البابا تواضروس الثاني

Large image

البابا الأنبا تواضروس الثاني (4 نوفمبر 1952 -)، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ال118. وُلِد باسم وجيه صبحي باقي سليمان بالمنصورة لأسرة مكونة منه كأخ لشقيقتين، ووالده كان يعمل مهندس مساحة، وتنقلت الأسرة في المعيشة ما بين المنصورة و سوهاج و دمنهور.

في 4 نوفمبر 2012، تم اختياره عن طريق القرعه الهيكلية ليكون بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رقم 118[1].

م ترشيحه ليكون خليفة البابا شنودة الثالث هو وأربعة آخرين هم الأنبا رافائيل ، القمص رافائيل أفامينا ، القمص باخوميوس السرياني، القمص سارافيم السرياني.[2] ،فاز بمنصب البابا عن طريق القرعة الهيكلية ليصبح البابا تواضروس الثاني 118 يوم الأحد 4 نوفمبر 2012 م

رؤيته لمستقبل الكنيسة يقول الأنبا تواضروس "يجب أن نهتم بفصول التربية الكنسية منذ الصغر، وأن نجعل فصول إعداد الخدام من أولوياتنا، فالخدمة هي التي سوف تصنع نهضة جديدة داخل الكنائس سواء بمصر أو ببلاد المهجر".

ويُطالب الأنبا تواضروس بإنشاء معهد لإعداد خدام كنائس بالمهجر لإطلاعهم على الثقافات المختلفة في الدول الأوروبية وأمريكا وكندا، مُعتبرا أن إقامة قنوات للحوار مع الشباب أمر ضروري، وكذلك يدعو المسيحيين إلى الاندماج في المجتمع من خلال التعليم ووسائل الإعلام.

وقد حصل الأنبا تواضروس على تزكيات من الأنبا دميان أسقف عام ألمانيا والأنبا سوريال أسقف ملبورن، والأنبا مكاريوس اسقف عام المنيا ، والأنبا باخوم أسقف سوهاج، والأنبا اندراوس أسقف أبوتيج والانبا رفائيل الاسقف العام.

تم تجليسه كبابا للإسكندرية وبطريرك للكرازة المرقسية في قداس الأحد 18 نوفمبر 2012 برئاسة القائم مقام البطريرك الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية وباشتراك كافة أعضاء المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية و مشاركة وفود من كل الكنائس في مصر والعالم.

المقالات (245)

31 أكتوبر 2025

“زمن الحب”

”الصوم هو الوسيلة لضبط الأهواء والشهوات، حتى تنسجم حياة المسيحي مع روح الله الذي يقوده في طاعة وخضوع“ (القمص بيشوي كامل) «أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ. حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ. حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هَأَنَذَا. إِنْ نَزَعْتَ مِنْ وَسْطِكَ النِّيرَ وَالإِيمَاءَ بِالأُصْبُعِ وَكَلاَمَ الإِثْمِ، وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ، وَأَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ، وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ الدَّامِسُ مِثْلَ الظُّهْرِ. وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبِعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيًّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ» (إش 58: 6 – 11). من خلال قراءتنا السابقة يوضِّح لنا إشعياء النبي مبادئ روحية هامة: كيف يُمثِّل الصوم ركنًا أساسيًّا من أركان الحياة الروحية؟ فالصوم هو ممارسة تعبُّدية، ولكن يجب أن تخلو من الرياء وفي هذا الأصحاح يشرح لنا كيف يمكن أن تتسلَّل هذه الخطية (الرياء) إلى حياة الإنسان دون أن يدري. تأمَّل معي في العدد الثاني من هذا الأصحاح إذ يقول: «وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا »، يصلُّون ولكنها صلاة ظاهرة من الشفتين أو من اللسان، ولا تتعدَّى ذلك، ويبقى قلب الإنسان كما هو لا يتغيَّر، لذلك عندما ينتهي من الصلاة تجده يتصرَّف تصرفات غير مقبولة وغير لائقة ولا تتماشى مع صلاته مطلقًا. ربما تسألني الآن، كيف للخطية أن تتسلَّل لحياة الإنسان دون أن يدري؟ أجيبك: إن لخطية الرياء مظاهرَ عدَّة دعنا نسردها سويًّا: مظهر من مظاهر الرياء هو ادعاء المعرفة العقلانية: تشعر وأنت جالس مع الشخص أنه موسوعة، ولكنها ليست موسوعة اتضاع، ولكن موسوعة كبرياء، يفتخر بذاته وبما حصَّله من معارف، وكانت طائفة الفريسيين هم من قمة طوائف اليهود، فكلمة ”فريسي“ معناها ”مُفرَز“، بينما كان الكتبة أشخاصًا متميِّزين جدًّا (الكتبة هم الناسخون) وبالرغم من كل ذلك كانوا بعيدين عن الطريق الروحي كثيرًا، وقد وبَّخهم السيد المسيح مرات عديدة، وفي السنوات الأخيرة ظهرت هذه الخطية في أصحاب بعض مواقع التواصل الاجتماعي وهم يتفاخرون بمعرفتهم عن كبرياء يصل إلى تشويه الآخر ونشر أكاذيب أو التفاخر بأنهم أصحاب الحقيقة أو أصحاب الصواب فقط. مظهر آخر وهو إظهار الغيرة ونسميه أحيانًا ”ناموسي“: ناموسي بمعنى ”حرفي“ أي يحيا بالحرف، والحياة المسيحية عندما تتعمَّق فيها تجدها تعتمد على القلب والروح، ولا تعتمد على الحرف، ومن يحيا بالحرف لا يمكنه أن يدرك المسيح لذلك قال ربنا يسوع المسيح «مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ» (مت 5: 17)، فالمقصود هو أن يكمِّل القديم، فتقرأ العهد القديم بروح العهد الجديد، وتتحوَّل الوصية في حياتك إلى شهادة عملية عن علاقتك بالله، وهؤلاء هم أصحاب السبت يتمسَّكون بالحرف فقط دون إعمال للعقل والقلب والإحساس والرحمة. صورة ثالثة أن الإنسان يتظاهر أنه قريب من الله: ”يُسر بالتقرُّب إلى الله“ (إش 58: 2) من خلال طقوس وممارسات مُعيَّنة يتظاهر أنه قريب من الله وحقيقته من الداخل غير ذلك، تصوَّر معي إنسانًا يقضي يومه صائمًا ويمارس ممارسات روحية، ثم بعد فترة الصوم يغضب بشدَّة ويسقط في خطايا عديدة فماذا استفاد إذن من صومه؟ فترة الصوم هي فترة تساعد الإنسان في نموه الروحي، وليست مجرد الامتناع عن الطعام. والآن دعني أسألك: لماذا الصوم الذي تحدَّث عنه إشعياء النبي في هذا الأصحاح كان مرفوضًا؟ هناك ثلاثة أسباب واضحة في الأعداد (3، 4، 5): 1 – أن هذا الصوم كان غير مُنضبط: هو صوم يُسِرُّ صاحبَه ولا يُسِرُّ الله، فهو صوم لا يسير بنظام بل يستعرض فيه الإنسان إمكانياته وقدراته. 2 – أن هذا الصوم كان بلا صمت: الصوم ليس عن الطعام فقط، بل أيضًا عن الكلام، فهذا الصوم المرفوض ليس فيه صمت بل فيه خصومة مع الغيرة، وفيه إدانة للآخرين وكثرة كلام. 3 – أيضًا هذا الصوم مرفوض لأنه بلا تذلُّل: هو شكل بلا جوهر فهو مجرد منظر خارجي، لذا تحرص الكنيسة أن ترتب لنا في الأصوام قداسات لأوقات متأخرة لتُساعد الإنسان في ممارساته الروحية. والآن يا عزيزي، حان لنا أن نُفكَّر سويًّا كيف نصوم، وكيف ننال بركات الصوم الذي هو زمن للحب بينك وبين الله في فترة الصوم المقدَّس، احرص أن تُقدِّم لنفسك ثلاثة أنواع من الأغذية: غذاء روحي غذاء ذهني وغذاء نُسكي 1- الغذاء الروحي:- وهو ما تُقدِّمه لنا الكنيسة في كل أشكال العبادة، وممارسة الأسرار جيد أن تتقابل مع أب اعترافك قبل الصوم، وتضع خطة للصوم، ولا تتكاسل في تنفيذها، فترات الانقطاع والقداسات المتأخرة مع الميطانيات وفترات السكون كلها وسائل روحية مفيدة. 2- الغذاء الذهني:- الذي يعتمد أساسًا على القراءات الإنجيلية، والكنسية تُعلِّمنا في فترة الصوم المقدَّس أن نقرأ النبوات ويمكنك أن تأخذ سفرًا واحدًا مثل إشعياء، إرميا، أو تأخذ مجموعة أسفار مثل: أسفار الأنبياء الصغار، لكن يجب أن تقرأ يوميًّا، وليست قراءة فقط، بل ادرس وافهم وعش وقراءة النبوات مفيدة جدًّا إذ تكشف مقاصد الله في حياتك، كما يمكنك أن تأخذ صاحب السفر كشفيع لك في أيام الصوم مع أوقات القراءة. 3- الغذاء النسكي:- نُسكياتك هامة جدًّا في الصوم، الانقطاع شيء مهم لتقوية الإرادة أيضًا الطعام النباتي هو طعام هادئ الطاقة وهو طعام صحي ومفيد للإنسان أيضًا الميطانيات (سجدات التوبة) من القلب وليس بالجسد فقط، وهي مُرتبطة بالصلوات، فيها الصلاة القصيرة: ”يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ“ احرص أثناء سجودك في الميطانيات أن ترشم ذاتك بعلامة الصليب. يمكنك أن تبدأ بـ 12 ميطانية في أول يوم، وتزداد تدريجيًّا كل يوم مع الصوم وتقدمها بروح الصلاة هذه الميطانيات هي وسيلة مُساعدة لتركيز الذهن، فيها تعب وبذل، وهذا التعب يُذكرك بأتعاب المسيح من أجلك أيضًا فترات الاعتكاف هي جزء هام من نُسكياتك خلال الصوم، ويُستفاد منها كفترات تأمل وقراءة وصلاة أو ترنيم وتسبيح فترة الصوم يا إخوتي تحكمها الآية التي تقول: «كُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (1كو 9: 25)، وأيضًا ينطبق عليها الآية: «الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالاِبْتِهَاجِ» (مز 126: 5)، الذين يزرعون بدموع التوبة في فترة الصوم يحصدون بالابتهاج في القيامة المجيدة. وللصوم بركات كثيرة: استجابة الصلوات: لأنك عندما تحيا حياة الصوم، تشعر بالانسحاق والخشوع وتخرج صلواتك من داخلك عميقة وتدخل فيها روح الإيمان، صلوات مرفوعة من قلب نقي. بركات أخرى هي: أن يصير الرب لذَّةً للإنسان، فأنت تصوم عن الطعام لكي تتحوَّل لذَّة الطاعة في داخلك إلى لذَّة للرب، ويكون المسيح هو لذَّتك، وكما يقول معلِّمنا داود النبي: «تَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ» (مز 37: 4). بركة ثالثة: أن الإنسان يشعر بارتفاعه، وكما يقول داود النبي: «لَيْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ، فَأَطِيرَ وَأَسْتَرِيحَ!» (مز 55: 6). يرتفع فوق الماديات، وحتى فوق احتياجات الجسد، ويشعر أن رباطات الأرض تصير ضعيفة، ويشعر أنه يقترب من السماء ويحيا بهذه الروح. بركة رابعة: إن الإنسان ينال الصحة الجسدية: الطعام النباتي يمنح الإنسان شكلًا من الطاقة الهادئة، فلا يكون الطعام مثيرًا في جسده أو في حياته فيعطيه صحة جسدية، ويقول إشعياء النبي في هذا الأصحاح: «تَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا» (إش 58: 8). أيضًا في الصوم ينال الإنسان استنارة: ولا أقصد للعين الجسدية، ولكن العين القلبية، عندما يقرأ الإنسان الإنجيل يفهم أكثر، وعندما يشارك في التسبيح يعيش أكثر، وعندما يمارس ميطانيات يتمتع أكثر. عمل الرحمة بكل أشكالها يُعتبر وسيلةً فعَّالةً في الصوم للإحساس بالآخر وطوبى للرحماء على المساكين لأنه ليس رحمة في الدينونة لمَنْ لم يعمل رحمة. أيام الصوم أيام ثمينة وغالية فاهتم بها واستفد منها لأنها بالحقيقة كنز روحي يدوم معك السنة كلها. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
24 أكتوبر 2025

“شهد الحب”

”هل يدفعك الشوق والحب المقدَّس للمسيح إلى القراءة في الكتاب المقدَّس؟ إن كان ذلك فطوباك وإن لم يكن فما زلت بعيدًا عن الطريق“ (القمص بيشوي كامل) «لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ. وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا. فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ. لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرَ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ. فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عب 4: 12 – 16) الكتاب المقدَّس شهد وزاد في الطريق الروحي لأنه: هو كلام الله (رسالة الله وحديثه للإنسان). هو موضع لقاء (مكان يلتقي فيه الإنسان مع الله). هو تاريخ البشرية (حياة البشر على الأرض). هو قانون الدينونة (دستور يوم الحساب الأخير). لقد صار حب الله لك شهدًا في آيات الكتاب المقدَّس كما عبَّر داود النبي عنها قائلًا « أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ» (مز 19: 10) ولكي تشعر بأهمية الكتاب المقدَّس وضرورة وجوده، يلزم أن تجيب على هذه الأسئلة الثلاثة بالترتيب: 1 – هل ”تعي“ أهمية وجود الكتاب المقدَّس في الحياة البشرية؟ 2 – هل لك ”اقتناع“ بضرورة قراءة الكتاب المقدَّس شخصيًّا؟ 3 – هل لديك ”إيمان“ بقدرة الكتاب المقدَّس، وقوة تأثيره؟ فإذا جاءت إجابتك نعم على هذه الأسئلة الثلاثة فلِمَ لا تستفيد من هذه القوة وتستأثرها لصالحك؟! يقول القديس إمبروسيوس [ نخاطب الله إذ نُصلِّي، ونَصْغَى إليه إذ نقرأ الكتاب المقدَّس] وهذه أمثلة: داود النبي يقول «لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرِيعَتُكَ لَذَّتِي، لَهَلَكْتُ حِينَئِذٍ فِي مَذَلَّتِي» (مز 119: 92) الرهبان قديمًا كانوا يقرأون سفر المزامير كل يوم (الأجبية حاليًا) الكنيسة قديمًا كانت تقرأ الكتاب كله خلال أسبوع الآلام يوحنا الذهبي الفم كان يقرأ في رسائل بولس كل يوم الأنبا أبرآم صديق الفقراء كان يقرأ الكتاب كله كل 40 يومًا والسؤال الآن ما الذي يمنعني عن الاستفادة من الكتاب المقدَّس؟ سنحاول أيها القارئ الحبيب أن نحلِّل معًا بعض المشاكل والمُعوِّقات التي تعوِّق استفادتنا من الكتاب المقدَّس، وبنعمة المسيح نحاول أن نستعرض حلولًا لهذه العقبات. 1 – مشكلة الوقت:- لعلك تقول ”مشغولياتي اليومية كثيرة ومتنوِّعة، مما يسبِّب ضيق شديد في الوقت، ولذلك لا أجد وقتًا للقراءة اليومية أو الدراسة وعادة أترك الأمر للظروف“. أجيبك هذا مُعطِّل وهمي لكل العبادات الروحية، وهو عادة وسيلة يغطِّي بها الإنسان على كسله وتوانيه، فالذي يقول إنه ليس لديه وقت لقراءة الكتاب المقدَّس، يمكنه أن يقول بنفس المنطق أنه ليس لديه وقت يذهب فيه إلى الملكوت وإن لم تكن قراءة الإنجيل مستطاعة لديك، فأنت بذلك تجعل قلبك مسكنًا خاليًا وجاهزًا لسُكنى عدو الخير إذ لا يوجد فيه تأمل ولا قراءة ولا أفكار روحية ولا انشغال بالسماويات نصيحتي لك لا بد أن تجد وقتًا لنفسك ولكتابك المقدَّس اجمع فُتات الوقت الضائع في كل يوم وسوف تجده ليس بقليل فكِّر وحاول، وقطعًا سوف تجد وقتًا واعلم أن الله ليس مُحتاجًا إلى هذا الوقت الذي ستقرأ فيه بل أنت المحتاج إليه أولًا ودائمًا، كما نُصلِّي في القداس الإلهي (الغريغوري) [لم تكن أنتَ مُحتاجًا إلى عبوديتي، بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك] إليك ثلاث خطوات عملية للتغلُّب على مشكلة الوقت:- 1 – مشكلة الوقت:- اختر وقتًا مناسبًا للقراءة: من أجمل فترات القراءة هي أول النهار، حيث تأخذ بركة تدوم اليوم كله البعض يختار وقت ما قبل النوم، وهذا وإن كان مناسبًا للبعض إلَّا أن وقت النوم عادة ما يكون الإنسان مرهقًا، ومن ثم تكون الاستفادة قليلة. اختر وقتًا ثابتًا للقراءة: ابدأ على سبيل المثال بعشر دقائق تزداد تدريجيًّا ولا تربط هذا الوقت المُحدَّد بأي عادة أخرى (مثل القراءة قبل المذاكرة المسائية وعندما تبدأ الإجازات أو تنتهي فترة الدراسة لا يكون لقراءة الكتاب وقت ثابت)، بل اجعله عادة تتربَّى فيك. اختر وقتًا كافيًا للقراءة: ضع دائمًا في قلبك أن تمتلئ روحيًّا وتشعر بمعيَّة الله من خلال قراءاتك. 2 – مشكلة الكم:- لعلك تتساءل كم أصحاح أقرأ كل يوم؟ هل أكتفي بقراءة أصحاح واحد أن اثنين (أصحاح من كل عهد)؟ هل أُركِّز وأكتفي بجزء من أصحاح أو عدة آيات فقط؟ نصيحتي لك إن تحديد كم القراءة لا بُد أن يكون تبعًا لحالة الإنسان الروحية، وذلك تحت إرشاد أب الاعتراف ولكن للمبتدئين يُنصَح دائمًا بقراءة أصحاح من العهد القديم، وأصحاح من العهد الجديد كل يوم ويمكن قراءة الكتاب كُله في سنة بواقع أصحاحين من كل العهد القديم + أصحاح من العهد الجديد كل يوم وللمتقدِّمين على الطريق يمكنهم قراءة سفر (أو عدة أسفار صغيرة) كل شهر، وذلك من أجل التركيز ويمكن القراءة بحسب المناسبات الكنسية، مثلًا في أوقات الأصوام أقرأ من أسفار العهد القديم: في صوم الميلاد أحد أسفار موسى الخمسة. في الصوم الكبير أحد أسفار الأنبياء. في صوم الرسل أحد الأسفار التاريخية. في صوم العذراء أحد الأسفار الشعرية. 3 – مشكلة الكيف:- لعلَّه في ذهنك ”كيف أقرأ الإنجيل؟ هل قراءته تختلف عن قراءة باقي الكتب؟ هل يستلزم ذلك وضعًا معينًا أو تهيئة معينة؟ هل أكتفي بالقراءة بالعين أم بصوت مسموع؟ هل أكتب الآيات التي تجذبني في نوتة خارجية، أم أكتفي بأن أضع تحتها خطًا في الكتاب المقدَّس؟. نصيحتي لك أن تضع في قلبك دائمًا أن قراءة الكتاب المقدَّس هي للفهم والحياة بالقلب والفكر والإرادة والقدرة هي قراءة للفهم وليس للفحص أو المحاجاة أو الاستذكار. والمرتِّل يقول: «لِكُلِّ كَمَالٍ رَأَيْتُ حَدًّا، أَمَّا وَصِيَّتُكَ فَوَاسِعَةٌ جِدًّا» (مز 119: 96) فهم الكتاب المقدَّس ليس ذلك الفهم الذي يتأمل في جمال الكلمات ويشرح معانيها ولكنه الفهم النابع من الخبرة واختبار المسيح في ياتك. هذا الذي بدوره يتحوَّل إلى حياة، ويجعل للإنسان صلةً حيَّةً بالمسيح: بالروح لأن هذا الكلام هو روح وحياة (يو 6: 36). بخشوع اكشف عن عينيَّ أنت في حضرة الله. باتضاع فأرى عجائب من شريعتك. بإرشاد الروح القدس على فهمك لا تعتمد. يُفضَّل أن تربط بين القراءة والكتابة في دراستك الكتابية مثل وضع عناوين جانبية لكل جزء تقرأه وضع خطوطًا تحت الآيات المختارة (يُفضَّل استخدام الألوان) كتابة الآيات المختارة في كراسات خاصة أو نوت صغيرة التعليق بتأملات وصلوات على هذه الآيات كتابة آية اليوم في كارت صغير يكون معك طول اليوم. 4 – مشكلة المداومة والاستمرار:- لعلك أيضًا تتساءل أنا أقرأ الكتاب ولكن ليس كل يوم، أنا أواظب على القراءة وقت الدراسة أمَّا فترة الإجازة فتمر دون فتح الإنجيل فماذا أفعل؟ ضع في ذهنك أن نقطة الماء إذا نزلت بمداومة على صخرة، فإنها تحفر فيها مجرًى وطريقًا، وكلمة الله هي تلك القطرة التي بمداومة القراءة لا بد أن تحفر في قلبك طريقًا يُغيِّر من حياتك بجملتها، فالقراءة والفهم والمعرفة هي للعمل والسلوك قبل أن تكون للكلام والوعظ والأحاديث والتأملات فضلًا عن أن السبب الرئيسي للضعف الروحي والهزيمة المستمرة أمام الخطية يعود إلى إهمال كلمة الله، فالذي لا يداوم على قراءة كلمة الله تذبل حياته الروحية وتجف ويقع في خطايا عديدة ويُساق إلى الدينونة، كما يقول ذهبي الفم [إن علَّة جميع الشرور هي عدم معرفة الكتب المقدَّسة]. نصيحتي لك إن شعرت بصعوبة في المداومة والاستمرار على قراءة كلمة الله، أن ترتبط بمجموعة في القراءة والدراسة، فذلك يشجِّع كثيرًا على الاستمرار وعدم الإهمال، لأن فكرة درس الكتاب في مجموعات (10 – 12 فرد) تكون مشجِّعةً على الاستمرار. 5 – مشكلة الفهم والمعرفة:- تتساءل أيضًا ”كثيرًا ما أقرأ ولا أفهم، وأحيانًا أستصعب الجزء الذي أقرأه، وهناك أجزاء من الكتاب المقدَّس لم أحاول التطرّق إليها، لأنني أسمع عن مدى صعوبتها بالإضافة إلى أني لا أفهمهما لماذا؟“. أجيبك عزيزي القارئ إن السبب في ذل هو تقصيرنا أولًا وأخيرًا فهل تُصلي وتطلب من الرب قبل أن تقرأ؟ وإذا تعسَّر عليك أمر، هل تُصلِّي من أجله ليكشفه الرب لك؟ وهل تُعطي وقتًا كافيًا في الجزء الذي تقرأه؟ وهل تختار السفر المناسب لحالته الروحية والمناسبة الكنسية؟ وهل تستعين بقراءة التفاسير وسير الشخصيات الكتابية؟ وهل تستعين بالجداول والخرائط والأشكال التوضيحية التي تساعدك؟ وهل تسأل الآباء والإخوة فيما استعصى عليك؟ إليك بعض الكتب المساعدة لكَ في الفهم والمعرفة الكتاب المقدَّس بشواهد أو بالخلفيات التوضيحية قاموس الكتاب المقدَّس (كلمات أبجدية) أطلس الكتاب المقدَّس (آيات أبجدية) مُرشد الكتاب المقدَّس (مقدِّمات للأسفار) وتوجد تفاسير باللغة العربية كثيرة منها ما هو مرجعي ودراسي ومنها ما هو سهل ومختصر مثل الموسوعة الكنسية التي تصدرها كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة. 6 – مشكلة النمو والتقدُّم:- أقرأ في الكتاب ولا أشعر بأي نمو في حياتي فخطاياي ما زالت كما هي أقرأ ولكنني سريعًا ما أنسى ما قرأته ماذا أفعل؟ يقول الله عن كلمته «اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» (مت 24: 35)، وهذا معناه أن كلمة الله ذات مفعول حتمي ويوضِّح الرب قصده من كلمته فيقول: «هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي لاَ تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِيمَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ» (إش 55: 11) على هذا الأساس فإن مجرَّد قراءة الكتاب هو قوة، وأيضًا كشف لطريق حياتي «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» (مز 119: 105) ولكي تشعر بنمو في حياتك الروحية: حاول أن تحفظ بعض الأجزاء والآيات التي تفيدك في حياتك العملية خاصة وقت التجارب. إذا جلست لمحاسبة نفسك، فافتح كتابك، واطلب من الله أن يكشف لك نفسك على ضوء كلمته. ادرس الكتاب بحب، فهو رسالة الله لك أنت شخصيًّا قبل أن تقرأ صلِّ «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ»وامنحني نعمةً ونموًّا. 7 – مشكلة الاستخدام:- بقي لك أن تسألني، فيم أستخدم معرفتي بالكتاب المقدَّس؟ ما هي الفائدة التي تعود عليَّ من قراءة الكتاب المقدَّس؟ إن أسوأ استخدام للكتاب المقدَّس هو أن نجعله مصدرًا لاقتباس الآيات وحسب إن الكتاب المقدَّس مرشد عملي لحياة الإنسان فهو يبني شخصية الإنسان ويُكوِّنها لأن مَنْ يقرأ عن أبطال الإيمان وسير حياتهم يصير كواحد منهم، تمامًا كمَنْ يقرأ عن الرياضيين فيصير واحدًا منهم إن هذه القراءة المقدسة تُكوِّن جزءًا كبيرًا من شخصية القارئ وتُقدِّس فيه المشاعر والمبادئ والصور هذه القراءة المقدسة تُقدِّس معارف الإنسان وتبني روحياته، وتساعده كثيرًا في الصلاة وسير حياتهم في خدمة الآخرين وتقديم الكلمة المعزية لهم في كل مناسبات الافتقاد ويجعل الإنسان في حضرة الله على الدوام يُعزِّي الإنسان في طريق الحياة في مختلف المواقف، ويجعل كلمة الله لا تفارق فمه، لأنها أحلى من الشهد. أخيرًا أود أن أُقدِّم لك بعض التداريب الخاصة بقراءة الكتاب المقدَّس: كتابة فصول قداسات الآحاد في كراسات خاصة مع تأملات حولها. حفظ آيات على الحروف أو المواقف. القراءة بهدف ”كعناية الله بالإنسان“ أو استخراج الصلوات الكتابية. رسم الخرائط وتصميم الجداول والأشكال التوضيحية. دراسة موضوع تحت عنوان: ”ماذا يقول الكتاب عن ؟“. البحث الخاص أو المشترك مع بعض الإخوة والأصدقاء. كل عمل تعمله يكون لك شاهد عليه من الكتب المقدَّسة. سأتركك الآن عزيزي مع بعض الأقوال ”للقمص بيشوي كامل“ عن الكتاب المقدَّس: دراسة الكتاب المقدَّس هي اشتياق للاستماع إلى الله. دراسة الكتاب المقدَّس هي أقوى عامل للتوبة. عليك أن تقيس قراءاتك بهذا الترمومتر لعلك تستطيع أن تُدرك هل أنت حار أم فاتر؟ إن الذي سيسهل لنا طريق الحب ويجعلنا ضمن جماعة المحبين لله هو الاستزادة المُتعطِّشة لكلمات الإنجيل. الإنجيل هو كلمة الآب المقدَّمة لأبنائه. فكيف نستعذب قراءته إن لم نكتشف أبوَّة الله لنا؟! كلمة الله تُليِّن القلب، وتُذيب قساوته، وتُعلِّم الاتضاع والمسكنة والتوبة والبحث عن خلاص النفس. إهمال الكتاب المقدَّس كارثة للسائر في غُربة هذا العالم. إنه لا بُد أن يضلَّ الطريق. وأخيرًا لا تنسَ أن السيد المسيح انتصر في التجربة على الجبل بآيات الكتاب المقدَّس وعلَّمنا أسلوب النصرة على محاربات عدو الخير «فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ» (في 1: 27). قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
17 أكتوبر 2025

“إشراقة نور الحب”

[إن الحرية قد تجعل الإنسان حرًّا من الناس، ولكن المحبة تجعل الإنسان صديقًا لله](القديس أمبروسيوس أسقف ميلان) «قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى. فَتَسِيرُ الأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَالْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ» (إش ٦٠: ١ – ٣) في بلد الحب كان حوار الحب ابتهاجًا وفرحًا بإشراقة نور الحب بتجسُّد ربنا ومخلِّصنا يسوع المسيح. الله محبة وبمحبته أخرج الأرض من العدم إلى الوجود ووهب الإنسان صورته ومثاله، ولكن الإنسان اختار الضعف وكسر وصية المحبة وأوجد نفسه خارج الفردوس بلا خلاص، ولكن الله لم يخلق ليَدين أو يَهْدِم، بل ليُخلِّص ويُخلِّد (يو ٣: ١٧) في قديم الأزمان أضاء نور الله على العالم الغارق في الخطية والحزن والضيق كما يقول إشعياء النبي: «الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى» (إش ٦٠: ٢) فالله عندما خلقنا عَرِفْنا أنه يُحبنا، ولكن عندما تجسَّد وتأنَّس عَرِفْنا أنه يحبنا جدًّا ومحبته لا تُحد أو توصف بل تتحدَّى أفهامنا وعقولنا وكلَّ معارِفنا إن ميلاد السيد المسيح كان البداية الجديدة لحياة جديدة ممنوحة للإنسان ليبدأ عصرًا وعهدًا جديدًا في النور بعيدًا عن كل ظلام لقد سبق ميلاد السيد المسيح بستة أشهر ولادة القديس يوحنا المعمدان الذي جاء للشهادة ليشهد للنور كان النور الحقيقي الذي يُنير كلَّ إنسان آتيًا إلى العالم، مقدِّمًا بُعدًا روحيًّا فائقًا لم يختبره أي إنسان من قبل، وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه (انظر: يو ١: ١ – ١٠) في تلك الليلة المقدَّسة أضاء النور المبارك من ذلك الطفل الصغير في المذود البعيد في تلك القرية المغمورة والتي لم تعد الصُّغرى فيما بعد ومنذ ذلك التاريخ وعبر القرون ما زال وليد المذود يشعُّ بالنور والفرح ويجلب التعزية والبركة والنعمة لكلِّ مَنْ يريد وكلِّ مَنْ يشتاق خاصة من الذين ليلُ حياتهم الشخصية في ظلام دامس بسبب صراعات الخطية وتجاربها، وتردِّي البشر في الحروب والنزاعات والسقطات الأخلاقية وجفاف المشاعر الإنسانية، واضطرابات الأرض من زلازل وبراكين وفيضانات وحرائق والاحتباس الحراري المؤثِّر على المناخ، وبُؤَر العنف على مستوى الأسر والأفراد والجماعات، مع العواطف المنحرفة وانتشار الأنانية والنزاعات الاستهلاكية وتدمير البيئة والطبيعة والمخاوف النفسية ومشاعر القلق والإحباط والاكتئاب التي زادت من انتشار جائحة كوفيد ١٩ وتحوُّرات الفيروس وصار الإنسان بحاجة إلى نور وأمل ورجاء يُعيد إليه توازنه النفسي وسعادته الداخلية في أحداث الميلاد المجيد أشرق نور الحب على نماذج من البشر ربما تكون يا صديقي واحدًا مثلهم تتمتع بما تمتعوا به وتتحقَّق فيك استنارة الميلاد وتتجدَّد فيك المعاني التي تُشكِّل معالم هذا النور الحقيقي:- أولًا الاستجابة لنور الحب:- وقد ظهر في طبيعة الرعاة الساهرين والذين رغم معيشتهم البسيطة جدًّا وحياتهم المحدودة إلَّا أنهم كانوا أمناء، لهم حضور واستقامة مع استعداد واستجابة لبُشرَى الملاك الذي ظهر لهم قائلًا: «لاَ تَخَافُوا فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ» (لو ٢: ١٠). وجاءوا مسرعين حيث الصبي وأُمه العذراء والقديس يوسف ووجدوا استجابتهم في الحب الحقيقي في المذود المتواضع أمام المسيح الطفل يا صديقي هل لك هذه الاستجابة السريعة للوصية وكلمةِ الله وأن تقوم من كبوة الخطية نحو النور مقدِّمًا توبةً وعهدًا ورغبةً واشتياقًا لحياة النعمة والبركة؟ ثانيًا: السعي نحو نور الحب:- قد ظهر في طبيعة المجوس الزائرين القادمين من المشرق حيث بحثوا عن النجم الملائكي واستجابوا وحضروا عبر مسافات طويلة حاملين اشتياقًا قلبيًّا شديدًا لهذا الملِك الوليد، عالمين أنه لا سبيل لمعرفة الحقيقة إلَّا إذا ظهر رب الحقيقة وأعلنها بذاته كما كان يقول فلاسفة تلك الأزمنة لقد حضروا بالهدايا الذهب واللبان والمُر والتي تحمل المعاني الكثيرة، «فَلَمَّا رَأَوُا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا» (مت ٢: ١٠) وتصرَّفوا بمهارة وحكمة في انصرافِهم وعودتِهم إلى بلادهم صديقي هل لديك هذه الجدية والاجتهاد في الحضور الدائم عند قدمَي المسيح صانعًا الخير في حياتك وعلاقاتك ومقدِّمًا محبتك لكل أحد مضحِّيًا بالكرامة والامتيازات والحقوق والغِنَى بدافع المحبة للطفل يسوع؟ لا تتوانى واصنع الخير مهما كان حال العالم كما فعل أصحاب المذود الذين استضافوا مريم العذراء والقديس يوسف النجار بعد أن أُغلِقت كل الأبواب أمامهم. ثالثًا: التمتع بنور الحب:- وما أجمل أقدام المبشرين بالخيرات: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لو ٢: ١٤) وقد كان حضور الملائكة وظهورهم مُبهجًا ومُفرحًا وسط النور والتسبيح والسرور إن إشراقة نور الحب لا تمنحنا فقط النجاة من قُوَى الخطية المُهلكة والتي فينا والتي حولنا، بل تكشف لنا مقدار الجمال الذي في الحياة والطبيعة والبشر الذين على صورة الله ومثاله لقد رسم نورُ الحب لوحة جميلة من نجم المذود وملائكة السماء وأصوات التسبيح بل وكانت شخصيات الميلاد المجيد نجومًا مضيئةً ليس في زمانهم فقط بل وفي كل الأزمنة وهو الآن يستطيع أن يرسم لوحة حياتك بالنور والحب والفرح ما دُمْتَ جعلتَ قلبك نذورًا له. تحكي لنا قصة قديمة عن طفل كان يراقب مشهد حضور الرعاة إلى المذود ثم نشيد الملائكة في السماء ثم زيارة المجوس إلى الطفل يسوع مقدِّمين هداياهم وقد وقف الطفل من هذه المشاهد خائفًا مرتجفًا من النور والتسبيح، ونظر من بعيد وجه أمنا العذراء متهلِّلًا وتَقدَّم بخطواتٍ وهو يُفكِّر ماذا يُقدِّم لهذا الطفل الجميل فهو ليس مثل الرعاة الذين قدَّموا الذبائح ولا مثل الملائكة الذين قدَّموا التسابيح ولا مثل المجوس الذين قدَّموا الهدايا ولا مثل الحيوانات التي قدَّمت أنفاسها الدافئة ولا مثل أصحاب البيت الذين قدَّموا المذود. وقف الطفل متحيِّرًا ماذا يُقدِّم أمام المسيح في مذوده ؟؟ وأخيرًا قال لك أُقدِّم قلبي الصغير فهذا الذي أملكه فقط ووقتها ابتسم المسيح له وأضاء بنوره عليه فَرِحًا بتقدمتِهِ التي هي أعظم ما نُقدِّمه لله وهي فقط، التي تُفرِّح قلبَه. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
10 أكتوبر 2025

حوار الحب

”الصلاة سلاح عظيم، وكنز لا يفرغ وغِنَى لا يسقط أبدًا ميناء هادئ وسكون ليس فيه اضطراب“ (القديس يوحنا ذهبي الفم) «وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ قَائِلًا: كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي. وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلكِنْ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا، فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي وَقَالَ الرَّبُّ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلًا، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا! وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟» (لو ١٨: ١-٨) الصلاة يا عزيزي هي الخطوة الثانية التي سنخطوها سويًّا في بلد الحب لقد سلَّط الكتاب المقدَّس الضوء على مبدأ: «أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» من خلال قصة قاضي الظلم فإذا كان قاضي الظلم الذي ظلم الأرملة قد أنصفها في النهاية لأجل لجاجتها، فما بالك بقاضي القضاة الكلِّي العدل ألا ينصف مختاريه وهنا يأتي السؤال: كيف أُصلِّي كيف أتمتَّع بصلاة حقيقية؟ وللإجابة على هذا السؤال دعنا نتأمَّل قليلًا لقد وهب الله الإنسان نعمتيْ العقل وحرية العمل؛ ليصنع بهما العجائب، ثم منحه البعد الثالث وهو القلب ليكون موضع الالتقاء بالله، فصار الإنسان عابدًا، وتولَّدت داخل الإنسان الرغبة في الله، وصارت الصلاة هي التعبير عن رغبة الإنسان في الله الخالق، بل صار في داخل الإنسان عطش وحنين للأبدية دعنا نُرسي معًا مبادئ هامة عن كيفية الصلاة:- ١- عندما تصلِّي ضع في ذهنك أنك أمام الحضرة الإلهية كل التقدير كل الخشوع كل الرهبة كل الاحترام وكأنك تطرح العالم إلى خارج. ٢- عندما تدخل إلى جو الصلاة اكشف عن خطاياك الصلاة الحقيقية تحتاج من الإنسان أن تكون خطاياه واضحة أمامه تمامًا، ضع أمامك قول داود النبي: «إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ» (مز ٥٠: ٤). وكرِّر ذلك كثيرًا: ”طوبى لمَنْ يُبصر خطاياه أفضل ممن يرى ملائكة“ (أحد الآباء). ٣- عندما تدخل إلى جو الصلاة املأ قلبك بروح الشكر أعمال الله وعطاياه العظيمة في حياة كل منا لا تنتهي نعمة الصحة نعمة الحركة نعمة السلام نعم لا تُحصَى احرص دائمًا أن تشكر الله على عطاياه العظيمة ونعمه في حياتك. ٤- تذكَّر مجتمعك الذي تحيا فيه: أسرتك كنيستك خدمتك وطنك اذكر الذين طلبوا منك أن تصلِّي من أجلهم، وأفراد أسرتك بأسمائهم، وأخيرًا اذكر نفسك. وضع أمامك دائمًا أن تمزج صلاتك باللجاجة وأحيانًا بالدموع. ٥- احرص أن تمارس الصلاة بشكل يومي خصِّص وقتًا كل يوم تجلس فيه ولا تفكر سوى في الله ابدأ يومك بالصلاة صباحًا عقب الاستيقاظ، وكذلك مساء عند النوم وليكن نظامك فيها هو:- أ‌- تهيئة الجو العام للصلاة: مكان واحد للصلاة – به أيقونة الصلب أو صليب في الشرقية مع بعض صور أخرى. ب‌- الإعداد للصلاة: يلزم أن نعد أنفسنا قبل وقت الصلاة، فلا يليق أن ننتقل من الأشياء التي كنا منهمكين فيها إلى الصلاة مباشرة لأنك إن فعلت ذلك لن تتلذَّذ بالصلاة. ج- ليكن لك: قراءة روحية ترنيمة أو لحن الجلوس في صمت التأمل في صورة الصلب البعد عن الموبايل. د- ابدأ الصلاة بالسجود ٣ مرات إلى الأرض. ذ- امسك صليب وقت الصلاة في يدك. ر- ارفع يديك وعينيك نحو السماء. ز- تحدَّث مع الله ليس بألفاظ عامة (مثل ضابط الكل)، بل بألفاظ حيَّة مثل: ”يا بهجتي، يا فرحي، أحبك يا رب يا قوتي“ (مز ١٨: ١). ف- لتكن صلواتك من القلب، فالله لن يسألك كم مرة صليت؟ أو كم ساعة وقفت؟ ولكن سيسألك ”كيف صليت“؟ ق- كن صريحًا في حديثك وافتح قلبك لله وصلِّ قائلًا أعطني يا رب أن أحبك … عرِّفني يا رب مَنْ أنا … ه- بعد الصلاة استرح قليلًا واشكر الله بالصمت. أمَّا عن الصلاة كحياة، فهناك خطوات أعمق: اقرأ عن رجال الصلاة القديسين أمثال داود النبي اقرأ عن فضيلة الصلاة، واختبارات الآباء فيها استمتع بالصلوات المذكورة في الكتاب المقدَّس وتعلَّم منها كيف كان هؤلاء القديسون يصلون بها، (نقرأ هذه الصلوات ليلة أبو غلمسيس). دَرِّب نفسك على الصلاة كل حين: أ‌- اختر صلاة تشعر بمذاقها في نفسك، وردِّدْها داخلك كثيرًا، أثناء وقت فراغك وأثناء وجودك بين الآخرين دون أن يشعر أحد. ب‌- كرِّرْها وأنت على فراشك قبل أن تنام، وكذلك عندما تستيقظ فيكون الله أول مَنْ تخاطبه. إليك هذا المثال العملي: عند الاستيقاظ قُل «هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ» ضع في فكرك هذا اليوم هو ملك لله – وأنت أيضًا مِلك لله – اطلب بركة الرب: ”باركني يا رب، كن معي“. *اخرج من منزلك حاملًا رسالة الله المفرحة للجميع ”أنت سفير المسيح على الأرض سفير للفرح“. ثق أن كل ما تمر به هو من يد الله صانع الخيرات محب البشر كل شخص تقابله هو هبة من الله، كل ظرف تجوزه مهما كان هو هدية الله لك كل ما تراه من أشجار ومبانٍ هو عطايا الله ”لقد وُهِبَ لنا أن نكون سفراء المسيح على الأرض، أحيانًا منتصرين وأحيانًا مصلوبين، المهم أن نكون دائمًا مستعدين فلا نهرب أبدًا“ (أحد الآباء) بهذا البرنامج تكون الصلاة والحياة وجهين لعملة واحدة «صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ» (١تس ٥: ١٧). هناك خطوة هامة وهي أن تُقَيِّم نفسك بمقاييس نجاح الصلاة. ماذا يدفعك إلى الصلاة؟ هل هو الحب؟ هل الخوف؟ هل الواجب؟ هل إرضاء ذاتك؟ عندما تنتهي من الصلاة ما هو شعورك؟ هل تفرح وتُسر؟ هل تود لو استمرت الصلاة؟ وأنت واقف للصلاة بماذا تشعر هل سعادتك فوق كل سعادة؟ هل فكرك يذهب بعيدًا؟ هل يراودك هذا الإحساس ”إن لم أصلِّ فقد يسحب الله عنايته بي“ إن البُعد عن حياة الصلاة مصيره مؤلم، وقد عبَّر عنه ذهبي الفم بعبارة حاسمة ”إن لم تكن قد رأيته على الأرض فلن تراه في السماء“. نوعيات الصلاة:- الصلاة الحقيقية هي رغبة واشتياق وحب قبل أن تكون فرض أو أمر أو مجرَّد وصية أو مجرد عبادة أو مجرَّد طلب ونوعيات الصلاة حدَّدها بولس الرسول حين قال «أَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ» (١تي ٢: ١). الطلبات: هي التماس بخصوص خطايانا؛ لطلب الصفح والنمو في الفضيلة وهي تنبع من الحزن على الخطية. الصلوات تمثل الصلة الحقيقية والحديث الشخصي بين الإنسان والله. الابتهالات هي صلوات من أجل الآخرين (كل العالم) تأتي عن حرارة القلب والشعور بمدى المسئولية عن جميع الناس. التشكرات هي تأملات في أعمال الله في حياتنا وبركاته لنا، وهي تسبيح وتمجيد يتولَّد من التعمق والتأمل في صلاح الله وبصفة عامة فإن الروح القدس هو الذي يحيي داخلنا مشاعر الصلاة أي يترجمها أمام الله «الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي » (رو ٨: ٢٦). والآن دعنا نتساءل: ما هي معوقات حياة الصلاة؟ ١ – قلة الوقت: تعتبر الشكوى من قلة الوقت المخصَّص للصلاة أمرًا واهيًا، وتبريرًا كاذبًا للنفس في إهمالها وتوانيها وتهربها من الوقوف أمام الله ولكن بقدر اشتياق الإنسان للصلاة يعطيه الروح القدس فرصًا عظيمة للتنعم والامتلاء من الله اسأل نفسك: كم دقيقة في حياتك تضيع هباءً؟ بلا شك كثير هل تستطيع أن تجمع ”الفتات الضائع“ وتقدِّم فيه صلاة تكون لله ولك أيضًا؟! … تدرَّب على أن تتحكم في وقتك وليس العكس. ٢ – تعب الجسد: الجسد يدَّعي أمورًا للهروب من الصلاة، كادعاء التثاؤب والمرض والضعف وآلام الرأس والظهر وشدَّة الحاجة إلى النوم أو اختصار الصلاة أو السرعة … إلخ. هذه كلها أسباب يمكنك بالتدريب المتأني الانتصار عليها، ولكن الخطأ يكمن في السلوكيات التي تتعارض مع حياة الصلاة فمثلًا يصلِّي الإنسان في وقت استُهلِك فيه جسديًّا ولذا حذَّرنا الآباء: ”إن كنت تريد أن تصلِّي كما ينبغي لا تفعل شيئًا ضد الصلاة، لكي يقترب منك الله“ وكما أن الذهن في الصلاة يتشكَّل حسب الحالة التي يكون عليها قبل الصلاة، فما يحدث في الفترة التي تسبق الصلاة من ضحك وأحاديث أو قلق أو تفكير يُشغِل مخيلتنا أثناء الصلاة لذلك يجدر بنا أن نهتم بهذه الفترة عن طريق الألحان أو القراءة الهادئة يمكنك أن تجعل يومًا في الأسبوع مثاليًّا في صلاتك ومع هذا التدريب يصير اليوم اثنين ثم ثلاثة وهكذا تمتد حياة الصلاة كل أيامك. ٣ – تأخر الاستجابة: لابد أن يكون دافع الصلاة هو الحب وليس الطلب. وهذا الحب نُقدِّمه في ثقة تامة بأننا ننال ما نسأل، ولا نشك في أن الله مهتم بنا، وقادر أن يُعطينا طلبنا «كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ» (مر ١١: ٢٤). ويوضِّح لنا ذهبي الفم قائلًا: ”إن الله حينما يُعطي أو لا يُعطي إنما يفعل ذلك لخيرك“. وهناك أسباب لتأخر الاستجابة: الله يؤخر الطلب لحكمة يراها، فلا يمكنك إدراك حكمة الله. لأن ما نناله سريعًا لا نشعر بقيمته. لأنه قد تكون طلباتنا في غير صالحنا. قد يتأخر الرب حتى نلتجئ إليه أكثر وندنو منه أكثر، ولكن عليك أن تثق دائمًا أن ما يفعله الله إنما يفعله لنفعك الروحي. قصة قصيرة … روى المتنيح ”القمص إبراهيم عطية“ بالقاهرة هذه القصة انتقل لإحدى الأرامل ابنُها الوحيد، وإذ أُدرِك مدى تعلُّقها به لم أعرف ماذا أفعل؟ ذهبت إلى منزلها، ففتحت الخادمة الباب سألتها عن السيدة، فأجابت: ”إنها في حجرتها الخاصة لقد أغلقت الباب، وطلبت مني ألَّا أطرق الباب مهما تكن الظروف أنا آسفة يا أبي، لا أستطيع أن أخبرها بحضورك“ طال انتظاري، وأخيرًا فتحت الباب، وكانت ملامح وجهها تكشف عن سلام عميق يملأ أعماقها قالت ”أنا آسفة يا أبي لأني تأخرت في خروجي لمقابلتك أريد أن أُطمئن قلبك ما كنت تود أن تقدِّمه، قدَّمه لي الرب بفيض لي الآن ساعتان راكعة أمام إلهي. وصممت ألَّا أتركه حتى يفيض عليَّ بتعزياته السماوية الآن أنا في سلام صلِّي يا أبي ليكمل الله عمله معي“. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
03 أكتوبر 2025

“بلد الحب”

”أرني (يا الله) بلد الحُب لأتكلَّم عنه كما يستطيع ضَعفي أَفْرِخْ فيَّ يا رب نعمتك برحمتك لأتكلَّم عنها ألهِب قلوب مُحبيك فيخرجون في طلبها“ (الشيخ الروحاني) «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَ ذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ» (٢كو ٥: ١٧-٢١). في بداية رحلتك معي عزيزي القارئ، أودُّ أن نتعرَّف سويًّا على مجموعة من المبادئ الروحية الهامة ولتعتبرها إرشادات الطريق في مسيرتك الروحيَّة هيَّا سويًّا لنخطو خطوتنا الأولى. أولًا: ما هي الحياة الروحية بلد الحب: الحياة الروحية هي الإطار الذي يجمع ثلاثة محاور هامة: النعمة وعملها، الإنسان بتوازنه، وأخيرًا الكنيسة وأسرارها وصولًا إلى بلد الحب. النعمة وعملها:- عمل النعمة، هو عمل دائم ومستمر ولا ينقطع، ويظهر عمل النعمة كُلَّما كانت حياة الإنسان مملوءة ثمرًا وهناك قاعدة روحية هامة وهي أن الله لا يُريد من الإنسان سوى إرادته لتعمل نعمته فيه. وعمل النعمة بدوره يقود الإنسان لاختبار هام في الحياة الروحية وهو معيَّة المسيح. تأمَّل معي يا عزيزي ترتيلة داود النبي: «أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي» (مز ٢٣: ٤)، فعبارة «أنتَ معي» تعكس شعورًا داخليًّا وإحساسًا حقيقيًّا بوجود الله وعمل نعمته بل إن هذا الشعور هو قمة عمل النعمة. الإنسان بتوازنه: خلق الله الإنسان وجعله: عاقلًا عاملًا عابدًا ولكن تذكَّر يا صديقي أن التوازن هو الركيزة الأساسية لنجاح هذه المنظومة أتسألني كيف يكون هذا التوازن؟ أُجيبك أن التوازن في حياة الإنسان مُرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشِّبع الروحي، فالعقل يتغذَّى بأعمال القراءة والمعرفة، والروح تسمو بالعمل الروحي والشِّبع الشخصي بالمسيح ولكي يتحقَّق هذا الشِّبع الروحي لا بُدَّ أن تكون للحياة الروحية قوانين تُنظِّمها، فالحياة الروحية شيء مُحدَّد، ولها شكل ونمو ومراحل وتدرُّج. بقي لنا المحور الثالث، ألا وهو: الكنيسة بأسرارها:- وهذه الأسرار توضَع في ثلاث مجموعات رئيسية: أسرار لا تُمَارَس إلَّا مرَّة واحدة: سِرّ المعمودية والميرون. أسرار دائمة التكرار: سِرّ الاعتراف والتناول ومسحة المرضى. أسرار قد تُمَارَس وقد لا تُمَارَس: سِرّ الزيجة والكهنوت. لك أن تعتبر أن الأسرار الكنسيَّة هي بمثابة حلقة الربط بين عمل النعمة والتوازن الإنساني والتي بدورها تقود إلى العُمق في الحياة الروحية. أتسألني الآن: كيف أنمو في حياتي الروحيَّة؟ أودُّ أن تَعي جيدًا أن النمو الروحي له عدة قوانين تنظمه وتضمن تدرُّجه إن إحدى المُشكلات الرئيسية التي تواجه الإنسان المسيحي هي عدم الاستمرار قد تبدأ نظامًا روحيًّا بحماس شديد، ولكن بعد فترة قصيرة يتسلَّل الفتور إلى قلبك!! أمَّا القانون الروحي الذي يضمن الاستمرار هو: ”قليلٌ دائم خيرٌ من كثير مُتقطِّع“. فالقليل الدائم هو الذي يجعل حياتنا مستمرة، فالمسيح لا يطلب منَّا الكَمّ QUANTITY بل يطلب الكيف QUALITY. نعم إن المسيح يُريد منك الاستمرارية حتى ولو كانت آية واحدة أو مزمور، فالاستمرار هو الذي يُعطي انطباعًا أنك شخص ذو قلب مُستعد لسُكنى المسيح فيه. أتذكُر المرأة التي أعطت الفلسَينْ؟ قال عنها السيد المسيح: انظروا كيف أعطت؟ بمعنى أنه نظر إلى الكيف وليس الكم (لو ٢١: ١-٤) فعلى الأقل في كل يوم، اهتم أن تكون هناك فقرة أو آية في الإنجيل تقوم بقراءتها مع وقفة صلاة، وليكن هذا أقل شيء لكن كُنْ دائم التطلُّع أيضًا نحو النمو والتدرُّج في حياتك الروحية. هذا عن الاستمرارية والتدرُّج، أمَّا عن الاعتدال يقول الآباء الذين اختبروا الحياة الروحية: ”الطريق الوسطى خلَّصت كثيرين“، وإذا أردنا أن نُعرِّف كلمة ”الاعتدال“ يمكننا القول: إنَّه عدم التطرُّف يمينًا أو شمالًا، أو عدم المُبالغة، أو هو التوازن أيتبادر إلى ذهنك كيف أحقِّق الاعتدال في حياتي الروحية؟ أُجيبك: يا عزيزي إن للحياة الروحية ثلاثة أعمدة رئيسية وهي: ”أبٌ روحي قانون روحي وسط روحي “. فَمِنَ الخطأ أن يظن الإنسان أنه يستطيع أن يقود نفسه بنفسه، مهما كانت مكانته أو قامته الروحية كبيرة، فالكنيسة قائمة على الخضوع بدءًا من البابا البطريرك والآباء المطارنة والأساقفة والآباء الكهنة والشمامسة والشعب الجميع تحت خضوع، فليحذر كل مَنْ يظن في نفسه أنه أصبح مُدرِكًا لكل شيءٍ، ويدرك كل الأمور. الخضوع يا صديقي هو صمام الأمان في الحياة الروحية إنه الضمان الوحيد، أن يحيا الإنسان تلميذًا في مدرسة التواضع. بَقيَ لنا أن نتأمَّل سويًّا في الحياة الروحية والتطبيق العملي. هناك ثلاث تطبيقات، تضعنا في دائرة الحياة الروحية عمليًّا:- أولًا: مداومة الصلاة القلبية بحُبٍّ:- كلمة مُداومة تعني الاستمرار، وكما يقول الكتاب: «وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» (لو ١٨: ١) فصلواتنا هي العلاقة الشخصية التي تربطنا بالله وأجمل تعريف للصلاة قاله معلِّمنا داود النبي: «جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ، لأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلاَ أَتَزَعْزَعُ» (مز ١٦: ٨) الصلاة الحقيقية يا عزيزي هي الصلاة القلبية المملوءة حبًّا فلا يُقدِّس أوقاتنا وأعمارنا إلَّا الصلاة، ولتسأل نفسك دومًا: ما هي قامتك الروحية؟ وما هي صلواتك؟ وما هو قانونك مع أب اعترافك؟ ففي كل مرة ترفع قلبك إلى الله للصلاة، تزداد اشتياقًا وكأنك بصلاتك ترتفع درجة نحو السماء. ثانيًا ممارسة الأسرار الكنسية بوعي:- إن أكثر الأسرار الكنسية التي نُمارسها باستمرار سِرُّ الاعتراف وسِرُّ التناول وهذه الأسرار ما هي إلَّا قنوات للنعمة، والكتاب يُذكِّرنا في المزمور الأول «فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ» (مز ١: ٣) والمقصود بـــــ”مجاري المياه“ هي قنوات النعمة، فجلسة الاعتراف، ما هي إلَّا قناة للنعمة لذا يجب أن أكون بوعي فيها. أذكر خطيتي بقلب تائب أمام الله في حضور الأب الكاهن، وأُقيم عهدًا جديدًا في حياتي الروحية مع الله ولسان حالي يقول «تعهُّدات فمي باركها يا رب» (مز ١١٩) وقد يقول أحدٌ إنني أحضر القداس، وأُمارِس سِرَّ الاعتراف، لكنني لا أستفيد شيئًا! السبب في ذلك يا صديقي، هو غياب الوعي القلبي لديك، ويمكن تشبيه ذلك بشخصٍ يتكلَّم مع آخَر وهذا الآخر غير مُنتبِه إلى حديثه، لأنه مشغول بقراءة شيء أمامه مثلًا فكيف له أن يدرك قول ومشاعر مُحدِّثه؟! وعلى النقيض هناك آخر يُنصِت ويستمع بمنتهى التركيز، وهذا الإنصات يسمَّى إنصات تفاعلي، فيُدرك الرسالة الموجَّهة إليه بل ويتفاعل معها وعلى هذا الأساس اسأل نفسك: كيف تحضر القداس الإلهي؟ هل عقلك مشغول بأمور أخرى، أو يجذبه العالم باهتماماته ومشاكله وبالتالي يكون جسدك في القداس، أمَّا عقلك وقلبك في مكان آخر؟! ثالثًا: معايشة كلمة الكتاب بانتظام: أودُّ أن أطرح عليك هنا سؤالًا: هل تقرأ الإنجيل بانتظام يوميًّا؟ هل تدرس الكتاب المقدَّس كل يوم؟ أمْ أنك تقرأ وتدرس وتتأمَّل؟ فقراءة الكتاب المقدَّس درجة روحية، يعلوها دراسة كلمة الله أمَّا ما هو أسمَى فهو الدراسة والتأمل والحياة بكلمة الله بشكل عملي إذا لم يقُم الإنسان بكل هذا، كيف يقول عن نفسه إنه يحيا بالإنجيل؟! وكيف يكون الإنجيل بالنسبة له «روح وحياة»؟! دعنا نتأمَّل سويًّا في هذه القصة لتُدرِك مفهوم الحياة بالإنجيل بشكل أعمق أُصيب رجلٌ في أحد أحياء مدينة تكساس بأمريكا في انفجار، فَقَدَ فيه يَدَيه، كما أُصيب وجهه بجراحات خطيرة فَقَدَ الرجل عينيه، فلم يعد قادرًا على القراءة ووسط مرارة نفسه اشتاق أن يقرأ الكتاب المقدَّس، فبدأ يسأل ”كيف يمكنني قراءة الكتاب المقدَّس، وقد فقدتُ عيني ويدَيَّ؟!“ قيل له ”توجد سيدة في إنجلترا تستمتع بقراءة الكتاب المقدَّس بواسطة شفتيها، إذ تستخدمها بدلًا من الأصابع لتقرأ الكتاب المقدَّس بطريقة برايل BRAILLE METHOD بالحروف البارزة“ أرسل إلى الهيئة المختصَّة لكي تُرسِل له الكتاب المقدَّس البارز ليتعلَّم القراءة بشفتيه لكن قبل أن يصل إليه الكتاب المقدَّس اكتشف أن أعصاب شفتيه قد تحطَّمت تمامًا، وإذ وصله الكتاب المقدَّس المكتوب بحروف بارزة بدأ يتعلَّم القراءة بلمس الكتابة بلسانه! وكان يجد عذوبة في قراءته وفي تعليق له يقول: ”لقد قرأت الكتاب المقدَّس أربع مرَّات وقرأت بعض الأسفار مرَّات ومرَّات“ وهكذا تحوَّلت ضيقة هذا الإنسان إلى خبرة التمتُّع بكلمة الله التي تهب النفس عذوبة وتعزية إن هذا الإنسان يديننا لأنه تعلَّم أن يقرأ الكتاب المقدَّس بلسانه بعد أن فقد يديه وعينيه وأعصاب شفتيه أي عذر لنا؟! نتحجَّج بحجج واهية إنه لا يوجد وقت! ويشغلنا إبليس بالعالم واهتماماته ومسئولياته فما أكثر الذين يعتذرون عن عدم القراءة في الكتاب المقدَّس بأنه ليس لديهم وقت! بينما يجدون وقتًا للتسلية والمقابلات العديدة. والحقيقة أن ليس لديهم رغبة!! صلاة يا حبيبي ومخلِّصي هَبْ لي أن أختبر عذوبة كلمتك لأقرأها بكل كياني! لأختبر قوَّة كلمتك فأحيا بها وأتمتَّع بمواعيدك بها أنطلق إلى الأحضان الأبوية الإلهية أنعم بالمجد الأبدي في بلد الحب. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
19 سبتمبر 2025

تجويد التعليم الكنسي

تشمل منظومة الخدمة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ثلاث ركائز أساسية هي: “التعليم – التكريس – الرعاية”، وهذه الثلاثة مترابطة وغير منفصلة عن بعضها في العمل الكنسي لتكميل وتجميل الخدمة الكنسية. إن “المعلم والمكرس والراعي” يجب أن يكونوا في المتقدم إلى العمل الكنسي ولكن بنسب متفاوتة، فمثلاً خادم مدارس الأحد يكون معلمًا بمقدار ومكرسًا ساعات من وقته بمقدار وراعيًا لمن يخدمهم بمقدار.. وهكذا خادم الشباب والأب الكاهن والأب الأسقف والراهب الكاهن، ويأتي نجاح هذه المنظومة عندما تتم في إطار إداري مؤسسي منضبط وفعال. أود في هذا المقال الحديث عن الركيزة الأولى “التعليم”: وخاصة تجويد التعليم الكنسي على كل مستوياته في فصول مدارس الأحد واجتماعات الشباب وعظات العشيات والقداسات والنهضات ومحاضرات المؤتمرات والخلوات وفصول إعداد الخدام امتدادًا إلى التعليم الرسمي في الكليات الإكليريكية والمعاهد الكنسية على تنوعها الدراسي لاهوتيًا واجتماعيًا. ويضاف إلى ذلك المناهج التي تُقدم وتُدرس وكيف يتم تجويدها باستمرار وفقًا لاحتياجات كل قطاع خاصة ونحن نعيش في زمن متسارع بصورة غير مسبوقة في النواحي التكنولوجية والرقمية والذكاء الاصطناعي وكل ما هو جديد في العالم يظهر كل يوم وكل ساعة لقد كانت مدرسة الإسكندرية التي أسسها مارمرقس الرسول في كرازته في الإسكندرية وقبل استشهاده هي اللبنة الأولى في التعليم الكنسي، ويقول العلامة إكليمنضس السكندري: “لقد صاغ الآباء التعليم باستنارة الروح القدس مع الاستفادة الناتجة من دراستهم الفلسفية والأدبية والعلمية التي كانت سائدة في عصرهم واكتسبوها وتعلموها لكي يتواصلوا مع العالم المحيط بهم”. وهكذا امتد التعليم عبر آباء الكنيسة في كل أقوالهم وكتاباتهم وشروحاتهم، وقبل كل ذلك في حياتهم وسيرهم. وصارت مهمة التعليم الكنسي تولد في الكنيسة أي من خلال الليتورجيا ونظام الصلاة الجماعي والشخصي، وتمتد من جيل إلى جيل ليس على مستوى التاريخ بل على مستوى الحياة لأنه كما يقول سفر الأمثال: “بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ” (أم 29: 18) وإذا قمنا برسم خريطة للمعاهد والكليات الكنسية المنتشرة بين ربوع كنائسنا في مصر وفي الخارج سنجد الصورة كما يلي: الكلية الأم بالأنبا رويس القاهرة منذ 150 سنة، وأعيد تأسيسها عام 1893م في حبرية البابا كيرلس الخامس ولها قسم مسائي تأسس عام 1946م. وهذه هي الفروع: الإسكندرية (1972م) وأيضًا مركز تيرانس (2015م) طنطا (1976م) المنوفية (1977م) شبرا الخيمة (2000م) دمنهور (2002م) بورسعيد (2003م) المحلة (2005م) كما يوجد عدد من الفروع في الوجه القبلي: الدير المحرق (1973م) المنيا (1976م) البلينا (1976م) الأقصر (2004م) وكذلك توجد عدد من الكليات خارج مصر: جيرسي سيتي (1989م) لوس أنجيلوس (1989م) (حاليًا ACTS) سیدني (1982م) ملبورن (2001م) (حاليًا كلية القديس أثناسيوس) إنجلترا (1997م) أكاديمية Teach (2020م) ألمانيا ( 2006م) ويمكن أن نضيف إلى هذه القائمة مراكز كنسية أخرى تابعة للكنائس والإيبارشيات وأيضًا بعض المراكز بجهود شخصية مثل مركز دراسات الآباء، مدرسة الإسكندرية-… إلخ.كما يوجد معهد الدراسات القبطية ومعهد الرعاية والتربية ومعهد المشورة-.. إلخ ومعنى ذلك أننا أمام خريطة واسعة في التعليم الكنسي تحتاج أن تعمل بمعايير الجودة والإتقان والفعالية، وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا من الجميع، أساتذة ومختصين ومحاضرين جامعيين في الإدارة والتعليم ومراقبة الجودة تحت إشراف الآباء الأساقفة والكهنة ويوجد لنا في المجمع المقدس لجنة الإيمان والتعليم كإحدى اللجان المجمعية وأعضاؤها كلهم من المطارنة والأساقفة وتشرف على سلامة التعليم والاعتراف الكنسي بالكليات والمعاهد الجديدة. كما أصدر المجمع المقدس في عام 2014م لائحة الأكاديمية اللاهوتية لتكون إطارًا محكمًا لعمل الكليات والمعاهد الكنسية بأسلوب علمي وأكاديمي. ونشرت هذه اللائحة حتى تقوم كل كلية أو معهد كنسي بتوفيق الأوضاع حتى تصير عضوًا في الأكاديمية ولا ننسى أنه في عام 1962م قام القديس البابا كيرلس السادس بسيامة أسقف عام للتعليم في خطوة تاريخية في مسار التعليم الكنسي، وقد صار فيما بعد البابا شنوده الثالث. وكانت هذه السيامة بمثابة عملاً تنظيميًا في التعليم الكنسي في التربية الكنسية وفي الكلية الإكليريكية. وبعدها بخمس سنوات قام القديس البابا كيرلس السادس بسيامة الأنبا غريغوريوس أسقفًا عامًا للدراسات العليا والبحث العلمي والثقافة القبطية مما أثرى العملية التعليمية بصورة أوسع كذلك عقدت الكنيسة عدة مؤتمرات دراسية حول التعليم كان من أشهرها ما عقد في يونيو 2013م وشارك فيه ممثلو معظم الكليات والمعاهد الكنسية القبطية تحت عنوان: بين الواقع والمأمول في المعاهد اللاهوتية أما الآن فنحن نشعر بالاحتياج الشديد إلى ضبط التعليم الكنسي بمعايير الجودة الجامعية والأكاديمية لتصل إلى درجة الاعتماد الأكاديمي، خاصة وأن بعض الكليات في الخارج نالت هذا الاعتماد مثل کلية Acts (لوس أنجيلوس) – أكاديمية تيتش (لندن) – كلية القديس أثناسيوس (ملبورن أستراليا). ولدينا عدة أفكار في هذا الصدد نستعرضها للمناقشة وإبداء الرأي بأوراق بحثية بهدف التجويد والتطوير بالصورة التي نأملها لكل كلياتنا ومعاهدنا: إنشاء مجلس التعليم الكنسي ويتكون من 24 عضوًا حاملي درجة الدكتوراه في تخصصات عديدة ويكون نصف الأعضاء من الإكليروس (أساقفة/ كهنة/ رهبان) والنصف الآخر من العلمانيين (أساتذة رجال ونساء)، ويقوم هذا المجلس بعمل بحثي لترقية التعليم الكنسي بكل مستوياته بطريقة علمية خالصة. مجلس الأكاديمية اللاهوتية يضم ممثلين من كافة الكليات الإكليريكية والمعاهد الكنسية المعترف بها وذلك لتوحيد الجهود ومستويات التعليم وتنشيط الأساليب التدريسية بكافة نواحيها… والإتاحة العلمية لهيئات التدريس. إنشاء كيان كنسي يضم صفوة الأساتذة يقومون بمناقشة الرسائل العلمية الكنسية ويساعدون الشباب والآباء في إعدادهم هذه الرسائل على أسس علمية راقية، كما يقوم هذا الكيان بنشر الرسائل وتبادلها مع الكليات والمعاهد بهدف إثراء العملية التعليمية الكنسية. إرسال واستقبال البعثات الدراسية وتبادلها مع المؤسسات التعليمية بهدف إعداد كوادر معاصرة تتناسب مع تجديد العمل الدراسي والتعليمي في الكليات والمعاهد الكنسية. النشر العلمي الرصين والاستعانة بالمكتبة البابوية المركزية ومركز المخطوطات القبطية الورقية والرقمية والبحث في كنوز الآباء العديدة. الاهتمام والمتابعة الدورية لمعايير الجودة والحوكمة والرقمنة لكل مراحل التعليم الكنسي وعلى كل المستويات حقًا المشوار طويل ولكن يجب أن نسرع فيه بكل قوة حتى يكون لكنيستنا المكانة اللائقة بين كنائس العالم، ونحن نستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينا (فيلبي 13:4). قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل