المقالات

07 يناير 2023

ملامح الميلاد السبعة

هذا أعجب ميلاد عرفه العالم لأن السيد المسيح ولد من عذراء بتول بطريقة لم يولد بها أحد من قبل ولا من بعد . إنها فخر جنسنا سيدتنا وملكتنا كلنا القديسة العذراء مريم دائمة البتولية كانت السقطة الأولى هي الكبرياء فكان العلاج هو بالاتضاع عجيب هذا الميلاد .. عجيب هو صاحبه .. وعجيبة هي وقائعه .. الله العظيم الأبدي .. يتجسد لأجلى ولأجلك .. قمة الاتضاع التي تتضح من خلال سبعة ملامح تشكل يوم 7 يناير حيث احتفلنا ... 1 - فتاة من الفقراء قدمت نقاوتها ، هي العذراء مريم المخطوبة لشيخ قديس يوسف النجار ( متی ۱ : ۱۸ ) . ٢ – رعاة من البسطاء قدموا أمانتهم ، هم الذين كانوا يحرسون قطعانهم ليلا ( لوقا ۲ : ۸ ) ۳ - مجوس من الغرباء قدموا هداياهم ، جاءوا من نواحي الشرق يبحثون عن الملك المولود ( متی ۲ : ۲ ) 4 - قرية صغيرة قدمت مكاناً هي قرية بيت لم الصغيرة في أرض يهوذا ( متى٦:٢) ٥- حظيرة حقيرة قدمت دفئاً ، مذود حيوانات وقد جعلته دافنا بأنفاسها ( لوقا ٢ : ١٦ ). ٦ - ليلة مظلمة قدمت عهداً جديداً ، كان الوقت شتاء حيث الليل الطويل والبرد القاسي ( لوقا ۲ : ۹ ) ٧- ملائكة سمائية قدموا أنشودتهم الخالدة : المجد الله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبـالـنـاس المسرة ( لوقا١٤:٢) والسؤال الآن : ماذا ستقدم أنت ؟! هل ذهباً .. أقصد قلبك .. وروحك .. أم لباناً .. أقصد صلاتك .. دموعك . .. أم مرا .. أقصد تعبك .. وجهادك .. قدم صلحاً حباً .. عطفاً .. تسامحاً .. ابدأ بدءاً حسناً . وكل عام وجميعكم بخير وبلادنا مصر في سلام ووئام وكنيستنا في محبة وأمان . قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
16 سبتمبر 2022

ذبيحة الحب الالهى

هذه المائدة هـي عضـد نفوسنا .. رباط ذهننـا .. أساس رجائنا وخلاصنا ونورنا وحياتنـا . عنـدمـا تـرى المائدة معدة قدامك قل لنفسك : من أجـل جسـده لا أعـود أكـون تراباً ورماداً ، ولا أكون سجيناً بل حراً . من أجل هذا الجسـد أترجى السماء " . ( القديس يوحنا الذهبي الفم ) مزمور لداود : " الرب راعـي فـلا يـعـوزني شيء . في مـراع خضر يربضني . إلى مياه الراحـة يوردني . يرد نفسي . يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه . أيضاً إذا سرت في وادي ظل المـوت لا أخاف شرا ، لأنك أنت معي . عصاك وعكارك هما يعزيانني . تُرتب قدامي مائدة تجاه مضايقي . مسحت بالدهن رأسي . كأسي ريا . إنّما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي ، وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام " ( مز ٢٣ ) . اقرأ المزمور السابق مرة أُخرى ثم دعنا نتأمل فيه قليلاً .يقدم لنا هذا المزمور صورة عن الحياة المسيحية ..فالمراعي الخضـر هـي كلمة الله .. وماء الراحة هو المعمودية .. بينما يمثل وادي ظل المـوت الـدفن في المعمودية ، والدهن كذلك يمثل الميرون . أما المائدة فهي سر الإفخارستيا ، والكأس هو عصير الكرمة ، وبيت الرب هو الكنيسة . إنها ذبيحة الحب الإلهي والخطوة السادسة التي تضـيء طريقنا الروحي . دعنـا في البدايـة نـرسـي معـا مبـادئ هـامـة فيما يتعلق بـسـر الإفخارستيا ، والقداس الإلهي : سر التناول أو الإفخارستيا هو نعمة غير منظـورة مـن خـلال القداس الإلهـي الـذي يمثـل قمـة الصـلوات المسيحية ، فالقداس الإلهـي سـواء بصلوات الأب الكاهن أو مـردات الشعب غنـي بـالطقوس والقراءات الكتابية .الله هو صاحب كل النعم في حياتك وليس لك فضـل في شيء ، وفي سـر الإفخارستيا كأنك تأخـذ مـما أعطاك اللـه لتشكره بـه ، فتصير ذبيحـة الخبـز والخمـر ذبيحـة شـكر ، وبعـد التقديس تصير الذبيحـة جسد ودم المسيح بالحقيقة . المسيح هنـا هـو الكاهن والذبيحـة ... ففـي كـل مـرة تحضـر القـداس الإلهي كأنك في وقت الصليب تماماً والمسيح المصلوب هـو حاضـر فهل كل مرة تتقدم لهذا السر وأنت تشعر بحضور المسيح فيه ؟! القداس الإلهـي خـارج حيـز الـزمـن وكـأن المسيح يذكرنا : " خذوا كلوا . هذا هو جسدي " ( مت ٢٦ : ٢٦ ) ، وهـذا مـا يكــرره الأب الكاهن في القداس عن فم المسيح ، وبفاعلية عمل الروح القدس . يقول الآباء : " المسيحيون يقيمون سر الإفخارستيا ، وسـر الإفخارستيا يقيم المسيحيين " . أتتساءل الآن : لماذا لا أستفيد من القداس الإلهي ؟! دعنا نناقش سويا ما يمنعك من التمتع بالقداس الإلهي : الحضور المتأخر : كـل صـلوات القداس منـذ بدايتها ( عشية - باكر - تقدمة الحمل - قداس الموعوظين ـ قداس المـؤمنين ) إلى نهايتهـا وحـدة واحـدة وعـدم حضـور أي منهم يفقـدك جـوهرة ثمينـة مـن جـواهر فضلاً عن غياب التهيئة المناسبة للحضور بالاستعداد القداس الإلهي ، الذهني والروحي والجسدي .الحضـور الروتينـي : وفي ذلـك عـدم الاشتراك في المـردات والألحـان فالقداس الإلهي هو سيمفونية مقدسة مشتركة بين الكاهن والشماس والشعب . فضلاً عـن عـدم التركيز والتأمـل والانشغال بأمور الحياة ، ويتبقـى لنـا في هـذه النقطـة ... الانشغال بالإداريـات مثـل : جمـع العطاء ، البيع ، التنظيم ... التـي بـدورها تعـوق الإنسـان عـن التمتّع بالقداس الالهي . الحضور الشكلي : ولهذه النقطة محاور عدة مثل : عـدم التناول ، عـدم الاعتراف ، وكذلك الجلوس في المؤخرة ومحادثة الآخرين . كل ما سبق يمثل أساليب عدة يحـاول بهـا عـدو الخير أن يمنعـك عـن التمتع بالقداس الإلهي ، وبالتالي عن الشبع بالمسيح . أتود أن تسألني الآن : كيف أستفيد من القداس الإلهي ؟ في خطوات عملية سأوضح لك كيف يمكنك التمتع بالقداس الإلهـي ولكن في البداية ضع في قلبك أن القداس الإلهي هو رحلة شيقة للتمتع بالمعية الإلهية . ١- افهم سر الإفخارستيا ... كـن واعياً لعظمـة السـر وعمـل المسيح فيـه وكأنك تستحضر بداخلك ما صنعه الفادي المحب لأجلك . في طريقـك إلى الكنيسـة ردد : " فرحـت بالقائلين لـي : إلى بيـت الـرب تذهب " ( مز ۱۲۲ : ۱ ) ... امـلأ قلبـك وذهنـك بالاستعداد لمقابلـة ملـك الملوك ورب الأرباب . ۲- استعد بنفسك لكي مـا تشعر بعمـق هـذا السـر في حياتك ، فالاستعداد النفسي سيهيئ قلبك ليحل المسيح فيـه ... اقـرأ قراءات القداس الإلهـي الليلة السابقة ، وخذ قسطاً كافيـاً مـن النـوم ، كي تتجنب الإرهـاق الجسدي أثناء القداس الإلهي . ۳- شارك في القداس الإلهـي بكل كيانك ... اجلس في الصفوف الأمامية .احضـر مبكراً وقوفـك في القداس الإلهـي سيملأ قلبـك بالخشـوع وكأنك تمجد الله بتلك الصحة التي منحك إياها . ٤- اشترك في صلوات القداس الإلهي ... سبح الله بالمردات والألحان . 5- عش صلوات القداس الإلهي بفاعلية ... عش مع المسيح صلبه وقيامتـه في القداس الإلهي وانتظار الكنيسة لمجيئه الثاني . 6- ارفع قلبك بالصلوات سواء التي تمجد فيها الله على عظـم صـنيعه معنا ، أو التـي تطلـب فيهـا غـفـران خطايـاك ، أو تصلي لأجـل المتألمين والمرضى والذين رقدوا . استمتع بعشرة القديسين في المجمع المقدس ، ومـن خـلال الأيقونات ... أنظر إلى نهاية سيرتهم وتمثل بإيمانهم أتركك الآن مع باقة من أقوال الآباء عن القداس الإلهي : " إن اتحادنـا بالمسيح بتناولنـا مـن جسـده ودمـه ، أسـمـى مـن كـل اتحاد "( القديس أثناسيوس الرسولي ) .أعطانا ( الله ) جسده الحقيقي ودمه ، لكي تتلاشى قوة الفساد ، ويسكن في أنفسنا بالروح القدس ، ونصير شـركاء بالقداسة وأناساً روحيين " . ( القديس البابا كيرلس عمود الدين ) " إن المائـدة السـرية جسد المسيح تمـدنا بالقوة ضـد النـزوات وضـد الشياطين ، ذلك لأن الشيطان يخـاف مـن هـؤلاء الذين يشتركون في الأسـرار بوقار وتقوى " ( القديس البابا كيرلس عمود الدين ) " المسيحيون يقيمـون الإفخارستيا ، والإفخارستيا تقيم المسيحيين " . ( الشهيد فيلكس من القرن الثالث ) " نحن الكثيرين خبز واحد ، جسـد واحـد ؛ لأننـا جميعاً نشترك في الخبـز الواحد " ( القديس يوحنا الذهبي الفم ). " إن رئيس كهنتنا الأعظـم قـدم الذبيحـة التـي تطهرنـا ( على الصليب ) ، ومـن ذلـك الوقت إلى الآن تقدم نحن أيضـاً هـذه الذبيحة نفسـها . وهذه الذبيحة غير الفانية وغير النافدة ( لأنها غير محدودة ) هي نفسها ستتمم إلى انقضاء الدهر حسب وصية المخلص : " وهذا اصنعوه لذكري " . ( القديس يوحنا الذهبي الفم ) في النهاية أود أن أقدم لك تدريباً عملياً يقـودك لعمـق صـلوات القـداس الإلهي ، سأتركك عزيزي القارئ مـع إحـدى صـلوات القسمة التـي تقـال في القداس الإلهي ؛ لتتأملها ثم تدون تأملك ، وصلاة شخصية منها : أيها الابن الوحيد ، الإلـه الكلمـة الـذي أحبنا ، وحبـه أراد أن يخلصـنـا مـن الهلاك الأبدي . ولما كان الموت في طريق خلاصنا ، اشتهى أن يجوز فيه حباً بنا . وهكذا ارتفع على الصليب ليحمل عقاب خطايانا ، نحـن الـذين أخطأنا ، وهو الذي تألم . نحن الذين صرنا مديونين للعدل الإلهي بذنوبنا ، وهـو الـذي دفع الديون عنا . لأجلنا فضل التألم على التنعم ، والشقاء على الراحة ، والهـوان على المجـد ، والصليب على العرش الذي يحمله الكاروبيم . قبل أن يربط بالحبال ، ليحلنا من رباطات خطايانا ، وتواضع ليرفعنا ، وجـاع ليشبعنا ، وعطش ليروينا ، وصعد إلى الصليب عرياناً ليكسونا بثـوب بـره ، وفتح جنبه بالحربة لكي ندخل إليه ونسكن في عرش نعمته ، ولكي يسيل الـدم مـن جسده لنغتسل من آثامنا ، وأخيراً مات ودفن في القبر ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة أبدية . فيا إلهي إن خطاياي هي الشوك الـذي يـوخز رأسـك المقدسة ، أنـا الـذي أحزنت قلبك بسروري بملاذ الدنيا الباطلة . ومـا هـذه الطريق المؤدية للمـوت التي أنت سائر فيها يا إلهـي ومخلصـي ، أي شيء تحمـل عـلى منكبيـك ؟ هـو صليب العار الذي حملته عوضاً عني . ما هذا أيها الفادي ؟ ما الذي جعلك ترضى بذلك ؟ أيهان العظيم ؟! أيـذل الممجد ؟! أيوضع المرتفع ؟! يا لعظم حبك !! نعم هو حبك العظيم الذي جعلـك تقبل احتمال كل ذلك العذاب من أجلي .أشكرك يا إلهي وتشكرك عني ملائكتك وخليقتـك جميعاً لأني عاجز عـن القيام بحمدك كما يستحق حبك ، فهل رأينـا حبـاً أعظـم مـن هـذا ؟! فـاحزني يا نفسي على خطاياك التي سببت لفاديك الحنون هذه الآلام . ارسمي جرحه أمامك ، واحتمـي فيـه عنـدما يهيج عليـك العـدو . أعطنـي يا مخلصـي أن أعتبر عذابك كنزي ، وإكليل الشوك مجـدي ، وأوجاعك تنعمي ، ومرارتك حلاوتي ، ودمك حياتي ، ومحبتك فخري وشكري . یا جراح المسيح ، اجرحيني بحربة الحب الإلهي . يا موت المسيح ، أسكرني بحب من مات من أجلي . يادم المسيح ، طهرني من كل خطية . يا يسوع حبيبي ، إذا رأيتني عضـوا يابساً ، رطبنـي بزيت نعمتـك وثبتنـي فيك غصناً حياً أيها الكرمة الحقيقية . وحينما أتقدم لتناول أسرارك ، اجعلني مستحقاً لذلك ومؤهلاً للاتحاد بك . لكي أناديك أيها الآب السماوي بنغمة البنين قائلاً : أبـانـا الذي . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
27 يناير 2023

مدرسة الرهبنة

الرهبنة والحياة الديرية مدرسة عظيمة تكونت عبر الأجيال منذ القرون الأولى لنشأة هذه الحياة في براري مصر ولهذه المدرسة مناهج ومعالم وأخبار وقصص وسِيَر وحكم وأقوال واختبارات عميقة ومذهلة ومتجددة وفعالة، واكتسبت قدرتها وفعلها عبر الزمن، وصار لها جذور وأصول شكّلت في مجملها فلسفة إنسانية راقية وروحانية مسيحية عالية.والواقع أن البشر ضعفاء مُستعبَدون لتفاهات هذا العصر الكثيرة، فإنسان اليوم يقيس تقدمه بما يملك: بسيارته، بمنزله، بأثاث بيته، بملابسه، بمقتنياته، بأمواله وحساباته... ويرى أنه قد بلغ الكمال لمجرد أن عنده أحدث كمبيوتر وبريد إلكتروني وصفحه على مواقع التواصل الاجتماعي... وغير ذلك... وتكون النتيجة لكل هذا أن يعجز عن رؤية حقيقيه وتشخيص ضعفاته التي تحصره في نطاق الترابيات وتبعده عن السمائيات... وكما نصلي في الأجبية ونقول: "إن العمر المنقضي في الملاهي يستوجب الدينونة" (صلاه النوم - القطعة الأولى).ورغم التقدم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي في مسيرة البشر، إلّا أن الصراعات والنزاعات والعنف والجريمة والإدمان والتفكك ما زالت قائمة وتزداد حدة، وكأن الانسان يفقد صوابه رويدًا رويدًا.ولذلك صارت الرهبنة مرآة لحقيقه الوجود الإنساني لأنها باختصار هي «الحياة بحسب الإنجيل» (فيلبي١: ٢٧)، والانجيل هو: «كلمه الله الحيّة والفعّالة والأمضى من كل سيف ذي حدين، والخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، والمُميِّزة أفكار القلب ونيّاته» (العبرانيين ٤: ١٢)، ومن هنا -من الإنجيل- اكتسبت الرهبنة لمعناها وعمقها وجاذبيتها حيث تكونت الجماعات الرهبانية الأولى في البراري المصرية الشرقية والغربية والجنوبية تحت إرشاد الآباء المؤسسين لهذه الحياة أمثال أنطونيوس الكبير ومكاريوس الكبير وباخوميوس الكبير وغيرهم الكثيرون، ومن جيل إلى جيل، وامتدت هذه الحياة الصادقة إنسانيًا من مصر إلى ربوع العالم، ويكاد لا توجد بلد بلا دير أو رهبان أو راهبات. شاعت المدرسة الرهبانية بالصلاة والعبادة والخدمة تقدم نموذجًا رفيعًا للإنسان الذي يعطي أشواقه وعشقه للمسيح يسوع، الذي سبق وأعطانا هذا الحب الإلهي المتدفق على خشبة الصليب نحو كل البشر قائلًا: «تعالوا إليّ يا جميع المُتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم فتجدوا راحة لنفوسكم» (متى ١١: ٢٨).والحياة بحسب الإنجيل ليست قصرًا على الرهبان، وإنما كل مسيحي مدعو أن يعيش بمقتضى الإنجيل، وتصير الرهبنة نموذجًا متقدمًا لهذه الحياة والتي تُعتبر تذوُّق مسبق لملكوت الله، بمعنى أن الراهب الحقيقي يعيش الأبدية في قلب الزمن، ولا يرى أمامه ألّا السماء والنصيب السماوي، ولا ينشغل بالأرضيات التي يتوه فيها ويفقد طريقه ومسيرته ودوره الحقيقي الذي صار من أجله راهبًا أو راهبة.ورغم أن هناك -وفي كل زمان- قلّة من الرهبان يكتفوا بالشكل دون الجوهر، إلّا أن الغالبية يعيشون هذه الحياة الرهبانية بكل فرح ومسرة، في جهاد روحي عميق والتزام رهباني أصيل، ناظرين فقط إلى رئيس الإيمان ومُكمِّله ربنا يسوع المسيح. وأود في هذه المقال أن أذكر بعض أقوال من اختبارات الحياة الرهبانية وجمالها: مخافة الله السراج المضاء يبدد العتمة، أمّا مخافة الله فتبدد ظلمة القلب البشري وتعلمه الوصايا الإلهية. سأل شاب أحد الشيوخ: كيف تستطيع النفس أن تقتني مخافة الله؟ فأجابه الشيخ: ثَمّة طريقان يقودان النفس إلى مخافة الله: التواضع واللا قنية. نصح شيخ تلميذه: لا تألف نقد أخيك على أعماله، بل بادر إلى نقد نفسك... وبهذا تولد مخافة الله فيك. حياه الغربة الغربة الحقيقية هي أن يعرف المرء كيف يضبط لسانه حيثما حلَّ. إن من يخطئ في حياته عليه أن يفصل نفسه عن الناس، إلى أن تتم مصالحته مع الله، وذلك لأن الاتصال الدائم بالناس من شأنه أن يعرقل الاتصال بالله. إن لم تروّض نفسك على الصمت اولًا، فحتى ولو ذهبت الى آخر بقاع الأرض لا يمكنك ان تبلغ الغربة. حياه الطهارة اشتكي أحد الإخوة لأبيه الروحي: أوشكت ان أموت بسبب أفكار الدنس...! فقال له الشيخ: تعلّم من الأمهات اللاتي يضعن المُرّ على صدورهن عندما يفطمن أولادهن فيرفض الطفل الرضاعة، هكذا أنت اجعل في ذهنك ذكر الموت والعذاب الأبدي فتنفطم عن الأفكار الدنسة. يستحيل أن يصبح الإنسان عديم الهوى طلبًا للطهارة، ألّا إذا سكن الله في داخله. ينبغي أن نكبح جماح الغضب بطول الأناة، أمّا شهوة الجسد فنجفّفها بالتعب الجسدي وبالصوم المغبوط. اليقظة والتمييز لا تدع ضميرك يلومك ويعاتبك في أي شيء. إن كنا لا ندرس فنحن لن نتقدم في الفضائل. سأل الأب موسى أباه الروحي: هل يستطيع الإنسان أن يبدأ كل يوم جديد؟ فأجابه الشيخ: إن كان هذا الانسان محبًا للفضيلة، ليس فقط كل يوم، بل كل لحظة أيضًا يمكنه أن يبدأ من جديد. بمناسبه تذكار نياحة الأنبا انطونيوس أب جميع الرهبان (22 طوبه-30 يناير).كل سنة وأديرتنا ورهباننا وراهباتنا بخير وفرح وسلام. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
11 نوفمبر 2022

مفهوم الاتحاد الزيجي الاتحاد الفكري

الأسرة هي المكون الطبيعي لأيّة كنيسة أو مجتمع، وباعتبار الزواج ليس قرارًا سهلًا قررنا في المجمع المقدس أن يكون هذا العام (من يونيو 20٢٢ إلى يونيو 20٢٣) في كل الاجتماعات والإبيارشيات داخل وخارج مصر، للتركيز على مواضيع الأسرة ‏بكل تنوعاتها: المقبلين على الزواج، حديثي الزواج، أو من لهم عشر سنوات، بحيث يكون هناك حملة توعية كبيرة من أجل سلامة الأسرة المسيحية. لا بد أن تكون المفاهيم التي تقوم عليها الأسرة واضحة وحاضرة أمامنا في كل، وهذا الأمر كبير وليس سهلًا، وهو مسئولية كل أب وكل أم، كل شاب وكل شابة؛ مسئوليتك في تكوين واختيار الأسرة التي ستنتمي لها، وتكوينها بنعمه المسيح. لذلك في الاجتماع الأسبوعي خلال فترة صوم الرسل (في الإسكندرية)، سنتناول موضوعات أسرية تهم جميعكم، وكما ذكرت فنحن نشجع الآباء الأساقفة والآباء الكهنة على تناول هذه المواضيع لأهميتها، ولأن هناك أفكارًا غريبة تغزو الأسرة، مثل مفهوم الجنس والنوع وغيرهما... نقرأ جزءًا من رساله معلمنا بولس إلى أفسس، حيث كتب عن الأسرة، وهو الفصل الذي يُقرَأ في سر الزيجة المقدس: «فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ. وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ، مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ. خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ اللهِ. أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ. كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ. لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. «مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا». هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ. وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا» (أف5: 15-33). أريد أن أكلمكم عن مفهوم الاتحاد الزيجي في خمس مجالات: (1) الاتحاد الفكري، (2) الاتحاد العاطفي، (3) الاتحاد الروحي، (4) الاتحاد الاجتماعي، (5) الاتحاد الجسدي. هذه الخمس مجالات تشكّل قوام الاتحاد الزيجي. سنتحدث اليوم عن الاتحاد الفكري.. هو إنسان فاضل، يصلي ويطلب من الله أن يختار له إنسانة فاضلة، وهي كذلك بالمثل تطلب من الله أن يختار لها زوجًا مناسبًا، وفي الوقت المناسب يلتقيان وتحدث الخطوبة. قرار الزواج ليس قرارًا سهلًا. بعض العلماء يقولون إن قرار الزواج للأفراد يساوي قرار الحرب للدول. نقطة البداية مهمة وإلّا سيتوه الطرفان في رحلة الحياة. تكوين الأسرة يحتاج شخصًا ناضجًا جدًا، نفسيًا وعقليًا وعاطفيًا وروحيًا.الاتحاد الفكري هو بداية الخطوبة، وهي المرحلة التي يكثر فيها الكلام بين الخطيبين ليعرفا أحدهما الآخر، مثلما قال الإنجيل «لغتك تظهرك» (مت26: 73). الخطوبة ليست مجرد وعد ولا عقد ولا مشروع، بل هي دعوة للاتحاد الشامل عاطفيًا وروحيًا ونفسيًا وجسديًا، هي دعوة وبداية لإتمام سر الزيجة المقدس. في فترة الخطوبة يجب ان يضع الخطيبان في ذهنيهما أن الأسرة أيقونه الكنيسة، أيقونة حية. الخطوبة تبدأ بالصلاة، ولهذا هي بداية لطريق القداسة والطهارة، وكأن الصلاة في الخطوبة معانها أن الله شاهد على هذه الخطبة. أحيانًا ينشغل الخطيبان بمظاهر الخطوبة من ثياب وأكل وشرب، وينسيان جوهر الموضوع! ارتباط الخطبة بالصلاة يعني أن الله شاهد عليها، وأنها تتم تحت رعايته. كذلك تتم الخطبة في العلانية الكنسية، حيث يحضر الخطيبان وأسرتيهما والمدعوين؛ والعلانية نوع من الالتزام من كلا الطرفين والأهل. كذلك هناك محضر للخطبة (شاع جدًا كلمة نصف إكيل وهي تسمية خاطئة)، والمحضر دليل على صدق رغبة الخطيبين في تكوين أسرة تدوم مدى الحياة؛ وتعجبني كثيرًا كلمة "شريك الحياة". ماذا يفعل الخطيبان في فترة الخطبة؟ هي فتره يتبادل فيها الخطيبان الأفكار. أرقى ما في الإنسان هو العقل، والغرض من هذه الفترة هو تبادل الحديث لكي يتعرّف كل منهما على الآخر وعالمه وأسلوب تفكيره في المستقبل، وكيف يمكن أن يرضي كلٌّ منهما الآخر ويعطيه المكانة اللائقة ويقدم له المحبة، وانتبهوا لأن المحبة بالكلام هي أرخص محبة، ولكن المحبة الحقيقية هي أعمال مثلما عمل السيد المسيح حين نزل من السماء وتجسد وصُلِب ليبين محبته لنا. كذلك يجب أن يكون الكلام موزونًا، سواءً حين يلتقيان أو تلفونيًا أو غيره، يحاولان إيجاد ماهو مشترك بينهما. الزواج السليم والصالح أن يكتشف الزوج زوجته كل يوم، وكذلك هي. الزواج رحلة يتغير في الإنسان من يوم إلى يوم. في الخطوبة يتبادل الخطيبان الأفكار والكلام والاشتياقات والطباع، كيف يحترم أحدهما الآخر وكيف يعبران لبعضهما عن محبتهما. فترة الخطبة هي فترة يكتشف فيها أحدهما الآخر، ويفكران في كيفية إدارة الحياة. هذا هو الاتحاد الفكري، أن أفهم الآخر والاختلافات وغير ذلك.وإذا تم الاتحاد الفكري، فستجد أن أن الأربعة اتحادات الباقية تمت تلقائيًا. افهموا بعضكم البعض، تفهموا مخاوف بعضكما، ولكن أريد أن ألفت نظركم لشيء هام في موضوع الخطبة؛ من الطبيعي أن البنات تحب أن تتكلم كثيرًا، وشيء طبيعي أن الرجال قليلو الكلام. الرجل دائمًا يتكلم بالعقل ثم القلب، ولكن المرأة تتكلم بالقلب ثم العقل، فعلى بيل المثال حين يحكي الرجل حكاية، سيحكيها في دقائق لكن المرأة قد تحكيها في ساعتين، حذارِ أيها الرجل أن تخطئ وتطالبها بالاختصار، أو توجهها لما يجب عمله، وإيّاكِ أيتها المرأة أن تتهميه بأنه يخفي عنكِ أشياء حين يحكي باختصار، هذه طبيعة كليكما، لهذا نت المهم في فترة الخطوبة أن تفهما أحدكما الآخر، لا يحاول أحدكما أن يجعل الآخر نسخة منه، بل كلٌّ منكما له طبيعة وكيان خاص، وعيكما أن تكتشفا كيف تتلاقيان وتتفاهمان وتتشاركان وتتحدان.في فترة الخطوبة يجب أن يعرف الخطيبان أسرة أحدهما الآخر، فالزواج ليس ارتباط رجل وامرأة فقط، ولكنه ارتباط أسرتين، لذلك يجب أن يحصل كلا الخطيبين على مباركة أسرتيهما للارتباط. أخيرًا هناك ثلاثة أشياء تفسد الخطبة: (1) الغيره المتطرفة أو الأنانية، (2) الماضي، (3) الأمور المادية. الخلاصة أيها الأحباء: إن أرد الإنسان أن يبدأ مشروعًا قويًا للارتباط، وتكون الأسرة الجديدة بالحقيقة مصنع قديسين، عليه أن يبدا بالاتحاد الفكري. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
18 نوفمبر 2022

مفهوم الاتحاد الزيجي الاتحاد العاطفي

يسكب الله العاطفة في الإنسان، ولذا فهي شيء مقدس يضعه الله في الإنسان أثناء رحلته، فالطفل تتلاقى عيناه مع عيني أمه وهي تحتضنه، ترضعه، تنام بجواره، فتتكون عاطفة عند الطفل تجاه أمه. وهكذا بالنسبة للأب الذي يداعبه ويحضر له ما يحبه، فتنمو عاطفته تجاه أبيه، شاعرًا أن أباه وأمه هما كل الحياة، ثم يكبر فيلتحق بالحضانة ثم المدرسة، ويبدأ في الانفصال عنهما قليلًا قليلًا، حتى إذا ما بلغ سن المراهقة بدأ ميله تجاه الجنس الآخر، وهي نعمة من الله وضعها في قلب الإنسان. هذه العاطفة يسمّونها في علم الاجتماع "الجنسية الغيرية العامة"، بمعنى أنها لا تكون موجّهة تجاه شخص محدّد، إنما تجاه الجنس الآخر عمومًا، والولد والبنت المنتبهان يحفظان هذه العاطفة القوية في قلوبهم فتكون أثمن ما يمكن أن يقدّماه لشريك المستقبل. وكلّما نضجت الفتاة أو الشاب، تبدأ العاطفة العامة أن تضيق وأن تتخصّص حتى تتركّز في شخص واحد يرى فيه الشاب أن هذه هي الفتاة المناسبة له، والفتاة نفس الأمر، وهو ما يُسمى بمرحلة "النضج العاطفي". يحدث القبول والإعجاب، ثم مع الصلوات ومع المشورة، وأخذ الوقت الكافي لمعرفة الطرف الآخر يتم الارتباط. لكن إن حدث أن الشاب أهدر عاطفته قبل الارتباط، لا يجد ما يقدمه للفتاة التي سيرتبط بها يومًا من الأيام، فيكون كمثل شاب يركب الترام وتراه كل محطتين أو ثلاث يقوم بتمزيق ورقة مالية، مئة جنيه مثلًا، ليلقيها في الهواء من شباك الترام! فترى أنه شخص مجنون لا يقدّر قيمة المال، هذا المثال البسيط للشاب أو الفتاة اللذين يقيمان علاقات بلا معنى، وهذا يفسّر سبب الشجار والانفصال بين الزوجين بعد ما كان يبدو بينهما من مشاعر الحب، لأن هناك ما يُسمى بإناء المشاعر، فحينما يمتلئ القلب بالمشاعر يصبح لديه خزين ثمين يقدمه لشريكه، والقلب الممتلئ بتلك العاطفة النقية هو أثمن من كل الهدايا المادية من ذهب وغيره. بولس الرسول يوصي تلميذه تيموثاوس، الذي كان شابًا، قائلًا: «احفظ نفسك طاهرة» (1تي5: 22)، ونفس الكلام ينطبق على الشاب والشابة اللذين يتجهان للرهبنة أو التكريس، يمتلئ إناء المشاعر وتصبح هذه العاطفة موجّهة لله.كلمة الحب مكوّنة من حرفين، فلنقل أن الـ"ح" حياة، والـ"ب" بقاء- أي أن الحب هو بقاء الحياة، فبدون حب لا توجد حياة. والكتاب المقدس ذكر كلمة حب أكثر من ٢٥٠ مرة. وأكثر سفر نسميه سفر الناضجين الذين نضجوا روحيًا، هو سفر نشيد الأنشاد الذي يتكلم عن المحبة، وجعل حبه الأوحد هو حب المسيح للنفس البشرية. توجد خمس احتياجات لدى أي إنسان: احتياجات بيولوجية أي جسدية، نفسية، عقلية، اجتماعية، وروحية. الاحتياجات الجسدية مثل الطعام والشراب والملبس والمسكن... النفسية: كالحاجة إلى التشجيع، الأمان، الحرية، الحب والاحتواء سواء من الأهل أو من الأصدقاء. احتياجات عقلية: من خلال القراءة، السفر، الاطلاع... احتياجات اجتماعية: كل إنسان يحتاج مجتمع ينتمي إليه: وطن، مدرسة، جامعة، نقابة.. وأخيرًا احتياجات روحية: الإنسان محتاج إلى الله. في كتب الدراسات النفسية يقولون إنه احتياج للمطلق، للخلود. لكن تُرى ما هو أهم هذه الاحتياجات؟ بعد دراسات كثيرة، قالوا إن أهم هذه الاحتياجات هو الحاجة إلى الحب، هو المفتاح. لمّا رأى الله الإنسان غارقًا في خطاياه، نزل ليتمم الفداء لكل البشر، ويقول: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16)، لأنه يعرف أن مفتاح قلب الإنسان هو الحب. «هكذا أحب الله العالم»: كل البشر في كل مكان في كل العصور. لذلك أيها الشاب والشابة، عندما تبدآن بناء أسرة مقدسة يجب أن تكون العاطفة عندكما كاملة، ناضجة، نقية، طاهرة. في الإكليل يصلي الكاهن: "املأ قلبيهما بالمحبة الروحانية"، فهناك أنواع من الحب، أشهرها ثلاثة: حب الشهوة، الذي يبدأ وينتهي سريعًا جدًا. الحب الثاني حب (الفيلو)، وهو حب اجتماعي، ويندرج تحته حب العمل أو المكان أو الوطن. النوع الثالث حب روحاني، وهو المقصود في طلبة الإكليل، المحبة التي على مستوى حب المسيح للكنيسة «أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدسها مطهِّرًا إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس بها ولا غضن»، غضن معناها (الكرمشة) أي لتظل كنيسة المسيح صبية، كذلك يبقى الزوجان شبابًا حتى وإن تقدم بهم العمر وكبر أولادهما، لكن تظل نظرتهما إلى بعضهما نظرة شبابية، وحبهما لبعضهما قويًا ويزداد قوة يومًا بعد يوم.الحب هو فن إسعاد الآخر، وهو ليس بكلام سرعان ما يتبخر في الهواء، هذا هو أرخص أنواع الحب، لكن بالعمل والتفنُّن في إسعاد الآخر، وإسعاد الوالدين لأبنائهما، وهذه هي قيمة الأسرة. أهم ملامح فن إسعاد الآخر ألّا يكون هناك أنانية، لذلك أنصحك ألّا تتزوج إن كنت أنانيًا، ولا حتى أن تتقدم للتكريس أو الخدمة، لكن انتبه لنفسك. فالحب الحقيقي هو في إسعاد الآخر، أمّا حب الإيروس، وحب الفيلو، والحب الذي نشاهده على شاشات التلفزيون، هو حب تجاري. احفظ مشاعرك نقية طالما انتويت أن تؤسس بيتًا مسيحيًا مقدسًا قائمًا على أن «اثنين خير من واحد» (جا4: 9)، وأن «الخيط المثلوث لا ينقطع سريعًا» (جا4: 12)، لأن الرابطة الزيجية هي رابطة ثلاثية؛ هي وهو والمسيح، الثلاثة مع بعضهم، بحيث يكون المسيح هو مركز الحياة. في الزواج المسيحي يدرك الشريك أنه يستلم شريكه من يد المسيح نفسه، لذلك تكون قيمته غالية جدًا، ومكانته أعلى من الجميع بالنسبة لشريكه.في سفر النشيد يقول العريس للعروس: «أريني وجهكِ، أسمعِيني صوتكِ» (نش2: 14)، هكذا مع زوجتك، تحب أن تراها وتسمع صوتها فتتبادلان العاطفة بينكما. يقولون إن الوجه المحبوب مرغوب.احذروا إذًا ممن يشوّهون قيمة الأسرة، فالأسرة المسيحية تقوم على أساس: «النفس الشبعانة تدوس العسل» (أم27: 7)، فالنفس الشبعانة بالحب تدوس أي إغراء. ابدأوا في البناء العاطفي، والاتحاد بعاطفة نقية حقيقية. ولنلاحظ أربعة أشياء هي أغلى هدايا يُعبَّر بها عن الحب: الهدية الأولى هي الوقت: أغلى هدية تقدمها لأحد أن تجلس لتتكلم معه، وهو احتياج حقيقي، حتى أن الله لمّا خلق آدم قال: ليس حسنًا أن يكون آدم وحده، بل أخلق له معينًا نظيره لكي يتكلم معه، لأنه كان يسكن مع الحيوانات فلا يتبادل حديثًا مع أحد، فمن عظامه خلق حواء، لها نفس رجاحة عقل آدم ليتكلما. لذلك احترسوا مما يسرق الوقت لأنه يسرق عمرك! فبدلًا من أن تجلس مع خطيبتك أو زوجتك أو أولادك كل يوم لتتكلموا في كل الأمور، يصبح الحديث في التليفون أو الانشغال به حاجزًا يفقد الشخص تركيزه مع أسرته وأولاده. الهدية الثانية هي كلام التشجيع: كلام المشاركة، الكلام المفرح، وتجنُّب الكلام الجارح الذي يؤذي أكثر من الرصاص. الهدية الثالثة شكل من التعبير عن الحب هو الهدايا: ليس بقيمتها أو شكلها، إنما بما يحبه الشخص. فالهدايا البسيطة الجميلة ليست بغلو ثمنها وإنما بقدر ما تحمله من مشاعر رقيقة. وأخيرًا، الهدية الرابعة هي المفاجآت اللطيفة: حتى ولو كانت صغيرة، قد تكون رحلة، نزهة... المفاجآت تنعش الحياة، والكلام هنا للطرفين بالتساوي. الخلاصة: عن طريق الاتحاد العاطفي تُبنى الثقة، والثقة تحتاج إلى الأمانة والوضوح والتقدير والحنان، الاشتياق للآخر والانشغال بالآخر. ليحفظكم الرب ويبارك حياتكم، ولتكن كل أسرة فيكم أسرة مقدسة. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
11 أغسطس 2023

مائة درس وعظة ( ٢٦ )

عين مستنيرة « الاستنارة » « سراج الجسد هو العين ، فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا » ( لو ١١ : ٣٤ ) العين ليس المقصود بها العين الخارجية ، ولكن المقصود بها العين الداخلية الروحية ، عين قلبك . أولا : العين في الكتاب المقدس الكتاب المقدس يحدد لنا نوعين من العيون العين البسيطة النقية ، والعين الشريرة المظلمة . وترتبط العين في الكتاب المقدس بالآتي : ١- الوصـيـة : في المزمـور ۱۹ : « وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب » . ٢- التحذير : في سفر الجامعة « العين لا تشبع من النظر ، والأذن لا تمتلئ من السمع » ( جا ١ : ٨ ) . ٣- الوعـود : الله يسـتـخـدم الـعين ليـقـدم لنا وعوده . أ - « من يمسكم يمس حدقة عينه » ( زك ٢ : ٨ ) . ب - « عيني الرب على الأبرار ، وأذنيه إلى طلبتهم ، ولكن وجه الرب ضد فاعلى الشر » ( ۱ بط ٣: ١٢ ) . ج - « ما لم تر عين ، ولم تسمع اذن ، ولم يخطر على بال إنسان : ما أعده الله للذين يحبونه » ( ۱ کو ٢ : ٩) ثانيا : . العين في الفن القبطى نلاحظ مثلاً في رسم أيقونات القديسين ما يلي : - ١- العينان الاثنان : دائما ما ترسم العينان الاثنان تعبيرا على أن الإنسان له عينان واحدة داخلية وأخرى خارجية. ۲- الاستدارة : الاستدارة هي رمز لله لأنه ليس له بداية ولا نهاية . ثالثا : أهمية العين ١- مدخل للمعرفة : معظم ما تعرفه في حياتك وصل إليك من خلال عينيك . ۲- قائدة الجسد : العين تقـود الـجـسـد فكرا ومشاعر ومعرفة . ۳- مـدخـل للـعـثـرة : العين سبب في قـصـة السقوط . رابعا : العين الشريرة ١- طائشة : مثال ( الغني الغبي ) . ۲- ديانة : عين تدين وتنتقد ، مثال الفريسي الذي أقام وليمة للسيد المسيح . ٣- أنانية ٤- طماعة ه - شهوانية : وأمثلة هذه العيون كثيرة منها شمشمون ٦- قاسية خامسا : العين المستنيرة العين النقـيـة تبدأ بالنظر إلى الله وإلى يده التي تعمل ونضع أمامك العين النقية وهي عين فيها بعض الصفات منها : - ۱. عين الإيمان : عندما أرسل موسى رجالاً لكي ما يتجسسوا الأرض .عين الإيمان تعنى أن الله حاضر : فهو موجود . الله قادر : فهو قوى لا يعسر عليه أمر الله عـادل : فهـو يـعـمـل معنا في الحـاضـر والمستقبل . ۲- عين الرجاء : هي عين رؤيتها للأمور دائما إيجابية هي عين ترى التوبة وسط ضعف الخطية .عين الرجـاء هي نفس العين التي كانت عند المرأة السامرية . عين الرجاء هي نفس العين التي كانت عند الابن الضال .عين الرجـاء كـانت عند المريمات اللواتي في فجر القيامة فكرن في من يدفع الحـجـر ولكن هذا السؤال لم يمنعهن من الذهاب . ٣- عين الرضا : هي عين شـاكـرة وراضـيـة والإنسان الراضي الله يعطيـه نـعـمـا أكـثـر « شاكرين كل حين على كل شيء » ( أف ٥: ٢٠ ) ليست مـوهـبـة بـلا زيادة إلا التي بلا شكر ( القديس مارإسحق ). سادسا : - طريق الاستنارة لتمتلك العين المستنيرة ضع أمامك : ١- الوجود مع الله : تعلم كيف تكون في حضرة المسيح .في كل مرة تقف تصلي .. أنت في حـضـر المسيح . ضع أمامك أيقونة محبوبة لربنا يسوع توجه فكرك ومشاعرك . اقض فترة من الصمت لتسمع صوت المسيح . تعلم أيضا كيف تتكلم مع المسيح ، وتدرب على ذلك . ٢- الحياة بالإنجيل : كتابك المقدس تشتم فيه أنفاس الله وتستنير عيناك . اجعل الإنجيل مفتوحا دائما في بيتك وفي حياتك . ٣- الأماكن المقدسة : زيارة الأديرة والكنائس القديمة وقضاء فترة خلوة . زيارة أماكن رفات القديسين ونوال بركتهم بوعي وليست كعادة . زيارة المواضع المقدسة التي عاش فيها الآباء القديسون. ٤- مصاحبة القديسين : تعرف سيرتهم وتتمتع بأقـوالـهـم وتـتـمـثل بإيمانهم وتزور أماكنهم . من الطقوس الجميلة في الكنيسة أننا يوميا نقرأ سير القديسين من خلال السنكسار . من الـتـقـالـيـد الـجـمـيـلـة أننا نسمي أبناءنا بأسماء القديسين . ه . الخدمة العملية : مثل خدمة ذوى الاحتياجات الخاصة ، أو الذين ليس لهم أحد يخدمهم ... احفظ عينيك طاهرة لكي ما يكون جسدك كله طاهرا ، ودرب نفـسـك وأنت تقرأ في الكتـاب المقدس أن تجد كل الآيات التي تتكلم عن العين .
المزيد
14 أكتوبر 2022

المسئولية الأسقفية جـ2

تحدثنا في العدد الماضي عن ثلاثة جوانب من المسئولية الأسقفية، وكان حديثنا بمناسبة سيامة عَشرة آباء أساقفة جدد لبعض الإيبارشيات وبعض الأديرة، وهذه الجوانب الثلاثة التي تحدثنا عنها هي: أولاً: المسئولية الشخصية أي التخلي عن الذات. ثانيًا: المسئولية الروحية أي النمو الروحي المستمر. ثالثًا: المسئولية الأبوية أي الأبوة لكل الشعب. واليوم نستكمل الحديث في ثلاثة جوانب أخرى هي: رابعًا: المسئولية الرعوية: كل جوانب الرعاية المناسبة لطبيعة الشعب وقطاعاته. مسئولية الأسقف الرعوية هي مسئولية ضخمة وتتكامل مع مسئوليته الأبوية. أولاً: تحتاج كأسقف أن تعرف شعبك واحتياجاته الرعوية: «مَعْرِفَةً اعْرِفْ حَالَ غَنَمِكَ، وَاجْعَلْ قَلْبَكَ إِلَى قُطْعَانِكَ» (أم27: 23). ثانيًا: تحتاج مهارات روحية وعملية لتلبية هذه الاحتياجات الرعوية.. وجِّه قلبك نحو شعبك واشعر بهم، وعندها سيمنحك الروح القدس المهارات العملية لتلبية ما شعرت به من احتياجات الشعب: «فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ، وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ» (مز87: 72) ثالثًا: تذكر أنك كراعٍ تتحمل المسئولية وتتخذ قرارات ولكنك لا تتسلّط على الشعب إطلاقًا.. سلطان الأسقف هو للخدمة وليس للتسلُّط.. والفرق كبير.. تذكر كلمات بطرس الرسول وضعها أمامك دائمًا: «ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ» (1بط5: 2، 3).وهنا نذكر مثل دِيُوتْرِيفِسَ الذي رفضه يوحنا في رسالته الثالثة.. ما حدث هو أن دِيُوتْرِيفِسَ (الذي يقوته زفس) كان كما يظن المفسرون أسقفًا يرى نفسه سيدًا متسلطًا، وبالرغم من أن يوحنا الرسول هو الأكبر كنسيًا إلّا أنه كان يرى نفسه "الأول" ولا يقبل كلام يوحنا.. ولا يقبل الرعية، بل ويطردهم..! «كَتَبْتُ إِلَى الْكَنِيسَةِ، وَلكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ لاَ يَقْبَلُنَا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي يَعْمَلُهَا، هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَال خَبِيثَةٍ. وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهذِهِ، لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ» (3يو1: 9-10). مثال آخر هو الرعاة الذين رفضهم الله بلسان حزقيال النبي: «الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ» (حز34: 4).. ثم قال الله إنه سيقوم بالرعاية الصحيحة كما ينبغي: «أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْل» (حز34: 15-16). خامسًا: المسئولية المالية: كل ما يرسله الله من مال في أيدينا ليس لنا فضل فيه. نحن أمناء على استخدامه وتقديمه لمصلحة الرعية.الأسقف راهب تخلّى بإرادته عن أيّة ممتلكات.. ودخل الرهبنة ثم الأسقفية وهو لا يملك سوى التقوى: «وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ. لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ» (1تي6:6-7).ولكي نفهم طريقة التعامل مع الأموال التي يباركنا الله بها في خدمتنا، وكيف نتعامل بشفافية فيها نرى هذا المثال «كما هو مَكتوبٌ: «الّذي جَمَعَ كثيرًا لَمْ يُفضِلْ، والّذي جَمَعَ قَليلًا لَمْ يُنقِصْ». ولكن شُكرًا للهِ الّذي جَعَلَ هذا الِاجتِهادَ عَينَهُ لأجلِكُمْ في قَلبِ تيطُسَ، لأنَّهُ قَبِلَ الطِّلبَةَ. وإذ كانَ أكثَرَ اجتِهادًا، مَضَى إلَيكُمْ مِنْ تِلقاءِ نَفسِهِ. وأرسَلنا معهُ الأخَ الّذي مَدحُهُ في الإنجيلِ في جميعِ الكَنائسِ. وليس ذلكَ فقط، بل هو مُنتَخَبٌ أيضًا مِنَ الكَنائسِ رَفيقًا لنا في السَّفَرِ، مع هذِهِ النِّعمَةِ المَخدومَةِ مِنّا لمَجدِ ذاتِ الرَّبِّ الواحِدِ، ولِنَشاطِكُمْ. مُتَجَنِّبينَ هذا أنْ يَلومَنا أحَدٌ في جَسامَةِ هذِهِ المَخدومَةِ مِنّا. مُعتَنينَ بأُمورٍ حَسَنَةٍ، ليس قُدّامَ الرَّبِّ فقط، بل قُدّامَ النّاسِ أيضًا» (2كو8: 15-21).هنا يطلب بولس من أهل كورنثوس أن يتبرعوا بالمال لخدمة إخوتهم في اليهودية، ويوضح لهم: 1) نزاهة الخادمين تيطس ورفيقه اللذين ائتمنهما بولس لحمل "العطية الكبيرة". 2) أن الخدمة لمجد الرب فقط. 3) أنه يوضح بشفافية حتى لا يُلام مع أنه لن يحمل العطية بنفسه. 4) أنه في الأمور المالية يجب أن نراعي الناس أيضًا ولا نكتفي بأن الله يعلم نزاهتنا. مثال آخر نذكر أبانا إبراهيم لأنه كان مثالاً في النزاهة في أكثر من موقف، ومنها أنه عندما انتصر إبراهيم لابن أخيه لوط وملك سدوم: «وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لأَبْرَامَ: «أَعْطِنِي النُّفُوسَ، وَأَمَّا الأَمْلاَكَ فَخُذْهَا لِنَفْسِكَ». فَقَالَ أَبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ: «رَفَعْتُ يَدِي إِلَى الرَّبِّ الإِلهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ آخُذَنَّ لاَ خَيْطًا وَلاَ شِرَاكَ نَعْل وَلاَ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ لَكَ، فَلاَ تَقُولُ: أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ» (تك14: 21-23).تذكر معي عبارة القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم الأسبق عندما قال: لا حزنا، ولا عوزنا". المال هو للخدمة: للمحتاجين.. للتعليم.. للتعمير... وليس للاكتناز تحت أي سبب. يمكنك أن تستخدم المال الذي بين يديك في مشروعات المدارس بأنواعها والعيادات والمستشفيات والتي تخدم قطاعات كبيرة من المصريين... سادسًا: المسئولية التعليمية: إيجاد الوسائل والاجتماعات والمناسبات التي يتم فيها التعليم، والتعليم البنائي وليس الروحي فقط، في المجالات الكنسية والعقائدية والإيمانية والتاريخية والمستقبلية... الخ. التعليم هو الدور الأساسي للأسقف كما يقول بولس لتيموثاوس «صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ» (1تي3: 2) ولتيطس: «لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ» (تيطس 1: 9). أولاً يجب أن يتصف الأسقف المعلم بالآتي: «وَعَبْدُ الرَّبِّ 1) لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ 2) مُتَرَفِّقًا بِالْجَمِيعِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، 3) صَبُورًا عَلَى الْمَشَقَّاتِ، 4) مُؤَدِّبًا بِالْوَدَاعَةِ الْمُقَاوِمِينَ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ» (2تي2: 24-26). ثانيًا ينبغي أن يكون كل تعليمنا مبنيًا على المسيح وأساسه المسيح: «فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ، بِنَاءُ اللهِ. حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (1كو3: 9-11). ثالثًا يكون التعليم بكل طريقة جديدة وقديمة، وفي كل وقت، ليس بالوعظ فقط بل بالإرشاد السريع، وبالانتهار إذا تطلّب الأمر، وبالقدوة في كل وقت: «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ» (2تي4: 2). مثال: أكبر مثال للتعليم هو الرب يسوع الذي -كما ذكر يوحنا- علّم التلاميذ بالوعظ والكلام، والانتهار لبطرس، والتحدي ليهوذا، والتطهير بغسل الأرجل، وقال لهم بوضوح: أنا المعلم صنعت هكذا، أنتم أيضًا اصنعوا بالمثل: «أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يو13:13-15). قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
19 يناير 2023

المعمودية .. وثلاثة مشاهد

عيد الغطاس المجيد ، هو العيد الذي يتوسط أعياد التجسد الإلهي السبعة، وهي بالترتيب الموضوعی : ا البشارة ( 29 برمهات ) ٢- الميلاد ( 29 كيهك ) ٣- الختان ( 6 طوبة ) ٤- الغطاس ۱۱ طوبة ٥- دخول الهيكل ( 8 أمشير ) 6- دخول مصر ( 24 بشنس ) ٧ ۔ عرس قانا الجليل ( 13 طوبة ) وعيد الغطاس مع عيدي الميلاد والقيامة اكبرثلاث أعيادفى كنيستنا القبطية ، وتأتي أهميته حيث کشف السيدالمسيح عن لاهوته عندما رأينا الروح القدس نازلا عليه في شكل حمامة وسمعنا الآب يشهدله من السماء ، وبذلك رأينا الله فى اقانیمه الثلاثة في هذا المنظر الإلهى الجميل عند نهر الأردن . وهناك ثلاث عبارات متشابة قيلت عن السيد المسيح قبل المعمودية وأثنائها وبعدها تكشف لنا عمله الالهى من أجلنا : 1- قبل المعمودية : يقول يوحنا المعمدان : «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ إنجيل (يوحنا٢٩:١) وهو بذلك يشير الى « مسيحنا المخلص » في خلاص البشر المعلن في الإنجيل المقدس ( البشارة ) ، والذی تحقق بالصليب والقيامة . 2- أثناء المعمودية نسمع ذلك الصوت السمائى هذا هو ابني الحبيب الذى به سررت ( متی ١٧:٣) إشارة إلى « مسيحنا المفرح » ، وهذا هو فرح الانجيل ( البشارة) المدعوله كل إنسان حيث ملأ الكل فرحا بصليبه ( قطع لساعة السادسة ) . ٣۔ بعد المعمودية : ووقت التجلى المجيد نسمع ذلك الصوت السمائى القائل وهذا هو ابني الحبيب له اسمعوا ، ( لوقا ٣٥:٩ ) وهو إشارة إلى مسيحنا المعلم حيث الدعوة لطاعة الوصية الإنجيلية في حياتنا کل يوم هنا هو « مسيحنا القدوس “ « مخلص » لحياة كل إنسان و « مفرح » قلب كل إنسان و « معلم » فكر كل إنسان ولالنا كل المجد والإكرام الآن وكل أوان وإلى الانقضاء الدهر آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
23 سبتمبر 2022

رائحة المسيح الذكية

أتدري يا صديقي أنه متى كانـت لـك حيـاة روحيـة حقيقية وقلـب ممتلئ بالنعمـة لا بد أن ينعكس ذلك على حياتك العملية ، فتظهر رائحـة المسيح في كل تصرفاتك ؟ وهذا هو ما نود الحديث عنه في موضوعنا هنا إنها الخطوة السابعة في طريقك الروحي والتي تعكس نجاحك في الخطوات الست السابقة . " ولكـن شـكراً للـه الـذي يقودنا في موكب تصـرته في المسيح كـل حـين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان . لأننا رائحة المسيح الذكية لله ، في الذين يخلصون وفي الذين يهلكـون لهـؤلاء رائحـة مـوت يـمـوت ، ولأوليك رائحـة حيـاة لحياة ومن هو كفوء لهذه الأمور ؟ لأننا لسنا كـالكثيرين غاشين كلمة الله ، لكن كما من إخلاص ، بل كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح " ( ۲ کو ٢ : ١٤ - ١٧ ) تظهر فينا رائحة المسيح ، من خلال خمس فضائل :- أولا المحبة : - الإنسان المسيحي لا يعرف إلا المحبة . والعالم اليوم في أشد الحاجة إلى المحبة النقية الحقيقية ، تلك المحبة التي يقدمها الإنسان المسيحي الحقيقي في معاملاته مع الجميع . لذا على الإنسان المسيحي أن يراجع نفسه دائماً ، ويسأل نفسه : هل يوجد في قلبه فكر كراهية من جهة أي أحد ؟! وما هو مقياس المحبة تجاه كل من هـم حوله ؟! والقديس أغسطينوس له هذا القول الجميل : " حب الكل ، فيكـون لـك الكل " . ثانياً السلام :- وتسمى صناعة السلام بالصناعة الصعبة بل أنها أصعب صناعة يحتاجها العالم اليوم ، فالعالم أضحى ممتلئاً بالتوثر في كل مكان ، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط " وثمر البر يزرع في السّلام من الذين يفعلون السّلام " ( یع ۳ : ۱۸ ) . فهناك شخص مجرد وجوده يكون سبب في تهيج المشكلات ، بسبب كلامـه غير الحكيم ، ولكن نجد شخصاً آخر ، كلامه يريح الجميع بحكمته وتصرفاته التي تزرع السلام من تعلم يا صديقي فن حل المشكلات بهـدوء ، بل اجعـل نفسـك دائماً صناع السلام ، كما يقول الكتاب " طوبى لصانعي السّلام ، لأنهم أبناء الله يدعون " ( مت 5 : 9 ) . ثالثاً اليقظة :- بمعنـى التوبـة في كـل يـوم ، فالإنسان المسيحي إنسـان يقـظ ومنتبـه ومستعد واليقظة أيضاً تعني السهر والاستعداد ، فمتى تسلل الكسـل إلى حياتك الروحية عليك أن تتدارك نفسك سريعاً ، واعلم أن هذا الكسل هو حـرب من الشيطان ، يجب الانتباه له حتى لا تفسد الخطية حياتك بسبب هذا الكسل . رابعاً الحكمة :- " إن كان أحـد كـم ثـعـوزه حكمـة ، فليطلب مـن اللـه الـذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير ، فسيعطى له " ( يع 1 : 5 ) . فالفضيلة لا تكـون فضـيلة إلا بالحكمـة ، والحكمـة تتجشـد في حيـاة الإنسان بشكل عملي في حسن التصرف ، أو في عرض موضوع ما ، أو في حل مشكلة .الخ . ويحكى في التاريخ ، أن ملكاً في أحد العصور أقام حفلـة كبيرة ، ودعا إليها جميع کبار رجال الدولة ، وكان من ضمن المدعوين البابا البطريرك ، وفي نهاية الحفل ، كان كل فرد من رجال الدولة يقـوم بتقبيـل يـد الملك اليمنى ، فيضع الملك فيها كيساً من الذهب ،على سبيل الهدية . فجاء دور البابا البطريرك ، فقبل صدر الملك ! فتعجب الملك وقال له : لماذا صنعت ذلك ، فقال البابا لأنه يوجد لدينا آية في الإنجيـل تقـول : " قلـب المـلك في يد الرب " ( أم ٢١ : ١ ) . وأنا قبلت يد الرب التي تحرس قلبك يا جلالة الملك ، فارتاح الملك لهذا الكلام ، وأعطى البابا كيسين من الذهب ! وهذه هي الحكمة . فقد كرز بالإنجيل وقدم محبة وتصرف بدبلوماسية . الإنسان المسيحي الحقيقـي عـادة مـا يـكـون إنساناً حكيماً ، لأنـه يـتعلم الحكمة من حياة ربنا يسوع المسيح ، فعندما سألوا السيد المسيح عـن الجزية ، وهل يجب دفعها أم لا ؟! طلب أن يرى عملة ، ونظر إلى وجهيها ، ثـم قـال في حكمة : " لمن هذه الصورة والكتابة ؟ قالوا له : لقيصر ، فقال لهم : أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ( مت ۲۲ : ۲۰ - ۲۱ ). وأيضاً في قصة المرأة السامرية ( يو 4 ) ، تعامل السيد المسيح معها بمنتهى الحكمة ، وبدأ هو في الحديث معها ، وكان يشجعها في حديثها ببعض الكلمات المشجعة ، مثل " حسناً قلت " ، وبذلك قادها إلى التوبة والإيمان . حتى أن زكا وفي مقابلة زكا ، تقابل السيد المسيح معه بمنتهى الأطف تغيّر قلبه وتاب ، وقال : " ها أنا يارب أعطي نصف أموالي للمساكين ، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف " ( لو 19 : 8 ) . وفي قصة الابن الضال ( لو 15 ) ، كان من الممكن أن أبـاه لا يقبـل عودتـه ويطرده ، ولكنه تعامل مع ابنه بحكمة وأخذه في حضنه وقبله . وهكذا يا عزيزي القارئ ، الإنسان المسيحي يظهر رائحة المسيح في حكمته في مواجهة المواقف المختلفة . خامساً ينبوع التعزيات :- الإنسان المسيحي هو ينبوع التعزيات ، فحضـور المسيحي حضـور مـفـرح فعندما يأتي الإنسان المسيحي يأتي معه الفرح والبشاشة . وهكذا حضور الإنسان المسيحي يعكس حضـور اللـه ، بالفرح الذي يملأ قلبه . وأخيراً هذه الفضائل الخمس : المحبة ، السلام ، اليقظة ، الحكمة ، وينبـوع التعزيات . هي مظاهر حضور الله في حياتنا ، وإذا أخذنا الحرف الأول في هـذه الكلمات الخمس ، ستظهر كلمة " مسيحي " .اجلس مع نفسك قليلاً في هدوء ، وراجع حياتك ، ما هي المجالات التي يمكن أن تظهر رائحة المسيح فيها ؟ والآن سأقدم لك يا عزيزي تطبيقاً عملياً عن كيف تكون رائحة المسيح الذكية في تعاملاتك مع الآخرين .في البداية هناك ثلاثة أسئلة هامة يجب أن تضعها أمامك عنـدما تتعامل مع أي شخص : هل تعرف احتياجات الإنسان الأساسية ؟ ... هـل تعـرف أشكال التواصـل مع الآخرين ؟ ... هل تعرف مبادئ التفاعل مع الآخر ؟ السؤال الأول :هل تعرف احتياجات الإنسان الأساسية ؟ إن أي شخص منـا ، مـهـمـا كـان وضعه وسنه وعملـه ومنصبه ودراسته وتكوينه ، له احتياجات ، فما هي هذه الاحتياجات ؟! إن أي إنسـان منـا ، يحتـاج إلى أربعة احتياجات أساسية وهي : الاحتياجـات الجسدية ، والاحتياجـات النفسية والاحتياجـات العقلية ، والاحتياجات الروحية . فلا يوجد شخص لا يحتاج إلى هذه الاحتياجات .. الاحتياجات الجسدية تتلخص في : الأكل والشرب والملبس والنـوم ، وأحياناً تسمى الاحتياجات الجسدية بالاحتياجات البيولوجيـة فكلمـة " بيـو " باللغة اليونانية تعني " حياة " .أما الاحتياجات النفسية ، فهي الاحتياج إلى التقدير والحنـان ، والأمـان والحرية ، وأيضاً يحتاج الإنسان إلى الحب ، وهذه الاحتياجات تبـدأ منذ بدايـة ولادة الطفل ، وتنمو وتتغيـر بنمو الإنسان . وبالنسبة للاحتياجات العقلية ، فهي الاحتياج إلى تغذية العقـل بـالقراءة والاطلاع والمعرفة . أما الاحتياجات الروحية ، فهي الاحتياج المطلق إلى الله ، والاحتياج إلى الغفران ، أي احتياج الإنسان لعمل الله في حياته ، ومعية الله في كل أعماله . ويعد الاحتياج النفسي أحد أهـم هـذه الاحتياجات ، وهـو يـتلخص في الاحتياج للحب ، فيصير الحب هو مفتاح القلوب ، فمتى شعر الإنسان بمحبة الآخرين سيتقبل منهم أي شيء بحب واهتمام . لذلك عندما تعامل الله معنا نحن البشر ، تعامل معنا من منطلق الحب كـمـا يقـول الكتـاب : " لأنّـه هـكـذا أحـب اللـه العـالم حتّى بذل ابنه الوحيـد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 16 ) . السؤال الثاني : هل تعرف أشكال التواصل مع الآخرين ؟ التواصل لـه ثلاثـة أشكال ، وهي : الشكل الفردي ، والشكل الجماعي والشكل المتعدد . الشكل الفردي : يكون في الافتقاد ، وليس شـرط أن يتم الافتقاد في المنزل ، فيمكن أن يتم في الكنيسة ، ويسمى : " جلسة حب " ، أو يتم عن طريق التليفون . الشكل الاجتماعي : يكون عن طريق الاجتماعات بكل تنوعاتها ، وتسـمي هذه الاجتماعات " لقاء حب " . أما الشكل الثالث ، فهو الشكل المتعدد : فهو شكل الأنشطة الكنسية على اختلاف أنواعها ، وهذه تسمى " أعمال حب " . تلاحظ هنا تكرار كلمة " حب " ، لأن مفتاح الإنسـان هـو الحـب ، وكلمـة " حب " هي كلمة من حرفين ، وهما : " الحاء " ومعناها " حياة " ، و " الباء " ومعناهـا " بقاء " ، فبقاء الحياة لا يكون إلا بالحب . السؤال الثالث : هل تعرف مبادئ التفاعل مع الآخر ؟! مع بمعنى كيف يتفاعل الإنسان مع أخيه الإنسان ؟! وكيف يكون كلامك الآخر مقبولاً ، وكلمة تفاعل تعني Reaction ، فقد تتقابـل مـع شخص ، ومـن أول لقاء يحدث نوع من القبول بينكما ويبدأ الحوار . مبادئ التفاعل ثلاثة مبادئ :- أولها مبدأ القبول : الإنسان المسيحي يقبل الجميع ، ولا يكـون لـه جماعـة خاصـة به ، فقلبـه مفتوح للجميع . المبدأ الثاني هو مبدأ التفاهم أو الاتصال :- بمعنى أنك تستطيع أن تصل إلى الآخر،إلى قلبه وعقله . المبدأ الثالث هو المبادرة:- فالذي يبادر بالحديث هو الذي يبادر بكسر الحواجز بينه وبين الآخرين ، وبذلك يفتح قنوات عديدة للحديث والتفاعل . المبدأ الرابع هو التشجيع : والتشجيع هـو إحـدى الاحتياجات الأساسية في التفاعـل الإنساني مثـل وهـو أيضـاً أحـد الأسباب الرئيسية لنجاح التفاعـل مع الحب تـمامـاً الآخرين . والآن أود أن أحدثك . عن ثلاث مهارات أساسية للتفاعل مع الآخرين المهارة الأولى : الحوار والمناقشة ، والسؤال والجواب . المهارة الثانية : الاستماع الإيجابي . المهارة الثالثة : القراءة والثقافة والاطلاع . 1ـ المهارة الأولى :- هي مهارة الحوار والمناقشة ، والسؤال والجواب ، بمعنى مهـارة الكلام وترتيبه . وتوجـد لغتـان للكـلام : لغـة لفظية ، ولغة جسدية ، أي بـدون ألفاظ ! الإنسان يتأثر باللغة اللفظية بنسبة 40 % ، أما اللغة الجسدية ، فيتأثر بها بنسبة 60 % ، وهذه اللغة تشمل : نظرات العين ، وطريقة الجلوس وغيرها مـن الحركات والأوضاع التي نعتمد عليها في حديثنا . مهارة الحوار أيضاً يدخل بها فترات الصمت ، بمعنى أنه أثناء حديثك مع شخص آخر ، قد يكون هناك فترة صمت لمدة ثوان ، وإذا قام الشخص الآخـر بالبكاء ، حاول أن تقدر سبب بكائه وحساسية مشاعره . أيضـاً نـبرات الصـوت لـهـا عـامـل هـام ، فـإذا أردت أن تعطي اهتمام في الحديث ، وتشعر مـن أمامـك بأهميتـه عنـدك ، يجـب أن تخفـض نـبرة صـوتك وكأنك تهمس في أذنه ، وهذا يعطي نوع من الخصوصية للآخر ، وكأنك تعطيـه رسالة خاصة ، وأنه قريب إليك جداً وأن هذه الرسالة لا تريد أن يسمعها أحـد غيره ، وحاول أن تجعل جلستك منطقية ومسلسلة ، وأنصحك أن تصلي في قلبك أثناء حديثك مع الآخر ، فصلي قائلاً : " يارب أرشدني وعلمني ماذا أقـول ، اكشـف لي يارب ما يجب أن أتحدث به " . ٢- المهارة الثانية :- هي مهارة الاستماع الإيجابي ، والإنصات الكياني . ... فاسمع بابتسامة واظهـر الاهتمام والتعبير ببعض الكلمات البسيطة ، مثل : شاطر ، أو ماذا فعلت بعد ذلك ؟ ... وهكذا من كلمات ، تبرز مدى الاهتمام .كذلك الاهتمام بلغة الجسد فهي تنقل العديد من الرسائل أبلغ وأقـوى من الكلمات . وعلى قدر استطاعتك ، عليك أن تضع الإنجيـل بينك وبين من تحدثه بالأخص في جلسات الافتقاد ، ويمكنك أن تستعين به في حديثك ، فـروح اللـه تستطيع أن ترشد الإنسان ، وتعطيه حكمة في الموضوع الذي يتحدث فيه . 3 ـ المهارة الثالثة :- وهي مهارة القراءة والثقافة والاطلاع ، فالقراءة توسّع مدارك الإنسان وتنميها ، مثل علم النفس أو علم الشخصيات ، أو كيفية مواجهة المواقف والأزمات . أخيراً يا عزيزي أود أن أهمس في أذنك ، أن اللمسات الشخصية التـي تقدمها للآخرين تصنع فارقاً كبيراً في كيفيـة مـواجهتهم للمواقف . وتذكر أن " رابح النفوس حكيم " ( أم 11 : 30 ) . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل