المقالات

23 فبراير 2019

خِدْمَةُ الْمُحْتَاجِينَ

خدمة محبوبة ومتصلة اتصالاً وثيقًا بالإنجيل؛ ذلك أن المسيح اعتبر نفسه ضمن إخوته : الجوعى والعطاش والمحتاجين إلى الغذاء والشراب، إخوته العرايا المحتاجين إلى الكساء والدفء، إخوته الغرباء والمحتاجين إلى المأويَ والمساعدة، إخوته المرضى المحتاجين إلي العلاج والزيارة والمواساة والتغذية والتدعيم؛ خاصة ذوﻱ العلل المستعصية، إخوته السجناء المحتاجين إلى الحرية والتغذية والتقويم ... أكد المسيح أن خدمة المحتاجين هي خدمة مباشرة له هو، وان هذة الخدمة تقدم خفية وعلانية وستعلن لأصحابها في اليوم الاخير. ( مت ٢٥ : ٣١ ) ويمكن أن يضاف إلى قائمة (المحتاجين) الأيتام المحرومين من الأمومة والأبوة، والمحاصرين بالهموم والحزانى والمسنين الذين يعيشون في بيوت خاصة بعيدًا عن ذويهم، وذوﻱ الاحتياجات الخاصة، والمحرومين من بعض الحواس؛ كالمكفوفين والصُم والبُكم، والمرضى النفسيين، وبعض هذة الفئات تعمل الكنيسة على خدمتهم والعناية بهم بسخاء وسرور؛ كقديسين وككنوز فيها، أحباء للرب وإخوته وخاصته الخصوصيين ولا بُد أن نضم إلى هؤلاء فئة المضطهدين والمهمشين والمهجَّرين، الذين شُردوا وحُرقوا واستُبيحوا من أجل الإيمان بالمسيح، خلال العشرة سنوات الماضية تحديدًا، فما أعظم مكافأة المؤسسات والخدام الذين سيغمرهم العطاء الإلهي من أجل أتعابهم؛ ولو أدرك أﻱ خادم فيض البركات التي ينعم بها الله عليه إزاء خدمته مهما تضاءلت؛ لَمَا تردد أو تخلف عن خدمة أﻱ محتاج، وها هو الرب يؤكد أنه حتى أصغر الخدمات لن تُنسىَ قدامه، بل هي محفوظة عنده، ( ومن سقىَ أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط بإسمي، فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره) ( مت ١٠ : ٤٢ ) ( مر ٩ : ٤١ )؛ لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه؛ إذ قد خدمتم القديسيين وتخدمونهم ( عب ٦ : ١٠ ) كل من يرحم يُرحم، وكل من يعطي بسرور يحبه الله؛ ويعطيه بسخاء كيلاً جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا؛ لأن خدمة الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين والمرذول هي شهادة على صدق الإيمان بالمسيح ومحبته ( مت ٢٥ : ٣٤ )، كما جعل الرب إهمال هذه الخدمة بسبب الانحصار في الذات، إنكارًا للإيمان؛ والنتيجة هي السقوط من رحمه الله (فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدﻱ) ( مت ٢٥ : ٤٦ ) ولأن خدمه الآخر تنطلق من إنكار الذات؛ فهي تسهم بالتالي في تراجعها؛ والانشغال بتخفيف آلام الآخرين وسد احتياجاتهم ومشاركه همومهم. وبقدر ما نتجرد ونتسع؛ يحضر فينا المسيح بغناه ورضاه، (مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ) ( أع ٢٠ : ٣٥ ) الملكوت الآن في طور التحقق عمليًا؛ حتي يوم وصول العريس السماوﻱ... ملكوت حاضر، ملكوت قريب، ملكوت على الأبواب، ملكوت حالي وواقع ومستقبلي؛ دشنه مسيحنا ليبشر المساكين ويشفي منكسرﻱ القلوب؛ ويطلق المأسورين وينعم بالبصر للعميان ويمنح المنسحقين حرية؛ ويكرز بسنته المقبولة، وها اليوم يتم المكتوب في مسامعنا عبر خدمة المحتاجين؛ حينما لا نقف بطّالين متفرجين؛ بل ساعين لخدمة بشارة الملكوت المكتشف بتطبيق عملي واستغناء عن قيم العالم الكاذبة المزيفة، فالذﻱ يعمل أعمال الملكوت : يدخله ويدركه ويُشفىَ ويتبع الملك؛ لا بالحصرية أو الدفاعية بل بإنفتاحه نحو الآخرين؛ الذﻱ يعكس إنفتاح الله نحو أولاده المشردين والمنبوذين والمبغضين التطبيق والممارسة في خدمة المحتاجين هما طريقتنا في المساهمة في بناء ملكوت الله، وهي إعلان يسوع لملكوت الله في ضوء التوقعات المعبر عنها في شخصية العبد المتألم (أش ٥٣)؛ الذﻱ يحرر المظلومين والمسحوقين؛ والذين يعانون من العمى والصمم الروحيين، فيعلن ملكوت رب الجنود... ملكوت إلهنا وتحقيق المأمورية والبوصلة العظمى بصناعة الرحمة وأحشاء الرأفة في خدمة كل محتاج. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
08 سبتمبر 2018

تَذكَارُ رَئِيسِ المَلائِكَةِ رَافَائِيلَ (مُفَرِّح القُلوُبِ)

رافائيل ثالث رؤساء الملائكة له كرامة قوية، ومعنى اسمه "الله الشافي" لذلك دُعي مطيِّب القلوب. رافائيل من الأرواح السماوية العاقلة الناطقة التي صنعها وخلقها الله ضمن أجناده الملائكية... منظره لهيب نار، ولباسه كالثلج، قائم في السماء، مملوء قوة ومعرفة وعِلمًا، واقفًا أمام الله كل حين يسبح الحي إلى أبد الآبدين... رافائيل رئيس طغمات في البلاط السماوي يعبد ويخدم رب الجنود وإله القوات، أدرك حكمة ونور الله منذ خلقته، لكنه شاهد في كنيسة العهد الجديد عجبًا لحكمة الله المتنوعة، ورأى أعماقًا جديدة للسر المكتوم منذ الدهور. رافائيل الوديع يسبِّح في عظمة واتساق مفعمًا بالالتهاب، جماله يذهل الخيال، يشاهد عيانًا الأسرار العظيمة، عظيمًا في المعرفة والحكمة والبهاء الإلهي في قوته الجوهرية، طعامه رؤية الله، وشرابه التمجيد والسجود للقدوس، وقد عُيِّن ضمن رؤساء الملائكة وله رتبته في العمل والإنارة والمَقام ضمن غير المتجسدين، رافائيل ضمن الملائكة والخدام الملتهبين نارًا، خالدًا ليس بالطبيعة بل بالنعمة، جوهره عقلي أعلىَ وأسمىَ من الجنس البشري، دائم الحركة، مُطلَق الحرية، يتمتع بنعمة الخلود، يستمد نوره من النور الأول الجوهري الذي لا يُدنى منه (نور إلهنا) الذي لا بداءة ولا حدود له... يتكلم بأنفاس الله ويتخذ صورة يستطيع معها الناظرون إليه أن يروه. ولأنه دائمًا في حضرة الله يعاين مجده، ولأنه لا ينفصل عنه شاخصًا إليه كل حين سيأتي أيضًا معه في مجد الدينونة، وسيكون له دوره ضمن الرتب الملائكية في ساحة القضاء من حيث الدفاع والشفاعة والتقدم بالشهادة الصالحة عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته. رافائيل ضمن رؤساء عساكر السموات جند الرب المقتدرين قوة الفاعلين أمره، يحفظوننا في الطريق ويمنحوننا البركة ويلمسوننا بالفهم والفطنة، يبشروننا بالأخبار السارة وبأفراح الخلاص، يحلوا ويسيِّجوا حولنا، وفيما يخدمون السر الخفي يشفعون في جنس البشر كل حين ويطلبون عن خلاص الناس وتدبير النفوس، هم حراس مرشدون منقذون معينون ملاحظون شفعاء يُصعدون الصلوات والصدقات، ملائكة تعزية ورحمة ونجاة ومساندة وشفاء وقوة ونياح وحراسة ومؤازرة من المهْد إلى اللَحْد، يحرسوننا وسط الأعاصير والشدائد... يشرحون لنا المعاني الإلهية والأسرار المخفية، ويحملون لنا الوعود والمواعيد الثمينة. وقد جاء الكثير عنهم في علم الملائكة (Angelology) من حيث طبيعتهم النورانية الفائقة ورتبهم ودرجاتهم، كأرواح مرسَلة لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص. أخذوا مهامًا رسمية لحمل رسائل إلهية، لا يحدّهم زمان ولا مكان، لا يشيخون ولا يتغيرون، طبيعتهم خالدة بحسب النعمة، قائمون بخدمة التسبيح بلا فتور، وهم المنفذون لإرادة الله، يُظهرون نوره غير المرئي بلا عتامة ولا دنس ولا فساد، ويكشفون عن الجمال المطلق للسر الصامت الذي للحضرة الإلهية مثل أنشودة أبدية مع ألوف ألوف وربوات ربوات واقفين قدام الحي في المحفل، أَلْوِيَة وطغمات ورتب علوية تتدرّج في رتبها وسموها وقوتها واقترابها وعملها واختصاصها ضمن جيش الله. ونحن نطلب في تذكار رافائيل الرئيس مطيِّب القلوب أن يشفع من أجل شفاء كل طوبيت من العمىَ، وأن يرافق الفقراء والأرامل والأيتام وجثث القتلىَ والذين ليس لهم من يواريهم الثرىَ في هذا الزمن الصعب، وأن يرافق مسيرة غربتنا وسفرنا عبر هذا العالم، وأن يحضر إلى ولائم المحتاجين والمساكين لكي يباركها، ويداوي بالتعزية القلوب القلقة والمنكسرة ببركة قيامه قدام الله. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
07 أغسطس 2018

مَرْيَمُ العَذْرَاءُ أُمُّ العَبْدِ المُتَأَلِّمِ

منذ ولادتها وُلدت لأبوين عاقرين هما يواقيم البار وحنة، وكانا قد نذرا مولودهما للهيكل قبل الولادة؛ وربما كانا يتمنيان ولدًا ذكرًا ليحمل اسم الأب كعادة أهل الشرق؛ لكنها قدمت أنثى؛ ولكونهما نذراها، فقد سكنت الهيكل ليكون بيتها الأول والوحيد مع النذيرين، وعندما كبُرت وبلغت التغيرات الفسيولوجية تبدو عليها، وقعت القرعة على يوسف الشيخ البار ليأخذها إلى بيته، خاصة بعد انتقال والديها المتقدمين في السن عند بلوغها التاسعة من عمرها. ومنذ ذلك الحين وإلى أن أتتها البشارة بالحبل الإلهي وعلاماتها، التي تلازمت مع الشك والريبة بآلامها النفسية والجسدية، حيث راحت مريم الفقيرة النذيرة تتحمل آلام أمومتها الإلهية منذ البشارة؛ وما صاحبَ ذلك من شك عند يوسف البار الذي أراد تخليتها سرًا، ورحلة ولادتها لابنها في بيت الناصرة؛ لا كسائر الأمهات اللائي يستعدن لولادة أولادهن، لكنها تكبدت مشاق السفر المضني من الناصرة إلى بيت لحم لتكتب المولود في اكتتاب الإحصاء العام، ولكي يظهر المسيح في مكان مجد يهوه، وفي بيت أبيه ونسبه لذرية داود الملك؛ حيث أتتها آلام المخاض؛ ولم يكن لها موضع سوى مزود المغارة، التي تحولت إلى سماء ونجوم وتسبيح وسجود وهدايا وملائكة وهتافات علوية بمجد الأعالي وسلام الأرض ومسرة الناس، حيث عظمة العلى. قد حولت الأرض سماءً؛ وجعلت المغارة لا تقترب، لأن النور أشرق ومحا الظلام؛ والغنىَ حلَّ عوض الفقر والقحط، وفي الموضع وُلد راعي الحُملان الناطقة الذي أتى ليحول بهيميتها إلى إنسانية الخليقة الجديدة. ثم سُمع صراخ الرامة ومخاوف مجزرة أطفال بيت لحم؛ وعويل وصوت الأنين، على هؤلاء الذين فدوا بشهادة دمهم الطفل المولود؛ وما تبع ذلك من هروب وآلام نفي وتشريد ومشاقات تكبَّدتها مريم العذراء، وحتى رجوعها في عودتها وسط الأتعاب، التي استمرت عند بحثها عن الصبي في الهيكل وحنق الكتبة والفريسيين عليه، إلى يوم القبض والمحاكمة والصلب والتكفين والدفن ثم استضافتها في بيت يوحنا الحبيب، وسط رحلة آلام ودموع؛ بقدر ما سال من دم جراحاته الشافية المشفية. قبلت الآلام وخضعت للناموس وصعدت إلى الهيكل لتقدمه إلى بيت أبيه وهي عالمة أنه ابن العلي وأنه هو رب الهيكل وبانيه، وأنه هو كلمة الله ذبيحة العالم كله، قدمته بأمومتها المسيانية كصعيدة الصعائد؛ وكمحرر للعالم من أسر إبليس المنجوس، لكنها ومع ذلك خضعت للشريعة وفي فقرها قدمت فرخي الحمام، بيقين أنّ ابنها هو مكمل الناموس، وهو العلامة الوحيدة الحية للخلاص الفصحي علي الصليب. قدمته مما له على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال، وهو وحده مِلؤها وتقدمتها الممكنة والمقبولة أبديًا، غفرانًا للخطايا؛ ونور مجد الأمم؛ وعزاء خلاص الشعوب، لكنه في الوقت عينه هو العبد المتألم الذي تمجد بالآلام، وبذل ظهره لسياط الضاربين وخده للناتفين وترك وجهه للبصاق والتعيير، حتى أن صورته لم تكن لتُنظر ولم يكن له بهاء منظر، مزدرىً ومرزول وهو رجل أوجاع ومختنر حزن (إش). لذلك وبذلك جاز السيف الطويل المخيف romphaia عبر حياتها كلها، في فقر وشكّ ومخاض وآلام ومطاردة ووجع وعُري وجلد وهُزء وشوك ومسامير وصلب ودموع، حتى المعصرة والجلجثة.. وها الكنيسة على مثال العذراء مريم تتألم حتى اليوم، وتسجل كل يوم رحلة صليب العبد المتألم والقائم من الأموات، في شركة الطريق؛ لأنها لا تعرف شيئًا إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا، وتتمم في جسدها (أعضائها)؛ ما نقص كمطابقة المثيل لمثيله. فيا عذراء يا أم العبد المتالم اشفعي في المشردين والمنفيين والمنحورين في عالمنا، لأن شفاعتك قوية ومقبولة؛ وقد غيرتِ الأزمنة في قانا الجليل فغيري الأزمنة؛ يا قوية في الحروب ومعدن الجود والبركات. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا قلمنج الاسكندرية
المزيد
28 أغسطس 2018

نِهَايَةُ العُمْرِ

نهاية عمرنا هي نقطة بدايتنا نحو الأبد، وبدون استعدادنا للرحيل لا يكون لحياتنا معنى، ذلك هو ما سهر لإعداده الساهرون؛ كي يُعدوا للحظة خروجهم (عُريانًا خرجتُ من بطن أمي؛ عُريانًا أعودُ إلى هناك). فالموت أقرب إلينا مما نتصور؛ وطوبى لمن يقطر زيته ليوجد ساهرًا؛ ومصباح سراجه غير منطفئ؛ وساعته حاضرة أمامه؛ إذ ليس في القبر من يذكر ولا في الجحيم من يشكر. عمرنا كله أشبه بنفخة؛ وإيامنا تُحسب مثل ظل عابر... أشبه بشبر وعشب وظل.. إنها مجرد حُلم وبخار يظهر قليلاً ثم يضمحل. إنها نسمة الريح العابر؛ تدخل من نافذة وتخرج من أخرى. تنحصر بين شهقتي الولادة وخروج النفس من الجسد عند سكرة الموت، حياتنا تجري أيامها سريعة كالعَدَّاء، وقد تعيَّن أَجَلُنا فلا نتجاوزه؛ مثل العشب أيامنا وكزهر الحقل تنحسر وتذبل... كالعنكبوت نسيجها وهي عابرة في خيمة تنقض، لا تثبت لها ثروة ولا تمتد لها مقتنيات، فقبل يومها تتوفى وسعفها لا يخضرّ؛ لأن صوت القائل ينادي (كل جسد عشب وكل جماله كزهر الحقل. يَبَسَ العشب وذبل الزهر؛ لأن نفحة الرب هبَّت عليه، أمَّا كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد)، ولا أحد يستشير الموتى؛ لأن ذكرهم نسي. لذلك قيل عن نومنا بأنه رُقاد صغير؛ وتذوُّق مُسبَق للموت الذي أباده المخلص بقيامته وكسر شوكته، وهدمه بظهوره المحيي.. فمِن البدء خلقتني يارب؛ ومن العدم كوَّنتي وبصورتك الإلهية رسمتني؛ وكفخَّاري أعظم عُدت وعملتني وعاءًا آخر لمجدك... أعدت صياغتي وأصلحتني بيدك لتُرجعني إلى جمالك القديم، فعما قليل تفنى أيامي؛ وليس لي خلاص إلا برحمتك يا محب البشر الصالح، وضعتَ في نسمة الحياة. أوجدتني وجبلتَ نفسي حلوة سخية مروية وثمينة ومحفوظة؛ لأنك أنت لي مَرساة النفس واقتناؤها، فديتها بدمك الكريم، وتحفظها بسياج أسرارك الإلهية غير المائتة.. تنجيها من الفخ يا منجي النفوس؛ لتدرك تدابيرك وتميز الأمور المتخالفة، وما هو لخيرها وخلاصها وزمان افتقادها، فتمتحن الحق البعيد عن كل خداع وصغار، محترزة من كل خواء وخراب وتراخي الهلاك، عارفة مشيئتك؛ غير عاملة مشيئات الباطل، سالكة في جدة الحياة الذي لحرية مجد أولاد الله، مبقية الله أساس معرفتها لتثمر وتزهر وتعبد بجدة الروح؛ لا بعتق الحرف، فاعلة كل مايليق برضاك إلى النفس الأخير، عندئذٍ تموت موت الأبرار وتكون آخرتها كآخرتهم، وتصير أواخرنا أفضل من أوائلنا ( مت ١٢ : ٤٥). القمص أثناسيوس چورچ
المزيد
17 نوفمبر 2018

ظَاهِرَةُ الانْتِحَارِ وَ"نَحْنُ"

أوردت وسائل الإعلام أخبارًا متكررة عن حالات انتحار Suicide دامية ومحزنة، وهي مدخلي في البحث حول النهاية التي انتهت إليها هذه النفوس، حيث أن مجد الله في خليقته ولذَّته في بني آدم، وحيث أن حياة الإنسان هي لرؤية الله ونوال هباته المجانية الممنوحة من عند محب البشر الصالح؛ الذي أوصى كل حي، كي يختار الحياة ليحيا بالروح والحق؛ متجليًا بالجمال الإلهي. أما الانتحار فهو قتل الإنسان لنفسه عمدًا وذاتيًا ليُنهي حياته بإختياره، من حيث يدري أو لا يدري. وهي عملية تدمير متعمد للحياة التي هي هبة من الله وآتية من عنده، والتي تقع في فَلَك ومدار قدرته، كونها عطيته، وقد صار الإنسان وكيلاً لها، يتحمل مسئولية الحفاظ عليها؛ لأنها ليست ملكًا له؛ بل لله الخالق الذي أعطاه إياها، وجبله على غير فساد، على صورته ومثاله الإلهي الأقدس. مسيحنا هو سيد الحياة والموت، ومعه وحده مفاتيح الدهور والهاوية والأزمنة، وله وحده؛ وليس لملكه انقضاء. لذلك إهلاك الكيان المخلوق بواسطة الانتحار، هو تمرد في وجه الله الخالق المخلص، وهو ينمّ عن انعدام الإيمان بالعناية الربانية ، لهذا يُعد الانتحار تعبيرًا صارخًا عن التجديف وجحد الإيمان ومرارة اليأس المشابهة لموت يهوذا. ويقول أحد اللاهوتيين عن المنتحر بأنه "يهوذا الخائن الذي رفض الله والله رفضه"، لكنني في هذا الخصوص لا أقصد أبدًا أن استدعي مرارة الحدث وجسامة الفعل وبشاعته، بقدر ما أتجه نحو التوعية اللاهوتية الواجبة، والتي مُفادها أن الله يرفض كل من يقضي على حياته بنفسه، لأن "مَنْ خطئ إلى نفسه فمن يزكيه"؟!، وكل "من أساء إلى نفسه فإلى من يُحسن؟!" (بن سيراخ ١٠ : ٣٢ ، ١٤ : ٥). ووسط هذه الأجواء المشحونة عاطفيًا بالمشاهد الصعبة التي تكررت وتداولها الإعلام. أقول أين نحن من هؤلاء؟!! هل سيصبح الانتحار ظاهرة عندنا؟!! وكيف لم نصل إلي هؤلاء؟!! إنهم انتحروا لأنهم مرفوضون ومحتقَرون مهمَلون ومتروكون ومكروبون.. إنهم انتحروا لأننا لم نخبرهم بمعنى بشارة الحياة الأبدية، وبمسيح الخلاص والرجاء والشبع والسرور. انتحروا لأنهم لم يتعرفوا عمليًا على مُريح التعابى الذي يعطينا النجاح وينزع الغمّ من قلبنا والشر عن لحمنا (جا ١١ : ١٠) ويخلص إلى التمام... ما الذي أوصل هؤلاء إلى خيار الموت وإلى عدوَى وباء الانتحار الذي يستحوذ على الأدمغة؟!! ليتنا لا نكتفي بالتحسرات والتمنيات؛ بينما يبقى الظل معتمًا يخيم بعيدًا عن المعالجة الروحية والاجتماعية والنفسية والمادية. ليتنا ندين أنفسنا أولًا؛ لأن التشخيص هو طريقنا إلى العلاج الحق، فلا نقف في خانة القائل "أَحَارِسٌ أنا لأخي"؟! ومهما تعددت أسباب الانتحار التي يسمونها علميًا الآن ب "الانتحار الواعي"؛ سواء كانت أنانيات أو تشويش أو اكتئاب أو اعتلال النوافل العصبية أو الإحباطات والصدمات والعوارض، إلا أنه لا بُد أن يكون لدينا رعاية رحيمة وتعليم لاهوتي مشبع ووقائي، حتى لا يكون دور السامري الصالح غائبًا عن الحدث. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
02 فبراير 2019

التَّعَصُّبُ

التعصب أساسه وسببه يكمن في الآراء المسبقة المشوَّهة عن الآخر المختلف دينيًا... فالجهل دائمًا يقود إلى التعصب، والمقصود هنا هو الجهل بالآخر وعدم الإلمام الصحيح بكينونته وقد سُمي التعصب بالمَقيت؛ لأنه يدفع إلى إلغاء العقل؛ وخوض جدالات وتصورات ينعدم فيها الاحترام؛ ويجعل التربة خصبة للإتهام والتعدي والخوض في أمور لا يفقه فيها المتعامل ألفها من يائها... وانتشار طريقة التجهيل بالآخر المختلف والتحريض عليه؛ هو الذي كرس الازدراء والافتراء وانتقل به من التفكير إلى التكفير، ومن التعايش وقبول الآخر كما هو يدرك نفسه؛ لا بناء على تصورات مغرضة ووهمية مسبقة؛ إلى النفور والتباعد... وجميعها قد صعبت المعاملات والجوار، وفتحت الأبواب على مصراعيها للاعتداءات والمشاحنات التي أودت بحياة البشر وبمقدَّراتهم. لقد جعل التعصب الجو خانقًا وهشًا متوترًا وسريع الاشتعال... قسّم الناس وفرض العُزلة الاجتماعية، وصنف البشر، وتسبب في رفض الإنسان الآخر بحجج دينية تفشّت على نطاق واسع، وللأسف الظروف السيئة تنتج تشريعات سيئة، غير أن الظروف السيئة مرحلية ومؤقتة؛ أما التشريعات فهي مستمرة ودائمة... لكن إدارة الظهر للمواطنة ولتحقيق العدالة والتعايش يسيء إلى الدين نفسه ويؤخر الوطن كله؛ ويجعله مرتعًا للتعصب... لأن الحاضر يصنع المستقبل؛ وما عرف وطن مستقبلاً من دون المواطنين جميعًا؛ ومن دون وحدتهم في المساهمة لبناء هذا الوطن الذي يجمعهم على أرضه. علاج التعصب لا يكون مؤقتًا مثل مخدر أشبه ما يكون بحبة الأسبرين؛ لكنه إعادة صياغة تطال التعليم والإعلام والقوانين ودور العبادة والمؤسسات كلها.... هذا العلاج المخلص هو الذي يحفظ صيغ المواطنة حتى لا تنقلب طريقة التعايش رأسًا على عقب... وقد أوصى السيد المسيح كل مسيحي أن يحب الكل كقريبه؛ وصولاً إلى محبة الأعداء واللاعنين والمبغضين... وأي تعصب يأتي على المسيحي بسبب إيمانه فهو لأجل امتحانه... لذلك لا يستغربه إذن وكأن أمرًا غريبًا قد أصابه (۱ بط ۱۲:٤)... وكل من يُعيَّر بسبب اسم المسيح فالطوبى له وروح المجد والله يحل عليه... وداعة المسيحي تعني المسالمة ولا تعني الخنوع؛ كما أن شجاعته تعني مطالبته بحقه وإلتزامه بواجباته؛ لكنها لا تعني التطاول والتخريب... المسيحي الحقيقي على قدر طاقته يسالم جميع الناس؛ ويسلك بالسلام والمحبة والعطاء بأمانة كما سلك السيد المسيح وأوصى "على الأرض السلام" (لو ۱٤:۲). عكس التعصب (الغيريَّة) التي هي قبول الآخر؛ وهي ثمرة تلاقح الأفكار والمعاملات؛ وهي أيضًا ثمرة جدلية التعددية بين كل البشر الذين خلقهم الله على صورته ومثاله من كل لون وعِرق ودين وقومية... فالغيرية عكس الميكافيلية التي فيها الغاية تبرر الوسيلة... لأن الإله الحق لا يُعبد بالقهر؛ وهو لا يحتاج أن ينصره البشر؛ بل هو الذي ينصرهم ويعينهم... إنه إله الرحمة والعدل الذي لا يرضى بالظلم والقهر وكل صور الإكراه والترهيب... وعلى أساس كلمة الله تأسست الحقوق الإنسانية بدساتيرها وأدبياتها؛ وصارت سبب تقدم الأمم وأثمرت إبداعات إنسانية وتطورات الحضارات؛ والتي نتمنى لبلادنا أن تكون من بينها؛ بل وفي مقدمتها. إن كل المتعصبين على سطح الكرة الأرضية هم ليسوا أصحاب تكوين معرفي متوازن؛ وهم لم يتعرفوا بعد على حقيقة طبيعة الله وكلمته ووصاياه؛ إذ لا يمكن أن يرضى الله بالتعصب المقيت الذي يتسبب في هدر دماء الذين جبلهم؛ ولا يمكن أن يرضى بالحرق والسلب أو بقمع الذين خلقهم ليكونوا أحرارًا... وهو لا يرضى بالعصبيات التي تعصف بجمال خلقته مهما كانت دوافعها ومسمياتها. حوادث كثيرة تأتي في سلسلة بداياتها شرارة معروفة؛ لكن نهاياتها متحولة مجهولة بسبب التعصب ضد الآخر؛ إلى حد اشتهاء إلغائه وإبادته وحرقه، بعد نزع ملكيته وإنسانيته؛ فمن كثرة الاعتياد صار التعصب إدمانًا عند البعض، وتأسيسًا على ذلك كله يمكن القول بأن هذه الأحداث المتكررة هي في سياق واحد تعبر عن غياب التسامح والصدق والمواطنة والتنوير... من له أذنان للسمع فليسمع!!! القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
22 سبتمبر 2018

علامةٌ تُقاوَم

إنها علامة الصليب التي كل من يؤمن بها لا يَخِيب ولا يَخزَى٬ بينما يقاومها من لا يؤمن٬ إنها (آية) و (علامة الصليب واسطة خلاص العالم٬ التي تتعرض للمقاومة لأنه إن لم يتعرض الحق للمقاومة بين الناس فلن يتزكى٬ وبها ينكشف نور الخلاص لشهادة علنية بقوة نعمة المصلوب٬ الذي يُعين ضعفنا كي نسير ونحيَا حاملين علامتنا بلوغًا إلى مجد القيامة الأبدية. علامة يقاومها الأضداد والكذبة٬ بينما أعطاها الملك لخائفيه كي يهربوا من وجه القوس (مز٤:٦٠)٬ الذين يقاومونها يعتبرونها لعنة٬ بينما سيدنا حمل اللعنة هذه نيابة عنا لكي يفدينا من اللعنة الأبدية التي حلت علينا بمخالفة الوصية٬ يقاومونها معتبرين أنها جهالة لأنهم لم يقدروا أن يفهموا ما لله٬ إنها ليست جهالة لكنها هي القوة والحكمة الحقيقية٬ وكل من ينكر هذه العلامة (علامة الصليب) ويقاومها يهلك لأنه لم يتعرف على عقاقير الخلاص ولا على الأدوية المؤدية إلى الحياه٬ قوة الله وحكمته٬ فداؤه وغفرانه الثمين. فالصليب مقسم إلى أربعة أجزاء هي أربعة مساقط أو (فروع) من المركز الذي ينجمع فيه الصليب كله٬ لأن المصلوب بسط يديه في الساعة المحتومة ليفدي الجميع وليجمعهم في حضنه٬ مقربًا الطبائع في وحدة منسجمة ليعرفوا ما هو الطول والعرض والعمق والعلو٬ كل ما هو في السماء وما بين السماء والأرض وما تحت الأرض. إن علامة صليبك يارب تُقاوم بينما هي نور إعلان خلاصك للأمم وهي الشجرة العتيدة ذات الأبعاد السماوية التي ارتفعتْ من الأرض إلى السماء٬ وأقامت ذاتها غُرسًا أبديًا بين السماء والأرض٬ لكي ترفع المسكونة وتضمها إليك٬ إن صليبك يقاوم بينما هو طريق رباط المسكونة٬ وإن كان ليس الكل يقبلون علامة صليبك لكنها ستبقى علامة الشفاء والخلاص والنصرة والمصالحة والتبرير والغفران حتى ولو هلك ربوات من المقاومين لها. إن علامة صليبك عند القوم الهالكين جَهالة أما عندنا نحن المُخلَّصين فهي رحمة وحياة٬ لذا نحمل صليبك لأنك حملته من أجلنا أيها القدوس والبار٬ إننا نؤمن بعلامتك الصالحة المُلوكية التي ملكتَ بها على نفوس المؤمنين بك٬ والتي صنعتها من أجل الخلاص والسر الذي أعطيته لمن يتقونك٬ بها أزلت اللعنة وهدمتَ حصون الموت وحطّمت قوة الشرير. علامتك تفوق لمعان الشمس وتخطف الأبصار٬ لذا أظلمت الشمس وقت صلبك لأن صليبك سطع ببريقه فاضمحلّت أمامه كل العناصر واختبأ كل لمعان. علامة صليبك حطمت قيودنا وجعلت سجن الموت كلا شيء٬ فتحتْ الفردوس وأدخلتْ اللص وكل لص تائب٬ وأوصلت جنس البشر إلى الملكوت٬ علامة صليبك أزالت عَتمة الخطية وبؤس الإثم وعُقدة الذنب والمذلة والعار. إنها ليست ضعفًا لأنك بها أظهرتَ ما هو أعظم من القوة٬ ألوف وربوات من الذين فتحت الهاوية فاها وابتلعتهم٬ فإذا بصليبك المُحيي يشرق عليهم ويُرجعهم من السبي مع كل مَفديي الرب. صليبك يأتي بنا إلى صهيون بالترنم وعلى رؤوسنا فرح وابتهاج أبدي. ونحن نثق أن علامة صليبك ستحمينا وتحفظنا وتنجينا إلى التمام مهما كانت آلام هذا الزمان الحاضر٬ فستنهزم كل قوى الشر٬ وسيهرُب الحزن والتنهد وكل مخاض الخليقة لأنك شمَّرت عن ذراع قدسك أمام عيون كل الأمم٬ لترى كل أطراف الأرض خلاصك (إش ۱۱:٥۱)٬ ونحن بإشارة صليبك سنغلب عماليق ونطفئ قوة النار ونخرج الشياطين ونسد أفواه الأسود٬ فعلامة صليبك لا تُقاوَم. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج الأسكندرية
المزيد
10 نوفمبر 2018

عَمَلُ السَامِرِي الصَّالِح

السامري الصالح الحقيقي هو شخص السيد المسيح الذي عمل وعلَّم خدمة السامري، وحل قضية العِرق والعداوة بين الأجناس والعقائد والألوان، والتي تطورت لتوجع رأس الدنيا بأسرها، في قتل وتخريب وهدم وحرق للممتلكات والمدن والبشر، لا لشيء إلا لكراهية الآخر... فمحبة القريب ملتصقة بمحبة الله، وهما واجب المسيحي الأول أمام الله والعالم. والمسيحي المهذب بالنعمة ينزع العداوة من قاموسه ويضع المحبة موضعها، لأن الله محبة وهو يريد رحمة لا ذبيحة. المسيح الكلمة له المجد ينقلنا من الكلمة (كتعليم) إلى الكلمة (كفعل) نحو محبة القريب والتعامل بالرحمة والخير تجاه كل أحد. حتى مع المكروه والمحتقَر والمحروم والمختلف والمهمَّش والذي ليس له أحد يذكره. أوصى المسيح بمساعدة كل من يحتاج إلى مساعدة... أوصى بالرحمة لكل محتاج مهما كانت هويته. كذلك حذر المسيح كل مسيحي حتى لا يلوذ ساعيًا لأمان نفسه فقط، سواء كان صاعدًا أو نازلاً أو مجتازًا (لو ٣١:١٠)، بل أوصى كل مؤمن أن يغتنم كل فرصة ليصنع فيها الخير والرحمة نحو كل إنسان، فقريبنا هو كل إنسان يضعه الله في طريق حياتنا، قريبنا هو كل من نراه وكل من نتعامل معه. أظهر السيد المسيح تحننه نحو الإنسان المعذب والمريض والمُهمَل والمُنهَك الذي يلفظ أنفاسه... كي ينقذه خلوًا من عقيدة أو جنس أو دين. المسيحي الحقيقي هو الذي يجتهد ويتدرب على أن يعمل كل ما في وسعه وجهده لإنقاذ ومعونة كل محتاج... يوقف نزيفه ويضمده ويسعفه ويداويه ويعتني به... إنه صُنع الرحمة التي يتعين علينا أن نكمله ونتممه، متّبعين التعليم الإلهي، متجاوزين كل بغضة مضادة وكل قساوة سابقة مثلما علمنا المسيح بأعماله وأقواله... لم يوصينا المسيح بسلب أحد ولا بنهب أو حرق أو سبي أو الاعتداء على أحد. لم يوصينا بالتجبُّر والاستقواء والانتهازية، لكنه انحاز للضعفاء والمساكين والمسلوبين ولجهال هذا العالم المزدرَى بهم. هذه هي شريعة المسيح أن نخدم بعضنا بعضًا (غلا ١٣:٥) ]إطعام الجوعان + سقي العطشان + إيواء الغريب + زيارة المريض + افتقاد المسجون[. فلنذهب نحن أيضًا كي نصنع هكذا!! مع المريض والحزين والمظلوم والضعيف والمحتاج، نخدم احتياجاته، ندنو إليه ونصبُّ عليه زيتًا لنلطف آلامه ونحمله ونُتكئه ونوصي عليه صاحب الفندق. ننقط زيت المحبة والرحمة، ونخدم بشفقة ورأفات السامري، متخطّين كل الحواجز، لأنه في كل أمة أيضًا الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده (أع ٣٥:١٠)... تلك هي صورة الملك السماوي والسامري الصالح الحقيقي التي ينبغي أن تنطبع فينا، لأنه سيأتي في اليوم الأخير ويكرم العبد الذي يجده يفعل هكذا. فلنحمل المجروحين إلى الفندق ونعتني بهم ونحفظهم في ذاكرتنا، ونتابعهم بتواصل حاملينهم أمام وجه الله، لأنه لا فائدة للأسماء ولا للألقاب البرَّاقة التي بلا معنى ما دامت لا تصاحبها أعمال الرحمة والخير والمداواة للإنسان الآخر. فالجريح والمحتاج ليسوا بأقل من الهيكل والذبيحة، والله إلهنا لا يحابي بالوجوه، فليس بالاسم أو بالشكل أو بالدرجة سنخلص، بل بالتقوى وصُنع البر نكون مقبولين عنده. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
17 أغسطس 2019

مريم العذراء ام العبد المتألم

منذ ولادتها ولدت لأبوين عاقرين هما يواقيم البار وحنة ،وكانا قد نذرا مولودهما للهيكل ،قبل الولادة وربما كانا يتمنيا ولدا ذكرا ليحمل اسم الاب كعادة اهل الشرق ،لكنها قدمت انثي ولكونهما نذراها ،فقد سكنت الهيكل ليكون بيتها الاول والوحيد مع النذيرين ،وعندما كبرت وبلغت التغيرات الفسيولوجية تبدو عليها ،وقعت القرعة علي يوسف الشيخ البار لياخذها الي بيته ،خاصة بعد انتقال والديها المتقدمين في السن عند بلوغها الاثني عشر من عمرها ...ومنذ ذلك الحين والي ان أتتها البشارة بالحبل الالهي وعلاماتها ،التي تلازمت مع الشك والريبة بالأمها النفسية والجسدية ،حيث راحت مريم الفقيرة النذيرة تتحمل الام امومتها الالهية منذ البشارة و ماصاحب ذلك من شك عند يوسف البار الذي اراد تخليتها سرا ، ورحلة ولادتها لابنها في بيت الناصرة لا كسائر الامهات اللائي يستعدن لولادة اولادهن ،لكنها تكبدت مشاق السفر المضني من الناصرة الي بيت لحم لتكتب المولود في اكتتاب الاحصاء العام ،ولكي يظهر المسيح في مكان مجد يهوه ،وفي بيت ابيه ونسبه لذرية داود الملك حيث اتتها الام المخاص ولم يكن لها موضع سوي مزود المغارة ،التي تحولت الي سماء ونجوم وتسبيح وسجود وهدايا وملائكة وهتافات علوية بمجد الأعالي وسلام الارض و مسرة الناس ،حيث عظمة العلي قد\\ \\حولت الارض سماء وجعلت المغارة لاتقترب ،لان النور اشرق ومحا الظلام والغني حل عوض الفقر والقحط ،وفي الموضع ولد راعي الحملان الناطقة الذي اتي ليحول بهيميتها الي انسانية الخليقة الجديدة . ثم سمع صراخ الرامة ومخاوف مجزرة اطفال بيت لحم وعويل وصوت الانين ،علي هؤلاء الذين فدوا بشهادة دمهم الطفل المولود وماتبع ذلك من هروب والام نفي وتشريد ومشاقات تكبدتها مريم العذراء ،وحتي رجوعها في عودتها وسط الاتعاب ،التي استمرت عند بحثها عن الصبي في الهيكل وحنق الكتبة والفريسين عليه ،الي يوم القبض والمحاكمة والصلب والتكفين والدفن ثم استضافتها في بيت يوحنا الحبيب ،وسط رحلة الام ودموع بقدر ماسال من دم جراحاته الشافية المشفية . قبلت الالام وخضعت للناموس وصعدت الي الهيكل لتقدمه الي بيت ابيه وهي عالمة انه ابن العلي وانه هو رب الهيكل وبانيه ،وانه هو كلمة الله ذبيحة العالم كله ،قدمته بامومتها المسيانية كصعيدة الصعائد وكمحرر للعالم من اسر ابليس المنجوس ،لكنها ومع ذلك خضعت للشريعة وفي فقرها قدمت فرخي الحمام، بيقين ان ابنها هو مكمل الناموس ،وهو العلامة الوحيدة الحية للخلاص الفصحي علي الصليب ..قدمته مما له علي كل حال ومن اجل كل حال وفي كل حال ،وهو وحده ملئها وتقدمتها الممكنة والمقبولة ابديا ،غفرانا للخطايا ونور مجد الامم وعزاء خلاص الشعوب .،،،،لكنه في الوقت عينه هو العبد المتألم الذي تمجد بالالام ،وبذل ظهره لسياط الضاربين وخده للناتفين وترك وجهه للبصاق والتعيير ،حتي ان صورته لم تكن لتنظر ولم يكن له بهاء منظر ،مزدري ومرزول وهو رجل اوجاع ومختنر حزن ( اش ) لذلك وبذلك جاز السيف الطويل المخيف romphaia عبر حياتها كلها ،في فقر وشك ومخاض والالام ومطاردة ووجع وعري وجلد وهزئ وشوك ومسامير وصلب ودموع ،حتي المعصرة والجلجثة ....وهالكنيسة علي مثال العذراء مريم تتالم حتي اليوم ،وتسجل كل يوم رحلة صليب العبد المتالم والقائم من الاموات ،في شركة الطريق ،لانها لاتعرف شيئا الا يسوع المسيح واياها مصلوبا ،وتتمم في جسدها ( اعضائها ) مانقص كمطابقة المثيل لمثيله ،فياعذراء ياام العبد المتالم اشفعي في المشردين والمنفيين والمنحورين في عالمنا ، لان شفاعتك قوية ومقبولة وقد غيرت الازمنة في قانا الجليل فغيري الازمنة ياقوية في الحروب ومعدن الجود والبركات. القمص أثناسيوس چورچ
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل