المقالات
17 يوليو 2025
بدعة نسطور
عظات نسطور التى أظهر فيها هرطقته
وجد نسطور أنه من اللازم إلقاء عظة ثانية للتو حتى يحذّر، كما قال، من كانوا حاضرين ضد تقديم الإكرام الزائد لمريم، وضد الرأى الذى يقول أن كلمة الله (اللوغوس) يمكن أن يولد مرتين (مرة أزلياً من الآب والمرة الثانية من مريم). فقال (نسطور) إن ذاك الذى يقول ببساطة أن الله مولود من مريم يجعل من العقيدة المسيحية سخرة للوثنيين، لأن الوثنيون سوف يجاوبون "لا أستطيع أن أعبد إلهاً يولد ويموت ويدفن"... هل أقيم الكلمة من الأموات؟ وإذا كان معطى الحياة (اللوغوس) قد مات، من يمكنه أن يعطى الحياة إذاً؟ إن سر الألوهة يجب أن يعبّر عنه بالأسلوب التالى: "أن الكلمة الذى سكن فى هيكل شكَّله (كوَّنه) الروح القدس هو شئ والهيكل نفسه المختلف عن الله الساكن فيه هو آخر" فى خطاب آخر ألقى بعد ذلك ضد بروكلوس؛ شرح أنه يستطيع أن يسمح بتعبير ثيئوتوكوس qeotokoV إذا فهم بالصواب، ولكنه أجبر على معارضته لأن كلاً من الأريوسيين والأبوليناريين حموا أنفسهم وراءه. إن لم يتم التمييز بين الطبيعتين بما يكفى، فإن أريوسياً قد يأخذ كل نصوص الأسفار هذه التى تشير إلى الضعة والمذلة tapeinwsiV (تابينوسيس) التى كانت للمسيح كإنسان، مثل عدم معرفته وغيره، ويحوله إلى طبيعته الإلهية ليثبت بها نظريته فى أن الابن أقل من الآب. علاوة على ذلك فإن نسطور ينسب لأولئك الذين يستخدمون لقب ثيؤتوكوس qeotokoV الرأى بأن اللاهوت، من وجهة نظرهم، بدأ أولاً خلال مريم، وهذا بالطبع لم يؤكده أحد، وأنه تجنباً لهذا الرأى يقترح بدلاً من عبارة "الله ولد من مريم" أن يسمح بعبارة "الله مر من خلال مريم" هناك مقتطفات لعظة أخرى موجهة كليةً ضد تبادل الخواص communicatio idiomatum (أى تبادل الألقاب الإلهية والإنسانية للسيد المسيح فى مقابل خواصه الإنسانية والإلهية) وبالتحديد ضد عبارة "تألّم الكلمة"، ولكن يبقى خطابه الرابع ضد بروكلوس هو الأكثر أهمية ويحوى الكلمات التالية: "إنهم يدعون اللاهوت معطى الحياة قابلاً للموت، ويتجاسرون على إنزال اللوغوس إلى مستوى خرافات المسرح، كما لو كان (كطفل) ملفوفاً بخرق ثم بعد ذلك يموت.. لم يقتل بيلاطس اللاهوت - إنما حُلة اللاهوت. ولم يكن اللوغوس هو الذى لف بثوب كتّانى بواسطة يوسف الرامى... لم يمت واهب الحياة لأنه من الذى سوف يقيمه إذاً إذا مات.. ولكى يصنع مرضاة البشر اتخذ المسيح شخص الطبيعة الخاطئة (البشرية).. أنا أعبد هذا الإنسان (الرجل) مع اللاهوت ومثل آلات صلاح الرب.. والثوب الأرجوانى الحى الذى للملك... ذاك الذى تشكَّل فى رحم مريم ليس الله نفسه.. لكن لأن الله سكن فى ذاك الذى اتخذه، إذاً فإن هذا الذى اتُّخِذَ أيضاً يدعى الله بسبب ذاك الذى إتخذه. ليس الله هو الذى تألم لكن الله اتصل بالجسد المصلوب... لذلك سوف ندعو العذراء القديسة ثيئوذوخوس qeodocoV (وعاء الله) وليس ثيئوتوكوسqeotokoV (والدة الإله)، لأن الله الآب وحده هو الثيئوتوكوس، ولكننا سوف نوقّر هذه الطبيعة التى هى حُلة الله مع ذاك الذى إستخدم هذه الحُلة، سوف نفّرق الطبائع ونوحّد الكرامة، سوف نعترف بشخص مزدوج ونعبده كواحد." من كل ما تقدم نرى أن نسطور... بدلاً من أن يوحّد الطبيعة البشرية بالشخص الإلهى، هو دائماً يفترض وحدة الشخص الإنسانى مع اللاهوت... لم يستطع أن يسمو إلى الفكرة المجردة، أو يفكر فى الطبيعة البشرية بدون شخصية، ولا اكتسب فكرة الوحدة التى للطبيعة البشرية مع الشخص الإلهى. لذلك فإنه يقول حتماً أن المسيح إتخذ شخص البشرية الخاطئة، ويستطيع أن يوحِّد اللاهوت بالناسوت فى المسيح خارجياً فقط، لأنه يعتبر الناسوت شخصاً كما هو مبيَّن فى كل الصور والتشبيهات التى يستخدمها. إن اللاهوت يسكن فقط فى الناسوت كما يقول، فالناسوت هو مجرد هيكل وحلة للاهوت، أما اللاهوت فلم يولد من مريم فى نفس الوقت مع الناسوت، ولكنه مرّ فقط خلال مريم. واللاهوت لم يتألم مع الناسوت، ولكنه بقى غير متألم فى الإنسان الذى يقاسى الألم، وهذا لا يكون مستطاعاً إلا إذا كان للطبيعة البشرية مركزاً وشخصية خاصة تملكها. أما إذا كان الشخصى فى المسيح هو اللاهوت، واللاهوت فقط (بمعنى أن شخص المسيح هو نفس شخص كلمة الله)، إذاً، إذا تألم المسيح يجب أن اللاهوت أيضاً يكون قد دخل فى آلامه، والطبيعة البشرية لا يمكن أن تتألم وحدها، لأنه لا يكون لها كيان شخصى خاص. هكذا أيضاً (إذا كان الشخصى فى المسيح هو اللاهوت، واللاهوت فقط) فإن شخص واحد فقط هو الذى يمكن أن يولد من مريم، ولأن الشخصى فى المسيح هو اللاهوت فقط (فى هذه الحالة)، يجب أن يكون هذا قد اشترك فى الميلاد رغم أنه فى ذاته هو غير قابل للميلاد والألم.
كتابات نسطور المتأخرة:
نسب البعض كتاب "بازار هيراقليدس" Bazar of Heracleides إلى نسطور باعتبار أنه كتبه فى منفاه باسم مستعار. وقد حاول فى هذا الكتاب -كما يبدو- تبرئة نفسه. ولكنه -على العكس-أكّد هرطقته المعروفة فى اعتقاده بأن شخص يسوع المسيح ليس هو نفسه شخص ابن الله الكلمة. أى الاعتقاد باتحاد شخصين اتحاداً خارجياً فقط فى الصورة. وهذا يهدم كل عقيدة الفداء لأن الله الكلمة لا يكون هو هو نفسه الفادى المصلوب مخلّص العالم ولا يصير لكلمات يوحنا الإنجيلى الخالدة "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16) أى معنى. بل كيف يتحقق قول الرب بفم نبيه أشعياء " أنا أنا الرب وليس غيرى مخلّص" (أش43: 11).
وفيما يلى النصوص التى نسبت إلى نسطور فى الكتاب المذكور "بازار هراقليدز" Bazar of Heracleides:
1- هما شخصان Two prosopa: شخص ذاك الذى ألبَس وشخص (الآخر) الذى لَبِس.
2- لذلك فإن صورة الله هى التعبير التام عن الله الإنسان. فصورة الله المفهومة من هذا المنطلق يمكن أن نظن أنها الشخص الإلهى. الله سكن فى المسيح وكشف ذاته للبشر من خلاله. مع أن الشخصان Two prosopa هما فى الحقيقة صورة واحدة لله.
3- يجب ألا ننسى أن الطبيعتين يستلزمان أقنومين وشخصين Two persons (prosopons) متحدين فيه بقرض بسيط (simple loan) وتبادل.
النسطورية أو تعاليم نسطوريوس بطريرك القسطنطينية
ولكن يقول الأنبا إيسوذورس فى الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة ج 1 ص 483: " ولما أستحوذ على المنصب ورقى إلى هذا المنصب الرفيع، وعظم شأنه سلك الكبرياء والعظمة كل مسلك وأعجب بذاته وكان يوماً ما يعظ فى الكنيسة فوجه خطاباً نحو الإمبراطور ثيودوريوس الثاني وقال له: "، فلم يلبث مدة حتى سقط فى الهرطقة مجدفاً على الكلمة المتجسد فميز الإله عل حدة والإنسان على الأخرى وفصل المسيح إلى طبيعيتين وأقنومين وأستنتج من هذه المقدمات أمرين أحدهما أن العذراء لم تلد سوى الإنسان ولذلك لا يجب أن تلقب بأم الإله والثانى أن الإله لم يولد ولم يتألم ولذلك لا ينبغى أن يقال أن الإله مات ".
إنكاره كون السيدة العذراء والدة الإله
وابتدأ فيها بإنكار كون السيدة العذراء والدة الإله إذ قال: "إني أعترف موقناً أن كلمة الله هو قبل كل الدهور إلا أني أنكر على القائل بأن مريم والدة الإله فذلك عين البطلان لأنها كانت امرأة والحال أنه من المستحيل أن يولد الله من امرأة ولا أنكر أنها أم السيد المسيح إلا أن الأمومة من حيث الناسوت"، وهو بذلك قسَّم السيد المسيح إلى شخصين (طبيعتين) معتقداً أن الطبيعة الإلهية لم تتحد بالإنسان الكامل وإنما ساعدته في حياته فقط وهذا التفكير قد جرأه على أن يلغى من ترنيمة الثلاث تقديسات الكنسية العبارة الأخيرة (1) ومن المعروف فى التقليد الكنسى أن الثلاث تقديسات هى التى تمجّد الملائكة الرب الإله في ملكوت السموات بترتيل ترنيمة الثلاث تقديسات: "قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ" (إشعياء 6: 3) وقيل أنها تسبحة قديمة ترجع إلى عصر الرسل. قيل أنه نظمها يوسف الرامي ونيقوديموس عند تطييب جسد السيد المسيح إذ ظهر لهما ملاك يسبح المصلوب عند دفنه قدوس الله، قدوس القوى، قدوس الحي الذي لا يموت، الذي ولد من العذراء (2)،ويؤكد الأنبا إيسوزوروس (3) إلغاء نسطور عبارة من الثلاثة تقديسات " الذي ولد من العذراء " فيقول: " قرأت ذلك فى كتاب قديم موجود الآن فى البطريركية مكتوب عليه كعبة أمانة آبائنا السريان كان موجود عند السعيد الذكر عريان بك تادرس "
بداية الإنشقاق فى القسطنطينة
كان الشقاق لا يزال مستحكماً في العاصمة بين أتباع آريوس وأتباع أبوليناريوس. وكان من الطبيعي أن يشترك في الجدل بين هذين المعسكرين بعض الكهنة والشمامسة الأرثوذكسيين. ويستدل مما جاء في بعض المراجع الأولية، أن كاهنا أنطاكياً من ناحية نسطوريوس يدعى انستاسيوس تدخل في الجدل القائم وقال أن مريم بشر وكبشر لا يمكنها أن تلد إلهاً ولذا فإنه لا يجوز القول عنها أنها والدة الإله Theotokos. وتضيف هذه المراجع نفسها أن نسطوريوس أبى أن يلوم انستاسيوس وأنه تحاشى هو بدوره استعمال التعبير "والدة الإله". وجاء في مخلفات المجمع المسكوني الثالث أن دوروثيوس أسقف مركيانوبوليس حرم استعمال الاصطلاح "والدة الإله" وأن نسطوريوس سكت عن هذا التحريم ولم يقطع دوروثيوس من الشركة.
المرجع التاريخى لتعبير أم الإله
والاصطلاح -الإيمان ب- "والدة الله" قديم العهد فيما يظهر. فالكسندروس الإسكندري استعمله بدون تلكف وغريغوريوس النزينزي لعن من لا يعتبر مريم أم الله ورأى نسطوريوس أن هذا الاصطلاح لم يرد في الأسفار المقدسة وأن الآباء لم يستعملوه في نيقية. وذكر القول النيقاوي "ابن الله تجسد من الروح القدس ومريم العذراء" فرأى في هذا اعترافاً بطبيعتين، طبيعة ابن الله المساوي للآب في الجوهر وطبيعة الإنسان المولود من العذراء. فرأى في الاصطلاح "والدة الإله" خلطاً بين اللاهوت والناسوت. واقترح القول "والدة المسيح".
اللاهوت والناسوت: علَّمت الكنيسة منذ البدء أن مخلصنا الوحيد إله كامل وإنسان كامل رب واحد لمجد الله الآب. فقام آريوس وأنكر على الكنيسة الاعتقاد بطبيعة لاهوت الكلمة المتأنس فعقد المجمع المسكوني الأول وحكمت عليه وعلى تعليمه وقررت حقيقة كمال لاهوت المخلص. ثم قام أبوليناريوس وقال بنقص في طبيعة المسيح البشرية فعلَّم أن اللاهوت في المسيح قام مقام العقل في الإنسان. فعقدت الكنيسة المجمع المسكوني الثاني وحكمت على ابوليناريوس وقررت حقيقة كمال ناسوت المخلص ولما لم تقم الكنيسة بتحديد هذا الفرق بعبارات مضبوطة تشير فيها وجه العلاقة بين الطبيعتين الإلهية والبشرية ووجه الإتحاد بين اللاهوت والناسوت فى المسيح. فأدى هذا إلى تفاوت في فهم التعبير ونشأ عنه اختلاف في العليم وخصام ونزاع أفضى فيما بعد إلى الانشقاق النسطوري والأوطاخي.
1- رفض عقيدة الإتحاد حسب الطبيعة كاتا فيزن أي رفض الإتحاد بين اللاهوت والناسوت.
2- إعتبار أن العلاقة بين اللاهوت والناسوت هي إتصال Conjoining وليس اتحاد Union.
3- إعتبار أن الكلمة ابن الله، وأن يسوع هو ابن العذراء مريم. والتعليم بابنين وأقنومين (إبن الله – إبن الإنسان).
4- اعتبار أن الانسان يسوع مختار من الكلمة وقد أنعم عليه الله الكلمة بكرامته وألقابه ولذلك نعبده معه بعبادة واحدة.
5- يرفض تسمية السيدة العذراء والدة الإله ويسميها " أم المسيح ".... يرفض " ثيئوتوكوس " وينادي ب " خرستوطوكوس " (والدة المسيح الإنسان) ويقصد بالمسيح الثاني وليس المسيح الأول لأنه يعلم بمسيحين.
6- إن الله ليس هو الفادي: وبالتاي يفقد الفداء قيمته وفاعليته ولا محدوديته!!
وعن هذا نقول أنه إذا لم يكن يسوع المسيح هو هو نفسه الله الكلمة فما قيمة صلب يسوع المسيح؟
لقد قال القديس بولس الرسول أن: " يسوع المسيح هو هو امساً واليوم إلى الأبد " (عب 13: 8) وقال الرب في سفر إشعياء " أنا أنا الرب وليس غيري مخلص " (أش 43: 11).
7- رفض الاتحاد الأقنومي (Hypostatic Union) ذلك لأن نسطور قد جعل في المسيح أقنومين منفصلين ومتمايزين فكما أنه رفض الوحدة بحسب الطبيعة هكذا رفض الوحدة بحسب الأقنوم، وإعتبر أن الكلمة قد إتخذ شخصاً من البشر وإتصل به في وحدة خارجية بحسب الشخص الخارجي أو الهيئة، التي هي في نظره صورة الله التي إتحدت بصورة الإنسان يسوع المسيح الذي سكن فيه الكلمة ووحده بكرامته وأسبغ عليه بألقابه وتعليم كيرلس يقول أنه لا يوجد شخص بشري إتحد به أقنوم الكلمة، وأن كلمة الله بحسب ألوهيته هو غير متألم ولكن إبن الله تألم بالجسد أو حسب الجسد جاء بشخصه أي أن آلام الجسد هي آلامه هو. وهكذا نسب إلى شخصه الآلام والموت دخوله إلى المجد معناه أن يتمجد جسده بمجد اللاهوت السيد المسيح اخفى مجده إلى القايمة ومن بعدها الصعود وهكذا يدخل المسيح من مجد إلى مجد قال القديس اثناسيوس في رسالته إلى إبكتيتوس: " يا للعجب أن كلمة الله المتجسد هو في آن واحد متألم وغير قابل للألم ". وقال أيضا في نفس الرسالة " لقد جاء الكلمة في شخصه الخاص " وقال في الفصل التاسع من كتاب تجسد الكلمة:
" إن كلمة الله إذ لم يكن قادرا أن يموت أخذ جسداً قابلاً للموت، لكي باتحاده بالكلمة الذي هو فوق الكل يصير جديراً أن يموت نيابة عن الكل " بالاتحاد بكلمة الله غير المحدود صار الجسد المحدود يموت نيابة عن الكل.... نقل كلمة الله إليه (أي إلى الجسد) الجدارة أو الإستحقاق. وما يخص الجسد ننسبه إلى كلمة الله مثل الميلاد والآلام. إننا ننسب غير المحدودية إلى الذبيحة على الصليب، لأن الإستحقاقات الأدبية للكلمة تخص هذه الذبيحة. الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة تجمع خصائص الطبيعتين بغير امتزاج ولم تنهدم خصائص الطبيعتين بسبب الاتحاد ولكن كل هذه الخصائص تنسب إلى كلمة الله المتجسد الواحد لسبب إتحاد الطبيعتين إنه اتحاد يفوق الوصف والإدراك ولكنه اتحاد حقيقي لا يمكن أن ينفصل وفي القسمة السريانية نقول: { لاهوته لم ينفصل قط لا عن جسده ولا عن نفسه هكذا نؤمن وهكذا نعترف وهكذا نصدق.. واحد هو عمانوئيل إلهنا وغير منقسم من بعد الاتحاد، وغير منفصل إلى طبيعتين }.
وللحديث بقية
المزيد
10 يوليو 2025
بدعة نسطور
من هو نسطور؟
ميلاده ونشأته
في خريف سنة 425 توفي اتيكوس أسقف القسطنطينية وبهذا شغر الكرسى القسطنطينى. فرشح بعض الأكليروس كلٌ من بروكلوس سكرتير اتيكوس وفيليبوس أحد كهنة العاصمة الذى عُرِفَ بشغفه بالآثار وباهتمامه بتاريخ المسيحية. ولكن الشعب آثر سيسينيوس أحد كهنة الضواحي الذي اشتهر بمحبة المسيح وبتواضعه وزهده وعطفه على الفقراء. فتم انتخابه في الثامن والعشرين من شباط سنة 426. ثم اختار الله له ما عنده فاصطفاه لجواره في ليلة عيد الميلاد سنة 427. وعاد كلٌّ من بروكلوس وفيليبوس إلى سابق نشاطهما. ولكن الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني آثر الخروج من هذا الخلاف المحلى بإختيار أحد الذين لا يعرفهم كلا الفريقين وإختيار عن خلف للأسقف المتنيح لسينسينيوس من خارج العاصمة فاتجهت أنظاره نحو أنطاكية، نحو الراهب نسطورويوس رئيس أحد أديارها الذي كان قد اشتهر بفضله وفصاحته.وقد عُرِفَ بشغفه بالآثار وباهتمامه بتاريخ المسيحية، ولم يستطع المؤرخون الاتفاق على أصله أو مكان وزمان ميلاده, ولكن يؤرخ ذلك بالربع الأخير من القرن الرابع, وهناك من يظن انه سوري أو فارسي، وأما بعض النساطرة فيظنون انه من اصل يوناني ويقول الأنبا إيسوذورس فى الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة ج 1 ص 483: " ولد نسطوريوس في الربع الأخير من القرن الرابع الذى من مرعش (وهى مدينة جرمانيقية، وهى الآن مرعش بشمال سوريا) من أبوين سوريين وفارسيين، وهو ابن عم ثيودوريطس المؤرخ أسقف قورش، ترهبن فى دير مارابروبيوس بجوار أنطاكية Euprepius (أنطاكية تقع في شمال غرب سوريا على ضفاف نهر العاصي قرب مصبه) ".. درس اليونانية ومبادئ العلوم في مرعش ثم انتقل إلى أنطاكية وهناك تشبع بمبادئ مدرسة إنطاكية اللاهوتية, وتتلمذ على يد الفيلسوف العظيم ثيودوروس الموبسيوستي وكذلك أخذ العلوم الدينية وفى أنطاكية. قدم نذر الرهبنة فى دير Euprepius يوبريبيوس في ضواحي أنطاكية. ثم سيم كاهناً على مذابح كنيسة أنطاكية وكلّف بتفسير الأسفار المقدسة لتفوقه في اللغة والأسلوب،من هناك عيّن شماساً ثم قسيساً فى كاتدرائية أنطاكيا. ككاهن، وعظ كثيراً وبقبول ملحوظ، مع تمتعه أيضاً بسمعة كونه ناسكاً صارماً وكثيراً ما أظهر حماساً عظيماً.. ورغبة فى مدح الجموع له خاصة فى عظاته. (11)
وسرعان ما حصل على شهرة واسعة كواعظ قدير, كما كان يتسم بأنه رجل مخلص وأمين ويتسم بالتقوى الرهبانية, وروح الحماس المشتعلة ضد كل الهرطقات, وجمال صوته وسمع به من فى القسطنطينية فوقع اختيار السلطات على نسطوريوس، فقام إلى القسطنطينية في أوائل سنة 428.وهذا ما دفع به في عام 428م لينتقل القسطنطينية ليشغل منصب رئيس أساقفتها لأن الإمبراطور ثيودوريوس الثاني قرر أن يختار أجنبيا للجلوس على كرسي القسطنطينية التي كانت تعد بحق وقتها روما الجديدة. وكان الجميع ينتظرون في القسطنطينية منه أن يكون استمرارا ليوحنا فم الذهب، واسترجاع لموقفه العظيم في مواجهة الأريوسية والنوفاتية، وجاء في "أسطورة" سريانية أن نسطوريوس عرّج في طريقه إلى القسطنطينية على معلمه القديم الأسقف ثيودوروس فأقام عنده في موبسوستي يومين كاملين. وأن ثيودوروس شيعه حتى مشهد القديسة تقلا وقال له عند الوداع: "إني أعرفك يا بُني. لم تلد امرأة أشد حماساً منك. فعليك بالاعتدال إن رمت النجاح في معالجة الاختلافات في الرأي". فأجاب نسطورويس: "ولو عشت أنت يا سيد في زمن المسيح لقيل لك وأنت أيضاً ذاهب".
نسطور رئيس أساقفة القسطنطينية
فور تولي نسطور منصب أسقف القسطنطينية في 10 أبريل/ نيسان 428م أظهر غيرة شديدة في مواجهة أي هرطقة, أظهر إعجاباً عظيماً بعمل الوعظ، حتى انه قال فى عظته الأولى موجهاً كلماته للإمبراطور على مسمع من الجمهور: "هبني بلادا بدون هرطقة, أمنحك السماء بديلا. إستأصل أيها الإمبراطور الهراطقة، وأنا أستأصل معك جنود الفرس وأملكك فوق ذلك جنة الخلد (يقصد الملكوت) ".(12) وبعد ذلك بأيام قليلة اندفع نسطوريوس في سبيل الإيمان القوي فقام بحملة مسعورة ضد الأحزاب والمذاهب والشيع والهرطقات الدينية. وكان أول هجومه جماعة الأريوسيين. فاستصدر أمراً بإغلاق كنيسة الآريوسيين في القسطنطينية في الأسبوع الأول من رئاسته وفي الثلاثين من أيار صدرت أوامر أمبراطورية تستأصل الهرطقة في جميع مظاهرها وأنواعها، فشلمت في حكمها:
الآريوسيين والمقدونيين والأبوليناريين والنوفاتيين والأفنوميين والفالنتينيين والمونتانيين والمركيونيين والبوربوريين والمصلّين والأفخيتيين والدوناتيين والبولسيين والمركلوسيين والمانويين والمكدونيين والأربعت عشرية وغيرهم صمم على حرم الأريوسيين من الكنيسة الصغيرة التى كانوا لا يزالون يمتلكونها فى القسطنطينية والتى كانت قد أقفلت، فأمر بإقتياد شعبها الأريوسيين ليشعلوا النار فيها بأنفسهم، والتى بسببها نال نسطور من الهراطقة ومن كثير من الأرثوذكس لقب "حارق متعمد"ونُفِّذت هذه الأوامر بحزم، فأغلقت كنائس هؤلاء المبتدعين وأدى إغلاقها إلى استعمال العنف في بعض الأحيان وإلى خسائر في الأرواح وقام بالعديد من حملات الهدم والحرق فى سبيل تحقيق هدفه كما قام بحرب شعواء ضد بعض العادات والتقاليد المعروفة والمقبولة في المدينة. مثل المسارح والغناء والرقص والملاهي كما هاجم أيضا تطرف الرهبان والأكليروس.
بداية البدعة النسطورية
فى رسالة ليوحنا أسقف أنطاكية، يؤكد نسطور أنه فى وقت وصوله إلى القسطنطينية وجد خصوماً (متضادين) موجودين فعلاً. لقّب أحد أطرافهم القديسة العذراء بلقب "والدة الإله" وآخر بأنها مجرد "والدة إنسان". وحتى يتم التوسط بينهما قال إنه اقترح عبارة "والدة المسيح" معتقداً أن كلا الطرفين سوف يرضى بها (13)...
من ناحية أخرى فإن سقراط يقص أن "الكاهن أنسطاسيوس صديق نسطور، الذى أحضره معه إلى القسطنطينية قد حذَّر سامعيه يوماً ما، فى عظة أنه لا يجب أن يطلق أحد على مريم لقب والدة الإله qeotokoV (ثيئوتوكوس) لأن مريم كانت إنسانة والله لا يمكن أن يولد من إنسان". (14)
لقد تدخل نسطور فى النزاع القائم وأراد التوفيق فسقط فى هرطقة ولما كان تعبير والدة الإله تعبيراً مقبولاً شعبياً لتكريم السيدة العذراء فهى أم لامخلص هذا الهجوم على المعتقد القديم والمصطلح الكنسى المقبول حتى ذلك الوقت، قد سبب هياجاً عظيماً وإضطراباً وسط العامة من الشعب الذين يحبون العذراء ويتشفعون بها والإكليروس. وتقدّم نسطور نفسه ودافع عن خطاب صديقه فى عدة عظات. وإتفق أحد الأطراف (المتضادة) معه، وعارضه الأكثرية العظمى من الشعب والإكليروس بما فيهم الأساقفة حيث أنه لم يذهب معه من أساقفته إلا 16 أسقفا إلى مجمع أفسس ولكن يؤكد المؤرخون أن نسطور مع صديقه أنسطاسيوس كانا أول من أثار هذه البدعة. فبعض من عظاته التى لا زالت محفوظة جزئياً هى كافية لتأكيد الخط الهرطوقى الذى تمادى فيه، فقد بدأ بالقول أن مريم لم تلد إلاهاً ومن ثم بنى على هذا الهراء نظرياته الأخرى عن المسيح ذاته وعلاقة الكلمة بالجسد فى السيد المسيح. ففى خطبته الأولى هتف بعاطفة "إنهم يسألون إن كان من الممكن أن تدعى مريم والدة الإله. لكن هل لله أم إذاً؟ فى هذه الحالة يجب أن نعذر الوثنية التى تكلمت عن أمهّات للآلهة، لكن بولس لم يكن كاذباً حينما قال عن لاهوت المسيح (عب7: 3) أنه بلا أب، بلا أم، بلا نسب. (+) لا يا أصدقائى لم تحمل مريم الله.. المخلوق لم يحمل الخالق إنما حملت الإنسان الذى هو أداة اللاهوت. لم يضع الروح القدس الكلمة، لكنه أمد له من العذراء المطوبة، بهيكل حتى يمكنه سكناه.. أنا أكرِّم هذه الحُلة التى استفاد منها من أجل ذاك الذى احتجب فى داخلها ولم ينفصل عنها.. أنا أفرِّق الطبائع وأوحِّد التوقير. تبصَّر فى معنى هذا الكلام. فإن ذاك الذى تشكّل فى رحم مريم لم يكن الله نفسه لكن الله إتخذه.. وبسبب ذاك الذى إتَّخَذَ فإن المُتَّخَذْ أيضاً يدعى الله." (15)
أما خطبته الثانية فتبدأ بتعبير لاذع ضد أسلافه، كما لو أنه لم يكن لديهم الوقت لقيادة الناس نحو معرفة أعمق بالله. ومن هنا يتحول ثانية إلى موضوعه الرئيسى أن المسيح له طبيعة مزدوجة وكرامة موحَّدة. فيقول: "حينما تتكلم الأسفار المقدسة عن ميلاد المسيح أو موته فهى لا تدعوه الله أبداً بل المسيح أو يسوع أو الرب... مريم إذاً يمكن أن تدعى خريستوتوكوس CristotokoV (والدة المسيح) وحملت ابن الله بقدر ما حملت الإنسان، الذى بسبب اتحاده (يقصد اتحاد فى الكرامة وليس فى الطبيعة كما سبق أن ذكر فى خطابه الأول.) بابن الله (بالمعنى الخاص) يمكن أن يدعى إبن الله (بالمعنى الأوسع). وبنفس الطريقة يمكن أن يقال أن إبن الله مات وليس أن الله مات.. إذن فلنحفظ اتصال الطبيعتين fusewn thrwmen sunafeian الغير مختلط ولنعترف بالله فى الإنسان وبسبب هذا الإتصال الإلهى نوقر ونكرّم الإنسان المعبود مع الله الكلى القدرة." (16)
فى خطابه الثالث يقول: "إن الأريوسيين يضعون اللوغوس فقط تحت الآب لكن هؤلاء الناس (الذين يعلِّمون بالثيئوتوكوس qeotokoV ويتكلمون عن ميلاد الله) يضعونه تحت مريم أيضاً، مؤكّدين أنه أحدث منها، ومعطين اللاهوت خالق الكل، أماً زمنية كأصل له. إذاً لم يكن ذاك الذى حملته إنساناً إنما الله الكلمة، إذاً لم تكن هى أم ذاك الذى ولد، لأنه كيف تكون هى أم ذاك الذى له طبيعة مختلفة عنها؟ لكن إن كانت تدعى أمه، إذاً فإن ذاك الذى ولد ليس ذو طبيعة إلهية، لكنه إنسان حيث أن كل أم تحمل من له نفس جوهرها (مادتها). لم يولد الله الكلمة إذاً من مريم، لكنه سكن فى ذاك الذى ولد من مريم." من السهل أن نرى أن نسطور قد تبنّى وجهة نظر معلمه ثيئودور الموبسويستى.. وقد أنذره كثير من كهنته بالإنسحاب من شركته ووعظوا ضده. وصرخ الشعب "لدينا إمبراطوراً، لكن ليس لدينا أسقفاً". والبعض ومنهم علمانيون تكلّموا ضده علناً حينما كان يعظ، وبالأخص شخصاً بإسم يوسابيوس وهو بلا شك نفس الذى صار فيما بعد أسقف دورليم، والذى على الرغم من كونه علمانياً فى ذلك الوقت، إلا أنه كان أول من كانت له نظرة ثاقبة وعارض الهرطقة الجديدة. لهذا السبب استعمل نسطور له ولآخرين لقب "الرجال البؤساء" (17)
وإستدعى الشرطة ضدهم، وتم جلدهم وسجنهم، وهؤلاء الآخرين هم بالتحديد بعض الرهبان، الذين وصل إلينا فى أيامنا هذه (المتكلم هنا هو المؤرخ هيفيلى عن المرجع الذى ذكره.) إتهامهم الموجه للإمبراطور ضد نسطور. (18)
وفقاً لهذا التقييم للأمر، فإن نسطور لم يجد النزاع قائماً بالفعل فى القسطنطينية، ولكنه.
ولقد كان -لكن بطريقة أكثر حذراً- أن دخل بروكلوس أسقف سيزيكوس ضمن القائمة. كان فيما سبق، كاهناً على القسطنطينية، وعين بواسطة البطريرك سيسنيوس أسقفاً لسيزيكوس. لكن سكان تلك المدينة لم يقبلوه، ولذلك استمر يعيش فى القسطنطينية. فبدعوة من نسطور للوعظ فى إحدى أعياد العذراء عام 429 استغل الفرصة ليصف، فى حضوره، الكرامة والوقار الذى لمريم كوالدة الإله فى كثير من العبارات البليغة والمأخوذة من الكتاب المقدس، وليدافع عن العبارة الموضوعة للمساءلة فى أسلوب ماهر (19)...
وللحديث بقية
المزيد
06 يوليو 2025
طقس الأعياد السيدية الثلاثة الكبرى
يحتفل في كل يوم 29 من كل شهر قبطي ما عدا شهري طوبه وأمشير بتذكار الأعياد السيدية الثلاثة الكبرى، بالطقس الفرايحي الذي يمتاز بالنغم المطرب الذي يليق بالأعياد والأفراح الروحية ولا يكون فيه صوم انقطاعي ولا ميطانيات metanoia. وهي كالآتي:
عيد البشارة الذي يقع في 29 برمهات.
عيد الميلاد الذي يقع في 29 كيهك.
عيد القيامة الذي كان في سنة صلب السيد المسيح وقيامته في 29 برمهات أيضًا.
الطقس:
تسبحة عشية:
تُصَلَّى تسبحة عشية كالمعتاد مع إضافة إبصالية واطس أو آدام الخاصة بالعيد، كما تقال الإبصالية باللحن الفرايحي ثم يقال الطرح الخاص بالبشارة قبل ختام التذاكيات.
في رفع بخور عشية وباكر:
تقال أرباع الناقوس الخاصة بالبشارة والميلاد والقيامة كذلك الذكصولوجيات ومرد الإنجيل والختام.
تسبحة نصف الليل:
تصلي التسبحة كالمعتاد على أن تقال "تين أويه إنثوك"، كما يقال المجمع بطقس الأعياد السيدية وتقال الذكصولوجيات والإبصاليات والدفنار ثم ختام التذاكيات فختام التسبحة.
في القداس:
تُصَلَّى مزامير الساعة الثالثة والسادسة فقط قبل تقديم الحمل وتقال الليلويا فاي بيه بي ولحن طاي شوري وتقال الهيتنيات على النحو التالي الأولى للقديسة العذراء مريم والثانية للقيامة والثالثة للملاك غبريال (البشارة) والرابعة للسبعة رؤساء الملائكة والخامسة للميلاد والسادسة ليوسف ونيقوديموس والقديسة مريم المجدلية والسابعة للرسل القديسين والثامنة لمار مرقس الرسول والتاسعة لمار جرجس ثم تكمل كالمعتاد ومرد الأبركسيس ``Pra[ic الخاص بالبشارة والميلاد والقيامة كذلك مرد الإنجيل والأسبسمس الآدام أو الواطس ويكون التوزيع جامعًا للأعياد الثلاثة بحيث يقال ربع لكل عيد بعد كل ربع من مزمور التوزيع والختام أيضًا يكون جامعًا للأعياد الثلاثة.
لا يحتفل بيوم 29 تذكار الأعياد السيدية الثلاثة في شهري طوبه وأمشير لأنهما يقعان خارج فترة حمل القديسة العذراء بالسيد المسيح، كما أنهما يرمزان لنبوات الناموس والأنبياء التي سبقت مجيء السيد المسيح تذكار الأعياد السيدية الكبرى الثلاثة (البشارة والميلاد والقيامة) تتم الصلاة بالطقس الفرايحي وتظل قراءات اليوم كما هي إلا إذا وقع يوم أحد فتقرأ فصول 29 برمهات بدل فصول الأحد الخامس لأنها متكررة إذا وقع عيد البشارة (29 برمهات) في المدة من جمعة ختام الصوم إلى اثنين شم النسيم swm `nnicim لا يحتفل به لأن هذه المدة تحمل أحداثًا سيدية هامة غير متكررة إذا وقع عيد سيدي كبير أو صغير يوم أحد تقرأ فصول العيد بدل فصول الأحد لا تقال الألحان الحزايني وإذا كان هناك ترحيم على الأموات فيكون دمجا وليس باللحن الحزايني. وكذلك في أيام الآحاد والأعياد السيدية.
المزيد
03 يوليو 2025
بدعة نسطور
اولا مقدمة:
1- ولد نسطور بجرمانيقية المعروفة الان بمرعش فى سورية واظهر فى مبدأ امره غيرة ضد الاريوسيين.
2- ارتقى الكرسى القسطنطينى وحارب جميع الهرطقات التى كانت موجودة فى عصره
3- وراح ينادى ببدعة جديدة هى: "ان مريم لم تلد الها،بل مايولد من الجسد ليس الا جسدا، وما يولد من الروح هو روح، وان الخليقة لم تلد خالق، بل ولدت انسانا هو آلة اللاهوت".
ثانيا الفكر النسطورى:
1- رفض عقيدة الاتحاد حسب الطبيعة: أى رفض الاتحاد بين اللاهوت والناسوت.
2- اعتبار العلاقة بين اللاهوت والناسوت هى اتصال وليس اتحاد.
3- اعتبار ان الكلنة هو ابن الله، وان يسوع هو ابن العذراء مريم،والتعليم بابنين وبأقنومين (ابن الله - ابن الانسان.)
4- اعتبار ان الانسان يسوع مختار من الكلمة وقد انعم علية الكلمة بكرامتة والقابة ولذلك نعبدة معة بعبادة واحدة.
5- رفض تسمية السيدة العذراء والدة الالة ويسميها " ام المسيح" يرفض "ثيئوتوكوس" وينادى ب"خرستوطوكوس" (والة المسيح الانسان)
6- رفض الاتحاد الاقنومى.
الرد على الفكر النسطورى:
الايمان الصحيح بشأن طبيعة السيد المسيح حسب تعاليم البابا كيرلس عمود الدين:
1- ان الرب يسوع كاملا فى لاهوتة وكامل ايضا فى ناسوتة وان اللاهوت والنلسوت متحدان اتحادا حقيقيا تاما فى الجوهر وفى الاقنوم وفى الطبيعة من غير انفصال وبدون امتزاج اوتغير.
2- ان الاقنوم الثانى فى الثالوث المقدس اتخذ من السيدة العذراء جسدا بشريا ونفسيا انسانيا ناطقة كاملة وان المولود منها هو الالة الذى لة طبيعة واحدة متجسدة لها صفات وخصائص الطبيعتين معا.
3- وتتضح صحة وسلامة عقيدة الطبيعة الواحدة لله الكلمة المتجسد من الادلة الكتابية الاتية:
1- يو 1: 14 والكلمة صار جسدا وحل بيننا وراينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة وحقا
2- أع 20: 20
3- كو 1: 14،15
4- رؤ1: 17،18
5- يو3: 13
6- مت12: 8
7- مت9: 6
8- مت25: 41
9- يو8: 58
10- يو9: 5.
11- يو14: 6
12- 1كو2: 8
13- فى2: 6-8
14- رؤ1: 17،18
ثانيا طرق مواجهتها من الكنيسة:
1- ارسال اساقفة الكنائس الرسولية رسائل لتوضيح الايمان له
2- عقد البابا كيرلس السكندرى مجمع مكانى بالاسكندرية حرم بدعة نسطور وحرمه
3- وضع البابا كيرلس تحريمات اثنى عشر
4- عقد ثيودوسيوس قيصر مجمعا مسكونى فى افسس سنة431 م حضرة مائتين اسقفا برئاسة البابا كيرلس السكندرى وحكم المجمع بما يلى:
أ- حرم ومقاومة هذه البدعة.
ب- حرم نسطور ونفيه الى ديره ثم نفيه الى اخميم بمصر حيث مات بها.
ج- وضع مقدمة قانون الايمان وهى:
" نعظمك يا ام النور الحقيقى ونمخدك ايتها ايتها العذراء القديسة والدة الاله لانك ولت مخلص العالم أتى وخلص نفوسنا المجد لك يا سيدنا وملكنا المسيح فخر الرسل اكليل الشهداء تهليل الصديقين ثبات الكنئس غافر الخطايا نكرز ونبشر بالثالوث المقدس لاهوت واحد نسجد لة ونمجدة يارب ارحم يارب ارحم يارب بارك آمين."
5- امر الامبراطور بحرق جميع مؤلفات نسطور وقمع البدعة النسطورية من جميع انحاء الامبراطورية
6- تم خلع عدد كبير من الاساقفة الذين يؤمنون بالنسطورية ونفوا من كراسيهم
ثالثا الكنائس التى تؤمن بالبدعة النسطورية:
1- وضع الاساقفة النسطورين المنفيون من كراسيهم اساس الكنيسة النسطورية الشرقية.
2- وقد وجدوا ملجا لهم فى مدرسة أدسا التى اعتبرت من اعظم المراكز اللاهوتية فى بلاد ارمنيا وسوريا وفارس وكان رئيسها هوايباس من تلاميذ ثيودوروس ونسطور.
3- واغلق الامبراطور زينون مدرسة أدسا سنة 489 م ولكنهم انتقلوا الى نيسيبس.
4- نال النساطرة مساندة ملوك الفرس.
5- انتشرت النسطورية من بلاد فارس الى:
أ- الهند
ب- الصين
ج- الجزيرة العربية
د- الشرق الاقصى
6- وكان لهم بطريرك كاثوليكوس يقيم فى بغداد وله فى القرن الثانى عشر الميلادى نحو خمسة وعشرون مطرانا
7- وظل النساطرة يتمتعون بحماية الخلفاء فى بغداد ولكن التتار اضطهادهم وقضوا على غلبيتهم فى القرن الرابع عشر
8- ولازال هناك اقلية نسطورية تسكن جبال كوردستان بالعراق وينقسمون الى:
أ- الكنيسة الاشورية النسطورية الكوردية: اماكن نواجدهم: العراق - ايران - شيكاغو
ب - انضم جذء منهم الى الكنيسة السرانية اللاخلقيدونية سنة 1958 م
رابعا الكنائس التى لاتومن بالبدعة النسطورية:
أ- جميع الكنائس الرسولية وهم:
1- عائلة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية اللاخلقيدونية القديمة
2- عائلة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية الخلقيدونية
3- عائلة الكنيسة الكاثوليكية الغربية الخلقيدونية
ب- جميع الكنائس البروتستانتية فى العالم
هرطقة نسطور: حول طبيعة المسيح (اقنومان في المسيح)
كان نسطور بطريركا للقسطنطينية من سنة 428 م حتى حرمه مجمع أفسس المسكونى المقدس سنة 431 م وكان يرفض تسمية القديسة العذراء مريم بوالدة الاله (ثيؤطوكوس) ويرى أنها ولدت إنسانا وهذا الانسان حل فيه اللاهوت لذلك يمكن أن تسمى العذراء ام يسوع وقد نشر هذا التعليم قسيسه أنسطاسيوس وأيد هو تعليم هذا القس وكتب خمسة كتب ضد تسمية العذراء والدة الاله ويعتبر بهذا انه انكر لاهوت المسيح وحتى قوله أن اللاهوت قد حل فيه لم يكن بمعنى الاتحاد الأقنومى وإنما حلول بمعنى المصاحبة او حلول كما يحدث للقديسين اى ان المسيح صار مسكنا لله كما صار في عماده مسكنا للروح القدس وهو بهذا الوضع يعتبر حامل الله كاللقب الذى أخذه القديس أغناطيوس الانطاكى وقال ان العذراء لا يمكن ان تلد الإله فالمخلوق لايلد الخالق وما يولد من الجسد ليس سوى جسد وهكذا يرى أن علاقة طبيعة الميسح البشرية بالطبيعة اللاهوتية بدأت بعد ولادته من العذراء ولم تكن اتحادا وقال صراحة " انا افصل بين الطبيعتين "
وبهذا الوضع تكون النسطورية ضد عقيدة الكفارة
لأنه إن كان المسيح لم يتحد بالطبيعة اللاهوتية فلا يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة تكفى لغفران جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العصور والكنيسة حينما تقول أن العذراء والدة الاله إنما تعنى أنها ولدت الكلمة المتجسد وليس انها كانت اصلا للاهوت حاشا فالله الكلمة هو خالق العذراء ولكنه في ملئ الزمان حل فيها وحبلت به متحدا بالناسوت وولدته والاثنا عشر حرما التى وضعها القديس كيرلس فيها ردود على كل هرطقات نسطور فقد حرم من قال ان الطبيعتين كانتا بطريق المصاحبة ومن قال إن الله الكلمة كان يعمل في الانسان يسوع أو أنه كان ساكنا فيه كما حرم من فوق بين المسيح وكلمة الله وأنه ولد كإنسان فقط من إمراة.
وللحديث بقية
المزيد
26 يونيو 2025
بدعة ميناندر الهرطوقى العراف
كان سامرى وتلميذ لسيمون الساحر، وأنه أتى إلى انطاكيه وخدع كثيرين بسحره فقد علم ميناندر أن من يتبعه لن يموت .. ويذكر أن ميناندر أدعى أنه المخلص المرسل من فوق العالم الايونات المرئيه، حتى ما يخلص البشر . فبواسطة المعموديه التى يمنحها هو، يصير الإنسان أعلى من الملائكه المخلوقين. وقد أتسع نفوذ ميناندر فى انطاكيه بين سنتى 100،70م.
ميناندر العراف
ذكر يوسابيوس القيصرى: ميناندر العراف:
1 - لقد برهن ميناندر خلف سيمون الساحر، بتصرفاته على أنه آله أخرى فى يد القوة الشيطانية لا يق عن سلفه، وكان هو أيضاً سامرياً، وأذاع أضاليله إلى مدى لا يقل عن معلمه، وفى نفس الوقت عربد فى طياشات أعجب منه، لأنه قال بأنه هو نفسه المخلص الذى أرسل من الدهور غير المنظور لخلاص البشر
2 - وعلم بانه لا يستطيع أحد أن ينال السيادة على الملائكة نفسها خالقة العالم (أتفق مع سيمون بان الملائكة خلقت العالم)، إلا إذا جاز فى النظام السحرى الذى يمنحه هو وقبل المعمودية منه، أما من يحسبون أهلاً لهذا فإنهم ينالون الخلود الدائم حتى فى الحياة الحاضرة، ولن يموتوا، بل يبقون إلى الأبد، ويصبحون عديمى الفناء دون أن يشيخوا، وهذه الحقائق يمكن أن نجدها بسهولة فى مؤلفات إيريناوس.
3 - أما يوستينوس فإنه فى الفقرة التى تحدث فيها عن سيمون قدم وصفاً عن هذا الرجل أيضاً فى الكلمات التالية: " ونحن نعلم أن شخصاً معيناً أسمه ميناندر، وكان أيضاً سامرياً من قرية كابرانى (مكان هذه القرية غير معروف الآن) وكان تلميذ لسيمون، وهو أيضاً إذ طوحت به الشياطين أتى إلى أنطاكية وأضل الكثيرين بسحره، وأقنع أتباعه بأنهم لم يموتوا، ولا يزال البعض منهم موجود ويؤكد هذا"
4 - وقد كانت مهارة من أبليس حقاً أن يحاول، بإستخدام أمثال هؤلاء العرافين الذين أنتحلوا لأنفسهم أسم مسيحيين، تشويه سر التقوى العظيم بالسحر، وتعريض تعليم الكنيسة عن خلود النفس وقيامة الأموات للسخرية، على أن الذين أختاروا هؤلاء الناس كمخلصين لهم سقطوا من الرجاء الحقيقى.
المزيد
19 يونيو 2025
بدعة مقدونيوس
المقدونية
مقدمة:
أ- مكدونيوس كان من اتباع البدعة الاريوسية وتمكن بواسطة نفوذ الاريوسين عند قسطنس قيصر من رسامتة بطريركا لكرسى القسطنطينية سنة 343 م
ب- وكان يضطهد اتباع بولس البطريرك الشرعى المعزول وثار الشعب ضده
ج- ثم غضب منه الامبراطور وطردة من كرسية سنة 360 م
د- فنشر بدعة ضد لاهوت الروح القدس واستمرت بعد موته
ه- كان تلميذه مارانتيو اسقف نيقوميديا اخص القائمين بنشرها.\
و- وكان الناس يسمون اصحاب تلك البدعة " اعداء الروح القدس"
فكر مكدونيوس بخصوص طبيعة الروح القدس:
1- كان يعلم تعاليم اريوسية لما كان اسقفا.
2- ولكن بعد ان ابعد عن الاسقفية بدأ ينادى ببدعة غريبة وهى "ان الروح القدس عمل الهى منتشر فى الكون وليس اقنوما متميزا عن الاب والابن بل هو مخلوق يشبة الملائكة ولكنة ذو رتبة اسمى"
ثانيا طرق مواجهتها من الكنيسة:
1- لما رجع البابا اثانسيوس من منفاة سنة 362 م عقد مجمعا بالاسكندرية شجب فية هذة البدعة وتبعة بعض الاساقفة فشجبوها
2- ولما وصل خبرها الى مسامع ثيودوسيوس قيصر امر بانعقاد مجمع القسطنطينية سنة 381 م اجتمع 150 اسقفا شرقيا فحكموا على مكدونيوس وقضى المجمع بسلطانة على تلك البدعة
3- اضاف المجمع تكملة لقانون الايمان الذى اصدرة مجمع نيقية لاثبات لاهوت الروح القدس وهى: " نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيى المنبثق من الاب الذى هو مع الاب والابن يسجد لة ويتمجد الناطق فى الانبياء وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ونترجي قيامة الاموات والحياة الجديدة فى العالم الاتى، آمين."
ثالثا الكنائس التى تؤمن بالبدعة المكدونية:
لا يوجد سوى الطوائف التى ولدت فى كنف البروتستانتية مثل شهوه يهوه الذين يؤمنون ان الروح القدس هو قوة الله فقط.
رابعا الكنائس التى لاتومن بالبدعة المكدونية:
أ- جميع الكنائس الرسولية وهم:
1- عائلة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية اللاخلقيدونية القديمة
2- عائلة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية الخلقيدونية
3- عائلة الكنيسة الكاثوليكية الغربية الخلقيدونية
ب- جميع الكنائس البروتستانتية فى العالم
بدعة مقدونيوس " الروح القدس مخلوق مثل الملائكة "
كان أحد أتباع أريوس.
بواسطة نفوذ الأريوسيين وتأثيرهم لدى الملك: قسطانس ابن الملك قسطنطين الكبير (ملك عام 337م وكان يناصر الأريوسيين ويعزهم)، أقيم اسقفاً على القسطنطينية عام 343م وعندما وصل القسطنطينية حدث هياج بين المؤمنين والأريوسيين قتل فيه عدد كبير وقد أرتكب خطأ جعل الأمبراطور يغضب عليه ويعزله عن كرسيه وطرده وهى أنه نقل جثة والده: (قسطنطين الكبير) من مدفن إلى آخر وغالباً ما كان يعلم التعاليم الأريوسية عندما كان أسقفاً ... وعندما عزل ابتدأ ينادى ببدعته وهى: (أن الروح القدس عمل إلهى منتشر فى الكون، وليس بأقنوم متميز عن الآب والإبن بل هو مخلوق يشبه الملائكة ولكنه ذو رتبة أسمى منهم) وقد عقد البابا أثناسيوس مجمعاً مكانيا بالإسكندرية عام 362م لبحث هذه البدعة وأبان فسادها ثم حكم بحرم مقدونيوس وبدعته
المزيد
12 يونيو 2025
بدعة ملكية الأسقف
هذا الفكر عصف بالكنيسة القبطية عندما لعبت هذه الفكرة فى عقول عددا من بطاركة مصر الأمر الذى أدى إلى إعتقادهم أنهم ملوك حقيقيين وتصرفوا على هذا الأساس وقد بنى هؤلاء البطاركة والأساقفة الذين إعتقدوا بأنهم ملوك إعتقادهم على الدسقولية التى قيل أنها قوانين الرسل.
خطورة هذا الفكر:
1 - الأسقف يعتقد أنه معصوم من الخطأ.
2 - أن من يخطئ فى حق الأسقف يخطئ فى الذات الإلهية.
3 - يعتقد الأسقف لأنه ملك على الكنيسة وأنه يمثل الشعب إجتماعياً وسياسياً ويتصرف على أساس أنه مفوض من الشعب والرب ليكون المتفوه الوحيد والرسمى عنهم وإذا كان فى دولة أوربية فيتعامل على أساس أنه رئيس الجالية.
4 - يلبس الأسقف ملابس الملوك ويتحلى بالذهب والتيجان ويعيش حياته وتعامله مع شعبه على اساس هذا الفكر وانه الملك والشعب رعاياه وعبيده.
5 - يتعامل الأسقف من أعضاء الكنائس الأخرى والهيئات الإجتماعية والسياسية من هذا خلال هذا الفكر.
المزيد
05 يونيو 2025
مشكلة الإخوة الطوال
ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية يذهب للقسطنطينية
وفى سنة 403م لم يجد ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية مناصاً إلا ان يسافر إلى القسطنطينية، وأشاع قبل سفره أنه ذاهب إليها ليحرم يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية ويقصيه عن كرسيه ويحرمه من وظيفته من أجل الوقوف ضده فى مشكلة الإخوة الطوال وبعد أن جهزت الأمبراطورة كل شيء دعت إلى عقد مجمع في القسطنطينية. إلا أن ظاهر المجمع كان شيء والخفي شيء أخر، فكان الهدف من المجمع هو أن تتم محاكمة الذهبي الفم. أما الذهبي الفم فكان يعتقد أن المجمع سينعقد ليحاكم ثيوفيلوس، ونتائج هذا المجمع قد أكدت الإشاعة التى سبق واطلقها ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية في ربيع 403 أرسل ثيوفيلوس بطريرك الإسكندرية أحد أساقفته. القديس ابيفانيوس، اختصاصه كشف الهرطقات. ووصل إلى القسطنطينية. وكان تصرفة واضحا منذ بداية فمنذ لحظة وصوله كان يتصرف وكأن الذهبي الفم هو الهرطوقي، لأنه دافع عن الأخوة الطوال وهم هراطقة. وكان ابيفانيوس مخدوعاً، فعمل على تدبير حيلة تنهي قصة الأخوة الطوال وتعطي الفرصة للمجمع أن ينعقد ليحاكم الذهبي الفم. وبعد أن قدم حيلته للأمبراطورة. ذهب لعنده امونيوس أحد الأخوة الطوال (صاحب الأذن الواحدة) وكلمه ثم سيرابيون فعرف أنه وقع في حفرة نصبها له ثيوفيلوس وأفدوكسيا فقرر العودة قبل أن يصل أعضاء المجمع. ورقد وهو في طريق عودته فأبحر ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية إلى القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية على سفية خاصة فى أبهة الملوك والأباطرة والسلاطين وحوله حاشية من أساقفة مصر والحبشة وتحيط به زمرة من الكهنة والقساوسة، وما أن ألقت السفينة مرساها فى مياه البوسفور التى كانت تنعكس اشعة شمس شهر يونيو على مياهها، حتى حياه البحارة المصريين الذين يعملون على المراكب التى كانت تنقل جزية الحنطة (القمح) للقسطنطينية،وأدوا لباباهم واجب التبجيل والإحترام وهم فرحوا برؤية بطريركهم المصى بالقسطنطينية، ولكن لم يذهب لأستقباله كان واحد من كهنة العاصمة فلم يرغب فى الإقامة فى العاصمة فذهب إلى مكدونية، وما أن وصل إلى هناك حتى قام بإستقباله سيرينوس أسقفها المصرى الجنس بكل إحترام وتعظيم وجميع أساقفته وأقام في خلقيدونية أياماً ثم جاء القسطنطينية . ومرّ أمام كنيسة الرسل ولم يدخل إليها. وعلى الرغم من هذا فإن الذهبي الفم ذهب لاستقباله في القصر الذي أعد له ودعاه للإقامة عنده. وكان بيت افغرافية مركز المشاغبة والمؤامرة على الذهبي الفم.
قضاة مجمع السنديانة: (البلوطة)
ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية يتهم القديس يوحنا ذهبى الفم بتهم تافهة
عقدوا اجتماعاتهم في العاصمة لأن الذهبي الفم كان محبوباً موقوراً. فاستحسنوا بلدة خليقيدونية ونزلوا عند أسقفها المصري كيرينوس وعقدوا اجتماعهم في قصر السنديانة. وانضم إليهم أكاكيوس وسفيريانوسو أسقف جبلة وأنطوخيوس أسقف عكة وماروطة أسقف ميافارقين ومكاريوس مغنيسية. وكان هذا في منتصف تموز. وابتدأت المحاكمة. بينما كان يوحنا مع أصدقائه في غرفة الطعام يتحدثون. وكان يكلمهم كما لو أنه يودعهم وأصغى المجتمعون في السنديانة إلى جميع الاتهامات الواردة في الذهبي الفم. فبلغت شكايات الارشدياكون يوحنا تسعاً وعشرين. وادعى الأسقف اسحق على الذهبي الفم أنه قبل في كنفه رهبان قالوا قول اوريجانس. وأنه تدخل في شؤون أبرشيات لا يتبعون إلى أسقفيته. ومن ثم الراهب اسحق قدم ثماني عشر شكوى منها "حنو القديس على الخطأة"! وأعد مجمعاً وأرسل يستدعى يوحنا ذهبى الفم وطلب منه الحضور إلى المجمع ليدافع عن نفسه عن عدة إتهامات طويلة وعريضة طالما إتهموه أعداؤه بها ولم يستطيعوا إثباتها عليه، ولكنها وجدت طريقها بسبب ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية للكيل بكيلين لذهبى الفم بسبب موقفه بجانب الإخوة الطوال فى شكواهم، وكانت أكثر هذه التهم تافهة وعديمة الأهمية، وكان قصد ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية أن يزعج يوحنا ومضايقته ووضعه فى موضع إتهام، وإختار ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية تهمتين من هذه التهم العديدة ورتبها ترتيباً تنازلياً، واعد الأسئلة بحيث يعسر نقضها ودحضها أو إنكارها:
التهمة الأولى: إتهام يوحنا ذهبى الفم أنه لقب الإمبراطورة بلقب " إيزابل" (وهى إمرأة آخاب ملك إسرائيل الشريرة: إقرأ 1ملوك 19)
التهمة الثانية: انه تكلم ضدها كلام غير لائق ويدل على إحتقاره لها .
(ملاحظة: لا يملك مجمع ان يحرم أسقفاً للتهم السابقة لأنها لا تدخل فى موضوع الإيمان الإرثوذكسى) ولم ينكر يوحنا ذهبى الفم بأنه دعى هذه الإمبراطورة بإسم إيزابل فى عظة ألقاها فى شعب الكنيسة واتخذوا قراراً بخلعه وبعثوا به إلى البلاط ونشروه في جميع كنائس العاصمة. ولم يُبنَ الحكم فيه إلا على أن المجمع دعاه أربع مرات فلم يحضر. وقد ضاعت أعمال هذا المجمع إلا ما نقله فوطيوس العظيم عنها وهذه هي التهم التي وجهت للقديس:
إن الذهبي الفم رقّى إلى درجة الكهنوت عبداً سابقاً متحرراً هو تيفريوس
الذهبي الفم يأخذ حمامه اليومي وحيداً
يأكل Bonbon Au Miel
يأكل على إنفراد خضاراً مسلوقة
في أيام الحر الشديد يضع بعض النقاط من النبيذ في الماء
لا يرتب ثيابه الكهنوتية بعد الانتهاء من الخدم الإلهية
وأكثر ما يضحك من بين التهم أن القديس الذهبي الفم ينام مع امرأة!!! وهذه التهمة التي حزت بنفسه فكتب إلى صديقه الأسقف سيرياكوس "يزعمون أيضاً أني أنام مع امرأة. ألا فليجردوا جسدي وينظروا الحالة المزرية التي فيها أعضائي".
التهمة الثالثة: أن يوحنا ذهبى الفم عمل على التعدى على سلطة الأساقفة وتحريض الآخرين على عصيان رؤسائهم الروحيين (وكان ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بلا شك يقصد رهبان وادى النطرون ومن معهم الذين نفاهم هو) وكانت هذه المشكلة قد طويت وإنزوت فى زوايا الإهمال لولا أن حرك ساكنها وطلب شهود الإثبات وهو الأسقف ديسقوروس (من الأخوة الطوال) الذى كان قد تنيح ولم يبقى سوى امونيوس أخيه فقد أحضروه غلى خلقيدونية وهو يحتضر فلما رآه ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية فى حالة الموت ذرفت عيناه بالدموع من شدة التأثر وهكذا تم الصلح بين الخصمين اللدودين فى أقل من لمح البصر بدون وساطة ولا شفاعة أحد سوى وقع العين وتأثير النفس النقية بعيدة عن شر الشرير، وقبلا بعضهما بعضاً بقبلة مقسة وهكذا سرت مياة الروح فى أرض نفسيهما الجدباء كما تروى الأرض المشققة بالماء فأرتوت النفوس وهدأت القلوب .
خطابا لثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية يامرة بالحكم على يوحنا ذهبى الفم
بينما كان الفرعون الإسكندري وأصحابه يفتلون الشر فتلاً ويحكمونه احكاماً قام غيرهم أربعون أسقفاً من القسطنطينية وغيرها ينظرون في ملافاة الخطر. أما الذهبي الفم فإنه طلب منهم أن لا يدع أحد منهم كنيسته لأجله. ثم كتب أعضاء السنديانة إلى الذهبي الفم أن يبرر نفسه أمامهم. فرد الأساقفة المجتمعون في القسطنطينية أن في هذا الطلب خروجاً على القوانين الموضوعة في نيقية. وأن أقلية مثلهم عليها أن تخضع لأكثرية مؤلفة من أربعين أسقفاً برئاسة سبعة مطارنة. ولكن الذهبي الفم وافق شريطة أن يترك المجمع أعدائه. فكان ثيوفيلوس قد قال في ليقية "إني منطلق لعزل الأسقف يوحنا". فأبوا وأبى ويقول الملكيين (الروم): " تعاقد ثاؤفيلس مع إيدوكسيا (11) Eudoxia على مهاجمة الذهبي الفم. وكان جديراً بهذا. فهو خبير في التهديم والتخريب والتدمير وتصفية الإنسان! ولا بد من مناسبة لمباشرة العمل. فكان "الأخوة الطوال" الحجة التي تذرع بها للانقضاض على الذهبي الفم." وقد استغلت الإمبراطورة عداء ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية ليوحنا ليقوم بنفي ذهبي الفم ولم يتذكر البابا المصرى كلمات يوحنا عنها أن إيزابل الشريرة ونسى مكرها فإنصاع لمشورتها الخبيثة، حيث انعقد مجمع السنديان تحت رئاسة البابا ونٌفيّ القديس ذهبي الفم. فصار ذلك يمثل كارثة أفسدت تاريخ البابا ثاوفيلس تمامًا، وفى هذه الأثناء أرسلت الأمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia خطاباً صادراً من ديوان الإمبراطور إلى مجمع خلقيدونية فى جلسته الثانية عشر وفيه أمراً للمجمع بإصدار حكمه فى موضوع يوحنا ذهبى الفم بأقصى سرعة وكان الدافع وراء هذا الأمر حقد الأمبراطورة إيدوكسيا على بطريرك القسطنطينية لأنه أهانها وبناء على هذا الأمر أو هذا الخطاب الصادر من الديوان، وحتى ولو طلباً ولم يكن أمراً فقد كان الأمر فى يد ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية الذى رآها فرصة سانحة لكى يبعد يوحنا فهو يعمل على ترسيخ مبدأ المجمع السابق بأن بطريرك القسطنطينية يعلوا فى كرسية بطريرك الإسكندرية فأمر: بخلع يوحنا ذهبى الفم وحرمه ولإقصاؤه عن كرسيه ونفيه حالاً إلى خارج القسطنطينية ولم يكن ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية درجة محبة شعب القسطنطينية ليوحنا ذهبى الفم فقد حدث أنه بعد ثلاثة ايام على صدور الحكم بالنفى كان من الصعب إلقاء القبض عليه لتنفيذ أمر النفى وإبعاده لأن تجع جمهور كبير من أهل القسطنطينية واحاطوا بمنزله وأعدوا العدة لحراسته وحمايته وكانوا يتناوبون الدفاع عنه بطريقة منظمة كأنهم حرس عسكرى حتى لا يتم القبض عليه، وصار الجميع يخافون من حرب أهلية فى داخل العاصمة بل أن الحرب أصبحت وشيكة الإندلاع فعلاً لولا أن القديس يوحنا ذهبى الفم كان يرتقى منابر الكنائس وينصح شعبه بالهدوء والسكينة واستغاث الذهبي الفم بالكنيسة الجامعة وسأل عقد مجمع مسكوني ولم يخضع فوراً لحكم قضاة السنديانة بل ظل يواصل أعماله الرعائية يومين كاملين ولما كان منتصف اليوم الثالث فى وقت الظهيرة وذهب بعض من الحراس فى النوم أن يوحنا ذهبى الفم تسلل من باب خاص دون أن يشعر به أحد، وذهب إلى موظفى الحكومة وسلم نفسه لهم بكل رضى وهدوء فأخذوه حينئذ إلى سفينة وأرسلوه إلى بيت عنيا (8) وخلا الطريق لثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية ودخل إلى المدينة فى اليوم التالى لإبحار القديس يوحنا ذهبى الفم، وتوجه للكنيسة الكبرى وبدأ فى مراسيم سيامة بطريرك خلفاً ليوحنا ذهبى الفم على كرسى القسطنطينية، ولكن لما سار الواعظ الذى كان مكلفاً بالوعظ من ثاؤفيلس إلى المنبر ووقف ليتكلم واخذ يطعن فى يوحنا ذهبى الفم بكلام شديد هاج الشعب هياجاً شديداً ولم يتمكن احد من فرض الهدوء عليهم وصاحوا وهتفوا للقديس يوحنا ذهبى الفم حتى إرتجت الكنيسة وإهتزت من أساساتها وتدخلت قوة عسكرية فطردت الشعب الثائر بالعصى والمعاول، وإمتلأت الشوارع من العامة الثائرين وهم يملأون الدنيا بصياحهم طالبين إرجاع يطريركهم استيقظ الشعب عند الصباح ولم يجد أسقفه فغضب. واكتظت الشوارع بالناس وأحاط بعضهم بالقصر من كل جانب وصرخوا طالبين إرجاع أبيهم المنفي. وظلوا على هذا الحال حتى المساء، وهجموا على ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية وكادوا يفتكون به لتعضيده الإمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia، ووفي هذا الوقت كان مؤمني القسطنطينية عازمون على إلقاء ثيوفيلوس إلى البحر، لأنه عدا عن تآمره على قديسهم. كان يريد تنصيب أسقفاً عليهم يكون موالٍ له. وقد حاول أن يقمع أصوات المؤمنين المطالبين بعودة القديس بالقوة وسفك الدماء. فهرب في الليل إلى مصر. مسطحباً اسحق السوري، شريكه في المؤامرة. ومقسماً ألا يعود إلى القسطنطينية .
زلزال فى الهزيع الأول من الليل
توترت أعصاب الناس وإنتشر الغضب بينهم لاولا رحمة الإله وفي أواسط الليل أرجفت الأرض وتزلزلت أركان القصر الإمبراطوري وهز المدينة هزاً شديداً وحدث زلزالاً شديداً فى الهزيع الأول من الليل رج المدينة حتى أن الإمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia قامت مزعورة من نومها وذهبت إلى مخدع زوجها وترجته أن يعيد القديس يوحنا ذهبى الفم مادامنا نرى غضب السماوات لأجله وكادت تصب غضبها على الأرض حزنا عما فعلوه معه، فلم يجيب الإمبراطور أركاديوس لطلبها إلا بعد ان سمع ما فعله الشعب مع ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بالكنيسة وأنه سيكون مكروها منهم وينقلب ضده فاشتد خوف الإمبراطورة ورأت في ذلك انتقاماً ربانياً. فقالت لاركاديوس إن لم يعد الأسقف فليس لنا تاج ولا سلطات. فوكل اركاديوس إليها أن تفعل ما تشاء، فكتبت بخط يدها تبدي عذرها وأوفدت أحد رجالها ليرجو العودة. فلما عبر البوسفور أبى العودة إلى كرسيه تواً لئلا يخترق حرمة القانون الكنسي فإن خروجه كان بحكم مجمعي فكان لا بد من حكم مجمعي لعودته. فطلب من افدوكسيا دعوة إلى عقد مجمع صالح للنظر في الاتهامات المنسوبة إليه من مجمع اللصوص مجمع السنديانة وفى الحال تقرر إنعقاد مجمع إجتمع فيه 60 أسقفاً وفيه تم إلغاء قرارات المجمع السابق وقرر أن القديس يوحنا ذهبى الفم ما زال بطريركاً على القسطنطينية ولكن الشعب لم يقبل له عذراً فسار بموكب عظيم إلى كنيسة الرسل وأوجز في الكلام فبارك أسم الرب إلى الأبد: "أجل تبارك الله الذي يحيط الكايد ويقضي برجوع الراعي. تبارك الذي يثير العواصف. تبارك الذي يحلّ جليد الشتاء ويقمع هيجان الريح ليقوم مقامها الهدوء والصحو والسلام". والتفت في كنيسة الحكمة الإلهية (أجيا صوفية) إلى كنيسته فتراءت له متوجة بإكليل سموي فهي العروس ساره العفيفة الطاهرة . .
موقف أسقف روما بين أسقف القسطنطينية وأسقف الأسكندرية
أما ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية فكتب خطاباً إلى بطريرك روما يخبره فيه أنه جرد القديس يوحنا ذهبى الفم من وظيفته فرد عليه البابا يسأله عن اسباب هذا التجريد، وقال له: أنه على تمام الصداقة والشركة والأخاء معه ومع القديس يوحنا ذهبى الفم أيضاً
كيف نفى القديس يوحنا ذهبى الفم للمرة الثانية؟
وأعتقدت الإمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia أن الرسالة التى أرسلتها إلى يوحنا (أعنى نفيه) قد فهمها وأنه لن يتعرض لها مرة أخرى، وحدث أن الأمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia أرادت أن يكون لها تمثالاً أسوة بالأباطرة. ونفذت رغبتها. ووضع التمثال في أكبر ساحة في العاصمة، أمام كنيسة الحكمة الإلهية. وتحاشى القديس يوحنا ذهبى الفم أن يصطدم معها ويوبخها على هذه العادة الوثنية وكان حاكم المدينة كان مانوياً يكره الذهبي الفم. فأقام لمناسبة الاحتفال بالتمثال ملعباً للرقص والشرب والمصارعة في الساحة المقابلة لأبواب الكنيسة. فلم يستطع الذهبي الفم صبراً. فذكّر المؤمنين أن هذه الملذات من شأنها أن تجدد قبائح الديانات الوثنية. ولا يجوز الاشتراك بها. وطلب من الحاكم أن يكف عن هذه الأعمال، المصاحبة لتدشين التمثال. فإستغل الفرصة للوقيعة بينه وبين الأمبراطورة فقال لها: " أن الذهبي الفم غير راضٍ عن مظاهر الاحترام لشخصها " كما أن الذهبي الفم ألقى عظة ذكر فيها الأمبراطورة إيدوكسيا Eudoxia وكانت الأمبراطورة تترصد الذهبي الفم. ورأت في معارضته لهذه الاحتفالات تحقير لها كإمبراطورة ولا شك أن خلافها القديم معه لم يكن قد إنتهى فقد كان كالنار تحت الرماد الذى أحدثه الزلزال توقفت النار ولكنها ما زالت تتأجج وقامت إيدوكسيا Eudoxia بتوجيه رسائل إلى الأساقفة المصريين الذين سبق لهم وحكموا على الذهبي الفم. وكتبت رسالة طويلة إلى، ثيوفيلوس البطريرك الإسكندري. تحثه على القدوم إلى العاصمة. إلا أنه كان عارفاً أن ظهوره في شوارع القسطنطينية يعني موته وجعله طعام لأسماك البحر. فقام بإرسال مندوبين عنه بعد أن لقنهم دروساً في كيفية تجديد الحكم على القديس. وأرسل الإمبراطور اركاديوس دعوة لأساقفة آسيا وأنطاكية. فلبى الدعوة بعضهم وأبى البعض الآخر خشية من اتساع الشقاق في الكنيسة. وحضر جميع أخصام الذهبي الفم والمتآمرين عليه وتقول مسز بتشر: أما البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فلم يكف عن بث أسباب الخلاف والخصام والتفرقة ولم يهدئ من مناصبة يوحنا ذهبى الفم العداء، فأرسل وفد من الأسكندرية ليقوم بمهمة طرد ونفى وإقصاء ذهبى الفم من أبروشيته، ولم يذهب ثاؤفيلس البطريرك بنفسه معتذراً بكثرة أشغالع والواجبات الضرورية الموكولة إليه فأناب عنه الوفد الذى قام بالخطة التى وضعها له ثاؤفيلس البطريرك ونجحوا فى إصدار أمر من الإمبراطور أركاديوس والإمبراطورة معاً وحضر الأمبراطور إيدوكسيا Eudoxia وإستمع إلى عشرة أساقفة من كلا الطرفين -الأعداء والأصدقاء-. وقبل دعوة الذهبي الفم، وقف أسقف مصري وسأل المجتمعين: ماذا جئنا نفعل؟ وأجاب الأساقفة أعداء الذهبي الفم: نحن مجتمعون لنحاكم الذهبي الفم ونحكم عليه، ثم قال لهم أن الذهبي الفم غير موجود بالنسبة لهم وللقوانين. فكيف يمكن استدعاء شخص غير موجود للمثول أمام القضاة. وتكلم المصري عن مجمع التكريس الأنطاكي سنة 341. وأن بعض قوانين ذلك المجمع تدين الذهبي الفم وتحكم عليه . وقرأ عليهم القانون الرابع من المجمع وينص: "كل أسقف مخلوع من قبل مجمع، بعدل وبغير عدل. يسمح لنفسه بالرجوع إلى منصبه بمجرد سلطان وبدون أن ينال عفواً عن إدانته من المجمع نفسه ومن مجمع آخر. وبدون أن يدعوه القضاة أنفسهم إلى ممارسة حقوقه الكهنوتية - بدون أن يسمح له بالدفاع عن نفسه - هذا الأسقف وكل من يشترك معه يحرمون من شركة الكنيسة". وتابع المصري استناداً إلى هذه المادة فإن المجمع الحالي ليس أمامه شكوى للنظر فيها. فمجمع السنديانة المنعقد برئاسة (الكلي التقوى) ثيوفيلوس قد خلع يوحنا الذهبي الفم فهو إذن محروم ولا يحق له المثول أمام مجمع لأن الذهبي الفم ليس أسقفاً بل محروم. ادعى أنه كان مظلوماً. هذا لا يبرره. فقانون أنطاكية يقول صراحةً أبعدل أم بظلم، لا يحق للمحكوم أن يمارس حقوقه. ولا يحق له أن يستأنف ويدافع عن نفسه!! وطلب المصري ألا ينعقد المجمع. وهنا جاء دور البيذس أسقف لاذقية سورية. وطلب إلى أخصامه أن يوقعوا قانون أنطاكية (مجمع أريوسى) كأنه عمل أرثوذكسي قبل تطبيقه على يوحنا الذهبي الفم. فاحتاروا في أمرهم لأنهم إن قبلوه تلطخوا بالآريوسية وإن أبو سقطت حجتهم. فلاذوا بالكذب ووعدوا بالتوقيع ثم أخلفوا. وبحسب نفس المجمع والقانون الخامس منه: "كل كاهن وأسقف طرد من الكنيسة واستمر في إثارة القلاقل والاضطرابات، فليحاكم من السلطة الخارجية كمشاغب"وأشار المجمع المنعقد على الأمبراطور أركاديوس بأن يحكم على الذهبي الفم فأرسل الأمبراطور اركاديوس يسأل الذهبي الفم في الحكم. فأجاب أن كل أحكام المجمع المصري خاطئة.
أولاً: إن قوانين المجمع الأنطاكي هرطوقية آريوسية. لا تعترف بها الكنيسة الأرثوذكسية.
ثانياً: إن مجمعاً اكليريكياً - كنسياً لم يحكم عليه مطلقاً. وفي الواقع أن مجمع السنديانة لم يبلغ الذهبي الفم الحكم الصادر بحقه. وإنما ضابطاً امبراطورياً جاءه وقال له أن يتهيأ للرحيل. فبما أن لم يبلغه مجمع السنديانة الحكم الصادر عليه فهذا يعني أن الحكم غير واقع.
ثالثاً: الذهبي الفم لا يطلب من المجمع أن يعيد له حقوقه. فحقوق القديس لم يسلبه إياها أحد. بل طلب من المجمع إظهار براءته من الاتهامات، ووضع حد للنميمة.
كيف نفذ أمر نفى القديس يوحنا ذهبى الفم؟
وفى عيد الفصح لسنة 404 م أى بعد عشرة أشهر من الحكم كانت القسطنطينية في قلق واضطراب والقديس لا يتزعزع. فحاولت القوة العسكرية بتوجيه من خصوم القديس يوحنا أن يوقفوا الإجتماعات وأماكن الاضطراب والإخلال بالنظام وحاولوا منع انعقادها. ولما لم يستطيعوا طلبوا طرد الذهبي الفم قبل عيد القيامة (17 نيسان) لأنه محروم من المجمع فأمر الإمبراطور القديس يوحنا ذهبى الفم الخروج من كنيسته. فقال الأسقف القديس ذهبى الفم: لقد استلمت الكنيسة من يسوع المسيح ولا أستطيع أن أترك خدمتها. فإن أردت أن أترك هذه الحظيرة المقدسة فاطردني قهراً بينما كان القديس يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية يؤدى خدمة عيد الفصح فى الكنيسة الكبرى أرسلت كتيبة مدججة بالسلاح وهاجمت الكنيسة فقام الإمبراطور بطرده يوم سبت النور من الكنيسة وحذر عليه الخروج من قلايته. ولم يكتفى بطرده من الكنائس بل طرد أيضاً جميع الكهنة الذين كانوا في شركة الأسقف القديس. وكانت العادة حينئذ تقضي بأن يبقى المسيحيون ساهرين بالصلوات حتى صياح الديك معدين طالبي المعمودية -الموعوظين- إلى قبول هذه النعمة (وقيل أنه بالكنيسة كان يوجد أكثر من ثلاثة ألاف نفس مستعدة للعماد فطرد الجنود كل من فى الكنيسة بما فيهم طالبى العماد بأسنة الرماح)، ثم طردوا الشعب خارج الكنيسة بالقوة فلم بستطع الكهنة ترك الذين جاءوا للمسيح بدون عماد فجمعوا طالبى العماد من الشوارع ولجأوا جميعهم إلى الحمام الكبير الذي شيّده قسطنطين وحولوه إلى كنيسة، وصلوا على الماء الذى فى الحمامات وباركوها وعمدوهم بكل نظام تام وسرعة، وما أن تم العماد حتى سمع الجنود بتجمعهم فهجموا على الكهنة وطردوهم من هناك أيضاً . فسعى المتآمرون في فض هذا الاجتماع. فدخل الجند الحمام والسيوف بأيديهم مصلتة واخترقوا الحشد حتى وصلوا إلى جرن المعمودية فضربوا الكهنة والشيوخ والنساء واختلسوا الآنية المقدسة. وخرج المؤمنون خارج الأسوار واحتفلوا بالتعميد وأقاموا الذبيحة في ميدان قسطنطين. إلا أن الأمبراطور لم يكن صاحب فكرة سفك الدماء وإنما الأسقفان انطوخيوس وأكاكيوس اللذين كان من ضمن الفريق الذي حكم على الذهبي الفم وبعد العنصرة بخمسة أيام أي في التاسع من حزيران سنة 404. سار اكاكيوس وأعوانه إلى الأمبراطور أركاديوس وقالوا: إن اإلإله لم يجعل في الأرض سلطاناً فوق سلطانك. وليس لك أن تتظاهر بأنك أكثر وداعة من الكهنة وأعظم قداسة من الأساقفة. وقد حملنا على رؤوسنا وزر عزل الأسقف يوحنا. فحذار مما ينجم عن إهمال التنفيذ. فأوفد أركاديوس أحد كبراء البلاط إلى الذهبي الفم، يسأله أن يهجر كنيسته ورعيته بلا إزهاق للأرواح. فأصغى القديس وقام إلى المنفى، وصلّى وودع "ملاك الكنيسة" ثم ذهب إلى مصلى المعمودية ليودع الماسات الفاضلات اولمبياذة الأرملة القديسة وبناذية وبروكلة وسلفينة وقال لهن: لا تدعن شيئاً يخمد حرارة محبتكن للكنيسة وخرج القديس خفية. وقبض عليه رجال الشرطة وعبروا به البحر إلى نيقية حيث ألقوه في السجن. واستبطأ الشعب خروج راعيهم فارتفعت جلبتهم في كنيسة الحكمة. وفيما هم على هذه الحال اتقدت نار تحت المنبر وحولته رماداً. ثم امتد لهيبها إلى السقف وسرى خارج الكنيسة. ثم دفعته ريح شمالية إلى الجنوب فبلغ قصر الشيوخ فقوضه. وأمست الكنيسة الكبرى خالية مهدمة ولم يسلم منها إلا آنية الافخارستية! وأقام القديس في نيقية أربعين يوم وأكثر. وعلى الرغم مما كان عليه من مضايق السجن وغلاظة الجنود. فإن نفسه ظلت تتوقد غيرة على خلاص النفوس في سورية وفينيقية وتحطيم الوثنية. وكان صديقه قسطنديوس البار لا يزال يعمل في حقل الرب في تلال فينيقية وسهولها متكبداً أشد المصاعب من الوثنيني ومن "الأخوة الكذبة" فقيض الله الذهب الفم راهباً زاهداً في نيقية فاستقدمه الأسقف القديس إليه واستمال قلبه إلى التبشير في فينيقية وأرسله إلى صديقه قسطنديوس.
المزيد
22 مايو 2025
مشكلة الإخوة الطوال
الأخوة الطوال ويوحنا ذهبى الفم
تعليق: قبل أن نتكلم عن مشكلة الإخوة الطوال مع البابا ثاوفيلس لوحظ أن بابا الإسكندرية كانت من طباعه أن يسير بخطه محاولة وضع أتباعه فى مراكز الأسقفية بالعالم القديم فكان فى قبرص أسقف مصرى وفى أورشليم وفى خلقيدونية وكان يريد وضع القديس إيسيذوروس كبطريرك للقسطنطينية ولكنه أخفق فقد إختير ذهبى الفم، وقد تردد أنه خصاله أنه عنيف فى مقاومة خصومه يكيل لهم بمكيالين ولم يكن يهتم كثير بالعقيدة الإيمانية المسيحية فمثلاً إنحاز مع الرهبان أصحاب هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism وقال لهم عندما رأيتكم كمن رأيت وجه الإله، ولم ينسحب الرهبان الهراطقة إلا بعد أن وعدهم بحرمان أوريجانوس وكتابات أوريجانوس بل وكل من يقرأ كتابات أوريجانوس (وهذا ما تم فعلاً فى عيد الفصح التالى)، فهل فعل هذا لأنهم كثيرى العدد، كما أنه لم يتضح هل إنحيازه لهم نتيجة خوفه منهم؟ أم لأنه إعتنق هذه الهرطقة؟ أم لأنه يريد إنتقاماً من خصومه فركب الموجة العالية حتى يصل إلى مرماه أم ماذا؟ أم كما يقول المؤرخين الغربيين أنه كان رجلاً عنيفاً غضوباً لا يرحم معارضيه وأطلقوا عليه أسم فرعون؟ أم أنه كان محباً للسلطة والشهرة هدم الهياكل الوثنية ليكون اسمه على كل لسان وهاجم الأوريجانية وكأنه هاجم هرطقة تهدد الكنيسة ليكون اسمه على كل لسان؟ لقد حاول الأغلبية من مؤرخى الكنيسة القبطية تجميل صورة هذا البطريرك ودفع الإتهامات عنه بإخفاء بعض الحقائق أو ذكر بعضها والرد على الإتهامات ولكنهم أخفقوا جميعا والبعض أظهرها غير واضحة وعندما سرد أحد الاباء الموقرين ما قالة المؤرخين وسئل عن هذا قال: لقد ذكرت الحقيقة إحقاقاً للحق!!
من هم الأخوة الطوال؟
نشأ الأخوة الطوال فى الفرما وأصبحوا من بين رهبان هناك، وكانوا أربعة أخوة إشتهروا بطول القامه وعرفوا فى التاريخ بأسم " الأخوة الطوال " وكان أكبرهم فى العمر أسمه الآباء أمونيوس (آمون) وأطلقوا عليه أسم باروتيس (أطلق عليه المؤرخين لقب باروتيس ومعنى هذا الإسم: صاحب الأذن الواحدة) أرسل ثيوفيلوس جنوداً ليجلبوا امونيوس بالقوة لرسامته أسقفاً. فلما رأى الجنود قادمين، أمسك بالسكين التي يستخدمها لتقشير الخضار وقطع إحدى أذنيه. فلم يعد يستوفي شروط الأسقف، وقال إذا أصر البابا تيموثاوس على رسامته فسيضطر إلى قطع لسانه فتركوه، وقد سافر أمونيوس مع البابا أثناسيوس الرسولى إلى رومية عام 341م والأخ الثانى أسمه ديسقوروس أقامه البابا ثاؤغيلس أسقفاً لواحة هرموليس " الأشمونين" أما الأخ الثالث وأسمه يوساب والرابع وأسمه أنتيموس أقامهما البابا قسيسين فى كنيسة الإسكندرية هؤلاء الإخوة اتسموا بالروحانية والنسك، وقاموا بالنضال ضد الأريوسية بعد نياحة البابا أثناسيوس. وكانوا على علاقة طيبة بالبابا تيموثاوس والبابا ثاوفيلس حتى سنة 400م، فقد أحبهم وأكرمهم كرامة زائدة، فرسم ديسقورس أسقفًا على هرموبوليس كما سام اثنين منهم يوساب و أنتيموس كاهنين بعد اعتذارهم عن السيامة كأساقفة. لقد أراد البابا أن يستبقيهم معه في الإسكندرية لمساندته في الرعاية لكنهم فضلوا سكنى البرية وكان من أكبر مناطق تجمع الرهبان المصريين فى عصر البابا ثائوفيلس 23 الأولى: منطقة نتريا ، الثانية: منطقة الإسقيط وتشمل أديرة وادى النطرون وبدأت أتعاب البابا ثائوفيلس 23 مرة اخرى
وفي البداية كان البابا محبًا لكتابات أوريجينوس، حتى أنه في سنة 399م إذ رأى الخلاف محتدمًا بين يوحنا أسقف أورشليم وهو من رهبان وادى النطرون وجيروم بسبب العلامة أوريجينوس حاول مصالحتهما، فشعر جيروم (القديس إيرونيموس) أن البابا ينحاز لأوريجينوس، فكتب إليه بعنف يقول: "إنك لا تعرف كيف يكون الجدل والمناقشة، لأنك تعيش مع رهبان يجلون قدرك ويرفعون مقامك ويجلون قدرك عند مقابلتهم إياك بل يحبونك ويظهروا لك إخلاصهم بولاء لأنك لم تظلمهم أو بالحرى لم تقسو عليهم فى شئ " ولكن فى الحقيقة لم ينقضى وقت حتى ظهر الخلاف بين رهبان مصر وإنحاز البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لرهبان الإسقيط وعامل رهبان نتريا قسوة .
العلاقة المميزة بين رهبان الإسقيط والبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23
تقول مسز بتشر : " أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 كان على وفاق ووئام تام مع جماعة الرهبان العديدين فى مصر خصوصاً مع رهبان وادى النطرون الذى هو أكبر الأديرة وأقرب لمدينة الإسكندرية وكانوا قد ساعدوه فى هدم الهياكل وتدميرها فمدح غيرة إيمانهم وكافأهم على ذلك بأن كان يختار من بينهم ليرسمهم لرتبة الأسقفية كلما كانت تسنح له الفرصة وكان من بين الذين أصبحوا أساقفة ديسقوروس أحد الإخوة طويلى القامة، وكان أسقفاً على هرموبوليس (المنيا)، أما شقيقاه يوساب وبوثيموس كان البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 طلب منهم أن يتركا دير وادى النطرون ورسمهما كاهنين فى كنيسة الإسكندرية "
هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism
هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism (الأنثروبومورفيزم): بسبب بدعة انتشرت بين بعض رهبان الإسقيط كان رأسها أفوديوس من بين النهرين مؤداها أن الإله ذو صورة بشرية وذو أعضاء جسمية ، وفي نفس السنة نشر البطريرك رسالة عيد الفصح السنوية، فاغتاظ أولئك الرهبان من عبارة وردت فيها وهى قوله: "إن الله روح لا يدركه الفهم، وليس هو مجرد إنسان يقع تحت الحد والحصر"، فهاجوا على البطريرك لما رأوه يخالفهم في الاعتقاد وترك وتصف المؤرخة مسز بتشر هياج رهبان الإسقيط فتقول: " وكان أساس هذا الفكر هو الراهب سيرابيون
رهبان الإسقيط يريدون الفتك بالبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فلما قرأ هؤلاء العميان هذه الرسالة حنقوا وهاجوا هياجاً لم يكن منتظراً من رهبان تركوا العالم وقاموا بجيش جرار، وتركوا وادى النطرون وساروا بعرض الصحراء إلى أن وصلوا القصر الذى كان يقيم فيه البابا فإحتشدوا حوله كالنمل وأخذوا يصيحون ويتوعدون ويتهددون البابا بالموت العاجل إن لم يسحب كلامه ويعدل عن رأيه فى رسالته الفصحية . أكثرهم قلاليلهم وجاءوا كجيشٍ جرارٍ إلى الإسكندرية وعزموا على الفتك بالبطريرك حالما يقع بصرهم عليه واحتشدوا حول داره وهم يتهددونه ويتوعدونه.
وإذ رأى أن قلوبهم مملوءة بالغيظ ولم يجد له عضدًا أسرع على مرتفع وصعد عليه وخاطبهم بعبارات رقيقة تهدئ الخواطر الهائجة ومن ذلك قوله لهم: "إنني إذا رأيت وجوهكم أشعر كأني أشاهد الله لأنكم على صورته ومثاله"، فسكن ثورتهم قليلاً، وفهم من عبارته أنه لا يخالفهم فى الإعتقاد وتستطرد مسز بتشر قائلة: " ولكن هذا هذا التملق لم يكن ليسكتهم أو يوقفهم عند حدهم بل صاح بعض زعمائهم طالبين من البطريرك أن يحرم أوريجانوس ويشجبه إنهم إعتبروا ان البدعة التى ذكرها البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فى رسالته الفصحية حسب زعمهم وتفكيرهم قد إقتبسها البابا من آراء أوريجانوس وكتاباته أو أفكاره .. فلم ينصرفوا من أمام الدارالبطريركية إلا بعد أن وعدهم البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بتنفيذ طلبهم بحرمان أوريجانوس " أما الأخوة الطوال فلم يرضهم تصرف البابا وإزدروا بتملقه، وعادوا راجعين إلى وادى النطرون دون أن يقابلوه ويفصحوا عن وجهة نظرهم ولكن الخلاف لم بنتهى فإضطر البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 أن يصالح هؤلاء الرهبان المتحفزين للثورة والفتك به وكان يخشاهم لأنه إستخدم بعضهم كأساقفة وفى المصالح الكنسية، وإستمر فى إختيار زعمائهم للمناصب الكنسية خوفاً من بطشهم وعنفهم حتى يبعدهم عن إثارة الرهبان ضده وعن مركز الثورة .
البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 يحرم أوريجانوس وكل من يقرأ كتبه
وكان رهبان الإسقيط يظنون أن العبارة التي أوردها عن الإله في رسالة عيد الفصح اقتبسها من مؤلفات أوريجينوس. لذلك طلبوا إليه بشدة أن يحرم أوريجينوس وكل من يطالع كتبه فوعدهم بذلك ثم انعكف حسب قول المؤرخين على مطالعة كتب أوريجينوس إذ لم يكن طالعها قبلاً فتبين من بعض ألفاظها ما يشعر بضلاله وفي أوائل السنة التالية شكل مجمعًا حرم أوريجينوس وندد بتعليمه في رسالة عيد الفصح بل وحرم كل من يقرأ كتاباته.
مشكلة الإخوة الطوال القامة
(تعليق: أمامنا فى كتب التاريخ مجموعتين من الرهبان رهبان الأسقيط الذى عرفنا عنهم أنهم يعتنقون فكر تجسيم الله، والمجموعة الثانية هم رهبان نتريا الذين إعتنقوا فكر أورجينوس وهو الفكر المجازى، وكان رهبان الإسقيط أكثر عدداً وقوة من رهبان نتريا، وكان من الواضح أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23مال لفكر رهبان الإسقيط بعد أن كان ميالاً للفكر الأوريجانى وكانت مشكلة الإخوة الطوال القامة الأوريجينيين هى المشكلة الرئيسية التي شوهت صورة هذا البابا فى التاريخ) إذ درس البابا ثاوفيلس كتابات العلامة أوريجينوس واكتشف بعض الأخطاء اللاهوتية صار مقاومًا لكل ما هو أوريجيني ويقول الأنبا أيسذورس: " وظهر شقاق بين رهبان مصر بسبب مؤلفات أوريجانوس العلامة فكان: بعضهم يحرم القراءة فيها وهم رهبان الإسقيط .. والبعض الاخر يحل ذلك وهم رهبان جبل نتريا (الفرم) فذهبت سفارة (أى مجموعة منتدبة من رهبان الإسقيط) وألحت على البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 أن يحرم من يقرأ تلك المؤلفات ففعل برأيهم أى أنه حرم كل من يقرأ كتابات أوريجينوس
إيسودورس (إيزودورس - إيسيذورس) أمين الصندوق
يقول القس منسى: " أما ما ألهب الموقف بينهما (البابا والأخوة الطوال) فهو خلافه مع القديس إيسيذورس الذي مارس الحياة النسكية بنتريا وقد اتسم ببشاشة الوجه واللسان العذب فسامه البابا أثناسيوس كاهنًا . أحبه البابا ثاوفيلس جدًا حتى رشحه للبطريركية بالقسطنطينية عوض ذهبي الفم، لكن هذه الصداقة انقلبت إلى عداوة سافرة إذ عاد إلى نتريا يلتصق بالإخوة الطوال الذين يمثلون حزبًا أوريجينيًا مضادًا للبابا الذي في نظرهم قد ملأ الأنثروبوموفليت الإسقيطيين، واعتبر البابا هذا التجمع تحديًا له، ومارس الطرفان ضغوطًا شديدةً. "
تقول مسز بتشر: " وكان إيسودورس (إيزودورس) أمين صندوق كنائس الإسكندرية صديقاً حميماً البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 ودامت هذه الصداقة بينهما مدة من السنين، ولكن لأسباب ما تغير الحال وأصبحت الصداقة عداوة، وإستحكم الخلاف بين الإثنين، ولما كان إيسودورس يعتقد أن الإله روح، إتخذ البابا ثاؤفيلس إعتقاده لإيقاع به، بأن إنضم لأولئك الرهبان الهراطقة الذين كان ينفر منهم وحرضهم ضد إيسودورس . وقد ذكر البعض أسباب كثيرة قالوا أنها منشأ هذا الخلاف ولكن الذى يقرب إلى العقل (من المنطق) أن سبب الخلاف بينهما هو خلاف مالى يختص بالصندوق لأن الدراهم علة كل البلايا وسبب للخلاف والإنشقاقات فى هذا العالم، وكما قال الكتاب المال أصل لكل الشرور ويقول الأروام الملكيين" وأراد ثيوفيلوس أن يغتصب ثروة أرملة. ولكن كيف يبرر هذا الاغتصاب؟. فلجأ إلى مدير أبرشيته: الايكونومس ايزيدوروس. إلا أنه كان تقياً صالحاً فرفض أن يشاركه في هذه السرقة. فغضب وأصدر أمره بإلقاء القبض عليه وتعذيبه وتسليمه للقضاء. إذا كان الأسقف الإسكندري يتمتع بصلاحيات زمنية. ولإثبات التهمة كان الفرعون بحاجة إلى شهود. ولمّا كان مدير الأبرشية يتمتع بسمعة طيبة وصيت حسن، وجب إذن أن يكون الشهود أوفر فضيلة منه. ولا يتمتع بهذه الفضيلة إلا الأخوة الطوال. فاستدعاهم ثيوفيلوس وطلب منهم الشهادة. ولكنهم رفضوا بحزم. فأصدر أمره للجنود، فعذبوا الأخوة الطوال ثم قيدوهم بالحديد. وتولى ثيوفيلوس بنفسه ضربهم، بيديه. ثم راح يدوسهم برجليه. ثم اقتيدوا للسجن في سلاسل الحديد. وهزّ هذا المنظر الإسكندرية بأسرها. فلم يكن أمام ثيوفيلوس إلا أن يذيع خبر بأن الأخوة الطول أصحاب هرطقة. ولم تنجح الحيلة فأطلق سراحهم."وإضطر البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 أن ينحاز لمجموعة رهبان السقيط الذين ضد مبدأ أوريجانوس الصحيح وهؤلاء الرهبان الذين كانوا يعتقون بإنسانية الإله وحسب ما ذكرنا سابقاً أنه فى أوائل السنة التالية شكل هذا البطريرك مجمعاً حرم أوريجانوس وتعاليمه ومن يقرأ كتاباته وقد كان هذا الحرم لوعد وعده مسبقاً لرهبان الأسقيط قبل قراءة أو فحص كتبه .
نفى الرهبان ومقابلة البابا لوفد رهبانى يرأسة احد الإخوة الطوال
لم يكتف البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بذلك بل أنه فى رسالة الفصح سنة 401 م كتب ضد أوريجانوس كلاماً مؤلماً وذكر منه غلطات وهفوات لم يكن لها وجود فى هذا الرجل النابغة ولكنها خرجت من مخيلة البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 وأخيراً حكم عليه بأنه هرطوقى مبتدع وبدأ الخلاف بين إيسودورس والبابا يتسع فإستعمل البابا القوة ضده وضد مؤيديه فإضطر إيسودورس فى نفس السنة أن يهرب من الإسكندرية ويقيم فى وادى النطرون مع جماعة الرهبان الموجودين فيه، فلم يكن أمام البابا إلا ان يصدر أمره إلى أساقفة الإبروشيات ورؤساء الديرة بنفى وطرد جميع الرهبان الذين يبجلون أوريجانوس ويتبنون أسلوبه المجازى فى تفسير الكتب المقدسة، او يرددون أقوال أوريجانوس وعندما وصل هذا الأمر الباباوى إلأسقف أمونيوس وهو أحد الأخوة الطوال القامة لم يسكت بل ذهب إلى الإسكندرية يرأس وفداً من الرهبان ليحتج ضد أعمال وأوامر البابا ويعترض على إتهامه لهم بأنهم مبتدعين لأنهم رفضوا قبول تفسير وفهم الكتاب المقدس بطريقة حرفية ناقصة كالرهبان الغبياء الذين كانوا يفسرون الكلمات التى تقال عن افله تفسيراً حرفياً وجعلوا الإله فى الشكل إنساناً وكان لما إنتشرت هذه الهرطقة وإعتنقها كثير من الرهبان الأغبياء الجهلة أن البابا ثاؤفيلس هابهم ومال لمذهبهم ولم يذكر المؤرخون أنه مال لمذهبهم إقتناعاً أم خوفاً أم لأن لهؤلاء الهراطقة من القوة بحيث إستغلها كمطرقة لضرب من لا يميل إليهم من الأساقفة والرهبان، ولكن فى كلا هذه الحالات كان يخالف ضميرة وإيمانه المسيحى، وقد جامل هؤلاء الهراطقة ضد الوفد الرهبانى المعتدل برئاسة الأنبا أمونيوس أسقفاً لواحة هرموليس " الأشمونين" أحد الأخوة الطوال الذى حاول غقناع البابا عن العدول عن حرمان أوريجانوس وكتاباته وكل من يقرأها وأن حعل الإله إنساناً مخالف للعقيدة المسيحية، وبالغم من أن أدلتهم وبراهينهم وحجتهم كانت أقوى من جهل هؤلاء الهراطقة، ولكن كان البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 ثائراً لا يريد أن يسمع لصوت العقل والإيمان فعامل الأنبا أمونيوس والوفد المرافق له معاملة غير كريمة وتقول مسز بتشر: حتى قيل أن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لطم الأنبا أمونيوس على فمع وإتهمه بأنه مبتدع لأنه رفض أن يحرم أوريجانوس ويحط من قدره، ومن الغريب أن خمسة من رهبان دير وادى النطرون الذين ليس لهم ذكر ولا شهره لجهلهم وغباوتهم أرادوا أن يصطلحوا مع البطريرك فطلبوا منه أن يصرح لهم بتلفيق تهم كاذبة ضد ثلاثة من مشاهير الرهبان وعظمائهم فوافق على طلبهم، وكانت النتيجة أن حكم البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 على هؤلاء العظماء بالحرمان ورجع وفد رهبان إلى وادى النطرون وهو فى يأس وقنوط وقلب حزين ومكسور ورضى أعضاؤه بالرجوع فقط حتى بدون إحراز نتيجة، ولكن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لم يرضى بوجود رهبان لهم فكر مختلف بل كان يسعى لإقلاق بالهم وراحتهم، وعندما سمع البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بذلك أرسل منشوراً إلى رهبان الإسقيط يأمرهم أن يتجنبوا أولئك الرهبان وقطع (حرم) ديسقوروس أسقف (أرموبوليس) من شركته لأنه قبلهم وكان البابا قد تأكد من إزدياد سطوة الرهبان وتكاثر عددهم وقوتهم أن هذا من شأنه يقلص من سلطانه على الكنيسة، فإنحاز إلى الأغلبية ضد الأقلية، وجعل الخلاف ينمو بينهما ولم يقف بجانب الحق حتى أن جميع المؤرخين الأقباط المصريين قد أهملوا هذا الجانب من تصرف هذا البطريرك وكتبوه مبهما وكتبت مسز بتشر عن هذا البابا فقالت: " ولكن هذا البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لم يتخذ طريقاً لقطع شآفة هذا الداء (الهرطقة) ولم يأت عملاً يبرره (أى ما فعله) فى أعين الناقدين بل صار سيراً (أى تصرف بما) يستحق الأسف كل مدة رئاسته المشؤمة "
هجوم البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 بقوة مسلحة على الدير
عقد البابا مجمعًا بالإسكندرية حرم فيه آمون وأخويه الراهبين، وإنقضى زمن الخلاف والشقاق وعاد الرهبان إلى أديرتهم فى وادى النطرون ليمارسوا اعمالهم المعتادة مثل الأعمال اليدوية فكان بينهم الحائك والنساج وصانع الحلويات والطبيب وطالب العلم وكل أرباب الحرف والصنائع، وظلوا ساكتين فى صلواتهم التى يرفعونها يصلون فى كنيسة كبرى تحيط بها ثلاث نخلات ولم يحاولوا أن يتكلموا فيما حدث فخلاصهم هو أساس رهبنتهم أما ما ألهب الموقف بينهما فهو خلافه مع القديس إيسيذورس الذي مارس الحياة النسكية بنتريا وقد اتسم ببشاشة الوجه واللسان العذب فسامه البابا أثناسيوس كاهنًا وأقامه مسئولاً عن مستشفى بالإسكندرية. أحبه البابا ثاوفيلس جدًا حتى رشحه للبطريركية بالقسطنطينية عوض القديس ذهبي الفم، لكن هذه الصداقة انقلبت إلى عداوة سافرة إذ عاد إلى نتريا يلتصق بالإخوة الطوال الذين يمثلون حزبًا أوريجينيًا مضادًا للبابا الذي في نظرهم قد ملأ الأنثروبوموفليت الإسقيطيين، واعتبر البابا هذا التجمع تحديًا له، ومارس الطرفان ضغوطًا شديدةً ولكن البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 لم يروق له هذا السكون وجالت فى فكره الظنون فطلب من الوالى الرومانى أن يمده بقوة عسكرية يهاجم بها جماعة الرهبان الآمنين فتحركت القوة فى سرية تامة وتحت جنح الليل فأقلق هدوء الصحراء والبرية وسمع الرهبان بسنابك الخيول التى يمتطيها أفراد القوة العسكرية الرومانية ترنويسمع دويها فى الفضاء فوقع الرعب فى القلوب ويقول الملكيون (ألروم): " وثيوفيلوس البطريرك كان يقود بنفسه فرقاً من الجنود. فكان هذا الفرعون (يقصدون ثيوفيلوس) لا يتوارى عن إصدار الأوامر بالتعذيب. يل ويشترك في هذا العمل الوحشي. واهتم ببناء الكنائس كحجر ونسي واحتقر البشر. وابغض جميع الناس."فهاج الرهبان وزعروا لما بلغهم من أن البطريرك جاء ومعه قوة عسكرية مسلحة لكى يقبض على أتباع الفكر ألأوريجانى وساد القلق والخوف فى أنحاء الدير، وهرب ثلاثة من الأخوة الطوال إلى الإختباء فى بئر عميقة ولجأ رابعهم الأنبا ديسقوروس أسقف هرموليس " الأشمونين" وكمن فى ركن خفى من أركان الكنيسة ولكنه لم يلبث حتى عرف مكانه مجموعة من الأحباش المرافقين للبطريرك فأخرجوه من ملجأه بالكنيسة بقوة وعنف أما القوة العسكرية فظنوا أن هذا الدير إنما هو مدينة محصنة يجب الإستيلاء عليها قسراً وعنوة وكان قد طلب البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 منهم ألا يفعلوا ذلك لم يذعنوا لقوله بل هاجموا صوامع الرهبان ونهبوها وأضرموا فيها النيران ومات أحد الرهبان حرقاً كان فى إحداها كما أثبت ذلك شهود عدول وعندما لاح الفجر وبدأت تباشير الصباح فى الظهور تعب الجنود من هجومهم فكفوا وخاصة بعد إلحاح البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 عليهم بذلك فردوا السيوف إلى أغمادها ووقفوا جانباً لتنفيذ آوامره ثم دعى بعض من رهبانهم ليطرح عليهم ما وصل إليه ويعرض عليهم أفكاره بسلام ووئام بدلاً من الحرب والخصام، ثم قرأ على مسامعهم بعض نبذات من كتب أوريجاننوس وفلسفته الغامضة (نحن لا نعرف إعتقاد البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 وهل هى توافق النفسير المجازى الذى كان تسير عليه أفكار أوريجانوس أم مال للتفسير الحرفى وإعتنق هرطقة أن الإله فى الشكل والشعور إنساناً، وهل إذا كان يؤمن إيماناً صحيحا ما الذى يؤكد أن هذه كتابات أوريجانوس حيث قد مر سنين عديدة تخللتها الهرطقة الأريوسية فربما أدخلها الريوسيين ضمن كتابات أوريجانوس) ثم إستنتج البابا مما توهمه من بدع فى هذه القراءات والتى ود لو إقتنع الرهبان بصحة نسبتها إلى أوريجانوس، وحينئذ قال لهم: " فلهذا السبب حكم على حلفاء أوريجانوس وأتباعه (الذين إعتنقوا أفكاره) بالحرمان "، فلم يرضخ الرهبان لهذا الحكم بل جروا وأسرعوا إلى كنيستهم فى وادى النطرون وقفلوا أبوابها فى وجه الأساقفة ورؤساء الأديرة وأمسكوا فى ايديهم عصى من سعف النخل المغطى بالأشواك لكى يدافعوا عن أنفسهم ض أى إعتداء عليهم وننقل هنا ما كتبه الملكيين (الروم) حول هذا الموضوع " وفي يوم ذهب ثيوفيلوس إلى برية مصر مصطحباً جنود معه. وراح يحرقون المناسك. وخرج الرهبان مرعوبين. ولحق بهم الجند وباشروا بتقتيلهم. واستمرت المجزرة طيلة الليل. ونجا الأخوة الطول ومعهم ثلاثمائة راهب. هؤلاء فقط الذين نجوا من مذبحة ثيوفيلوس. والذين يقول فيهم الذهبي الفم: إن المناسك في برية مصر تلمع بفضيلة الرهبان أكثر من نجوم السماء وإن سكان هذه القلالي هم ملائكة في صورة بشر. فاتفقوا على أن يقطعوا الصحراء متفرقين على أن يلتقوا على الحدود الفلسطينية. وعاد ثيوفيلوس إلى الإسكندرية وأصدر حرم عليهم جميعاً، على كل الذين نجوا من رجاله القتلة."
هروب الإخوة الطوال والرهبان إلى الآراضى المقدسة
هرب أو نفى بالمعنى الصحيح أكثر من 300 راهب إتفقوا أن يتقابلوا فى أورشليم وكان قد رقد منهم الكثير في مجاهل الصحراء. جوع وعطش ومرضاً... فصلوا على أرواحهم ودخلوا الأراضى المقدسة أما الثلاثة الأخوة الطوال الذين إختباوا فى الدير وبعد هروب أخيهم الرابع أتفقوا مع الرهبان إلى الهروب إلى الأرض المقدسة بجانب أورشليم وكان في صحبتهم الأب إيسيذورس وجماعة من الرهبان بلغوا حوالي الثمانين، فوجدوا في قلب الأسقف الأورشليمي يوحنا الثانى المُعجب بأوريجينوس ملجأ لهم. وقضوا وقتا من الزمن فى سفح جبل جلبوع (جبل جلبوع الصورة المقابلة صورة حديثة: وهو جبل مكسوا بالأشجار) وكانوا يمارسون عملهم فى صناعة الأقفاص والأسبته من جريد النخل وهى الصناعة التى كان أغلب رهبان مصر يمارسونها، وما لبث أن تبعهم كثيراً من الرهبان الفارين من وطنهم، وكان لزيادة عددهم زيادة كبيرة فى هذه المنطقة أن أهل المنطقة من المسيحيين كانوا يرمقونهم بعين الإحتقار لعلمهم أن باباهم ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 قد حرمهم ونفاهم ولكن بعض أساقفة الشام أظهر نحوهم حناناً وإشفاقاً، فأرسل البابا ثاؤفيلس لهم رسائل ووبخهم ورجاهم ألا يجلسوا مع هؤلاء الرهبان لئلا يعد عملهم سيئه، وكان ثاؤفيلس البطريرك قد بعث رسالة مجمعية إلى 17 أسقفًا بفلسطين و15 أسقفًا بقبرص يعلن فيه أخطاء أتباع أوريجينوس اللاهوتية، هذه الرسالة أثارت أتباع أوريجينوس بينما رطبت قلب القديس جيروم وأيضًا القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص إلا أن أسقف أورشليم لم يستطع أن يبقيهم في أورشليم. فلم يبقَ لهم إلا القديس الذهبي الفم فالتجأوا إلى القسطنطينية. وكان عدد الذين دخلوا القسطنطينية 50 فقط من هؤلاء الثلمائة راهب الذين نفاهم ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 .
تعليق: إستند البابا فى الخلاف مع الإخوة الطوال إلى علاقاته السياسية مع الأمبراطور والحاشية كما إستند إلى علاقاته الوثيقة بالأساقفة وإستخدم مركزة كاسقف المدينة العظمى الأسكندرية فى ترجيح كفته، كما إستند إلى وجود العديد من الأساقفة المصريين فى أبروشيات بالعالم القديم منهم: الأسقف الأورشليمي يوحنا الثانى، القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص، سيرينوس أسقف مكدونية المصرى وقام البابا ثاؤفيلس بإرسال رسائل مجمعية إلى اساقفة العالم القديم فى ذلك الوقت وأوعز إلى القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص أن يعقد مجمعاً على غرار مجمع المصرى وبحرم أوريجانوس ويرفق رسالته بقرارات المجمع أى أن قرار حرمان أوريجانوس كان مقرراً قبل عقد المجمع فى قبرص
الإخوة الطوال وخمسين راهباً يرفعون شكواهم لذهبى الفم
ومن الواضح أن يوحنا أسقف أورشليم قبل الأخوة الطوال وباقى الرهبان الذين هربوا من بطش البابا ثاؤفيلس البطريرك، وعندما وصلته الرسالة من البابا كان موقفه حرجاً، فتحرك حوالى خمسين (تذكر كتب بعض المؤرخين أن الذى وصل إلى أورشليم 80 راهباً من حوالى 300 راهباً كانوا فى نتريا) من هؤلاء الرهبان عندما ضاق بهم الحال ورفعوا دعواهم إلى يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية والذى يعد بحسب المجمع الكنسى الأخير أعلى فى المنزلة من البابا المصرى وفى أواخر سنة 401 م مثل أولئك الرهبان السياح امام يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية بعد أن أضناهم التعب من طول السفر ومراره موقفهم وعظم بلائهم، فلما رآهم يوحنا ذهبى الفم فاضت عيناه بالدموع الغزيرة رثاء لحالهم وتوجع لآلامهم وما لاقوه من باباهم، وقال لهم: " ماذا أفعل لكم وبأى طريقة يمكن بها أن أخفف ما حدث لكم، فطلبوا منه أن ينصفهم من بطريركهم الذى قسى عليهم وإعتدى عليهم ومات منهم فى الحريق الذى أشعله الجنود ومات منهم فى الطريق كثيرين ووقف من هؤلاء الرهبان وخاطب ذهبى الفم قائلاً: " إذا كنت تراعى خاطره ولا تعمل على مساندتنا فسنضطر حينئذ أن نرفع دعوانا إلى الإمبراطور نفسه وكل الذى نطلبه منك أن تسترضى البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 حتى يسمح لنا بالعودة إلى أوطاننا (يفهم من هذه العبارة أن البابا نفاهم) فإننا لن نفعل أى شئ ضده ولم نرتكب معصية حتى يستمطر غضب الإله علينا) وكان الذهبي الفم متتبع لأخبار الأخوة الطوال منذ زمن بعيد ومعجباً بهم، فوعدهم البطريرك يوحنا ذهبى الفم أن سيبذل كل جهده فى مساعدتهم وكانت شروطه: ألا يقدموا شكواهم إلى الإمبراطور (السلطة المدنية)، ولا أن يحدثوا هياجاً وإضطراباً فى المدينة ثم ختم كلامه بقوله: " حيث أننى كتبت لأخى ثاؤفيلس البطريرك فى هذا الأمر فعليكم الصبر حتى يحضر يرد بالجواب" وكان الذهبي الفم يعلم بأمر حرم ثيوفيلوس لهم. فناقشهم في اللاهوت والعقيدة ليتأكد إذا كانوا في الهرطقة أم لا. ولم يلاحظ أي أثر للهرطقة في روحانيتهم. فقال للأخوة الطوال: "أنا أخذ قضيتكم على عاتقي. فإما أن يحلكم مجمع آخر ينعقد لهذه الغاية، وإما أن يرفع أسقفكم بتلقاء إرادته الحرم عنكم. اعتمدوا علي". فسمح لهم أن ينزلوا في بيت قريب من إحدى الكنائس وسمح لهم بالصلاة مع سائر المؤمنين ولكنه منعهم عن الإشتراك في ممارسة الأسرار المقدسة، حتى يحل الحرم عنهم.
وقد اظهر يوحنا ذهبى الفم لهم العطف واللطف أسكنهم فى مخادع كنيسة القيامة، وكان فى ذلك الوقت يبحث الأمر ويستشير مع مجموعة من الإكليروس الإسكندريين كانوا قد أرسلوا إلى ديوان الإمبراطور لطلبات خاصة بوظائفهم، وأدلى هؤلاء القسوس برأيهم: أن رفع هذه الدعوى إلى بطريرك القسطنطينية لا ينتج عنه نتائج حسنة ولا يأتى بالفائدة المرجوة، ثم طلبوا من البطريرك ألا يتسرع ويقبل هؤلاء الرهبان على مائدة العشاء الربان (قبولهم فى الشركة) لئلا يغضب هذا البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23، ولكنه إذا أراد أن يظهر الشفقة والعطف فليظهرها بطرق أخرى مختلفه ولكن ليست بطريقة المناولة " فكتب إلى ثيوفيلوس يناشده برابط "المحبة الأخوية الجامعة" أن يصفح عن الأخوة الطوال، وقال له أنه تأكد من عقيدتهم ولا يوجد فيها ما يخالف الإيمان القويم. وقال له بشجاعة أن الحرم الذي أنزله ظالم. وأنه سيدعو مجمعاً مقدساً يعيد الحق لنصابه. إذا رفض ثيوفيلوس أن يفك الحرم.
السحر تهمة جديدة ضد الرهبان المنفيين
وقبل يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية نصيحة كهنة الإسكندرية وكتب إلى ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 خطاباً يرجوه أن يجد السلام والهدوء طريقة لكنيسة الأسكندرية، وعندما وصل الخطاب إلى ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية وعرف أن الإخوة الطوال والرهبان المنفيين ذهبوا إلى القسطنطينية فعل نالفعل الذى فعله مع أساقفة الشام حيث أرسل رسالة لوم وتوبيخ شديدة اللهجة إلى ذهبى الفم وطلب منه عمد الإختلاط مع هؤلاء الرهبان، ولكنه لم يكتفى بذلك هذه المرة بل إتهمهم بتهمة جديدة هى أنهم ليسوا فقط أهل بدعة وهرطقة وخلاف بل أنهم سحرة يخاطبون الجن ويستخدمون الشياطين بأعمالهم، وأثرت هذه التهمة الفضيعة على أهل القسطنطينية ضد هؤلاء الرهبان المساكين الذين لم يجدوا لهم نصيراً ولم يقبلهم احد فكانوا يزجرونهم ويستهزأون بهم عندما يسيرون فى طرق مدينة القسطنطينية، وحزن أكثر الرهبان هناك لإتهامهم بهذه التهمة التى يعرفون أنها سيئة النتائج فلذلك ترجوا بعض الوسطاء لكى يترجوا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 للصفح والمغفرة، ولكن الأربعة الطوال لم يهمهم هذه التهمة الملفقة وإزدروا بها وإحتقروا من قال بإتهامهم بها وأعدوا تهمة قانونية ضد بطريركهم ورفعوها لبطريرك القسطنطينية فكتب يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية مرة أخرى ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية، وأظهر أسفه الشديد من أن خصومه إتبعوا نفس أسلوبه الذى إتبعه معهم، وقال: "أنه طلب منهم مراراً مغادرة القسطنطينية ولكنهم لم يقبلوا طلبه" فأجابه ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بخطاب مملوءاً من الغضب والحنق قال فيه: " إذا لم تعرف الدستور (القوانين) الذى وضعه المجمع النيقاوى بعدم تداخل أسقف أو بطريرك فى المسائل التى لا تنحصر ضمن دائرة سلطته فأرجوك أن تطلع على هذه القوانين وتدرسها حتى لا تتعب نفسك من التعرض لى، وتكف عن الوقوف ضدى والجدال معى، أما إذا قضى على الزمان بالمحاكمة فسوف يحاكمنى أساقفة مصر، فلا أنت ولا غيرك ممن هم بعيدون عنا يقتضى لوصولنا إليهم أو لوصولهم إلينا سفر 75 يوماً كاملة يحاكموننا "فقرأ يوحنا ذهبى الفم هذا الخطاب ورضى بما فيه ووافق عليه، وذهب ليقنع الإخوة الطوال والرهبان الذين معهم على فض هذه المشكلة بالتراضى، وعدم رفع الدعاوى التى لا يأتى من ورائها إلا زيادة الحقد والبغضاء فى النفوس ولكن هؤلاء الرهبان المنفيين وومعهم الإخوة الطوال لم يرضخوا لطلب ذهبى الفم وإستأنفوا قضيتهم إلى الأمبراطورة إيدوكسيا وتوسلوا إليها أن تأمر بسماع دعواهم فمازالت تتحايل على زوجها أركاديوس إمبراطور الشرق حتى جعلته يصدر أمراً بإستدعاء ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية إلى القسطنطينية حتى يمكن لبطريرك القسطنطينية يوحنا ذهبى الفم أن يفحص مشكلة الإخوة الطوال والإتهامات المتبادلة بينهما بنفسه ويبت فيها ويحكم حكماً فاصلاً فى هذه المشكلة ولكن يقول المؤرخون الملكيين (الروم) أن الإمبراطورة هى التى تدخلت فى موضوع الإخوة الطوال كما يلى أن: " افدوكسيا أظهرت نوعاً من الشفقة عليهم وأجبرتهم على إمضاء عريضة يطلبون فيها حمايتها. فوافقوا بعد أن تعهدت الأمبراطورة التي تعهدت لهم بدعوة مجمع إلى الانعقاد ليمنحهم العفو ويرفع الحرم عنهم. وهنا انسحب الذهبي الفم، لأن القضايا الكنسية ليس من حق أحد خارج الكنيسة أن يعالجها. وليس من حق افدوكسيا أن تدعو إلى مجمع وأن تقرر إذا كان الحرم عادلاً أم لا. إلا أن الامبراطورة أرادت بهذه العملية أن تظهر أن الذهبي الفم مقصراً في حمايتهم. إذ أن الشعب دائماً إلى جانب المظلومين." وبالنسبة للوضع القانونى لمسألة مناقشة يوحنا ذهبى الفم مشكلة الإخوة الطوال والحكم فيها تقول المؤرخة مسز بتشر: ومعروف أن هذا العمل يعد تعدى على حقوق ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية وإستعلاء على مكانته وسحب لسلطته لأنه بصفته بابا الإسكندرية كان مساويا فى الدرجة والمكانة ليوحنا ذهبى الفم، كما أن الأمة المصرية يعتبرون بطريركهم ملكاً متوجاً يعادل مكانة الإمبراطور أركاديوس ولما صدر الأمر إلى ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية بالذهاب إلى القسطنطينية لم يرفض الطلب رفضاً باتاً ولكنه لم يذهب بل تأخر فترة من الزمن إلى أن رفعت الدعوى ضده غيابياً ونوقشت الإتهامات فى مجمع وفتحت الجلسة بفحص الإتهامات الموجهة ضد رهبان وادى النطرون، فإتضح عدم صحتها ثم انتهى المجمع بسجن الخمسة رهبان الذين أرسلهم ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية ليشتكوا ضد رهبان وادى النطرون، وظلوا فى السجن إلى أن توفى بعضهم،وكان ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية قد ارسل خطاباً إلى أبيفانيوس أسقف سلاميس يرجوه فيه الذهاب إلى القسطنطينية وعرض قرار المجمع الإقليمى الخاص بحرم أوريجانوس والحكم عليه كهرطوقى على يوحنا ذهبى الفم ليصدق عليه (أى يوافق على حرم أوريجانوس ويوقع على الحرم الذى أصدرة المجمع المحلى / الإقليمى لمصر) ولكن بطريرط القسطنطينية رفض ذلك قائلاً: " هذه المسألة يجب أن تعرض على مجمع عام فهو يحكم فيها حسب القانون " وكان القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس فى بساطته الزائدة متحمسا لكل ما يقوله البابا المصرى وسافر إلى القسطنطينية بناء على طلبه وكان قد ناهز 85 من عمره ليفند الاراء الأوريجانية ويقاوم رهبان نتريا الذين حملوا فى رأية الهرطقة الأوريجانية، ويقاومون البابا المصرى
تعليق: بدأ هذا الخلاف المصرى المصرى بين رهبان نتريا بزعامة الأخوة الطوال بسبب تحيز البابا ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية للرهبان هرطقة تجسيم شكل الإله Anthropomorphism (الأنثروبومورفيزم) ووعوده لهم التى نفذها حرفياً وزج بذهبى الفم فى هذا الخلاف المصرى المصرى وكان البابا المصرى أداه فى يد الإمبراطورة كما سيقرأ القارئ فيما بعد.
وللحديث بقية
المزيد