المقالات

13 فبراير 2025

فصح يونان النبى

يعرف (فطر) صوم يونان بـ(فصح يونان) وهو اصطلاح كنسي فريد لا يستخدم إلا بالنسبة لعيد القيامة المجيد الذي يطلق عليه أيضا (عيد الفصح) مما يدل علي أن الكنيسة تنظر إلي قصة يونان علي أنها رمز لقصة المسيح مخلصنا. فالفصح كلمة عبرانية معناها (العبور) أطلقت في العهد القديم علي عيد الفصح اليهودي تخليدا لعبور الملاك المهلك عن بيوت بني إسرائيل في أرض مصر (الخروج12:13, 23) فنجا بذلك أبكارهم من سيف الملاك الذي ضرب أبكار المصريين، وتخليدا أيضا لعبور بني إسرائيل البحر الأحمر (الخروج14, 15) إلي برية سيناء فأرض الموعد. ولقد كان ذلك العبور القديم رمزا إلي الحقيقة الأعظم خطر، وهي (العبور) بجميع بني آدم من عبودية الجحيم إلي حرية مجد أولاد الله في المسيح، وقد تم هذا العبور بصلب المسيح وبقيامته المجيدة، إذ عبر هو له المجد بالنيابة عن، بموته بديلا عنا وفادي، فصار عبوره هو عبورا لنا نحن، وقد عبرنا نحن فيه، ولما كانت قيامة المسيح بسلطان لاهوته هي برهان نجاح عملية العبور، لذلك كان عيد القيامة هو عيد (الفصح) الجديد، إذ هو عيد (العبور) إلي الفردوس والمنشود الذي فتحه المسيح له المجد. بقيامته المجيدة. إذن كيف يسمي (فطر) صوم يونان بـ (فصح) يونان، إلا إذا كانت الكنيسة نظرت إلي يونان النبي علي أنه رمز إلي المسيح له المجد؟ لقد قال رب المجد بفمه الطاهر (إن هذا الجيل شرير، يطلب آية فلا يعطي إلا آية يونان النبي. لإنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل... وأهل نينوي سيقومون في يوم الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا عندما أنذرهم يونان. وهوذا أعظم من يونان هنا (لوقا11:19-32), (متي12:38-41). نعم إن المسيح له المجد أعظم من يونان النبي بقدر ما يعظم (الرب) عن العبد، و(الخالق) عن المخلوق، وهو كما قال بفمه الطاهر: (أعظم من سليمان) (لوقا11:31),(متي12:42) وأعظم من أعظم مواليد النساء يوحنا المعمدان (متي 11:11), (لو7:25) هو (الأبرع جمالا من بني البشر) (مزمور44:2), (السعيد القدير وحده، ملك الملوك ورب الأرباب، الذي له وحده الخلود، ساكنا في نور لا يقترب منه... الذي له الكرامة والعزة الأبدية) (1تيموثيئوس6:15, 16), (الرؤيا - الجليان17:14), (19:16). صوم يونان النبى ( صوم أهل نينوى )
المزيد
06 فبراير 2025

بدعة بيرلوس

بدعة بيرلوس أسقف بصرة سنة 244 م محتوى بدعة بيرلوس أسقف بصرة أن السيد المسيح قبل ولادته من العذراء لم يكن له لاهوت متميز، بل أنه كان له لاهوت الأب أى أن المسيح لم يكن له وجود قبل ولادته من مريم، وأنه فى ولادته دخلت وأتحدت بالأنسان النفس الإنسانية التى أصلها من الإله، وأنها بلا شك فائقة كل النفوس البشرية لأنها منبثقة من الطبيعة ألإلهية . مكان أنتشار هذه البدعة أنتشرت هذه البدعة ما بين النهرين وبين القبائل العربية التى نقلتها إلى بلاد العرب، فسمع بها أوريجانوس فذهب إلى بلاد العرب (السعودية الآن) ودحض تعاليم بيرلس وفند آراؤه وأنعقد مجمع فى بصرة سنة 244 م وتمكن أوريجانوس من أن يبين خطأ هذا الفكر ولما كان من هذا العلامة من رجاحة فكر وقوة فى الحجة فقد أستطاع أن يرد بيرلس الأسقف إلى الإيمان السليم، وأصبح بعد ذلك صديقاً لأوريجانوس ومن أكبر المدافعين عنه فيما بعد . وذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى عام 244م تحت عنوان ضلالة بيريلوس: 1- أنحرف بيريلوس السابق التحدث عنه كأسقف لبوسترا ببلاد العرب - عن تعاليم الكنيسة، وحاول ادخال آراء غريبة عن الإيمان، فقد تجاسر على القول: أن مخلصنا وربنا لم يكن له وجود سابق بكيفية متميزة، وأنه لم يكن موجوداً من تلقاء ذاته قبل حلوله بين البشر، وانه ليس فيه أى شئ من اللاهوت بذاته، بل لاهوت حلول الآب فيه. 2- وقد تناقش معه أساقفة كثيرون فى هذا الصدد، أما اوريجانوس فإذ دعى مع غيره نزل إليه أولاً للتحدث معه للتأكد من آرائه الحقيقية، وإذ وقف على آرائه وعرف خطأها، وأقنعه بالحجج والبراهين المختلفة، رده إلى العقيدة القويمة، وأعاده إلى أرائه السابقة السليمة.
المزيد
31 يناير 2025

أقوال مأثورة للأنبا انطونيوس

ولئن كان القديس أنطونيوس شبه أميّ لكنه تخرج كالرسل في مدرسة الروح القدس، وأخذ عن المتوحدين الذين سبقوه في هذه الطريقة وعاصروه. وصار أباً ومعلماً لعشرات الآلاف من الرهبان. وأخذ عنه تلاميذه الأقربون، ودونوا عنه رسائل روحية وأقوال مأثورة نورد فيما يأتي بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر: الاعتدال: كلما لجأ الإنسان إلى الاعتدال عاش بسلام القلب بخلوه من الاهتمامات الزائدة بأمور كثيرة. لكن التعلّق بأمور هذا العالم ينشىء كدراً ويعود صاحبه التذمر على اللّـه. وهكذا تقودنا شهوات أنفسنا إلى الأتعاب ونتخبط في ظلمة الحياة الأثيمة. الشره: كل خبزك بسكينة وهدوء وإمساك. وإياك والشره فأنه يطرد خوف اللّـه من القلب، والحياء من الوجه ويجعل صاحبه مأسوراً من الشهوات ويضل العقل عن معرفة اللّـه. أجعل لك مرة واحدة في النهار للقيام بحاجة الجسد لا للشهوة ولا تاكل حتى تشبع. تجنب الحديث الغليظ والكلام الباطل: إياك والغلظة في الحديث لأن الذكي بالروح يتصف بالتواضع والعفة أكثر من كل شيء. يكتب الرسول بولس قائلاً: «لا تطفئوا الروح لا تحتقروا النبؤات» (اتس 5: 19، 20) ولتعلموا أنّ لا شيء يطفئ الروح مثل الكلام الباطل. التواضع والغيرة: لقد صليت لأجلكم حتى تقبلوا ذلك الروح الناري العظيم الذي اقتبلته أنا. وإذا أردتم اقتباله حتى يسكن فيكم فقدموا أولاً أتعاب الجسد واتضاع القلب. ويرفع أفكاركم للسماء ليلاً ونهاراً. اطلبوا ذلك الروح الناري بقلب مستقيم وسيعطى لكم. هكذا قبله إيليا التشبي واليشع وغيرهما من الأنبياء. لا تتوهم بأنك عالم وحكيم لئلا يذهب تعبك سدى، وتمر سفينتك فارغة. ارفض الكبرياء وأعتبر جميع الناس أبرّ منك. عندما تهب الريح هادئة يستطيع كل قبطان أن يفتكر في نفسه متعظماً، وأن يباهي بمهارته لكن عندما تتغير حال الرياح فجأة فحينئذٍ تنكشف خبرة الربان الحقيقية. المواظبة على القراءة والعمل: أتعب نفسك في قراءة الكتب المقدسة فهي تخلصك من النجاسة. فأذا جلست في قلايتك فلا تفارق هذه الاشياء: 1ـ القراءة في الكتب المقدسة،2ـ التضرع إلى اللـه،3ـ شغل اليد. وإن الراهب الذي يكون في قلايته غير ذاكر اللّـه تعالى، ولا قارئ في الكتب المقدسة، يكون كالبيت الخرب خارج المدينة التي لا تفارقه الاوساخ. الطاعة : إن الطاعة والمسكنة يخضعان الوحش لنا. الكذب: إياك والكذب فهو يطرد خوف اللّـه من الإنسان. التفكير في الموت: تفكر في كل يوم أنه آخر ما بقي لك في العالم فأن ذلك ينقذك من الخطيئة. دائرة الدراسات السريانية
المزيد
30 يناير 2025

القديس أنطونيوس الكبير

كاتب القصة: في أواسط القرن الرابع للميلاد فاحت رائحة فضائل القديس الأنبا أنطونيوس الذكية في أرجاء المعمورة فكتب بعض المتوحدين الأتقياء في الغرب إلى القديس أثناسيوس الرسولي 373 مستفسرين منه عن صحة الأمور العجيبة التي قيلت عن هذا الحبيس البار،والناسك القديس فأجابهم القديس أثناسيوس بكتاب باليونانية شرح فيه بالتفصيل ما رآه بنفسه أو سمعه ممن عاشروا الأنبا أنطونيوس. ويقول في مقدمته«إنني أسرعت في الكتابة إليكم عما أعرفه أنا شخصياً إذ رأيت أنطونيوس مراراً، وعما استطعت أن أتعلمه منه، لأنني لازمته طويلاً، وسكبت ماء على يديه، وفي كل هذا كنت أذكر هذه الحقيقة أنه يجب أن لا يرتاب المرء إذا ما سمع كثيراً، ومن الناحية الأخرى يجب أن لا يحتقر الرجل إذا ما سمع عنه قليلاً» وقد نُقلت هذه القصة إلى السريانية أنارت سيرة القديس الأنبا أنطونيوس الطريق أمام جمهور غفير من الشبان، فتركوا العالم، وتبعوا الرب يسوع، وامتلأت برية مصر بالمتوحدين والمتوحدات، والرهبان والراهبات، بل ازدهرت حياة الرهبانية في العالم المعروف. ذلك أن القديس أثناسيوس كاتب قصة حياة القديس أنطونيوس، حملها إلى روما في زيارته إياها عام 339، وأشاع في إيطاليا طريقة الأنبا أنطونيوس في النسك فانتشرت وكانت أقوى عامل لازدهار الحياة النسكية في غرب أوربا، ولما درسها أوغسطينس 430 بعدئذ ساعدت على توبته وقد وصف القديس أثناسوس القديس أنطونيوس بقوله «إنه أبو الرهبان وكوكب البرية»، ويعد أول مصابيح البرية ومؤسس الرهبنة التي هي فلسفة المسيحية الروحية. نشأة مار أنطونيوس: ولد أنطونيوس في بلدة «قِمَن» (وهي كوم العروس اليوم) في صعيد مصر، حوالي سنة 251م من أسرة مسيحية تقية وتربى في كنف والدين فاضلين أحبهما كثيراً وأطاع أوامرهما، وكان يرافقهما بالذهاب إلى الكنيسة لعبادة اللّـه بالروح والحق لم يكن للفتى أنطونيوس رغبة في تحصيل العلوم الدنيوية، فنشأ أمياً أو شبه أمي، ولكنه كان يتلذذ بسماع كلمات الإنجيل المقدس، ويحفظ عن ظهر قلبه حوادثه، وآياته الكريمة ولما أكمل العشرين من عمره نال سر العماد المقدس وبعيد ذلك بمدة قصيرة انتقل والداه إلى الخدور العلوية تاركين له مالاً دثراً، وأختاً وحيدة أصغر منه ألقيت على عاتقه مسؤولية العناية بها. اعتزاله العالم: تألم أنطونيوس جداً على وفاة والده، ووقف يتأمله وهو جثة هامدة باردة ويقول: أليست هذه الجثة كاملة ولم يتغير منها شيء البتة سوى توقف هذا النفس الضعيف!؟.. وخاطب أنطونيوس أباه الميت قائلاً: «أين هي عزيمتك، وأمرك، وسطوتك العظيمة، وهمتك العالية بجمع المال الكثير!؟ إنني أرى أن ذلك قد بطل، وقد تركت كل شيء ورحلت.. فيا لهذه الخسارة الفادحة، والحسرة الجسيمة! فإن كنت أنت يا أبتاه قد تركت هذا العالم مجبراً، أما أنا فسأعتزله طائعاً، كيلا يخرجوني منه مثلك يا أبي كارهاً» بدأ أنطونيوس الشاب التقي يكثر من التأمل بحقارة هذا العالم وبأمجاد السماء. وحدث مرة بينما كان يصلي في الكنيسة، والكاهن يتلو الإنجيل المقدس، جذب انتباهه قول الرب للشاب الغني: «إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني» (مت19: 21). واعتبر أنطونيوس كلام الرب يسوع موجهاً إليه. وأن الرب بهذا الكلام يدعوه ليترك كل شيء ويتبعه كما فعل الرسل الأطهار (مت19: 27ـ 29) فللحال خرج أنطونيوس من الكنيسة، وعاد إلى بيته مصمماً على أن ينفذ الوصية بحذافيرها، فوزع على الفقراء ما ورثه من والديه من مال وعقار، ومن جملة ذلك ثلاثمائة فدان من الأراضي الممتازة، واحتفظ لأخته بيسير من المال فقط. وقد ازداد إيماناً واندفاعاً عندما سمع الرب يقول أيضاً في الإنجيل المقدس: «فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل، وماذا نشرب، وماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها، لكن أطلبوا أولاً ملكوت اللّـه وبره، وهذه كلها تزاد لكم، فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه، يكفي اليوم شره» (مت6: 31ـ 34). لما سمع الشاب أنطونيوس هذا الكلام وزع البقية الباقية من الإرث على المحتاجين، وأودع أخته بيتاً لبعض العذارى التقيات، واعتزل العالم، وانفرد متنسكاً في مكان قريب لبلدته، إذ لم يكن نظام الرهبنة قد ظهر بعد وبدأ يسترشد ببعض المتوحدين، فقد كان في القرية المجاورة واحد منهم طاعن في السن وقد اعتزل الناس منذ نعومة أظفاره ـ والعزلة عبادة ـ فكان يتعبّد مكثراً من الصوم والصلاة، فقصده أنطونيوس وسمع منه عن حياة الزهد، والنسك، والتوحد، واقتدى بسيرته الفاضلة، كما قصد أنطونيوس غيره من المتوحدين الذين سبقوه في طريقة النسك هذه، وأخذ عنهم ذلك وأفاد من خبرتهم لبلوغ الكمال المسيحي، وشابه بذلك النحلة التي تنتقل من زهرة إلى أخرى ترتشف الرحيق لتعطي الشهد الفاخر وخرج أنطونيوس بعدئذ هائماً على وجهه في البرية حتى وصل إلى شاطئ النهر فسكن إلى جانب جميزة، وصادف أن شاهد مرة نسوة يستحممن في النهر أمامه، فلامهن قائلاً: أما تخجلن مني وأنا رجل متوحد أعبد اللّـه في هذا المكان!؟ فأجابته إحداهن: على المتعبدين المتوحدين أن يعبدوا اللّـه في البرية الداخلية لا على ضفاف الأنهار، فاعتبر أنطونيوس هذا الكلام رسالة له من اللـه، فترك المكان حالاً وسكن في البرية الداخلية حيث أقام له صومعة قرب وادي العربة. جهاده في حياة النسك، والتجارب التي طرأت عليه: وكان الشيطان يحاربه بالملل والكسل، كاد أن يغلبه مدخلاً اليأس في قلبه، فسئم أنطونيوس حياة النسك، وشعر كأن الصلاة عبء ثقيل، وأمام هذه التجربة الصعبة سكب أنطونيوس نفسه أمام اللّـه بتواضع، وذرف الدموع السخينة، وهو يطلب حياته الروحية، فظهر له ملاك الرب بشكل رجل متشح برداء طويل ومتمنطق بمنطقة من جلد ولابس زنار صليب كالإسكيم وقد غطى رأسه بقبعة، وهو جالس يضفر الخوص، ثم يقوم يصلي، ويعود يضفر الخوص، ثم يقوم ثانية للصلاة، وأنطونيوس يتأمله مندهشاً، فالتفت أخيراً إلى أنطونيوس قائلاً له: «اعمل هكذا تسترح» ثم اختفى عنه، فعلم أنطونيوس أن الرب أرسل ملاكه ليعلمه كيفية عبادة اللّـه بالصلاة وعمل اليدين، فاتخذ أنطونيوس زي الرهبنة وخاصة الإسكيم الرهباني على الشبه الذي كان الملاك متشحاً به، وأكثر من العمل في ضفر الخوص، وهكذا تخلص من تجربة الملل والكسل، وعاد إليه نشاطه وعلو همته في الصوم والصلاة وعمل اليدين. وكان ينفق جزءاً مما يحصل عليه من عمل يديه لأجل القوت ويوزع الباقي على الفقراء وعاد إبليس يحاربه ثانيةً، وفي هذه المرة كانت التجربة القاسية بتذكير أنطونيوس بحياته الأولى حيث كان يعيش في بحبوحة ورفاه ويقارن ذلك بالشقاء الذي يتحمله في حياة النسك، والزهد، والتقشف، كما شنَّ عليه إبليس أيضاً حرب الجسد، فألهبه بالشهوة الدنسة، وملأ رأسه بالأفكار الأثيمة. وحدث ذات مرة أن جمع إبليس أمام أنطونيوس كل آلات الطرب واللهو واللذات الدنيئة والنساء. أما أنطونيوس فتواضع أمام الرب الإله وطلب معونته تعالى، وكان يغمض عينيه ويقول للأبالسة: «عجباً منكم! كيف تجعلون لي مقداراً أكثر مما أنا عليه بكثير، وتحسبون لي حساباً كأني شيء مهم، وتحتالون في سقوطي مع أني ضعيف عن مقاومة أحد أصاغركم، أبعدوا عني وعن ضعفي فإني مسكين وتراب ورماد» وهكذا كان أنطونيوس يغلب إبليس باتضاعه واتكاله على اللّـه فتزول عنه الأفكار الأثيمة، كان يردد مع الرسول بولس: «لا أنا بل نعمة اللّـه التي معي» (1كو15: 10) وانفرد أنطونيوس في ناؤوس خال، حيث حبس نفسه فترة من الزمن كثَّف فيها الصلاة، وأكثر من الصيام فلما رأى الشيطان نسكه الصارم وعبادته الحارة، حسده وضربه ضرباً موجعاً وتركه بين حي وميت فلما أتى أصدقاؤه الذين يحضرون إليه ما يقتات به، ووجدوه على تلك الحال، حملوه إلى الكنيسة واعتنوا به، وإذ وجد أنطونيوس نفسه قد تماثل إلى الشفاء قليلاً عاد إلى مكانه الأول، فعاد إبليس إلى محاربته بخيالات كثيرة إذ ظهر له في أشكال وحوش وذئاب وأسود وحيات وعقارب، وكان إبليس صور له أن هذه الوحوش الشرسة تهم لافتراسه وتمزيقه إرباً إرباً. أما أنطونيوس فكان يرسم على نفسه علامة الصليب ويصلي بحرارة فكانت الأبالسة تتوارى من أمامه كالدخان، وتلك الوحوش تذوب كالشمع أمام النار، وكان أنطونيوس يستهزئ بالشياطين قائلاً لهم: «لو كان لكم علي سلطان لكفى واحد منكم لمحاربتي، ولكن حيث أن اللّـه تعالى قد جردكم من كل قوة لهذا تحتالون أن تخيفوني بكثرتكم»، وكان يترنم بالمزمور الذي بدؤه: «يقوم اللّـه ويتبدد أعداؤه» (مز68: 1) وفي كل تجاربه كان أنطونيوس يستمد قوته من اللّـه تعالى الذي يرمق خائفيه بعينه الساهرة. ونتيجة لخبرته الروحية هذه قال يوماً لتلاميذه إني أبصرت مصابيح من نار محيطة وسمعت صوت اللّـه القدوس يقول: «لا تتركوهم ما داموا مستقيمي الطريقة» فلما أبصرت هذا تنهدت وقلت: «ويلك يا أنطونيوس: إذ كان هذا العون محيطاً بالرهبان، ومع ذلك فالشياطين تقوى عليهم أحياناً!» فجاءني صوت الرب قائلاً: إن الشياطين لا تقوى على أحد، لأني منذ أن تجسدت سحقت قوتها عن البشريين، ولكن كل إنسان يميل إلى الشهوات ويتهاون بخلاصه، فشهوته هي التي تصرعه وتجعله يقع». فصحت قائلاً: «طوبى لجنس الناس وبخاصة الرهبان، لأن لنا سيداً هكذا رحيماً ومحباً للبشر» ويذكر القديس أثناسيوس أن الأنبا أنطونيوس «كان يسهر طويلاً لدرجة أنه كثيراً ما كان يقضي الليل كله مصلياً دون أن ينام، وهذا لم يفعله مرة واحدة بل مراراً حتى عجب منه الآخرون وكان لابساً شعراً، ولم يستحم بماء طوال حياته (النسكية) وكان يأكل مرة واحدة في اليوم، بعد الغروب، وفي كثير من الأحيان مرة كل يومين، أو مرة كل أربعة أيام، أما طعامه فكان الخبز مع قليل من الملح، وشرابه الماء فقط.. وكان يكفيه أن ينام على حصير خشن، ولكنه غالباً كان ينام على الحضيض» وتتلخص فلسفته في الزهد بقوله: «إن قوة النفس تكون سليمة عند الإقلال من ملذات الجسد، ولذلك فالرسول بولس يقول: «حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي» (2كو12: 10) فإن التقدم في الفضيلة والاعتزال عن العالم من أجلها يجب ألا يقاسا بالزمن بل بالرغبة وثبات العزيمة، ولم يبال الأنبا أنطونيوس بالماضي بل كان كل يوم كأنه في بداية نسكه يبذل جهداً أكثر شقاء نحو النمو مكرراً لنفسه قول الرسول بولس: «انس ما هو وراء، وامتد إلى ما هو قدام» (في3: 14) وقول النبي إيليا القائل: «حي هو الرب الذي أنا واقف أمامه اليوم» (1مل18: 15) ولما بلغ الأنبا أنطونيوس الخامسة والثلاثين من عمره، اجتاز نهر النيل شرقاً وتوغل في البرية فوجد حصناً قديماً، مهجوراً، في داخله مجرى ماء، أوت في ثغوره الثعابين الغدارة والزحافات الفتاكة فاتخذ الأنبا أنطونيوس قلاية له، فغادرته الأفاعي والزحافات حالاً، فسد مدخله وحبس فيه نفسه ولم يغادره أعواماً عديدة ولم يأذن لأحد أن يدخل إليه، بل كان من يأتي إليه يقف خارجاً ويستمع إلى كلمات الوعظ والإرشاد. وكان معارفه يدلون إليه من فوق كمية من الخبز مرتين في السنة وبعد قضاء عشرين عاماً معتزلاً الناس عابداً اللّـه متزهداً، ذاع صيته في الأقطار، وبإلهام رباني خرج من الحصن مملوءاً من الروح القدس والحكمة، صحيح الجسم قويه، على الرغم من التقشف الشديد المضني. تفوح منه رائحة القداسة، ويشع في محيّاه نور المسيح. ومضى إلى الفيوم ووعظ الإخوة هناك وثبتهم على حياة النسك، ثم عاد إلى حصنه وأنعم اللّـه عليه بموهبة شفاء المرضى، فقصده الناس من كل فجٍّ عميق، فكان يعظهم بكلمة الحياة، ويصلي لأجلهم فينالون شفاء النفس والجسد واقتدى بنسكه كثيرون، وتتلمذوا عليه آخذين عنه طريقة الزهد والنسك، التي دعيت بعدئذٍ بالرهبنة بشروطها الثلاثة: البتولية، الفقر الاختياري، والطاعة. وكان يتفقد الرهبان في البرية بين الفينة والفينة، ويرشدهم إلى طريق الكمال بالقول والمثال. وعمّر لهم أديرة وسنّ لهم قوانين انضباطية تنضم لهم الحياة المشتركة. ويعتبر القديس الأنبا أنطونيوس مؤسساً للحياة الرهبانية الأولى، نصف النسكية التي تمتاز بانفراد كل راهب أو ناسك في قلايته أو صومعته خمسة أيام في الأسبوع ويجتمعون معاً أيام السبت والأحد والأعياد في ديرهم المجاور لأماكن إقامتهم، للاشتراك في الأسرار الإلهية وقصد الأنبا أنطونيوس الإسكندرية عام 311 إبان شدة مكسيمينس رغبة منه في الاستشهاد في سبيل المسيح يسوع. فكان يتفقد المعترفين في سجونهم ويعزيهم ويشجعهم على الثبات حتى الموت على الإيمان المستقيم الرأي. وكان الحاكم قد أصدر أمراً بأن لا يظهر راهب في المدينة، أما الأنبا أنطونيوس فلم يبالِ بذلك بل كان يجاهر بالإيمان أمام الناس وحتى أمام الحاكم ذاته ببسالة فائقة. وشاء اللّـه تعالى أن يحفظه لمنفعة الكنيسة فلم يستشهد وعاد إلى ديره سالماً. وتنبأ الأنبا أنطونيوس عن خراب البيعة وتسلط الهراطقة عليها مدة من الزمن، وعودتها إلى عقيدتها المستقيمة الرأي وتقاليد آبائها كما تنبأ عن نمو الرهبنة وازدهارها. وهو الذي ألبس الأنبا مكاريوس الاسكيم الرهباني وانبأ بما يكون منه، وزار الإسكندرية للمرة الثانية وذلك سنة 355م، يوم كان الأريوسيون يفتكون برجال الكنيسة والمؤمنين باضطهاد عنيف أثاروه ضد المؤمنين، فخرج الأنبا أنطونيوس من عرينه يدافع عن الإيمان المستقيم الرأي ويعزي المعترفين، ويزور المسجونين مشجعاً اياهم على الثبات على الإيمان ويسفه الهراطقة الأريوسية الشنيعة، فتحمل في سبيل ذلك عذاباً أليماً وهدى العديد من الهراطقة الى الإيمان، وشاء اللّـه أن يبقيه حياً هذه المرة أيضاً لخير الكنيسة فلم يستشهد وزاره البطريرك اثناسيوس الرسولي، وكتب سيرته كما مر بنا. وكتب اليه الملك قسطنطين وأبناه قسطنطينوس وقسطنس خطابات طمعاً بنيل بركته، ورجوه أن يجاوبهم، ففعل بإلحاح تلاميذه عليه. وكانت أجوبته منطوية على النصائح الأبوية، والتذكير بالحياة الأبدية. وقد فرحوا بها كثيراً وقبل وفاة القديس الأنبا بولس أول المتوحدين الحبساء ( 347)، زارها الأنبا انطونيوس، بإلهام رباني وسمع منه قصته كما أنبأه الأنبا بول عن دنو أجله، وأن اللّـه أرسله ليقوم بمراسم دفنه، فحزن الأنبا أنطونيوس كثيراً وبكاه بكاء مراً. واهتم به وكفنه بعباءته التي أهداها اليه الأنبا اثناسيوس الرسولي البابا الاسكندري العشرون، وصلى عليه وأودعه لحداً حفره أسدان أرسلهما اللّـه اليه، وأخذ قميصاً من خوص كان عليه ورجع الى تلاميذه وأخبرهم بقصته، وقد عمَّر الأنبا بولس نحواً من مئة وثلاث عشرة سنة ولما شعر القديس الأنبا انطونيوس بدنو أجله، جمع تلامذته الرهبان ووعظهم، وأوصاهم أن يدفنوا جسده في التراب ويخبئوه تحت الأرض. وأناط هذه المهمة إلى تلميذيه أماثاس وكاريوس، ومما قاله في وصيته: «حافظا على كلمتي حتى لا يعرف المكان أحد سواكما. لأنني في قيامة الأموات سأتقبل جسدي بلا فساد من المخلص» وأمر بتوزيع ثيابه وأن تعطى للأسقف أثناسيوس (الفروة) أي جلد الخروف والرداء الذي كان مضطجعاً عليه والذي أعطاه إياه جديداً الأسقف أثناسيوس نفسه، ولكنه عتق مع القديس أنطونيوس. وإن تعطى (الملوطة) الجلد لتلميذه انكونيوس الاسقف سرابيون. وان يعطى عكازه لتلميذه الانبا مكاريوس وأن يحتفظا لهما بالثوب المصنوع من الشعر وأن يأخذا أيضاً ما تبقى له، ومما قاله لهما : «أما الباقي فخذاه يا ولديَّ لأن انطونيوس راحل ولن يبقى معكما فيما بعد». وهكذا رقد بالرب وكان عمره مئة وخمسين سنة. وذلك في 17 كانون الثاني ( يناير) عام 356م، وقام بدفن جسده حسب وصيته تلميذاه اماثاس ومكاريوس وتعيد له كنيستنا السريانية المقدسة وبقية الكنائس في 17 كانون الثاني من كل عام ومما هو جدير بالذكر أن القديس الأنبا أنطونيوس حتى ساعة انتقاله الى الخدور العلوية، لم تضعف قوته، ولا تناثرت أسنانه ولا تغيرت سحنته وبحسب نبوته أزدهرت الرهبنة فقبل وفاته كان عدد الرهبان الذين يدبرهم في مصر قد بلغ مائة ألف، ولم تنقض خمسون سنة بعد ذلك حتى كان عدد الرهبان في براري مصر مساوياً تقريباً لعدد سكان البلاد وظلت رفاته مخفية حتى عام 561م حين اكتشفت، ووضعت في كنيسة بمدينة كابون القريبة من الإسكندرية، ونقلت عام 635م إلى القسطنطينية، وفي القرن الحادي عشر إلى مدينة فيينا في شمال مارسليا فرنسا واستقرت أخيراً في كنيسة يولياني في مدينة آرل الواقعة على مصب الرون غرب مارسيليا. وقد ظهرت منها معجزات كثيرة. دائرة الدراسات السريانية
المزيد
29 يناير 2025

الرهبنة القبطية

جاءت الرهبنة القبطية كنتيجة طبيعية لتعاليم المسيحية السامية من جهة، ومن جهة أخرى كرغبة في الحياة حسب النموذج الذي أعطاه السيد المسيح من خلال حياته على الأرض، وكذلك نموذج القديس يوحنا الحبيب، قال الرب يسوع: «لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ ، ويوجد خصيان خصاهُمُ الناس، ويوجد خصيانٌ خَصَوْا أَنفُسَهُمْ لأَجل ملكوت السماوات. من استطاع أن يقبل فليقبل (متى ۱۲:۱۹)، ثم جاء القديس بولس والذي عاش في البتولية أيضًا ليقول: "وَلَكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ، إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلَا هُمْ غَيْرُ الْمُتَزَوْجِ يَهْتُمُ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّب إِذَا مَنْ زَوْجَ فَحَسَنًا يَفْعَلُ، وَمَنْ لَا يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ" (كورنثوس الأولى٧ : ۸،۳۲،۳۸). والراهب هو الشخص الذي لم يستطع أن يحيا وصية المسيح بكمالها وهو في العالم، فانطلق إلى البرية ليتسنى له ذلك، ويكتب ابن العسال أن: "الرهبنة هي فلسفة المسيحية" وكانت للرهبنة القبطية مقدمات، أي أنه وجدت صور باهتة لها في العهد القديم من جهة، وفي بعض ديانات أخرى من جهة ثانية، فقد عاشت جماعة الأسينيين حياة شبه رهبانية في مغارات حول قمران، كما عاشت جماعة "الثيرابيوتا" اليهودية في منطقة مريوط بغرب الإسكندرية،وجدت كذلك جماعات رهبانية بين البوذيين والبراهمة وهم تابعون لكونفوشيوس وبوذا، وفي مصر وجد عباد سيرابيس في منف بمصر، كما أن هناك نماذج لرجال في الكتاب المقدس عاشوا هذه الحياة، مثل القديسة مريم وايليا النبي ويوحنا المعمدان، وحنّة النبية وغيرهم ظهرت الرهبنة المسيحية من مصر، ومؤسسها هو القديس أنطونيوس، وإن كنا نقرأ أنه في عهد الإمبراطور أنطونيوس بيوس (۱۳۸-١٦١م) انطلق الأب فرونتونيوس إلى جبل نتريا مع خمسين شابا ليحيوا هناك ولكنهم لم يستمروا، ويقول العلامة "والس" إن تلك الحملة لم تكن إلا واحدة من حملات عديدة لم تسجلها الكتب المعاصرة لها، لأنها كانت تميل إلى الهدوء دون دعاية أول نماذج للرهبنة القبطية كانت فردية مثل القديس بولا السائح، والذي عاش وحيدًا مدة تسعين سنة، ولولا لقائه بالقديس أنطونيوس لما عرفنا عنه شيئًا، الأنبا أنطونيوس ذاته ترهب أولاً بمفرده، وتتلمذ على شيخ قديس يحيا منفردًا مثل كثيرين، قال عنهم لاحقاً عندما سُئل عن مرجعيته الرهبانية: "إن كتبي هي شكل (طقس) الذين سبقوني"، وكان كثيرون قد خرجوا من قراهم ليحيوا على أطرافها. كذلك نقرأ عن بيوت للعذارى وجدت قبل تجمعات الرجال الرهبانية. وهكذا تكونت الرهبنة على مرحلتين، الأولى المتوحدين والنساك الفرادى، والثانية: الشركة والتجمعات الرهبانية. آباء الرهبنة الأوائل: يُعتبر القديس أنطونيوس هو أب الرهبنة في العالم، حيث أسس أول جماعة رهبانية لها قانون ومرجعية، تلمذ كثيرين ومنهم آباء عظام، مثل القديسين مكاريوس الكبير وباخوميوس وآمون وإيلاريون وسيرابيون وغيرهم، كما يُعتبر القديس باخوميوس مؤسس نظام الشركة، حيث رأى أن يحيا الرهبان في مجموعات، يعملون ويصلون ويقيمون معا للتشجع، بينما انتهج القديس مكاريوس الكبير النظام الذي يجمع بين الوحدة والشركة، ثم ظهر القديس الأنبا شنوده كأب رهبنة وزعيم وطني وواعظ بليغ ورئيس للمتوحدين. شهد القرنان الرابع والخامس أزهى عصور الرهبنة، كثرت الأديرة وازداد عدد الرهبان بشكل مذهل، حتى شهد بلاديوس بأن أصوات تسبيح الرهبان كانت تسمع متصلة من أسوان إلى الاسكندرية على طول الصحراء الغربية، كما انتشرت مغارات المتوحدين لدرجة أن بعض عدد مغارات المتوحدين كانت تقارب - وتفوق أحيانًا - عدد القلالي داخل الأديرة، مثل الفيوم والتي فاق عدد قلالي الرهبان فيها عدد مساكن الناس. ومن أشهر التجمعات الرهبانية: بسبير (في الصعيد الأوسط)، ونتريا منطقة البحيرة (حاليا)، ومنطقة القلالي (النوبارية)، والأسقيط (وادي النطرون) ومنطقة البهنسا (في الصعيد الأوسط)، ومنطقة ليكوس (بالقرب من أسيوط)، ومنطقة أنتينوس (ملوي) وغيرها كثير هذا وقد اعتبرت الصحراء الأرض المقدسة بعد أورشليم ووفد لزيارتها الكثيرون من مشاهير الكنيسة الشرقية والغربية، مثل باسيليوس هيلاريون، أيرونيموس، وبلاديوس وكاسيان.. وكتبوا الكتب عنها كثيرا. وكانت الرهبنة أقوى ما كانت عندما كانت قائمة على التفرد، حيث كان للراهب البعد الاختباري مع الله حيث يؤمن له كافة احتياجاته وتعزياته، ذلك قبل أن يصبح للرهبان حصون في القرن السادس، وأسوار منذ القرنين التاسع والعاشر، وأصبحت هناك مخازن للطعام وأبواب ومزاليج وبوابون، وفي وقت لاحق زراعات ومشروعات. وقد حذر الآباء مبكرًا من مثل هذا: أن تقترب المساكن أو الزراعات من الأديرة، وقالوا: إن كل نياح جسداني ممقوت عند الله. والآن يتوق الآباء والأمهات رؤساء الأديرة ومعهم الآباء الرهبان والأمهات الراهبات - بكل قلوبهم - للعودة إلى الطقس الأول للرهبنة، وأن تعود الأديرة إلى الهدوء. ولما كان الرهبان والأديرة من أولى اهتمامات قداسة البابا تواضروس الثاني، كما رأى قداسته بنظرة ثاقبة أن النهوض بالكنيسة يبدأ بالاهتمام بالرهبنة، ومن هنا جاء مؤتمر الرهبنة الذي عُقد بدير القديس الأنبا بيشوي في الفترة من ١٤-١٦ يناير ۲۰۱۳م.
المزيد
23 يناير 2025

بدعة بولس السميساطي أسقف أنطاكية

مؤسس البدعة السيموساطية هو بولس السميساطى وأدخلها فى أنطاكية من هو بولس السيموساطي؟ ولد بولس فى بلدة تدعى سيمساط (وهى مدينة صغيرة ما بين النهرين)عن والدين فقيرين،وقد أصبح واسع الغنى بوسائل محرمة،ولا يعلم بأى طريقة أستطاع بها أن يصبح بطريركاً على الكرسى الأنطاكى إلا أنه يمكن القول أنه بجانب غناة وسلطته فقد كان بولس السيموساطي خطيباً مفوّهاً وسياسياً ماهراً ماكراً فإستطاع أن يحتل مركزاً مرموقاً في مملكة الملكة زينوبيا التي كانت تعرف بميلها لليهود فقد وكلت إليه جباية الخراج (الضرائب) فتقلد منصب دوسناريوس (أى والى مدنى من الدرجة الولى ذو مرتب سنوى 280 سترشيا عملة ذلك الوقت)، ورغبة منها في الانفصال عن روما فقد ساعدت بنفوذها بولس السيموساطي حتى يجلس على كرسى أسقفية إنطاكية عام 260م الذى كان يشاركها فى الميل لمناصبة روما العداء، وكان يحرص على وظيفته المدنية حرصاً شديداً لأنها كانت فرصة لأذلال شعبه كما كانت سلاحاً يستخدمه ضد الإكليروس عند مقاومتهم له نتيجة لهرطقته وسلوكه الشائن. أخلاق بولس السيماساطى ولما أثرى بعد فقر مدقع وشديد، وأنبسطت طالت يدة بعد أن كانت مغلولة فإنهمك فى الملذات والشهوات، فكان يصحب معه فى أى مكان يذهب إليه إمرأتين جميلتين يقضى معهما أكثر أوقاته، وكان مغرماً بالرفاهية والعظمة فلم يكن يسير فى الطرقات إلا ومائة من الخدم يتقدمونه ومائة أخرى يتبعونة يلبسون أفخر الثياب - وأبدل التراتيل التى تقال فى الكنيسة لتمجيد الرب الإله بنشائد تمجده وكلف بإنشادها فى الكنيسة بعض النسوة - وكان إذا خطب أو وعظ يجعل الناس تصفق له فى آخر كل عظة. محتوى بدعة بولس السيموساطي: كان بولس السيموساطي يعلم بأن الله واحد، أي أقنوم واحد، وفي هذا الأقنوم يمكننا أن نميز بين اللوجوس والحكمة، وهما عبارة عن صفتين وليسا أقنومين. خرج اللوجوس من الله أو انبثق منه منذ الأزل، وهو الذي كان يعمل في الأنبياء، وأيضاً في يسوع الذي وُلد من العذراء، أي أن يسوع إنسان مثلنا تماماً، مع أنه أعظم من موسى والأنبياء، ولكنه إنسان كامل، وقد حلّ اللوجوس في هذا الإنسان يسوع لذا لابد من التمييز بينه وبين يسوع. فاللوجوس أعظم من يسوع لأن يسوع بشري مثلنا، ويقول أن كلمة الإله حل فيه بعد ولدته من العذراء ونشط بعد حلول اللوجوس على يسوع وقت عماده وارتبط به برباط المحبة القوية. وبفضل رباط المحبة هذه استطاع يسوع أن ينتصر ليس فقط على الخطيئة بل أيضاً على خطيئة أجداده، لذا أصبح فادياً ومخلصاً لأنه تمّم مشيئة الله بطريقة كاملة، وبسبب أتحاد الكلمة الإلهية بهذا النسان يمكن القول أن المسيح هو الإله وليس بمعناها الحقيقى، ونشأ عن هذه البدعة والهرطقة فكر آخر وهو أنه كان فى المسيح أقنومان وأبنان للأله أحدهما بالطبيعة والآخر بالتبنى، وبذلك أنضم غلى سابيليوس فى انكار الثالوث الأقدس بقوله يوجد إله واحد تحسبه الكتب المقدسة بالآب وأن حكمته زكلمته ليست اقنوماً بل أنها فى العقل الإلهى بمقام الفهم فى العقل الإنسانى. الكنيسة تحرم بولس السيموساطي: وظهر فى ذلك الوقت كاهناً يُدعى ملخيون لإظهار أضاليل بولس ودحض بدعته وانضم إليه عدد من الكهنة والأساقفة منهم لينوس أسقف طرسوس، فدعا لعقد مجمع محلي في إنطاكية عام 264،ولكن هذا المجمع لم يصل لأية نتيجة لتدخل الملكة زينوبيا، وقد أعقبه مجمع آخر في إنطاكية ولم يصل أيضاً لنتيجة أيضاً،ولكن لم يمل أصحاب الإيمان القويم واستمروا في نضالهم ضد بولس السيموساطي،وبلغ البابا ديونيسيوس أخبار هذا الهرطوقى المخالف للعقيدة والأخلاق أرسل إليه العديد من الرسائل ووضح فيها مخالفة أفكاره لنصوص الكتاب المقدس وشهادات الآباء وقد أجاب بولس على رسائله موارباً وموارياً على ضلالته، ولأجل بدعته عقد فى أنطاكية مجمعاً وتكرر أنعقادة ويقول الأنبا ساويرس فى تاريخ البطاركة: " ولما طعن البابا ديونيسيوس فى ايامه ضعف جسده من كثرة ما لحقة من أضطهاد ولم يفتر مع هذا ليلة واحدة من قراءة الكتب المقدسة فلما علم الرب محبته للكتب أنعم عليه بقوة بصره حتى أنه صار يبصر كما كان فى ايام شبابه، ولما لم يقدر أن يذهب إلى مجمع أنطاكية الذى أجتمع فيه لمناقشة ما يقوله بولس السيماساطى أرسل برسالة مملوئة حكمة وتعاليم إلى ألساقفة المجتمعين به، لأن بوله كان كالقشب الذى يهر على الخراف، فمضى أساقفة المجمع مسرعين إلى أنطاكية بمجد السيد المسيح ومن جملة من حضر المجمع برمليانوي أسقف قيسارية قبادوقية، وغريغوريوس أسقف قيصرية الجديدة وأخوه أيثنوذوروس، وايلينوس أسقف طربيوس، ونيقيدوموس أسقف أبقونيا، وأيماناوس أسقف أورشليم، ومكسيموس أسق وسطراً وجماعة معهم أساقفة وقسوس وشمامسة "وكان بولس السيماساطى حينما يحضر المجمع يراوغ كثيراً فى أقواله، فكان تارة يستغيث من قساوة الأساقفة عليه، فمن جهة لا يبوح بحقيقة هرطقته وأفكاره،وتارة ينكر ما عزى إليه من ضلال، ثم يظهر موافقته للمجمع بما يطلب التصريح به، ولكن يرجع مرة ثانية لبدعته لهذا ينطبق عليه المثل " الكلب يرجع لقيئة " ولما أتنفذ فرص توبته ولم يرتدع كتب اعضاء المجلس كتب أعضاء المجمع إلى البابا مكسيموس البطريرك الأسكندرى وديونيسيوس أسقف روما يسردون فيها نقائص وعيوب بولس السيماساطى وإصرارة على بدعته وضلاله، ثم عقدوا بشأن ضلالته مجمعاً آخر أكبر حضره أساقفة أكثر وعُقد هذا المجمع في انطاكية عام 268م وقد قام ملخيون باستجواب بولس في هذا المجمع حتى استطاع إظهار ضلالته أمام الجميع ، وقام آباء المجمع بالكتابة إلى أسقفي روما والإسكندرية وأساقفة الكنائس الأخرى شارحين ضلالة بولس السيموساطي. فخلعوا بولس السيماساطى من بطريركية أنطاكية قلم يرضخ بالحكم وأعتصم بالدار البطريركية رافضاً الخروج منها وأستعان بقوة تدمر الحربية وواصل بولس البقاء في منصبه كأسقف رافضاً قرار المجمع وذلك بسبب مساندة الملكة زينبيا له، واستمر الحال هكذا لمدة أربع سنوات حتى سقطت الملكة وسقط معها بولس وكل تعاليمه.وبعد خلع بولس السيماساطى من من بطريركية الكرسى الأنطاكى وأقاموا بدلاً منه دمنوس، فعرض الأساقفة أمره إلى القيصر الرومانى أورليان فحكم بأن تعطى الأسقفية لمن أنتخبه المجمع ونفى بولس السيماساطى ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة بدعة بولس السميساطى تحت عنوان " بولس السميساطى والبدعة التى أدخلها إلى أنطاكية" فقال: 1 - بعد أن رأس زيستزس كنيسة روما أحدى عشرة سنة خلفه ديونيسيوس سمى ديونيسيوس الأسكندرى، وحوالى نفس الوقت مات ديمتريانوس فى أنطاكية ونال تلك السقفية بولس السميساطى . 2 - ولأنه كان يعتقد أعتقادات وضيعة عن المسيح - مخالفة لتعاليم الكنيسة - أى أنه كان فى طبيعته إنساناً عادياً، فقد توسلوا إلى ديونيسيوس الأسكندرى ليحضر المجمع، ولما لم يتمكن من الحضور بسبب تقدمه فى السن وضعف جسمه أعطى رأيه فى الموضوع الذى تحت البحث برسالة أرسلها إليهم، ولكن جميع رعاة الكنائس من كل جهة أسرعوا ليجتمعوا فى انطاكية كأنهم قد أجتمعوا ضد مبدد قطيع المسيح ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة (ك7 ف 28) (عن الأساقفة الذين ذهبوا لدحض بدعة بولس السميساطى تحت عنوان " أساقفة ذلك العصر البارزون " فقال: 1 - من بين هؤلاء كان فرمليانوس (ك6 ف 26) العظيم أسقف قيصرية كبادوكية، وألخوان غريغوريوس (غريغوريوس صانع العجائب ك6 ف 30) وأثينودورس، وبعض الرعاة من كنائس بنطس وهيلينوس (ك6 ف 46: 3) أسقف أيبروشية طرسوس ونيكوماس أسقف أيقونية، وعلاوة على هؤلاء هيميناس (ك7 ف 14) أسقف كنيسة أورشليم وثيوتكنس أسقف كنيسة قيصرية المجاورة، يضاف إلى هؤلاء مكسيموس الذى رأس ألخوة فى بوسترا (ك6 ف 33) بكيفية ممتازة وإن أراد أحد إحصائهم لوجد آخرين كثيرين علاوة على القسوس والشمامسة الذين أجتمعوا وقتئذ لنفس الغرض فى المدينة السابق ذكرها (أنطاكية) ولكن هؤلاء كانوا أبرزهم. 2 - وحينما أجتمع كل هؤلاء فى أوقات مختلفة لبحث هذه المواضيع كانت الحجج والأسئلة تناقش فى كل إجتماع، وكان أنصار السميساطى يحاولون أن يداروا ويخفوا هرطقته، وحاول الآخرون بكل غيرة أن يفضحوا ويعلنوا هرطقته وتجديفه على المسيح. 3 - وفى نفس الوقت مات ديونيسيوس فى السنة الثانية عشرة من حكم جالينوس بعد أن لبث أسقفاً 17 سنة وخلفه مكسيموس. 4 - وبعد أن لبث جالينوس فى الحكم 15 سنة خلفه كلوديوس الذى سلم الحكم إلى أوريليان بعد سنتين. ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة (ك7 ف 29) عن حرم بولس السميساطى تحت عنوان " وبعد أن دحض ملخيون (أحد القسوس الفلاسفة) آراء بولس صدر الحكم بحرمة " فقال: 1 - وفى أثناء حكمة عقد مجمعاً آخر مؤلف من أساقفة كثيرين، وكشف عن منشئ الهرطقة فى أنطاكية، وفضحت تعاليمه الكاذبة أمام الجميع، فحرم من الكنيسة الجامعة تحت السماء. 2 - وقد أخرجه ملخيون من مخبه ودحض آراءه، وهذا كان رجلاً متعلماً فى نواح أخرى، وكان رئيساً لمدرسة الفلسفة اليونانية فى أنطاكية، ونظراً لسمو إيمانه بالمسيح، رسم قساً لتلك الأيبروشية، وإذ ناقشة هذا الرجل مناقشة خطيرة دونها الكتاب الحاضرون، ولا زالت باقية إلى ألان، أستطاع وحده أن يكشف حقيقة الرجل الذى ضلل وخدع ألاخرين ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة (ك7 ف 30) عن رسالة الأساقفة ضد بولس السميساطى فقال: 1 - أما الرعاة الذين اجتمعوا من أجل هذا الأمر فقد أعدوا بإجماع الآراء رسالة موجهة إلى ديونيسيوس أسقف روما ومكسيموس أسقف الأسكندرية وأرسلوها إلى جميع الأقطار، وفى هذه بينوا للجميع غيرتهم وهرطقة بولس، والحجج والمناقشات التى دارت معه، كما بينوا حياة الرجل وتصرفاته، وخليق بنا أن ندون فى الوقت الحاضر الأقتباسات التالية من كتاباتهم: 2 - " إلى ديونيسيوس ومكسيموس، وإلى زملائنا الخدام فى كل العالم، ألساقفة والقسوس والشمامسة، وإلى كل الكنيسة الجامعة تحت السماء، هيلينوس وهيميناس وثيوفيلس وثيوتكنس ومكسيموس وبروكلوس ونيكوماس وأليانوس وبولس وبولانس وبروتوجينيس وهيرالكس وأوطاخى وثيودوروس وملخيون ولوسيوس وجميع الباقيين المقيمين معنا فى المدن والأمم المجاورة، أساقفة وقسوس وشمامسة، وكنائس الرب الأله سلام للأخوة المحبوبين فى الرب " 3 - وبعد ذلك بقليل بدأوا قائلين: " لقد ارسلنا ودعونا أساقفة كثيرين من أماكن بعيده ليخلصونا من هذه التعاليم المميتة كديونسيوس السكندرى وفرمليانوس الكبادوكى، هذين المباركين، أما ألول فإذ أعتبر منشئ هذه البدعة غير جدير بأن يوجه إليه أى خطاب أرسل رسالة إلى أنطاكية موجهة لا إليه بل إلى كل الإيبروشية، وقد أثبتنا صورتها فيما بعد. 4 - وأما فرمليانوس فقد اتى مرتين، وشجب بدعته، كما تعرف، ونشهد نحن الذين كنا موجودين، وكما يعرف آخرون كثيرون، ولكنه إذ وعد بتغيير آرائه صدقه، ورجا أن تتخذ الأجراءات اللازمة دون أن تلحق أيه إهانة للكلمة، ولذلك أرجأ الأمر إذ خدعه ذاك الذى أنكر حتى إلهه وربه، ولم يحفظ الإيمان الذى كان يعتقده سابقاً. 5 - ولقد كان فرمليانوس ألان فى طريقة ثانية إلى أنطاكية، ووصل حتى طرسوس، لأنه علم بالأختبار شرة وأنكاره للرب، ولكنه مات بينما كنا مجتمعين ومنتظرين وصوله. 6 - وبعد التحدث عن امور اخرى وصفوا فيما يلى نوع الحياة التى عاشها: " ولأنه قد انحرف عن جادة الإيمان، وأرتد بعد المناداة بتعاليم وضيعة زائفة، فليس من الضرورى - طالما كان قد أخرج خارجاً _ إصدار لأى حكم على تصرفاته. 7 - فمثلاً مع انه كان سابقاً فقيراً معدماً، لم يرث أيه ثروة من آبائه، ولم يجن أى ثروة من تجارة أو أى عمل آخر، إلا أنه الآن أصبح يمتلك ثروة طائلة بسبب شروره وأنتهاكه حرمة المعابد وسلبه للأخوة، وحرمان المظلومين من حقوقهم، ووعده لهم بمساعدتهم نظير أجر معين مع أنه يضللهم، وينهب أولئك الذين فى ضيقهم يكونون مستعدين أن يعطوا ليصطلحوا مع ظالميهم، ظانين أن التقوى تجارة (1 تى 6: 5) 8 - أو كغطرسته وكبريائه وإنتفاخه وإدعائه الكرامة العالمية، مفضلاً أن يدعى نائب الملكة عن أن يدعى أسقفاً، وزهوه وهو يسير فى السواق قارئاً بعض الرسائل بصوت مسموع وهو يمشى علناً يحف به حرس وتتقدمه وتتبعه الجماهير، حتى أصبح الإيمان مكروهاً بسبب كبريائه وغطرسة قلبه. 9 - أو كممارسة الألاعيب الخداعة فى الإجتماعات الكنسية، محاولاً تمجيد نفسه وتضليل الآخرين وإذهال عقول البسطاء، معداً نفسه محكمة وعرشاً مرتفعاً، الأمر الذى لا يليق به كتلميذ للمسيح، ومكاناً سرياً كحكام العالم، ضارباً بيده على فخذه وبقدميه عند دخول المحكمة أو كتوبيخه وأهانته لمن لا يصفقون له، ويلوحون بمناديلهم، كما يحدث فى المسارح، ولا يصيحون ويقفزون كالرجال والنساء المحيطين به، الذين يصغون إليه بهذه الطريقة الشائنة، بل يصغون بوقار كأنهم فى بيت الرب، أو كمهاجمته العنيفه العلانية لمفسرى الكلمة ممن غادروا هذه الحياة وتعظيمه لنفسه لا كأسقف بل كفيلسوف ومشعوذ. 10 - وإبطاله الترانيم الموجهة إلى ربنا يسوع المسيح كأنها إختراعات عصرية للرجال العصريين، وتدريبه النسوة لأنشاد الترانيم لشخصه وسط الكنيسة يوم عيد الفصح العظيم، مما تقشعر الأبدان عند سماعها، ومحاولته أقناع الساقفة والقسوس فى ألقاليم والمدن المجاورة الذين يتملقونه لعلهم يتبعون نفس الخطة فى أختلاطهم بالشعب. 11 - وقد رفض الأعتراف بأن ابن الله نزل من السماء، وهذا ما سنبينه فيما بعد، وليس هذا مجرد كلام، بل قد قامت عليه ألدلة الكثيرة من الكتابات التى أرسلناها إليكم، وألأدهى من هذا قوله أن يسوع المسيح من أسفل (قارن مع يو 3: 31 لبذى يأتى من فوق هو فوق الجميع)، أما من يرنمون له ويمدحونه بين الشعب فيقولون أن معلمهم الفاجر نزل ملاكاً من السماء، وذلك المتغطرس لم يأمر بمنع هذه، بل لا يستنكف حينما تقال بحضوره. 12 - وهنالك النساء اللاتى يسميهن أهل أنطاكية " أمينات الدار " المنتميات له وللقسوس والشمامسة الذين معه، وبالرغمن من أنه يعرف هؤلاء الأشخاص وأثبت عليهم جريمتهم، إلا أنه تستر على هذه هذه الخطية وخطاياهم الأخرى الشنيعة، ولكى يكونوا مدينين له، ولكى ى يجرأوا على أتهامه بسبب أقواله وأفعاله الخبيثة خوفاً على أنفسهم، على أنه قد جعلهم أيضاً أثرياء، لهذا أحبه الطامعون فى هذا الثراء وأعجبوا به. 13 - نحن نعلم أيها الأحباء أن ألسقف وكل الأكليروس يجب ان يكونوا أمثلة للشعب فى كل العمال الصالحة، ونحن لا نجهل كم من أشخاص قد سقطوا، أو تشككوا، بسبب النسوة اللاتى أتوا بهن، لذلك فحتى لو أفترضنا أنه لم يرتكب أى عمل خاطئ إلا أنه كان يجب أن يتجنب التشكك الناشئ من أمر كهذا لئلا يعثر أحد، أو يدفع الآخرين للأقتداء به. 14 - وكيف يستطيع توبيخ أو تحذير أى شخص آخر من الأختلاط الكثير بالنساء لئلا يسقط كما هو مكتوب (حكمة يشوع بن سيراخ ص 25), إن كان هو نفسه قد طرد واحده، ومعه ألآن أثنتان جميلتان متوردتان الوجه، يأخذهما معه أينما ذهب، وفى نفس الوقت يعيش فى البذخ والتنعم!! 15 - وبسبب هذه ألمور يكتئب الجميع وينوحون، ولكنهم إذ يخشون ظلمه وبطشه، ولا يجرؤون على أتهامه. 16 - لكن كما قلنا إذ كان يجوز للمرء أستدعاء الرجل لمحاسبته عن هذه التصرفات لو كانت عقيدته سليمة، ولو كان معدوداً معنا، فإننا لا نراه من الضرورى أن نطلب منه تفسيراً لهذه الأمور طالما كان قد أهان السر، وطالما كان يتمشدق مفاخراً بهرطقة أرتيماس (راجع تاريخ الكنيسة - يوسابيوس القيصرى ك5 ق 28) (لأنه لماذا لا نذكر أباه؟) 17 - وبعد ذلك اضافوا هذه الكلمات فى ختام الرسالة: " لذلك أضطررنا لحرمه طالما كان مقاوماً للرب الإله، ورافضاً الطاعة، وأضطررنا لأقامة أسقف آخر للكنيسة الجامعة بدلاً منه، ونعتقد أننا بإرشاد إلهى قد اقمنا دومنوس المتزين بكل الصفات اللائقة بأسقف، وهو أبن لديمتريانوس المبارك، الذى سبق أن رأس نفس الأيبروشية بكيفية ممتازة، وقد أعلمناكم بهذا لكى تكتبوا إليه وتتقبلوا الرسائل منه، ولكن ليكتب ذلك الرجل إلى أرتيماس، وليكتب إليه المشايعون لأرتيماس. 18 - وحالما سقط بولس من ألسقفية، ومن أفيمان المستقيم، أقيم دومنوس _ كما قيل - أسقفاً لأنطاكية. 19 - ولكن رفض بولس تسليم بناء الكنيسة إلتجئ إلى المبراطور أوريليان، فحسم المر بالعدل، وامر بتسليم البناء لمن يراه أساقفة إيطاليا ومدينة روما، وهكذا طرد هذا الشخص من الكنيسة، بفضيحة شنيعة بأمر السلطات العالمية. 20 - هكذا كانت معاملة أوريليان لنا وقتئذ، ولكنه فى أثناء حكمه غير تفكيره من جهتنا، واوحى أليه بعض المستشارين ليثير علينا أضطهاداً وصارت مباحثة كبيرة عن هذا من كل جانب. 21 - وإذ كان على وشك تنفيذ هذا، وكان على أهبه التوقيع على ألوامر ضدنا، حلت به الدينونة الإلهية، ومنعته من اتمام غرضه وهو على حافة تنفيذه، وبذلك بين الرب بكيفية ظاهرة يراها الجميع بوضوح أن حكام هذا العالم لم يستطيعوا مقاومة كنائس المسيح، إلا أن سمحت بذلك اليد التى تحميها، بتدبير سماوى، من أجل التأديب والتقويم، وفى الأوقات التى تراها مناسبة. 22 - وبعد أن حكم أوريليان ست سنوات (4) خلفه بروبس، وهذا حكم عددا من السنين وخلفه كاروس وأبناه كارينوس ونيوميريانوس، وبعد أن حكموا أقل من 3 سنوات آل الحكم إلى دقليديانوس وشركائه (5)، وفى عصرهم حدث الأضطهاد الذى نعانى مرارته، مع ما تبعه من هدم الكنائس. 23 - وقبل ذلك بوقت قصير مات ديونيسيوس أسقف روما بعد أن ظل فى مركزه 9 سنوات وخلفه فيلكس. المجمعين الأنطاكييّن الثاني والثالث تدخل الأساقفة: وهكذا انقسمت أنطاكية واتسع الشق فتدخل أساقفة الكنائس المجاورة، إذ اشتدت المشادة في أنطاكية دعا الينوس أسقف طرسوس أخوته الأساقفة في كنيسة أنطاكية إلى اجتماع في أنطاكية للنظر في قضية أسقفها. فلبى الدعوة كثيرون ومن أشهرهم كما يقول أفسابيوس، فرميليانوس أسقف قيصرية قبدوقية وغريغوريوس العجائبي أسقف قيصرية الجديدة في بلاد البونط -إذ كانت بلاد البونط حتى مجمع نيقية تتبع لأنطاكية- وأخوه اثينودوروس ونيقوماوس اسقف ايقونية وهيميناوس أسقف أورشليم وثيوتيقنوس أسقف قيصرية فلسطين ومكسيموس أسقف بصرى حوران. وأرسلوا دعوة إلى ديونيسيوس أسقف الاسكندرية لما عُرِف عنه من حكمة ودراية ودفاعه. وأراد أن يحضر الاجتماع إلا أنه اعتذر لتقدمه في السن. فأرسل لهم أفسابيوس الشماس الاسكندري لينقل لهم رسالته في مسألة بولس. وهذا الشماس كان معروفاً بتمسكه بالإيمان القويم وتضحيته في سبيل المحافظة على نقاوة الإيمان. هرطقة بولس: يذكر علماء الكنيسة اهتمام الآباء -خصوصاً- في القرن الثالث بالثالوث الأقدس-له المجد- وسعيهم للتوفيق بين وحدانية الله في التوراة وألوهية المسيح في الإنجيل. واختلافهم في هذا التوفيق. ثم يذكرون فكرة التبني Adoptianism التي قال بها ثيودوتوس وأرطمون وفكرة المونارخية التي نادى بها براكسياس في القرن الثاني ثم سبيليوس في القرن الثالث، ويقرأ -العلماء- في تاريخ افسابيوس أن الأساقفة المجتمعين اتهموا بولس بالأرطمة. وفي أقوال القديسين هيلاريوس وباسيليوس يجدون في موضوع بولس اعتراضاً على لجوئه إلى اللفظ اليوناني Homoousios للتعبير عن علاقة المسيح بالآب. فيقول الدارسين أن بولس زعم أن الله اقنوم واحد وأن الله تبنى المسيح تبني. المجمع الأنطاكي الثاني: (264)عقد المجمع جلساته كما أسلفنا في أنطاكية. وكثر الجدل فيه. وأخفى البولسيون هرطقتهم. وحاول الأحبار أن يظهروها إلا أنهم لم يفلحو، ورقد بالرب ديونيسيوس الاسكندري، فخسروا الأحبار سنداً لا يوجد فيما بينهم من هو بحزمه وعزمه. وكانت زينب لا تزال في مركزها وفي أوج عزها ومجدها. وأيّد بولس جميع أعداء رومة. واعترف بولس بأنه قال قولاً جديداً وقطع العهود على نفسه بالعودة إلى الإيمان القويم. المجمع الأنطاكي الثالث: (268) عاد بولس إلى سيرته الأولى، ضارباً عرض الحائط الوعود التي قطعها على نفسه. فكتب إليه الأساقفة رادعين واعظين، لكن دون جدوى. ففكروا بالعودة إلى أنطاكية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. فدعى الينوس مرة ثالثة إلى اجتماع في أنطاكية في سنة 268 فأمَّ عاصمة الشرق عدد كبير من الأساقفة. لعل عددهم وصل إلى السبع وثمانين وخلا مكان غريغوريوس العجائبي. وتوفيَ فرميليانوس بعده وهو في طريقه إلى أنطاكية. فتبوأ إلينوس المكان الأول بين المجتمعين، وجاء بعده هيمنايوس ومن ثم ثيوتيقنوس وكسيموس ونيقوماس أسقف أيقونية وثيوفيلوس أسقف صور وبروكلوس ونيقوماس واليانوس وبولس وبولاتوس وبروتوجينس وهيراكس وافتيخيوس وثيودوروس وملكيون ولوقيوس. أما أسامي الأساقفة الباقين فهم غير مذكورين في المراجع وخشي الأساقفة ألا يقارعوا بولس في فصاحته ودهاءه. فوكلوا أمر المقارعة إلى ملكيون -كما فعل غيرهم في ظروف مماثلة-. واستقدموا عدداً من الكتّاب لتدوين المناقشة. وناقش ملكيون بولس في العقيدة وأثبت -ملكيون- رأيه فثبت وقوع بولس في الهرطقة أدان المجمع بولس ووصمه بالهرطقة لأنه "امتنع عن القول بأن ابن الله نزل من السماء وتجسد، ولأنه قال بأن يسوع المسيح بشر وإنسان". وأكد المجمع شذوذ بولس في حب المال والجاه والفخفخة. وشجب المجمع أيضاً اقدامه على مساكنة النساء والسماح لبعضعن أن يرتلن في الكنيسة -تقاريظه ومديحه-. وصرَّح المجمع أيضاً أن إصلاح من يشعر بوحدة الكنيسة ويعد نفسه منها ممكن. ولكن ذلك الذي يستهزئ بسر التقوى -1Ti 3: 16 وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ،- ويفخر بهرطقة أرطمون المنتنة لا فائدة من محاسبته وخلع المجمع الأنطاكي الثالث بولس وانتخب دومنوس ابن ديمتريانوس سلف بولس اسقفاً على أنطاكية. وكتب بذلك رسالة إلى أسقف رومة ديونيسيوس ومكسيموس أسقف الاسكندرية وجميع الأخوة الأساقفة والكهنة والشمامسة وإلى كل الكنيسة الجامعة. ليكتب هؤلاء بدورهم إلى دومنوس معترفين برئاسته على كرسي أنطاكية جاء في المراجع المتأخرة أن مكسيموس الاسكندري وخليفة ديونيسيوس الروماني الاسقف فيليكس اتصلا بدومنوس واعترفا برئاسته في سنة 269. التي لم تدم أكثر من ثلاث سنوات وخلفه تيمايوس في السنة الأولى من حكم اوريليانوس 270-271. امتناع بولس عن الطاعة: ومع ذلك -اعتراف الكنيسة الجامعة برئاسة دومنوس- امتنع بولس عن طاعة المجمع المقدس، وظلَّ يعتبر نفسه رئيساً على كنيسة أنطاكية. وطاوعه في ذلك أتباعه، وأيدته زينب صاحبة السلطة، فظلت أوامره نافذة. وجلَّ ماربحه المؤمنون أنه أصبح لهم أسقفاً سليم العقيدة تقياً يلتفون حوله بإيمان وخشوع، ويمارسون الطقوس كسائر أبناء الكنيسة الجامعة. ولكن السلطات التدمرية لم تعترف بهم. وراحوا يعقدون معظم اجتماعاتهم في السرّ، وفي بعض الكنائس الصغيرة المنسية. زوال بولس: في سنة 268 سقط غاليانوس ضد أوريولوس، ولكن كان ولاء الجنود ل بكلوديوس الثاني. فقتل غاليانوس وما لبث أن مات بالطاعون فخلفه أوريليانوس في أواخر سنة 270 وأوائل 271 أنفذت زينب زبدة قائد قواتها إلى مصر ليستولي عليه، وكان حاكم مصر الروماني بروبوس قد خرج ليؤدب بعض العصاة في ليبية وقرطاجة وتطهير بحر الأرخبيل من القوط، ففعل زبدة واستولى على مصر وترك فيها حامية وعاد إلى سورية. ولما عاد بروبوس إلى مصر بعد خروج زبدة منه، حارب الحامية التدمرية ومن ناصرها من المصريين، فمات محارباً. وهنا أضحت زينب في حرب ضد رومة وكانت زينب قد أرسلت جيشها عبر طوروس إلى آسية الصغرى واحتلت أنقرة ثم بيثينية. ووصلت طلائع الجيش إلى خلقيدونية. وكان وقتها قد وصل إلى خلقيدونية اعتلاء اوريليانوس العرش الروماني، فصمد الخلقيدونيين في وجه التدمريين وقام اوريليانوس في صيف 271 من إيطاليا إلى البلقان، ثم إلى آسية الصغرى. فتراجع جيش زينب إلى سورية الشمالية، وصمد في أنطاكية. ولما وصل اوريليانوس إلى أنطاكية لجأ إلى حيلة انتصر على اثرها على التدمريين مما جعل زبدة أن يهرب من أنطاكية إلى حمص، حيث كانت زينب، ومعه بعض الأنطاكيين الموالين لزينب بالهروب معه. فلحق به اوريليانوس إلى حمص واصطدم هناك معه وانتصر عليه. فتراجعت زينب إلى تدمر. ولحق بها اوريليانوس وقتل البدو حتى وصل إلى تدمر بعد أسبوع واحد. وشدد الحصار على تدمر. فطلبت زينب من بشابور الساساني معونته، فأنجده، إلا أن اوريليانوس تمكن القضاء على هذه النجدة قبل وصولها إلى تدمر. فتخفت زينب وذهب لتطلب النجدة من الفرات. إلا أن الرومان أدركوها عند نهر الفرات وعادوا بها إلى معسكر اوريليانوس. فدخل تدمر ظافراً. وجر وراءه زينب وابنها ومستشارها لونجينوس. وقد حاكم هذا الأخير في حمص وأمر بقتله وبزوال الحكم التدمري زال نفوذ بولس السميساطي وقويت شوكة تيمايوس وجمهور المؤمنين. فتقدم الاسقف تيمايوس بطلب للأمبراطور أن يخرج بولس من قلاية الأسقفية ويكف يده عنها. فأمر بأن تعطى القلاية إلى أولئك الذين على صلة بالمكاتبة بأساقفة العقيدة المسيحية في ايطاليا ومدينة روما وأما مصير بولس بعد الخلع لا نعلم عنه شيئاً. زينب التدمرية: بعد أن غلب الأمبراطور فاليريانوس على يد الفرس في سنة 260 وأُسر،وجلس على العرش ابنه غاليانوس. استطاع لاذينة صاحب تدمر أن يثبت مقدرته في الحرب والسياسة، فجعله غاليانوس امبراطوراً على الولايات الشرقية. إلى أن اغتاله أحد أقربائه. فحلَّ محله ابنه وهبة اللات من زوجته زينب. إلا أنه كان صغيراً وقاصر، تولّت الحكم عنه والدته. واتسعت رقعة سلطته، فشملت كل سورية ولبنان ومصر وقسماً من آسية الصغرى. وفي منتصف سنة 271 أعلنت زينب استقلالها عن الإمبراطورية الرومانية. وكان وقتها الامبراطور اوريليانوس، فهب إلى قتالها واسترجاع تدمر تحت العرش الروماني. فدخل تدمر وأسر زينب واقتادها إلى رومة من السنة نفسها. وفي هذا الوقت كان بولس السميساطي أسقفاً على أنطاكية. بولس السميساطي أسقفاً على أنطاكية: (260-268). أصله من مدينة سميساط. ويفترض به أنه كان يعرف عن اليهود ودينهم والتوراة قبل وصوله إلى الكرسي. وأن زينب اشتهرت بعطفها على اليهود. وساعدته على الوصول للكرسي الرسولي الأنطاكي. لتضمن نوعاً من التعاون بينها وبين مسيحيي عاصمة الشرق. ولما وصل إلى السدة، جعلت منه زينب موظفاً مدنياً عالياً وأسندت له مهام مالية وإشرافية ولقبته ب "ذوقيناريوس". وازدادت سلطته فأصبح ممثل ملوك تدمر في أنطاكية. حتى قال فيه الأساقفة الذين نظروا بأمره فيما بعد-كما سنرى- أنه لم يكن بمقدور أحد أن يجرؤ فيشكو جور هذا الأسقف فتاه بولس بنفسه وتكبر. وصنع لنفسه عرشاً عالياً في الكنيسة وأذن لمريديه بتقريظه. ومنع تسابيح السيد في في الكنيسة. مدعياً أنها -التسابيح- من وضع إنسان متأخر، واستعاض عنه بمزامبر داود وتسابيح خصوصية أُعدّت لتمجيده، تم إنشادها في الكنيسة. وراح ينتقد الآباء الأولين، ولعله خصَّ أوريجانوس أكثر من غيره مما أثار حقد الأساقفة من حوله إذ كان أوريحانوس قد علّم في أنطاكية وكان كثيرين من الأساقفة في عصر بولس تلاميذ عند أوريجانوس العلامة الكبير. ومما أثار انتباه الأساقفة أن بولس نشأ فقيراً واغتنى بطريقة غير شرعية. وخامرهم الشك بإقامته علاقات مع نساء، إذ ساكن النساء واصطحب بعضهن على الرغم من حداثتهن ومظهرهن المغري تمكن بلباقته وخطابه البليغ أن ينشئ حزب حوله. وكان فيه عدد من أساقفة وكهنة وشمامسة الريف. مما أدى إلى شق كنيسة أنطاكية إلى معسكرين أبناء الريف وأمهات المدن وأبناء المدن الكبرى، وبعبارة أدق، إلى وطنيين شرقيين من سريان وعرب وإلى يونانيين ورومانيين ومتهلنين. فكان من الطبيعي أن يرى المعسكر الأول في زينب زعيمة تسعى إلى التحرر من سلطة الرومان وكل ما يمت للغرب بصلة. وصفَّ بعض اليهود والوثنيون إلى جانبهم واظهروا استعطافهم عليهم وناصروا زينب في حركتها (التحررية). بولس ولونجينوس: أرسلت زينب في طلب لونجينوس الحمصي من أثينا ليأتي إلى تدمر ويتسلم زمام الأمور في الدفاع عن موقفها. بما عُرِف عنه من حجة وفصاحة ورجاحة، فأصغت إلى إرشاداته في السياسة. ومن المحتمل أن يكون بولس قد عرف لونجينوس وتأثر بالفلسفة الأفلاطونية الجديدة. الذين يعطفون على توحيد اليهود وينكرون ألوهية المسيح. من هنا نستطيع أن نفهم ضلالة بولس في قوله أن المسيح "مخلوق" صالح، حمل روح الله في أحشائه. وتمسك بولس بظاهر التوراة ورفض التأويل الاسكندري. مقاومة أنطاكية بولس: حاول بولس أن يقاوم كل من أيّد رومة والحضارة اليونانية، والذين كانوا كثراً في أنطاكية. وحاولت زينب بدورها عن طريق لونجينوس أن تسميل هؤلاء بفصاحته. إلا أنهم ظلوا يعتبرونها بربرية ومتطفلة على الحضارة. وبالنسبة لليهود لم يُفضل البعض حكم زينب القريب على حكم رومة البعيد. بالرغم من استمالة بولس إلى عدد لا بأس به من الأساقفة إلى صفّه إلا أن كنيسة المسيح في أنطاكية كان ولا يزال فيها أساقفة أبرار حافظوا ويحافظون على تعاليم الرسل ودافعوا عن الإيمان ببسالة. وبهذا المقامة التي كانت ضد بولس كانت في صميمها مقاومة عقائدية، تهدف إلى تطهير كنيسة مدينة الله العظمى من بدعة بولس الفاسدة فتزعم هذه المقاومة الروحية في أنطاكية اثنان من أبناءها وهما دومنوس ابن ديمتريانوس الأسقف السابق وملكيون أحد معلمي الفلسفة والمنطق والفصاحة والبيان في مدارس أنطاكية الهلينية، وأحد أبناء كنيسة أنطاكية الأبرار. وهو الذي -كما حفظ لنا بطرس الشماس- تولى أمر المناقشة الرسمية في المجمع لاحقاً.
المزيد
16 يناير 2025

بدعة بورفيريوس

ولد في البثنية من أعمال حوران وتعلم في صور. ثم درس البيان و الفلسفة على لونجينوس في أثينة. فأعجب لونجينوس بشغفة بالعلم ومواهبه النادرة. وكان يدعى مالكاً فأطلق عليه لونجينوس اسم (الأرجواني) بورفيريوس. ولا نعلم ما إذا كان ولد مسيحياً كما يصرح سقراط المؤرخ. ولكننا نرجح أنه عرف اوريجانس العظيم وعلم أشياء وأشياء عن المسيحية التي كانت قد شاعت آنئذ في طول الساحل اللبناني وعرضه. ويرى بعض العلماء الباحثين أنه بالاضافة إلى لغته الأم تكلم العبرية وعرف جيداً طقوس الكلدانيين والفرس والمصريين ولعله أجاد فهم الأدب اليهودي غير المقدس والفينيقي. ويستبعد أن يكون بورفيريوس قد تذوق رسالة السيد المخلص في هذا الدور من حياته وأن يكون قد قدر عظمة التوراة حتى قدرها. فإنه في السنة 249 عندما بدأ داقيوس اضطهاده الشهير اتخذ موقف المدافع عن الامبراطورية وآلهتها وصنف رسالته في العرافة والعرافين وطرد قوساته Causatha من الحمام لأنه اعتبره شيطاناً رجيماً ولما بلغ بورفيريوس الثلاثين من عمره (263) رحل إلى رومة وأصغى إلى افلوطين فقال بفلسفته وأحب كثيراً أن يُغني ذاته في الوحدة الإلهية ويتحد بالواحد كما تسنى لمعلمه ولأفلاطون من قبله. واشتدت رغبته هذه حتى أنزفت قواه العصبية ففكر بالانتحار. ولكن افلوطين ردعه من ذلك مبيناً سخف هذا العمل وأشار عليه بالتجول. فرحل بورفيريوس في السنة 268 إلى صقلية وأقام في ليليبة. ولم يرَ أستاذه بعد ذلك وكان ما كان من أمر زينب التدمرية وحاجتها لفصاحة لونجينوس. وانقض القوط على ساحل ايجه وجزره. ففر لونجينوس ملبياً دعوة زينب وأقام معها. وعلم لونجينوس بما حل ببورفيريوس فكتب إليه أن يبرح صقلية ويعود إلى بلده الأم (270) ويحمل إليه بعض المصنفات. ولكن بروفيريوس آثر البقاء في صقلية فاستدرك بذلك خطر الموت الذي حل بلونجينوس في حمص السنة (272) على يد اوريليانوس وكان أفلطون المعلم يمقت البيان ويستثقل العناية بالجمل والألفاظ. وأدرك الحاجة إلى إعادة النظر فيما كتب فوكل ذلك إلى تلميذه بورفيريوس. فقبل التلميذ ولكنه لم ينفذ شيئاً منها إلا بعد وفاة معلمه. فدون في صقلية حياة أستاذه وجمع محاضراته في مجلدات ستة عرفت بالأقسام Ennead (التاسوعات) وشرحها. وكتب إليه تلميذه خريساريوس Chrisarios عضو مجلس الشيوخ الروماني أن يعينه على فهم كاتيغوريات Katrgoria (مقولات) ارسطو فصنف له بورفيريوس كتاب الايساغوجي Eisagoge (المدخل) وكسب بهذا السفر شهرة واسعة خالدة. برفيريوس والمسيحية: وعاد اوريليانوس من الشرق إلى رومة منتصراً وأحب أن يعمم عبادة الشمس فيجعلها دين الامبراطورية الأوحد فأشأ في السنة 274 هيكل الاله الشمس على الكورينال وبدأ يدعو لدين الشمس في أوساط العاصمة وفي الولايات. وعلم بروفيريوس بذلك فهب يهاجم النصارى والنصرانية وصنف رسائله الخمس عشر الشهيرة. وأمر الاباطرة المسيحيون في القرنين الرابع والخامس بمصادرة هذه الرسائل وابطالها فضاع نصها الكامل ولم يبق منها سوى شذرات مبعثرة في متون الردود التي صنفت ضدها. ثم ضاعت هذه الردود بدورها فلم يسلم منها سوى رد مكاريوس ويرى رجال الاختصاص أن هذا الرسائل خالية من أي تفكير فلسفي عميق. وهي في نظرهم أقرب إلى الجدل الفيلولوجي التاريخي منها إلى البحث الفلسفي. فإننا نرى بورفيريوس يسخر من قصة آلام السيد ويتطلب مثل الفريسيين من قبله عجائب عظمى. وهو يهزأ أيضاً من "تناقض" الأناجيل الأربعة ويلجأ في غالب الأحيان إلى اللجاجة والمماحكة مبتعداً عن إتخاذ موقف حاسم واضح.
المزيد
26 ديسمبر 2024

بدعة بلاجيوس

البيلاجية - نسطوريوس والمجمع المسكوني الثالث البيلاجية هى هرطقة تنادى بأن الإنسان يصل إلى الخلاص بمجهوداته الخاصة بعيداً عن نعمة الله أو أحياناً مع نعمة الله. والاسم نسبة إلى بيلاجيوس اللاهوتى الرومانى الذى علّم فى القرن الرابع والخامس. وقد كانت تعاليمه نسكية، ونادى بأن الإنسان له حرية الاختيار وأكد أتباعه على إنكار تأثير الخطية الأصلية على الإنسان. (The Oxford Dictionary for World Religions) بدعة بيلاجيوس: نوقشت فى المجمع المسكونى الثالث، مجمع أفسس الأول 431 م كان راهب قس من بريطانيا وكان ينادى بان " خطية آدم قاصرة عليه دون بقية الجنس البشرى وأن كل إنسان منذ ولادته يكون كآدم قبل سقوطه ثم قال أن الإنسان بقوته الطبيعية يستطيع الوصول إلى اسمى درجات القداسة بدون انتظار إلى مساعد النعمة وبديهى أن التعاليم الفاسدة تهدم سر الفداء المجيد ويضعف من دم السيد المسيح. (مز 51: 5) " بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت " (رو 2: 12) " كما فى آدم يموت الجميع هكذا فى المسيح يحيا الجميع " وبدأ ينشر بدعته بين البلاد حتى حكم عليه مجمع أفسس الأول بحرمه وبدعته وقد جذب بيلاجيوس رجلاً أيرلندياً من الوجهاء (الأغنياء) أسمه كلستينوس وذهب معه إلى أفريقيا ثم تركه فى قرطجنة وتوجه إلى مصر وفلسطين.. وهناك إنضم إلى حزب اوريجانوس ونال إعتبار وشهرة وحدث أن شماس كنيسة ميلانو قدم ضد كلستينوس شكوى إلى الأساقفة الأفريقيين إذ كان فى أفريقيا سبع قضايا، فإجتمع منهم مجمع فى قرطجنة سنة 412 وحرمه، فذهب إلى أفسس وهناك رسم بالغش قساً أما بيلاجيوس فقاومه إيرونيموس الشهير وأورسيوس وإشتكياه إلى اساقفة فلسطين فعقدوا مجمعين أحدهما فى (لد) والثانى فى أورشليم وكان قرار مجمع قرطجنة قد وصل إليهما فقدم إلى كل منهما صورة إعتراف مستقيم ووقع على قرار الحكم ضد زميله فقام أورسيوس تلميذ أوغسطينوس بإبلاغ هذا الحكم لمعلمه وأرسله له لمقاومة صاحب هذه البدعة وإلى أساقفة أفريقيا، فعقدوا مجمعين وأصدروا منهما حكماً ضد بيلاجيوس ورفيقه وأعلنوا هذا الحكم للكنائس الرئيسية ومنها كنيسة أورشليم ورومية وكان يوحنا أسقف أورشليم قد قبل بيلاجيوس فى شركته وأيده أيضاً الذى خلفه برايليوس، أما اسقف روما إينوشنسيوس فقد ايد قرار مجمع أفريقيا ضد بيلاجيوس وكلستينوس، ولكن اسقف روما توفى بعد فترة وخلفه زوسيموس فذهب بيلاجيوس وكلستينوس إلى روما ومعهما توصية أسقف أورشليم وإحتجا إلى البابا وتظلما فإنخدع من ظاهر عباراتهما وقبلهما وكتب رسالة مجمعية يعنف بها مجمع أفريقيا فإنعقد سنة 417 وأقام الحجة ضد البابا وثبت قرارات مجمع 412 م وأظهر للبابا إنخداعه، فلما عرف البابا غلطته وعد أن يفحص المسألة من جديد وبمشورة أوغسطينوس أسقف هبو الشهير عقد مجمع كبير فى السنة التالية مؤلف من 214 أسقفاً فأرسل البابا ثلاثة نواب إلى المجمع وكان منهم قساً قبل ذلك قساً أفريقياً من أبرشية سبيكى وهوإيباريوس قطعه (حرمه) أوريانوس أسقفه لذنوب فظيعة إرتكبها فإستجار القس المحروم بزوسيموس فقبله فى شركته وهو محروم وأرسله مع النواب ليرغموا المجمع على قبوله ويردوه إلى كنيسته، وأرسل بيد النواب لائحة تشمل قرارات بها هذا الطلب فى البند الرابع منها، وكان الفصل الأول وجوب إستئناف الأحكام ضد الأساقفة إلى البابا حسب أمر مجمع نيقية المسكونى. الفصل الثانى عدم سفر ألأساقفة إلى باب الحكام إلا بعد ألإتفاق، الفصل الثالث يجب فحص قضايا القسوس والشمامسة عند الأساقفة المجاورين إذ قطعهم (حرمهم) أساقفتهم عن حمق، الفصل الرابع يجب قطع الأسقف أوريانوس من الشركة أو إستدعائه إلى روما إذ لم يصلح ما افسده. فلما إنعقد المجمع أمر أبريليوس رئيسه وأسقف قرطجنة أن تقرأ أعمال مجمع نيقيا، فطلب إليه أولئك النواب لأن يأمر بتلاوة لائحة باباهم فتليت، ولما قرأ الفصل الأول.. قال الساقفة إن نسخ أعمال مجمع نيقية عندنا وليس فيها شئ من إدعاء زوسيموس، ولكى يزيلوا الشك باليقين قرروا إحضار صور أعمال ذلك المجمع من كنائس الشرق الرئيسية فكتبوا إلى كنائس العاصمة (القسطنطينية) والإسكندرية، وانطاكية يطلبون تلك الصور، ثم قرروا تأييد الحكم ضد بيلاجيوس وكلستينوس، وأما بخصوص القس المحروم الذى قبله البابا فنظراً لقانون مجمعهم ألأول المعدل بقانون 134 الذى مضمونه: إن كل إكليريكى يجدد دعواه عبر البحر أى إلى روما لا يقبل فى أفريقيا البتة وأعتبروا أن البابا تداخل بأمره بطريق المحبة، فقبلوا القس المومأ إليه بعد ندامته وتوبته وقبول خدمته فى كنيسة غير كنيسته الأولى وقبل أن تصل صور نسخ أعمال مجمع نيقية توفى اسقف روما زوسيموس وخلفه بونيفاتيوس اسقفاً على روما، وبعد قليل وصلت صورتان أحدهما من البابا السكندرى كيرلس، والثانية من أتيكوس أسقف القسطنطينية، فقراهما المجمع ولم يجد لدعوى زوسيموس الأسقف المتوفى أثراُ وإعتبروه مزوراً ومتلاعباً ثم حدث أن القس إيباريوس الذى كان محروما ونقله المجمع من كنيسته إلى اخرى عاد إلى حالته القديمة فحرمه المجمع، وكان بونيفاتيوس اسقفاً على روما قد توفى وخلفه كلستينوس فإستغاث القس المحروم به فقبله البابا وأرسله بصحبة اسق ليجبر المجمع على قبوله، فأبى المجمع الأفريقى قبوله وصمم على قطعه من الشركة وحرمه، وتمسك المجمع بحقوقه للنهاية، وقد أعتبر المجمع عروض البابا سلباً لحقوقه وحرر له رسالة طويلة شرح له كل ما حدث وتشبث سلفه زوسيموس وقبول المجمع للقس ولكن القس عاد لأخطائه مرة أخرى. أوغسيطنوس وبيلاجى الهرطوقى أنكر بيلاجيوس البريطاني وجود علاقة مباشرة بين خطيئة آدم أي عصيان ادم على الله ووقوعه فغي الخطيئة وسائر أفراد الجنس البشري وعلّم أن الإنسان ينال رضى الله بواسطة جهوده الخاصة. ومع أنه لم يبتعد نظرياً عن تعاليم الكنيسة المتعلقة بالمسيح يسوع إلا أنه كان يعمل بصورة قوية على هدم صرح المسيحية مظهراً بأن الإنسان لم يكن بحالة روحية سيئة إلى درجة تستوجب موت المخلص على الصليب. لم يذكر بيلاجيوس ذلك بصورة علنية ولكن تعاليمه كان لا بد لها من أن تؤدي إلى التقليل من أهمية موت المسيح وعمل الروح القدس في قلب الإنسان، ووجوب الولادة الثانية لكي يقدر الإنسان أن ينال سائر فوائد الفداء الذي كسبه لنا المسيح على الصليب كان جواب أوغسطين على تعاليم بيلاجيوس أن الإنسان يرث خطيئة آدم في حياته وان كل إنسان أخطأ في آدم. وهكذا فالإنسان في حالته الحاضرة غير قادر أن يقوم بجميع متطلبات الشريعة الإلهية وهو يبقى إذاً تحت غضب الإله. ليس هناك من واسطة للخلاص إلا بالمسيح يسوع وبما قام به على الصليب مكفراً عن خطايا المؤمنين. ولكن الإنسان لا يود من تلقاء نفسه أن يؤمن، أنه أسير لإرادته المستعبدة للخطية والشر. فالإنسان هو إذاً بحاجة مطلقة إلى معونة الله، إلى معونة فوق طبيعية، وهذا ما نسميه بالنعمة، أي تلك الهبة المجانية التي يعطيها الله للناس ممكنا إياهم من القيام بما يطلبه منهم في الإنجيل. فبدون هذه النعمة الخلاصية لا يقدر أي إنسان أن يستفيد من الخلاص المقدم مجاناً في الإنجيل. وقد أثّرت تعاليم أوغسطين هذه عن الإنسان في تاريخ الكنيسة في العصور المتتالية. البابا شنودة الثالث يشرح بدعة بلاجيوس بدعة بيلاجيوس كلمتكم من قبل عن البدع التى قامت فى العصور الأولى للمسيحية وأريد أن أكلمكم عن البدعة البيلاجية، بيلاجية نسبة إلى بيلاجيوس، وهى يعنى لها موضوعات حساسة فى أيامنا برضه حالياً بينما كان علماء اللاهوت فى القرن الرابع يبحثون فى اللاهوتيات وفى الثالوث القدوس، ولاهوت الابن وتطوروا إلى الكلام عن طبيعة الابن، كلها موضوعات لاهوتية، قامت هذه البدعة للدخول فى موضوع آخر تماماً، طبيعة الإنسان والنفس البشرية وخطية الإنسان ونتائج هذه الخطية وحرية الإرادة والنعمة والعلاقة بين الإرادة والنعمة، كل دى دخلت فيها موضوع غير حكاية الثالوث ولاهوت الابن ولاهوت الروح القدس.. الخ. بيلاجيوس هذا كان أصله راهب بريطانى من بريطانيا، وكان تقياً ناسكاً، ومشهور بالقداسة والتقوى وبدعوة الناس إلى الروحانيات، حاجة عجيبة صحيح، يعنى كتير نلاقى رهبان ونساك يخشوا فى اللاهوتيات يطبوا ويبقوا مبتدعين زى بيلاجيوس هذا وأوطاخى، ما هو كان راهب وناسك ورئيس رهبنة فى القسطنطينية وانتهى إلى البدعة، وأيضاً فيما بعد هنسمع عن جون كاسيان، إنه اتهموه إنه نصف بيلاجى، وكان راهب وناسك وحياته فى الأديرة وكان معاه واحد تانى اسمه فوستوس، وكان زعيم رهبانى، يا ريت الرهبان يخشوا فى الروحيات ويسكتوا، ويبعدوا عن الأمور اللاهوتية اللى بتتعبهم، إلا من كان فيهم قديراً على التحدث فى اللاهوتيات بيلاجيوس كان راهب بريطانى محب للتقوى ويدعو الناس للحياة المقدسة، فكان يتعبه كثيراً إن البعض يقول أنا مش قادر، أنا ضعيف، أنا مجرد بشر، أنا لا أستطيع، الخطية شديدة والتقوى صعبة، فلذلك هو تضايق من الناس اللى بيتكلموا عن ضعف الطبيعة البشرية، وبدأ يتكلم عن قوة الطبيعة البشرية وقدرتها لدرجة إنه تطرف، قال الطبيعة البشرية قوية وقادرة على إن الإنسان يحيا حياته كلها بدون خطية!، وإن فى العهد القديم قبل ما ييجى المسيح كان فيه قديسين بلا خطية، وقال ونحن لسنا فى حاجة إلى معونة إلهية من الخارج لتقويتنا حتى نعيش بلا خطية، وهكذا أنكر مفعول النعمة. وقال إن النعمة الحقيقية التى ممكن تعطى للإنسان إن ربنا خلقنا بهذه الطبيعة، يعنى النعمة الأصلية إن ربنا خلقنا على هذه الطبيعة التى يمكن أنها لا تخطئ ونعمة تانية اللى هى مغفرة الخطايا ولذلك اصطدم باثنين من القديسين وقفوا ضده، وهما القديس أغسطينوس الذى كان أسقفاً لمدينة هيبو فى إيبارشية قرطاجنة، يعنى إن قلنا إن مصر كانت هى أكبر الكانائس الأفريقية فى شمال أفريقيا من ناحية الشرق نقول من ناحية الغرب كانت قرطاجنة، والقديس جيروم أيضاً، القديس جيروم كان عنده رهبانات فى أورشليم، الراجل ده كان بيلاجيوس هرب إلى فلسطين، ففى شمال أفريقيا لقى أغسطينوس ولما راح فلسطين لقى جيروم وهما الاتين كانا فى خط واحد، فى كلام بيلاجيوس عن قوة الطبيعة البشرية وحرية الإرادة الضخمة التى تستطيع أن تختار الخير من غير النعمة أنكر الخطية الأصلية التى ولد الإنسان، وإزاى هيتولد إنسان بالخطية؟ ما يبقى ضعيف، فأنكر الخطية الأصلية وقال إن خطية آدم أضرت آدم وحده ولم تضر أحداً من نسله أو من أولاده، دى نقطة تانية، وما دام أنكر الخطية الأصلية، يبقى أنكر فائدة المعمودية، شوفوا الخطية دية سلسلة، خطية تقود لخطية.. الخ لغاية لما يقع الإنسان فى مجموعة من البدع، ولما أنكر المعمودية أنكر أيضاً حاجة الأطفال للمعمودية بالتالى، وبعدين قال إن الأطفال حتى غير المعمدين هيروحوا الملكوت، يبقى ما تفتكرش إن مسألة كلامه عن حرية الإرادة وقوة الطبيعة البشرية وقفت عند هذا الحد، دى دخلت فى سلاسل، وبعدين قال هو المشكلة إن الإنسان ربنا خلقه بطبيعة قوية وبإمكانيات لكن هو ساعات ما يستخدمهاش وقال إن أحنا لو أنكرنا هذا الأمر، يبقى هنتهم ربنا بجهل مزدوج، أنا آسف أقول التعبير ده، ده تعبير بيلاجيوس، قال يبقى اتهمنا ربنا بجهله بطبيعة ما قد خلق، وإيه تانى؟ وجهله بالوصية اللى هو اداها للناس هى أدهم ولا لأ، ده على رأى الشاعر اللى قال على الإنسان اللى مش قادر ومصير، قال: ألقاه فى يم يعنى بحر، مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء، ده ربنا يعنى، ولا مؤاخذه، مش هقعد كل كلمة أقول أعوذ بالله، أعوذ بالله، ولا استغفر الله ده مش أسلوبنا، فبيلاجيوس قال الطبيعة البشرية طاهرة وتقدر تمر صح فى كل حاجة، وتستطيع أن تصل إلى الكمال أيضاً وبدون النعمة، قال كون إن المسيح يقول كونوا كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل ما دام أمرنا بالكمال يبقى ممكن، إذاً طبيعتنا البشرية ممكن تصل إلى الكمال، إحنا ما بنقولش لأ، لكن تصل للكمال بالنعمة، لكن هو ما بيجبش سيرة النعمة، وكون إن يكون حتى فى العهد القديم، ربنا قال لإبراهيم أب الآباء فى دعوته له فى تكوين 12، سر أمامى وكن كاملاً، مش ممكن يقوله كن كاملاً، إلا لو كان الكمال سهل وممكن، إحنا ما بنقولش مش ممكن يعنى عن طريق النعمة، ولذلك لما قرأ عليه جزء من اعترافات أغسطينوس التى قال فيها للرب، أعطى ما تأمر به، يعنى إدى النعمة اللى تخللى الواحد ينفذ ما تأمر به، أعطى ما تأمر به وأمر بما تشاء، يعنى أمر زى ما أنت عايز، بس على شرط إنك تعطى ما تأمر به، فقال سواء الإنسان أراد أو لم يرد عنده القدرة إنه يعمل الخير وبدون النعمة وأنه يحيا بدون خطية ويصل إلى الكمال، من أجل هذا وجدنا إن القديس أغسطينوس أخذ جهداً كبيراً فى الرد على البيلاجييين، لدرجة فى مجموعة أباء نيقية وما بعد نيقية نلاقى فيه مجلد كبير للقديس أغسطينوس اسمه ضد البيلاجية من ضمن هذه الكتب اللى فى المجلد كتاب عن مغفرة الخطايا ومعمودية الأطفال والروح والحرف وطبيعة النعمة، ونعمة المسيح والخطية الأصلية وأصل النفس، وأيضاً أربع كتب ضد رسائل بيلاجيوس والنعمة وحرية الإرداة كل هذه المؤلفات من سنة 412 لسنة 426 يعنى حوالى 14 سنة كتب عن بيلاجيوس، اللى فيكم يحب يقرأ عن النعمة يقرأ كلام أغسطينوس أتكلم كلام كتير قوى، طبعاً أغسطينوس اتكلم عن أهيمة النعمة بشدة عشان يرد على البيلاجيين، لكن يطلع بعد كده الطوائف تقول النعمة كل حاجة ومفيش أعمال ولا إرادة يبقى تطرف من ناحية أخرى، مش يستغلوا الكلام اللى قاله أغسطينوس ضد البيلاجية ياخدوه بصفة عامة، لأ، أغسطينوس قال يعنى على الرغم من كلام البيلاجيين، لم يوجد إنسان واحد وصل إلى كمال البر، فلابد من حاجة إلى معونة، البيلاجيين يقولوا لو اتكلمنا عن النعمة يبقى الكلام عن معونة خارجية وليس عن معونة داخلية، داخلية الإنسان قادر، لكن من بره يجيب نعمة ما لهاش دعوة بطبيعة الإنسان وأنكروا الخطية الأصلية وقالوا ليس شئ ولدوا معنا، إحنا ولدنا ونحن قادرون. نيجى بقى لتاريخ هذه البدعة، كما ترون راجعة إلى أوائل القرن الخامس سنة 410 – 411 لغاية 426، إن بيلاجيوس وهو راهب بريطانى وكان عايش فى رومية وكان عايش هادى وأفكاره بيقولها بالوعظ ثم كتب كتاباً عن تفسير رسالة بولس ظهرت فيه أفكار، لكن مع ذلك الذى نشر أفكاره صديق له اسمه كلوستيوس وكان رجل محامى، بدأ ينشر تعاليمه، فالمسألة بدأت تنتشر وسط العامة، من معلم وسط تلاميذه كبلاجيوس إلى كلامه وسط الناس وصل الحديث أيضاً إلى أغسطينوس الحكاية كبرت بقت مسألة عامة، فأخيراً هرب الصديقان إلى شمال أفريقيا، وبعد شوية بيلاجيوس ذهب إلى فلسطين وترك كلوستيوس فى شمال أفريقيا، وكلوستيوس كان عايز يبقى قسيس، لكن ما كنش متأسس كويس، إزاى؟ طلع له واحد شماس اسمه باولينوس اتهمه بالهرطقة واتكلم عن 7 نقط ضده فى الهرطقة، فكات النتيجة إن اجتمع مجمع فى قرطاجنة سنة 412 لمحاكمة كلوستيوس، اللى هو تلميذ وصديق بيلاجيوس، المجمع ده كان برئاسة القديس أوريليوس، وده اسم مشهور لأنه كان رئيس الإيبارشية اللى فيها أغسطينوس ماسك مدينة صغيرة فيها اسمها هيبو، كان أسقف قرطاجنة، فالمجمع ده أوقف كلوستيوس، لم ينكر شيئاً من الاتهامات التى وجهت إليه، بس قال عن بعضها دى أمور موضع دراسة بين الناس ولا تصل إلى حدود الإيمان المعترف به، والكلام ده ما دخلش فى أذهان المجمع فحكموا عليه بحرمانه، هو أول ما لاقى أول ما لاقى حكم بالحرمان رجع لبلده واستطاع أن يقنعهم إنه يبقى قسيس، فرسموه قساً فى أفسس، دى تورينا مشكلة فى تاريخ الكنيسة، إن أحياناً إنسان ما ينفعش فى إبروشيته فيروح إبروشية تانية تحالله أو ترسمه، زى أوريجانوس، ما نفعش فى الإسكندرية فراح لقيصرية الجديدة فرسموه قساً هناك يعنى الحكاية بتمشى بنوع مش تمام، إحنا مش هانعاتب بتوع أفسس دلوقتى، خلينا فى حكاية الهرطقة بتاع كلوستوس، فبيلاجيوس كان فى فلسطين وهو موجود هناك وعايش بعيد هناك فى صيف 415 جه قسيس أسبانى اسمه باولوس بيحمل رسائل من أوغسطين إلى جيروم، جيروم كان موجود فى فلسطين، طبعاً الجوابات ده أمور لاهوتية، فالقسيس الأسبانى لما وصل إلى فلسطين سألوه فحكى لهم مسألة حرم كلوستيوس فى مجمع فى قرطاجنة، وإنه واخد التعليم من بيلاجيوس، واتقلبت الدنيا، فجابوا بيلاجيوس يحاكموا، عملوا مجمع برئاسة يوحنا الأورشليمى، واستعدى بيلاجيوس عشان يقدم إيمانه وكان الرجل الأسبانى عايز واحد يترجم له، المهم إن هذا المجمع ما استطعش ياخد لا حق ولا باطل من بيلاجيوس، وبيلاجيوس أنكر ما قيل فيه، اجتمع مجمع تانى فى مدينة اللدة، واستدعة بيلاجيوس، فأنكر أيضاً الاتهامات اللى وصلت ضده، وعلى رأى أغسطين قال المجمع حكم ضد الهرطقة مش ضد الهرطوقى، يعنى الهرطقة معترفين إن الكلام ده هرطقة، لكن ماقدروش يمسكوا بيلاجيوس وبيلاجيوس أدان الأفكار التى كان يقول بها وانتهى الأمر إلى أنهم تركوه بدون حكم، الحكاية دى غلط، هذا الخبر وصل إلى شمال أفريقيا، اللى هم حكموا قبل كده على كلوستيوس، فاجتمع مجمعان، مجمع حضره 69 أسقف سنة 416 ومجمع آخر من 60 أسقف فى مدينة ميلا، وهم الاتنين المجامع دول حكم ضد بيلاجيوس بالهرطقة، وضد كلوستيوس بالهرطقة، لعل بعضكم يقول، طب ما حكموا عليهم يبقى انتهى الموضوع، هو حكم مجمع لكن لسه، وصلت الحكاية إلى روما، فالمجمع التانى قال ده راجل كان عايش طول عمره فى روما نحوله على أسقف روما، كان أسقف روما ساعتها اسمه انوسنت الأول، وأساقفة أفريقيا بعتوا له تقرير عن موضوعه، فوجد إن بيلاجيوس إنسان هرطوقى، وكلوستيوس إنسان هرطوقى، فأيد كلام مجامع أفريقيا المكانية وحكم بهرطقة بيلاجيوس وكلوستيوس، المشكلة إن بعد أسابيع من هذا الحكم مات إنوسنت وجه واحد اسمه زوسيموس، زوسيموس ده يظهر ماكنش دقيق فى اللاهوتيات جرى له بيلاجيوس، وجرى له كلوسيوس، فحكم إن بيلاجيوس وكلوسيوس إيمانهم سليم وأرسل رسالة إلى أساقفة افريقيا شديدة اللهجة جداً، ويصفهم بالتسرع فى الحكم وطلب إعادة النظر فى الموضوع، دول أفريقيين بتوع زربنة! وإذا بأساقفة أفريقيا هاجوا وعقدوا مجمعاً من أكثر من 200 أسقف وبعثوا برسالة إلى زوسيموس وقالوا له إنت غلطان، والراجل ده ضد النعمة والراجل ده ضد المعمودية، وأرسلوا له الرسالة، وعشان يضمنوا خط الرجعة اتصلوا بالأمبراطور وقالوا ده قرار المجمع و200 أسقف حكموا بهرطقة بيلاجيوس وكلوستيوس، والأمبراطور حكم بنفى بيلاجيوس ونفى كلوستيوس، ونفى كل من ينضم إليهم فى الرأى وأسقف روما وجد نفسه فى حيص وبيص، ماذا يعمل؟ فعلشان يخفى خجله، قالهم أنا أجبهم مرة أخرى عشان إعادة حكمهم، فاستدعاهم محدش جه عشان منفيين، وأخيراً خضع لقرار الإمبراطور وحكم بحرمهم والبدع بتاعتهم وأقر أيضاً إن لزوم المعمودية ووراثة خطية آدم والأمور التى أنكرها هؤلاء ووقع معه جميع اساقفة كرسيه ما عدا 18 فأمروا بنفى ال18، بعضهم رجع والبعض انتهى وظن البعض أن هرطقة بيلاجيوس انتهت، لكن قامت مجموعة فيما بعد حاولوا أن يجدوا حلاً متوسطاً ما بين أغسطين وبيلاجيوس، دول اللى سموهم أشباه البيلاجيين، للأسف منهم جون كاسيان، وده كان تلميذ لذهبى الفم.
المزيد
19 ديسمبر 2024

بدعة بطرس القصار

تعود إلى النزاع الخريستولوجي إضافة بطرس القصار: فنقرّر من ثم بأن إضافة التي ألحقها بطرس القصار بالنشيد التقديس كفرٌ، لأنها تأتينا بأقنوم رابع، فتضع ابن الله وقوة الآب الأقنومية من جهة، والمصلوب من جهة أخرى على أنه غير القويّ. أو هي تُمجد الثالوث الأقدس المتألم، صالبة الآب والروح القدس مع الابن. فبعداً لهذا الكفر وهذا الهذيان! الأسماء الإلهية العامة: أمّا نحن فننسب لفظة قدوس الله إلى الآب، غير فارزين اسم اللاهوت له وحده، بل مدركين أن الابن إله والروح القدس كذلك. ولفظة قدوس القوي نجعلها للابن، غير نازعين القوة عن الآب والروح القدس. ولفظة قدوس الذي لا يموت نخصصها للروح القدس، غير تاركين الآب والابن بمعزل عن الخلود، بل ناسبين إلى كل من الأقانيم كل الأسماء الإلهية نسبة بسيطة وعامة، مقتدين بالرسول الإلهي القائل: "لنا إله واحد الآب الذي منه كل شيء ونحن إليه، وربّ واحد يسوع المسيح الذي به كلّ شيء ونحن به" (1كور8: 6). ومتشبهين بغريغوريوس اللاهوتي الذي هو ليس بأقل من الرسول في تعبيره حيث يقول: "ولنا ربّ واحدٌ الآب الذي منه كل شي وربُ واحد يسوع المسيح الذي به كل شيء وروح قدوس واحد فيه كل شيء". فلفظة منه وبه وفيه ليس من شأنها أن تفصل الطبائع -لأن على حروف الجرّ هذه أن لا تتبدلّ أو على الكلمات أن لا يتغيّر ترتيبها- بل هي لتمييز خصائص الطبيعة الواحدة بدون تشويش. وهذا واضح من أن الحروف هذه تعود فترجع إلى واحدٍ لدى قراءة ذلك بتأنٍّ في الرسول نفسه القائل: "كل شيء منه وبه وإليه فله المجد مدى الدهور. آمين" (رومة11: 36). النشيد المثلث التقديس موجّه إلى الثالوث الأقدس لا إلى الابن وحده: يشهد الأحبار الإلهيون أثناثيوس وباسيليوس وغريغوريوس وكل خورس الآباء اللابسيّ الله أن النشيد المثلّث التقديس لا يُقال في الابن فحسب، بل في الثالوث الأقدس. فإن السارفيم القديسين في تقديسهم المثلّث يُظهرون لنا الأقانيم الثلاثة للاهوت الفائق الجوهر، ويعرفوننا بوحدة السيادة ووحدة المُلك لرئاسة الثالوث الإلهي. وعليه يقول غريغوريوس اللاهوتي: "وهكذا إذاً، فإن أقدس الأقداس التي هي محجوبة عن السارافيم أيضاً وتتلقّى التمجيد بتقديسات مثلّثة تجتمع في سيادة واحدة ولاهوت واحد. وهذا ما قد استنتجه أيضاً من كانوا قبلنا من السلف الصالح وذلك بأقوال أكثر جمالاً وأعلى سموّاً". تقليد الكنيسة عن هذا النشيد، في عهد بروكلُس الحبر: وعليه، فقد أجمع المؤرخون الكنسيّون على القول بأنّ الشعب القسطنطيني، في عهد رئيس الأساقفة بروكلس، فيما كان يقوم بابتهال لإبعاد محنة إلهية، وإذا بطفلٍ من الشعب قد اختطف بالروح وتلقن -بتعليم ملائكي- النشيد المثلث التقديس على النحو التالي: "قدوس الله. قدوس القوي. قدوس الذي لا يموت. ارحمنا". ولمّا عاد الصبيّ إلى وعيه، أخبر بما تعلّم. فأخذ الجمهور كلّه يترنّم بالنشيد فتوقفت المحنة للحال. وفي المجمع المقدس العظيم المسكوني الرابع، أعني الخلقيدوني، قد تمّ تسليمّ النشيد المثلث التقديس كما هو للترنيم، وعلى هذا النحو قد صار تدوينه في أعمال المجمع المقدس المذكور. إنها إذاً لسخرية مضحكة حقاً أنَّ النشيد المثلث التقديس الذي أشار به الملائكة وتحقق بوحي من إرشادهم وتثبت رسمياً في مجمع آباء جزيل عددهم وكان قبلاً قد ترنّم به السارافيم، على أنه يوضح أقانيم اللاهوت الثلاثة، ينتهي به الأمر أن يوطأ بتفكير سخيف من القصار، ومن ثم يكون عرضة لإصلاحه من مغالاة السارافيم! فيا للاعتداد بالذات، حتى لا أقول: يا للغباوة! - أما نحن فإننا نتابع الهتاف هكذا، ولو خزي الشياطين، ونقول: "قدوس الله. قدوس القوي. قدوس الذي لا يموت. ارحمنا".
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل