المقالات

16 سبتمبر 2022

ذبيحة الحب الالهى

هذه المائدة هـي عضـد نفوسنا .. رباط ذهننـا .. أساس رجائنا وخلاصنا ونورنا وحياتنـا . عنـدمـا تـرى المائدة معدة قدامك قل لنفسك : من أجـل جسـده لا أعـود أكـون تراباً ورماداً ، ولا أكون سجيناً بل حراً . من أجل هذا الجسـد أترجى السماء " . ( القديس يوحنا الذهبي الفم ) مزمور لداود : " الرب راعـي فـلا يـعـوزني شيء . في مـراع خضر يربضني . إلى مياه الراحـة يوردني . يرد نفسي . يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه . أيضاً إذا سرت في وادي ظل المـوت لا أخاف شرا ، لأنك أنت معي . عصاك وعكارك هما يعزيانني . تُرتب قدامي مائدة تجاه مضايقي . مسحت بالدهن رأسي . كأسي ريا . إنّما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي ، وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام " ( مز ٢٣ ) . اقرأ المزمور السابق مرة أُخرى ثم دعنا نتأمل فيه قليلاً .يقدم لنا هذا المزمور صورة عن الحياة المسيحية ..فالمراعي الخضـر هـي كلمة الله .. وماء الراحة هو المعمودية .. بينما يمثل وادي ظل المـوت الـدفن في المعمودية ، والدهن كذلك يمثل الميرون . أما المائدة فهي سر الإفخارستيا ، والكأس هو عصير الكرمة ، وبيت الرب هو الكنيسة . إنها ذبيحة الحب الإلهي والخطوة السادسة التي تضـيء طريقنا الروحي . دعنـا في البدايـة نـرسـي معـا مبـادئ هـامـة فيما يتعلق بـسـر الإفخارستيا ، والقداس الإلهي : سر التناول أو الإفخارستيا هو نعمة غير منظـورة مـن خـلال القداس الإلهـي الـذي يمثـل قمـة الصـلوات المسيحية ، فالقداس الإلهـي سـواء بصلوات الأب الكاهن أو مـردات الشعب غنـي بـالطقوس والقراءات الكتابية .الله هو صاحب كل النعم في حياتك وليس لك فضـل في شيء ، وفي سـر الإفخارستيا كأنك تأخـذ مـما أعطاك اللـه لتشكره بـه ، فتصير ذبيحـة الخبـز والخمـر ذبيحـة شـكر ، وبعـد التقديس تصير الذبيحـة جسد ودم المسيح بالحقيقة . المسيح هنـا هـو الكاهن والذبيحـة ... ففـي كـل مـرة تحضـر القـداس الإلهي كأنك في وقت الصليب تماماً والمسيح المصلوب هـو حاضـر فهل كل مرة تتقدم لهذا السر وأنت تشعر بحضور المسيح فيه ؟! القداس الإلهـي خـارج حيـز الـزمـن وكـأن المسيح يذكرنا : " خذوا كلوا . هذا هو جسدي " ( مت ٢٦ : ٢٦ ) ، وهـذا مـا يكــرره الأب الكاهن في القداس عن فم المسيح ، وبفاعلية عمل الروح القدس . يقول الآباء : " المسيحيون يقيمون سر الإفخارستيا ، وسـر الإفخارستيا يقيم المسيحيين " . أتتساءل الآن : لماذا لا أستفيد من القداس الإلهي ؟! دعنا نناقش سويا ما يمنعك من التمتع بالقداس الإلهي : الحضور المتأخر : كـل صـلوات القداس منـذ بدايتها ( عشية - باكر - تقدمة الحمل - قداس الموعوظين ـ قداس المـؤمنين ) إلى نهايتهـا وحـدة واحـدة وعـدم حضـور أي منهم يفقـدك جـوهرة ثمينـة مـن جـواهر فضلاً عن غياب التهيئة المناسبة للحضور بالاستعداد القداس الإلهي ، الذهني والروحي والجسدي .الحضـور الروتينـي : وفي ذلـك عـدم الاشتراك في المـردات والألحـان فالقداس الإلهي هو سيمفونية مقدسة مشتركة بين الكاهن والشماس والشعب . فضلاً عـن عـدم التركيز والتأمـل والانشغال بأمور الحياة ، ويتبقـى لنـا في هـذه النقطـة ... الانشغال بالإداريـات مثـل : جمـع العطاء ، البيع ، التنظيم ... التـي بـدورها تعـوق الإنسـان عـن التمتّع بالقداس الالهي . الحضور الشكلي : ولهذه النقطة محاور عدة مثل : عـدم التناول ، عـدم الاعتراف ، وكذلك الجلوس في المؤخرة ومحادثة الآخرين . كل ما سبق يمثل أساليب عدة يحـاول بهـا عـدو الخير أن يمنعـك عـن التمتع بالقداس الإلهي ، وبالتالي عن الشبع بالمسيح . أتود أن تسألني الآن : كيف أستفيد من القداس الإلهي ؟ في خطوات عملية سأوضح لك كيف يمكنك التمتع بالقداس الإلهـي ولكن في البداية ضع في قلبك أن القداس الإلهي هو رحلة شيقة للتمتع بالمعية الإلهية . ١- افهم سر الإفخارستيا ... كـن واعياً لعظمـة السـر وعمـل المسيح فيـه وكأنك تستحضر بداخلك ما صنعه الفادي المحب لأجلك . في طريقـك إلى الكنيسـة ردد : " فرحـت بالقائلين لـي : إلى بيـت الـرب تذهب " ( مز ۱۲۲ : ۱ ) ... امـلأ قلبـك وذهنـك بالاستعداد لمقابلـة ملـك الملوك ورب الأرباب . ۲- استعد بنفسك لكي مـا تشعر بعمـق هـذا السـر في حياتك ، فالاستعداد النفسي سيهيئ قلبك ليحل المسيح فيـه ... اقـرأ قراءات القداس الإلهـي الليلة السابقة ، وخذ قسطاً كافيـاً مـن النـوم ، كي تتجنب الإرهـاق الجسدي أثناء القداس الإلهي . ۳- شارك في القداس الإلهـي بكل كيانك ... اجلس في الصفوف الأمامية .احضـر مبكراً وقوفـك في القداس الإلهـي سيملأ قلبـك بالخشـوع وكأنك تمجد الله بتلك الصحة التي منحك إياها . ٤- اشترك في صلوات القداس الإلهي ... سبح الله بالمردات والألحان . 5- عش صلوات القداس الإلهي بفاعلية ... عش مع المسيح صلبه وقيامتـه في القداس الإلهي وانتظار الكنيسة لمجيئه الثاني . 6- ارفع قلبك بالصلوات سواء التي تمجد فيها الله على عظـم صـنيعه معنا ، أو التـي تطلـب فيهـا غـفـران خطايـاك ، أو تصلي لأجـل المتألمين والمرضى والذين رقدوا . استمتع بعشرة القديسين في المجمع المقدس ، ومـن خـلال الأيقونات ... أنظر إلى نهاية سيرتهم وتمثل بإيمانهم أتركك الآن مع باقة من أقوال الآباء عن القداس الإلهي : " إن اتحادنـا بالمسيح بتناولنـا مـن جسـده ودمـه ، أسـمـى مـن كـل اتحاد "( القديس أثناسيوس الرسولي ) .أعطانا ( الله ) جسده الحقيقي ودمه ، لكي تتلاشى قوة الفساد ، ويسكن في أنفسنا بالروح القدس ، ونصير شـركاء بالقداسة وأناساً روحيين " . ( القديس البابا كيرلس عمود الدين ) " إن المائـدة السـرية جسد المسيح تمـدنا بالقوة ضـد النـزوات وضـد الشياطين ، ذلك لأن الشيطان يخـاف مـن هـؤلاء الذين يشتركون في الأسـرار بوقار وتقوى " ( القديس البابا كيرلس عمود الدين ) " المسيحيون يقيمـون الإفخارستيا ، والإفخارستيا تقيم المسيحيين " . ( الشهيد فيلكس من القرن الثالث ) " نحن الكثيرين خبز واحد ، جسـد واحـد ؛ لأننـا جميعاً نشترك في الخبـز الواحد " ( القديس يوحنا الذهبي الفم ). " إن رئيس كهنتنا الأعظـم قـدم الذبيحـة التـي تطهرنـا ( على الصليب ) ، ومـن ذلـك الوقت إلى الآن تقدم نحن أيضـاً هـذه الذبيحة نفسـها . وهذه الذبيحة غير الفانية وغير النافدة ( لأنها غير محدودة ) هي نفسها ستتمم إلى انقضاء الدهر حسب وصية المخلص : " وهذا اصنعوه لذكري " . ( القديس يوحنا الذهبي الفم ) في النهاية أود أن أقدم لك تدريباً عملياً يقـودك لعمـق صـلوات القـداس الإلهي ، سأتركك عزيزي القارئ مـع إحـدى صـلوات القسمة التـي تقـال في القداس الإلهي ؛ لتتأملها ثم تدون تأملك ، وصلاة شخصية منها : أيها الابن الوحيد ، الإلـه الكلمـة الـذي أحبنا ، وحبـه أراد أن يخلصـنـا مـن الهلاك الأبدي . ولما كان الموت في طريق خلاصنا ، اشتهى أن يجوز فيه حباً بنا . وهكذا ارتفع على الصليب ليحمل عقاب خطايانا ، نحـن الـذين أخطأنا ، وهو الذي تألم . نحن الذين صرنا مديونين للعدل الإلهي بذنوبنا ، وهـو الـذي دفع الديون عنا . لأجلنا فضل التألم على التنعم ، والشقاء على الراحة ، والهـوان على المجـد ، والصليب على العرش الذي يحمله الكاروبيم . قبل أن يربط بالحبال ، ليحلنا من رباطات خطايانا ، وتواضع ليرفعنا ، وجـاع ليشبعنا ، وعطش ليروينا ، وصعد إلى الصليب عرياناً ليكسونا بثـوب بـره ، وفتح جنبه بالحربة لكي ندخل إليه ونسكن في عرش نعمته ، ولكي يسيل الـدم مـن جسده لنغتسل من آثامنا ، وأخيراً مات ودفن في القبر ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة أبدية . فيا إلهي إن خطاياي هي الشوك الـذي يـوخز رأسـك المقدسة ، أنـا الـذي أحزنت قلبك بسروري بملاذ الدنيا الباطلة . ومـا هـذه الطريق المؤدية للمـوت التي أنت سائر فيها يا إلهـي ومخلصـي ، أي شيء تحمـل عـلى منكبيـك ؟ هـو صليب العار الذي حملته عوضاً عني . ما هذا أيها الفادي ؟ ما الذي جعلك ترضى بذلك ؟ أيهان العظيم ؟! أيـذل الممجد ؟! أيوضع المرتفع ؟! يا لعظم حبك !! نعم هو حبك العظيم الذي جعلـك تقبل احتمال كل ذلك العذاب من أجلي .أشكرك يا إلهي وتشكرك عني ملائكتك وخليقتـك جميعاً لأني عاجز عـن القيام بحمدك كما يستحق حبك ، فهل رأينـا حبـاً أعظـم مـن هـذا ؟! فـاحزني يا نفسي على خطاياك التي سببت لفاديك الحنون هذه الآلام . ارسمي جرحه أمامك ، واحتمـي فيـه عنـدما يهيج عليـك العـدو . أعطنـي يا مخلصـي أن أعتبر عذابك كنزي ، وإكليل الشوك مجـدي ، وأوجاعك تنعمي ، ومرارتك حلاوتي ، ودمك حياتي ، ومحبتك فخري وشكري . یا جراح المسيح ، اجرحيني بحربة الحب الإلهي . يا موت المسيح ، أسكرني بحب من مات من أجلي . يادم المسيح ، طهرني من كل خطية . يا يسوع حبيبي ، إذا رأيتني عضـوا يابساً ، رطبنـي بزيت نعمتـك وثبتنـي فيك غصناً حياً أيها الكرمة الحقيقية . وحينما أتقدم لتناول أسرارك ، اجعلني مستحقاً لذلك ومؤهلاً للاتحاد بك . لكي أناديك أيها الآب السماوي بنغمة البنين قائلاً : أبـانـا الذي . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
09 سبتمبر 2022

مغبوط هو العطاء

" مـن يترحم على إنسان ، يصيـر باب الـرب مفتوحاً لطلباته في كـل سـاعـة " .( الشيخ الروحاني ) " ومتـى جـاء ابـن الإنسـان فـي مجـده وجميع الملائكـة القديسين معـه فحينيـذ يجلس على كرسـي مجـده . ويجتمـع أمامـه جميـع الشـعوب ، فيميـز بعضـهم مـن بعـض كمـا يميز الراعـي الخـراف مـن الـجـداء ، فيقيم الخـراف عـن يمينـه والـجـداء عـن اليسار . ثـم يقـول الملك للذين عـن يمينـه : تعـالـوا يـا مبـاركي أبـي ، رثـوا الملكوت المعـد لـكـم منـذ تأسيس العالم . لأني جعـت فـأطعمثموني . عطشت فسقيتموني . كنت غريباً فآويثموني . غريانا فكسوتموني . مريضاً فزرتموني . محبوسـاً فـأتيثم إلـي . فيجيبـه الأبـرار حينـد قـائلين : يـارب ، متى رأينـاك جائعاً فأطعمنـاك ، أو عطشاناً فسقيناك ؟ ومتى رأيناك غريبـاً فآوينـاك ، أو غريانـاً فكسوناك ؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك ؟ فيجيب الملك ويقول لهم : الحـق أقـول لكم : بما أنكم فعلتُمـوه بأحـد إخـوتـي هـؤلاء الأصاغر ، فبي فعلتُم . ثـم يقـول أيضاً للذين عن اليسار : اذهبوا عني يا ملاعين إلى النّار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته ، لأني جعت فلم تطعموني . عطشت فلم تسقوني . كنت غريباً فلـم تـأووني . غرياناً فلـم تكسـوني . مريضـاً ومحبوسـاً فـلـم تزوروني . حينئذ يجيبونـه هـم أيضـاً قـائلين : يـارب ، متى رأينـاك جائعـاً أو عطشـاناً أو غريبـاً أو غريانـاً أو مريضـاً أو محبوسـاً ولم نخـدمك ؟ فيجيبهم قائلاً : الحـق أقـول لـكـم : بمـا أنـكـم لم تفعلـوه بأحـد هـؤلاء الأصـاغر ، فـبـي لم تفعلـوا . فيمضـي هـؤلاء إلى عـذاب أبـدي والأبـرار إلى حيـاة أبدية " ( مت ٢٥ : ٣١ - ٤٦ ) . " المسيحية والعطاء وجهان لعملة واحدة ، كلاهما حاضـر بحضـور الآخـر في أعماقه " . وبصفة عامة فإن حياة العطاء مطوبة حسب قول الكتاب : " مغبـوط هو العطاء أكثر من الأخـذ " ( أع ٢٠ : ٣٥ ) . والعطاء هو خطوتنا الخامسة في مسيرتنا الروحية . في البداية دعنا نرسي سويا مبادئ أساسية عن فضيلة العطاء :- 1 ـ الإنسان بحاجة إلى أن يعطي :- إذ يحقق هذا وجوده وكيانه ويشعره بقيمته وآدميته ، وهذا الشعور هـو إحدى مكونات الشخصية الناجحة ، حتى أن علماء النفس كثيراً مـا يـذكرون أن العطاء مصحوب براحة قلبية . لذلك عندما يعطي أب ابنه الصغير مالاً لكي ما يضعه الصغير في صندوق العطاء ، فإنه يزرع هذه الفضيلة فيه منذ الصغر ، بل وينمي شخصيته . وكذلك الأب الذي يساعد أولاده لكي ما يقدموا هدية لوالدتهم أو صـديق لهـم في أي مناسبة فإنه ينمي داخلهم هذه الفكرة . ٢ ـ الله ليس محتاجاً على الإطلاق لما تعطيه :- مهما كان ومهما ارتفعت قيمته المادية أو المعنوية ، والسبب أن اللـه هو مصدر كل عطية .. فهو الخالق والواجد لهذا العالم ، ويعقـوب الرسـول يـذكرنا : " كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هـي مـن فـوق ، نازلـة مـن عنـد أبـي الأنوار ، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران " ( یع ۱ : ۱۷ ) . 3ـ العطاء هو وسيلة للتعبير عن مشاعرك نحو الله : تأمل معي في قصة السامرية حين قابلهـا رب المجـد وقـال لـهـا : " أعطيني لأشرب " ( يو ٤ : ٧ ) ، فهو له المجد لم يكن محتاجاً للماء ، لأن من عنده تجـري كـل الأنهار ، وإنما كان في حاجة أن يعرف حقيقة مشاعرها الداخلية نحوه . وفضيلة العطاء أو الصدقة تشكل إحدى ركائز الحياة الروحية ( صـوم + صلاة + صدقة ) ، والمعروف أن كلمة " صدقة " وكلمة " صديق " مـن أصـل لغـوي واحد ، فكأن الصديق هو الذي يصنع الصدقة وعندما قال سليمان الحكيم : " اذكر خالقك في أيام شبابك " ( جا ١٢ : ١ ) إنما كان يتحدث بلغة العطاء ، لأنه معروف أن حياة الإنسان تنقسم إلى مراحـل متتابعة : ( الطفولة ـ النضج / الرجولة ـ الشيخوخة ) .. المرحلتان الأولى والثالثة هما مرحلتا أخذ ، أما المرحلة الثانية وتحوي في داخلها مرحلة الشباب إنما هـي مرحلة عطاء بالدرجة الأولى . وأنت يا صديقي تستطيع أن تعطي في فترة شبابك ورجولتك أكثر من أي مرحلة أخرى . لك أن تسألني الآن ماذا أعطي ؟ هل مالاً .. أم وقتاً .. أم ماذا .. ؟ إني أُجيبك : إن ما تستطيع أن تقدمـه لا يمكـن حصـره ، إنما تستطيع أن تتخيل معي سلماً عليه خمس درجات في ترتيب تصاعدي تمثل درجات العطاء المـال- الجهاد - الـوقـت - التسبيح - النفس ( القلب ) بل ويمكن أن تمزج بين هذه الدرجات الخمس ، فالصلاة هـي عطـاء وقـت وقلـب وتسبيح ... وفي خدمة الآخرين يكمـن عطـاء المـال والوقت والجهـد والحب ، وهكذا وهنا لا يمكننا أن ننسى أن قمة العطاء الذي بلا حدود هو في تجسّد ربنا يسوع ، فهو الذي أعطانا دمه الثمين على عود الصليب ، وها هو كل يـوم يقـدم نفسه ذبيحة لأجلنا من خلال القداس الإلهي . أيدور في ذهنك الآن كيف أعطي ؟ أريدك أولاً أن تقرأ معي هذه القصة : بالرغم من الطقس البارد والثلج المتساقط ، كان يجلس هذا الصبى ، خـارج منزله الحقير ، ولم يرتد في رجليه سوى حذاء رقيقاً ، لا يصلح حتى لأيام الصيف . لقد كان يحاول بأقصى جهده ليفكر عما يقدر أن يقدمـه لأمه بمناسبة عيـد الميلاد ، لكن من غير نتيجة ، فقد حاول كثيراً ، حتى لو استطاع أن يفكر في شيء ما ، فليس بحوزته شيء من المال ، فمنذ وفاة والده ، وهم يعيشون في حالة فقر دائم ، فكانت والدته تعمل بأقصى جهدها لأجل أولادها الخمسة . فلم يكن لها إلا دخلاً ضئيلاً ، لكن تلك الأم بالرغم من فقرها ، كانت تحب أولادها محبة بلا نهاية . ، كان هذا الصبى حزيناً للغاية ، فلقد استطاع إخوته الثلاثة ، إعـداد هدية لأمه أما هو وأخيه الصغير ، فلم يستطيعا شـراء أي شيء ، واليوم هـو آخـر يـوم قبل عيد الميلاد . مسح - هذا الصبى دموعه ، ثم أخذ يسير باتجاه المدينة ، ليلقى نظرة أخيرة على الأماكن المزينة والمحلات المليئة بالهدايا والألعاب . كـان ينظـر من خلال الواجهات ، إلى كل ما في الداخل ، وعيناه تبرقان ، كان كل شيء جميل للغاية ، لكن لم يكن بمتناوله عمل أي شيء . بدت الشمس تعلن عن مغيبها ، فهم هذا الصبى بالعودة إلى المنزل ، وهـو يسير حزينـاً مـنكس الـرأس ..وفـجـأة إذ بـه يـرى شيء يلمـع عـلى الأرض ، اندفع هذا الصبي مسـرعاً ، وإذ بـه يلتقط 10 قروش مـن عـلى الأرض ... ملأ الفرح قلبه ، وإذ به يشعر وكأنـه يملـك كـنـزاً عظيماً ، ولم يعـد يـبـالـي بـالبرد ، إذ كان في حوزته عشرة قروش دخل إحدى المحلات ، عله يستطيع شراء شيء ما ، لكـن يـا لخيبـة الأمـل فقد أعلمه البائع ، بأنه لن يستطيع شـراء أي شيء بـ 10 قروش ، دخـل هـذا الصبى محلاً آخر لبيع الورود ، كان هناك العديد من الزبائن ، فانتظر دوره بعد بضع دقائق ، سأله البائع عما يريد ... قـدم هـذا الصبي إلى البائع الـ 10 قروش التي في حوزته ، ثم سأل إن كان بإمكانه شـراء وردة واحدة لأمه بمناسبة عيد الميلاد . نظر صاحب المحل إلى هذا الولد الصغير ملياً ، ثـم أجابه : انتظـرني قليلاً ... سأرى عما باستطاعتي عمله ... دخل البائع إلى الغرفة الداخليـة ، ثـم بعد قليل عاد وهو يحمل في يديه اثنتي عشرة وردة حمراء ، لم ير هذا الصبى نظيرها في الجمال من قبل ، ثـم أخـذ صاحب المحل ، يضع بجانبهما الزينة وغيرها ، ثم وضعهما بكل عنايـة في علبة بيضـاء ، وقدمهما إلى ذلك الصبي ، وقال : 10 قروش من فضلك أيها الشاب . هـل يعقـل مـا يسـمع . لقـد قـال لـه البائع السابق ... لن تستطيع شراء أي شيء بـ 10 قروش ... فهل يعقـل مـا يسمعه شعر البائع بتردد الولـد فـقـال لـه : أنت تريـد أن تشتري ورود بـ 10 قروش ، أليس كذلك ؟ فإليك هذه الورود بـ 10 قروش ، فهـل تريدها بكل سـرور أجاب الولد ، معطياً كل ما لديه للبائع ... فتح البائع الباب للصبى ، ثم ودعه قائلاً : عید میلاد سعید یا ابنی عاد البائع إلى منزله ، وأخبر زوجتـه بـالأمر العجيـب الـذي حصـل معـه في ذلك اليوم ، فقال لها : في هذا اليوم وبينما أحضـر الورود ... جاءني صوت يقـول اختر ۱۲ وردة حمراء من أفضل الورود التي لديك ، وضعهما جانباً ... لهدية خاصة ... لم أدر معنى هذا الصوت ، لكنني شعرت بقرارة نفسي بأنه ينبغي عليّ أن أطيعه ، وقبل أن أغلق المحل ، جاءني صبي صغير تبدو عليه علامات الفقر والعـوز ، راغباً أن يشتري لأمـه وردة واحدة ، ومقدماً لي كل ما يملك ، 10 قروش ... وأنا إذ نظرت إليه ، ذكرت نفسـي ، كيـف عنـدما كنت في سـنه ، كيف لم أملك أي شيء لأقدم لأمى في عيد الميلاد ، وذات مرة صنع معـي إنساناً لم أعرفه من قبل معروفاً ... لم أنسـه إلى هـذا اليـوم امتلأت عينـا الرجل وزوجته بالدموع ، ونظرا إلى بعض ، وشكرا الله . دعنا الآن نسرد سويا كيف تُعطي من خلال تأملنا في القصة السابقة : 1- بالمحبة : أترى كيف كان حب هذا الولد لأمه ... لا بد أن تكون المحبة هـي الـدافع الأول وراء صدق المشاعر التي تقدم بها عبادتنا وعطايانا لله وللآخرين ، وكـما قـال سـفر النشيد : " إن أعطى الإنسـان كـل ثـروة بيتـه بـدل المحبة ، تُحتقـر احتقاراً " ( نش ۸ : ۷ ) . فأنت لا تقدم مدفوعاً بشعور الواجـب أو الخجـل أو الاضطرار ، ولا حباً في الكرامة والتقدير ، أو طلباً للإعلان أو المديح ... إنما من قلب فياض بالمحبة . ... 2- بسخاء : طلب الولد الصغير وردة واحـدة قيمتهـا عـشـرة قـروش ، فأعطاه البائع اثنتي عشـرة وردة مـن أجـمـل مـا يـكـون هذا هو العطاء الحقيقـي بدون حساب للماديات ، لأن اللـه ينظـر ويعـرف والكتاب يقـول : " المعطي فبسخاء " ( رو ۱۲ : ۸ ) ، لأننـا بـذلك نتمثـل ب اللـه الـذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيـر " ( يـع ١: ٥ ) . والعطـاء هـنـا كـالزرع " مـن يـزرع بالشـح فبالشـح أيضـاً يحصد " ( ۲ کو ٩ : ٦ ) . 3- بفرح وسرور : أترى كيف كان الولد الصغير والبائع سعيدين بعطائهما .. يقول الكتـاب المقدس : " المعطي المسرور يحبه الله " ( ۲ کو ۹ : ۷ ) ، والوصية تقـول : " من سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين " ( مت 5 : ٤١ ) . ( والمقصود بالميل الثاني أنك ذهبت راضياً حراً ) . بقي لنا عزيزي أن نتأمل في صفات ما نقدمه من عطايا : 1 ـ أن تكون أفضل ما عندنا : إن العطاء هو مشاعر قبل أي شيء ومشاعرنا تعبر عنها بأفضل ما عنـدنا .إن هابيل الصديق قدم أفضل ما عنده من الذبائح ، بينما أخـوه قـايين اختـار تقدمة من ثمار الأرض دون أن يدقق فيها ( تك ٤ : ٤ - ٥ ) إن هذا المبدأ ينطبـق في حياتنا العملية بأمثلة كثيرة منها :- اختيار الوقت الأفضل المناسب للصلاة ، كالصباح الباكر . اختيار الذهن النشط المناسب لقراءة الكتاب المقدس . تقديم النقود في حالة جيدة ، وليس القديم أو المستهلك . تقديم التسابيح والألحان بأفضل ما عندنا من أنغام وأصوات . 2- أن تكون في الخفاء : وليس هناك أبلغ مـن قـول الكتاب : " لا تُعرف شمالك ما تفعل يمينك " ( مت ٦ : ٣ ) ، ويعتبر هذا مبدأ مشترك في كل أركان العبادة ... أما إن كان العطـاء طلباً للدعاية أو لنوال مركز أو لمدح الذات ، فإنه يفقد قيمته ويصير دينونة . 3 ـ أن تكون ذا نفع لمن تعطى له : فليست العبرة أن تُعطي وحسب ، إنما في احتياج الآخرين لهذا العطاء . أتركك الآن مع بعض الآيات عن العطاء : - " منك الجميع ومـن يـدك أعطيناك " ( ١ أخ ٢٩ : ١٤ ) . " من يرحم الفقير يقرض الرب ، وعن معروفه يجازيه " ( أم ١٩ : ١٧ ) . " هاتوا العشور ... وجربوني " ( ملا 3 : ۱۰ ) . " أعطوا تعطوا " ( لو ٦ : ٣٨ ) . " ليعطك الرب حسب قلبك " ( مز ٢٠ : ٤ ) . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
02 سبتمبر 2022

قدسوا صوماً

" الصوم هو الوسيلة لضبط الأهواء والشهوات ، حتى تنسجم حياة المسيحي مع روح | الله الذي يقوده في طاعـة وخضوع " . ( القمص بیشوی کامل ) " ناد بصوت عال . لا تمسك . ارفع صوتك كبـوق وأخبر شعبي بتعديهم ، وبيت يعقوب بخطاياهم . وإياي يطلبون يوماً فيوماً ، ويسرون بمعرفة طرقي كأمة عملت برا ، ولم تترك قضاء إلهها . يسألونني عن أحكام البر . يسرون بالتقرب رب إلى ا الله . يقولون : لماذا صمنا ولم تنظر ، ذللنا أنفسنا ولم تُلاحظ ؟ ها إنكم في يـوم صومكم توجدون مسرة ، وبكل أشغالكم تسخرون . ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون ، ويتضربوا بلكمة الشر . لستُم تصومون كمـا اليـوم لتسميع صوتكم في العلاء . أمثل هذا يكـون صـوم أختاره ؟ يوماً يذلل الإنسان فيه نفسه ، يحني كالأسلة رأسه ، ويفرش تحته مسحاً ورمادا . هل تُسمي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب ؟ أليس هذا صوما أختاره : حل قيود الشر . فك عقد النير ، وإطلاق المسحوقين أحراراً ، وقطع كل نير . أليس أن تكسر للجائع خبرك ، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك ؟ إذا رأيت عريانا أن تكسوه ، وأن لا تتغاضى عن لحمك . حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك ، وتنبت صحتك سريعاً ، ويسير برك أمامك ، ومجد الرب يجمع ساقتك . حينئذ تدعو فيجيب الرب . تستغيث فيقول : هأنذا . إن نزعت من وسطك النير والإيماء بالأصبع وكلام الإثم . وأنفقت نفسك للجائع ، وأشبعت النفس الذليلة ، يشرق في الظلمـة نـورك ، ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر . ويقودك الرب على الدوام ، ويشبع في الجدوب نفسك ، وينشط عظامك فتصير كجنّة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه " ( إش ٥٨: ١ - ١١ ) . من خلال قراءتنا السابقة يوضح لنا إشعياء النبي مبادئ روحية هامة :- كيف يمثل الصوم ركن أساسي من أركان الحياة الروحية . إن أخطر ما يهدد فضيلة الصوم هو خطية الرياء . فالصوم أو الخطوة الروحية الرابعة هو ممارسة تعبدية ، ولكن يجـب أن تخلو من الرياء . وفي هذا الأصحاح يشـرح لنـا كيـف يمكن أن تتسلل هـذه الخطية إلى حياة الإنسان دون أن يدري . تأمل معي في العـدد الثـاني مـن هـذا الأصحاح إذ يقـول : " وإياي يطلبون يوماً فيوماً ، ... " ، يصلون ... ولكنهـا صـلاة ظاهرة من الشفتين أو من اللسان ، ولا تتعدى ذلك ، ويبقى قلـب الإنسـان كـما هو لا يتغير ، لذلك عندما ينتهـي مـن الصـلاة تجـده يتصـرف تصـرفات غير مقبولة وغير لائقة ولا تتماشى صلاته مطلقاً . ربما تسألني الآن ، كيف للخطية أن تتسلل لحياة الإنسان دون أن يدري ؟ أجيبك : إن لخطية الرياء مظاهر عدة دعنا نسردها سوياً . 1- مظهر من مظاهر الرياء هو إدعاء المعرفة العقلانية : تشعر وأنت جالس مع الشخص أنه موسـوعة ، ولكن ليست موسـوعة اتضاع ، ولكن موسوعة كبرياء ، يفتخر بذاته وبما حصـله مـن معـارف ، ونقـرأ في ( مت ۲۳ : ۱۳ ) : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون " ، وكانت طائفة الكتبـة والفريسيين هم من قمة طوائف اليهود ، فكلمة : " فريسي " معناهـا : " مفـرز " ، بينما كان الكتبة أشخاصاً متميزين جداً ( الكتبة هم الناسخون ) ... وبالرغم مـن كل ذلك كانوا بعيدين عن الطريق الروحي كثيراً ، وقـد وبخهم السيد المسيح مرات عديدة . مظهر آخر وهو إظهار الغيرة ونسميه أحياناً " ناموسي " : ناموسي بمعنى " حرفي " أي يحيا بالحرف ، والحياة المسيحية عندما تتعمق فيها تجدها تعتمد على القلـب والـروح ، ولا تعتمـد عـلى الحرف ، ومـن يحيا بالحرف لا يمكنه أن يدرك المسيح . لذلك قال ربنـا يسوع المسيح : " ما جئت لأنقض بل لأكمل " ( مت ه : ١٧) ، فالمقصود هو أن يكمل الفهـم ، فتقـرأ العهـد القديم بروح العهد الجديد ، وتتحول الوصية في حياتك إلى شهادة عمليـة عـن علاقتك بالله 3- صورة أخرى من صور الرياء ، أن الإنسان يتظاهر أنه قريب من الله : يسر بالتقرب إلى الله " من خلال طقوس وممارسات معينة ... يتظاهر إنه قريب من الله وحقيقته من الداخل غير ذلك ، تصور معي إنسان يقضـي صائـماً ويمارس ممارسات روحية ، ثـم بعـد فترة الصـوم يغضـب بشـدة ويسقط في خطايا عديدة . فماذا استفاد إذن من صومه ؟ فترة الصوم هي فترة تساعد الإنسان في نموه الروحي ، وليست مجرد الامتناع عن الطعام . الآن دعني أسألك : لماذا الصوم الذي تحدث عنه إشعياء النبي في هـذا الأصحاح كان مرفوضاً ؟ هناك ثلاثة أسباب واضحة في الأعداد ( ٣ ، ٤ ، ٥ ) :- 1- أن هذا الصوم كان غير منضبط : هـو صـوم يـسـر صـاحبه لا يسـر اللـه ، فهـو صـوم لا يسير بنظـام بـل يستعرض فيه الإنسان إمكانياته وقدراته . 2- أن هذا الصوم كان بلا صمت : الصوم ليس عن الطعام فقط ، بل أيضاً عن الكلام ، فهـذا الصـوم المرفوض ليس فيه صمت بل فيه خصومة مع الغير ، وفيه إدانة للآخرين . 3- أيضاً هذا الصوم مرفوض لأنه بلا تذلُل : هو شكل بلا جوهر فهو مجرد منظر داخلي ، لذا تحرص الكنيسة أن ترتّب لنا في الأصوام قداسات لأوقات متأخرة لتساعد الإنسان في ممارساته الروحية . والآن يا عزيزي ، حان لنا أن نفكر سوياً كيف نصوم ، وكيـف ننال بركـات هذا الصوم ؟ في فترة الصوم المقدس ، احرص أن تقدم لنفسك ثلاثة أنواع من الأغذية الروحية : غذاء روحي غذاء ذهني ... وغذاء نسكي ۱۔ الغذاء الروحي : وهو ما تقدمه لنا الكنيسة في كل أشكال العبادة ، وممارسة الأسرار ، جيـد أن تتقابل مع أب اعترافـك قبـل الصـوم ، وتضع خطـة للصـوم ، ولا تتكاسل في تنفيذها . ۲۔ الغذاء الذهني : الذي يعتمد أساساً على القراءات الإنجيلية ، والكنيسة تعلمنا في فترة الصوم المقدس أن نقرأ النبوات . ويمكنك أن تأخـذ سـفراً واحـداً مثـل : إشعياء ، إرميا ، أو تأخذ مجموعة أسفار مثل : أسفار الأنبياء الصغار ، لكن يجب أن تقـرأ يومياً ، وليست قراءة فقط ، بل ادرس .. وافهم .. وعش . وقراءة النبوات مفيدة جداً إذ تكشف مقاصد الله في حياتك . 3- الغذاء النُسكى : تسكياتك هامة جداً في الصوم ، الانقطاع شيء مهم لتقوية الإرادة . أيضـاً الطعام النباتي هو طعام هادئ الطاقة وهو طعام صحي ومفيد للإنسان أيضاً الميطانيات ( سجدات التوبة ) مـن القلـب ولـيس بالجسد ، وهي مرتبطة بالصلوات ؛ فيها الصلاة القصيرة : " يا ربي يسوع المسيح ارحمنـي أنـا الخاطئ " . احرص أثناء سجودك في الميطانيات أن ترشم ذاتك بعلامة الصليب . يمكنك أن تبـدأ بـ ١٢ ميطانية في أول يـوم ، وتزداد تدريجيـاً كـل يـوم مـع الصـوم ، وتقدمها ؛ بروح الصلاة . هذه الميطانيات هي وسيلة مساعدة لتـركـيـز الـذهن ، فيهـا تعـب وبذل ، وهذا التعب يذكرك بأتعاب المسيح من أجلك . أيضاً فترات الاعتكاف هي جزء هام من تسكياتك خلال الصوم ، ويستفاد منها كفترات تأمل وقراءة وصلاة أو ترنيم وتسبيح . فترة الصوم يا إخوتي تحكمها الآية التي تقول : " كل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء " ( 1 كو ٩ : ٢٥ ) ، وأيضاً ينطبق عليها الآية : " الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج " ( مز ١٢٦ : 5 ) ، الذين يزرعون بدموع التوبة في فترة الصـوم ، يحصدون بالابتهاج في القيامة . وللصوم بركات كثيرة : 1- استجابة الصلوات :- لأنك عندما تحيا حياة الصـوم ، تشعر بالانسحاق والخشوع وتخـرج صـلواتك مـن داخلـك عميقـة وتدخل فيهـا روح الإيمان ، صلوات مرفوعة من قلب نقي . ٢- بركة أخرى من بركات الصـوم : أن يصير الـرب لـذة للإنسان ، فأنت تصوم عن الطعام لكي تتحول لذة الطعام في داخلـك إلى لذة للرب ، ويكون المسيح هو لذتك ، وكـمـا يقـول معلمنا داود النبي في أحـد مزاميره : " تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك " ( مز ٣٧ : ٤ ) . ٣- بركـة أخـرى مـن بـركـات الصـوم : أن الإنسـان يشـعر بارتفاعـه وكـمـا يقـول داود النبـي : " ليت لي جناحاً كالحمامة فأطير وأستريح " ( مز ٥٥ : ٦ ) . يرتفـع فـوق الماديـات ، وحتـى فـوق احتياجات الجسـد ، ويشعر أن رباطـات الأرض تصير ضعيفة ، ويشعر أنـه يقترب مـن السماء ويحيا بهذه الروح . ٤- أيضاً من بركات الصوم : أن الإنسان ينال الصحة الجسدية ؛ الطعـام النباتي يمنح الإنسان شكل من الطاقة الهادئة ، فلا يكون الطعام مثير في جسده أو في حياته فيعطيه صحة جسدية ، ويقول إشعياء النبي في هذا الأصحاح : " تنبت صحتك سريعاً " ( إش ٥٨: ٨ ) . 5- أيضاً في الصوم ينال الإنسان استنارة ، ولا أقصد للعين الجسدية ، ولكن العين القلبية ، عنـدمـا يقـرأ الإنجيـل يفهـم أكـثر ، وعنـدما يشارك في التسبيح يعيش أكثر ، وعندما يمارس ميطانيات يتمتّع أكثر . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
26 أغسطس 2022

وجدت كلامك كالشهد

" هل يدفعك الشوق والحب المقدس للمسيح إلى القراءة في الكتاب المقدس ؟ إن كان ذلك فطوباك .. وإن لم يكـن .. فما زلت بعيداً عن الطريق " . ( القمص بیشوی کامل ) " لأن كلمـة اللـه حيـة وفعالة وأمضـى مـن كـل سـيـف ذي حـدين ، وخارقـة إلى مفـرق الـنّفس والـروح والمفاصـل والمخـاخ ، ومميـزة أفـكـار القلـب ونياتـه . وليست خليقـة غـيـر ظـاهرة قدامـه ، بـل كـل شـيء غريان ومكشوف لعيني ذلـك الـذي مـعـه أمرنـا فـإذ لـنـا رئيس كهنـة عـظـيـم قـد اجتــاز السّماوات ، يسـوع ابـن الله ، فلنتمسك بـالإقرار .لأن ليس لنـا رئيس كهنـة غـيـر قـادر أن يرثى لضـعفاتنا ، بل مجرب في كل شيء مثلنا ، بلا خطية . فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكى ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه " ( عب ٤ : ١٢ - ١٦ ) . الكتاب المقدس خطوتنـا الثالثة في الطريق الروحـي ... في كلـمات بسيطة يمكننا أن نعرف الكتاب المقدس ، أنه : 1 ـ هو كلام الله ( هو رسالة الله وحديثه للإنسان ) . ٢ ـ هو تاريخ البشرية ( حياة الإنسان على الأرض ) . 3 ـ هو قانون الدينونة ( دستور يوم الحساب الأخيـر ) . 4 ـ هو موضع لقاء ( مكان يلتقي فيه الإنسان مع الله ) .ولـكـي تشـعر بأهمية الكتـاب المقدس وضـرورة وجـوده ، يـلـزم أن تجيب على هذه الأسئلة الثلاثة بالترتيب : ۱ ـ هل لك " اعتراف " بأهمية وجود الكتاب المقدس في الحياة البشرية ؟ ٢ ـ هل لك " اقتناع " بضرورة استخدام الكتاب المقدس شخصياً ؟ 3 ـ هل لك " إيمان " بقدرة الكتاب المقدس ، وقوة تأثيـره ؟ - فـإذا اعتـرفت بأهميـة وجـود الكتـاب المقدس في الحيـاة البشـرية واعترفت بضرورة استخدام الكتاب المقدس شخصياً ، وآمنت بقدرتـه وقـوة تأثيره .. فلم لا تستفيد من هذه القوة وتستأثرها لصالحك ؟! يقول القديس أمبروسيوس : " نخاطب الله إذ تصلي ، ونصغي إليـه إذ نقـرأ الكتاب المقدس " . دعني أقدم لك مثالاً عمليـاً عـلى قـوة وتأثيـر الكتاب المقدس في حياة الكنيسة والقديسيـن عبـر العصور : داود النبـي يقـول : " لو لم تكن شريعتك لذتى ، لهلكت حينئذ في مذلتی " ( مز ۱۱۹ : 92) الرهبان قديماً : كانوا يقرأون سفر المزامير كل يوم ... - الكنيسة قديماً : كانت تقرأ الكتاب كله خلال أسبوع الآلام . يوحنا الذهبي الفم : كان يقرأ رسائل بولس كلها كل يوم . - الأنبا ابرام : كان يقرأ الكتاب كله كل 40 يوماً .والسؤال الآن ، ما الذي يمنعني عن الاستفادة من الكتاب المقدس ؟ سنحاول أيها القارئ الحبيب أن نحلل معاً بعض المشاكل والمعوقات التي تعوق استفادتنا من الكتاب المقدس ، وبنعمة المسيح نحاول أن نستعرض حلولاً لهذه العقبات . 1 ـ مشكلة الوقت : لعلك تقول : " مشغولياتي اليومية كثيرة ومتنوعة ، مما يسبب ضيق شديد في الوقت ، ولذلك لا أجد وقتاً للقراءة اليومية أو الدراسة ... وعادة أتـرك الأمـر للظروف " . أُجيبك : هذا معطل وهمي لكل العبادات الروحية ، وهـو عادة وسيلة يغطي بها الإنسان على كسله وتوانيه ، فالذي يقول أنه ليس لديه وقت لقراءة الكتاب المقدس ، يمكنه أن يقول بنفس المنطق أنه ليس لديه وقت يذهب فيـه إلى الملكوت .. وإن لم تكن قراءة الإنجيل مستطاعة لديك ، فأنـت بـذلك تجعـل قلبـك مسكناً خالياً وجاهزاً لسـكنى عـدو الخيـر ... إذ لا يوجـد فيـه تأمـل ولا قراءة ولا أفكار روحية . نصيحتي لك : لا بد أن تجد وقتاً لنفسك ولكتابك المقدس ... اجمع فتات الوقت الضائع في كل يوم وسوف تجده ليس بقليـل ... فكـر وحـاول ، وقطعاً سوف تجد وقتاً ضائعاً . واعلم أن الله ليس محتاجاً إلى هذا الوقت الذي ستقرأ فيـه .. بـل أنـت المحتاج إليه أولاً ودائماً ، كما تصلي في القداس الإلهي ( الإغريغوري ) : " لم تكـن أنت محتاجاً إلى عبوديتي ، بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك " .إليك ثلاث خطوات عملية للتغلب على مشكلة الوقت : اختـر وقتاً مناسباً للقراءة : مـن أجمـل فـتـرات القراءة هـي أول النهار ، حيث تأخذ بركة تدوم اليوم كلـه ... البعض يختار وقـت مـا قـبـل النـوم ، وهذا وإن كان مناسباً للبعض إلا أن وقت النـوم عـادة مـا يكـون الإنسان مرهقاً ، ومن ثم تكون الاستفادة قليلة . اختـر وقتاً ثابتاً للقـراءة : ابـدأ على سبيل المثال بعشـر دقائق تـزداد تدريجياً ... ولا تربط هذا الوقت المحدد بـأي عـادة أخـرى ( مثـل القـراءة قبل المذاكرة المسائية وعندما تبدأ الإجازات أو تنتهي فترة الدراسة - - - لا يكون لقراءة الكتاب وقت ثابت ) ، بل أجعله عادة تتربى فيك . اختـر وقتاً كافياً للقراءة : ضع دائماً في قلبـك أن تمتلئ روحياً وتشعر بمعية الله من خلال قراءاتك . ٢ ـ مشكلة الكم : لعلك تتساءل : كم أصحاح أقرأ كل يوم ؟ هل أكتفي بقراءة أصحاح واحــد أم اثنين ( أصـحاح مـن كـل عـهـد ) ؟ هـل أركـز وأكتفـي بجـزء مـن أصـحاح أو عدة آيات فقط ؟ نصيحتي لك : إن تحديد كم القراءة لا بد أن يكون تبعاً لحالة الإنسان الروحية ، وذلك تحت إرشاد أب الاعتـراف . ولكن للمبتدئين ينصح دائماً بقراءة أصحاح مـن العـهـد القـديم ، وأصحاح مـن العـهـد الجديـد كـل يـوم ... ويمكـن قـراءة الكتـاب كلـه في سـنة بواقع أصحاحين من العهد القديم + أصحاح من العهد الجديد كل يوم . + وللمتقدمين على الطريق يمكنهم قراءة سفر ( أو عدة أسفار صغيـرة ) كل شهر ، وذلك من أجل التركيز . ويمكن القراءة بحسب جداول القراءات اليومية التي تقدمها دار الكتاب المقدس كل سنة ، ولكنها موزعة على الكتاب المقدس بدون ترتيب . 3 ـ مشكلة الكيف : لعله يدور في ذهنك : " كيف أقرأ الإنجيل ؟ .. هل قراءته تختلف عن قراءة باقي الكتـب ؟ هـل يستلزم ذلك وضعاً معيناً أو تهيئة معينة ؟ هـل أكتفي بالقراءة بالعين أم بصـوت مسموع ؟ هـل أكتـب الآيـات التـي تجـذبني في نوتة خارجية ، أم أكتفي بأن أضع تحتها خطأ في الكتاب المقدس ؟ ... " . نصيحتي لك : أن تضع في قلبـك دائماً أن قراءة الكتاب المقدس هي للفهم ... ليس بالعقل ولكن بالقلب والفكر والإرادة والقدرة هي قراءة للفهم وليس للفحص أو المحاجـاة أو الاستذكار . والمرتـل يـقـول : " لكل كمال رأيت حداً ، أما وصيتك فواسعة جداً " ( مز 119 : 96 ) . فهم الكتاب المقدس ليس ذلك الفهـم الـذي يتأمل في جمال الكلمات ويشرح معانيها .. ولكنه الفهم النابع من الخبرة واختبار المسيح في حياتك . هذا الذي بدوره يتحول إلى حياة أبدية ، ويجعل للإنسان صلة حية بالمسيح . .... هذا الفهم العملي يتطلب منك أن تقرأ الكتاب المقدس : بالروح ... لأن هذا الكلام هو روح وحياة . • بخشوع . ... اكشف عن عيني ... فعندما تقرأه أنت في حضـرة اللـه . قراءته تختلف عن أي كتاب آخر . • باتضاع : فأرى عجائب من شريعتك . • بإرشاد الروح القدس : على فهمك لا تعتمد . يفضل أن تربط بين القراءة والكتابة في دراستك الكتابية مثل : • وضع عناوین جانبية لكل جزء تقرأه . • وضع خطوطاً تحت الآيات المختارة ( يفضل استخدام الألوان ) . كتابة الآيات المختارة في كراسات خاصة أو نوت صغيرة . التعليق بتأملات وصلوات على هذه الآيات . . • كتابة آية اليوم في ورقة صغيرة تضعها في جيبك طوال اليوم . ٤ ـ مشكلة المداومة والاستمرار : لعلك أيضاً تتساءل : أنا اقرأ الكتاب ولكن ليس كل يوم ، أنا أواظـب عـلى القراءة وقت الدراسة ... أما فترة الإجازة فتمر دون فتح الإنجيل . فماذا أفعل ؟ ضع في ذهنك أن نقطة الماء إذا نزلت بمداومة على صخرة ، فإنهـا تحفـر فيها مجرى وطريق ، وكلمة الله هي تلك القطرة التي بمداومة القراءة لا بد أن تحفر في قلبك طريق يغير من حياتك بجملتها ، فالقراءة والفهم والمعرفة هـي للعمل والسلوك قبل أن تكون للكلام والوعظ والأحاديث والتأملات . فضلاً . عن أن السبب الرئيسي للضعف الروحي والهزيمة المستمرة أمام الخطية يعود إلى إهمال كلمة الله ، فالذي لا يداوم على قراءة كلمة الله تذبل حياته الروحية وتجف ويقع في خطايا عديدة ويساق إلى الدينونة . نصيحتي لك : إن شعرت بصعوبة في المداومة والاستمرار على قراءة كلمـة اللـه ، أن ترتبط بمجموعة في القراءة والدراسة ، فذلك يشجع كثيـراً عـلى الاستمرار وعدم الإهمال . ه ـ مشكلة الفهم والمعرفة : تتساءل أيضاً : " كثيـراً مـا أقـرأ ولا أفهـم ، وأحياناً أستصعب الجـزء الـذي أقرأه ، وهناك أجزاء من الكتاب المقدس لم أحاول التطرق إليها ، لأننـي أسـمع على مدى صعوبتها بالإضافة أني لا أفهمها . لماذا ؟ " . أجيبك عزيزي القارئ : ! السبب في ذلك هـو تقصيرنا أولاً وأخيـراً ... فهل تصلي وتطلب من الرب قبل أن تقرأ ؟ وإذا تعسـر عليـك أمـر ، هـل تصـلي من أجله ليكشفه الرب لك ؟ وهل تُعطي وقتاً كافياً في الجزء الذي تقرأه ؟ وهل تختار السفر المناسب لحالتك الروحية والمناسبة الكنسية ؟ وهل تستعيـن بقراءة التفاسيـر وسيـر الشخصيات الكتابية ؟ وهـل تستعيـن بالجـداول والخرائط والأشكال التوضيحية التي تساعدك ؟ وهل تسأل الآباء والإخـوة فيما استعصى عليك ؟ إليك بعض الكتب المساعدة لك في الفهم والمعرفة : • الكتاب المقدس بشواهد . قاموس الكتاب المقدس ( كلمات أبجدية ) . • فهرس الكتاب المقدس ( آيات أبجدية ) . أطلس الكتاب المقدس ( خرائط وجداول ) . • مرشد الكتاب المقدس ( مقدمات للأسفار ) . 6 ـ مشكلة النمو والتقدم : أقرأ في الكتاب ولا أشعر بأي نمو في حياتي .. فخطاياي ما زالت كما هـي . أقرأ ولكنني سريعاً ما أنسى ما قرأته ... ماذا أفـعـل ؟ يقـول اللـه عـن كلمته : " السّماء والأرض تزولان ولكـن كلامي لا يزول " ( مت ٢٤ : ٣٥ ) ، وهذا معناه أن كلمـة اللـه ذات مفعول حتمي . ويوضـح الـرب قصده من كلمته فيقول : " هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي . لا ترجع إلي فارغة ، بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما أرسلتُهـا لـه " ( إش 55 : 11 ) . على هذا الأساس فأن مجرد قراءة الكتاب هو قوة ، وأيضاً كشـف لطريـق حياتي : " سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي " ( مز 119 : ١٠٥ ) . ولكي تشعر بنمو في حياتك الروحية : • حـاول أن تحفـظ بعـض الأجـزاء والآيـات التـي تفيـدك في حياتـك العملية .. خاصة وقت التجارب . • إذا جلسـت لمحاسبة نفسـك ، فـافتح كتابـك ، وأطلـب مـن اللـه أن يكشف لك نفسك على ضوء كلمته . • ادرس الكتاب بحب ، فهو رسالة الله لك أنت شخصياً ... قبـل أن تقـرأ صل قائلاً : " يارب أعطني القوة الكامنة في كتابك " . ۷ ـ مشكلة الاستخدام : بقي لك أن تسألني ، فيم أستخدم معرفتي بالكتاب المقدس ؟ ما هي الفائدة التي تعود علي من قراءة الكتاب المقدس ؟ إن أسوأ استخدام للكتاب المقدس هو أن نجعله مصـدراً لاقتباس الآيات وحسب ، فالكتاب المقدس هو بمثابة مرشد عملي لحياة الإنسان فهو : • يبني شخصية الإنسان ويكونها : لأن من يقرأ عن أبطال الإيمان وسيـر حياتهم يصير كواحد منهم ، تماماً كمـن يـقـرأ عـن الرياضييـن فيصيـر واحداً منهم . إن هذه القراءة المقدسة تكون جـزءاً كبيـراً مـن شخصية القارئ وتقدس فيه المشاعر والمبادئ والصور هذه القراءة المقدسة تقدس معارف الإنسان وتبني روحياته ، وتساعده كثيراً في الصلاة . • يساعد الإنسان في خدمة الآخرين وتقديم الكلمة المعزيـة لهـم في كل مناسبات الافتقاد .. ويجعل الإنسان في حضرة الله على الدوام . ... • يعزي الإنسان في طريق الحياة في مختلف المواقف ، ويجعـل كلمـة الله لا تفارق فمه ، لأنها أحلى من الشهد . أخيراً أود أن أقدم لك بعض التداريب الخاصة بقراءة الكتاب المقدس : كتابة فصول الآحاد في كراسات خاصة مع تأملات حولها . حفظ آيات على الحروف أو المواقف . القراءة بهدف " كعناية الله بالإنسان " أو استخراج الصلوات الكتابية . الخرائط وتصميم الجداول والأشكال التوضيحية . رسم دراسة موضوع تحت عنوان : " ماذا يقول الكتاب عن ... ؟ " . البحث الخاص أو المشترك مع بعض الإخوة . كل عمل تعمله يكون لك شاهد عليه من الكتب . سأتركك الآن يا عزيزي مع بعـض الأقـوال " للقمص بيشـوى كامـل " عـن الكتاب المقدس : + دراسة الكتاب المقدس هي اشتياق للاستماع إلى الله . + دراسة الكتاب المقدس هي أقوى عامل للتوبة . + عليك أن تقيس قراءاتك بهذا الترمومتر لعلك تستطيع أن تُدرك هـل أنت حار أم فاتر ؟ + إن الذي سيسهل لنا طريق الحب ويجعلنا ضمن جماعة المحبيـن للـه هو الاستزادة المتعطشة لكلمات الإنجيل . + الإنجيل هو كلمة الآب المقدمة لأبنائه . فكيف نستعذب قراءته إن لم نكتشف أبوة الله لنا ؟! + كلمـة اللـه تلين القلب ، وتذيب قساوته ، وتعلم الاتضاع والمسكنة والتوبة والبحث عن خلاص النفس . + إهمال الكتاب المقدس كارثة للسائر في غربة هـذا العـالم . إنّه لا بد أن يضل الطريق . ربنا يسوع المسيح كانت ردوده على الشيطان من الكتاب المقدس كذلك عدو الخيـر كان يتحدث بكلمات وآيات ناقصة من الكتاب المقدس . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
12 أغسطس 2022

أما أنا فصلاة

" الصلاة سلاح عظيم ، وكنز لا يفرغ ، وغنـى لا يسقط أبداً ... ميناء هادئ وسكون ليس فيه اضطراب " . ( القديس يوحنا الذهبي الفم ) " وقال لهـم أيضـاً مـثلاً في أنه ينبغي أن يصـلى كـل حـين ولا يمـل ، قائلاً : كـان في مدينـة قـاض لا يخـاف اللـه ولا يهـاب إنساناً . وكـان في تلك المدينـة أرملة . وكانـت تـأتى إليـه قائلة : أنصـفنـي مـن خـصـمي ! وكـان لا يشاء إلى زمـان . ولـكـن بعـد ذلـك قـال في نفسـه : وإن كنـت لا أخـاف اللـه ولا أهـاب إنسـاناً فإني لأجـل أن هـذه الأرملـة ثـزعجني ، أنصـفها ، لــلا تـأتي دائمـاً فتقمعنـي ! وقـال الـرب : اسمعـوا مـا يقـول قاضـي الظلـم . أفـلا ينصـف اللـه مختاريـه الصارخين إليـه نـهـاراً وليلاً ، وهـو متمهل عليهم ؟ أقـول لـكـم : إنـه ينصفهم سريعاً ! ولكن متى جاء ابن الإنسان ، ألعله يجد الإيمان على الأرض ؟ " ( لو ۱۸ : ۱- ۸ ) . الصلاة يا عزيزي هي الخطوة الثانيـة التـي سـنخطوها سوياً ... فالصـوم والصلاة يخذلان الشيطان ، والزهـد يـهـزم طغيانـه ... لذا فقـد سـلط الكتـاب المقدس الضوء على مبدأ ، أنه ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل من خلال قصة قاضي الظلم . فـإذا كـان قاضـى الظلـم الـذي ظلـم الأرملـة قـد أنصـفها في النهايـة لأجل لجاجتها ، فما بالك بقاضي القضاة الكلي العـدل ألا ينصـف مختاريـه ؟! . وهنا يأتي السؤال : كيف أصلي كيف أتمتع بصلاة حقيقية ؟ وللإجابة على هذا السؤال دعنا نتأمل قليلاً لقـد وهـب اللـه الإنسان نعمتي العقل وحرية العمل ؛ ليصنع بهما العجائب ، ثـم منحـه البعـد الثالث القلب ليكون موضع الالتقاء بالله ، فصار الإنسان عابـداً ، وتولدت داخـل الإنسان الرغبة في الله ، وصارت الصلاة هي التعبير عن رغبة الإنسان في اللـه بل صار في داخل الإنسان عطش وحنين للأبدية . دعنا نًرسي معـا مبـادئ هامة عن كيفية الصلاة :- 1 - عندما تصلي ضع في ذهنك أنك أمام الحضـرة الإلهية كل التقدير . كل الخشوع . كل الرهبة .كل الاحترام . وكأنك تطرح العالم إلى خارج . ٢ - عندما تدخل إلى جو الصلاة اكشف عن خطاياك الصلاة الحقيقية تحتـاج مـن الإنسان أن تكون بالحقيقة خطايـاه واضحة أمامه ... ضع أمامك قول داود النبي : " لك وحدك أخطأت ، والشر قدامك صنعت " ( مز 50 : 4 ) . " طوبى لمن يبصر خطاياه أفضل ممن يرى ملائكة " ( أحد الآباء ) . 3 - عندما تدخل إلى جو الصلاة املأ قلبك بروح الشكر . أعمال الله وعطاياه العظيمة في حياة كل منا لا تنتهي . نعمة الصحة . نعمة الحركة . نعمة السلام . نعم لا تُحصى . احرص دائماً أن تشكر الله على عطاياه العظيمة ونعمه في حياتك . ٤ ـ تذكر مجتمعك الذي تحيا فيـه : أسـرتك ... كنيستك . خدمتك اذكر مخدوميك وأفراد أسرتك بأسمائهم ، وأخيـراً اذكـر نفسك . وضع أمامك دائماً أن تمزج صلاتك باللجاجة . ه ـ احرص أن تمارس الصلاة بشكل يومي ... خصص وقتاً كل يوم تجلس فيه ولا تفكر سوى في الله . ابدأ يومك بالصلاة صباحاً عقب الاستيقاظ ، وكذلك مساء عند النوم . ولیکن نظامك فيها هو :- تهيئـة الجـو الـعـام للصـلاة : مكـان واحـد للـصـلاة ـ بـه أيقونـة الصلب أو صليب في الشرقية مع بعض صور أخرى . الإعداد للصلاة : يلزم أن تعـد أنفسنا قبـل وقـت الصلاة ، فـلا يـليـق أن ننتقـل مـن الأشياء التـي كنـا منهمكين فيها إلى الصلاة مباشـرة لأنك إن فعلت ذلك لن تتلذذ بالصلاة . ليكن لك : قراءة روحيـة ... ترنيمة أو لحـن ... الجلوس في صمت التأمل في صورة الصلب ... قبل البدء في الصلاة . ابدأ الصلاة بالسجود 3 مرات إلى الأرض . امسك صليب وقت الصلاة في يدك . ارفع يديك وعينيك نحو السماء . تحـدث مع اللـه لـيس بألفاظ عامـة ( مثـل ضابط الكـل ) ، بـل بألفاظ حيـة مثـل : " يا بهجتي ، يا فرحي ، أحبك يارب يا قوتي " . لتكن صلواتك من القلب ، فاللـه لـن يسـألك كـم مـرة صـليت ؟ أو كـم ساعة وقفت ؟ ولكن سيسألك " كيف صليت ؟ " . كـن صـريحاً في حـديثك وافتح قلبـك للـه وصـل قـائلاً : أعطنـي يارب أن أحبك ... عرفني يارب من أنا .. ه بعد الصلاة استرح قليلاً واشكر الله بالصمت . أما عن الصلاة كحياة ، فهناك خطوات أعمق : اقرأ عن رجال الصلاة القديسين ... أمثال داود النبي . اقرأ عن فضيلة الصلاة ، وماذا قال الآباء عنها . استمتع بالصلوات المذكورة في الكتاب المقدس وتعلم منهـا كيـف كـان هؤلاء القديسون يصلون بها . درب نفسك على الصلاة كل حيـن : اختر صلاة تشعر بمذاقها في نفسك . رددهـا أثنـاء وقـت فراغـك وأثنـاء وجـودك بيـن الآخـرين دون أن يشعر أحد . كررهـا وأنـت عـلى فراشـك قبـل أن تنـام ، وكذلك عندما تستيقظ ، فيكون الله أول من تخاطبه . إليك هذا المثال العملي : عند الاستيقاظ قل : " هذا هو اليـوم الـذي صنعه الرب ، فلنفرح ونبتهج فيه " ... ضع في فكرك : هذا اليوم هو ملك للـه ـ وأنـت أيضـاً مـلـك للـه . اطلب بركة الرب " باركني يارب ، كن معي " . اخرج من منزلك حاملاً رسالة اللـه الـمـفـرحـة للجميع " أنت سفيـر المسيح على الأرض " ثق أن كل ما تمر به هو من يد الله صانع الخيـرات محب البشـر كل شخص تقابله هو هبة من الله .كل ظـرف تجـوزه مهـما كـان هـو هدية الله لك . كل ما تراه من أشجار ومبان هو عطايا الله . " لقد وهب لنا أن نكـون شـفراء المسيح على الأرض ، أحياناً منتصـرين وأحياناً مصلوبين ، المهم أن نكون دائـمـاً مستعدين فـلا نـهـرب أبـداً " . ( أحد الآباء ) بهـذا البــرنامج تكـون الصـلاة والحيـاة وجهين لعملة واحـدة " صلوا بلا انقطاع " ( اتس ٥ : ١٧ ) . هناك خطوة هامـة وهـي أن تقـيـم نـفـسـك بمقاييس نجاح الصلاة : ماذا يدفعك إلى الصلاة ؟ هل هو الحب ؟ هل الخوف ؟ هـل الواجـب ؟ هـل إرضاء ذاتك ؟ عندما تنتهي من الصلاة ما هو شعورك ؟ هل تفرح وتسـر ؟ هـل تـود لو استمرت ؟ وأنت واقف للصـلاة بمـاذا تشعر : هـل سـعادتك فـوق كـل سـعادة ؟ هـل فكـرك يذهب بعيـداً ؟ هـل يـراودك هـذا الإحسـاس " إن لم أصـل فقـد يسحب الله عنايته بي " . إن البعيد عن حياة الصلاة مصيره مؤلم ، وقد عبر عنه أحد الآباء بقوله : " إن لم تكن قد رأيته على الأرض فلن تراه في السماء " . والآن دعنا نتأمل سوياً في نوعيات الصلاة : الصلاة الحقيقية هي : رغبة واشتياق وحـب قبـل أن تكـون فـرض أو أمـر أو مجرد وصية أو مجـرد عبـادة أو مجرد طلـب . ونوعيات الصـلاة حـددها بولس الرسـول حـيـن قـال : " أطلب أول كل شيء ، أن ثقـام طلبـات وصـلوات وابتهالات وتشكرات " ( اتي ٢ : ١ ). الطلبـات : هـي الـتماس بخصـوص خطايانا ؛ لطلـب الصـفح والنمـو في الفضيلة وهي تنبع من الحزن على الخطية . الصلوات : تمثل الصلة الحقيقة والحديث الشخصي بين الإنسان والله . الابتهالات : هـي صـلوات مـن أجـل الآخـرين ( كـل العـالم ) تـأتي مـن حرارة القلب والشعور بمدى المسئولية عن جميع الناس . التشـكرات : هـي تـأملات في أعـمال اللـه في حياتنـا وبركاتـه لنـا وهي تسبيح وتمجيد يتولد من التعمق والتأمل في صلاح الله . وبصفة عامة فإن الروح القدس هـو الـذي يحيـي داخلنـا مشـاعر الصـلاة أي يترجمها أمام الله " الروح أيضاً يعيـن ضعفـاتنـا ، لأننا لسنا نعلم ما تصلي لأجلـه كما ينبغي ... " ( رو ٨ : ٢٦ ) . • والآن دعنا نتساءل : ما هي معوقات حياة الصلاة ؟ 1 - قلة الوقت : تعتبر الشكوى من قلة الوقـت الـمخصص للصـلاة أمـراً واهيـاً ، وتبـريراً كاذباً للنفس في إهمالها وتوانيها وتهربها من الوقوف أمام الله . ولكن بقدر اشتياق الإنسان للصلاة يعطيـه الـروح القدس فرصاً عظيمـة للتنعم والامتلاء من الله ... اسأل نفسك : كم دقيقة في حياتك تضيع هباء ؟ .. بلا شك كثيـر .. هل تستطيع أن تجمع " الفتات الضائع " وتقدم فيه صلاة تكون لله ولك أيضاً ؟! ... " تدرب على أن تتحكم في وقتك وليس العكس " . ۲ - تعب الجسد : الجسد يدعي أموراً للهروب من الصلاة ، كإدعاء التثاؤب والمرض والضعف. وآلام الـرأس والظـهـر وشـدة الحاجة إلى النـوم ... أو اختصـار الصـلاة . أو السرعة ... الخ . هذه كلها أسباب يمكنك بالتدريب المتأني الانتصار عليها ، ولكن الخطأ يكمن في السلوكيات التي تتعارض مع حياة الصلاة ... فمثلاً يصـلي الإنسان في وقت استهلك فيه جسدياً ... ولذا حذرنا الآباء : " إن كنت تريد أن تصلي كـما ينبغي لا تفعل شيئاً ضد الصلاة ، لكي يقترب منك الله " . وكما أن الذهن في الصلاة يتشكل حسب الحالة التـي يـكـون عليهـا قبـل الصـلاة ، فـمـا يـحـدث في الفتـرة الـتـي تسـبق الصـلاة مـن ضـحك وأحاديث أو قلق أو تفكيـر يشغل مخيلتنا أثناء الصلاة ... لذلك يجدر بنا أن نهتم بهذه الفترة عن طريق الألحان أو القراءة . 3 ـ تأخر الاستجابة : لا بد أن يكون دافع الصلاة هو الحب وليس الطلب . وهذا الحب نقدمه في ثقة تامة ، بأننا ننال ما نسأل ولا نشك في أن الله مهتم بنـا ، وقادر أن يعطينا طلبنا " كل ما تطلبونه حينما تصلون ، فآمنوا أن تئالوه ، فيكون لكم " ( مر ١١ : ٢٤ ) لنا ذهبي الفم قائلاً : " إن الله حينما يعطي أو لا يعطي إنما يفعل ذلك ويوضح لخيـرك " . وهناك أسباب لتأخر الاستجابة :- الله يؤخر الطلب لحكمة يراها ، فلا يمكنك إدراك حكمة الله . لأن ما نناله سريعاً لا نشعر بقيمته . لأنه قد تكون طلباتنا في غير صالحنا. • قد يتأخر الـرب حتى نلتجئ إليـه أكثـر ونـدنـو مـنـه أكثـر ، ولكـن عليك أن تثق دائماً أن ما يفعله الله إنما يفعله لنفعك الروحي . قصة قصيرة روى المتنيح " القمص إبراهيم عطيه " بالقاهرة هذه القصة : انتقل لإحدى الأرامل ابنها الوحيد ، وإذ أدرك مدى تعلقها به لم أعرف ماذا أفعل ؟ ذهبت إلى منزلها ، ففتحت الخادمة الباب . سألتها عن السيدة ، فأجابت : " إنها في حجرتها الخاصة ... لقد أغلقت الباب ، وطلبت منى ألا أطـرق البـاب مهما تكن الظروف ... أنا آسفة يا أبي ، لا أستطيع أن أخبـرها بحضورك " . طال انتظاري ، وأخيراً فتحت الباب ، وكانت ملامح وجههـا تكشـف عـن سلام عميق يملأ أعماقها . قـالـت : " أنـا آسـفـة يـا أبي لأني تأخرت في خروجي لمقابلتك ... أريد أن أطمئن قلبك ... ما كنـت تـود أن تقدمـه ، قدمـه لي الـرب بفيض ... لي الآن ساعتان راكعة أمام إلهي . وصممت ألا أتركه حتى يفيض على بتعزياته السماوية ... الآن أنا في سلام ... صل يا أبي ليكمل الله عمله معي " . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
05 أغسطس 2022

ومهما قال لكم فافعلوه

هذه هى الكلمات المعدودة للقديسة مريم العذراء قالتها فى سياق أول معجزة صنعها السيد المسيح فى عرس قانا الجليل (يوحنا ٢ : ٥).ويعتبرها أباء الكنيسة بمثابة "أقصر" عظة فى الكتاب المقدس. ونحن على هدى الكلمات نعيش ونعمل ونمارس خدمتنا وعلاقتنا بالجميع.. فماذا قال لنا؟… لقد أخذت فقط ثلاثة مواضع مما قاله:- ١‫-‬ إسألوا تعطوا. إطلبوا تجدو. إقرعوا يفتح لكم (متى ٧ : ٧) هذه هى قوة الصلاة الجماعية حيث يستجيب الله ويعطى ويفتح الأبواب. فقط قدموا صلواتكم فى خشوع وفى ثقة الايمان بالله القادر علي كل شئ، و لا تدع شيئاً يزحزح إيمانك سواء أشخاص أو أحداث أو حتي تقلباتالزمان . ٢‫-‬ كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يوف يعطون عنها حساباً يوم الدين (مت٣٦:١٢) الكلام هو أكثر نشاط يقوم به أي إنسان كل يوم و هناك الكلام الجيد الذي فيه "الملافظ سعد" وأيضاً الكلام الردئ بكل أشكاله وعباراته. ولكن يا أخوتى لا تتضايق قلوبكم من الذين يقولون كلاماً رديئاً عنكم فإنهم يوقعون أنفسهم تحت طائلة العقاب الإلهى الذى يرحم يوم الدين وإنما صلوا لأجلهم. ٣‫-‬ أحبوا أعداءكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. باركوا لاعنيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم (لو ٦ : ٢٧). هذه هى صورة المسيحيين الحقيقيين، ليس لنا عدو إلا الشياطين. أما البشر الذين يجعلون أنفسهم أعداء، فإننا نراهم أحباء لنا!! ومهما صدرت منهم أفعال أو أقوال فإننا نستمر نحبهم لأن هذه هى وصية المسيح لنا حتى وإن أنغصونا ولعنونا وأساءوا إلينا دون سبب فإننا نحبهم ليس بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق (١يو ٣ : ١٨) إن الخطية هى التى تقف وراء هذه الأفعال الرديئة فمثلاً الاعتداء على بيوت الناس ومحال أرزاقهم لهو خطية ولكن هذه الخطية تتضاعف فوق رؤوس فاعليها حينما يمتد الاعتداء إلى الأبنية العامة فى المجتمع وتزداد بالأكثر عندما يصل هذا الاعتداء إلى بيوت العبادة سواء كانت معبداً أو مسجداً أو كنيسة ومهما قال لكم فافعلوه: نحبهم ونباركهم ونصلى من أجلهم. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
29 يوليو 2022

التطبيقات العملية للحياة الروحية

۱- مداومة الصلاة القلبية بحب : كلمـة مداومـة تعني الاستمرار ، وكـمـا يقـول الكتاب : " ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل " ( لو ١٨ : ١ ) ... فصـلواتنا هـي العلاقة الشخصية التي تربطنـا بالله ... وأجمل تعريف للصلاة ، قاله معلمنا داود النبي : " جعلت الرب أمامي في كل حين ، لأنّه عن يميني فلا أتزعزع " ( مز 16 : 8 ) . ففي كل مرة ترفع قلبك إلى الله للصـلاة ، تزداد اشتياقاً وكأنـك بصـلاتك ترتفع درجة إلى السماء . الصلاة الحقيقية يا عزيزي هي الصلاة القلبية المملوءة حباً ... فلا يقـدس أوقاتنا وأعمارنا إلا الصلاة ، ولتسأل نفسك دوماً : ما هي قامتك الروحية ؟ وما هي صلواتك ؟ وما هو قانونك مع أب اعترافك ؟ وهذا هو التطبيق العملي الأول مداومة الصلاة القلبية بحب والثاني ممارسة الأسرار الكنسية بوعي . ٢- ممارسة الأسرار الكنسية بوعي :- إن أكثر الأسرار الكنسية التي تمارسها باستمرار : سـر الاعتـراف وسـر التناول . وهذه الأسرار ما هي إلا قنـوات للنعمة ، والكتـاب يـذكرنا في المزمـور الأول " فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه " ( مز 1 : 3 ) . والمقصود " بمجاري المياه " هي قنوات النعمة ، فجلسة الاعتراف ، ما هـي إلا قناة للنعمة . لذا يجب أن أكون بوعي فيها . أذكـر خطيتـي بقلـب تائب أمام الله في حضور الأب الكاهن ، وأقـيـم وعـداً جديداً في حياتي الروحيـة مـع الله ولسان حالي يقول " تعهدات فمي باركها يارب " ( مز ۱۱۹ ) . أما أثناء القداس أشعر وكأنني في السماء ، وبالتالي يرتفع قلبي وفكري نحو الله خلال مردات وألحان القداس الإلهي . وقد يقول أحـد إنـنـي أحضـر القـداس ، وأمـارس سـر الاعتراف ، لكننـي لا أستفيد شيئاً ! السبب في ذلك يا صديقي ، هو غياب الوعي القلبي لديك ، ويمكن تشبيه ذلك بشخص يتكلم مع آخر وهذا الآخر غير منتبه إلى حديثه ، لأنه مشغول بقراءة شيء أمامه مثلاً فكيف له أن يدرك قـول ومشـاعر محدثه ؟! وعـلى النقيض هناك آخـر ينصت ويستمع بمنتهى التركيز ، وهـذا الإنصات يسمى إنصات تفاعلي ، فيدرك الرسالة الموجهة إليه بل ويتفاعل معها . وعلى هذا الأساس اسأل نفسك : كيف تحضر القداس الإلهي ؟ هل عقلك مشغول بأمور أخرى ، أو يجذبه العالم باهتماماته ومشاكله وبالتالي يكـون جسدك في القداس ، أما عقلك وقلبك في مكان آخر ! ٣- معايشة كلمة الكتاب بانتظام :- أود أن أطرح عليك هنا سؤالاً : هل تقرأ الإنجيل بانتظام يومياً ؟ هل تدرس الكتاب المقدس كل يوم ؟ أم أنك تقرأ وتدرس وتتأمل ؟ فقراءة الكتاب المقدس درجة روحية ، يعلوها دراسة كلمة الله ... أمـا مـا هو أسمى فهو الدراسة والتأمل والحياة بكلمة الله بشكل عملي . إذا لم يقم الإنسان بكل هذا ، كيف يقول عن نفسـه أنـه يحيـا بالإنجيـل ؟! وكيف يكون الإنجيل بالنسبة له " روح وحياة ؟! " . دعنا نتأمل سوياً في هذه القصة لتدرك مفهـوم الحياة بالإنجيـل بشكل أعمق أصيب رجل في أحد أحياء مدينة تكساس بأمريكا في انفجار ، فقـد فيـه يديه ، كما أصيب وجهه بجراحات خطيرة . فقد الرجل عينيه ، فلـم يعـد قـادراً على القراءة . ووسط مرارة نفسه اشتاق أن يقرأ الكتاب المقدس ، فبدأ يسأل : " كيف يمكنني قراءة الكتاب المقدس ، وقـد فقـدتُ عينـي ويـدي ؟! " . قيـل لـه " توجد سيدة في انجلتـرا تستمتع بقراءة الكتاب المقدس بواسطة شفتيها ، إذ تستخدمها بدلاً من الأصابع لتقرأ الكتاب المقدس بطريقة برايل Braille method بالحروف البارزة " . أرسل إلى الهيئة المختصة لكي ترسـل لـه الكتاب المقدس البارز ليتعلم القراءة بشفتيه . لكن قبل أن يصل إليه الكتاب المقدس اكتشف أن أعصـاب شفتيه قد تحطمت تماماً . إذ وصله الكتاب المقدس المكتوب بحروف بارزة بـدأ يتعلم القراءة بلمس الكتابة بلسانه ! وكان يجد عذوبة في قراءته .. وفي تعليـق له يقول : " لقد قرأت الكتاب المقدس أربع مرات ... وقرأت بعض الأسفار مرات ومرات . " وهكذا .. تحولت ضيقة هذا الإنسان إلى خبـرة التمتع بكلمـة اللـه التي تهب النفس عذوبة وتعزية . ... " إن هذا الإنسان يديننا ... لأنه تعلم أن يقرأ الكتاب المقدس بلسانه بعـد أن فقد يديه وعينيه وأعصاب شفتيه . أي عذر لنا ؟! نتحجج بحجج واهية ... إنه لا يوجد وقت !! ويشغلنا إبليس بالعالم واهتماماته ومسئولياته ... فما أكثر الذين يعتذرون عن عدم القراءة في الكتاب المقدس بأنه ليس لديهم وقت !! بينما يجدون وقتاً للتسلية والمقابلات العديدة . والحقيقة أن ليس لديهم رغبة !! يا حبيبي ومخلصـي .. هب لي أن أختبـر عذوبة كلمتك ، لأقرأهـا بـكـل كياني ! لأختبـر قـوة كلمتـك فأحيـا بهـا وأتمتع بمواعيـدك .. بهـا أنطلـق إلى الأحضان الأبوية الإلهية .. بها أنعم بالمجد الأبدي . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
22 يوليو 2022

بلد الحـب

" أرني ( يا الله ) بلد الحب لأتكلم عنه كما يستطيع ضعفي . أفرخ فـي يـارب نعمتـك برحمتـك لأتكلم عنها . ألهب قلوب محبيك فيخرجون في طلبها " . ( الشيخ الروحاني ) إذا إن كـان أحـد في المسيح فهـو خليقـة جـديـدة : الأشياء العتيقـة قـد مضـت ، هـوذا الكـل قـد صـار جـديـداً . ولـكـن الكـل مـن اللـه الـذي صـالحنا لنفسه بيسوع المسيح ، وأعطانا خـدمـة المصالحة ، أي إن اللـه كـان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه ، غير حاسـب لهـم خطاياهم ، وواضعاً فينـا كلمـة المصالحة . إذا نسعى كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا . نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله لأنه جعـل الـذي لـم يـعـرف خطيـة ، خطيـة لأجلنـا ، لنصير نحـن بـر اللـه فيه " ( ٢ كوه : ١٧ - ٢١ ) . في بداية رحلتك معي عزيزي القارئ خلال هذا الكتاب ، أود أن نتعـرف سوياً على مجموعـة مـن المبادئ الروحية الهامـة ... ولتعتبرهـا يـا صـديقي إرشادات الطريق في مسيرتك الروحية هيا سوياً لنخطو خطوتنا الأولى . أولا : ما هي الحياة الروحية بلد الحب : الحياة الروحية هي الإطار الـذي يجمع ثلاثـة محـاور هامـة : النعمـة وعملها ، الإنسان بتوازنه ، وأخيراً الكنيسة وأسـرارهـا . 1- النعمة وعملها:- عمل النعمة ، هو عمل دائم ومستمر ولا ينقطع ، ويظهـر عمـل النعمـة كلما كانت حياة الإنسان مملوءة ثمـراً ... وهناك قاعـدة روحيـة هامـة أود أن أوضحها لك ، وهي أن الله لا يريد من الإنسان سوى إرادته لتعمل نعمته فيه . وعمل النعمة بدوره يقود الإنسان لاختبار هام في الحياة الروحية وهـو معية المسيح . معي تأمل يا عزيزي ترتيلـة داود النبي : " إذا سرت في وادي ظل المـوت لا أخاف شرا ، لأنك أنت معي " ( مز ٢٣ : ٤ ) ، فعبارة " أنـت معـي " تعكـس شـعوراً داخلياً وإحساساً حقيقياً بوجود الله وعمل نعمته ... بل أن هذا الشعور هو قمة عمل النعمة . 2- الإنسان بتوازنه :- خلق الله للإنسان عقلاً وروحاً وجعله : عاقلاً ... عاملاً ... عابـداً ... ولكـن تـذكر يا صديقي أن التوازن هو الركيزة الأساسية لنجـاح هـذه المنظومة . أتسألني كيف يكون هذا التوازن ؟ ... أجيبك أن التوازن في حياة الإنسان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشبع الروحي ، فالعقل يتغذى بأعمال القراءة والمعرفة ، والروح تسمو بالعمل الروحي والشبع الشخصي بالمسيح . ولكي يتحقق هذا الشبع الروحي لا بد أن تكون للحياة الروحيـة قـوانين تنظمها ، فالحياة الروحية شيء محدد ، ولها شكل ونمو ومراحل وتدرج . بقي لنا المحور الثالث والأخير ، ألا وهو : 3- الكنيسة بأسرارها :- وهذه الأسرار توضع في ثلاث مجموعات رئيسية : أسرار لا تمارس إلا مرة واحدة : سـر المعمودية والميرون . أسـرار دائمة التكرار : سر الاعتراف والتناول ومسحة المرضى . أسـرار قد تمارس وقد لا تمارس : سر الزيجة والكهنوت . لك أن تعتبر أن الأسـرار الكنسية هي بمثابة حلقـة الربط بين عمـل النعمة والتوازن الإنساني ... والتي بدورها تقود إلى العمق في الحياة الروحية . أتسألني الآن : كيف أنمو في حياتي الروحية ؟ أود أن تعـي جيـداً أن النمـو الروحـي لـه عـدة قـوانين تنظمه وتضـمن تدرجه . إن إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه الإنسان المسيحي ، هـي عـدم الاستمرار قد تبدأ نظاماً روحيـاً بحماس شديد ، ولكـن بعـد فتـرة قصيـرة يتسلل الفتور إلى قلبك !! لكن القانون الروحي الذي يضمن الاستمرار هو : " قليل دائـم خير من كثير متقطع " . فالقليـل الـدائـم هـو الـذي يجعـل حياتنا مستمرة ، فالمسيح لا يطلب منا الكم Quantity بل يطلب الكيف Quality نعم ... إن المسيح يريد منك الاستمرارية حتى ولو كانت آيـة واحـدة أو مزمور ، فالاستمرار هو الذي يعطي انطباعاً أنـك شخص ذو قلـب مستعد لسكنى المسيح فيه . أتذكر المرأة التي أعطت الفلسين ؟ قال عنها السيد المسيح ، انظروا كيف أعطت ؟ . بمعنى أنه نظر إلى الكيف وليس الكم فعلى الأقل في كـل يـوم ، اهـتم أن يكون هناك فقرة أو آية في الإنجيـل تقوم بقراءتها مع وقفة صلاة ، وليكن هذا أقل شيء ... لكـن كـن دائـم التطلع أيضاً نحو النمو والتدرج في حياتك الروحية . هذا عن الاستمرارية والتدرج ، أما عن الاعتدال يقول الآباء الذين اختبــروا الحياة الروحية : " الطريق الوسطى خلصت كثيرين " ، وإذا أردنا أن نعرف كلمـة " الاعتدال " يمكننا القـول : أنـه عـدم التطرف يميناً أو شـمالاً ، أو عـدم المبالغة ، أو هو التوازن . أيتبادر إلى ذهنك كيف أحقق الاعتدال في حياتي الروحية ؟ أُجيبك : يا عزيزي أن للحياة الروحية ثلاثة أعمدة رئيسية وهي : " أب روحي ... قانون روحي ... وسط روحي . فمن الخطأ أن يظن الإنسان أنه يستطيع أن يقـود نفسه بنفسه ، مهـما كانـت مكانتـه أو قامتـه الروحيـة كبيرة ، فالكنيسـة قائمـة عـلى الخضـوع . الأب البطريرك يخضع لمجمع الأساقفة ، والمجمع بدوره يخضع للأب البطريرك ، وهناك آباء كهنة وشمامسة والجميع تحت خضوع ، فليحـذر كـل مـن يظـن في نفسه ، أنه أصبح مدركاً لكل شيء ، ويدرك كل الأمور . الخضوع يا صديقي هو صمام الأمان في الحياة الروحية .. إنـه الضـمان الوحيد ، أن يحيا الإنسان تلميذاً في مدرسة التواضع . بقي لنا أن نتأمل سوياً في الحياة الروحية والتطبيق العملي . هناك ثلاثة تطبيقات ، تضعنا في دائرة الحياة الروحية عملياً . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
24 أبريل 2022

الرسالة البابوية لعيد القيامة

باسم الاب والابن والروح القدس الإله الواحد امين خريستوس آنيستي، اليثوس آنيستي أهنئكم جميعًا بعيد القيامة المجيد لهذا العام 2022. أهنئ كل الايبارشيات والكنائس القبطية والاديرة القبطية في مشارق الأرض ومغاربها وأهنئ كل الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والأباء الكهنة والأباء الرهبان. أهنئ كل الشمامسة وأعضاء مجالس الكنائس في كل مكان. وأيضًا أهنئ كل الأسر القبطية التي تحتفل بعيد القيامة المجيد، كل أسرة، كل أب وكل أم. أهنئ الشباب، والخدام، والخادمات، أهنئ الكبار والصغار. أهنئكم بهذا العيد المفرح الذي نحتفل به سنويًا.في حياة المسيح محطات كثيرة. في أثناء خدمته الجهارية والتي امتدت الى أكثر من ثلاث سنوات، كانت هناك محطات كثيرة من المعجزات والمقابلات والتعليم والامثال. وتقابل فيها السيد المسيح مع تلاميذه ومع جموع كثيرة، سواء فرادى أو في مجموعات عبر هذه الخدمة. من هذه المحطات الكبيرة، المحطة التي جمع فيها تلاميذه وذهبوا الى منطقة قيصرية فيلبس (متى 16: 13) في شمال فلسطين. وهناك سألهم: مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ (متى 16: 13) فأجابوه. وسألهم السؤال التالي: وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ (متى 16: 15). فكانت إجابة القديس بطرس الرسول: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ (متى 16: 16). وهذه العبارة كتبت في البشائر الأربعة ببعض الصياغات المختلفة، ولكنها كتبت في ضوء القيامة المجيدة: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ (متى 16: 16). كانت هذه محطة هامة في حياة التلاميذ. وبعدها بدأ الحديث عن ما سيتم خلال الأسابيع والشهور القادمة، وذلك في حياة خدمة السيد المسيح من أنه يسلم ويصلب ويدفن ثم يقوم. ثم جاءت محطة التجلي وهي محطة جمع فيها ثلاثة من التلاميذ (متى 17: 1-13)، وهم بطرس ويعقوب ويوحنا. بطرس يمثل الإيمان، ويعقوب يمثل الجهاد، ويوحنا يمثل المحبة الإلهية.وعلى جبل طابور، تقابلوا مع السيد المسيح وحضور موسى النبي وايليا النبي (متى 17: 1-13). وكان هناك حواراً وكان أهم مافيه: جيد يارب أن نكون ههنا (متى 17: 1-13). وهذا يعتبر قبس من الأبدية ونور من الأبدية. وهذا ما جعل بطرس الرسول يطلب أن يصنع ثلاث مظال لكي تمتد إقامتهم في هذا المشهد المضيئ والمفرح.بعد حادثة التجلي، كما نقرأ في انجيل معلمنا يوحنا، أو في البشائر الأربعة بصفة عامة، وربما ذكرها القديس مرقس الرسول في انجيله (مرقس 9: 9) بطريقة مختصرة. عندما تحدث أن إبن الانسان يسلم ويصلب ويموت ويقوم من الاموات. فبدأ التلاميذ يتسائلون: ما هي القيامة من الأموات؟ حدث القيامة، أيها الاحباء، ليس حدثاً ماضيًا في الزمن الماضي. وليس حدثًا تاريخيًا فقط. ليس احتفالنا بالقيامة المجيدة مجرد احتفال يحدث تم في الماضي وانتهى. القيامة انطلاقة حقيقية للوجود الانساني. انطلاقة الانسان بعد أن صارت الخطية تدهمه وتسقطه وتكون عاقبتها الموت. جاءت القيامة لكيما تنتصر لنقول مع القديس بولس الرسول: أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ (1 كورنثوس 15: 55). قيامة السيد المسيح تختلف تماماً عن كل معجزات القيامة التي أقام فيها اموات، ابن أرملة نايين، أو ابنة يايرس، او اقامة لعازر حتى بعد أربعة أيام من تواجده في القبر. قيامة المسيح تختلف تمامًا لأنها قيامة للوجود الانساني. هي انطلاقة جديدة لحياة الانسان. ويالسعادة من يتمتع بهذه القيامة. أود أن اقف معكم عند المشاهد الأخيرة للقيامة المشهد الأول، عند الصليب. وهو مشهد كله ألم وحزن وعذابات كثيرة. وكلنا اجتزنا فترة أسبوع الألام بكل ما فيها من قراءات، ونغمات، والحان، ومعرفة وحياة مع المخلص، وعشنا معه ساعة بساعة. كانت محطة الصليب محطة ألم، ولكن هذه المحطة لها نهاية انتهت في القبر. صلب المسيح على الصليب، على عهد بيلاطس البنطي، كما نقول في قانون الإيمان. ثم وضع في قبر جديد لم يوضع فيه أحد من قبل، وصار القبر هو محطة قد تنتهي فيها كل الامال أم محطة ليس فيها رجاء، انها محطة الموت. ورغم أن هذه المحطة لم تظل سوى ثلاثة ايام، ولكنها كانت أيام خوف وأيام فزع وأيام رعب. وعندما نقرأ في البشائر الأربعة، نشعر بهذه المخاوف. حتى التلاميذ أنفسهم كانوا في حالة خوف وهلع شديد. لكن الله لم يتركهم لبالوعة اليأس بل في اليوم الثالث وفي فجر يوم الأحد قام من بين الأموات. والذي ههنا هو السيد المسيح، لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لَكِنَّهُ قَامَ! (لوقا 24: 6). وعندما نقرأ في انجيل معلمنا يوحنا 20: 20: فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. وكانت هذه الفرحة، فرحة القيامة التي يسعد بها الأنسان ويفرح بها.   في بداية كل يوم نقوم من النوم، وفي بداية كل تسبحة، نقول "قوموا يا بني النور"، يا بني القيامة. وتصير القيامة فعل وحياة وحضور يومي في حياة الأنسان. وعندما نعيش في القيامة، لا نعيش فيها فترة عيد القيامة فقط، ولكن فرحة القيامة، تمتد وتشع في كل كنيستنا وفي كل مناسبتنا، واعيادنا وأصوامنا، وعبر السنة الكنسية كلها. في صلاة باكر في كل يوم هي تمثيل للقيامة، ونقول بنورك يا رب نعاين النور. وفي كل اسبوع في يوم الاحد، نحتفل بهذا اليوم الذي صنعه الرب. وفي كل شهر قبطي، نحتفل يوم 29 منه بتذكارات البشارة والميلاد والقيامة.  وفي كل سنة، نحتفل بعيد القيامة ليس يوماً واحدًا ولكن عبر سبعة أسابيع، تكتمل باليوم الخمسين فيما نسميه بالخماسين المقدسة. ويصير احتفال القيامة ليس احتفال بساعة ولا ليوم ولا لشهر، ولكن عبر السنة جميعها. وفي كل طقوسنا، كمثل طقس الميطانيات ، السجدات الى الارض، عندما نسجد الى الارض ونقول، يا ربي يسوع المسيح ارحمني انا الخاطي، يسجد الانسان ثم يقف ويقوم ويتذكر ان القيامة هي التي اعطته هذه النعمة، أن يقوم من اخطائه ومن خطاياه ففرحة القيامة يجب أن نعيشها جميعاً ويجب أن نقدمها لكل أحد فينا. وكل واحد فينا لابد وأن يكون سبب فرح للآخرين. والسؤال الذي يمكن أن تقدمه لحضراتكم جميعًا: هل انت تفرح انسان كل يوم. هل تستطيع من خلال حياتك أو من خلال معنى القيامة المجيدة فيك، أو علاقتك بمسيحك، ومن خلال حضورك في كنيستك، ومن خلال ممارسة الاسرار المقدسة، ومن خلال القراءة المقدسة في الانجيل، هل تقوم وتفرح كل انسان حولك؟ هل انت سبب فرح؟ القيامة تدعوك أن تكون سبب فرح لكل أحد. لا تنسوا أيها الاحباء اننا نكرر كثيرا في الكنيسة كلمة هلليلويا. هلليلويا معناها، هللوا لله، اي افرحوا. فكل ممارستنا الروحية هدفها أن نفرح وهدفها أن نعيش القيامة. وكما قلت في بداية كلمتي، ان السيد المسيح عندما قام من بين الاموات، اراد أن يقدم لنا هذه الفرحة لتكون في حياتنا في كل يوم، لنشهد بها ونعلمها ونمارسها ونفرح بها. هذه القيامة المجيدة هي دعوة للفرح الدائم. كل الممارسات الروحية التي نقدمها هدفها الاخير هو، أن نفرح لكي يتم فرحنا في الابدية السعيدة.لا تنسى اننا في القيامة تقابلنا مع شخصيات كثيرة ومتعددة. اننا في القيامة نفرح بكل الشخصيات وبكل النماذج، التي كانت امامنا في أحداث القيامة المجيدة.اننا نفرح بيوحنا الحبيب، التلميذ الوحيد الذي بقي مع المسيح حتى الصليب. وقد ائتمنه المسيح على امه، امنا العذراء مريم. فكان هذا درس من الوفاء وصورة من صور القيامة نفرح أيضاً بمريم المجدلية التي كانت أول من ذهب للقبر. فعاينت وشاهدت المسيح القائم ودعته "ربوني" اي يا معلم (يوحنا 20: 16). وهذا درس في الوفاء أيضاً ونشهد أيضاً في القيامة توما الشكاك. وقد ظهر السيد المسيح لتلاميذه في حضور توما بعد القيامة باسبوع.  وكان قد ظهر قبل ذلك في مرات أخرى. وكان توما أول تلميذ من تلاميذ السيد المسيح الذي يضع اصبعه مكان المسامير، ويضع يده موضع الحربة ويصرخ ويقول "ربي والهي" (يوحنا 20: 26 - 28).أرجو لكم افراح القيامة في حياتكم دائمًا في كل كنيسة وفي كل ايبارشية مع كل الذين يخدمون. تهنئتي ارسلها لكم من أرض مصر الحبيبة، واقدمها لكم بإسم كل أعضاء المجمع المقدس، وبإسم كل الكنيسة القبطية الارثوذكسية هنا في مصر.  لنفرح جميعاً بالقيامة المجيدة.  خريستوس آنيستي، اليثوس آنيستى البابا تواضروس الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل