ، فتصبح أعمالنا بالله معمولة ؛ لا وليدة ظروف وأحداث ونفسنة ، بل مقودة بالروح وملهمة بمعونة فائقة وعلم كلي Omniscience، علم يرى ويفحص كل الدهور وما وراءها ... وقد سبق المسيح وعلمنا التدبير وكيف أنه يتأسس بغسل الأرجل ، عندما غسل أرجل تلاميذه ليؤهلهم كي يعملوا ويعلموا فينالوا الطوبىَ ؛ لأن العبد ليس أعظم من سيده ولا الرسول أعظم من مُرسِلِهِ ، وقد جعل هذا طقسًا لكل الخدام والكهنة بكل رتبهم ، حتى لا يتعظم أحد ؛ بل يتدبر أخيرًا إن ضبط الخدمة وتصحيحها وإتقانها هو تكميلها ، الذﻱ يتم فقط بالإصلاح والتصليح والتدقيق وتكميل ما هو ناقص في كل عمل صالح ، كي يكون البنيان منسجمًا في وحدة الإيمان والمعرفة ، لبلوغ الهدف بالاتفاق الكلي في القول والنظر والفكر والعمل ، لأننا سُقينا روحًا واحدًا ، لو صدقت محبتنا ؛ لَنَمِينا جميعًا وتوسعت تخومنا لمجد الثالوث القدوس . القمص اثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج الأسكندرية
المزيد
22 ديسمبر 2018

التَّسْبِحَةُ الكِيَهْكِيّة أيْقُونَةٌ صَوْتِيَّةٌ

التسبحة القبطية هي مستودع خبرات الكنيسة، وهي ليست بهيِّنة، وكل من اختبرها وذاقها وفهم معانيها تأخذه، بحيث لا يجد ما يماثلها في الشمولية والدسم والعمق المستيكي الروحاني... ولغة التسبحة فن فنون بمعنى الكلمة. فن الآباء العظام وتقواهم وخبرتهم... لهذا أُلقي علينا نِير الفهم (تعالَ وانظر!!!) كلمة ولحنًا وعمقًا وسجودًا وتضرعًا وانسكابًا، في حضرة الله وسط شعبه وفي مسكنه ومحل موضعه المستعد. ويكشف قالب التسبحة الأبعاد الكتابية واللاهوتية والعقيدية والروحية، كسيمفونية إيمان الكنيسة وتراثها الحي المُعاش عبر الأجيال، الذي ينقلنا بالفهم الروحي لمعرفة الحق متجاوزين الحرف إلى الروح المحيي، وإدراك الحكمة عند شركة الطغمات السماوية وجماعة المؤمنين وملامسة حضور العريس السماوي، بعين الإيمان حسب وعده الصادق. وبهذا الإيمان عينه نسبحه ونمجده ونسجد له ونباركه ونتضرع إليه بيقين، لأنه معنا وفيما بيننا كائن ويكون، حيث يجتمعا الماضي والمستقبل ليلتقيان في الحاضر المكرَّس. يأتي الشكل الليتورچي للتسبحة الكيهكية دليل تثبيت لمعاينة سر التجسد الإلهي، عبر التعبير النطقي ونصوص الإبصلمودية التي تنطق بالحكمة والمعرفة الإلهية المقترنة باتفاق نغمات الخلاص في لغة صياغات مَحكية معبرة عن الحدث الخلاصي، وفي لغة مرنَمة موزونة ومفعمة بروح التعزية على قيثارات النفوس، داخلة إلى العمق في حضرة مجد الله... وفي نُسك فكري لتقديم الفكر وبقية العقل كذبائح معقولة لله، عبر تصوير نغمي مختبئ بين النغمات والخلايا الصوتية الموسيقية. ويتضمن الإطار الليتورچي للتسبحة كل أنواع الصلوات: التوسلات (Intercessions)، الصلوات (Prayers)، التشفعات (Supplications)، التشكرات(Thanksgivings) فهي مشحونة بالتضرعات والالتماسات والتوسلات والتعهدات والنذورات والتشفعات لأجل الكائنات وجميع الناس (١ تي ١:٢). لهذا تنسكب التسبحة كذبيحة عقلية غنية بالاصطلاحات والمعاني المليئة بالسمو، مثل لهيب لا يمكن إدراكه، ملتهم كل شيء حتى يصل ويُعلَم لدَى الله. في التسبحة الكيهكية نتجه إلى الله إله الكنيسة، نتضرع إليه ونناجيه بالإلهامات والإبداع في التعابير الليتورچية والمديح العبقري، عندما نخاطبه قائلين: يا الله مخلصنا/ الأزلي قبل الأدهار/ الكائن في مجد أبيه/ المهتم بنا والمدبر كل الأمور/ حامل خطية العالم/ الرب المرهوب/ الضابط الكل محيي الأرواح والنفوس/ إله خلاصنا/ الملك الديان/ الرب المعبود/ رب القوات/ الستار وحيد الآب مسياس/ النور الحقاني/ معدن الغفران/ رب الأرباب الفادي الكريم/ مدبر مختاريه/ الكائن في حضن أبيه، ابن الله الكلمة/ المشتاق لخلاص خليقته/ رب جميع البشرية، ملك المجد الواحد من الثالوث/ الله القدير/ رب وإله آبائنا مخلص كل أحد/ إله الرحمة وحياة كل إنسان محب البشر الصالح/ رب الدهور الحي بغير زوال/ الله الآب والابن والروح القدس ثالوث إله واحد رب جميع الآلهة/ الله المتعالي سيدنا القوي الكثير الرحمة/ ابن الله المُنزَّه/ مخلصنا الوسيط يسوع المسيح/ مسيا الرؤوف/ إله الآلهة عمانوئيل إلهنا/ ملك الملكوت الواحد من الثالوث/ المتكئ في حضن أبيه الذي هو فوق كل رئاسة/ صانع الخيرات الأزلي ذو الجلال الدائم إلى الأبد/ إله جميع الأحقاب ذو الاسم المرتفع/ إله إبراهيم الذي بسط يمينه، والجمع الممسوك مع آدم رفعه إليه/ الله المستريح في قديسيه/ الراعي العظيم الذي جمع المؤمنين وألَّفهم مع الملائكة وصيَّرهم وارثين لملكوته الأبدية/ الذاتي مع أبيه من جوهر الإله/ غير المنظور والغير المدنو منه/ المتسربل بالنور والساكن في النور الذي لا يُدنى منه/ ملاك المشورة العظمى/ الكائن والذي كان والذي أتى وسيأتي/ آدم الثاني المسيح الملك/ عمانوئيل مخلص العالم. وبمناداتنا بلجاجة على الله نلتحف بالفرح من أجل حضرته بالسلام والنصرة والحلاوة والبشرَى والكرامة، ومن أجل نوالنا رتبة الفرح والسرور بسرّ التجسد الإلهي الذي حوّل لنا العقوبة خلاصًا... من الحسرة والحيرة وحزن آدم النادم واكتآب الأرض المقفرة الذي صار لنا بالتدبير حُرية وبنوية ومجدًا وخلاصًا ونجاة من ضيق الجنوس ورِقّ الشيطان، والذي به بلغنا أرض الميعاد، وانمحَى الرِقّ وتمزق الصك ونلنا المراد. من أجل هذا نتهلل بالتسبيح والمديح اليسير، وتفرح نفوسنا التي كانت بهيمية (حيوانية)، وقد صارت الآن روحانية، واستمدّت قوام حياتها من قوة الحياة الإلهية، وتتزود زادًا روحانيًا يدسم روحها بدسم سماوي يملأها فرحًا ولسانًا ونعيمًا، فنتقوَى على من بنا يمكرون... وتتقوى شجرة الكنيسة بالتسبيح في السر والإجهار، حاملين هدايا مُرّ البخور والرضا، ولبان التسبيح، وذهب توبة النفوس لنبلغ مذود الملك المولود الآتي... غير المتجسد الذي تجسد، وغير الزمني الذي صار تحت الزمن... الحاضر معنا، وفيه قد خلصنا من الفساد، وتربّينا على معرفة إرادة الله. الكائن بذاته الذي أتى إلى الوجود في ملء الزمان ونلنا به التبني... وهو الملء الذي أخلى نفسه ليكون لنا نصيب في ملئه. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
18 أغسطس 2019

تمْجِيدُ العَذْرَاءِ مَرْيَمَ وَالِدَةِ الإِلَهِ ( Θεοτόκος)

فِي اللاَهُوتِ الأُرثُوذُكِسِيِّ تقليد كنيستنا برمته يحوﻱ تمجيدًا وتطويبًا للعذراء مريم على مدى الأجيال، وهو ليس منحة ممنوحة لها على وجه التخصيص الشخصي أو بصورة كيفية؛ لكنه مرتبط برسالتها داخل الخطة الإلهية لسر تدبير الخلاص. وكيف أن تكريمها ليس بمعزل عن دورها كمختارة لخدمة التدبير من أجل خلاص الناس وتتميم مقاصد الله الأزلية، كي بقبولها الحر المباشر تصير الشرط البشرﻱ الموضوعي للتجسد العجيب، وبإسهام إيمانها وطاعتها الفورية، وبطهارة تكريس نذرها صارت لها صلة فريدة.بالله الكلمة المتجسد . تارة بالقبول الكامل من جهة، وبالعطاء المطلَق من جهة أخرى، استحقت أن تكون كرمة حقيقية حقانية، حاملة عنقود الحياة، ومن ثَمَّ صارت شفاعتها قوية ومقبولة عند مخلصنا، تشفع في كل حي كحواء جديدة؛ وكأم قادرة رحيمة ومعينة، وسُور وحصن للخلاص تنظر إلينا من المواضع العلوية وزينتها في السموات. لذلك استشفاعنا بها وتمجيدنا لها ليس بحالٍ من الأحوال حالة عاطفية أو وجدانية فحسب، بل لها أساسها في اللاهوت الكتابي والكنسي المستقيم. وهي التي أوصت الكنيسة كلها عبر الأجيال كي تفعل كل ما قاله لنا ابنها وملكها ومالك الكل. فهوذا منذ بشارتها تطوِّبها جميع الأجيال؛ لأن القدير صنع بها عظائم، وقد أتى تمجيدها بشكل ثابت من مكانتها كوالدة الإله القديسة في كل شيء، وأم ملكنا ومخلص كل أحد؛ أصلنا ومركزنا الوحيد والوسيط الشفيع، الذﻱ به وعليه يستند كل شيء، ابنها الوحيد الجنس بِكرنا ورب الكل. فهي مكرمة من أجله، ومن أجل سر حياتها كعرش العليّ، ومن أجل بهاء ولمعان نقاوتها؛ عندما خضعت للإرادة الإلهية وصارت أَمَةَ الرب، وقبلت أن تحيا كقوله، ممتلئة من النعمة والرب معها، وظللتها قوة العلي؛ كون القدوس المولود منها يتجسد بسر معظم لا يُنطق به ومجيد. لهذا رأتها الكنيسة كيمامة جليلة تصيح بالفرح وببهجة الخلاص الثمين؛ لأن عنقود كرمتها قد أثمر رأس يُنبوع الحكمة بالفهم العالي، الذﻱ للإناء المستور قبل كَوْن العالمين، محتوٍ للنور من النور في حضن الآب كل حين... رأتها ككنز خفي حامل للأسرار وبها الوعد وُفِّي لسائر الآباء الأبرار، وهي أيضًا مظلة وينبوع وفجر مشرق بالتهليل، ليروﻱ ويُشرق ويبارك ويمنح البركات والخيرات؛ مزيلاً كل اللعنات. فمِنْ حقل كرمتها المشهور أتى الفائق الجوهر الذﻱ يفوق كل كنز أبهر. ومنها ظهر الزرع الإلهي المثمر وسط عالمنا المُقفِر.. وابنها الفادﻱ القدوس هو الذﻱ صَيَّر المشجوب مبرورًا؛ وأنار بخلاصه العالم كله، ولاح فجرُهُ بالإشراق على الجالسين في الظلمة وظلال الموت، فبينما هو صانعها وجنينها، وبينما هي بيده مبدوعة؛ إلّا أنه وُلد كصبي منها كالتدبير، وجعلها سفينة نجاة كنوح جديد. نجمتها بدرية وحقلها مبرور؛ لكنه مع كونه غير مُفَلَّح من ذاته إلا أنه فَلَّحه وسقاه روحه القدوس الصريح. وبه صارت رجاءً لمن خاب رجاه (أُم وعرش وعذرا) (بِكر وبتول وعروس)، وجعلها شفيعة ومعينة لمن يريد، ونموذج صلاح للتائبين والسالكين على الدرب، دواؤها يُبرئ التعبان؛ وقُوتُها فاق الأثمان وزهرتها روعة البستان، وثمرتها استُعلنت بالظهور المحيي بأجلى بيان، وأَمَة عروسة الديان. تمجيدها صار تعزية وبركة للصديقين والمستقيمين؛ لأنها ولدت مخلص العالم الذﻱ أتى وخلص نفوسنا من الموت والندامة، وتعظيمها صار لأنها أم نور العالم الذﻱ لا يُدنىَ منه، ملكة الكل التي قامت عن يمين الملك؛ وسلامها مليء بالروح القدس القدوس، وإيمانها ودعتها عاشتهما عندما آمنتْ بما قيل لها من قبل الرب. فآمنت وتكلمت وعملت واستحقت النعمة والفرح وشرف أن يكون مولودها قدوس القديسين، وبه أضحت هي المجمرة الذهب النقي الحاملة العنبر المختار، ومدينة أورشليم التي قيل عنها أعمال مجيدة، كسماء ثانية ومنارة ذهبية حاملة جمر النار وبخور العطر؛ حيث العليقة المرموز إليها كحاوية لجمر اللاهوت تسعة أشهر في أحشاها ولم تمسسها بأذِيَّة.. تابوتها مغشًّى بالذهب الحق من داخل ومن خارج، وقِسْطها ذهبي موضوع فيه من الحياة، وقد أفرخت وأينعت كعصا هارون، وصارت هي لوحا الشريعة الجديدة، وباب المشارق الذﻱ أتانا منه إله الكل ومجده ملأ البيت. أم وعذراء، ملكة وعبدة، دخلها الكلمة اللوغوس فصار صامتًا في بطنها. سكنها راعي الخراف الناطقة فصار حَمَلاً يحمل خطية العالم كله، حملته غنيًا قديرًا ومشيرًا ليعين المجرَّبين وينتشل الخليقة. تمجيدكِ يا عذراء في دوركِ الذﻱ حان في ملء الزمان، عندما أرسل الله ابنه مولودًا منكِ حسب مشورته الخفية، لتكوني خادمة لسر التدبير؛ كجسر الله إلى العالم؛ وكسُلَّم يعقوب الحقيقي حيث حَلَّت عليك الشكينة؛ وصرتِ مسكن الله مع الناس ومقر المجد الذﻱ بات هيكلاً جديدًا؛ وخيمة اجتماع ملكوتية الأبعاد، وما كان رمزًا؛ أضحى بكِ راهنًا. لذا أبدع الآباء في تطويبها؛ ووصفوا حِجَالها ومَعْمَلها وكنزها وشمسها وقمرها وسماء فضيلتها السرائرية؛ كمركبة نورانية شاروبيمية، تهيأت لحمل حامل كل الأشياء بكلمه قدرته. ووجدوها أصل كل تعظيم، وبسببها أعلن الانجيل (مبارك الآتي باسم الرب) لما أتى منها سيد الكل وقاهر الموت ومحطِّم الجحيم.. ولما خرج من بطنها صانع الخليقة الأولى ليُصلح فساد الإنسان الساقط، وبيده ملكوت السموات. نمجدكِ يا عذراء يا أمنا لأن ربنا يسوع وُلد منكِ حسبما أراد هو، وسكن في هيكلكِ الذﻱ بناه هو بنفسه، جاعلكِ مصباحًا لا ينطفئ وتاجًا للطهارة والفضيلة، وعتيق الأيام تجسد جنينًا في أحشاكِ وهو غير المحدود.. لذلك لا توجد كلمات بشرية ولا تعبيرات لغوية يمكن أن تصفكِ؛ ولا ألوان ترسم أيقونتكِ العجيبة يا ابنة داود، يا من سكن فيكِ الكلمة وحملتية ودللتيه وأطعمتيه، وكنتِ أمه في المزود والهروب إلى مصر وعند الصليب؛ وجاز فيكِ السيف من كل جانب؛ حتى نزوله على الصليب وتكفينه وقيامته وإلى صعوده في جبل الزيتون. فأنتِ من أرضعتيه من لبن محبتكِ وأجلستيه على ركبتيكِ، وصرتِ مثالاً للذبيحة السمائية، وأيقونة من أخذتْ النور والحق والحياة في حضنها، فمنحكِ الدالة عنده، وجعل بشارتكِ بشارة عهد النعمة وحضور الرعاة وسجود التسبيح ومجد الأعلى وسلام الأرض ومسرة الناس، ودخول الهيكل وحمل نور الخلاص وبصيرة الانطلاق. فأحشاؤكِ قلبت المعايير وحوَّلتها، حالما أتاكِ مُثبِّت الأنظمة وخالقها، وصنع عندكِ مكانًا لنفسه، وبقوته وخوافِيهِ حماكِ، ولا توجد لغة تعبِّر أو تقترب لتعبر عن هذا التدبير، الذﻱ به نزعتِ شوكة الفساد والموت واللعنة، والذﻱ به مات الموت وانهدم الجحيم وانغلبت الهاوية، وظهرت القيامة وأعلنت بصمتها لبراءة الكل من العصيان، وبجسد المخلص صنع الشفاء وختم كيانه على إنسانيتنا؛ مبارِكًا طبيعتنا فيه، تلك التي اتخذ عَجْنَتَها منكِ بميلاده العذراوﻱ الأسمى سمو السماء وعظمة الأبدية. القمص اثناسيوس فهمي جورج
المزيد
27 أكتوبر 2018

الدكتور بهجت عطا الله

(من رواد مدارس احد اسكندرية) خدم مدارس الاحد واجتماعات الشباب فى الاربعينيات ، والتى انطلقت من كنيسة العذراء "محرم بك" ، ثم بدأ خدمة فروع التربية الكنسية فى القرى المحيطة بالاسكندرية تحت قيادة القس يوحنا حنين ، حيث قاموا بعمل قوافل لخدمة الاحياء الشعبية - العضوية الكنسية - اجتماعات درس الكتاب للكبار - فصول مدارس الاحد . عاش الدكتور بهجت جيل كامل ، وقد عاش ظروف شعبه بصدر واسع وايمان عميق ، جعله يتخصص فى خدمة الكلمة واعداد الخدام والشباب . فصار اميناً للتربية الكنسية فى كنائس عديدة ، منها على سبيل المثال كنيسة العذراء محرم بك - كنيسة مارمينا فلمنج - كنيسة مارمينا المندرة ؛ والمشرف الروحي علي مجلس كنيسة مارجرجس ابو قير .؛ وغيرها من كنائس غيط العنب وابيس والطابية ... يجول يصنع خيرا . مهتماً بدراسات الخدام والتلمذة ، مفضلاً خدمة الخروف الضال والبعيدين وافتقاد الحالات الصعبة . والسعى لعمل خدمة متخصصة للفتيات الجانحات ، لجذب نفوس اولاد الكنيسة التى افتداها الرب يسوع بدمه الطاهر الكريم تميز بالملء والهدوء الحكيم ، والوعظ والتجوال لصنع الخير كسيده ، كذلك تميز بالعمق الخفى والرزانة التي بها صار ايقونة حلوة لخادم مدارس الاحد الذى يعرف قيمة النفس البشرية وافتقادها ، وحتمية الخدمة الفردية الخاصة كمحور وكنتيجة لفصول مدارس الاحد . عندما واجهت المذاهب البروتسطانطية التي جاء بها المرسل الاسكتلندي هوج ؛ حيث طاف بالاسكندرية ليسلب حفنة من ابناء الكنيسة السطحيين في العقيدة والمحمولين بكل ريح تعليم ، وقد استهواهم الشكل الاجنبي والاغراءات المادية ؛ الامر الذي جعل خدام مدارس الاحد ينتقلون الي افتقاد ورعاية البعيدين ؛ لاحتضان الذين ضلوا من جراء التعاليم المعسولة... لذلك سعي الخدام الي رد المخطوفين ؛ وتفنيد ادعائتهم المخادعة ؛ بدعوي شعارات : ( اللاطائفية ) ؛ واننا كلنا ( واحد في المسيح ) وان ( خلاص النفوس ) لاتتعرض للعقائد .. ومن هنا ذهبت القوافل الي القري البعيدة ؛ لتكريس المواهب للمسيح واعظين كل نفس بالبشارة المفرحة وبمسيح الكنيسة .؛ فاتوا بالكثير من العائلات التي لم تنل العماد المقدس بالقري المحيطة ؛ وعلموهم طريق الكنيسة . رفع دكتور بهجت عطا الله شعارات جيل خدام التربية الكنسية الاتقياء التي عاشوها وسلموها وهى : لا خدمة من دون اجتماع الصلاة ؛ وحياة التقوي بملازمة التعليم بمداومة . لاخدمة من دون مواظبة على القداسات والعبادة الليتورجية ؛ والقانون الروحي للخادم لا خدمة من دون تلمذة واعداد مستمر ؛ درس حبة الحنطة ؛ بالاقتداء بسيرة حياة الرسل واباء الكنيسة .الفلوس لا تعطل الخدمة ( عند اقدام الرسل ) الذبيحة الالهية هى دينامو نجاح الخدمة المحبة هى عصب الخدمة واساسها الله الذى نعبده ونخدمه هو يبدأ ويكمل ويعمل فى الاطفال والكبار . المنهج نعيشه ونتشربه في مدارس الاحد وهو خارطة طريق ومصنع ينتج خدام جيل مدارس الاحد : ( روح الاغابي - اجتماعات الصلاة - العطاء - سلامه العقيدة - طاعة الرؤساء والمرشدين - الاهتمام باحتياجات وضرورات المحتاجين -احترام الكهنوت - خدمة الاماكن المحرومة مهما كانت اعداد اامخدومين قليلة ولا تعد علي اصابع اليد الواحدة - الخلوة وزيارة بركة مواضع القديسين - الصدق والمشورة الحسنة - السلوك حسب الايمان - مظهر الخادم -التبعة للمسيح والسعي للوحدة والسلامة بالابتعاد عن التحزب والانقسام والعثرات - الالتزام بالشهادة الارثوذكسية بلا ضجيج ولا افتعال - مدارس الاحد خدمة كرازة ).ونظراً لانه قائداً للتربية الكنسية فى جيله ، لذلك عاش ماقاله وعلم به عن الدعة واحترام الكهنوت والالتزام الامين بالمواظبة . فلا أنسى ابداً اللازمة الكلامية التى كان مكثراً فى ترديدها " قدس ابونا له حق فى كل ما قاله فأطيعوا مرشديكم الذين يسهرون عنكم " . وقد كان قريبا ومحبوبا عند ابينا المتنيح القمص بيشوي كامل والقمص تادرس يعقوب وانبا باخميوس والقس يوحنا حنين ..والكثير من الاباء والخدام ؛الذين وجدوه مثيلهم في الهدف والقصد كان دكتور بهجت مدرسة فى جيله لها نمطها فى سلوك التوبة والجهاد الروحى ، وعمق المعرفة الاختبارية وتنفيذ الوصية عملياً ، مع سهر الليالى للصلاة والتحضير وحل المشاكل ؛ فلم تتوقف خدمة مدارس الاحد عند جيلة فقط علي دروس ومحاضرات ؛ لكنها قدوة ومثال وافتقاد وسهر وعطاء وحل المشاكل . فحينما نذكر سيرته بمناسبة مئوية مدارس الاحد ، إنما نخطو على خطاه فى التقوى وتمجيد الله وخدمة المخادع فى الخفاء ، وعدم الاكتفاء بخدمة الكلام لكن نعمل ببذل واحتمال وستر وغيرة وهدوء وعطاء نفس وتكريس وحمل للصليب . ولا يمكن ننسى ابداً تحركاته وكلماته وما قدمه سواء فى تأسس مدارس احد الاسكندرية والقرى ، او خدمة بيت طابيثا مع الجانحين والراجعين.؛ مؤكدا بخدمته ان مدارس الاحد قصة اجيال عاشها مع الرواد من سنة ١٩٤٧ وحتي يوم انتقاله الي المجد في ٢٦ / ٢ / ١٩٩٥ ...ينقل لنا ماتسلمه لنقتدي به ؛ في سلوكه كصورة ابن مدارس الاحد وتلميذ مدارس الاحد ومدرس مدارس الاحد . القمص اثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج الأسكندرية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل